النبذة المُختصرة عن حياة قداسة الأب متى المسكين

كلدانية

مشرف
مشرف
إنضم
1 نوفمبر 2010
المشاركات
64,901
مستوى التفاعل
5,952
النقاط
113
النبذة المُختصرة عن حياة قداسة الأب متى المسكين

كتبها بقلمه (Autobiography)

(1) هذه أول مرَّة أكتب فيها شيئاً عن حياتى: مواليد عام 1919، أسرة كبيرة عدداً فقيرة معيشة، مُحبَّة للعلم، خمسة أخوة تَخرَّجوا من الجامعة، الأكبر تخرَّج عام 1933 والأصغر عام 1955.
كنتُ طفلاً صامتاً، أعى نفسى منذ سن أربع سنوات، لا أسأل بالمرة وأحاول أن أعرف كل شئ بنفسى وأحلِّل مواقف الآخرين منذ أن كنتُ طفلاً.
أعجب شئ أذكره هو أنى كنتُ أتأمَّل فى الحياة فيما فوق الحوادث اليومية وهموم الأسرة منذ أن كنتُ ابن عشر سنوات. كنتُ أصل إلى حلول لِمشاكل الحياة ترضينى وتقنعنى. كنتُ أستصغر أعمال مَنْ هم أكبَر منِّى حينما تأتى خارجة عن أصول اللياقة ولكن دون أن أتكلَّم أو أظهر نقدى.
كنتُ موضع ثقة كبيرة لدى جميع مدرسىَّ فى الثانوية والجامعة، وكنتُ صديقاً لِجميع الطلبة وبالأخص ذوى الاتجاهات السياسية، فكنتُ مشيراً ونصوحاً وأحياناً قائداً ورائداً. ساعدتُ المعيدين الذين كانوا مدرسين علىَّ فى نوالهم الماجستراه والدكتوراه فى اتضاع وبساطة شجعت المدرسين على الانتفاع بى دون تحرُّج.
(2) لم أدرس سوى علوم الكيمياء والصيدلة والفارماكولوجى، ولم يسعدنى الحظ قط أن وقعت عينى أو يدى على أى كتاب فى الأدب أو الفلسفة. وهذا أمر يذهلنى ويذهل كل مَنْ يعرف هذه الحقيقة! فمنزلنا كان فقيراً للغاية وأخوتى درسوا جميعاً فى كليات عملية، فلم أسمع حتى عن اسم أديب حديث أو فيلسوف مع أنى كنتُ فى غاية التعطُّش للأدب والفلسفة، ولكن مصاريفى التى كنتُ أحصل عليها من والدى لكى أعيش فى القاهرة وأدرس وأسكن وأشترى الكتب وآكل طوال الشهر كانت 5 جنيهات من عام 1938 إلى عام 1943 (طبعاً غير مصاريف الكلية)، فلم يكن يتوفَّر لدىَّ مليماً واحداً.
ولمّا عملت بعد تخرُّجى فى قسم المستشفيات كانت ماهيتى (أثناء الحرب بالأمر العسكرى) 12 جنيهاً. فلم تكن تكفى أكلى وسكنى. ولمّا انشغلت بشراء وإدارة أجزخانة بدمنهور لم يكن لدىَّ دقيقة واحدة أقرأ فيها. ولمّا تركتُ العالم ودخلتُ دير الأنبا صموئيل لم يكن فى هذا الدير مكتبة ولا كتاب واحد ولا حتى مجلة قديمة أو حديثة ولا أى أثر للعلم كنسى أو مدنى.
(3) كانت هناك حركات روحية تَجيش فى أعماقى منذ طفولتى وأنا ابن أربع سنوات، كنتُ أحس بأنى غريب عن أخوتى وأصدقائى وكأنى من عالم ولعالم آخر حتى أن أسرتى لاحظت ذلك، وكانت تقدِّمنى فى اجتماع الصلاة وأنا طفل لكى أبدأ وأختم الصلاة، ولم أكن أتمنَّع قط لأنى كنتُ أشعر أنى طبيعى، وحتى إلى الآن لا أحاول أن أظهر تواضعى أو تمنُّعى إذا طُلِبَ منِّى الصلاة أو إبداء الرأى فى الروحيات، وأعتبر أن التواضع الحقيقى هو أن يظهر الإنسان على حقيقته الطبيعية. حينما صرتُ شاباً أحسستُ بِجوع شديد إلى الإنجيل والمعرفة الروحية فكنتُ أقرأ بدون أية معونة من أحد واكتشفتُ أخيراً أن معرفتى للكتاب المقدس وإدراكى لحقائق الإيمان والله كانت أعلى بكثير جداً من كل مَنْ عرفتهم، وذلك بدخولى مع الآخرين فى حديث أو أسئلة أو حوار أو حينما كان يُطلَب منِّى الوعظ. لم أخدم فى مدارس الأحد بالرغم من صداقتى لجميع خدامها فى شبابى، لأنى كنتُ أحس بعقم طريقتهم واصطناع الوسائل التعليمية فى الدين على نمط التعليم المدنى، وهذا لا أزال أرفضه حتى اليوم. ظلَّ الضغط الروحى فى أعماقى يزداد ووعيى للحياة الأبدية يتعمَّق حتى حدثت المفاضلة الفاصلة: بين أن أبقى فى العالم أبيع وأشترى وأغتنى وأعول أسرة، وبين أن أنطلق فى رحاب الله أحب وأفرح وأعرف وأنمو بلا قيود، فلم تستطع جميع المعوقات وكانت هائلة ومُخيفة أن تمنعنى عن الانطلاق، فانطلقتُ إلى الدير وكنتُ أول شاب متعلِّم ولج طريق الرهبنة فى جيلى، وكان خروجى للرهبنة فى مايو عام 1948.
ومنذ أول يوم دخلتُ فيه الدير دخلتُ الحياة مع الله بقوة وبساطة وعمق وهدوء، كنتُ أمضى الليل كله فى الصلاة – لمدة ثلاث سنوات – لأنى كنتُ لا أستطيع النوم وقلبى يدق بشدة بلذة حب وفرح لا يعرفها إلاّ العشاق (لم أختبر حب المرأة عن وعى وتمنُّع). كنتُ أنام وأقوم فى الحال، لذلك انحصر النوم كحالة إنهاك تُحتِّم علىَّ أن أقع وأستسلم للنوم عن انغلاب. أحببتُ الله حباً لم يحبه أحد، حب سرِّى بكل ما أملك عن وعى وأصالة ومقارنة بعمالقة الآباء فى العهد القديم والجديد. فقد عشتُ مع شخصيات الكتاب المقدَّس معيشة العشرة الروحية التى أنا متيقن أنها أعمق وأقوى وأكثر واقعية مما لو كنتُ عشتُ معهم جسدياً. عشتُ مع آدم وأحسستُ بكل ما كان يتجاذبه من تيارات وعلاقات بالله وحواء والشيطان ، وأدركتُ معنى سقوطه لا كأنه خبرة خارجة عن كيانى بل فى كيانى، ومن كيانى كونتُ علاقاتى. ومع إبراهيم عشتُ طويلاً طويلاً حتى وصلتُ إلى الإحساس به عن قرب وأحسستُ وشاركتُ فى إيمان هذا البطل، ثم مع كل شخصية. وأثناء خبرة تأمُّلى عندما وصلتُ إلى العهد الجديد وبالذات فى موسم الميلاد، وفى تأمُّلى مع العذراء مريم (التأمل مع الشخصية كان يستمر من أسبوع ويصل أحياناً إلى 3 شهور) وبينما أنا أرافقها فى رحلتها السريعة لأليصابات انفتحت بصيرتى فجأة، ومنذ ذلك الحين (عام 1949) وابتدأ التأمل يُخالطه نوع من الرؤيا العقلية.
نزلتُ إلى العالم من الدير بعد ثلاث سنوات، فاكتشفتُ بعد حديثى مع بعض الشخصيات أن مدركاتى الروحية والإنجيلية صارت من نوع آخر تماماً وبعمق آخر، وحاولتُ أن أختصر فى علاقاتى حتى لا أثير حولى حركة لأنى لا أطيق استعراض الفكر ولا أحتمل كثرة الكلام والأسئلة.
(4) لاحقنى فى الدخول إلى الدير شخص آخر محب للحركة والخدمة والدعاية والعمل والكلام بلا حدود. فكان أول خبرة لى للتجنب والابتعاد عن الزملاء مما أثار حفيظته وحفيظة غيره فازددتُ بعداً واعتكافاً. ولأن هذا الراهب أكثر تداخلاً ومحباً لرئاسة صار أسقفاً معروفاً، مما جعلنى رغماً عنى أصير مركزاً آخر معاكساً بطبيعة حبى للهدوء والتأمل والابتعاد عن الوظائف الكنسية. ولكن بقدر بعدى وتمنُّعى عن المقابلات وعن الرئاسات بقدر انجذاب العالم إلىَّ وجرى الفضوليين ورائى، ومنهم مَن أجبَرنى على الترهُّب بجوارى وفى ديرى. وازداد عدد الرهبان الذين ينسبون أنفسهم إلىَّ وبازدياد الجماعة (شكلاً) ازداد حذر الكنيسة ومقاومتها وغيرة الرؤساء واضطهادهم، مما جعلنى أهجر الدير (بجلدى) بمفردى، وإذا بمعظم الجماعة تخرج ورائى مما أنشأ أزمة فى علاقتى بالكنيسة وبدأ الاضطهاد العلنى، ولكن لم يُغيِّر هذا كله من حركة الروح فى أعماقى، فالاضطهاد والمديح والذم والمساءلة والوعيد والتهديد كلها أمور كانت تجرى فى الخارج وأنا أسير فى بُعدى الداخلى كما أنا بنفس حركتى واتزانى لم أختل
ولم أهتز لحظة واحدة مع أنى عانيتُ إعلانا رسمياً فى صفحات الجرائد أنى جُردتُ من جميع رتبى الكهنوتية ومن رهبانيتى (طبعاً بدون محاكمة وفى غيابى ودون أن أُعلَن أو يُؤخَذ سؤالى). فلم أرد أو أصدّ أو أشتكى أو أحتج أو أكتب كلمة واحدة أو أنوِّه فى كتاباتى عن ذلك، علماً بأن لى مجلة تصدر شهرياً بدون انقطاع. وظللتُ مُجرَّداً محروماً من كهنوتى ورهبانيتى عشر سنوات، وفى نهاية العشر سنوات أرسل إلىَّ البابا السابق (الذى أوقع الحرم) ولمّا رفضتُ الحضور (كنتُ فى وادى الريّان، وهو وادى قفر جنوب الفيوم بمسافة 50 كيلومتر) أرسل لى ثلاث مرَّات بتوسُّل واعتذار، فلمَّا ذهبتُ إليه ومعى اثنى عشر راهباً طلب منِّى السماح واعتذر وقبَّلنى وصلَّى علىَّ وعلى الآباء وأبقانا معه يوماً كاملاً وأكلنا معه وترجّانى الذهاب إلى دير أنبا مقار.
قلتُ إن حركة الروح داخلى لم تتأثَّر بالمقاومة السلبية من الرؤساء والزملاء، وظلت كتابتى بنفس العمق أثناء الضيق كما هى أثناء السعة (حسب الظاهر).
ولشعورى باضمحلال العمق الروحى فى الدراسات الكنسية اتجهتُ إلى الكتابة متعمداً التنوع حتى أغطِّى أكبر مساحة من هذا العوز الكنسى لعل مَنْ يأتى بعدى يكمِّل ما بدأتُ، لأن شعورى بضعف الكنيسة يخزينى جداً.
وقد أكملتً حتى الآن 40 كتاباً عدا الكتيبات والمقالات وكلها بغرض واحد هو توضيح المفهومات الروحية والإنجيلية والإيمانية.
وإن أعظم كتبى وأعظم ما كتبتُ هو عن الصليب من جهة ما تمَّ عليه، باعتباره نقطة التحوّل العظمى فى تاريخ الخليقة البشرية، وقد جاءت كلها عظات فى يوم الجمعة العظيمة وتحوَّلت بعد ذلك إلى مقالات أو كتيبات. وأحب موضوع إلى نفسى هو العلاقات الإنسانية فكراً وعملاً.
أمّا فكرى ومبادئى سواء الروحية أو اللاهوتية أو السياسية أو الأدبية فهى لم تتطوَّر ولم يعترضها تحوّلات بل كانت تنمو دون أى تغيير فى جوهرها، لذلك أحس أنى لا أكبر فى السن.

ملاحظة:
بعد خمس سنوات من رهبنتى بدأ اطلاعى على كثير من كتب الأدباء.
سيرة مكتوبة عن حياة الأب متى المسكين
=============
نشأ فى أسرة محافظة مسيحية كبيرة عدداً وفقيرة معيشة، محبة للعلم، له خمسة أخوة تخرَّجوا جميعاً من الجامعة وثلاث أخوات، وكان هو السابع فى ترتيب الميلاد. وُلِدَ فى بنها قليوبية (فى جنوب الدلتا) فى يوم 20 سبتمبر عام 1919، واسمه العلمانى ”يوسف إسكندر“. وكان والده قبطياً صميماً واسع الأفق، ووالدته متديِّنة جداً بصورة لا يتصوَّرها العقل.
كان طفلاً صامتاً، وعى نفسه منذ عمر 4 سنوات، لا يسأل بالمرة ويُحاول أن يعرف كل شئ بنفسه ويُحلِّل مواقف الآخرين.
اجتاز مراحل الدراسة المختلفة بتفوُّق، فحاز على مجانية التعليم التى كان يحظى بها المتفوِّقون، فلم يُكلِّف والده الفقير كثيراً من تكاليف التعليم الباهظة حينذاك، حتى حصل على بكالوريوس الصيدلة عام 1943.
مارس السياسة عن قناعة وطنية أثناء دراسته بكلية الصيدلة، وانضم لحزب الوفد وكان من زعماء الطلبة، ولكنه اصطدم بالساسة وزعماء الأحزاب، إذ وجد السياسة تقوم على زعيم يستعبد الأذهان بداعى تحريرها ويستغل الشباب ليُلقى بهم فى أتون الحوادث ليصنعوا منه صنماً. كما تقوم على اختلاق المآزق فى وجوه الأحزاب لتبقى الأحزاب. وهكذا هجر السياسة وسلَّم وطنيته ليد المستقبل المجهول.
ثم قادته الصدفة المحضة لدخول مجال الخدمة الدينية، وكان ذلك بين شباب الجامعة فى مدارس أحد الجيزة، وظنَّ أنه وجد فى الخدمة الدينية عزاءً عن السياسة، ولكنه صُدِم ذات يوم إذ سمع أحد المسئولين عن الخدمة ينادى بمبدأ عدم التعامل مع مَنْ لا يؤمن بمبادئنا، فاعترض قائلاً: إنها عزلة وليست بحسب الإنجيل. ولكن لم يوافقه أحد من الحاضرين، وفهم من ذلك أنه أمام كارثة إيمانية ووطنية وشعبية معاً. وهكذا كوَّن رأيه بأن العالَم عانى من الصراع العقائدى الدينى تماماً كما عانى من صراع الأحزاب السياسية، بل إنه يرى أن منشأ الصراع العقائدى هو منشأ سياسى دولى. ومصر بنوع ممتاز عانت من كلا الصراعَيْن ولا تزال تعانى. وأدرك أن لا فرق بين السياسة والدين، والكل يحتاج إلى قائد أمين جداً ومتفتِّح جداً وحُرّ جداً، كما يحتاج إلى تلميذ لا يبيع عقله لكل منادى، أو يجرى وراء القطيع ليدخل أى حظيرة.
اشتغل بعد تخرُّجه من كلية الصيدلة بموجب الأمر العسكرى فى المستشفيات الحكومية، يتقاضى مرتباً لا يكفى لأكل الخبز، ولكنه كان فقيراً وأميناً. وبعد أن قضى المدة التى يفرضها الأمر العسكرى، اشتغل فى الصيدليات الحرَّة فى الإسكندرية ثم فتح أجزخانة بدمنهور لحسابه الخاص، وكان ناجحاً جداً.
ولكن ازداد حنينه جداً للحرية فى الله التى سبق له محاولة ممارستها فى العلم والسياسة والدين، وأنَّى له أن يجد هذه الحرية فى عالم مستعبَد خصوصاً فى مصر التى كانت قد قيَّدت العلم بسلاسل من التعصُّب، والسياسة بأصنام الزعامة، والدين بسيطرة المعلِّم ووصايته الفكرية على أذهان المتعلِّمين.
وبازدياد حنينه للحرية ازداد حبه لله، وحبه للصلاة، فكان يقضى فيها الساعات الطويلة يناجى الله قائلاً: أين أجدك؟ لقد بحثتُ عنك فى كل مكان فما وجدتُك، لا فى العلم ولا فى السياسة ولا فى تعصُّبات رجال الدين ولا فى المال الذى بدأ يملأ خزانتى! فأين أجدك؟ سؤال ظلَّ هو موضوع صلاته ودموعه بالنهار والليل.
كانت هذه أدقّ وأهمّ مرحلة فى حياته، وبدأ يسكن فى قلبه أخصب وأعمق إدراك لله والحق والحرية والحب كرد فعل لتوسُّله ودموعه، وبدأ يحسّ بسلطان يفوق إرادته يعمل داخل كيانه.
وهكذا طلب من الله أن يسهِّل خروجه من العالم لكى يعيش حرّاً من بنى الإنسان، أو بالحرى ليعيش منتهى حريته فى الله، أو على الأصدق ليعيش فى الله. وكان أمراً غير مصدَّق له ولجميع أقاربه وأصدقائه لمَّا علموا برغبته فى الانطلاق للعبادة فى الحياة الرهبانية، إذ كان قد بلغ درجة كبيرة من النجاح فى عمله فى الصيدلية وفى محبته للناس.
ذهب إلى دير الأنبا صموئيل بجبل القلمون فى صعيد مصر، وهو أفقر الأديرة. وكان هو أول راهب جامعى يدخل الأديرة فى هذا الجيل، ولكنه اصطدم منذ أول دخوله الرهبنة أثناء فترة الاختبار عند رئيس الدير الأب القمص مينا المتوحِّد الذى صار فيما بعد البابا كيرلس السادس بمحاولة استغلاله للدعاية له، فكان يستدعيه بكثرة ليراه الناس، وكان مقيماً بمصر القديمة فى دير صغير بناه لنفسه.
وأراد الأب مينا أن يرسمه راهباً فى مصر ليبقى معه ويخدم معه، ويكون ذهابهم للدير للبركة فقط، فرفض ذلك بشدَّة وصمَّم أن يُرسَم فى الدير ولا ينزل من الدير. وكانت هذه بداية النزاع الذى زاد وتفرَّع بعد ذلك. وخضع رئيس الدير لرأيه، ولكنه بعد رسامته أرسل له يأمره بالنزول رسمياً على أساس أنه بعد أن صار راهباً لا يستطيع أن يقاوم، فعاد الأب متى ورفض النزول فازدادت الفرقة. وكان ذلك من جهة الأب متى من أجل حياته ورهبانيته والحق والمسيح، والزمن أثبت ذلك.
ودخل الرهبنة معه وبعده من الرهبان الجامعيين مَنْ لهم شهوة جارفة للرئاسة والكل طامح ليكون الرئيس الأعلى للكنيسة، لأن الرهبنة قبل دخوله فيها لم تكن قد بدأت تدب فيها الروح بعد، فكل واحد كان يرى فى نفسه الكفاءة للرئاسة بلا مزاحم إلاّ شخص الأب متى المسكين. أمَّا هو فلم يكن له هذا الطموح، بل كان هدفه الوحيد أن يمتلئ من معرفة الله ويعيش حريته. وكان قد بلغ العمق الكافى للانطلاق فى أجواء هذه الحياة الروحية بقوة ويقين وحب، ويشهد بذلك أول كتاب ألَّفه فى أول سنة لرهبنته وهو كتاب ”حياة الصلاة الأرثوذكسية“ (800 صفحة). وهو بحد ذاته كان السبب المباشر لدخوله فى دائرة أحقاد ومنافسات الآخرين، كما أنه كان السبب الأساسى لتشجيع الكثيرين على الإقبال على الرهبنة، إذ استطاع أن يزرع روح الآباء وكلمتهم فى قلب الجيل السالف بغنى وفيض حتى أتى بثماره الوفيرة فى جميع مجالات التكريس.
قضى فى دير الأنبا صموئيل ثلاث سنين تقريباً، نزل بعدها على أثر مرض أصاب عينيه، فاتصل به الأب مينا للمصالحة، فتقابلا وتصافحا، ونصحه الأب مينا أن يزور أديرة وادى النطرون، وكان قد اتفق سرّاً مع أسقف دير السريان أنه عند دخوله الدير يمسكونه ويرسمونه كاهناً ويُغيِّرون انتماءه ليكون على دير السريان، وبذلك يكون تحت سلطانه، لأنه كان يخشى من وجود الأب متى بمفرده فى دير الأنبا صموئيل، مع أن الأب مينا المتوحِّد كان هو رئيس دير الأنبا صموئيل. ولمَّا تمَّت الخطَّة كما رسموها بالرغم من معارضته الشديدة، وكان ذلك فى سنة 1951، اضطر للبقاء فى دير السريان.
لم يطق حياة المجمع بدير السريان لأنها كانت مصطنعة ميِّتة، فخرج وحفر لنفسه بيديه مغارة تبعد عن الدير 40 دقيقة مشياً على الأقدام فى الصحراء التى لا يحدّها البصر، وكان يعول نفسه ولا يذهب إلى الدير إلاّ للتناول كل شهرين تقريباً. وكانت هذه الفترة مُكمِّلة لحياة الرهبنة الأولى، ففى الوحدة المطلقة انطلقت روحه من كل القيود، وازداد تعمّقه جداً فى الإحساس بالوجود الكلِّى
the whole presence
، وأدرك علاقة الله بالكون وأحسّ بالأبدية – اللازمن – واستنشق روح الله وذاق السرور المفرط وفهم معنى أن الله واحد وأنه بسيط وأنه كلِّى القدرة وكلِّى الوجود وأنه واجب الوجود بذاته. كل هذه المعتبَرة أنها عوائص اللاهوت، عاشها ووثق منها أكثر من وثوقه من ذاته، ومن هذه الدنيا.
وذات يوم قرع باب مغارته شاب عرفه فى الحال لأنه كان قد سبق أن زاره عدَّة مرّات للإرشاد الروحى فى القاهرة لمَّا كان عند القمص مينا المتوحِّد (البابا كيرلس السادس فيما بعد). هذا الشاب هو ”نظير جيد“ (البابا شنوده فيما بعد) وألحّ عليه أن لا يحرمه من التردُّد عليه للإرشاد، لأن الأب متى المسكين كان يمنع الاتصال به فى المغارة كلِّية. ولكنه استجاب لطلبه تحت إلحاح شديد من الأنبا ثاؤفيلس رئيس الدير وبخطاب رجاء منه، وكان الأستاذ نظير يترجّاه كثيراً أن يصلِّى من أجله لكى يقبله الله فى الرهبنة حتى استطاع ذلك سنة 1954. وظلَّ بعد الرهبنة يعترف عند الأب متى المسكين لمدة سنتين تقريباً.
دُعِىَ الأب متى المسكين بعد مضى 3 سنوات فى الوحدة فى المغارة للذهاب إلى الإسكندرية سنة 1954 ليعمل وكيلاً للبابا يوساب الثانى، فقبل تحت الإلحاح الشديد، ولكنه بعمله فى الإسكندرية كوكيل للبطريرك لمدة سنة ونصف ظهرت إمكانياته فى الإدارة والتنظيم والضبط وإحياء الخدمة الروحية والخدمة الاجتماعية.
هذه القدرات نبَّهت المطارنة لخطر إمكان ترشيحه بطريركاً خلفاً للأنبا يوساب الثانى الذى كان شيخاً متقدِّماً فى أيامه، فاتفقوا مع الأنبا ثاؤفيلس أسقف دير السريان للتخلُّص منه. وبالفعل بدأ الأسقف يُهاجمه ويحاول أن يمنع الرهبان من الاعتراف عنده، لأن غالبية الرهبان كانوا قد تعلَّقوا به واتخذوه أباً لهم لِما رأوه فيه من روحانية وقدرة على الإرشاد الروحى والحرارة الشديدة والغيرة على خلاص النفس فوق كل شئ، وبالإجمال كانت موهبة الأبوَّة واضحة جداً فيه.
وتفادياً لصراع كان الأب متى المسكين يعلم تماماً أنه سيخرجه عن رسالته الروحية قرَّر مغادرة الدير والعودة إلى ديره الأول دير الأنبا صموئيل. فغادر الدير برضى الأسقف وقطع حرماً على الرهبان الذين يعترفون عنده أن يتبعوه لأنه أحسّ منهم هذه الرغبة. وهكذا خرج من الدير لا يملك شيئاً سوى حريته التى هى أثمن ما يملكه فى الحياة والتى من أجلها خرج من العالم، وكأنه خروج جديد.
ولكنه لم يلبث أن تبعه 12 راهباً من أولاده الروحيين الذين رفضوا البقاء فى الدير بعد مغادرته له، وكان يتزعَّمهم الراهب أنطونيوس السريانى (البابا شنوده فيما بعد)، فتضايق الأب متى جداً وحاول العودة بهم إلى دير السريان ولكن دون جدوى. وكان ذلك فى صيف سنة 1956.
ذهبوا جميعاً إلى دير الأنبا صموئيل، وبدأوا فى الحال بتعميره لأنه كان مهدَّماً تماماً، وساعدهم فى ذلك أصدقاؤه فى الإسكندرية وأكملوا بناء 30 قلاية فى سنتين ونصف تقريباً.
ولكن بعد ثلاث شهور من وصولهم للدير تنيَّح البابا يوساب الثانى. وبعد قليل نزل الراهب أنطونيوس السريانى (الذى صار البابا شنوده فيما بعد) من الدير متوجِّهاً نحو دير السريان ثانية بحجة أنه يريد أن يصالح الأنبا ثاؤفيلس.
وبعد الانتهاء من المبانى وقبل السكنى فى القلالى الجديدة انتخب القمص مينا المتوحِّد بطريركاً (البابا كيرلس السادس) بعد أن رفض المطارنة ترشيح الشعب للأب متى المسكين والأب مكارى السريانى (الأنبا صموئيل أسقف الخدمات فيما بعد) والأب أنطونيوس السريانى (البابا شنوده فيما بعد). وكان هذا فى مايو سنة 1959. وهنا بدأ البابا كيرلس السادس يتذكَّر المواقف القديمة مع الأب متى المسكين، وجاء وقت الانتقام، فأرسل تلغرافياً إلى المسئول عن دير الأنبا صموئيل لطردهم من الدير.
نزلوا جميعاً من الدير فى أوائل سنة 1960 وتركوا وراءهم كل شئ – كأنه خروج جديد من العالم – وقابلوا البابا، وتكلَّم معه الأب متى المسكين بكل صراحة وشجاعة واستفسر منه عن سبب هذا الإجراء، فقال له: لكى تعيشوا فى دير السريان.
ولمَّا ذهبوا إلى دير السريان مرَّة أخرى أدرك الأب متى المسكين من أول يوم أن هناك خطَّة مدبَّرة سرّاً لطردهم من هذا الدير أيضاً، ولم يستطع أسقف الدير إخفاء هذه الخطَّة أكثر من شهرين وأخبرهم علانية أنها إرادة البابا، فتركوا الدير فى شعور غامر بالفرح والحرية، بعد أن أخذوا الحل والسماح من الأسقف. ونزلوا إلى القاهرة وأقاموا فى بيت التكريس بحلوان الذى كان الأب متى المسكين قد أنشأه سنة 1958 للشباب المكرَّس للخدمة والكرازة، وكان نزولهم فى ذلك البيت برأى البابا وموافقته لحين حل مشكلتهم.
ولكن البابا كان قد صمَّم فى نفسه على تفتيت هذه الجماعة المتماسكة وتوزيع الرهبان على كافة الأديرة، واختيارهم للخدمات المختلفة فى الكنيسة. وبدأ بالفعل فى تنفيذ مخططه إذ اختار اثنين منهم فى سكرتاريته، ولكنه لمَّا وجد صلابتهم وتمسُّكهم بالأب متى المسكين لم تتأثَّر بكل ذلك، بل أظهروا عدم رغبتهم فى شئ، إذ به يرسل للأب متى المسكين فى حلوان اثنين من المطارنة ومعهم خطاب بالحرم الموقَّع عليهم، وأمر بترك القاهرة فى ظرف 24 ساعة باعتبار أنها إيبارشيته الخاصة، دون إبداء الأسباب ودون تعيين أى مكان يقيمون فيه. وكان هذا بحد تعبير مدير المباحث العامة حينما سمع القصة، أنه بمثابة نفى مدنى لا يملك حقَّه لا وزير داخلية ولا حتى رئيس جمهورية.
وفجأة اكتشف المطرانان أنهما استُخدما فى مؤامرة غير إنسانية ضد رهبان مسالمين لا يبغون فى الكنيسة شيئاً سوى تركهم للعبادة، فعاد أحدهما فى الفجر نادماً – وهو الأنبا بنيامين أسقف المنوفية السابق – وأعطاهم الحل وباركهم بعد أن علم بعزمهم الجديد على ترك القاهرة إلى وادى الريان فى صحراء الفيوم، وكان ذلك فى أغسطس سنة 1960. ويبعد هذا الوادى حوالى 50 كيلومتراً شمال دير الأنبا صموئيل و 50 كيلومتراً جنوب مدينة الفيوم. وهو وادى ليس به ساكن عرضه 7 كيلومتراً وطوله 30 كيلومتراً، به عيون ماء مالحة ولكن يمكن الشرب منها، وبعض أشجار نخيل متباعدة. وكان الأب متى المسكين قد اكتشفه فى رحلاته المتعددة أثناء إقامته بدير الأنبا صموئيل، وقد اختاره الأب متى المسكين لكونه لا يقع تحت إيبارشية أحد من الأساقفة.
حفروا هناك لأنفسهم مغارات متباعدة تبعد عن بعضها البعض بحوالى نصف كيلومتر، وعاشوا كلهم حياة التوحُّد والصلاة. وكان الله يرسل لهم الطعام كل شهرين فى قوافل الجمال، كان يرسلها أحباؤهم فى القاهرة، عشرة سنوات كاملة ولكن فى حياة صعبة، كانت أصعب وأشق فترة عاشها فى حياته بحسب إمكانياته الجسدية:
1-فقد أعلن البابا كيرلس عنهم فى جريدة الأهرام بأنهم مُجرَّدون من رتبهم الكهنوتية ومن رهبانيتهم، وطبعاً بدون إبداء أسباب وبدون محاكمة. وهذا ضد القانون الكنسى وضد الإنسانية.
2-12 راهباً بدون موارد وعلى بعد هائل من العمران وبلا طريق مطروق.
3-مسئولية من جهة مرض الرهبان ورعاية صحتهم بينما المياه غير نقية والأرض لا تخرج أى نوع من المزروعات إلا النخيل وبعض الحشائش.
4-كان عليه أن يقود الجماعة تحت هذه الظروف الصعبة، ويرفع عنهم الوحشة والإحساس بالظلم ويفرحهم ويثقفهم ويرسِّخ فى أرواحهم الحب الإلهى وعشق الإنجيل، ويرفع من معنوياتهم وييسِّر لهم لوازم الحياة من دواء وخضر وفاكهة.
وكان اختباراً رائعاً له شخصياً إذ نجح فيه عندما تجرَّد من نفسه وضعفه ومرضه، وظل على مستوى من المسئولية الروحية والجسدية لمدة عشرة سنوات استطاع خلالها أن يسلِّم هؤلاء الرهبان حياة الإيمان المطلق، فدخلوا جميعاً فى اختبار الوحدة والحب الإلهى والتأمل فى الإنجيل ودراسة كتب الآباء. وحفروا كنيسة فى الصخر وكانوا يقضون فيها عشية الأحد فى الصلاة حتى الفجر بالقداس وبالتأمل والتسبيح، ويقضون يوم الأحد معاً يأكلون الأغابى ثم يعودون إلى مغايرهم. وكانوا يقومون بالعمل الجماعى لقطع الأخشاب للخبيز والطبيخ. وكان العمل الجماعى بنظام وتدبير وساعات محدَّدة، والأكل الجماعى مع القراءة فى كتب الآباء. وبدأت الحياة بسرعة تأخذ صبغة حياة الآباء الأوائل فى الرهبنة سواء فى النسك أو البعد عن العالم أو البساطة أو حب الإنجيل أو الإيمان المطلق. وترهبن معهم 4 رهبان جدد استهوتهم هذه الحياة المجرَّدة العنيفة ولم يعبأوا بقرار القطع من الكنيسة الذى لا يسنده القانون الكنسى والذى تملَّص من مسئوليته بل من وزره كل مسئول فى الكنيسة.
وفى آخر العشرة سنوات أرسل البابا كيرلس السادس فى استدعائه للمصالحة بعد أن ابتدأ يمرض ويشعر بتأنيب الضمير، فذهب إليه الأب متى المسكين، وفى حضرة القمص صليب سوريال كاهن الجيزة، ونيافة الأنبا ميخائيل مطران أسيوط ورئيس دير القديس أنبا مقار، اعتذر له البابا وطلب منه السماح عمّا فات، وطلب من الأب متى المسكين بأن يعيش مع جميع الرهبان الذين معه فى دير الأنبا مقار الذى يرأسه الأنبا ميخائيل مطران أسيوط، وكان عددهم 12 راهباً، فقبل الأب متى المسكين على مضض شديد، وبعد أن أفهم البابا أنه لا يودّ أن يترك وادى الريان قط، ووصلوا إلى دير القديس الأنبا مقار فى 9 مايو عام 1969.
ومنذ دخولهم دير القديس أنبا مقار شعر الأب متى المسكين بمسئولية ترميم هذا الدير، لأنه كان فى حالة يرثى لها وكأن الزمن كان على موعد معهم، إذ لم يكن قد تبقَّى من رهبانه الشيوخ سوى ست رهبان فقط، وكان اثنان منهم ضريرين وآخر طريح الفراش ولا توجد قلاية واحدة تصلح للسكن.
كان الأب متى المسكين فى منتهى الإعياء، وكان فى أشد الحاجة إلى الراحة والهدوء والوحدة ليسترد صحته وفرحه الروحى الصافى، ولكن أمام مسئولية إنقاذ بيت الله من الخراب نسى نفسه وتجرَّد من شهوة قلبه فى الوحدة وبدأ يعمل فى الدير معتمداً على الرهبان الذين يرسلهم الله فى الحين الحسن بنعمة فائقة حتى صار عددهم 80 راهباً متخصِّصاً.
وبعد سنتين تقريباً من وصولهم لدير الأنبا مقار تنيَّح البابا كيرلس السادس (يوم 9 مارس عام 1971). وعاد الشعب إلى ترشيح الأب متى المسكين للبطريركية رغم رفضه وإصراره على الرفض، ولكن تآمر المطارنة مرة أخرى ورفعوا اسمه من بين المرشَّحين بحجة أنه قد توقَّع عليه حكم سابق بالحرم. أمَّا هو فقد سجد لله شكراً عندما علم بخبر رفع اسمه من بين المرشَّحين، وتعهَّد أمام الله أن يُجاهد حتى الموت من أجل الكنيسة والرهبنة بكل ما أوتى من قوة.
وإن كان لا يكفى مجلَّد من ألف صفحة لوصف اختبارات الريان العجيبة حقاً، فليس أقل من ذلك – إن لم يكن أكثر – لوصف اختبارات عمارة دير أنبا مقار، ومقدار الاستنارة التى وهبها الله له ليخطِّط ديراً نموذجياً، ومقدار القدرة على الإدارة والضبط وموالاة العمل يومياً من الصباح إلى المساء، إحدى عشرة سنة كاملة حتى كتابة هذه المقالة مع استمرار الاضطهاد من البطريرك الحالى فى الخفاء والعلن.
ولكن كل ما فعله لم يوقف عمل الله ولا يحسب شيئاً أمام مقدار عناية الله ومعونته الخفية والظاهرة، ومقدار موالاة العمل بالمصاريف اللازمة بينما الدير لا يملك أى رصيد. حيث بدأ المصروف اليومى للدير بمائة جنيه فى أول سنة وارتفع إلى 200 جنيه والآن يزيد عن 400 جنيه يومياً مصاريف عمّال فقط، تأتى بالصلاة فى صناديق الكنيسة. وبلغ مجموع ما صُرف على الدير حتى اليوم أكثر من اثنين مليون ونصف جنيه، علماً بأنه ليس للدير أى رصيد ثابت ولا يطلب أية مساعدة من إنسان إلا الذين ألزموه بالحب أن يخبرهم بأعوازه.
وكان محور العمل والتدبير هو اجتماع الآباء معاً فى أى وقت داخل الكنيسة لمدة تتراوح بين ساعتين وأربع ساعات ليلقى عليهم الأب متى المسكين الكلمات الروحية التى تمثِّل خلاصة الفكر الرهبانى والإنجيلى والآبائى معاً، وكانت الكلمات الروحية تُسجَّل فى أشرطة أحياناً أو تخرج فى شكل مقالات أو تُجمَّع وتخرج فى شكل كتيبات لتوزَّع على الشعب. وهكذا امتدت رسالة الدير لتشمل المجتمع كله. أمَّا الكتب الكبيرة فكان الأب متى المسكين يخلو لنفسه فى المغارة خارج الدير عدَّة شهور لاستكمالها، وقد بلغت عدد مؤلفاته 50 مؤلَّفاً بين كبير وصغير، عدا المقالات التى يكتبها شهرياً فى مجلة مرقس. وصارت جميع هذه الكتب تُطبَع فى مطبعة الدير منذ عام 1978.
وقد تُرجمَت بعض مقالاته إلى الإنجليزية والفرنسية، وتصدر له مقالة شهرية بالإنجليزية فى مجلة مرقس.
وسار البناء الرهبانى عند الآباء حسب مجراه الآبائى الأول بكل معنى الكلمة على أساس الإنجيل والروحيات الناضجة السليمة، مع الاهتمام بالبناء النفسى والإنسانى عند الجماعة كلها ككل وعند الأفراد فى الصلات الفردية. ودخلت المواضيع العامة كالسياسة والحركات التى يموج بها العالم داخل أحاديث الأب متى المسكين اليومية، فارتقى مستوى كثير من الآباء ونضج تفكيرهم وانحلَّت منهم عقد الطبقية وضيق العقل والتعصُّب وتأليه الرؤساء، فصار الدير له شخصية متميزة بالانفتاح وعدم التعصُّب ومحبة الجميع بلا استثناء.
ودخل العمل اليدوى كعنصر أساسى فى التربية الرهبانية لإيمانه بأنه الوسيلة المثلى لكشف عيوب النفس، ثمَّ بواسطة المراجعة والإرشاد يصير العمل نفسه واسطة لشفاء هذه العيوب، وثبُت أن العمل اليدوى الشاق هو أفضل وسيلة لعلاج النفس المريضة نفسياً. كما تدرَّب الآباء على الصلاة القلبية أثناء العمل فصار العمل يمشى جنباً إلى جنب مع الصلاة.
أمَّا الرهبان فمعظمهم ذوى مؤهلات عالية وخبرات، وأصبحوا شخصيات منفتحة على مستوى المسئوليات والقيادة فى أى موقع، ومنهم شخصيات فريدة ونادرة فى الحب الإلهى والطهارة المطلقة وحياة الصلاة والتواضع ومحبة الأخوة، مما يجذب إليهم الزائرين بالمئات من كل أنحاء العالم.
منقول
 

كلدانية

مشرف
مشرف
إنضم
1 نوفمبر 2010
المشاركات
64,901
مستوى التفاعل
5,952
النقاط
113
مرسي لمروورك الراائع

20101207_145318_amiraa57d78d33e.gif
 

elamer1000

حبة تراب متألمة
عضو مبارك
إنضم
5 فبراير 2010
المشاركات
3,014
مستوى التفاعل
306
النقاط
83
الإقامة
فى العالم
ربنا يباركك

تقبلى تقيمى المتواضع

+++

 

KOKOMAN

.
مشرف سابق
إنضم
9 سبتمبر 2007
المشاركات
122,437
مستوى التفاعل
413
النقاط
0
الإقامة
ALEX
بركه صلواته فلتكن مع جميعنا
ميرررسى على السيره العطره
ربنا يبارك حياتك
 
أعلى