«البحر الهاديء لا يصنع البحّار،» حكمة حقيقية. لأنه من خلال الصعوبات نُطوِّر الصبر فينا. ومن خلال الضغوطات ننضج.
لقد تحقق أهل العالم أنه في الصعوبات دروس وقِيمَ توسع الآفاق. قال شالز كيترنج مرة: «المشاكل تكاليف النجاح والتقدم. لا تسبب لي غير المشاكل. الأخبار الحسنة تُضعفني.»
لكن عندنا الكثير من الشهادات المسيحية عن الفوائد التي تنتج عن التجارب. قال أحدهم أنّ الألم يمرّ لكن إحتمال الألم نتعلّمه ليدوم معنا.
وُلدت العديد من المقطوعات الموسيقية الجميلة في أعقاب تجارب شديدة وحالكة.
قال الواعظ الشهير سبيرجن بطريقته الخاصة: «لا يمكنني أن أثمّن الصلاح الذي حصلت عليه من الحزن والألم والمعاناة. أنا مدين بكل شيء للمطرقة وللمبرد. الألم أفضل الأثاث في بيتي.»
لماذا نتعجّب بعد؟ ألا يقول لنا كاتب العبرانيين، «وَلَكِنَّ كُلَّ تَأْدِيبٍ فِي الْحَاضِرِ لاَ يُرَى أَنَّهُ لِلْفَرَحِ بَلْ لِلْحَزَنِ. وَأَمَّا أَخِيراً فَيُعْطِي الَّذِينَ يَتَدَرَّبُونَ بِهِ ثَمَرَ بِرٍّ لِلسَّلاَمِ» (عبرانيين 11:12).
«أدَيَّانُ كُلِّ الأرْضِ لا يَصْنَعُ عَدْلاً؟» (تكوين 25:18)
عندما يصعب علينا فهم أسرار الحياة، يمكننا أن نرتاح وبكل ثقة أن قاضي كل الأرض هو الله كليّ البر، المطلق الأبدي.
واحد من هذه هو مصير الأطفال الذين يموتون قبل بلوغ سن الإدراك. يكفي الكثيرون منّا عِلماً «لأن لمثل هؤلاء ملكوت الله.» نؤمن أنهم آمنون بدم يسوع المسيح. لكن لآخرين ممّن لا يزالون غير راضين يجب أن يكتفوا بكلمات هذا العدد. يمكن الاعتماد على الله ليعمل كل ما هو صواب.
وهناك السؤال الأبدي في مشكلة الاختيار والمصير المقدّر. هل يختار الله مَن هم للخلاص وفي نفس الوقت يختار الذين للهلاك؟ بعد أن أجاب كل من أتباع كالفن والأرمن على هذا السؤال، عندنا ثقة كاملة أنّ الله بار وعادل لا ظلم عنده.
وهنالك حسب الظاهر أن الشرير يزدهر بينما الصدّيق يمر في ضيقات صعبة. والسؤال الدائم عن مصير الوثنيين الذين لم يسمعوا الإنجيل قط. يحتار الناس في فهم سماح الله بدخول الخطية منذ البداية. نقف أحياناً عاجزين عن الكلام في وجه المصائب، الفقر والجوع، الضعفات الجسدية والعقلية. نهمس والشك يُساورنا، «إن كان الله المسيطر، لماذا يسمح بكل هذا؟»
فجيبنا الإيمان قائلا، «إنتظر حتى يُكتب الفصل الأخير. لم يخطئ الله معك. عندما نتمكن من رؤية الأمور بصورة أوضح، نتحقق أن قاضي كل الأرض قد عمل الصواب.»
كتب جان أوكسنهام يقول في هذا المعنى:
لا يمكننا فهم ما يخطّه الله في سِفره لكل منا،
لأننا لا نستطيع حلّ كل الألغاز حول خيبة الآمال،
الموت، الحياة، الحروب اللانهائية، الجهاد دون فائدة،
لكن هناك عندما تنفتح أبصارنا سنرى أن طريقه كان الأفضل.
لا شبيه للكتاب المقدس في علم النفس. يعطي نظرة ثاقبة لسلوك الإنسان لا تجد لها مثيلاً في أي كتاب آخر. فهنا، على سبيل المثال، يصف الشخص الذي يدمّر حياته بيده، وبدل أن يتحمل اللوم بنفسه، يتوجّه إلى الرب مُعاتباً ولائماً.
وكم ينطبق هذا على الحياة. نعرف أناساً أعلنوا جهاراً عن إيمانهم بالمسيح ولكنهم انغمسوا فيما بعد برذائل وأشكال الشرور الجنسية. وهذا سبّب لهم العار، الإحتقار والإفلاس المالي. لكن، هل تابوا؟ كلاّ، لقد انقلبوا على المسيح، أنكروا إيمانهم وأصبحوا مدافعين عن الإلحاد.
تكمن جذور الإرتداد في الفشل الأخلاقي أكثر ممّا نتصور. حدّث أ. بولوك عن شاب تفوّهَ بالعديد من أشكال الشك والإنكار بأمور تتعلّق بالإنجيل. وعندما سأله بولوك، «بأي الخطايا أنت منغمس؟» إنهار الشاب وابتدأ يسكب قصصاً شنيعة مع الخطية وعدم الحشمة.
يكمن خطأ الإنسان في طريق الشر الذي يسلكه ضد الله وتقع عليه نتائج خطاياه. قال أ. إيدني: «إتهام عناية الله بالنتائج الصادرة عن عمل ينهي عنه، يكون فكراً رهيباً جداً.»
الحقيقة هي، «لأن كل من يفعل السيئات يبغض النور، ولا يأتي إلى النور لئلا توبّخ أعماله» (يوحنا 20:3). يذكّرنا الرسول بطرس بأن المستهزئين الذين «يسلكون بحسب شهواتهم جهّال بإرادتهم.» ويعلّق بولوك على هذا بقوله: «يُظهر هذا حقاً مهماً، أن عدم القدرة والتردد في قبول حق الله أخلاقي على الغالب. غالباً ما يريد الشخص أن يستمر في خطيته، أو أن للجسد كراهية طبيعية لِلّه. ربما ميزة التفتيش عن النور والإلتزام باتباع الكلمة غير مقبولين. ليس الخطأ هو خطأ الرأس بقدر ما هو خطأ القلب.»
كما كان خادم إبراهيم ذا إحساس بأهمية إرساليته، ينبغي علينا نحن بأن نكون كذلك. لا يعني هذا أن نركض في جميع الإتجاهات في نفس الوقت. لا يعني أنه ينبغي أن نعمل كل شيء بسرعة جنونية. لكن ينبغي أن نكرس أنفسنا كليا للمهمة التي أمامنا كأمر ذي أهمية وأولوية. يجب أن نتبنى توجّه الشاعر روبرت فروست عندما قال أن الغابة جميلة، معتمة وواسعة، لكن عنده مواعيد لِيَفي بها وأميالاً ليقطعها قبل أن ينام.
وقد قالت أيضاً إيمي كارمايكل فيما يخص عملها: «إنني أعِد الله ألاّ أقضي وقتاً في اللعب واللهو وقطف أزهار البرية حتى أنهي عملي وأسدّد جزءاً من حسابي.» وفي مكان آخر كتبت تقول، «ما دام الوقت نهاراً، لا تدع روح الحسّ بالضرورة يموت فيَّ، أيهّا الراعي الصالح دعني أفتّش التلال معك.»
يُقال أن تشارلز سيمون أبقى صورة لهنري مارتن في مكتبه وقد كان يبدو له أن مارتن كان يراقب كل حركاته في المكتب ويقول له، «كن جدّيّا، كن جدّيّا، لا تتهاون لا تتهاون.» فيجيب سيمون قائلاً، «سأكون جدياً، سأكون جدياً ولن أتهاون، لن أتهاون لأن النفوس تهلك، ينبغي تمجيد يسوع.»
إستمع إلى الحاجة الملحّة في كلمات وجرأة بولس الرسول، «...أَفْعَلُ شَيْئاً وَاحِداً: إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ. أَسْعَى نَحْوَ الْغَرَضِ لأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ اللهِ الْعُلْيَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ» (فيلبي 13:3-14).
ألم يحيا مخلّصنا المبارك بموجب هذا الحسّ من الحاجة المُلحّة؟ لقد قال: «وَلِي صِبْغَةٌ أَصْطَبِغُهَا وَكَيْفَ أَنْحَصِرُ حَتَّى تُكْمَلَ؟» (لوقا 50:12).
«إِنَّمَا أَنَا سَاكِنَةٌ فِي وَسَطِ شَعْبِي.» (ملوك الثاني 13:4)
لقد أظهرت المرأة الشونمية المشهورة حُسن ضيافة كل ما مرّ النبي من تلك الطريق. وقد اقترحت على زوجها أن يبني غرفة إضافية لتكون للنبي. ولكي يردّ المعروف وحُسن الإستضافة لهذه السيدة، سألها أليشع عمّا يمكنه عمله لأجلها. هل عندها طلبات من الملك أو من قائد جيشه. لكنّها أجابت وبكل بساطة، «أسكن في وسط شعبي.» أي أنها سعيدة في نصيبها من الحياة. تحب الناس العاديين الذين تعيش في وسطهم. لا ترغب في الارتفاع عن الطبقة التي تعيش فيها، والاختلاط بأهل الطبقة العليا لا يجذبها.
كانت سيدة حكيمة! ينبغي على أولئك الذين يركضون وراء معاشرة المشهورين من الأنس، مع الأغنياء أو مع الطبقة الأرستقراطية، أن يَعلمَوا أن معظم المختارين من البشر لا تصل أخبارهم إلى الصحف وزوايا الاجتماعيات فيها.
كان لي بعض الاتصالات مع بعض المشهورين في العالم الإنجيلي ولكنني أعترف أنه في معظم الأحوال كانت اختباراتي معهم محبطةً. وكلّما زادت معرفتي بأصحاب الدعاية المسيحية الصحفية، ازدادت أوهامي بهم. لو تُرك لي الاختيار فأقول أعطوني المواطنين المتّضعين، خائفي الله غير المعروفين لهذا العالم لكن معروفون للسماء.
يعكس توزر شعوري هذا عندما يكتب قائلاً، «أومن بالقديسين. لقد تعرّفت على هزليين، على إعلاميين، على من كُتبت أسمائهم على واجهات البنايات ليعرف الناس أنهم المؤسّسون لها. تعرّفت على بعض رعاة البقر المتجددّين. لقد تعرّفت على العديد من المؤمنين الغرباء في سلوكهم عبر الولايات المتحّدة وكندا سعياً وتفتيشاً من كل القلب عن القديسين. أود لو ألتقي أُناساً يشبهون الرب يسوع المسيح. نحن في الواقع نريد بل ويجب أن يكون جمال الرب إلهنا في صدور البشر. القدّيس الجذّاب الجميل يساوي خمسمائة من المسيحيين الإعلاميين الساعين إلى الشهرة فقط.»
كذلك يبدي تشارلز سيمون إحساساً مشابهاً حين يقول، «منذ اليوم الأول انطلقت لأجل هذه الساعة...إذ أننّي أعمل مع أفضل مَنْ في هذا العالم ومع الذين يسعون بكل جهدهم وقواهم ليظهروا المحبة لأجل اسم المسيح.»
وهكذا نرى البصيرة الروحية في كلمات المرأة الشونمية، «أنا ساكنة في وسط شعبي.»
بصيرة ثورية! المواهب المدوّنة في أفسس 4 تُعطى لتكميل القديسين في أعمال الخدمة. وعندما يستطيع القديسون السير إلى الأمام تنمو المواهب معهم.
وهذا يعني أن النجاح في الخدمة المسيحية يكون ببذل النفس في العمل وفي أقصر مدّة ممكنة، ويتبع ذلك البحث عن عالم جديد لانتصار جديد.
هكذا كان يعمل بولس الرسول. فمثلاً ذهب إلى تسالونيكي وكرز لليهود في ثلاثة سبوت وعندما غادرهم ترك خلفه كنيسة نشيطة. وممّا لا شك فيه كانت تلك حالة من السرعة الإستثنائية في تأسيس العمل المذكور. وقد كانت أطول مدّة قضاها بولس في مكان واحد كانت لمدّة سنتين في أفسس.
لم يكن قصد الله للقديسين أن يعتمدوا دوماً على أي من هذه المواهب. إنها زائلة. إذ إحتَرفَ القديسون سماع المواعظ ولم يندمجوا في أعمال الخدمة لن يتطوّروا روحياً كما يجب ولن تصل البشارة للعالم حسب مشيئة الله.
قال وليم ديلون أنّ المبشّر الناجح في الحقول الأجنبيّة لا يخلفه أجنبي. وهذا القول يصح عن الكنائس المحلية عندما تنتهي مهمة خادم، إذ ينبغي على القديسين أنفسهم أن يتسلّموا العمل بدل أن يبدأوا التفتيش عن واعظ جديد.
كثيراً ما نتمسك نحن الكارزين بمركزنا كوظيفة لمدى الحياة. نعتقد ان لا أحد يمكنه أن يقوم بالعمل كما ينبغي. نعطي أعذاراً لبقائنا من اننّا نخشى هبوطاً في عدد الحضور إذا تركنا المنصب. نتذمّر قائلين أن الآخرين لا يمكنهم القيام بالعمل على أكمل وجه ولا يمكن الاعتماد عليهم. لكن الواقع هو أنه ينبغي أن يتعلّموا. ولكي يتعلّموا يجب أن يُمنحوا الفرصة. يجب أن يكون هناك تدريب وانتداب المسؤوليّات وتقييم التقدّم.
عندما يصل القدّيسون لدرجة يشعرون فيها أنهم قادرون على القيام بالمهام دون معلّم مُعينَّ أو واعظ معين، فلا ينبغي أن يبدأ بتضميد جرح مشاعره، بل يكون هذا داعية للفرح والاحتفال. يُطلق الخادم إلى حيث الحاجة له أكبر.
من المحزن جداً أن نرى عمل الرب يُبنى حول شخص ما، مهما كان موهوباً. يجب أن يكون هدفه أن يضاعف تأثيره في بناء القدّيسين إلى درجة عدم اعتمادهم عليه. فلا خوف عليه من أن لا يجد عملاً آخر في عالم كعالمنا.
أهم اختلاف ما بين الرجل الحكيم والجاهل كما جاء في سفر الأمثال هو أن الحكيم يسمع بينما الجاهل لا يسمع.
المشكلة ليست في قوى الجاهل العقلية. يمكن أن يتمتع بذكاء خارق. لكن لا يمكن أن تقول له شيئاً. يعمل من خلال أوهامه القاتلة أنه لا حدود لعلمه وأحكامه لا خطأ فيها. إن يقدّم له أصدقاؤه نصيحة ما، فيُوبَّخون على مجهودهم. يراقبونه يحاول التخلّص من نتائج حتمّية بسبب الخطية والسلوك الغبي، لكنّهم عاجزون عن تجنّب الواقعة. وهكذا ينتقل من أزمة إلى أخرى. يقع في كوارث مادية. حياته الخاصة في صعوبات. أعماله تتداعى إلى حافة الفوضى. لكنّه يفسّر كل هذه بأن الحياة تقسو عليه. لا يدرك أنه هو أكبر عدو لذاته. يُكثر من تقديم النصح للآخرين، غير واعٍ لعدم قدرته في إدارة حياته. كثير الثرثرة، يتباهى بثقة الخطابي الماهر.
الحكيم مصنوع من مادة مختلفة. يعرف أن مقدرة الجميع قد تآذت بسبب السقوط. يعرف أن الآخرين يرون ناحية من المشكلة التي فاتته رؤيتها. مستعد للاعتراف بخيانة ذاكرته له أحياناً. قابل للتعليم، يرحّب بكل ما يساعده على اتخاذ القرار السليم. إنه في الواقع يطلب مشورة الآخرين لأنه يعلم أنه «الخلاص بكثرة المشيرين» (أمثال14:11). ومثله مثل باقي البشر: يقترف الأخطاء أحياناً. لكنه يمتلك فضيلة التعلّم من أخطائه ويجعل من كل هفوة خشبة قفز للنجاح. يشكر التوبيخ الذي يستحقّه ومستعد للاعتذار عن هفواته. الأولاد الحكماء يخضعون لتأديب والديهم، الجهّال يتمرّدون. الشباب الحكماء يطيعون قواعد السلوك الكتابيّة في كل ما يتعلّق بالطهارة الأخلاقيّة، الجهّال لا يلتفتون لهذا. الحكماء من البالغين يحكمون على الأمور إن كانت مُسِّرة للرب، أمّا الجهّال فيسلكون فيما يرضي أنفسهم.
وهكذا يتقدّم الحكيم في الحكمة بينما يتمرّغ الجُهّال في نزوات غبائهم.
الحقيقة الطبيعية هي أننّا نلد أولاداً على شبهنا كصورتنا. وَلد آدم إبناً على شبهه كصورته ودعا اسمه شيثاً. وعندما رأى الناس شيثاً، قالوا المثل الذي يُرددّه الناس منذ ذلك الحين «الولد طالع لأبيه».
وينطبق هذا القول على الحياة الروحية إذ نلد أولاداً كصورتنا. عندما نأتي بالبعض إلى حضرة الرب يسوع، فإنهّم بدون وعي يقتبسون بعض الصفات التي فينا. وهذا ليس وراثياً بل تقليدا. يتطلعّون إلينا كمثلهم الأعلى وبدون وعي يُقلّدون سلوكنا. ومن ثم يظهر عليهم الشبه العائلي.
وهذا يعني أن المكانة التي أعطيها للكتاب المقدس في حياتي تنتقل إلى أبنائي بالإيمان. وكذلك تشديدي على حياة الصلاة تنتقل إليهم أيضاً. كذلك تصيبهم عدوى العبادة إن كانت العبادة من صفاتي.
إن تمسّكت بمطالب التلمذة يعرفون أن هذا هو المقياس المعتاد لجميع المؤمنين. لكن من الناحية الأخرى إن كنت لا أهتم بكلام المُخلّص وأحيا للمال والشهرة والمسرّات، أتوقّع أن يحذوا حذوي.
لا يمكنك أن تتوقّع من أولادك الروحانيين أن يواظبوا على حضور جميع الاجتماعات إن كنت أنت نفسك لا تواظب عليها. إن تحضر إلى الكنيسة متأخراً، فمن المحتمل أن يتأخّروا هم أيضاً. لا تندهش من جلوسهم على المقاعد الخلفية إن كنت أنت معتاداً على ذلك.
من ناحية أخرى، إن تكن منضبطاً، محافظاً على الوقت، يمكن الاعتماد عليك، مندمجاً وحيوياً فلا بد من أن يكون تلميذك سائراً في خطاك.
فالسؤال المهم لكل منّا هو، «هل أرضى بولادة أولاد كصورتي؟» يقول بولس الرسول، «كونوا متمثّلين بي» (كورنثوس الأولى 16:4). هل يمكنك قول هذا؟
عندما سأل يسوع أعميَين إن كانا يؤمنان أنه يستطيع أن يعيد إليهما بصرهما أجاباه أنهما يؤمنان. وبينما هو يلمس أعينهما قال: «بِحَسَبِ إِيمَانِكُمَا لِيَكُنْ لَكُمَا» فانفتحت أعينهما.
الإستنتاج السريع من هذه الحادثة هو أنه إن كان عندنا مقدارٌ من الإيمان، نحصل على كل ما نريد: غنى، شفاء أو أي شيء آخر. لكن ليس الحال هكذا. ينبغي أن يكون الإيمان متأسساً على حقائق كلمة الله، على وعد من وعود الله، على وصية كتابية. وإلاّ يكون الطلب مجرّد رغبة ساذجة.
نتعلم من هذه الحادثة أن مدى تحقّقنا من مواعيد الرب يعتمد على مقدار إيماننا. قال أليشع للملك يوآش، بعد أن وعده بالنصر على الآراميين، أن يضرب الأرض بسِهامه. ضرب يوآش ثلاث مّرات ثم توقف. فقال له أليشع غاضباً أنه سوف يفوز بثلاث انتصارات فقط على الآراميين بينما كان يمكنه الحصول على خمسة أو ستة (ملوك الثاني14:13-19). مدى انتصاراته اعتمد على مقدار إيمانه.
هكذا هي طريق التلمذة. نحن مدعوّون لنسلك بالإيمان، لنترك كل أمر. ممتنعين من جمع الكنوز على الأرض. إلى أي مدى نجرؤ على إطاعة هذه الوصايا؟ هل ينبغي أن نتنازل عن تأمينات الحياة، الصحة، حسابات التوفير، الأسهم والسندات؟ الجواب لكل هذا هو، «بِقَدر إيمانك يكون لك.» إن كان لك إيمان لتقول، «سأعمل بجد لأسدّد احتياجاتي الآتية واحتياجات عائلتي، وكل ما عدا ذلك أجعله من عمل الرب وأثق به للمستقبل،» عندها تكون متأكّداً تماماً من أن الله سيعتني بمستقبلك. حيث أنه قال أنه سيقوم بهذا ولن يتخلّف للحظة. ومن الناحية الأخرى إن كنّا نشعر أننا ينبغي أن نمارس «العناية البشرية» بالتجهيز لليوم الماطر، يستمر الله في محبته لنا وفي استخدامنا بحسب مقدار إيماننا.
تشبه حياة الإيمان المياه التي تجري من هيكل حزقيال 47. يمكنك أن تغطس حتى كعبيك، حتى ركبتيك، حتى حقويك أو أفضل الأمور السباحة فيها.
أفضل بركات الله تكون لمن يثق أكثر به. عندما نمتحن أمانته وكفايته، نريد أن نتنازل عن عكاّزنا، عن كل ما نستعين به، عن مسندنا. أو كما قال أحدهم: «إذا مشيت على الماء، فلن تريد أن تركب القارب ثانية.»
يقول لنا الرب يسوع بهذه الكلمات أننا لا نستطيع أن نطلب استحسان الناس واستحسان الله في آن واحد. ويؤكد كذلك أنه في الوقت الذي نسعى فيه وراء شهادة البشر، نكون قد وجّهنا ضربة جسدية لحياة الإيمان.
وعلى نفس الخط يُعبِّر بولس الرسول عن عدم الالتزام فيما بين اشتهاء إرضاء الله أو إرضاء الانسان: «فَلَوْ كُنْتُ بَعْدُ أُرْضِي النَّاسَ لَمْ أَكُنْ عَبْداً لِلْمَسِيحِ» (غلاطية 10:1).
فمثلاً هناك شاب مؤمن يريد أن يتقدّم ليحصل على درجة عالية في حقل اللاهوت. لكنه يريد الشهادة من جامعة مُعترَف بها. يجب أن تكون الشهادة من مؤسسة معترف بها. ولسوء الحظ فالجامعات المعترف بها الوحيدة التي تمنح هذه الشهادة تَنكر وتشكّك في الكثير من أسس تعاليم الإيمان الصحيح. لكي يحصل على شهادة تحمل اسمه يعني أنه مستعد أن يستلمها من أُناس، مع أنهم علماء معروفين، هم أعداء صليب المسيح. وبلا شك فإنه قد يتنجّس خلال هذه الدراسة. فلن يعود للحديث بنفس الثقة.
رغبتك لتكون معروفاً في العالم على أنك متعلماً أو عالماً مشهوراً، فهاذه مخاطرة خطيرة. هنالك خطر مخفي في التساهل بالمبادئ الكتابية في حمل أفكار ليبرالية، وفي انتقاد التعليم الأصيل بدل انتقاد التعليم الحديث.
تواجه المعاهد المسيحية حيرة مؤلمة في طلب الاعتراف من المعاهد العلمية في حقول التعليم. الرغبة الشديدة لتكون حامل شهادة معترف بها تقود في النهاية إلى التنازل عن التشديد على الكتاب المقدس وتبنّي مبادئ دنيوية كتبها أناس لا يمتلكون الروح القدس. ينبغي أن نسعى للحصول على «استحسان» الله أكثر من أي شخص آخر. البديل يكلّف كثيراً لأننا لا نريد أن نقدمّ للناس صورة ضد المسيح بدل الحق الإلهي.
«وَاخْتَارَ اللهُ ضُعَفَاءَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الأَقْوِيَاءَ» (كورنثوس الأولى 27:1)
عندما يصنع نجاراً قطعة أثاث جميلة من فضلات الخشب يكتسب مديحاً واستحساناً أكثر مما لو صنع تلك القطعة من أفضل المواد. وهكذا تَعظُم مهارة الله وقدرته عندما يستخدم أشياء ضعيفة لا قيمة لها ليقوم بعمل أمور مجيدة. فلا يعزو الناس النجاح للمواد الخام بل يكونوا مضطرين للاعتراف بأن الفضل يعود إلى الرب الذي يستحق التسبيح والمجد.
يعلّمنا سِفر القضاة المرة تلو المرة بأمثلة كثيرة كيف يستخدم الله ضعفاء العالم ليخزي كل ما هو قوي. فكان إهود رجل أعسر من سبط بنيامين. واليَد اليسرى في الكتاب المقدس تشير إلى الضعف. ومع هذا استطاع إهود أن يتغلب على عجلون ملك موآب ويكسب الراحة لبني إسرائيل لمدة ثمانين سنة (القضاة 12:3-30).
قاتَل شَمخر بن عناة، الفلسطينيين مستخدماً منخس البقر، واستطاع بهذا السلاح الغريب أن يقتل ستمائة من الفلسطينيين ويُنقذ بني إسرائيل (31:3). ومع أن دبورة كانت تنتمي إلى «الجنس اللطيف»، استطاعت بقوة الله أن تفوز بالنصر الكبير على الكنعانيين (قضاة 1:4 حتى 31:5). لا يمكن المقارنة بين جيش باراق المؤلّف من عشرة آلاف جندي وبين تسعمائة من المركبات الحديدية لسيسرا، ومع هذا كان النصر لباراق في ميدان القتال (قضاة 10:4، 13). وكذلك قامت ياعيل، عضواً آخر من «الجنس اللطيف» بقتل سيسرا بسلاح ما هو سلاح – بوتد خيمة (21:4). وتقول الترجمة السبعينية أنها أمسكت الوتد بيدها اليسرى. سار جدعون لمقاتلة المديانيين بجيش خفضه الله من 32000 جندي إلى 300 (قضاة 1:7-7). يصوّر جيشه على شكل رغيف من طحين الشعير. وبما أن هذا الخبز كان طعام الفقراء فتكون الصورة عبارة عن الفقر والضعف (13:7). وقد كانت أسلحة جدعون غير تقليدية مصنوعة من الجرار الخزفية والمشاعل والأبواق (10:7). وبدا وكأن هذه لا تكفي لضمان الغلبة فكان ينبغي أن تُكسر الجرار (19:7). قُضي على أبيمالك بحجر رحى أُلقي على رأسه من امرأة (53:9). كان المنقذ العسكري يحمل اسم تولع، الذي معناه دودة، لا يبشر بالخير (1:10). لا تحمل أم شمشون إسماً عندما نسمع عنها للمرة الأولى فكانت عاقر (2:13). وأخيراً قتل شمشون ألف فلسطينيا بفك حمار، سلاح غير فتاك (15:15).
نرى في جميع معاملات الله مع البشر إندماجاً غريباً ما بين كل ما هو إلهي وما هو بشري.
ففي الكتاب المقدس مثلاً، هنالك المؤلف الإلهي وهنالك مؤلّفون من البشر الذين كتبوا تحت قيادة الروح القدس.
وفيما يختص بالخلاص، فقد قام به الرب من بدايته وحتى نهايته. لا يقوم الانسان بأي عمل لينال الخلاص أو ليستحقه. لكن ينبغي أن يحصل عليه بالإيمان. يختار الله أفراداً للخلاص، لكن ينبغي أن يدخلوا من الباب الضيّق. وهكذا يكتب بولس إلى تيطس قائلاً، «...إيمان مختاري الله» (تيطس 1:1).
فمن الناحية الإلهية نحن «محروسون بقوة الله». ومن الناحية البشرية – «بالإيمان» (بطرس الأولى 5:1) «أنتم الذين بقوة الله محروسون، بإيمان.»
الله فقط يستطيع أن يقدّسني. لكنه لا يقدّسني دون تعاون من جهتي. يجب أن أضيف إلى إيماني فضيلة ومعرفة وتعفّفاً وصبراً وتقوى ومودّة أخوية، ومحبة (بطرس الثانية5:1). يجب أن ألبس سلاح الله الكامل (أفسس 13:4-18). يجب أن أخلع الإنسان العتيق وألبس الإنسان الجديد (أفسس 22:4-24). ينبغي أن أسلك بالروح (غلاطية 16:5).
نجد الدمج ما بين الله والبشر في كل حقل من حقول الخدمة المسيحية. بولس يزرع، أبلّوس يسقي والله الذي ينمّي (كورنثوس الأولى 6:3).
عند النظر إلى قيادة الكنيسة المحلية نرى أن الله فقط يستطيع أن يجعل من الشخص شيخاً. يُذكّر بولس شيوخ أفسس أن الروح القدس قد أقامهم أساقفة (أعمال 28:20). لكن إرادة الانسان تلعب دوراً مُهماً، إذ ينبغي إن ابتغى ممارسة الأسقفيّة (تيموثاوس الأولى 1:3).
أخيراً، نرى في القطعة الأولى التي بدأنا بها، أن الله هو الذي يبيد أعداءنا، لكن يجب علينا نحن أن نطردهم ونهلكهم (تثنية 3:9).
لكي تكون مؤمناً متّزناً، ينبغي أن تعترف في هذا الدمج ما بين الله والإنسان. يجب أن نصلي وكأن الكل يعتمد على الله لكن نعمل أيضا كأن الكل يعتمد علينا. أو نستغل هدنة المعركة للتسبيح ولشحذ السلاح. وقد قال أحدهم أننا يجب أن نصلّي لحصاد جيّد بينما نستمر في حراثة الأرض.
ها نحن على أبواب نهاية سنة أخرى، والرب الصبور لا يزال يقف على باب الإنسان يطلب الدخول. لقد بقي خارجاً لمدّة طويلة. أي شخص كان ييأس منذ فترة بعيدة ويغادر المكان إلى بيته. لكن ليس المخلّص. إنه طويل الأناة، لا يرغب في هلاك أحد. ينتظر على أمل أن يُفتح الباب ويُرحب به إلى الداخل.
عجيب جدّاً أن لا يردّ أحد على قرع الرب يسوع. لو كان القارع جاراً، لفتح الباب حالاً. لو كان بائعاً، يقدّم له أحدهم الاحترام بفتح الباب والقول، «لا نريد شيئاً!» وطبعاً لو كان الرئيس أو الحاكم، يتنافس أفراد العائلة بينهم من يتشرف بفتح الباب والترحيب به.
قريب جداً إذاً، عندما يقف الخالق على الباب، الحافظ والفادي ويُعطَى رداً بارداً وصامتاً. رفض الإنسان غير منطقي عندما ندرك أن الرب يسوع لا يأتي ليسلب بل ليعطي. يأتي ليعطي حياة فيّاضة.
اتصل أحدهم متأخراً في إحدى الليالي مع واعظ من على الراديو يريد أن يأتي إليه لزيارة قصيرة. حاول الواعظ بشتّى الأعذار أن يثنيه عن المجيء لكنه وافق أخيراً. تبيّن أن الزائر جاء بمبلغ كبير من المال هدية للمساعدة في مصاريف الإذاعة. وبعد أن غادر، قال الواعظ، «أنا سعيد لأنني سمحت له بالحضور.»
كان جو بلينكو يصف مشهداً حياً لمحادثة جرت في غرفة جلوس أحد البيوت. وفجأة سُمع قرع على الباب الأمامي. قال أحد أفراد العائلة، «هنالك شخص على الباب.»
شخص آخر، هبّ من مجلسه، توجّه إلى الباب وفتحه. ثم سأله واحد ممّن في غرفة الجلوس، «مَن الطارق؟» جاء الرد من عند الباب. وأخيراً صاح رب البيت قائلاً، «اطلب منه أن يدخل.»
هذه هي الأخبار السارة، الإنجيل باختصار. إسمع! يوجد شخص على الباب. من هو؟ ليس سوى ربّ الحياة والمجد، الذي مات بدلاً عنا وقام في اليوم الثالث، الذي يجلس الآن على عرش المجد وسيأتي سريعاً ليأخذ شعبه إلى بيتهم ليكونوا معه. أطلب منه أن يدخل!
فزع تلاميذ يسوع عندما اقترح أن يعود إلى أرض يهوذا. لقد حاول اليهود هناك أن يرجموه وها هو يتكلم الآن عن العودة إلى هناك. أجابهم يسوع عن تخوّفهم بقوله: «أليست ساعات النهار اثنتي عشرة؟» ومن أول وهلة يبدو وكأن السؤال لا علاقة له بتاتاً بموضوع الحديث. لكن يسوع كان يقول هذا: إن يوم العمل يتكوّن من اثنتي عشرة ساعة. وعندما يكون الشخص مسلّماً حياته لله، يكون لكل يوم برنامجه الخاص. ولا يمكن لأي شيء أن يحول دون تتميم ذاك البرنامج. وحتى لو رجع يسوع إلى أورشليم، ولو حاول اليهود ثانية قتله، لما نجحوا، لأن عمله لم ينته بعد ولم تأت ساعته بعد.
وهذا حقيقي لكل ابن لله، فهو «باقٍ حتى يتم عمله.» وينبغي أن يضفي هذا سلاماً وثقة على حياتنا. إن كناّ نحيا ضمن إرادة الله، وإن كناّ نتبع قوانين معقولة في الصحة والأمان، لن نموت ولو دقيقة واحدة قبل الزمن المُعيّن. لن يصيبنا شيء لا تسمح به إرادته.
يُسببّ العديد من المؤمنين أمراضاً لأنفسهم بسبب قلقهم على الطعام الذي يتناولونه والماء الذي يشربونه والهواء الذي يستنشقونه. وفي مجتمعنا هذا المتيقّظ لمشكلة التلوّث يتذمّرون من أَنَّ الموت يتربّص بهم على الأبواب. لكن هذا القلق غير ضروري. «أليست ساعات النهار اثنتي عشرة ساعة؟» ألم يسيّج الله حول المؤمن (أيوب 10:1) لكي لا يقوى إبليس على الدخول؟
تُعلّمنا عبارة «ثَمَرُ الرُّوحِ» في البداية أنّ الفضائل التي يلي ذِكرها تَنتُج فقط عن الروح القدس. لا يستطيع غير المؤمن أن يُظهِر أياًّ من هذه النِّعَم. وحتى المؤمن الحقيقي لا يمكنه أن يُبرِز أي منها بقواه الشخصية. لذلك عندما نفتكر بهذه النِّعَم ينبغي أن نتذكر أنهّا فوق الطبيعية وفوق الأمور العالمية.
المحبة التي نتكلم عنها هنا ليست الشغف الجنسي، أو نزعة الصداقة، أو عاطفة الوجدان. إنها «الأجابي»، المحبة التي أظهرها الله لنا والتي يريدنا أن نظهرها للآخرين.
فمثلاً، كان الدكتور ماكولي والد المبشر إد. ماكولي أحد المبشرين الخمسة الذين قتلهم أفراد إحدى القبائل الهندية في الإكوادور، قال: «في إحدى الليالي بينما كنت والدكتور ماكولي الأب خاشعين نُصلّي رجع بأفكاره إلى الإكوادور إلى حيث النهر الذي يحمل سِرّ موقع جثّة ابنه. وصلّى هكذا: يا ربّ اتركني أعيش حتى أرى أولئك الناس الذين قتلوا أولادنا قد حصلوا على الخلاص لكي أرمي ذراعي حول أعناقهم وأقول لهم أني أحبهم لأنهم يحبون المسيح.» عندما وقفنا على أرجلنا رأيت نهراً من الدموع ينساب على خدّيه.
استجاب الله لصلاة المحبة تلك. لقد أعلن بعض أولئك الهنود إيمانهم بالرب يسوع المسيح. سافَر ماكولي إلى الإكوادور، إلتقى بالذين قتلوا ابنه، رمى ذراعيه حول أعناقهم وأخبرهم كم يحبهم لأنهم يحبون المسيح.
هذه هي المحبة السماوية - أجابي - غير متحيّزة بل تطلب صالح البشرية جمعاء، الفقير والغني، الصديق والعدو ولا تضع شروطاً وكذلك لا تطلب شيئاً مقابل عطائها الدائم. إنها مُضحية، لا تحسب التكاليف أبداً، وهي غير أنانية وتهتم باحتياجات الغير بدل الاهتمام بنفسها وطاهرة. لا أثر فيها للحسد أو للكبرياء أو للغيظ أو للحقد.
المحبة أرفع فضيلة في الحياة المسيحية. بدونها يكون كل مسعى عبثاً.
لن يجد الإنسان الفرح الحقيقي ما لم يجد الله أولاً. فيدخل في ما يُسمّيه بطرس «بِفَرَحٍ لاَ يُنْطَقُ بِهِ وَمَجِيدٍ» (بطرس الأولى 8:1)
يفرح الناس عتدما تكون الظروف مُواتية، لكن فرح ثمر الروح لا يأتي نتيجة الظروف الأرضية. ينبع من العلاقة بالرب ومن الوعود الثمينة التي أعطاها لنا. لا يمكن سلب الكنيسة من فرحها كما لا يمكن عزل المسيح عن عرشه. الفرح المسيحي يتعايش مع الآلام. يربط بولس الرسول ما بين الإثنين عندما يقول، «لِكُلِّ صَبْرٍ وَطُولِ أنَاةٍ بِفَرَحٍ» (كولوسي 11:1). تَسلّم أهل تسالونيكي كلمة من بولس تقول لهم، «فِي ضِيقٍ كَثِيرٍ، بِفَرَحِ الرُّوحِ الْقُدُسِ» (تسالونيكي الأولى 6:1). لقد شهد القدّيسون المتألموّن على مرّ القرون كيف أعطاهم الله ترنيمات تسبيح في الليالي الحالكة.
يمكن للفرح أن يتواجد مع الحزن. يستطيع المؤمن أن يقف إلى جانب قبر عزيز عليه يذرف دموع الحزن على الخسارة ومع هذا يفرح مدركاً أن هذا العزيز موجود في حضرة الرب.
لا يمكن ممارسة الفرح بوجود الخطية. عندما يرتكب المؤمن خطية، يخسر ترنيمته. ولا يعود إليه الفرح بخلاصه إلا بعد الإعتراف بالخطية وتركها.
قال الرب يسوع المسيح لتلاميذه أن يفرحوا عندما يُضطهدون أو يُعيّرون أو يُتّهمون زوراً (متى 5: 11، 12). وفعلاً قد فرحوا. لم يمّر بعد ذلك وقت طويل ونقرأ أنّهم غادروا قاعات المحاكم «لأنهم حسبوا مُستأهّلين أن يُهانوا من أجل اسمه» (أعمال 41:5).
يزداد فرحنا كلّما نزداد في معرفة الرب. ربما في بداية إيماننا نفرح بالمضايقات البسيطة، بالأوجاع المزمنة، أو بالعقوبات العابرة. لكن الروح يريد أن يأتي بنا إلى النقطة التي بها نرى الله عندما تجتاحنا الظروف على أسوأ ما تكون ونفرح مدركين أن طريقه كامل. نكون مؤمنين ناضجين عندما يمكننا القول مع حبقوق، «فَمَعَ أَنَّهُ لاَ يُزْهِرُ التِّينُ وَلاَ يَكُونُ حَمْلٌ فِي الْكُرُومِ يَكْذِبُ عَمَلُ الزَّيْتُونَةِ وَالْحُقُولُ لاَ تَصْنَعُ طَعَاماً. يَنْقَطِعُ الْغَنَمُ مِنَ الْحَظِيرَةِ وَلاَ بَقَرَ فِي الْمَذَاوِدِ فَإِنِّي أَبْتَهِجُ بِالرَّبِّ وَأَفْرَحُ بِإِلَهِ خَلاَصِي» (حبقوق 17:3، 18).
حالاً بعد أن نتبرر بالإيمان، نحصل على سلام مع الله بواسطة ربنا يسوع المسيح (رومية 1:5). وهذا يعني نهاية العداوة التي كانت بيننا وبين الله لأن المسيح قد عالج خطايانا التي سببّت هذه العداوة.
يكون عندنا كذلك سلام في ضمائرنا إذ نَعلَم أن العمل قد أُكمل. لقد دفع يسوع عقاب خطايانا والله قد نسيها.
لكن عندها يريد الروح القدس أن نتمتّع بسلام الله في قلوبنا. وهذا هو الهدوء والأمان الذي يأتي من معرفة أن حياتنا بين يدي الله ولن يحدث لنا أي أمر دون سماح منه.
وهكذا نحافظ على هدوئنا عندما نتعرّض لانفجار في إحدى عجلات سيارتنا على الطريق السريع. لا نخسر هدوئنا عندما نتأخر عن موعد إقلاع الطائرة بسبب ازدحام الطرق. يعني السلام المحافظة على هدوئنا عندما يقع لنا حادث سيارة، أو عندما يشتعل الزيت في المقلى في المطبخ.
يمكّن ثمر الروح بطرس من النوم نوماً عميقاً في السجن، يمكّن استيفانوس من الصلاة لأجل راجميه، يمكّن بولس من الاطمئنان عند تَحَطًم سفينته.
عندما تمرّ الطائرة في مطب هوائي وتتمايل كريشة في مهبّ الريح، عندما يتمايل جناح الطائرة صعوداً ونزولاً، عندما تهتز الطائرة، تهبط وتعلو يبدأ معظم الركاب في الصراخ ويسيطر عليهم الهلع. يمكّن السلام المؤمن أن يحني رأسه، يُسلّم روحه لله ويسبّحه لكل ما قد يحدث.
ومثال آخر، يستطيع روح الله أن يعطينا السلام بينما نجلس في عيادة الطبيب ونسمعه يقول، «يحزنني أن أخبرك أن مرضك خبيث.» يمكّننا أن نجيب قائلين، «أنا مستعد لأغادر. أنا مخلّص بنعمة الله وبالنسبة لي ما هذا سوى مغادرة جسدي لأكون مع الرب.
وكما تقول كلمات إحدى الترانيم «لنا سلام كامل، فعالم الخطية المظلم، كثرة الواجبات الملحةّ، أحزان تلقانا، أحبّاء تركونا، لا نعرف المستقبل، لكن نعرف أن المسيح الجالس على العرش مهيمناً على كل الظروف.»
طول الأناة هي فضيلة التحمّل بصبر بل وبإنتصار على كل صعوبات الحياة. يمكن أن تعني ردّ الفعل بالصبر على الظروف السيئّة أو تشير إلى تحمّل تحريض الناس.
كان الرب يسوع طويل الأناة مع الناس. تأمّل للحظة في عِظم خطايا الجنس البشري في وقتنا الحاضر: تشريع الزنى، انتشار اللوطية، القوانين التي تسمح بالإجهاض، تفكّك الزواج والحياة العائلية، الرفض الكلّي للِقيَم الأخلاقية، وطبعاً تتويج الإنسان للخطية ورفض ابن الله المخلّص والرب الوحيد. فلا لوم على الله إن كان يبيد الجنس البشري بضربة واحدة. لكنه لا يعمل هذا لأن صلاحه يعمل ليقود الإنسان للتوبة. لا يشاء أن يهلك أحد بل أن يُقبِل الجميع إلى التوبة.
يريد الله أن ينقل طول أناته إلى حياة أولاده وهم يخضعون للروح القدس. وهذا يعني أننا ينبغي ألاّ نكون سريعي الغضب. يجب ألا نفقد انضباطنا بسرعة وبسهولة. ينبغي ألا ننتقم ممّن يخطيء إلينا. وبدلاً من ذلك يجب أن نتحلّى بالصبر الجميل.
بينما كانت الشقيقتان كوري وبتسي تن بوم تتحمّلان الآلام التي لا توصف في أحد معسكرات الإعتقال النازي، كانت تقول بتسي أنه ينبغي لهما أن تساعدا هؤلاء الناس بعد إطلاق سراحهما. كان يجب أن تجدا طريقة لمساعدتهم. وبالطبع كانت كوري تعتقد أن شقيقتها كانت تخطّط لبرنامج تأهيل لضحايا النازية. ولكن بعد وقت طويل أدركت كوري أن شقيقتها كانت تتكلم عن النازيين الذين قاموا باضطهادها. كانت تبحث عن طريقة تعلّمهم بها المحبة. عندها قالت كوري أنها كانت تتعجّب وليس للمرة الأولى من حياة شقيقتها والطريق التي تسلكها بينما هي إلى جانبها تدوس الأرض القاسية.
اتّبعت بتسي تن بوم طريق طول الأناة. وكذلك سارت عليها كوري بالرغم من تنازلها عن حقها.