الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد : إنجيل متي - مقدمة

إنضم
19 يونيو 2021
المشاركات
47
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الإقامة
اعيش هنا: https://fliphtml5.com/homepage/odddi
الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد : إنجيل متي - ف 20

الأَصْحَاحُ العِشْرُونَ

مثل الفعلة i السعى للرئاسة



(1) مثل الفعلة (ع 1-16):

1- "فإن ملكوت السماوات يشبه رجلا رب بيت، خرج مع الصبح ليستأجر فعلة لكرمه. 2- فاتفق مع الفعلة على دينار فى اليوم، وأرسلهم إلى كرمه. 3- ثم خرج نحو الساعة الثالثة، ورأى آخرين قياما فى السوق بطالين. 4- فقال لهم: اذهبوا أنتم أيضا إلى الكرم، فأعطيكم ما يحق لكم، فَمَضَوْا. 5- وخرج أيضا نحو الساعة السادسة والتاسعة وفعل كذلك. 6- ثم نحو الساعة الحادية عشرة، خرج ووجد آخرين قياما بطالين، فقال لهم: لماذا وقفتم ههنا كل النهار بطالين؟ 7- قالوا له: لأنه لم يستأجرنا أحد. قال لهم: اذهبوا أنتم أيضا إلى الكرم، فتأخذوا ما يحق لكم. 8- فلما كان المساء، قال صاحب الكرم لوكيله: ادع الفعلة وأعطهم الأجرة، مبتدئا من الآخرين إلى الأولين. 9- فجاء أصحاب الساعة الحادية عشرة، وأخذوا دينارا دينارا. 10- فلما جاء الأولون، ظنوا أنهم يأخذون أكثر، فأخذوا هم أيضا دينارا دينارا. 11- وفيما هم يأخذون تذمروا على رب البيت. 12- قائلين: هؤلاء الآخرون عملوا ساعة واحدة، وقد ساويتهم بنا نحن الذين احتملنا ثِقَلَ النهار والحر. 13- فأجاب وقال لواحد منهم: يا صاحب، ما ظلمتك، أما اتفقت معى على دينار؟ 14- فخذ الذى لك واذهب، فإنى أريد أن أعطى هذا الأخير مثلك. 15- أَوْ ما يحل لى أن أفعل ما أريد بما لى، أم عينك شريرة لأنى أنا صالح؟ 16- هكذا يكون الآخرون أولين، والأولون آخرين، لأن كثيرين يُدْعَوْنَ وقليلين ينتخبون."



ع1: "رب بيت": هو الله.

"كرمه": هو الكنيسة.

"الفعلة": هم كل البشر الذين يدعوهم الله للحياة معه وخدمته.



ع2-7: الله هو الذى خرج، أى أنه المبادر فى طلب الإنسان، والبادئ بالحب، وقد خرج من الفجر فى الساعة الأولى يطلب قلوب أولاده.

الساعات اليهودية المعروفة خمس ساعات، ترمز لحياة الإنسان، وهى (مع ملاحظة أن الساعة هنا ليست 60 دقيقة، وإنما فترة زمنية تمتد إلى الساعة التى تليها):

الساعة الأولى: الطفولة.

الساعة الثالثة: الصبا.

الساعة السادسة: الشباب.

الساعة التاسعة: الرجولة.

الساعة الحادية عشرة: الشيخوخة.

وتشير هذه الساعات أيضا إلى تاريخ البشرية: آدم، ثم نوح، ثم إبراهيم، ثم موسى والأنبياء، ثم المسيح.

ومعنى هذا، أن الله يطلب الإنسان على مدى تاريخ البشرية، وطوال حياته، لعله يستجيب فيَخلُص.



ع8-10: "المساء": هو نهاية العمر، ويوم الدينونة.

"وكيله": هم الملائكة.

"أصحاب الساعة الحادية عشرة": عندما لامهم السيد لوقوفهم بطالين طوال النهار، قالوا: "لم يستأجرنا أحد" (ع7)، أى لم يفهموا دعوة الله، فظلوا بلا عمل روحى طوال حياتهم، حتى انتبهوا فى آخر العمر.

"دينارا": هو الخلاص والحياة الأبدية.

فالكل، ما دام قد آمن بالمسيح، وعمل معه ولو لساعة واحدة، ينال الحياة الأبدية. ولكن، يتميّز الواحد عن الآخر، بمقدار تمتعه وعشرته وارتباطه بالله.

وقد تكون الدعوة أتت فى نهاية الحياة، وتجاوب الإنسان معها بكل قلبه، فيصير مثل أصحاب الساعة الأولى، بل قد يكون أفضل منهم بمقدار حبه لله.

وإن قال واحد سأنتظر حتى الساعة الحادية عشرة، ما دام الخلاص يُعطَى للكل، ولا أريد أن أكون متميزا فى ملكوت السماوات، فهذا معناه:

أولا: أنه لا يعرف أن عمره قد ينتهى فى أية لحظة.

ثانيا: أنه لا يُقدّر قيمة عشرة الله ومحبته، فيستهين بعلاقته مع الله على الأرض.

ع11-16: يرمز أصحاب الساعة الأولى لليهود، الذين ظنوا أن الخلاص قاصر عليهم وليس للأمم، وأنه إذا آمن غير اليهود بالمسيح، يكونون فى مرتبة أقل من اليهود الذين صاروا مسيحيين، وتكلموا عن أصحاب الساعة الحادية عشرة قائلين: "هؤلاء الآخرون..." أما المسيح فكلمهم بحب قائلا: "يا صاحب."

وفى هذا التذمر تدخّل فى عمل الله كديّان، فهو قد أعطى كل واحد ما اتفق معه عليه، ثم أنعم على غيره، دون أن يُنقص من اليهودى أو المتذمر شيئا.

"عينك شريرة": أى أنانية، تفكر فى الخير لنفسك وترفضه لغيرك، وتحسد الآخرين على ما ينالونه.

"كثيرين يُدْعَوْنَ": الله يطلب خلاص الكل. ولكن، لا يؤمن ويحيا فى المحبة إلا القليلين، هؤلاء هم فقط الذين يَخلُصون.

خلاصة القول، إن المسيح يعطى الخلاص لكل من يؤمن به ويحيا معه فى كنيسته، سواء عاش حياة التوبة من بداية حياته، أو فى أواخر عمره.

وهذا لا ينفى وجود منازل ودرجات فى الملكوت، لكن الكلام هنا فقط عن دخول الملكوت.

اُنظر إلى كل البشر على أنهم صورة الله، وأنهم قد يسبقوك إلى الملكوت، واعمل الخير مع الكل، خاصة مع الضعفاء والبعيدين عن الله، لعلهم يتوبون، عالما أنهم قد يزدادون فى محبة الله أكثر منك.



(2) نبوة عن آلام المسيح وصلبه (ع 17-19):

17- وفيما كان يسوع صاعدا إلى أورشليم، أخذ الاثنى عشر تلميذا على انفراد فى الطريق، وقال لهم: 18- "ها نحن صاعدون إلى أورشليم، وابن الإنسان يسلم إلى رؤساء الكهنة والكتبة، فيحكمون عليه بالموت. 19- ويسلمونه إلى الأمم لكى يهزأوا به ويجلدوه ويصلبوه، وفى اليوم الثالث يقوم."



مرة ثالثة، عند اقتراب المسيح مع تلاميذه من أورشليم، وكان ذلك فى نهاية حياته على الأرض، ينبههم إلى الآلام التى سيتحملها من أجل البشرية، من حيث اضطهاد اليهود له، واستخدامهم الأمم، فى شكل السلطة الرومانية، لصلبه، حتى يموت ويتخلّصوا منه. ولكنه، بلاهوته، يقوم فى اليوم الثالث.

وقد ذكر هذا حتى لا ينزعجوا عندما يحدث ذلك، وقد كرر هذه النبوة لهم مرات كثيرة، لأنهم كانوا ما زالوا مستغرقين فى فكرة مُلكه الأرضى، فغريبة جدا عليهم أخبار آلامه وموته.

الله يحاول إعداد قلبك للأحداث المقبلة التى لا تعرفها ولا تستطيع قبولها، فتجاوب مع صوته بالاقتراب إليه، والتوبة والازدياد فى علاقتك به، وقبول الأمور المعاكسة لإرادتك؛ حينئذ تزداد قوة وصلابة، فلا تضطرب من أية أمور أخرى تأتى عليك، سواء كانت أمور محزنة أو محيرة، وثق أن الله بجوارك يسندك، فتمر فيها بسلام.



(3) الرئاسة بين التلاميذ (ع 20-28):

20- حينئذ تقدمت إليه أم ابنى زَبْدِى مع ابنيها، وسجدت وطلبت منه شيئا. 21- فقال لها: "ماذا تريدين؟" قالت له: "قل أن يجلس ابناى هذان واحد عن يمينك والآخر عن اليسار فى ملكوتك." 22- فأجاب يسوع وقال: "لستما تعلمان ما تطلبان. أتستطيعان أن تشربا الكأس التى سوف أشربها أنا، وأن تصطبغا بِالصِّبْغَةِ التى أصطبغ بها أنا؟" قالا له: "نستطيع." 23- فقال لهما: "أما كأسى فتشربانها، وبِالصِّبْغَةِ التى أصطبغ بها أنا تصطبغان. وأما الجلوس عن يمينى وعن يسارى، فليس لى أن أعطيه إلا للذين أُعِدَّ لهم من أبى." 24- فلما سمع العشرة، اغتاظوا من أجل الأخوين. 25- فدعاهم يسوع وقال: "أنتم تعلمون أن رؤساء الأمم يسودونهم، والعظماء يتسلطون عليهم. 26- فلا يكون هكذا فيكم، بل من أراد أن يكون فيكم عظيما، فليكن لكم خادما. 27- ومن أراد أن يكون فيكم أولا، فليكن لكم عبدا. 28- كما أن ابن الإنسان لم يأت لِيُخْدَمَ بل لِيَخْدُِمَ، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين."



ع20-21: "حينئذ": بعد كلام المسيح عن آلامه المقبلة.

"أم ابنى زَبْدِى": وهى سالومة، وتقدّمها كان بتحريض من ابنيها لتعضّدهما فى طلبهما من المسيح، والدليل على ذلك أن المسيح خاطبهما بعد ذلك، وليس الأم.

"شيئا": تأدّبا منها، ولشعورها بصعوبة ما تطلبه، وأنه قد يكون مرفوضا، فقالت له: أريد منك شيئا.

"ماذا تريدين؟": كان المسيح يعلم ما تريدهٍ، ولكنه قصد أن تراجع نفسها لآخر مرة فيما ستطلبه.

تقدمت أم ابنى زَبْدِى ومعها ابناها إلى المسيح، وسجدت له فى إيمان، وإذ ظنت أن المسيح يكون له مُلك أرضى، كما يفكر باقى اليهود، فحبا فى ابنيها، طلبت منه أن يكون لهما مكانا متميزا فى هذا الملكوت عن باقى التلاميذ، فيجلسان، الواحد عن يمينه والآخر عن يساره، أى أن تكون لهما رئاسة على الباقين.



ع22-23: وجّه المسيح نظر التلميذين إلى الآلام التى ينبغى احتمالها من أجل الوصول إلى الملكوت، هذا ما يتم طوال الحياة، ليبعد أعينهما عن التعلق بالمراكز الأرضية، ويفكّرا بطريقة روحية فى ملكوت السماوات أنه حب وعشرة مع الله، وليس بحثا عن المراكز أو الرئاسة.

وسألهما سؤالا واضحا: هل تستطيعان أن تحتملا كأس الآلام وصبغة الموت؟ فأجابا دون تَرَوٍ وفهم وقالا: "نستطيع." وهنا، وجّه المسيح نظرهما إلى أن الوجود فى الملكوت هو نعمة من الله، فلا يستطيع الإنسان بإرادته فقط أن يحتمل الآلام من أجل المسيح، بل بمعونة الله.

"أُعِدَّ لهم من أبى": أى من أكملوا جهادهم، فيستحقون نعمة الله. ومع أن إرادة الابن والآب إرادة واحدة، قال هنا "أبى"، ليرفع تفكيرهم من المُلك الأرضى معه إلى الملكوت السماوى، أى عند الآب.



ع24: تحركت محبة العظمة فى قلوب التلاميذ عندما سمعوا رغبة ابنى زَبْدِى يعقوب ويوحنا فى هذه الرئاسة، واغتاظوا وتضايقوا، إذ خافوا أن ينالا ما يطلبان.



ع25-27: نبّههم المسيح إلى أن السعى نحو الرئاسة هو تفكير أهل العالم، وليس أولاد الله. وأعلن بوضوح أهمية السعى نحو الاتضاع فى شكل خدمة بعضهم البعض، وخضوع كل واحد للآخر، فهذا ما يجعلهم عظماء فى نظر الله، وتكون لهم مكانة متميزة فى السماء.

أى أن العالم يسعى للرئاسة والتسلط، أما أولاد الله فللاتضاع والخدمة.



ع28: أعطى المسيح نفسه مثالا فى الاتضاع، فهو لم يطلب مركزا عالميا فيخدمه كثيرون، بل أتى ليكون خادما للبشرية، ويموت عنها ليفديها.

هل تبحث عما تقدمه من خدمة للآخرين، وكيف تخضع لهم، أم عن مكانتك وكرامتك وسطهم؟ ليتك من اليوم تخضع للكل، لترتفع فى نظر الله.

(4) فتح عيون الأعميين (ع 29-34):

29- وفيما هم خارجون من أريحا، تبعه جمع كثير. 30- وإذا أعميان جالسان على الطريق، فلما سمعا أن يسوع مجتاز، صرخا قائليْن: "ارحمنا يا سيد يا ابن داود." 31- فانتهرهما الجمع ليسكتا، فكانا يصرخان أكثر، قائليْن: "ارحمنا يا سيد يا ابن داود." 32- فوقف يسوع وناداهما وقال: "ماذا تريدان أن أفعل بكما؟" 33- قالا له: "يا سيد أن تنفتح أعيننا." 34- فتحنن يسوع، ولمس أعينهما فللوقت أبصرت أعينهما فتبعاه.



ع29-30: هذه آخر معجزة يعملها المسيح قبل دخوله أورشليم. ففيما هو سائر فى الطريق مع الجمع، كان هناك أعميان جالسان على الطريق، يبدو أنهما كانا يستعطيان (يشحذان).

فلما سمعا صوت الجمع، وعلما أن هذا هو موكب المسيح الذى يشفى المرضى، آمنا بقدرته على الشفاء، وصرخا يطلبان منه ذلك، واثقين أنه المسيا المنتظر ابن داود.

وقد ذُكر هنا أعميان، أما مرقس ولوقا فذكرا أعمى واحدا، يبدو أنه كان هو المتقدم أكثر من الثانى فى الكلام (مر 10: 46-52 ؛ لو 18: 35-43).



ع31: من كثرة صراخهما ضايقا الجمع، فحاولوا إسكاتهما حتى يتمتعوا بالاستماع لكلام المسيح، أما هما فظلا يصرخان فى إصرار يعلنان إيمانهما، وحاجتهما الشديدة للشفاء، منتهزين هذه الفرصة التى لا تعوض.

ألح على الله فى الطلب، فهذا يُظهر مدى إيمانك، ولا تتعطل بأفكار البشر التى تبعدك عن الله.



ع32-34: وقف يسوع ونادى الأعميين، فهو يهتم جدا بمن يطلبه، وإن كان ينتظر قليلا، حتى يُظهر مدى تمسكه وإلحاحه فى الصلاة. ثم سألهما ماذا يريدان، حتى يظهرا احتياجهما للشفاء، فأعلنا ذلك. وحينئذ ظهر حنانه وشفاهما. ومن فرط فرحهما، تبعاه، ليتمتعا مثل الآخرين بالاستماع لتعاليمه ورؤية معجزاته.

الله مستعد أن يهبك البصيرة الروحية، أى التمييز والفهم، إن كنت تطلبهما بلجاجة، فحنانه غير محدود نحوك. وإن وهبك الحكمة والتمييز، فاتبع المسيح فى كل خطواتك حتى لا يكون إيمانك نظريا، بل تتمتع بعشرته كل يوم أكثر من ذى قبل.
 
إنضم
19 يونيو 2021
المشاركات
47
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الإقامة
اعيش هنا: https://fliphtml5.com/homepage/odddi
الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد : إنجيل متي - ف 21

الأَصْحَاحُ الحَادِى وَالعِشْرُونَ

دخول المسيح أورشليم i مثل الكرّامين



(1) دخول المسيح أورشليم (ع 1-11):

1- ولما قربوا من أورشليم، وجاءوا إلى بيت فاجى عند جبل الزيتون، حينئذ أرسل يسوع تلميذين. 2- قائلا لهما: "اِذهبا إلى القرية التى أمامكما، فللوقت تجدان أتانا مربوطة وجحشا معها، فحلاهما وأْتيانى بهما. 3- وإن قال لكما أحد شيئا، فقولا الرب محتاج إليهما، فللوقت يرسلهما." 4- فكان هذا كله لكى يتم ما قيل بالنبى القائل: 5- قولوا لابنة صَِهْيَُوْنَ، هوذا ملكك يأتيك وديعا، راكبا على أتان وجحش ابن أتان. 6- فذهب التلميذان وفعلا كما أمرهما يسوع. 7- وأتيا بالأتان والجحش، ووضعا عليهما ثيابهما، فجلس عليهما. 8- والجمع الأكثر فرشوا ثيابهم فى الطريق، وآخرون قطعوا أغصانا من الشجر وفرشوها فى الطريق. 9- والجموع الذين تقدموا، والذين تبعوا، كانوا يصرخون قائلين: "أوصنا لابن داود، مبارك الآتى باسم الرب، أوصنا فى الأعالى." 10- ولما دخل أورشليم، ارتجت المدينة كلها قائلة: "من هذا؟" 11- فقالت الجموع: "هذا يسوع النبى الذى من ناصرة الجليل."



ع1-3: تبدأ من هذا الأصحاح، الأحداث التى تمت فى الأسيوع الأخير من حياة المسيح على الأرض. ويذكرها الكتاب المقدس بالتفصيل، لأنها تختص بإتمام الخلاص للعالم كله.

اقترب المسيح من أورشليم (صباح يوم الأحد)، ومن قرية بيت فاجى التى تقع شرقها عند جبل الزيتون. فأرسل اثنين من تلاميذه قائلا لهما: عندما تدخلان المدينة، تجدان أتانا (أنثى الحمار) وجحشا (الحمار الصغير)، فحلاهما من رباطهما، وإن اعترضكما أحد، فقولا الرب محتاج إليهما، فيتركهما معكما.

وقد كان هذا بترتيب إلهى، أو قد أُعْلِمَ أصحاب الأتان والجحش، بطريقة لم تُذكر فى الكتاب المقدس، أنه سيأتى اثنان يطلبانهما للرب، فأعطوهما لهما.

"أتانا... وجحشا": يرمزان للبشر، أى اليهود والأمم، الذين صاروا فى غباء الحمار بسبب ابتعادهم عن الله، سواء بالانشغال المادى، أو بعبادة الأوثان.

وانظر كيف كان اتضاع المسيح الذى يقول إنه محتاج لهما، مع أنه هو خالق كل شىء! وهكذا يُظهر احتياجه لنفوس أولاده، لترجع إليه فتحيا معه.

إنه واهب كل العطايا وكامل فى ذاته، ولكن حبه واتضاعه، هما اللذان يجعلانه يطلب.

وانظر إلى حنان الله الراكب على الجحش، ولكن، حتى لا يتعب الجحش، يركب أيضا على الأتان قليلا، ثم على الجحش قليلا، فهو يشفق على خليقته، فبالأحرى على البشرية.

والجحش لم يركبه أحد من قبل، وهذا يرمز لعدم الخضوع إلا لله.

وقد أعطى سلطانا للتلميذين، أى كهنة العهد الجديد، أن يحلوا البشرية من رباطاتها، وهو سلطان الحل والربط فى سر الاعتراف الذى يُعطَى للتائبين.



ع4-5: "ابنة صَِهْيَُوْنَ": أحد أسماء أورشليم.

كعادة متى الإنجيلى، يعلن أن فى المسيح إتمام النبوات. فقد تنبأ زكريا النبى (9: 9) عن دخول المسيح أورشليم باتضاع ووداعة، ليملك على القلوب، وليس ملكا أرضيا، ولذا فموكبه بسيط، يركب على حيوانات ضعيفة مثل الأتان والجحش.



ع6: تمم تلميذا المسيح ما أمرهما به، وأتيا إليه بالأتان والجحش، ليركب عليهما ويدخل أورشليم.



ع7: خلْع الثوب وإعطاؤه للآخر، يعنى فى العرف اليهودى الخضوع له كرئيس، إذ يتنازل الإنسان عما هو ضرورى له ليخضع للآخر. وقد وضعوها باتضاع على الحيوانات التى سيركبها المسيح، لتتبارك بجلوسه عليها، بل وطرحوها على الأرض أيضا لنفس السبب.

اخلع عنك اهتماماتك المادية بالصوم والتجرد، فتتمتع ببركة الله الذى تخضع له، فيملأك من نعمته.



ع8: وضع الجمع أيضا ثيابهم على الأرض لتتبارك، كما قطعوا أغصانا من الشجر وفرشوها فى الطريق، ليمر عليها بالأتان أو الجحش، لتتكتسى الأرض بالخضرة، أى الخير، لأنه هو صانع الخيرات.

"أغصانا من الشجر": تشير للنبوات التى قيلت عن المسيح، وتكمل الآن فيه. وتشير أيضا لكل ما هو مرتفع، فيكون عند قدميه، لأنه هو خالق الكل.



ع9: كل الجموع التى سبقته لتفرش له الطريق، والتى تتبعه، أعلنوا إيمانهم به أنه هو المسيا المنتظر ابن داود، الآتى باسم الرب ليخلّصهم.

"الجموع الذين تقدموا": تشير لرجال الله فى العهد القديم.

"والذين تبعوا": ترمز إلى المؤمنين فى العهد الجديد، الذين آمنوا ببشارة الإنجيل، فالكل يطلب خلاصه فى المسيح.

"أوصنا": معناها خَلِّصْنَا، فهو المخلّص الذى يرفعهم إلى الأعالى فى ملكوت السماوات. وتأتى أيضا بمعنى المجد.



ع10-11: كان موكبا شعبيا بسيطا ولكن جبارا، إذ تعلقت القلوب بالمسيح الذى أحبهم واهتم برعايتهم، وتساءل رؤساء المدينة والكهنة لمن هذا الموكب، فعلموا أنه ليسوع الناصرى الذى يعلّم الجموع، ويشفى أمراضهم ويعتنى بهم.

اهتم أن تكسب محبة الآخرين، وليس أن ترتفع عليهم بمركزك وسلطانك، فكل هذا زائل.



(2) تطهير الهيكل (ع 12-17):

12- ودخل يسوع إلى هيكل الله، وأخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون فى الهيكل، وقلب موائد الصيارفة وكراسى باعة الحمام. 13- وقال لهم: "مكتوب بيتى بيت الصلاة يُدعَى، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص." 14- وتقدم إليه عمى وعرج فى الهيكل فشفاهم. 15- فلما رأى رؤساء الكهنة والكتبة العجائب التى صنع، والأولاد يصرخون فى الهيكل ويقولون: "أوصنا لابن داود"، غضبوا. 16- وقالوا له: "أتسمع ما يقول هؤلاء؟" فقال لهم يسوع: "نعم. أما قرأتم قط، من أفواه الأطفال والرضع هيأت تسبيحا؟" 17- ثم تركهم وخرج خارج المدينة إلى بيت عَنْيَا، وبات هناك.



ع12-13: كان يتصل بالهيكل مجموعة من الصالات المكشوفة أو الساحات، يتجمع فيها الشعب. وفيها كان التجار يبيعون ما يحتاجه القادمون إلى الهيكل من حيوانات أو طيور ليقدموها على المذبح.

وكان اليهود من بلاد مختلفة يأتون فى الأعياد، فرتّب الكهنة صيارفة لتغيير العملات إلى العملة اليهودية، وكان لهم مكسب مادى كبير من هذه التجارة.

وهكذا تحولت انشغالات الناس من الاهتمام بالعبادة إلى شراء حاجياتهم، وقد تكون هناك مبيعات أخرى يبيعونها ليس لها علاقة بالعبادة.

فإن كان ضروريا توفير بعض الاحتياجات الخاصة بالعبادة، فيجب أن يكون بيعها خارج كل ساحات الهيكل، حتى تظل كل أماكن الهيكل للعبادة والتعليم.

ظهرت غيرة المسيح على بيت الله، حين ضفر سوطا (يرمز للروح القدس الذى يوبخنا على انشغالنا بالأفكار المادية داخل الكنيسة) ليطرد به الحيوانات والطيور والتجمعات الكبيرة للتجارة داخل الهيكل (يو 2: 15)، معلنا أن بيت الله مكرس للصلاة والعبادة فقط، كما قال إشعياء (56: 7)، وليس للمكاسب التجارية، إذ صار الكهنة وتابعوهم محبين للمال مثل اللصوص الذين يسرقون ليكنزوا أموالا كثيرة. فبهذه التجارة، حوّلوا الهيكل إلى مغارة يجمع فيها اللصوص مقتنياتهم المادية. وقد طرد المسيح الباعة من الهيكل يوم الاثنين، أى اليوم التالى بعد دخوله أورشليم، ولكم متى لا يهتم بترتيب الحوادث.



ع14-16: بعد تطهير الهيكل، صار هناك هدوء وفرصة للعمل الروحى، فَشَفَى العمى والعرج ليستنيروا بمعرفة الله، ويسرعوا فى طريق الحياة الروحية.

كما شعر الآتون إلى الهيكل بأن المسيح هو المسيا المنتظر، ولعلهم كانوا معه فى موكب دخوله إلى أورشليم، فرددوا الهتافات التى قالوها له، وخاصة الأطفال منهم، الذين حفظوا هذه العبارات من كثرة ترديدها، قائلين: "أوصنا لابن داود"، فتضايق رؤساء الكهنة والكتبة من هذه الهتافات لأنها إعلان واضح أنه هو المسيا المنتظر ابن داود كما قالت النبوات، وقالوا له: "أتسمع ما يقول هؤلاء؟"

رد عليهم المسيح بالمكتوب فى الأنبياء عندهم، إن الله يُعِدُّ تسبيحا له، يرتفع من أفواه الأطفال (مز 8: 2).



ع17: بعد هذا، ذهب المسيح إلى قرية بيت عَنْيَا ومعناها "بيت العناء"، وتقع شرق أورشليم، حيث بيت صديقه لعازر الذى أقامه من الموت، وبات هناك ليعود فى اليوم التالى إلى أورشليم.

إن قلبك هو هيكل لله، فلا تدع أفكار العالم تشغله، لأن الله خلقه فيك لترفع منه الصلوات. فخصص وقتا كافيا لصلواتك قبل انشغالاتك؛ وأيضا أثناء أعمالك، ارفع قلبك بصلوات قصيرة لتتمتع بعشرة الله.



(3) شجرة التين (ع 18-22):

18- وفى الصبح، إذ كان راجعا إلى المدينة، جاع. 19- فنظر شجرة تين على الطريق، وجاء إليها فلم يجد فيها شيئا إلا ورقا فقط، فقال لها: "لا يكن منك ثمر بعد إلى الأبد." فيبست التينة فى الحال. 20- فلما رأى التلاميذ ذلك تعجبوا قائلين: "كيف يبست التينة فى الحال؟" 21- فأجاب يسوع وقال لهم: "الحق أقول لكم، إن كان لكم إيمان ولا تشكون، فلا تفعلون أمر التينة فقط، بل إن قلتم أيضا لهذا الجبل انتقل وانطرح فى البحر، فيكون. 22- وكل ما تطلبونه فى الصلاة مؤمنين تنالونه."



ع18-19: فى الصباح، تحرك المسيح ماشيا من بيت عَنْيَا، عائدا إلى أورشليم ليعلم فى الهيكل، فجاع، وهذا إثبات لناسوته. وفى الطريق، نظر من بعيد شجرة تين مملوءة بأوراق خضراء، فأتى إليها ليأكل تينا، ولكنه عندما وصل إليها لم يجد فيها ثمرا، فقال لها أنها لن تعطى ثمرا إلى الأبد، فيبست وماتت، وهذا إثبات للاهوته.

ويلاحظ أن متى البشير لم يهتم بترتيب زمن الأحداث مثل مرقس، لأن شجرة التين قد لعنها المسيح فى صباح يوم الاثنين، ولاحظ التلاميذ أنها يبست فى صباح يوم الثلاثاء كما ذكر مرقس البشير (11: 14 و20)، أما متى فذكر لعنة التينة وتيبسها معا.

وقد فعل المسيح هذا ليعلن خطورة السطحية فى الحياة الروحية، مثل اليهود الذين لهم مظهر المعرفة بالله، وليس لهم ثمار الحب للآخرين.

وكل إنسان له مظهر التقوى وليس له عمقها، فهو مرفوض من الله، ومحكوم عليه بالموت، إذ يُقْبِلُ إليه الناس ليعرفوا الله، فلا يجدون فيه ثمرا روحيا.

"شجرة تين": ترمز للأمة اليهودية وهيكلها. ولأنهم رفضوا المسيح، تم خراب الهيكل فى عام 70م. وجفاف التينة نبوة عن خراب أورشليم.

ونجد أن معجزات المسيح تعلن رحمته، وهذه هى المعجزة الوحيدة التى تعلن عدل الله، حتى تكون نظرتنا كاملة نحوه، فنتذكر رحمته وعدله فى آن واحد، لكيما نتوب ونتمتع بمراحمه.

ع20-22: تعجب التلاميذ من جفاف التينة فى الحال، فانتهز المسيح هذه الفرصة ليظهر لهم قوة الإيمان التى بها يصنعون كل شىء، حتى الجبل، يقدرون على نزعه من الأرض وإلقائه فى البحر، إن كان لهم إيمان.

ويشير الجبل إلى الشهوات الكثيرة التى تملك على القلب، فإن كان للإنسان إيمان ويتمسك بالله، يستطيع أن يلقى بهذا الجبل إلى البحر الذى يمثل العالم، أى يتخلّص من الشهوات العالمية.

الصلاة بإيمان ولجاجة تعطينا كل ما نطلبه، بشرط أن تكون موافقة لمشيئة الله. فلا تتراخَ واطلب من الله بإيمان كل احتياجاتك، وألحّ عليه، فهو يحب أن يسمع صوتك ويعطيك كل الخيرات.



(4) سلطان المسيح (ع 23-27):

23- ولما جاء إلى الهيكل، تقدم إليه رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب وهو يعلم قائلين: "بأى سلطان تفعل هذا، ومن أعطاك هذا السلطان؟" 24- فأجاب يسوع وقال لهم: "وأنا أيضا أسألكم كلمة واحدة، فإن قلتم لى عنها، أقول لكم أنا أيضا بأى سلطان أفعل هذا. 25- معمودية يوحنا من أين كانت، من السماء أم من الناس؟" ففكروا فى أنفسهم قائلين إن قلنا من السماء، يقول لنا فلماذا لم تؤمنوا به؟ 26- وإن قلنا من الناس نخاف من الشعب، لأن يوحنا عند الجميع مثل نبى. 27- فأجابوا يسوع وقالوا: "لا نعلم." فقال لهم هو أيضا: "ولا أنا أقول لكم بأى سلطان أفعل هذا."



ع23: حاول رؤساء الكهنة والشيوخ اصطياد خطأ على المسيح، لأنه ليس من سبط لاوى المسئول عن التعليم، بل من سبط يهوذا.

وإذ لاحظوا طرده للباعة وقوة تعاليمه، سألوه بأى سلطان يُعلّم ويصنع المعجزات، ومن أعطاه الإذن وسمح له أن يفعل هذا، هل بسماح من رئيس الكهنة؟

لم يسألوا ليعرفوا قوة الله التى فيه، ولكن، لعله يخطئ فى أى تعبير، فيعتبروه كاسرا للناموس ونظام الهيكل.



ع24-27: إن كان رؤساء الكهنة قد استخدموا الخبث والمكر الإنسانى، فقد رد عليهم المسيح، الحكمة الحقيقية، بسؤال، وليس قصده التهرب من الإجابة، لأن سؤاله يرد عليهم. أى أنهم لو آمنوا بدعوة يوحنا المعمدان، لآمنوا بكلامه عن المسيح وسلطانه. وكان سؤال المسيح عن مصدر معمودية يوحنا: هل هى من السماء، والله أرسله، أم هى من الناس، أى مجرد ادعاء بشرى؟

ففكروا فى أنفسهم، إن اعترفوا أنها من الله، سيسألهم لماذا لم تؤمنوا به وتعتمدوا على يديه؟ وإن أعلنوا رفضهم لمعموديته، يخافون من الشعب، لأن الكل يعرف أنه نبى عظيم، فقالوا: "لا نعلم"، أى ظهر عجزهم عن الإجابة، لأنهم خافوا أعلان رأيهم الحقيقى، وهو رفضهم ليوحنا، لخوفهم على مركزهم وسلطانهم، وعدم استعدادهم للتوبة. فقال لهم المسيح: وأنا لن أقول لكم مصدر سلطانى.

وهكذا أفحمهم حتى يتوقفوا عن محاولة إيقاعه فى خطأ، ويلتفتوا إلى ضعفهم، فيصلحوه بقبول دعوة يوحنا المعمدان، أى التوبة عن خطاياهم.

لا تكن مغرضا فى كلامك مع الآخرين، بل ابحث عما يفيدك، وتعلّم من الكل، وقدّم محبة للجميع.



(5) مثل الابنين والكرم (ع 28-32):

28- "ماذا تظنون؟ كان لإنسان ابنان، فجاء إلى الأول وقال: يا ابنى، اذهب اليوم اعمل فى كرمى. 29- فأجاب وقال: ما أريد. ولكنه ندم أخيرا ومضى. 30- وجاء إلى الثانى وقال كذلك، فأجاب وقال: ها أنا يا سيد. ولم يمض. 31- فأى الاثنين عمل إرادة الأب؟" قالوا له: "الأول." قال لهم يسوع: "الحق أقول لكم، إن العشارين والزوانى يسبقونكم إلى ملكوت الله. 32- لأن يوحنا جاءكم فى طريق الحق فلم تؤمنوا به، وأما العشارون والزوانى فآمنوا به. وأنتم إذ رأيتم، لم تندموا أخيرا لتؤمنوا به."



ع28-30: الكرم: هو فرصة الحياة على الأرض التى نجاهد فيها فى عبادة مقدسة لله، أو نضيعها فى شهوات العالم.

أمام رفض رؤساء الكهنة والشيوخ للتوبة بدعوة يوحنا أو ببشارة المسيح، أعطاهم مثلا عن أب، هو الله، له ابنان:

الابن الأول: يرمز للأمم الذين رفضوا العمل معه فى كرمه، أى الكنيسة، ولكنهم عادوا فتابوا وعملوا فى الكرم. ويرمز أيضا للعشارين والخطاة الذين عاشوا حياتهم بعيدا عن الله، ولكن آمنوا بالمسيح وتابوا وصاروا قديسين.

الابن الثانى: يرمز لليهود أو الكتبة والفرّيسيّين، الذين أعلنوا خضوعهم لله وتبعيتهم له بالكلام، ولكنهم رفضوا الحياة معه، أى الإيمان بالمسيح والالتصاق بكنيسته.



ع31-32: ثم سأل المسيح: مَن مِن الابنين عمل مشيئة الأب؟ فقالوا: الأول. فأعلن لهم بوضوح أن البعيدين عن الله مثل العشارين والزوانى، أى المنغمسين فى كل خطية، يمكن أن يؤمنوا ويتوبوا، فيسبقوا إلى الملكوت من يسمون أنفسهم مؤمنين، مثل اليهود، ولكنهم لا يعملون مشيئة الله فى المحبة وصنع الخير. فيكون البعيدون أبناء حقيقيين للكنيسة، أى هم المؤمنون بالمسيح، وليس اليهود الرافضون.

"فى طريق الحق": يوحنا المعمدان أعلن لكم الحق بضرورة التوبة والرجوع إلى الله.

"لم تندموا أخيرا": أى ما زلتم مصرين على عدم التوبة، مكتفين بالعبادة الشكلية، وقلوبكم شريرة.

إن ناداك الله للتوبة من خلال الكتاب المقدس أو تعاليم الكنيسة، أو بأى تعليق ممن يحيطون بك، أو من خلال أحداث الحياة، فلا تؤجل رجوعك إلى الله، ولا تعده بفمك، ثم تنشغل عنه بظروف الحياة، بل أسرع إلى أب اعترافك، وتناول من الأسرار المقدسة لتنال قوة، وتبدأ فى جهادك الروحى وعشرتك مع الله.



(6) مثل الكرّامين (ع 33-46):

33- "اسمعوا مثلا آخر. كان إنسان رب بيت، غرس كرما وأحاطه بسياج، وحفر فيه معصرة، وبنى برجا، وسلمه إلى كرامين وسافر. 34- ولما قرب وقت الإثمار، أرسل عبيده إلى الكرامين ليأخذ أثماره. 35- فأخذ الكرامون عبيده وجلدوا بعضا، وقتلوا بعضا، ورجموا بعضا. 36- ثم أرسل أيضا عبيدا آخرين أكثر من الأولين، ففعلوا بهم كذلك. 37- فأخيرا، أرسل إليهم ابنه قائلا: يهابون ابنى. 38- وأما الكرامون، فلما رأوا الابن قالوا فيما بينهم: هذا هو الوارث، هلموا نقتله ونأخذ ميراثه. 39- فأخذوه وأخرجوه خارج الكرم وقتلوه. 40- فمتى جاء صاحب الكرم، ماذا يفعل بأولئك الكرامين؟" 41- قالوا له: "أولئك الأردياء يهلكهم هلاكا رديّا، ويسلم الكرم إلى كرامين آخرين يعطونه الأثمار فى أوقاتها." 42- قال لهم يسوع: "أما قرأتم قط فى الكتب: الحجر الذى رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية؟ من قِبَلِ الرب كان هذا، وهو عجيب فى أعيننا. 43- لذلك أقول لكم أن ملكوت الله يُنزع منكم، ويُعطَى لأمة تعمل أثماره. 44- ومن سقط على هذا الحجر يترضض، ومن سقط هو عليه يسحقه." 45- ولما سمع رؤساء الكهنة والفرّيسيّون أمثاله، عرفوا أنه تكلم عليهم. 46- وإذ كانوا يطلبون أن يمسكوه، خافوا من الجموع لأنه كان عندهم مثل نبى.



ع33: لخّص المسيح تاريخ الأمة اليهودية فى هذا المثل.

"رب بيت": هو الله الذى غرس كرما، أى شعب اليهود نسل إبراهيم، وأحاطه بسياج، أى الوصايا والناموس على يد موسى.

"معصرة": هى احتمال الآلام من أجل التمسك بكلام الله وخدمته، هذه التى عجز عنها اليهود، فأكملها المسيح بصليبه، وجاز المعصرة وحده (إش 63: 3).

"برجا": رؤساء الشعب وشيوخه المسئولون عن مراقبة الشعب وهجمات الأعداء من فوق البرج، حتى ينبهونهم لذلك. ويشملوا رؤساء الأسباط والعشائر والمعلمين وكل قادة الشعب.

"كرامين": هم كهنة اليهود المسئولون عن رعاية الكرم المغروس ليعطى ثمارا مقدسة، أى فضائل وحياة نقية، فى قلوب اليهود المؤمنين.

"وسافر": أى بعد أن أعلن نفسه واضحا كنار عظيمة على الجبل أيام موسى، والآباء إبراهيم وإسحق ويعقوب، اختفى عن عيون الشعب لانهماكهم فى الخطايا، فلم يعودوا يرونه كأنه مسافر.



ع34-36: "عبيده": الذين أرسلهم ليأحذوا الثمار، وهم الأنبياء ورجال الله المرسلون لشعبه على مدى التاريخ، ليحصدوا حياة مملوءة فضائل من اليهود المؤمنين، ولكن للأسف قاومهم كهنة اليهود ورؤساؤهم فعذبوهم، وجلدوا بعضا، وقتلوا بعضا، ورجموا بعضا، أى رفضوا تعاليمهم التى هى صوت الله لهم.

وقد أطال الله أناته (صبره) عليهم، بأن أرسل أيضا عبيدا آخرين أكثر من الأولين، أى عدد كبير من الأنبياء، فقاومهم الكهنة ورفضوهم مثل الأولين.



ع37-39: آخر فرصة وأكبر عمل قدمه الله للشعب اليهودى، هو تجسد ابنه الوحيد، كما ذكر لهم فى نبوات الأنبياء ليخلّصهم.

وفى المَثَلِ، عَلم الكرامون أنه ابن صاحب الكرم والوارث لكل ما فيه، فبدلا من أن يخضعوا له ويعطوه الأثمار، قاموا عليه وقتلوه.

ورؤساء الكهنة، لأغراضهم فى الرئاسة والماديات، رفضوا أن يفهموا أن يسوع هو المسيا المنتظر. وبدلا من أن يؤمنوا به، قاوموه لئلا يأخذ مركزهم، وصلبوه على الصليب.

وهكذا يظهر الكبرياء ومحبة الرئاسة التى أعمت عيون الكهنة، لدرجة رفض المسيا المنتظر ابن الله.



ع40-41: سأل المسيح الكتبة والفرّيسيّين الذين يسمعونه عن التصرف المناسب من صاحب الكرم مع الكرامين الأردياء، فقالوا له: يهلكهم، ويسلّم الكرم لكرامين أفضل منهم يعطونه الثمار فى حينها.

هذا هو مصير كهنة اليهود رافضى الإيمان بالمسيح، أى العذاب الأبدى.

"كرامين آخرين": التلاميذ والرسل والكهنوت المسيحى.



ع42-44: "الحجر": هو المسيح، والبناء هو الكنيسة، ورئيس البنائين الذى اختار هذا الحجر هو الله.

"عجيب فى أعيننا": بحسب النظرة البشرية القاصرة، يبدو المسيح من أسرة متواضعة، وليس له غنى أو مركز مادى، ولكنه الله المتضع لأجل خلاصنا، ونحتاج لإيمان حتى نقبله.

ذكّرهم المسيح بالمكتوب فى (مز 118: 22) عن الحجر الذى يظنه البناؤون غير نافع، ثم يكتشفون فى النهاية أنه أصلح حجر ليكون رأسا للزاوية، أى يربط الحائطين معا. وهذا الحجر يرمز للمسيح مخلّص اليهود والأمم، فهو الذى أرسله الله، ولم يفهم الكهنة ذلك.

ويقرر المسيح بوضوح لرؤساء الكهنة أن ملكوت الله الذى وعد به شعبه، سيُنزَع منهم لعدم إيمانهم، ويُعطَى للأمم الذين يؤمنون به، ويقصد أن غير المؤمنين من اليهود، سيحل محلهم فى كنيسة المسيح المؤمنون من الأمم.

ومن يقاوم المسيح، يسقط على الحجر ليهشمه، فيصاب هو برضوض، أى يقابل متاعب. ولكن، إن تاب وآمن، يقبله الله.

أما من يظل رافضا للإيمان به، فسيدينه فى النهاية ويحكم عليه بالهلاك، أى يسقط عليه الحجر ويسحقه.



ع45-46: فهم رؤساء الكهنة والفرّيسيّون أن المثل كان عليهم، وبدلا من أن يتوبوا، اغتاظوا منه وحاولوا القبض عليه، ولكنهم خافوا من الشعب، لأنه كان فى نظرهم نبى عظيم.

إذا كشف لك الآخرون أخطاءك، لا تقاومهم، بل أسرع للتوبة، فكلامهم رسالة من الله.
 
إنضم
19 يونيو 2021
المشاركات
47
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الإقامة
اعيش هنا: https://fliphtml5.com/homepage/odddi
الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد : إنجيل متي - ف 22

الأَصْحَاحُ الثَّانِى وَالعِشْرُونَ

مثل العُرس i معتقدات الصَدّوقيّين i أعظم الوصايا



(1) مثل العُرس (ع 1-14):

1- وجعل يسوع يكلمهم أيضا بأمثال قائلا: 2- "يشبه ملكوت السماوات إنسانا ملكا صنع عُرسا لابنه. 3- وأرسل عبيده ليدعوا المدعوين إلى العرس، فلم يريدوا أن يأتوا. 4- فأرسل أيضا عبيدا آخرين قائلا: قولوا للمدعوين هوذا غدائى أعددته، ثيرانى ومسمناتى قد ذبحت، وكل شىء معد، تعالوا إلى العرس. 5- ولكنهم تهاونوا، وَمَضَوْا، واحد إلى حقله، وآخر إلى تجارته. 6- والباقون أمسكوا عبيده وشتموهم وقتلوهم. 7- فلما سمع الملك غضب، وأرسل جنوده وأهلك أولئك القاتلين، وأحرق مدينتهم. 8- ثم قال لعبيده: أما العرس فمستعد، وأما المدعوون فلم يكونوا مستحقين. 9- فاذهبوا إلى مفارق الطرق، وكل من وجدتموه فادعوه إلى العرس. 10- فخرج أولئك العبيد إلى الطرق، وجمعوا كل الذين وجدوهم، أشرارا وصالحين، فامتلأ العرس من المتكئين. 11- فلما دخل الملك لينظر المتكئين، رأى هناك إنسانا لم يكن لابسا لباس العرس. 12- فقال له: يا صاحب كيف دخلت إلى هنا وليس عليك لباس العرس؟ فسكت. 13- حينئذ قال الملك للخدام: اربطوا رجليه ويديه، وخذوه واطرحوه فى الظلمة الخارجية، هناك يكون البكاء وصرير الأسنان. 14- لأن كثيرين يدعون وقليلين ينتخبون."



ع1-2: كعادة المسيح، قدّم المعانى الروحية فى أمثال لتكون قريبة إلى فهم سامعيه، وذلك لغلاظة قلوبهم، وميلهم إلى رفض تعاليمه العميقة روحيا.

"ملكا": الآب.

"عُرسا": الكنيسة التى يفرح فيها الله باتحاد شعبه به، بتناول جسده ودمه الأقدسين، إذ ينالون الخلاص من الخطية بالمعمودية والاعتراف والتناول.

"لابنه": يسوع المسيح.

ع3-4: "أرسل عبيده": الآباء إبراهيم وإسحق ويعقوب، والأنبياء، وكل رجال العهد القديم الذين أعلنوا الله للبشرية.

"عبيدا آخرين": الرسل والتلاميذ، وكهنة وخدّام العهد الجديد، الذين يدعون البشرية للإيمان والحياة فى الكنيسة.

الله يحترم إرادة الإنسان، فيدعوه إلى كنيسته، ولا يجبره. وقد أعد كل شىء، فهو يقدّم محبته لنا، ويبقى أن نتجاوب نحن معه.

"لم يريدوا": أى رفض اليهود تعاليم الأنبياء، وابتعدوا عن التوبة، ولم يؤمنوا بالمسيح.

"ثيرانى ومسمناتى قد ذبحت": تشير إلى ذبيحة المسيح على الصليب التى كانت ترمز إليها ذبائح العهد القديم، وهى ذبيحة جسده ودمه على المذبح كل يوم.

وترمز أيضا إلى كلمة الله التى تشبع النفس.

وكذلك ترمز لحياة الشهداء والقديسين، الذين قدّموا حياتهم ذبيحة حب لله على مثال المسيح المصلوب، وَسِيَرُهُمْ تُشبِع النفس المؤمنة بمحبة الله المطبقة عمليا فى حياتهم.



ع5-6: للأسف، كان رد المدعوين على صاحب العُرس سيئاٍ، إذ انهمكوا فى الشهوات المادية التى يعبّر عنها بالحقل والتجارة. وهم يرمزون لليهود الذين لهم المواعيد والدعوة للحياة مع الله، ولكنهم انهمكوا فى الماديات، بل وأكثر من هذا، أساءوا إلى أنبيائه الحاملين دعوته لهم، وشتموهم وقتلوهم.



ع7: "الملك": هو الله. وقد غضب من شرور هؤلاء المدعوين، وأصدر أمره بإهلاكهم، أى العذاب الأبدى لرفضهم الإيمان، وكذلك هدم مدينتهم، وقد حدث ذلك فعلا عام 70م، عندما أهلك الرومان مدينة أورشليم.



ع8-9: "مفارق الطرق": حيث يزدحم الناس.

"كل من وجدتموه": الدعوة لكل البشر.

رفض اليهود دعوة الله، رغم أنه كان المفروض أن يكونوا مثالا للإيمان أمام الأمم، فوجّه الله دعوته للعالم كله عن طريق عبيده التلاميذ والرسل، فخرجوا فى طرق العالم يدعون الكل للإيمان وإلى وليمة المسيح، أى جسده ودمه الأقدسين.

ع10: "أشرارا": حياتهم الماضية مملوءة شرورا ظاهرة أمام الناس.

"صالحين": لهم فضائل معروفة أمام الآخرين.

لكن الكل محتاجون للإيمان بالمسيح وفدائه، والتوبة عن خطاياهم.

دعا التلاميذ كل الأمم، سواء الأشرار منهم أو الصالحين، مهما كانت خطايا الأشرار، ولكن لهم استعداد للتوبة. فآمنوا وتركوا حياتهم الماضية، ودخلوا إلى الكنيسة مؤمنين بالمسيح ليشبعوا به.



ع11: "لباس العرس": ثياب يهبها صاحب العُرس للمدعوين. وهى هنا ترمز للأسرار المقدسة وخاصة المعمودية والاعتراف والتناول. فإن أهمل أحد هذه الثياب، واعتمد على بره الذاتى، أى لم يستمر فى الاعتراف والتناول والسلوك فى الحياة الجديدة مع الله، يتعرى من ثياب العُرس، وتكون نهايته الهلاك.

فالأمم لما آمنوا ودخلوا إلى الكنيسة، كان لابد أن يحتفظوا بحياتهم نقية فى الله، بالاستمرار فى حياة التوبة، لتكون لهم الحياة النقية، وهى الثياب المناسبة للعُرس، أى الوجود فى الكنيسة على الأرض، ثم الامتداد فيها إلى الأبد.



ع12: ثم تأتى ساعة الدينونة، فيسأل الملك، أى الله، المتهاونين من المؤمنين، كيف لم يثبتوا فى محبته ومحبة الآخرين وخاصة الأعداء؟ كيف استهانوا بالخطايا ولم يتوبوا عنها؟ وحينئذ يسكت هؤلاء الأشرار، لأنه لم يعد هناك وقت للتوبة.



ع13: إن المتهاون يقيّد حياته بالخطية، فينال جزاءه، وهو أن يُربَط بها إلى الأبد للعذاب، لأنه رفض حرية الروح والتمتع بالله.

ويعبّر عن صعوبة العذاب ومشاركة الجسد للروح فيه، بعد أن تغيّر إلى جسم روحانى ب"البكاء وصرير الأسنان"، وهذا يعنى آلام صعبة جدا.



ع14: هكذا يدعو الله الجميع للإيمان، ولكن من يؤمنون ويثبتون فى الإيمان قليلون، وهؤلاء هم المنتخبون للحياة الأبدية.

† فرصة العمر تتيح لك الاشتراك فى العشاء الربانى، أى التناول من الأسرار المقدسة. فلا تنشغل عنه بارتباطات الحياة، ولا تعتذر عنه لكثرة خطاياك، فسر الاعتراف يغفر لك كل شىء مهما كان صعبا أو مسيطرا عليك لسنوات طويلة.

فلا تتهاون متناسيا خطاياك، بل اهتم أن تلبس ثياب العرس، لتأكل من عشاء الملك. وداوم على ذلك، فتفرح بعشرة المسيح وتحيا معه إلى الأبد.



(2) دفع الجزية (ع 15-22):

15- حينئذ ذهب الفرّيسيّون وتشاوروا لكى يصطادوه بكلمة. 16- فأرسلوا إليه تلاميذهم مع الهيرودُسِيّين، قائلين: "يا معلم، نعلم أنك صادق وتُعلّم طريق الله بالحق، ولا تبالى بأحد، لأنك لا تنظر إلى وجوه الناس. 17- فقل لنا ماذا تظن، أيجوز أن تُعطَى جزية لقيصر أم لا؟" 18- فَعَلِمَ يسوع خبثهم، وقال: "لماذا تجربوننى يا مراؤون؟ 19- أرونى معاملة الجزية." فقدموا له دينارا. 20- فقال لهم: "لمن هذه الصورة والكتابة؟" 21- قالوا له: "لقيصر." فقال لهم: "أعطوا إذًا ما لقيصر لقيصر وما لله لله." 22- فلما سمعوا تعجبوا وتركوه وَمَضَوْا."



ع15-17: "الهيرودُسِيّين": جماعة من اليهود يتحزّبون لعائلة هيرودس، وهى من أصل أدومى، أى غير يهود، ويتمنون أن يكون أحد أفراد هذه الأسرة واليا على اليهودية من قِبَلِ السلطة الرومانية، ويهتمون بالخضوع للدولة الرومانية وجمع الجزية.

استمر الفرّيسيّون فى شرهم نحو المسيح، ورغم احتقارهم للهيرودُسِيّين لأنهم يتبعون السلطة الرومانية، أما هم فيقاومون المستعمر الرومانى، لكنهم اتحدوا معهم ليمسكوا أى خطأ على المسيح.

وبرياء، مدحوا المسيح قائلين إنه معلم الحق، واستفزّوه بمدحهم له أنه لا يخاف من أحد، حتى يرفض دفع الجزية. ثم سألوه: هل تُعطَى الجزية لقيصر بحسب أوامر الدولة الرومانية؟ فإذا قال تُعطَى، يكون متعاونا مع المستعمر، فيثيروا اليهود عليه. وإن قال لا، يصبح مقاوما للدولة، ولابد من القبض عليه ومحاكمته.

"قيصر": اسم لأى إمبراطور رومانى، مثل لقب فرعون لأى ملك فى مصر القديمة، وكان القيصر حينذاك هو تيباريوس.

ع18: الله فاحص القلوب وعالم الغيب، عَلِمَ أفكارهم، وقال لهم: "لماذا تجربوننى؟" ونبههم إلى خطيتهم وهى الرياء، لعلهم يتوبون ويؤمنون به أنه هو الله عالم الغيب، ولكنهم للأسف لم يتأثروا لقساوة قلوبهم.



ع19-22: "أرونى معاملة الجزية": وهى إحدى أنواع النقود التى تُدفَع بها الجزية، مثل الدينار الرومانىٍ. وبتقديمهم هذا الدينار، يعلن الفرّيسيّون خضوعهم للسلطة، عكس ما ينادون به من أن خضوعهم يلزم أن يكون للهيكل فقط. فليست معهم نقود يهودية فقط، مثل الشاقل، بل نقود رومانية أيضا. فأعلن لهم أنهم ينادون بما لا يطبقونه، خوفا من السلطة.

طلب منهم المسيح إحدى العملات فأروه دينارا عليه بالطبع صورة القيصر الرومانى واسمه. فسألهم: لمن الصورة والكتابة؟ فقالوا: لقيصر. فقال لهم: أعطوا قيصر ما يخصه، وهو الجزية وكل الواجبات السياسية المطلوبة من المواطن التابع للدولة الرومانية، فحيث أن الدولة تقدم خدمات للمواطنين، فهى تستحق أن تأخذ هذه الجزية. أما الأهم، وهو الروح، فأعطوها لله، لأن المال هو الأدنى والأقل أهمية، أما روح الإنسان فهى أهم ما فيه. فتعجبوا جدا من حكمته، لأنه لم يسقط فى خطأ يمسكونه عليه، ولكن للأسف لم يؤمنوا ويتوبوا.

أنت صورة الله فَأَعْطِهِ قلبك وحياتك، ولا تكن صورة لإبليس بمحبة الشهوات الرديّة والكبرياء. تُبْ والتصق بالله، لتستعيد صورته فيك.



(3) الصَدّوقيّون والزواج (ع 23-33):

23- فى ذلك اليوم، جاء إليه صَدّوقيّون، الذين يقولون ليس قيامة، فسألوه 24- قائلين: "يا معلم، قال موسى إن مات أحد وليس له أولاد، يتزوج أخوه بامرأته وَيُقِمْ نسلا لأخيه. 25- فكان عندنا سبعة إخوة، وتزوج الأول ومات، وإذ لم يكن له نسل، ترك امرأته لأخيه. 26- وكذلك الثانى والثالث إلى السبعة. 27- وآخر الكل، ماتت المرأة أيضا. 28- ففى القيامة، لِمَنْ مِنَ السبعة تكون زوجة، فإنها كانت للجميع؟" 29- فأجاب يسوع وقال لهم: "تضلون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله. 30- لأنهم فى القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون، بل يكونون كملائكة الله فى السماء. 31- وأما من جهة قيامة الأموات، أفما قرأتم ما قيل لكم من قِبَلِ الله القائل: 32- أنا إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب. ليس الله إله أموات، بل إله أحياء." 33- فلما سمع الجموع بهتوا من تعليمه.

ع23: كان الصّدّوقيّون طائفة أرستقراطية غنية من اليهود، وكانوا لا يؤمنون بحياة أخرى بعد هذا العالم، أو قيامة للأجساد بعد تحللها، وكان منهم معظم رؤساء الكهنة.



ع24: أشار الصّدّوقيّون للمسيح عن جزء من شريعة موسى، وهى أنه إن تزوج رجل بامرأة ولم ينجب ومات، يتزوجها بعده أخوه أو أقرب الأقرباء، حتى يقيم نسلا باسم الميت، ليرث أرضه ويحافظ عليها، فكان البكر المولود يُنسب للميتٍ (تث 25: 6)، وكان ذلك رمزا للمحافظة على ميراثنا الأبدى.



ع25-28: ألّفوا قصة وسألوا المسيح بخصوصها، إذ رأوا أنها معضلة ليس لها حل. وهى وجود سبعة إخوة، تزوج أحدهم بامرأة ومات ولم ينجب، فتزوجها الثانى ولم ينجب أيضا، وهكذا حتى سابع أخ ولم ينجب، ثم ماتت المرأة. وسؤالهم، إن كانت هناك قيامة وحياة أبدية، فهذه الزوجة ستكون لِمَنْ مِنَ السبعة وتعيش معه فى الأبدية، لأنها كانت زوجة للجميع على الأرض، ولم تنجب، حتى لا يرد عليهم أحد أنها تكون زوجة لمن أنجبت منه.



ع29-30: نبههم المسيح إلى عدم تدقيقهم وعدم فهمهم نبوات الأنبياء، إذ أخذوها دائما بالمعنى المادى، لأن فكرهم منغمس فى الماديات، مع أن الكلام واضح عن حياة روحية فى السماء، وعدم الحاجة لعلاقات جسدية أو أى عمل مادى، بل الكل يكونون أرواحا متعلقة بالله، تجمعهم مشاعر المحبة دون تمييز للقرابة الجسدية، إذ صاروا أعلى منها بإحساسهم الروحى العميق. ولأنهم خالدون، لا يحتاجون للزواج والتناسل، يعرفون بعضهم بعضا كأرواح، دون الحاجة للمشاعر الجسدية.



ع31-32: قدّم لهم المسيح دليلا آخر غير نبوات الكتب المقدسة، وهو قول الله لموسى وللأنبياء أنه إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب (خر 3: 6 و15)، فهل ينسب الله نفسه لأموات قد انتهوا ولم يعد لهم قيمة؟!

بالطبع لا، فالله العظيم، ينسب نفسه لأرواح حية معه فى السماء هم أولاده، والذين عرفناهم فى الجسد ويحيون الآن بالروح فى السماء.

وقد أورد هذا الدليل من أسفار موسى، لأن الصّدّوقيّين يعتمدون عليها، ويهملون أسفار أخرى كثيرة من العهد القديم. فالله لم يقل كنت إله إبراهيم، بل هو إلههم حاليا. وكان ذلك فى كلامه مع موسى بعد سنوات كثيرة من موتهم، أى أن أرواحهم حية فى السماء، وهو إلههم؛ فالأرواح لا تتلاشى بموت الجسد كما ينادى الصّدّوقيّون.



ع33: لسمو تعاليم المسيح وحكمته وقوة كلامه، اندهش السامعون، وأُفْحِمَ الصّدّوقيّون أمام حجته. وكانت الجموع، ليست فقط من الصّدّوقيّين، بل أيضا من الفرّيسيّين واليهود العاديين.

فكّر فى عظمة السماء ومجد الأرواح هناك، حتى لا تنغمس فى الشهوات المادية، بل وترفض شرورك، وتهتم بحياتك الروحية.



(4) أعظم الوصايا (ع 34-40):

34- أما الفرّيسيّون، فلما سمعوا أنه أبكم الصَدّوقيّين، اجتمعوا معا. 35- وسأله واحد منهم، وهو ناموسى، ليجربه قائلا: 36- "يا معلم، أية وصية هى العظمى فى الناموس؟" 37- فقال له يسوع: "تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. 38- هذه هى الوصية الأولى والعظمى. 39- والثانية مثلها، تحب قريبك كنفسك. 40- بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والأنبياء."



ع34: فَقَدَ الصّدّوقيّون القدرة على أن يمسكوا خطأ على المسيح، أو حتى محاورته لأجل حجته القوية. ولذا تجمّع الفرّيسيّون، وهم المتمسكون بالشريعة، ليجربوا المسيح ويسقطوه فى أى خطأ.

قوة الله التى فيك تُسكت الأشرار مهما كانت شرورهم أو حِيَلِهم، لأن الله الذى معك أقوى من كل الشياطين التى تحرك الشر فى البشر.



ع35-36: سأل فرّيسيّ منهم المسيح، وكان ناموسيا، أى من المدققين فى حفظ وشرح الوصايا والناموس الموسوى، قائلا: ما هى أعظم الوصايا؟ حتى إذا ميّز المسيح إحداها يكون مخطئا، لأن الكل وصايا الله. ولعلهم سمعوا عن عظته على الجبل، التى أكمل فيها معانى الوصايا، فيتهموه أنه يقول إن الناموس ناقص.

هل أنت برىء فى كلامك مع الآخرين، أم تحاول إظهار تميّزك أو ضعفاتهم؟

ع37-39: لخّص المسيح الوصايا العشر فى وصيتين، ولم يميّز واحدة عن الأخرى، فالوصية الأولى تتحدث عن علاقة الإنسان بالله، وهى أن يحبه بكل كيانه، أى بقلبه ونفسه وفكره، وهذا هو أهم شىء، أى محبة الله، وينتج عنها بالضرورة الوصية الثانية، وهى محبة القريب، أى كل البشر، وهى دليل على محبة الإنسان لله.

والمحبة الحقيقية هى محبة الإنسان للآخر مثل نفسه، وليس مجرد بعض الاهتمام، ثم تتعاظم محبة العهد الجديد، فتصير محبة الآخر أكثر من النفس، كما فعل المسيح على الصليب، إذ أحبنا، وبذل نفسه لأجلنا.

ليس هذا فقط، بل إنه من فيض نهر حبه الذى لا يجف، وفى ذروة الآلام، طلب لصالبيه من الآب، قائلا: " يا أبتاه، اغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" (لو 23: 34).



ع40: بهذه المحبة، يلخّص كل الناموس والوصايا، وكلام الأنبياء.



(5) المسيح وداود (ع 41-46):

41- وفيما كان الفرّيسيّون مجتمعين، سألهم يسوع 42- قائلا: "ماذا تظنون فى المسيح، ابن من هو؟" قالوا له: "ابن داود." 43- قال لهم: "فكيف يدعوه داود بالروح ربا، قائلا: 44- قال الرب لربى اجلس عن يمينى حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك. 45- فإن كان داود يدعوه ربا، فكيف يكون ابنه؟" 46- فلم يستطع أحد أن يجيبه بكلمة. ومن ذلك اليوم، لم يجسر أحد أن يسأله بَتَّةً.



ع41-42: أطال المسيح أناته على أسئلة الصّدّوقيّين والفرّيسيّين والنّاموسيّين، التى ذُكر بعضها فى الأعداد السابقة، ومحاولتهم إسقاطه فى أى خطأ. وأفحمهم بحججه القوية. وفى النهاية، اضطر أن يُظهر لهم خطأ ما يفعلونه، إذ بهذا يقاومون الحق وهم ضعفاء جدا أمامه، فسألهم سؤالا دينيا من دراستهم للأنبياء والناموس، وهو: ماذا تقول الكتب المقدسة عن المسيا المنتظر، ابن من هو؟ فأجابوا سريعا: "ابن داود"، إذ لا خلاف على ذلك، أنه سيأتى من نسل داود بحسب النبوات.



ع43-45: "يدعوه داود": فى (مز 110: 1)، وكان اليهود متفقين على أن كاتبه هو داود.

"بالروح": بالوحى الإلهى.

"الرب": الله الآب.

"ربى": أى سيد وإله داود، ولا يمكن أن يدعو إنسان ابنه أو حفيده "ربى".

قال لهم المسيح، إن كان هو ابن داود، فكيف يدعوه داود فى مزموره أنه ربه، حينما قال: "قال الرب لربى اجلس عن يمينى" (110: 1)، وذلك فى حديث بين الآب والابن بعدما يكمل المسيح الفداء على الصليب، وتصير كل الشياطين خاضعة له، إذ قيّدهم بصليبه، أى يصير فى عظمته الإلهية المشار إليها باليمين.

فكيف يكون هو ابن داود ورب داود فى نفس الوقت؟!



ع46: تَحيّر الفرّيسيّون وعجزوا عن الإجابة، لانهماكهم فى التفكير المادى عن المسيح، مع أن الرد بسيط، يفهمه أى مسيحى، وهو أن المسيح ابن داود فى الجسد، وهو الله الأزلى فى نفس الوقت، فهو الإله المتأنس.

وإذ شعروا بعجزهم، انصرفوا عنه فى خزى، ولم يعودوا يقاوموه.

الله يريدك ألا تقاوم الحق، بل تتوب وتحبه وتحيا معه؛ فَأَطِعْ كلام الله وَعِشْ فيه.
 
إنضم
19 يونيو 2021
المشاركات
47
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الإقامة
اعيش هنا: https://fliphtml5.com/homepage/odddi
الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد : إنجيل متي - ف 23

الأَصْحَاحُ الثَّالِثُ وَالعِشْرُونَ

كبرياء الفرّيسيّين i شكلية العبادة



(1) التعليم والعمل به (ع 1-4):

1- حينئذ خاطب يسوع الجموع وتلاميذه 2- قائلا: "على كُرْسِىِّ موسى جلس الكتبة والفرّيسيّون. 3- فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه، فاحفظوه وافعلوه، ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا، لأنهم يقولون ولا يفعلون. 4- فإنهم يحزمون أحمالا ثقيلة عسرة الحمل، ويضعونها على أكتاف الناس، وهم لا يريدون أن يحركوها بإصبعهم."



ع1-3: هذه هى آخر عظات المسيح للجموع. وبعد ذلك، كانت كل أحاديثه للتلاميذ.

احتمل المسيح مقاومات الكتبة والفرّيسيّين المتكبرين، وكان يرد على أسئلتهم الخبيثة، مستخدما ذلك فرصة لتعليمهم مع كل الجموع. ولكنه، إذ وصل للأسبوع الأخير من حياته على الأرض، أراد كشف أخطائهم لعلهم يتوبون، وحتى لا يقلدهم الشعب، فيسقطون فى خطايا كثيرة.

ائتمن الله الكتبة والفرّيسيّين على تعليم الشعب الوصايا والناموس، فعلّموا كل شىء بالتدقيق، ولكنهم عاشوا حياة بعيدة تماما عن الوصايا. فنبّه المسيح تلاميذه والجموع أن يطيعوا كلام الله الذى يعلّم به الكتبة والفرّيسيّون، مع الاحتراس الشديد، حتى لا يقلّدوهم فى أعمالهم الخاطئة، لأن الفرّيسيّين أهملوا تنفيذ وصايا الله.



ع4: "يحزمون": يشبّه الوصايا بأحمال يربطها الفرّيسيّون معا، ويطالبون بها الشعب.

"أحمالا ثقيلة": يشبّه الشعب بدواب، يضع الفرّيسيّون الوصايا كأحمال ثقيلة على ظهورهم، حتى تكاد الدواب أن تسقط تحتها وتفقد قدرتها على الحركة بها، أى لا يستطيعون تنفيذها.

"يحركوها بإصبعهم": يرفضون تنفيذ أقل شىء منها.

لأن الفرّيسيّين لا يجاهدون فى تنفيذ الوصايا، أصبح كلامهم نظريا، ومطالبتهم الناس بتنفيذ الوصايا صارت ثقيلة، ليس لأن الوصية ثقيلة فى حد ذاتها، بل لأن التعبير عنها وتعليمها خاطئ، فلا يشجعون الناس على تنفيذها، وليست لهم خبرة فى كيفية التدرج فى تطبيق الوصايا والتغلب على المعوقات.

لا تعلّم شيئا لغيرك لم تبدأ فى تنفيذه عمليا فى حياتك، حتى تكون قد استفدت منه، فيكون كلامك أكثر تأثيرا. ومن ناحية أخرى، تكون قد تعلمت كيف تنفذه، فترشد الناس بكلام واقعى عملى يناسب ظروف الحياة المحيطة بك وبهم.



(2) كبرياء الفرّيسيّين (ع 5-12):

5- "وكل أعمالهم يعملونها لكى تنظرهم الناس، فَيُعَرِّضُونَ عصائبهم ويعظمون أهداب ثيابهم. 6- ويحبون المتكأ الأول فى الولائم، والمجالس الأولى فى المجامع. 7- والتحيات فى الأسواق، وان يدعوهم الناس: سيدى، سيدى. 8- وأما أنتم فلا تُدْعَوْا سيدى، لأن معلمكم واحد المسيح، وأنتم جميعا إخوة. 9- ولا تَدْعُوا لكم أبا على الأرض، لأن أباكم واحد الذى فى السماوات. 10- ولا تُدْعَوْا معلمين لأن معلمكم واحد المسيح. 11- وأكبركم يكون خادما لكم. 12- فمن يرفع نفسه يتضع، ومن يضع نفسه يرتفع."



ع5-7: لم يكتفِ الفرّيسيّون بعدم تنفيذ الوصايا فقط، بل طلبوا الكرامة ومديح الناس، فالناموس أمر أن تُكتب الوصايا بخط صغير على قطع جلدية وتوضع بين العينين، أى تكون فى فكر الإنسان وأمام عينيه دائما. أما هم، فجعلوا هذه العصائب عريضة، للتظاهر أنهم أكثر تمسكا بالوصايا من غيرهم. أما الثياب، فالله أمر أن توضع فى أهدابها، أى ذيولها، بعض الخيوط الأسمانجونية، أى الزرقاء، لتذكيرهم بالحياة السمائية. أما الفرّيسيّون، فجعلوا هذه الأهداب كبيرة لإظهار تقواهم أكثر من غيرهم؛ وهكذا رفضوا الاتضاع.

إن العصائب المادية طمست ذهنهم وأبعدتهم عن الوصية، والأهداب الطويلة العظيمة أسقطتهم فى الكبرياء، وأعاقتهم عن السير فى الطريق الكرب، أى الجهاد الروحى، بل كانوا يطلبون المكان العظيم المتقدم فى الحفلات والولائم والمجامع. وعندما يمرون بالأسواق المزدحمة بالناس، يحبون أن يعطيهم الناس تحيات المديح والتعظيم، وينادونهم بألفاظ التكريم مثل سيدى، وانشغلوا بهذا الكبرياء عن محبة الله وتنفيذ وصاياه.

لذا حرص المسيح على الاتضاع فى كل سلوكه، سواء فى عُرس قانا الجليل، أو ميله للخفاء، أو غسله أرجل التلاميذ...

على قدر اتضاعك، ترى الله وتفهم وصاياه وتحبه. وعلى العكس، إن طلبت مديح الناس، تبتعد عن محبته، لأنك تحب ذاتك بدلا منه.



ع8: حذّر المسيح تلاميذه من محبة الرئاسة والسلطان ومديح الناس، مطالبا إياهم بالاتضاع، والشعور بأن كل من يرعونهم من الشعب هم إخوتهم، والمسيح فقط هو المعلم والراعى.

وليس المقصود لفظ سيد أو معلم حرفيا، بل روح الكبرياء والسيطرة، لأنه يوجد بالطبع فى المجتمعات المختلفة سادة وعبيد أو رئيس ومرؤوس ومعلمون ومتعلمون. ولكن الرئيس أو السيد أو المعلّم الروحى، يأخذ سلطانه من المسيح، ويعلّم تعاليم المسيح وليس تعاليمه الشخصية، بدليل أن الكتاب المقدس فى العهد الجديد يدعونا لإكرام ذوى السلطات والخضوع لهم (رو 13: 1-2). كما يقول بولس الرسول عن نفسه أنه أب: "لأنه، وإن كان لكم ربوات من المرشدين فى المسيح، لكن ليس آباء كثيرون، لأنى أنا ولدتكم فى المسيح يسوع بالإنجيل" (1كو 4: 15).

وأيضا يدعو أُنِسِيمُسَ ابنه، فيقول: "أطلب إليك لأجل ابني أُنِسِيمُسَ الذى ولدته فى قيودى" (فل 10). أما القديس يوحنا الحبيب فيدعو شعبه أولاده (1يو 2: 1، 3: 18؛ 3يو 4).

وبالنسبة للقب سيدى، فلم يتحرّج بولس أو سيلا عندما قال لهما سجان فيلبى: "يا سيدىَّ ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص؟" (أع 16: 30).



ع9-10: يطلب المسيح هنا من التلاميذ وخلفائهم الأساقفة الذين يرأسون الكنيسة ويُدْعَوْنَ آباء لها، ألا يدعوا أحدا أبا لهم لأن الله هو أبوهم، أى هم مسئولون عن قيادة الكنيسة. ولكن ليس المعنى الحرفى بل بالروح، إذ يمكن أن يدعو بعض الآباء آباءهم روحيا مثل أب الاعتراف، بل بالاتضاع يتعلمون من كل الآباء الأساقفة والكهنة وآباءهم الجسديين. والعهد الجديد يقدّر وجود معلمين، فيقول: "المعلم ففى التعليم" (رو 12 :7).

والخلاصة هى ألا ينفردوا بالسلطة والتعاليم من ذواتهم، بل بسلطان الله وكلامه، ولا ينقادون وراء أحد الآباء إذا كان يعلّم تعاليم خارجة عن الكنيسة والمسيح، مثل الهراطقة.



ع11-12: ثم يدعوهم بوضوح إلى الاتضاع أمام بعضهم البعض، ومن يتضع يمجده الله ويرفعه، أما من يتكبر فيسقط من نظر الله ويرذله.



(3) تعطيل الآخرين وإعثارهم (ع 13-15):

13- "لكن، ويل لكم أيها الكتبة والفرّيسيّون المراؤون، لأنكم تغلقون ملكوت السماوات قدام الناس، فلا تدخلون أنتم، ولا تدعون الداخلين يدخلون. 14- ويل لكم أيها الكتبة والفرّيسيّون المراؤون، لأنكم تأكلون بيوت الأرامل، ولعلة تطيلون صلواتكم، لذلك تأخذون دينونة أعظم. 15- ويل لكم أيها الكتبة والفرّيسيّون المراؤون، لأنكم تطوفون البحر والبر لتكسبوا دخيلا واحدا، ومتى حَصَلَ، تصنعونه ابنا لجهنم أكثر منكم مضاعفا."



ع13: "المراؤون": تتظاهرون بقيادة الشعب لعبادة الله، مع أنكم فى الحقيقة تبعدونهم عن الإيمان بالمسيح، وعن السلوك بروح الوصية.

أغلق الفرّيسيّون ملكوت السماوات أمام أنفسهم بكبريائهم وسطحيتهم وابتعادهم عن تنفيذ الوصايا، وأغلقوه أيضا فى وجه الشعب بأن جعلوا الوصايا صعبة فى نظرهم، إذ حمّلوهم أحمالا عثرة الحمل، كما أعثروهم بسلوكهم الخاطئ، فأبعدوا الناس عن الحياة الأبدية.



ع14: "لعلة": أى لسبب وغرض شخصى، فبإطالتهم الصلاة، يثق الناس فيهم ويعطونهم الوصاية على أموال الأرامل، ولكنهم للأسف لا يكونون أمناء عليها، بل لطمعهم، يسرقون منها لمنفعتهم الشخصية.

امتد رياء الفرّيسيّين، فلم يكتفوا بتعطيل الآخرين عن دخول الملكوت، بل تمسكوا بمظهر الصلاة وإطالتها لينالوا مديح الناس، وليس حبا لله. وامتلأ قلبهم بمحبة المال، حتى أنهم استغلوا الضعفاء مثل الأرامل وظلموهن وأخذوا أموالهن، ولم يشعروا أن هذا استغلال وظلم، لانهماكهم فى محبة المال والكبرياء.



ع15: "البحر والبر": أى اجتهاد عظيم لجذب إنسان إلى الإيمان اليهودى.

"دخيلا": وثنيا يدخل إلى الإيمان اليهودى.

"ابنا لجهنم": يستحق العذاب الأبدى.

"مضاعفا": أى عذابه أكبر فى الأبدية، لأنه، بعدما عرف الإيمان بالله، وأُعْثِرَ من الفرّيسيّين، يستبيح خطاياه القديمة التى كان يحيا فيها أثناء وثنيته.

يسعى الفرّيسيّون ليضموا أحد الوثنيين الشرفاء الأغنياء إلى الإيمان، فيبذلون جهدا كبيرا لأن معونة الله لا تساعدهم، ثم بعد إيمانه، يكتشف رياءهم وابتعاد قلوبهم عن الله، فيعثر فيهم وفى الديانة اليهودية، ويبتعد عن الله، فيستحق العذاب الأبدى أكثر من ذى قبل، إذ بعدما عرف الإيمان جحده.

احذر أن تكون معثرا لغيرك بخطاياك، فتعطى صورة سيئة عن الله وكنيسته. ولا تكن مغرضا فى أية عبادة، بل تقدمها محبة لله، فتكسب خلاص نفسك، وتربح تلقائيا مَنْ حولك للمسيح.



(4) النظرة المادية (ع 16-22):

16- "ويل لكم أيها القادة العميان، القائلون: من حلف بالهيكل فليس بشىء، ولكن من حلف بذهب الهيكل يلتزم. 17- أيها الجهال والعميان، أيما أعظم، الذهب أم الهيكل الذى يقدس الذهب؟! 18- ومن حلف بالمذبح فليس بشىء، ولكن من حلف بالقربان الذى عليه يلتزم. 19- أيها الجهال والعميان، أيما أعظم، القربان أم المذبح الذى يقدس القربان؟! 20- فإن مَنْ حلف بالمذبح، فقد حلف به وبكل ما عليه. 21- ومن حلف بالهيكل، فقد حلف به وبالساكن فيه. 22- ومن حلف بالسماء، فقد حلف بعرش الله وبالجالس عليه."



ع16-17: لانشغال الفرّيسيّين بمحبة المال، علّموا أن من يحلف بالذهب الذى يقدمه للهيكل، يلتزم بتنفيذ ما أقسم به. ولكن من حلف بالهيكل، فيمكنه الرجوع فيما حلف به. كيف هذا، والهيكل بالطبع أعظم من الذهب الذى يُقدّم له؟! ولكن، لاهتمامهم بتحصيل المال، علّموا هذا التعليم الفاسد.



ع18-19: "المذبح": هو المذبح النحاسى الموجود فى مدخل الهيكل، والذى تُقدّم عليه الذبائح والقرابين من الشعب.

يعلّم الفرّيسيّون أيضا أن من يحلف بالقربان، لابد أن يوفى ما حلف به. ولكن من حلف بالمذبح، فليس من المهم أن يوفى ما وعد به، وذلك ليحصلوا على القرابين المقدمة من الشعب كمكسب مادى لهم، غير مهتمين بالعبادة، وتشجيع الناس على الوعود لله والحياة معه.



ع20-22: الخلاصة أن من يحلف بشىء، فهو يحلف به وبكل ما يحتويه، وهذا أمر منطقى. وقد كان القَسَمُ مباحا فى شريعة موسى، بشرط أن يكون صادقا ويلتزم به صاحبه، ولكنهم كسروا وصية القَسَمِِ بتمسكهم بمكاسبهم المادية.

ووجّه المسيح نظرهم إلى روح القسم، وهو القسم بالله صاحب المذبح والهيكل والسماء. فكيف يهملون الله انشغالا بنفعهم المادى، ويفسرون تفاسير لم يقلها الله؟ فغرض الله من وصية القسم فى العهد القديم هو تثبيت إيمان شعبه به، وابتعادهم عن القسم بالآلهة الوثنية.

لا تفسر كلام الله بحسب أغراضك الشخصية، واخضع له ولا تخدع نفسك، فتنال بركات الله فى حياتك.



(5) حرفية العبادة و شكليتها (ع 23-28):

23- "ويل لكم أيها الكتبة والفرّيسيّون المراؤون، لأنكم تُعَشِّرُونَ النَّعْنَعَ والشِّبِثَّ والكمون، وتركتم أثقل الناموس، الحق والرحمة والإيمان. كان ينبغى أن تعملوا هذه، ولا تتركوا تلك. 24- أيها القادة العميان، الذين يُصَفُّونَ عن البعوضة ويبلعون الجمل. 25- ويل لكم أيها الكتبة والفرّيسيّون المراؤون، لأنكم تنقون خارج الكأس والصَّحْفَةِ، وهما من داخل مملوآن اختطافا ودعارة. 26- أيها الفّريسىّ الأعمى، نَقِّ أولا داخل الكأس والصَّحْفَةِ، لكى يكون خارجهما أيضا نقيا. 27- ويل لكم أيها الكتبة والفرّيسيّون المراؤون، لأنكم تشبهون قبورا مُبَيَّضَةً تظهر من خارج جميلة، وهى من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة. 28- هكذا أنتم أيضا، من خارج تظهرون للناس أبرارا، ولكنكم من داخل مشحونون رياء وإثما."



ع23: اهتم الكتبة والفرّيسيّون بتقديم عشور النباتات غير الهامة، والتى قد تُزرع بكميات قليلة فى حدائق البيوت، مثل النعناع والشبت والكمون، ليَظهروا مدققين فى كل شىء. ولأن قادة اليهود يستفيدون من جمع هذه العشور، أهملوا فى نفس الوقت جوهر العلاقة مع الله، وهو الحق والرحمة والإيمان.

والمسيح لا يرفض تقديم العشور، حتى فى الأمور الصغيرة. ولكن، لنفهم روح الوصية وليس حرفيتها، فنقدّم العشور إيمانا ببركة الله ورحمة للمحتاجين وتمسكا بالله الذى هو الحق، ونسلك بالرحمة والحق والإيمان فى كل حياتنا، وليس كالكتبة والفرّيسيّين الذين ظهرت قساوة قلوبهم فى ظلم الأرامل والضعفاء، ورفضوا الإيمان بالمسيح.

"هذه": تشير إلى تقديم العشور فى كل شىء.

"تلك": أى التمسك بالرحمة والحق والإيمان.



ع24: يصفهم المسيح بالعمى لأنهم رفضوا رؤية الحق الذى فيه، وتمسكوا بالتدقيق فى الأمور الصغيرة التى يشبهها بالبعوضة، وأهملوا جوهر الوصايا الذى يشبهه بالجمل. فقد كانوا يُصَفُّونَ الماء والخمر لئلا توجد فيه بعوضة، وهى تُعتبر نجسة بحسب أوامر الشريعة. ولكن، مع هذا التدقيق، يتغاضون عن خطايا كبيرة، مثل القبض على المسيح وصلبه مع أنه برىء.



ع25-26: يظهر هنا رياء الفرّيسيّين واضحا أكثر من الخطايا السابقة، إذ يهتمون بمظهر العبادة المدقق، أما قلوبهم فمملوءة شرا. وينبههم المسيح إلى أهمية ما هو داخل الكأس والصَّحْفَةِ (الطبق)، وليس فقط تنظيفهما من الخارج، بالابتعاد عن كل نجاسة شخصية، لأن طعامهم وشرابهم، الذى جمعوه بالطمع والشر، لا يفيده تنظيف الأوعية خارجيا، بل تنقية قلوبهم. ويصف الفرّيسيّ بالعمى، لأنه لا يرى حقيقة الأمر، وينشغل بالمظاهر فقط.



ع27-28: كانت الشريعة تقضى بعدم لمس الميت أو قبره، لئلا يتنجّس الإنسان (عد 19: 16 و18)، لذا اهتم اليهود بتبييض قبورهم، حتى ينتبه المارة إليها ولا يلمسونها.

فيشبّه المسيح حياة الفرّيسيّين المرائية بالقبور التى يهتمون بدهنها باللون الأبيض، فتظهر جميلة من الخارج. أما فى الداخل، فتوجد عظام ورائحة كريهة مثل الشر الذى فى قلوبهم. فمظهرهم تدقيق وتمسك بالعبادة، أما قلوبهم فقاسية وسلوكهم شرير.

اهتم بتوبتك ومحبتك لله وللآخرين، فتكون أعمالك وعبادتك تعبيرا عن قلبك الصالح.



(6) مقاومة الحق (ع 29-32):

29- "ويل لكم أيها الكتبة والفرّيسيّون المراؤون، لأنكم تبنون قبور الأنبياء، وتزينون مدافن الصّدّيقين. 30- وتقولون: لو كنا فى أيام آبائنا، لما شاركناهم فى دم الأنبياء. 31- فأنتم تشهدون على أنفسكم أنكم أبناء قتلة الأنبياء. 32- فاملأوا أنتم مكيال آبائكم."

ع29-30: يوبخ المسيح الفرّيسيّين أيضا على مقاومة الحق مع التظاهر بالبر، إذ يبنون ويزينون قبور الأنبياء، ويعلنون رفضهم لشرور آبائهم الذين عذبوا وقتلوا هؤلاء الأنبياء، مع أن أعمالهم شريرة مثل آبائهم، وقاوموا الأبرار الذين هم أعظم من الأنبياء فى جيلهم، وهما يوحنا المعمدان ثم المسيح نفسه.



ع31-32: فكلامكم هذا يعلن أنكم أبناء قتلة الأنبياء، وليس هذا فقط، بل شروركم الحاضرة فى مقاومتى أنا وتلاميذى، تؤكد رياءكم ومظهرية بركم، أما قلوبكم فمملوءة شرا. والحقيقة أنكم، بما تفعلون، تملأون كأس الشر التى صنعها آباؤكم حتى تفيض، ويُحكَم عليكم بالعذاب الأبدى فى النهاية.

شجِّع الخير وساعد فيه من كل قلبك وبكل طاقتك، فتصير ابنا لله، فكل شىء يؤدى للخير يفرح به الله.



(7) العقاب الإلهى (ع 33-39):

33- "أيها الحيات أولاد الأفاعى، كيف تهربون من دينونة جهنم؟ 34- لذلك ها أنا أرسل إليكم أنبياء وحكماء وكتبة، فمنهم تقتلون وتصلِبون، ومنهم تجلدون فى مجامعكم وتطردون من مدينة إلى مدينة. 35- لكى يأتى عليكم كل دم زكى سُفك على الأرض، من دم هابيل الصّدّيق إلى دم زكريا بْنِ بَرَخِيَّا الذى قتلتموه بين الهيكل والمذبح. 36- الحق أقول لكم، إن هذا كله يأتى على هذا الجيل. 37- يا أورشليم، يا أورشليم، يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها، كم مرة أردت أن أجمع أولادك، كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، ولم تُريدوا. 38- هوذا بيتكم يترك لكم خرابا. 39- لأنى أقول لكم، إنكم لا تَرَوْنَنِى من الآن، حتى تقولوا مبارك الآتى باسم الرب."



ع33: "الحيات": شبّههم بها لأجل تحايلهم وإصرارهم على صنع الشر.

"أولاد الأفاعى": لأن آباءهم أشرار، فقد عذبوا وقتلوا الأنبياء قديما.

كل الخطايا السابقة تستوجب بالضرورة نار جهنم، ولا يعفى منها كل مظاهر العبادة والبر الزائف.

ع34: يستمر الله رغم شر اليهود فى عمل الخير معهم، فيرسل رسله الذين سماهم بالأسماء المعروفة للمعلمين عند اليهود، وهى الأنبياء والحكماء والكتبة، ليعلنوا صوته للناس حتى يتوبوا. ولكن، يقوم عليهم اليهود ويجلدونهم ويعذبونهم ويطردونهم، بل ويقتلونهم، لأنهم مصرون على الشر.

المجامع: هى أماكن القراءة والوعظ لليهود فى كل مدنهم، وفيها يحكمون على المتهمين فى نظرهم بالشر ومخالفة الشريعة.



ع35: فى النهاية، سيدينهم الله لمقاومتهم الحق، ورفض سماع صوته، بقتل رجاله الأبرياء من أول شهيد فى العالم وهو هابيل الصّدّيق، إلى زكريا بْنِ بَرَخِيَّا وهو أبو يوحنا المعمدان، الذى قُتِلَ بعد أن وضع الطفل يوحنا على المذبح عندما طارده العسكر، قائلا لهم: قد أخذته من المذبح وإليه أعيده. فأتى ملاك الله وخطفه من على المذبح، أما هو فقتلوه.

وهكذا يصوّر الأمة اليهودية بشخص واحد، يعاقبه الله على كل دماء الشهداء فى العهد القديم قبل المسيحية.

اعْلَمْ أن الله ديّان عادل، فلا تتمادى فى أنانيتك أو ظلمك لغيرك مهما كان سلطانك أو حجتك المنطقية، ولكن تُبْ باتضاع وأصلح أخطاءك، فتنال مراحمه.



ع36: قد تم هذا العقاب الإلهى فى هذا الجيل لليهود بتدمير أورشليم وقتل من فيها عام 70م بيد تيطس قائد الرومان.



ع37: يشبّه المسيح نفسه بالدجاجة التى تحتضن بيضها حتى يفقس وتخرج الفراخ للحياة، ولكن يتساقط ريش الدجاجة الأم، أى تبذل حياتها لتُخرِج بنيها للحياة، كما تألم المسيح ومات لأجلنا؛ وقد قدّم محبته لأبناء قتلة الأنبياء، أما هم فرفضوا تعاليمه التى لخلاصهم، بل قاموا عليه وصلبوه.



ع38: كان الهيكل خَرِبا روحيا من أجل شر الكهنة والكتبة والفرّيسيّين، وقد تركه المسيح بعد ذلك، أى نزع بركته منه، ثم تم خرابه على يد الرومان سنة 70م.



ع39: بعد هذا الحديث بأيام قليلة، صُلب المسيح ومات ولم يره اليهود، لأنه ظهر بعد قيامته لعدد قليل، هم تلاميذه وبعض المؤمنين. أما اليهود الذين سيؤمنون ويصيرون مسيحيين، فسيفرحون فى يوم الدينونة بمجىء المسيح الثانى، ويقولون: "مبارك الآتى باسم الرب" (مز 118: 26)، مثلما فرح التلاميذ والمؤمنون بالمسيح عند ظهوره لهم بعد قيامته، قائلين كلمات المزمور السابق؛ وبذلك يشارك كل من يؤمن بالمسيح الرسل، فيشعر أن المسيح المبارك أتى وحلّ فيه بالإيمان.
 
إنضم
19 يونيو 2021
المشاركات
47
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الإقامة
اعيش هنا: https://fliphtml5.com/homepage/odddi
الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد : إنجيل متي - ف 24

الأَصْحَاحُ الرَّابِعُ وَالعِشْرُونَ

علامات خراب أورشليم i المجىء الثانى



(1) هدم هيكل سليمان (ع 1-2):

1- ثم خرج يسوع ومضى من الهيكل، فتقدم تلاميذه لكى يُرُوهُ أبنية الهيكل. 2- فقال لهم يسوع: "أما تنظرون جميع هذه؟ الحق أقول لكم، إنه لا يترك ههنا حجر على حجر لا يُنْقَضُ."



كان هيكل سليمان مبنًى عظيما جدا، اهتم هيرودس الملك - إرضاءً لليهود - بتجميله وتوسيعه، وكان مبنيا بحجارة ضخمة جدا وبعضها مغطى بصفائح معدنية لامعة.

وفيما كان التلاميذ منبهرين بعظمة أبنية الهيكل، ويشيرون إليها أمام المسيح، قال لهم أنه سينهدم تماما، وقد حدث هذا عام 70م على يد الرومان لأن اليهود عصوا عليهم.

هدم الهيكل كان إعلانا لظهور هيكل جديد، وهو الكنيسة التى أساسها دم المسيح. ولكيما يبنى الله هيكله داخلك، ينبغى أن يموت إنسانك العتيق، أى طبيعتك المائلة للشر، وذلك من خلال سِر َّىِّ المعمودية والاعتراف.



(2) ظهور مُسَحاء كَذَبَة (ع 3-5):

3- وفيما هو جالس على جبل الزيتون، تقدم إليه التلاميذ على انفراد قائلين: "قل لنا متى يكون هذا، وما هى علامة مجيئك وانقضاء الدهر؟" 4- فأجاب يسوع وقال لهم: "انظروا لا يضلكم أحد. 5- فإن كثيرين سيأتون باسمى قائلين أنا هو المسيح، ويضلون كثيرين."



ع3: جلس المسيح مع تلاميذه على جبل الزيتون، وهو قريب من أورشليم، ومن هناك يظهر الهيكل واضحا، فسأل التلاميذ المسيح عن ميعاد خراب الهيكل، وسألوه أيضا عن مجيئه الثانى، وما هى العلامات التى تظهر قبل مجيئه، حتى ينتبهوا ويستعدوا.

من هذا يظهر أن إجابة المسيح تشمل موضوعين، هما خراب أورشليم ومجيئه الثانى. وسنلاحظ تداخلهما، لأن الأمر المستفاد منهما واحد، وهو التوبة والاستعداد. وقد كان اليهود يظنون أن هيكلهم سيظل إلى نهاية الأيام، والتلاميذ ظنوا أن خرابه سيكون فى النهاية.

ع4-5: نبههم المسيح إلى ظهور أناس مدّعين كاذبين، يقول كل منهم إنه المسيح، أو يأتون كأنهم رسل منه؛ فينبغى فحصهم وعدم الانسياق وراءهم. وإن لم يقولوا كلاما يتفق مع كلام الكتاب المقدس والكنيسة، يكونون كاذبين، فنرفضهم.

لا تسرع نحو أية تعاليم خارج الكنيسة، حتى لو كان قائلها له اسم وشهرة، بل اثبت فى كنيستك وتعاليمها، وبالصلاة والخضوع لإرشاد الآباء الروحيين، ستكتشف الضلال فى تعاليم الغرباء.



(3) الكوارث العامة (ع 6-8):

6- "وسوف تسمعون بحروب وأخبار حروب، انظروا لا ترتاعوا، لأنه لابد أن تكون هذه كلها ولكن، ليس المنتهى بعد. 7- لأنه تقوم أمة على أمة، ومملكة على مملكة، وتكون مجاعات وأوبئة وزلازل فى أماكن. 8- ولكن، هذه كلها مبتدأ الأوجاع."



ع6: يثير الشيطان الناس على بعضهم البعض، فتحدث انقسامات وحروب، وذلك ليكرهوا بعضهم البعض، فيتسلط عليهم ويشغلهم بالمشاكل عن عبادة الله، ويملأهم بالقلق والخوف.

"لا ترتاعوا": لا تنزعجوا من هذه الأخبار، بل توقعوها، وصلّوا لكى يسندكم الله ويعطيكم سلاما، ويحفظ الذين داخل هذه الحروب.

"ليس المنتهى بعد": هذه الحروب تذكركم بالاستعداد لنهاية الأيام، ولكن ليست هى العلامة النهائية قبل يوم الدينونة.



ع7: علامة ثانية يعطيها المسيح، ليس فقط الانقسامات والحروب، بل نقص الطعام والشراب، أى المجاعات، فيموت الكثيرون. ثم ينشر الشيطان الأمراض كأوبئة، ليخيف الناس ويشغلهم عن الله. ويستخدم علامة أخرى وهى الزلازل وكل تغيرات فى الطبيعة، حتى يتذمر الناس على الله.



ع8: كل هذه العلامات ستتكرر كثيرا، ولكنها بداية المتاعب، وما زالت هناك علامات أخرى قبل مجىء المسيح.

لا تنزعج إن واجهتك ضيقات، بل ثق فى قدرة إلهك أن يحميك من حروب إبليس، ويحوّل الضيقة المادية إلى نمو فى حياتك الروحية؛ فقط تمسك بالله بصلوات وأمانة فى حياتك.

(4) ضيقات خاصة (ع 9-10):

9- "حينئذ يسلمونكم إلى ضيق ويقتلونكم، وتكونون مبغضين من جميع الأمم لأجل اسمى. 10- وحينئذ يعثر كثيرون، ويسلمون بعضهم بعضا، ويبغضون بعضهم بعضا."



ع9: إلى جانب الكوارث العامة التى يحاول إبليس بها أن يسقطهم فى التذمر، يثير ضيقات ضد أولاد الله فى اضطهادات كثيرة لأجل إيمانهم، فيخسرون كثيرا من راحة الجسد، بل يتعرضون لعذابات تصل إلى الموت؛ وهوبهذا يحاول إبعادهم عن الله، بل جحد المسيح.



ع10: أمام الاضطهادات التى تواجه أولاد الله، يخاف ويتشكك بعض المؤمنين فيرتدوا عن الإيمان ويقاوموا إخوتهم، ويتحالفوا مع الأشرار لاضطهاد المؤمنين، فيسلمونهم للحكام الأشرار حتى يعاقبونهم ويقتلونهم، وتحدث بهذا انقسامات وكراهية بين المرتدين عن الإيمان وبين إخوتهم المؤمنين، بل يصيرون أكثر اضطهادا لإخوتهم من المضطهدين الخارجيين.

اُنظر إلى مسيحك الذى احتمل آلاما كثيرة حتى الموت، لتقبل الضيقات من أجله. ولا تضطرب إذا قاومك أقرب الناس، بل اثبت فى محبتك لله ولهم، وَصَلِّ لأجلهم حتى يعودوا للإيمان، واثقا أن الله يسندك فلا يؤذيك أحد إلا بإذنه.



(5) التضليل (ع 11-14):

11- "ويقوم أنبياء كذبة كثيرون، ويضلون كثيرين. 12- ولكثرة الإثم، تَبْرُدُ محبة الكثيرين. 13- ولكن، الذى يصبر إلى المنتهى، فهذا يَخْلُصُ. 14- وَيُكْرَزُ ببشارة الملكوت هذه فى كل المسكونة شهادة لجميع الأمم، ثم يأتى المنتهى."



ع11: الضربة الثالثة التى يوجهها الشيطان لأولاد الله، بعد الكوارث العامة والضيقات الخاصة، هى تضليلهم عن الحق بظهور أنبياء كذبة كثيرون، أى أناس يدّعون أنهم مرسلون من الله، أو أصحاب فلسفات ومذاهب تبعد الناس وتشككهم فى الله وفى الكنيسة، وتسقطهم فى شهوات مختلفة.

ع12: بابتعاد الناس عن الله وسقوطهم فى شهوات كثيرة، تضعف محبتهم لله، ويصيروا جسديين وبعيدين عن الحياة الروحية.



ع13: على الجانب الآخر، يتمسك القليلون بالإيمان المستقيم، ويرفضون ضغوط التشكيك والتضليل. ومن يظل متمسكا، يعلن إيمانه ومحبته، فينال الخلاص الأبدى.



ع14: حتى يكون الإنسان بلا عذر، يوفر الله الدعوة بالإيمان المستقيم لكل البشر، فتصل الكرازة للكل قبل المجىء الثانى للمسيح، لتعطى فرصة الخلاص للجميع.

لا تنساق وراء أية تعاليم غريبة أو اجتماعات خارج الكنيسة، ودقق فى صداقاتك لتحتفظ بإيمانك المستقيم.



(6) رجسة الخراب (ع 15):

15- "فمتى نظرتم رجسة الخراب، التى قال عنها دانيال النبى، قائمة فى المكان المقدس، ليفهم القارئ."



يلاحظ أن كلام المسيح، من هذا العدد حتى (ع22)، يقصد به أساسا خراب أورشليم.

"رجسة الخراب": هى النجاسة التى تظهر فى المكان المقدس، أى أورشليم بهيكلها العظيم، وهذه النجاسة تعلن قرب خراب أورشليم. وقد تنبأ عنها دانيال (9: 27)، وكان يقصد تنجيس أورشليم عند محاصرة جيوش الرومان لها وهم يحملون تماثيلهم الوثنية. فهذا يعلن قرب خراب أورشليم، لأنهم بعد ذلك سيهجمون على المدينة ويدمرونها، ويخرّبون الهيكل.

"ليفهم القارئ": لأن المسيح يعلم أن الإنجيل سيُكتَب ويقرأه المسيحيون، فيلزم أن يهربوا فى تلك الساعة من أورشليم قبل تخريبها وقتل من فيها؛ وقد حدث هذا فعلا، ونجا المسيحيون من الموت.

ويرمز هنا أيضا إلى قيام ضد المسيح فى المكان المقدس، أى الهيكل، ويدنسه بشره، ويتبعه كثيرون من الذين يضلهم، فليفهم القارئ أن يوم الدينونة قد اقترب.

عندما ترى علامات النهاية، مثل الحروب والأوبئة والاضطهادات، اعلم أن حياتك فى الأرض غير مستقرة واستعد لأبديتك، فتهرب من الخطية لتحيا مع الله.



(7) الهروب من أورشليم (ع 16-20):

16- "فحينئذ، لِيَهْرُبِ الذين فى اليهودية إلى الجبال. 17- والذى على السطح فلا ينزل ليأخذ من بيته شيئا. 18- والذى فى الحقل فلا يرجع إلى ورائه ليأخذ ثيابه. 19- وويل للحبالى والمرضعات فى تلك الأيام. 20- وصَلّوا لكى لا يكون هربكم فى شتاء ولا فى سبت."



ع16: إذا لاحظ المسيحيون حصار أورشليم، سواء الموجودين فيها أو فى بلاد اليهودية المحيطة بها، فليهربوا إلى الجبال التى حولهم حتى لا يفتك بهم عساكر الرومان. وبالفعل، فالذين ظلوا فى أورشليم، قتلهم تيطس القائد الرومانى بأعداد ضخمة جدا.



ع17: إن كان شخص فوق السطح، فليهرب سريعا إذا رأى من بعيد جنود الرومان مقبلين، ولا يفكر فى أمتعته التى فى البيت حتى ينجو بحياته.



ع18: العاملون فى الحقول ينبغى أن يجروا سريعا للأمام، ولا يعودوا حتى لأخذ ثيابهم التى خلعوها ليقوموا بأعمالهم.



ع19: تظهر صعوبة الهرب على الحبالى والمرضعات اللائى يحملن الأَجِنّة والأطفال الصغار، لتثقّلهن بما يحملن.



ع20: يا ليت هذا الخراب والهرب منه لا يكون فى شتاء، حتى لا تكون الأمطار معوّقة للهرب والطرق موحلة، وأيضا لا يكون فى سبت، حتى لا يتعبهم ضميرهم أنهم يجرون مسافات طويلة فى يوم السبت ضد ما تأمر به الشريعة، أو تمنعهم شرطة اليهود من ذلك.

ومن الناحية الروحية، يرمز كل ما سبق للهروب من الشر سريعا إلى الجبال التى تشير للارتفاع مع الله عن العالم، وعدم النزول إلى الشهوات أو التراجع إليها، وطلب معونة الله ليسند ضعفنا إن كنا مثْقَلين بأحمال وأتعاب هذا العالم.

فلنسرع فى الهرب، مهتمين بخلاص نفوسنا قبل كل شىء، ومتنازلين عن الماديات لننال الملكوت.

(8) الضيقة العظيمة (ع 21-22):

21- "لأنه يكون حينئذ ضيق عظيم، لم يكن مثله منذ ابتداء العالم إلى الآن، ولن يكون. 22- ولو لم تُقَصَّرْ تلك الأيام، لم يخلص جسد. ولكن، لأجل المختارين، تُقَصَّرُ تلك الأيام."



ع21: كان هجوم تيطس الرومانى على أورشليم عنيفا، فقتل فيها أكثر من مليون يهودى، بالإضافة إلى من قتلهم فى اليهودية؛ هذا الدمار لم يكن مثله فى كل هذه المنطقة.

"لم يكن مثله... ولن يكون": أى لم يحدث خراب بهذه القسوة فى أورشليم، ولن يحدث بعد ذلك بهذا المقدار.

وهذا يرمز للضيق العظيم الذى سيحدث فى العالم كله قبل يوم الدينونة، الذى لم يكن ضيق مثله قبل ذلك، ولن يكون.



ع22: تَدَخَّلَ الله، فلم يستمر حصار أورشليم إلا خمسة أشهر، حتى لا يهلك كل من فيها. وقد فعل الله هذا ، حتى يهرب المسيحيون إلى الجبال كما قال لهم.

ينطبق هذا أيضا على نهاية الأيام، إذ يكون اضطهاد شديد من الشيطان لأولاد الله حتى يرجعوا عن إيمانهم، فَيُضَيِّقُ عليهم حتى فى الحصول على ضروريات الحياة، ويعذب ويقتل الكثيرين. ولكن محبة الله ستجعل هذه الفترة قصيرة، حتى لا يضعف إيمان أولاده وينكروا مسيحهم، بل يسمح بضيقات على قدر احتمال أولاده، ويعطيهم المعونة للهرب منها، والالتجاء للكنيسة والعبادة الروحية، فيجدوا خلاصهم.

اطمئن، فالله لا يدعك تجرَّب فوق طاقتك، ويسندك فى الضيقة، بل ويجعلها دافعا لاقترابك إليه؛ فثق أن يد الله ضابط الكل أبوك السماوى تدبّر حياتك ولا يضرك شىء.



(9) المجىء الثانى معلن للكل (ع 23-28):

23- "حينئذ، إن قال لكم أحد هوذا المسيح هنا أو هناك، فلا تصدقوا. 24- لأنه سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة، ويعطون آيات عظيمة وعجائب، حتى يضلوا، لو أمكن، المختارين أيضا. 25- ها أنا قد سبقت وأخبرتكم. 26- فإن قالوا لكم ها هو فى البرية، فلا تخرجوا. ها هو فى المخادع، فلا تصدقوا. 27- لأنه كما أن البرق يخرج من المشارق ويظهر إلى المغارب، هكذا يكون أيضا مجىء ابن الإنسان. 28- لأنه حيثما تكن الجثة، فهناك تجتمع النسور."

ع23-25: ينبّه المسيح أولاده إلى ظهور أشرار يدّعون أنهم هو، ويتظاهرون بالتقوى، ولكن يدسون تعاليم غريبة لتضليل المؤمنين. فينبغى الابتعاد عنهم ورفض تعاليمهم ما داموا خارجين عن الكنيسة، مهما كانت معجزاتهم، فالشيطان قادر على عمل معجزات، ولكن غير بنّاءة. وطالما أن الإنسان مطيع للكنيسة وآبائها، فلا خوف عليه من الضلال.



ع26: من التضليل، الادعاء أن مجىء المسيح وظهوره سيكون لعدد قليل فى مكان ما، مثل صحراء معيّنة، أو مختفيا فى مكان مغلق مع جماعة خاصة؛ فينبّه المسيح أن مجيئه سوف يُعلَن لكل البشر فى نفس الوقت.



ع27: يعطى المسيح تشبيها لمجيئه بالبرق الذى يظهر فى السماء، فيراه كل الناس سواء فى الشرق أو الغرب، هكذا لا يحتاج إنسان أن ينبّه آخر لمجىء المسيح. ويلاحظ أن البرق يظهر فجأة ويكون واضحا لكل الناظرين، هكذا يكون مجىء المسيح الثانى.



ع28: يمكن أن يُقصَد بهذه الآية خراب أورشليم، فالجثة هى الأمة اليهودية التى ابتعدت عن الله، فصارت ميتة بالنسبة له، وهجم عليها الرومان كالنسور فخرّبوا أورشليم، وكانوا يحملون رمزهم، وهو النسور، على راياتهم وهم يهاجمون أورشليم.

وتنطبق أيضا هذه الآية على نهاية الأيام، عندما تهجم النسور، وهم الملائكة، على الأشرار الذين يُرمَز لهم بالجثة ليعلنوا غضب الله وقضائه عليهم، ليلقوهم فى العذاب الأبدى.

وكذلك يُقصَد بالجثة المسيح المصلوب والمعطى على المذبح فى كنيسته كل يوم جسدا ودما حقيقيا، هناك يجتمع القديسون المرتفعون فى حياة سمائية مثل النسور الطائرة فى علو السماء.

هكذا فى مجىء المسيح، يجتمع أولاده حوله بواسطة الملائكة، ويفرحون معه. وعلى العكس، يجتمع الأشرار حول إبليس فى العذاب الأبدى.

إن كنت كالنسر من أولاد الله، فمكان اجتماعك يكون حول المسيح فى الكنيسة، فتجد راحتك وفرحك دائما.



(10) انهيار الطبيعة (ع 29):

29- "وللوقت، بعد ضيق تلك الأيام، تظلم الشمس، والقمر لا يعطى ضوءه، والنجوم تسقط من السماء، وقوات السماوات تتزعزع."

يتكلم هنا عما يحدث فى نهاية الأيام، يختفى ضوء الشمس والقمر، وتتساقط النجوم، فتضطرب الطبيعة كلها، وحينئذ يظهر المسيح ليدين العالم كله. وستزداد هذه العلامات بظهور المسيح بنوره القوى، فتصير الشمس والقمر بالنسبة له مظلمان لضعفهما أمام نوره القوى، وكل شىء فى الطبيعة يصبح بلا قيمة.

ومن الناحية الروحية، يرمز ظلام الشمس والقمر إلى ضعف المعرفة بالله، واضطهاد الكنيسة أيام ضد المسيح، والارتداد العام عن الله. ويصبح الحق مهتزا، بل يتساقط فى نظر الكثيرين.

وينطبق هذا على كل إنسان يبتعد عن الله، فَتُظْلِمُ روحه وعقله، وتتساقط مواهبه وقدراته، ويهتز كيانه نتيجة انغماسه فى الشهوات والأمور الدنيوية.

عندما تقابل اضطرابات فى حياتك وتُحَارَبَ بالقلق، التجئ سريعا إلى الله ليحميك ويرشدك، فتسلك مطمئنا مهما كان الاضطراب محيطا بك.



(11) مجىء المسيح (ع 30-31):

30- "وحينئذ، تظهر علامة ابن الإنسان فى السماء. وحينئذ، تنوح جميع قبائل الأرض، ويبصرون ابن الإنسان آتيا على سحاب السماء بقوة ومجد كثير. 31- فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت، فيجمعون مختاريه من الأربع الرياح، من أقصاء السماوات إلى أقصائها."



ع30: يكمل المسيح حديثه عن يوم الدينونة، فبعد انهيار الطبيعة، تظهر علامة ابن الإنسان فى السماء، وهى الصليب، بنور ومجد. وحينئذ، يرتعد ويخزى غير المؤمنين وغير التائبين جميعهم، لأنهم رفضوا الإيمان بالمسيح المصلوب، بل صلبوه مرارا فى حياتهم بانغماسهم فى الشر، ويبكون فى ندم بلا رجاء. ويسميهم "قبائل الأرض"، تمييزا لهم عن أولاد الله السمائيين المؤمنين به.

ثم يظهر المسيح نفسه بمجد عظيم على سحاب السماء، لأننا قد تعودنا أن السحاب يشير لحضرة الله، كما حدث أيام موسى وفى التجلى.

ومنظره فى مجده، يختلف تماما عن صورة تواضعه عند مجيئه الأول فى الجسد.



ع31: تظهر ملائكة الله فى الحال بأبواق الهتاف والفرح والنصرة، ليجمعوا أولاد الله المؤمنين به من أركان العالم الأربعة ليملكوا إلى الأبد مع مسيحهم. يجمعون، ليس فقط سكان السماء، أى أرواح القديسين، بل كل الذين عاشوا حياة سماوية على الأرض.

كم هو يوم عظيم ومبهج لأولاد الله، فلنستعد بتوبة وتدقيق شديد، ونحتمل آلام الحياة لنتمجّد معه.

(12) مثل شجرة التين (ع 32-34):

32- "فمن شجرة التين تعلّموا المثل، متى صار غصنها رخصا وأخرجت أوراقها، تعلمون أن الصيف قريب. 33- هكذا أنتم أيضا، متى رأيتم هذا كله، فاعلموا أنه قريب على الأبواب. 34- الحق أقول لكم، لا يمضى هذا الجيل حتى يكون هذا كله."



ع32-33: يعطى المسيح مثلا هنا، وهو شجرة التين التى تبدو جافة فى فصل الشتاء، ولكن عندما يأتى الصيف تسرى العصارة فى أغصانها، وتمتلئ بالأوراق والأزهار والثمار، وهذا دليل على حلول فصل الصيف.

كذلك إذا ظهرت العلامات السابق ذكرها فى هذا الأصحاح (ع5-15)، فهذا يعنى قرب خراب أورشليم.

إذا زاد الشر واحتملت ضيقات كثيرة، فهذا معناه قرب انفراج الضيقة، وتمجيد الله لك.



ع34: "هذا الجيل": الجيل يشمل من 30 إلى 40 سنة، وقد حدث خراب أورشليم بعد هذا الكلام بأربعين سنة، وبعض السامعين عاشوا حتى خراب أورشليم، مثل يوحنا الحبيب.

يحدد المسيح ميعاد إتمام هذه العلامات، وهو الجيل الذى يعيش فيه من يسمعونه، ويقصد خراب أورشليم عام 70م.

كما يقصد أيضا انتشار الإيمان به فى القارات المعروفة وقتذاك، وبدء استعداد المؤمنين للملكوت الأبدى.



(13) ميعاد مجىء المسيح (ع 35-36):

35- "السماء والأرض تزولان، ولكن كلامى لا يزول. 36- وأما ذلك اليوم وتلك الساعة، فلا يعلم بهما أحد، ولا ملائكة السماوات، إلا أبى وحده."



ع35: يؤكد المسيح صدق كلماته وحتمية تنفيذها، فهى أثبت من أى شىء يعرفه البشر. فإن كانت الأرض ثابتة تحت أقدامهم، والسماء مرتفعة فوقهم، لكنهما سيزولان فى يوم الدينونة، ليتم كلام الله، فيأخذ أولاده إلى ملكوته. والسماء ترمز إلى الروح التى تنتقل إليها، والأرض للجسد الذى يوضع فيها. أى أن البشر يموتون على مدى الأجيال، لكن لابد أن تتم فى النهاية هذه العلامات ومجيئه الثانى.

ع36: يجب ألا ينشغل أحد بتحديد ميعاد مجيئه، فهو لن يعلنه ولا حتى لملائكته، حتى لا يتراخى الناس فى جهادهم واستعدادهم الروحى، أو يرتعدوا ويخافوا فَتُشَلُّ حركتهم الروحية.

حيث أن الله لن يعلن ميعاد مجيئه، ولا يوم انتقالك من العالم، فيلزم أن تستعد كل يوم بالتوبة والصلاة ومحبة الآخرين.



(14) الاستعداد لمجىء المسيح (ع 37-41):

37- "وكما كانت أيام نوح، كذلك يكون أيضا مجىء ابن الإنسان. 38- لأنه كما كانوا، فى الأيام التى قبل الطوفان، يأكلون ويشربون ويتزوجون ويزوجون، إلى اليوم الذى دخل فيه نوح الفلك. 39- ولم يعلموا حتى جاء الطوفان وأخذ الجميع، كذلك يكون أيضا مجىء ابن الإنسان. 40- حينئذ يكون اثنان فى الحقل، يؤخذ الواحد ويُترَك الآخر. 41- اثنتان تطحنان على الرحى، تؤخذ الواحدة وتترك الأخرى."



ع37-38: بعطى تشبيها لحياتنا الآن التى نستعد فيها لمجىء المسيح، بما كان يحدث أيام نوح. فقبل الطوفان، كان الناس منشغلين بشهواتهم وأعمالهم المادية من زواج وأكل وشرب، متناسين علاقتهم بالله، والتوبة عن خطاياهم. كذلك الآن فى حياتنا، يوجد كثيرون منشغلون عن خلاص نفوسهم باهتماماتهم العالمية.



ع39: أتى الطوفان فجأة، ولعدم استعدادهم هلكوا.

كذلك فمجىء المسيح يأتى فجأة، فَيَخْلُصُ فقط المستعدون بحياة التوبة.



ع40-41: سيكون البشر مختلطين معا فى معيشتهم فى الأسرة الواحدة أو العمل أو الجيرة، ولكن بعضهم يهتم بالاستعداد للأبدية، والآخر منهمك فى شهواته رافضا التوبة. فيؤخذ الواحد إلى الأمجاد السمائية، ويُترَك الآخر لِيُلْقَى فى العذاب الأبدى.

لا تنهمك فى الانشغالات المادية لأنها ليست هدف حياتك، بل الهدف هو محبة الله. فتعَوَّد العلاقة معه فى صلوات وأصوام وقراءات روحية، حتى إذا فاجأك يوم النهاية تكون مستريحا، بل ممجدا فى فرح لا يُعَبَّرُ عنه.

(15) مثل رب البيت والسارق (ع 42-44):

42- "اسهروا إذًا لأنكم لا تعلمون فى أية ساعة يأتى ربكم. 43- واعلموا هذا، أنه لو عرف رب البيت فى أى هزيع يأتى السارق، لَسَهَرَ ولم يدع بيته يُنْقَبُ. 44- لذلك، كونوا أنتم أيضا مستعدين، لأنه فى ساعة لا تظنون، يأتى ابن الإنسان."



ع42: يستكمل المسيح حديثه عن الاستعداد للملكوت، فينادى صراحة بأهمية السهر الروحى، أى اليقظة والانتباه لخلاص النفس بالتوبة، ومحاسبة النفس كل يوم، والاهتمام بالممارسات الروحية، لتنمو محبتنا لله، فينتج عنها محبة وتسامح وخدمة للآخرين.

وسبب تركيزه على أهمية السهر، أى الاستعداد الدائم، هو عدم معرفتنا لميعاد مجيئه.



ع43-44: "هزيع": قسم من الليل الذى يقسّمه اليهود إلى أربعة أقسام.

"السارق": الموت، وكناية أيضا عن مجىء ابن الإنسان المفاجئ.

"يُنْقَبُ": يُسرق.

"فى ساعة لا تظنون": فى ساعة لا تعرفونها.

يعطى المسيح مثلا عن أهمية السهر الروحى لمواجهة السارق (الموت) الذى يأتى أثناء الليل، منتهزا فرصة نوم من فى البيت ليكسر ويدخل من أى مكان ليسرقه. فلو كان رب البيت المسئول عنه يعرف ميعاد مجىء اللص، لَظَلَّ مستيقظا ليمنعه من سرقة بيته.

ثم يؤكد أهمية الاستعداد، لأن المسيح لم ولن يحدد ميعاد مجيئه.

كن حريصا لئلا يوجه الشيطان فكرك وحواسك إلى شهوات الشر حتى يقنعك بضرورتها، فتفاجأ بيوم الدينونة، ولا تستطيع أن تفعل شيئا.



(16) مثل العبد الأمين (ع 45-51):

45- "فمن هو العبد الأمين الحكيم، الذى أقامه سيده على خَدَمِهِ ليعطيهم الطعام فى حينه؟ 46- طوبى لذلك العبد الذى إذا جاء سيده يجده يفعل هكذا. 47- الحق أقول لكم، إنه يقيمه على جميع أمواله. 48- ولكن، إن قال ذلك العبد الرَّدِىُّ فى قلبه، سيدى يبطئ قدومه. 49- فيبتدئ يضرب العبيد رفقاءه، ويأكل ويشرب مع السكارى. 50- يأتى سيد ذلك العبد فى يوم لا ينتظره، وفى ساعة لا يعرفها. 51- فَيُقَطِّعَهُ، ويجعل نصيبه مع المرائين؛ هناك يكون البكاء وصرير الأسنان."

ع45: يقدم المسيح مثلا آخر لسيد يقيم أحد عبيده وكيلا له للعناية باحتياجات العاملين عنده، ويسافر فترة. ثم يتساءل عن صفات العبد الأمين الحكيم، ويجيب بأنه هو الذى يعطى طعاما لكل من فى البيت فى الوقت المناسب.

"العبد": كل مسيحى: أب أو أم أو خادم مسئول أن يرعى ويخدم غيره.

"الأمين": الذى يتمم واجباته على الوجه الأكمل.

"الحكيم": من يستعد لأبديته بالسهر الروحى.

"سيده": المسيح.

"خَدَمِهِ": كل النفوس المحيطة بالمسيحى أو الخادم، التى يطالبه الله برعايتها والاهتمام بها روحيا.

"الطعام": الرعاية الروحية، وما تشمله أيضا من سد الاحتياجات المادية والنفسية.

"فى حينه": أى فى الوقت المناسب عند احتياجهم.



ع46-47: يمتدح العبد الذى يفعل ما كلّفه به سيده طوال فترة سفره، ويكافئه بأن يقيمه وكيلا على جميع ممتلكاته.

وهو بهذا يرمز لأهمية عناية كل واحد بخلاص نفسه، وإشباع روحه وجسده بعلاقة حية مع الله، ويهتم أيضا بخدمة كل من حوله وجذب النفوس للمسيح. والمكافأة هى أن يرفعه إلى السماء ليعطيه معرفة الله، والتمتع الدائم بعشرته.

"إذا جاء سيده": مجىء المسيح فى يوم الدينونة.

"يفعل هكذا": مستمر فى أمانته ويقظته الروحية واستعداده للأبدية.

"الحق": تأكيد لأهمية ما سيعلنه.

"جميع أمواله": أى معرفة الله فى الأبدية والتمتع بعشرته.



ع48-49: العبد غير الأمين يسلك بالشر بعد إقامته وكيلا للعناية بالخدم الذين فى البيت، فبدلا من أن يهتم باحتياجاتهم، يكون قاسيا عليهم، ظانا أن سيده لن يأتى سريعا. وينهمك فى إشباع لذاته المادية التى يمثلها بالأٍكل وشرب الخمر حتى السكر.

"العبد الرَّدِىُّ": المسيحى أو الخادم الذى يهمل علاقته مع الله، وينشغل بالشهوات الشريرة.

"يبطئ قدومه": يتناسى الاستعداد ليوم الرب بداعى أنه ما زال هناك وقت طويل فى العمر، فينغمس فى الشهوات.

"يضرب العبيد": القسوة والظلم فى معاملة الآخرين.

"يأكل ويشرب مع السكارى": الانهماك فى اللذات والشهوات المادية.



ع50-51: "سيد": كناية عن الله.

"ذلك العبد": الإنسان الأنانى المنشغل بشهواته الفاسدة، وليس له محبة نحو الآخرين، ويتغافل عن الاستعداد لأبديته.

"فَيُقَطِّعَهُ": أى يبيده.

يأتى السيد بغتة دون ميعاد، فيرى عدم أمانة عبده فى خدمته، فيبيده ويلقيه مع الأشرار المرائين فى العذاب الأبدى حيث البكاء وصرير الأسنان، أى الآلام الصعبة جدا واليأس، لأنه يتظاهر أنه وكيل عن الله فى العناية بنفسه وَمَنْ حوله، وهو فى الحقيقة يُفسد نفسه ويسىء للآخرين.

افحص المسئوليات والنفوس التى وضعك الله بينها لتجذبها إليه، واسأل نفسك ما مدى أمانتك فى وقتك ومواهبك وكل إمكانياتك، وهل استخدمتها لمجد الله أم لمزاجك الشخصى وانحرفت بها فى الشر؟

وهل تصلى وتسعى لخلاص كل نفس حولك؟
 
إنضم
19 يونيو 2021
المشاركات
47
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الإقامة
اعيش هنا: https://fliphtml5.com/homepage/odddi
الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد : إنجيل متي - ف 25

الأَصْحَاحُ الخَامِسُ وَالعِشْرُونَ

مثلى العذارى والوزنات i عمل الرحمة



(1) مثل العذارى (ع 1-13):

1- "حينئذ يشبه ملكوت السماوات عَشْرَ عذارى أخذن مصابيحهن وخرجن للقاء العريس. 2- وكان خَمْسٌ منهن حكيمات وخمس جاهلات. 3- أما الجاهلات، فأخذن مصابيحهن ولم يأخذن معهن زيتا. 4- وأما الحكيمات، فأخذن زيتا فى آنيتهن مع مصابيحهن. 5- وفيما أبطأ العريس، نَعَسْنَ جميعهن وَنِمْنَ. 6- ففى نصف الليل، صار صراخ: هوذا العريس مقبل، فاخرجن للقائه. 7- فقامت جميع أولئك العذارى وأصلحن مصابيحهن. 8- فقالت الجاهلات للحكيمات: أَعْطِينَنَا من زيتكن، فإن مصابيحنا تنطفئ. 9- فأجابت الحكيمات قائلات: لعله لا يكفى لنا ولكن، بل اذهبن إلى الباعة وابتعن لكن. 10- وفيما هن ذاهبات ليبتعن، جاء العريس، والمستعدات دخلن معه إلى العُرس، وَأُغْلِقَ الباب. 11- أخيرا، جاءت بقية العذارى أيضا قائلات: يا سيد، يا سيد، افتح لنا. 12- فأجاب وقال: الحق أقول لكن، إنى ما أعرفكن. 13- فاسهروا إذًا، لأنكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة التى يأتى فيها ابن الإنسان."



ع1: "ملكوت السماوات": أى مُلك الله السماوى على قلوب أولاده فى الكنيسة، استعدادا للملكوت الأبدى.

"عَشْرَ": عدد يرمز للكمال، أى كل البشر المؤمنين بالله.

"عذارى": ترمزن للنفوس البشرية التى تؤمن بالله.

"مصابيحهن": ترمز لإمكانيات الإنسان، أى الروح والجسد، ليحيا بها مع الله، فتستنير حياته.

"العريس": هو الله.

إذن، فالكل مؤمن وهدفه الأبدية، أى الوجود مع العريس إلى الأبد. ولكن، يختلفون فى كيفية الاستعداد للملكوت.

ع2-4: "خَمْسٌ": يشير لحواس الإنسان الخمسة التى يستخدمها إما حسنا مثل العذارى الحكيمات، أو يسلمها للشر مثل الجاهلات.

"حكيمات": كان لهن مظهر التقوى وعمقها، وهو الزيت الذى فى المصابيح.

"جاهلات": هن اللاتى لهن مظهر الحياة الروحية، ولكن ليس لهن زيت، وهو محبة الله وخدمة الآخرين.

والجهل هو أن يكون للإنسان القدرة على التمتع بالله وعشرته فى هذه الحياة وإلى الأبد، ويتهاون فى هذا تكاسلا وانشغالا بالعالم واهتماماته الكثيرة.



ع5: "نَعَسْنَ... وَنِمْنَ": أى نهاية العمر والموت.

انتهت حياة هؤلاء العذارى وَمُتْنَ لأن العريس، أى المسيح، لم يأت بعد.



ع6: "نصف الليل": يشير إلى المجىء الثانى للمسيح بعد رقاد النفوس، واستعلان دينونته العادلة، حيث يكافئ الذين رقدوا على الإيمان، ويجازى من ابتلعهم ظلام العالم الشرير.

"صراخ": أصوات الملائكة بالبوق الأخير تنادى المؤمنين بالخلاص، والأشرار بالدينونة.

"اخرجن للقائه": تتغيّر أجسادالراقدين، وتتجمّع بعد تحلّلها، فتصير أجساما روحية تتحد بأرواحها، لتقابل المسيح، وتقف أمامه فى يوم الدينونة.

فى مجىء المسيح الثانى، تقوم الأجساد، ويجتمع كل البشر فى يوم الدينونة.



ع7-9: تقدّمت العذارى جميعهن، أى كل البشر، للوقوف أمام الله الديّان العادل. وجمع كل واحد ما عنده من إيمان ومحبة، أى أصلح مصباحه، ووقف ليحاسَب أمام الله.

وهنا فقط، انتبهت الجاهلات إلى أن الإيمان بدون محبة، أى الزيت، لا ينفع شيئا وينطفئ المصباح، لأن الإيمان بدون أعمال ميت؛ فالشياطين يؤمنون ويقشعرّون ولكن لن يخلُصوا.

حاولت العذارى الجاهلات أن تأخذن زيتا من الحكيمات، ولكنهن اعتذرن بأنه لا يكفى لهن وللجاهلات، وينبغى أن يبحثن عن هذا الزيت ويبتعنه من الباعة، أى يقدمن محبة ورحمة للآخرين، لأن الأعمال الصالحة مهما عمل الإنسان لا تفضُل وتزيد عنه حتى يعطيها لآخرين. وقول المسيح واضح: "متى فعلتم كل ما أُمِرْتُمْ به، فقولوا إننا عبيد بطالون، لأننا إنما عملنا ما كان يجب علينا" (لو 17: 10).

"الباعة": أى كل إنسان يمكن أن نعمل معه عمل رحمة، مثل الفقراء والمحتاجين.



ع10: حاولت العذارى الجاهلات أن يصنعن الرحمة، ويعملن الخير فى يوم الدينونة، ولكن لم تعد هناك فرصة. فقد أخذ المسيح العذارى الحكيمات ودخل بهن إلى الملكوت وأُغْلِقَ الباب، ولم يعد هناك فرصة لدخول أحد بعد ذلك.

"العُرس": الملكوت الأبدى.

"أُغْلِقَ الباب": معناه ضمان ثبات الحكيمات فى الملكوت، ومنع الأشرار والشيطان من الدخول، فلا يواجه الأبرار متاعب فى الملكوت.

ومن ناحية أخرى، لا توجد أية فرصة لنجاة الأشرار من العذاب الأبدى بعيدا عن الله.



ع11-12: "أخيرا": أى بعد فوات الأوان والحكم عليهن بالدينونة.

"افتح لنا": يطلبن مكانا فى الملكوت.

"ما أعرفكن": لا يعرفهن كتلميذات وتابعات له.

حاولت العذارى الجاهلات الدخول بعد إغلاق الباب فرفض المسيح، بل أعلن أنه لا يعرفهن، أى لا علاقة له بهن، لأنه كان لهن مظهر التقوى وليس قوتها وعمقها، أى الإيمان بدون أعمال المحبة.

فمن لا يحيا فى محبة الله على الأرض، ليس له مكان للتمتع بمحبته فى السماء.



ع13: يعلق المسيح بوضوح، مؤكدا أهمية السهر الروحى، أى الاستعداد الدائم لمجيئه، لأننا لا نعرف ميعاده.

الله ينتظر محبتك العملية فى اهتمام بعبادتك المقدسة له، وأعمال صالحة مع كل من تقابله. فانتهز فرصة العمر لتعمل خيرا قدر استطاعتك، فتستنير حياتك على الأرض، ولا تخزى فى يوم الدينونة.



(2) مثل الوزنات (ع 14-30):

14- "وكأنما إنسان مسافر، دعا عبيده وسلمهم أمواله. 15- فأعطى واحدا خمس وزنات، وآخر وزنتين، وآخر وزنة، كل واحد على قدر طاقته، وسافر للوقت. 16- فمضى الذى أخذ الخمس وزنات وتاجر بها، فربح خمس وزنات أخر. 17- وهكذا الذى أخذ الوزنتين، ربح أيضا وزنتين أخريين. 18- وأما الذى أخذ الوزنة، فمضى وحفر فى الأرض، وأخفى فضة سيده. 19- وبعد زمان طويل، أتى سيد أولئك العبيد وحاسبهم. 20- فجاء الذى أخذ الخمس وزنات وقدم خمس وزنات أخر، قائلا: يا سيد، خمس وزنات سلمتنى، هوذا خمس وزنات أخر ربحتها فوقها. 21- فقال له سيده: نِعِمَّا أيها العبد الصالح والأمين، كنت أمينا فى القليل، فأقيمك على الكثير، اُدْخُلْ إلى فرح سيدك. 22- ثم جاء الذى أخذ الوزنتين وقال: يا سيد، وزنتين سلمتنى، هوذا وزنتان أخريان ربحتهما فوقهما. 23- قال له سيده: نِعِمَّا أيها العبد الصالح والأمين، كنت أمينا فى القليل، فأقيمك على الكثير، اُدْخُلْ إلى فرح سيدك. 24- ثم جاء أيضا الذى أخذ الوزنة الواحدة وقال: يا سيد، عرفت أنك إنسانٌ قاسٍ، تَحْصُِدُ حيث لم تزرع، وتجمع من حيث لم تبذر. 25- فخفت، ومضيت وأخفيت وزنتك فى الأرض؛ هوذا الذى لك. 26- فأجاب سيده وقال له: أيها العبد الشرير والكسلان، عَرَفْتَ أنى أَحْصُِدُ حيث لم أزرع، وأجمع من حيث لم أبذر. 27- فكان ينبغى أن تضع فضتى عند الصيارفة، فعند مجيئى، كنت آخذ الذى لى مع ربا. 28- فخذوا منه الوزنة وأعطوها للذى له العشر وزنات. 29- لأن كل من له، يُعْطَى فيزداد. ومن ليس له، فالذى عنده يؤخذ منه. 30- والعبد البطال اطرحوه إلى الظلمة الخارجية، هناك يكون البكاء وصرير الأسنان."



ع14-15: "مسافر": بصعود المسيح إلى السماء، ترك البشر مدة عمرهم، ليجتهدوا فى حياتهم الروحية على الأرض حتى مجيئه الثانى.

"أمواله": كل قدرات البشر هى عطايا إلهية يؤتمنون عليها كوكلاء عن الله، وسيقدمون عنها حسابا فى اليوم الأخير.

"على قدر طاقته": كل الإمكانيات التى يمكن أن يستخدمها، فلم يبخل الله على أحد بعطاياه، ولم يعطه إمكانيات أكثر من طاقته، حتى لا يرتبك بها أو يظهر عجزه.

"سافر للوقت": ترك البشر بحريتهم ليستثمروا إمكانياتهم طوال عمرهم.

شبّه الله نفسه بإنسان والبشر بعبيده، فأعطاهم وزنات، أى أموال، ليتاجروا بها ويستثمروها، وسافر مدة غير معلومة.

وتختلف عطايا الله ومواهبه من شخص إلى آخر، فالبعض يأخذ أكثر من غيره، وسيحاسب الله كل واحد حسبما أخذ، فلا يتكبر من أخذ أكثر، ولا يحسد ولا يغير من أخذ أقل؛ فالمهم هو الأمانة فى استثمار قدرات البشر التى وهبها لهم الله، كثيرة كانت أو قليلة.



ع16-17: تاجر صاحب الخمس وزنات الذى يرمز لمن استثمر حواسه الخمس، فربح خمس وزنات أخر، أى صارت له الحواس الداخلية، وهى القدرة على معرفة الله، وليس فقط معرفة العالم المادى المحيط به، أى صارت له العين الداخلية، وهى البصيرة، والأذن الداخلية، أى سماع صوت الله... إلخ.

أما صاحب الوزنتين، ورقم اثنين يرمز للحب، مثل العريس وعروسه، فعندما تاجر بوزنتيه، ربح أيضا وزنتين أخريين، أى تضاعف حبه فصار لله وأيضا لكل البشر.



ع18: العبد الأخير صاحب الوزنة الواحدة يرمز للأنانى، أى يحب ذاته فقط، فهو كسلان لم يتعب نفسه بتقديم محبة لله وللآخرين، بل أخفى وزنته فى التراب، أى انغمس فى الشهوات الأرضية وتنعمه فى لذّات لإشباع مزاجه الشخصى، متناسيا أنه وكيل على هذه الوزنة، وهى ملكٌ لله.

كل منا وكيل على حياته، لأنها ملك الله الذى اشترانا بدمه. فينبغى أن نحيا له، أمناء فى استثمار كل قدراتنا ومواهبنا.



ع19: "زمان طويل": وهى فرصة العمر الطويلة التى أعطاها الله لكل إنسان، حتى يستثمر إمكانياته لمجد اسمه القدّوس.

بعد انتهاء هذه الحياة، يأتى يوم الدينونة، أى يأتى السيد ليحاسب عبيده.



ع20-21: قدم صاحب الخمس وزنات ما ربحه وهى خمس وزنات أُخَرَ، فمدحه سيده ووصفه أنه صالح، لأنه عاش لله ومحبة الآخرين، وأيضا أمين لأنه استثمر كل طاقاته فحقق ربحا 100٪. وكافأه لأمانته على الأرض، وهى القليل، بمنحه الحياة فى الملكوت حيث يهبه بركات عظيمة، وهى المُعَبَّرُ عنها بالكثير، أى يحيا فى حب كعروس مع عريسها إلى الأبد فى فرح دائم مع الله سيده وأبوه السماوى.

ويفهم من هذا أن كل واحد سيحاسَب عن نفسه، وعن كل عطية إلهية وُهِبت له ليستثمرها، لأنه وكيل عليها.

"نِعِمَّا": أى حسنا، وهو مدح من الله ليس أعظم منه.



ع22-23: قدم العبد الثانى الوزنتين اللتين ربحهما مثل العبد الأول، فمدحه سيده مثل الأول بنفس المقدار والصفات أنه صالح وأمين، وأعطاه نفس المكافأة وهى دخول الملكوت، لأنه حقق ربحا كاملا وهو 100٪.



ع24-25: العبد الثالث كان أنانيا شريرا، لسقوطه فى التهاون، وانزلق فى خطايا أخرى، ليس فقط إهمال وعدم استخدام قدراته لحساب الله، أى محبة الله والآخرين، ولكنه، عِوَضَ محبته للآخرين، بدأ يسىء إليهم وأيضا إلى سيده، أى الله، فوصفه أنه قاسى وطماع يأخذ مع أنه لم يعطِ، وهذا عكس الحقيقة. ولكن الخطية التى تبدأ صغيرة بالكسل والتهاون، تؤدى إلى خطايا أصعب، وفى النهاية تُفْقِدُ الخاطئ بصيرته الروحية.

ويظهر أيضا كذبه إذ يقول إنى خفت، مع أنه لم يخف الله ويجاهد روحيا، بل انغمس فى شهواته الأرضية.



ع26-27: "الشرير والكسلان": فضح السيد السبب الحقيقى لعدم اتجاره بالوزنة، وهو كسله وشره.

أدان السيد هذا العبد من كلمات فمه، إذ قال له: إن كنت أنا قاسيا وطماعا، لكان الأولى بك أن تتاجر بالوزنة، أى تستخدمها فى المعاملات المادية لتقتنى ربحا، ويقصد بذلك استثمار إمكانياته فى محبة الله والآخرين.

"الصيارفة": حيث تُستخدم الأموال فى التجارة لتربح، والمقصود تقديم المحبة للآخرين.

والصيارفة هم المتخصصون فى المعاملات المالية، فيرمزون للآباء والمرشدين الروحيين، فعندما يطيعهم من يسلك روحيا، يرشدونه كيف يستثمر إمكانياته لمجد الله.

"الربا": المكسب الذى يأتى من التجارة، ومعناه هنا كسب النفوس للمسيح بعمل الخير.



ع28-29: كان عقاب الله له هو تجريده أولا من إمكانياته، ثم وهبها للذى صار له العشر وزنات، مؤكدا أن كل من له أمانة ومحبة لله، يُعْطَى من الله مواهب متزايدة. وأما من ليس له محبة لله وللآخرين وغير أمين، فإن الله ينزع عنه عطاياه لأنه لا يستحقها.



ع30: يعاقَب العبد البطال (الشرير) بإلقائه فى العذاب الأبدى، المعبَّر عنه بالظلمة الخارجية بعيدا عن الله، هناك يكون الحزن الشديد والألم العنيف الذى يُرمَز إليه بالبكاء وصرير الأسنان.

كن أمينا فى استغلال إمكانياتك فتزداد بركات الله عليك، ولا تهمل أية نعمة أو وقت متاح لديك (وزنة)، لئلا يحرمك الله من ميراثك الأبدى.



(3) مجىء المسيح وعمل الرحمة (ع 31-46):

31- "ومتى جاء ابن الإنسان فى مجده وجميع الملائكة القديسين معه، فحينئذ يجلس على كُرْسِىِّ مجده. 32- ويجتمع أمامه جميع الشعوب، فيميز بعضهم من بعض كما يميز الراعى الخراف من الجداء. 33- فيقيم الخراف عن يمينه، والجداء عن اليسار. 34- ثم يقول الملك للذين عن يمينه: تعالوا يا مباركى أبى، رِثُوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم. 35- لأنى جعت فأطعمتمونى، عطشت فسقيتمونى، كنت غريبا فآويتمونى. 36- عريانا فكسوتمونى، مريضا فزرتمونى، محبوسا فأتيتم إلىَّ. 37- فيجيبه الأبرار حينئذ قائلين: يا رب، متى رأيناك جائعا فأطعمناك، أو عطشانا فسقيناك. 38- ومتى رأيناك غريبا فآويناك، أو عريانا فكسوناك. 39- ومتى رأيناك مريضا أو محبوسا فأتينا إليك؟ 40- فيجيب الملك ويقول لهم: الحق أقول لكم، بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتى هؤلاء الأصاغر، فبى فعلتم. 41- ثم يقول أيضا للذين عن اليسار: اذهبوا عنى يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته. 42- لأنى جعت فلم تطعمونى، عطشت فلم تسقونى. 43- كنت غريبا فلم تأوونى، عريانا فلم تكسونى، مريضا ومحبوسا فلم تزورونى. 44- حينئذ يجيبونه هم أيضا قائلين: يا رب، متى رأيناك جائعا أو عطشانا أو غريبا أو عريانا أو مريضا أو محبوسا، ولم نخدمك؟ 45- فيجيبهم قائلا: الحق أقول لكم، بما أنكم لم تفعلوه بأحد هؤلاء الأصاغر، فبى لم تفعلوا. 46- فيمضى هؤلاء إلى عذاب أبدى، والأبرار إلى حياة أبدية."



ع31-33: بعد أن تحدث المسيح عن مجيئه الثانى بطريقة رمزية كعريس للنفس أو كسيد لعبيده، يتحدث هنا بوضوح عن يوم الدينونة الذى يأتى فيه ديّانا بمجد عظيم، مختلفا عن صورة الضعف التى عاش فيها بالجسد على الأرض منذ وُلد فى المذود حتى صُلب على الصليب. وسيأتى مع ملائكته ويجلس على كُرْسِىِّ مجده، أى عرشه، ليدين العالم كله عن أفعالهم فى كل مكان وزمان، فيفرز البشر بواسطة ملائكته إلى أبرار يقيمهم عن يمينه، فاليمين يرمز للبركة والقوة، أما الأشرار فيقيمهم عن يساره دليل الخزى والعار.

وسيكون التمييز سهلا جدا على الله، كما يميّز الراعى الغنم التى يرعاها خراف أم جداء. والخراف أكثر طاعة ومسالمة وخضوعا للراعى عن الجداء.

وواضح من كلام المسيح أنه يوجد فى النهاية فريقان فقط، وهما الأبرار والأشرار، ويسميهم الحكيمات والجاهلات أو العبيد الأمناء والغير أمناء، وهنا يسميهم الخراف والجداء. ولا يوجد مكان ثالث، كما يدعى البعض، لتعذيب ومعاقبة الأشرار مؤقتا ثم ضمهم إلى الأبرار.



ع34: يصف المسيح الملك المؤمنين بأنهم مباركون، وأنهم أولاد الله أبوه وأبوهم، أى يعلن شركته معهم فى الحب، وأنه بكر بين إخوة كثيرين، فيدعوهم مباركين من أبيه، ويرحب بهم ليرثوا ملكوته الذى أعده لهم قبل أن يُخلَقوا ليتمتعوا معه فيه إلى الأبد.



ع35: يعدد المسيح أعمال الرحمة التى قام بها الأبرار، واستحقوا من أجلها ميراث ملكوت السموات، ناسبا عمل الرحمة إلى نفسه، فيذكر إطعامهم للجياع والعطاش ماديا أو روحيا، واهتمامهم بالغرباء فيستضيفونهم، وهذا الاهتمام ليس فقط يسد احتياجاتهم، ولكن يطمئنهم نفسيا لمواصلة الحياة فى المكان الجديد.

إن قابلت شخصا غريبا فى أى مكان فرحّب به وأشعره بالألفة، وافتح الطريق للكل حتى يشبعوا بالمسيح طعامنا الحقيقى.



ع36: يذكر أيضا كسوة العريانين سواء للملابس أو لبر المسيح بالسلوك فى الفضيلة. أما فى المرض، فيشعر الإنسان بضعفه، ويتأثر بمحبة من يسألون عنه، وتكون فرصة مناسبة أن نحدثه عن الله.

ومن أصعب الحالات أيضا المحبوسون فى السجن، فاقدو حريتهم والذهاب إلى أحبائهم، فعندما يأتى إليهم الأحباء يفرحون جدا، فنقدم لهم المسيح الذى لا يتركهم أبدا، حتى لو كانوا بعيدين عن الناس فى السجن.

ع37-40: يوضح المسيح كيف يكون عمل الرحمة موجه له شخصيا، فيقيم حوارا لطيفا بين الأبرار وبينه، فيسألونه باتضاع، متى رأيناك يا رب فى جوع أو عطش أو مرض... إلخ، لأنهم يشعرون أنهم غير مستحقين لهذا المديح. فيجيبهم أن كل ما فعلوه من أعمال رحمة مع الضعفاء الفقراء أو المرضى أو المحبوسين، هو مقدم له شخصيا. وهذا تقدير إلهى عظيم لعمل الرحمة، بل إعلان أنه قمة المحبة وسبيلنا لميراث الملكوت.

"الأصاغر": أى المحتاجين والضعفاء.



ع41: ينادى المسيح الأشرار الذين عن يساره، ويصفهم أنهم مستحقون اللعنة الإلهية والعذاب الأبدى، مع أنه كان ينبغى أن يكونوا فى الملكوت الذى أعده لهم، ولكنهم رفضوا التجاوب مع محبته. فيلقيهم الآن بعيدا عنه، ويحرمهم من محبته التى رفضوها، ويكونون إلى الأبد فى عذاب النار التى أعدها لإبليس وملائكته الساقطين، وهم الشياطين، أى يصبحون الآن كالشياطين لأنهم رفضوا محبة الله.



ع42-43: يعلن المسيح سبب ذهابهم للعذاب الأبدى، وهو أنانيتهم، ورفضهم الإحساس بالآخرين ومساعدتهم فى احتياجاتهم المختلفة.



ع44-45: يتساءل الأشرار متى رأوا الله محتاجا ولم يعطوه، فيعلن لهم أنه كان فى شكل المحتاجين والصغار فى مكانتهم وقدراتهم، ورفضوا هم تقديم الرحمة لهم.



ع46: يؤكد المسيح أن يوم الدينونة هو النهاية، إذ يدوم الأبرار فى التمتع بالملكوت الأبدى، أما الأشرار فيتعذبون إلى الأبد أيضا.

إنها فرصتك الآن للتوبة والإحساس بالآخرين وعمل الرحمة مع كل من حولك وكل من تقابله، قبل أن يأتى يوم الدينونة الرهيب.
 
إنضم
19 يونيو 2021
المشاركات
47
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الإقامة
اعيش هنا: https://fliphtml5.com/homepage/odddi
الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد : إنجيل متي - ف 26

الأَصْحَاحُ السَّادِسُ وَالعِشْرُونَ

الفصح i العشاء الرّبّانى i القبض على المسيح ومحاكمته



(1) الفصح والصليب (ع 1-2):

1- ولما أكمل يسوع هذه الأقوال كلها قال لتلاميذه: 2- "تعلمون إنه بعد يومين يكون الفصح، وابن الإنسان يُسَلَّمُ ليصلب."



"هذه الأقوال": وهى حديثه وإجابته على تلاميذه عند جبل الزيتون، حيث أعلن علامات خراب أورشليم ونهاية العالم. ثم كلامه عن الاستعداد والأمانة وعمل الرحمة، وهو المذكور فى ص 24 و25.

"بعد يومين": لأن هذا الكلام كان فى يوم الثلاثاء ليلا، أى ليلة الأربعاء، فبعد يومين، أى يوم الجمعة، عيد الفصح.

"الفصح": معناه عبور، وهو أعظم أعياد اليهود، بدأ فى مصر عندما ذبح كل رب أسرة خروف ولطّخ بابه بالدم، فعبر الملاك المهلك عنهم وقتل أبكار المصريين، فسمحوا لهم بالخروج من مصر وتحرروا من عبوديتهم (خر 12).

بعد أن أعد المسيح قلوب تلاميذه لقبول آلامه وموته من أجلهم، ثم قيامته ليقيمهم من خطاياهم، وبعد أن دخل أورشليم وتحدث عن الاستعداد للأبدية، ينبههم إلى اقتراب الفصح بعد يومين بالتحديد. وذبْح هذا الخروف كان مرتبطا بتحررهم من عبودية مصر، ولكنه فى الحقيقة كان رمزا لموت المسيح على الصليب ليحرر العالم من عبودية الخطية، لذا قال لهم أنه قد جاء الوقت ليُصلَب ويموت من أجلهم.

ويبدو أن الأمر كان صعبا على استيعابهم، فلم يدركوا أنه سيتم فعلا بعد يومين، وكان هذا بنعمة الله، حتى يحتملوا الساعات الصعبة المقبلة.

الله يريد أن يحميك من الشر إن تمسكت به وآمنت بقوته، فلا يستطيع إبليس أن يؤذيك، بل يحوّل الله كل الضيقات لمنفعتك ونموّك الروحى.

(2) التشاور للقبض على يسوع (ع 3-5):

3- حينئذ اجتمع رؤساء الكهنة والكتبة وشيوخ الشعب إلى دار رئيس الكهنة الذى يدعى قَيَافَا. 4- وتشاوروا لكى يمسكوا يسوع بمكر ويقتلوه. 5- ولكنهم قالوا ليس فى العيد، لئلا يكون شغب فى الشعب.



"رؤساء الكهنة": الرئيس الحالى والرؤساء السابقين، لأن الرومان كانوا يعزلون الرئيس ويقيمون غيره، بالإضافة إلى رؤساء فرق الكهنة الأربعة وعشرين.

"الكتبة": المسئولون عن نسخ الكتب المقدسة ومعرفتها وتعليمها للشعب.

"شيوخ الشعب": الرؤساء المعتبَرين أعضاء المجمع، وهو السنهدريم (ص 5: 21-22).

"دار رئيس الكهنة": اجتمع مجمع السنهدريم فى دار قَيَافَا رئيس الكهنة، حتى لا يشعر الشعب بسبب اجتماعهم إذا اجتمعوا فى الهيكل.

ازداد حقد قادة اليهود الدينيين المتمثلين فى رؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ المعتبَرين عندهم، لأن الجموع تبعته وتركتهم، منجذبين إلى كلامه ومعجزاته، فاجتمعوا فى دار رئيس الكهنة قَيَافَا، حتى يُعِدُّوا مؤامرة للتخلّص منه، واتفقت مشورتهم الشريرة على التحايل للقبض عليه بطريقة ماكرة، حتى لا يثيروا الشعب الذى يحبه، وقرروا أيضا ألا يكون هذا فى يوم عظيم مثل عيد الفصح، لأن تجمع الشعب قد يعطلهم عن إتمام مقاصدهم الشريرة. ولكنهم عدلوا عن فكرتهم هذه عندما أظهر لهم يهوذا الإسخريوطى استعداده لتسليمه لهم خفية، وكان هذا بسماح من الله حتى يتمَّم الفداء يوم عيد الفصح، لأنه كان رمزا له، ولكيما يشاهد ذلك الجموع الكثيرة المحتشدة من اليهود فى هذا العيد، والتى كانت تصل إلى ثلاثة ملايين، ليُنشَر خبر موت المسيح وقيامته، أى بشرى الخلاص.

إنك بخطاياك تسىء إلى المسيح وتسبب القبض عليه وصلبه، والكنيسة تذكرك بهذا فى صوم يوم الأربعاء من كل أسبوع، حتى تتوب وترفض الاشتراك مع هؤلاء الأشرار فى القبض على يسوع.



(3) ساكبة الطيب (ع 6-13):

6- وفيما كان يسوع فى بيت عَنْيَا، فى بيت سِمعان الأبرص. 7- تقدمت إليه امرأة معها قارورة طيب كثير الثمن، فسكبته على رأسه وهو متكئ. 8- فلما رأى تلاميذه ذلك اغتاظوا، قائلين: "لماذا هذا الإتلاف؟ 9- لأنه كان يمكن أن يباع هذا الطيب بكثير، وَيُعْطَى للفقراء." 10- فعلم يسوع وقال لهم: "لماذا تزعجون المرأة؟ فإنها قد عملت بى عملا حسنا. 11- لأن الفقراء معكم فى كل حين، وأما أنا فلست معكم فى كل حين. 12- فإنها، إذ سكبت هذا الطيب على جسدى، إنما فعلت ذلك لأجل تكفينى. 13- الحق أقول لكم، حيثما يُكْرَزْ بهذا الإنجيل فى كل العالم، يُخْبَرْ أيضا بما فعلته هذه تذكارا لها."



ع6-7: جاء المسيح إلى بيت عَنْيَا (ص 21: 17) للمرة الأخيرة فى حياته على الأرض، ودخل بيت رجل يسمى سِمعان، كان مشهورا ب"الأبرص"، لعل المسيح كان قد شفاه من بَرَصِهِ، فاهتم بطلب زيارته له فى بيته.

وجاءت امرأة تحب المسيح، وتريد التعبير عن حبها له، فاشترت زجاجة عطر غالى الثمن، وسكبته على رأسه، وهذه المرأة هى مريم أخت لعازر، كما ذكر يوحنا البشير (12: 3)، لأنها عُرفت بمحبتها للمسيح، وتسكن فى نفس القرية، وكانت حريصة على سماع كلامه. ولم يذكر متى ومرقس البشيران اسمها خوفا عليها من اضطهاد اليهود، أما يوحنا فقد كتب إنجيله بعد خراب أورشليم بزمن طويل، ولم يعد هناك خوف منهم.

أرادت هذه المرأة أن تعبّر عن حبها للمسيح، فهى تمثّل الكنيسة الشاكرة لمسيحها على عطاياه ومعجزاته ورعايته لها. وهى تعلن عن وجود مؤمنين قليلين امتلأت قلوبهم بالحب وسط أشرار كثيرين سينادون بعد أيام بصلبه.

"قارورة طيب": إناء صغير ثمين توضع فيه الأطياب الغالية، له رقبة طويلة تُسَدُّ فوهتها بمادة ثابتة، فلا يمكن فتحه إلا بكسر هذه الرقبة.

"على رأسه": كانت العادة سكب الطيب على الرأس إكراما للشخصيات المحبوبة وذات المقام الكبير، وقد ذكر مرقس أيضا ذلك (14: 3). أما يوحنا فقد ذكر أنها سكبته على قدميه دليلا على اتضاعها (ويُفهم ضمنا أنها سكبت جزءا منه على رأسه كالعادة المتبعة).

"متكئ": كانت العادة فى الولائم الجلوس على سرير وليس كرسى، والاستناد بالذراع الأيسر على المائدة، أما الرِّجلان فتمتدان على السرير وتتجه القدمان إلى الخلف، ويأكل بيده اليمنى وهو متكئ برأسه على يده اليسرى، وهذا يمكِّن مريم من الوصول إلى رأسه بسهولة.

وقد ذكر مرقس مثل متى هذه الحادثة دون الاهتمام بالترتيب الزمنى للأحداث، أما يوحنا فذكرها فى وقتها وهو قبل الفصح بستة أيام (12: 1)، أى قبل دخول المسيح أسبوع آلامه لخلاص البشرية التى ظهرت محبتها له فى شخص مريم، قبل احتمال الآلام من الجموع فى أورشليم. أما متى ومرقس فذكرا الحادثة قبل الفصح بيومين، حين تشاور يهوذا الإسخريوطى على تسليم المسيح لليهود، ليعلنا أنه إن كان التلميذ قد خان، فيوجد من البشر من يحب المسيح مثل مريم.

وهذه الحادثة مختلفة عن حادثة سكب المرأة الخاطئة للطيب أثناء كرازة المسيح فى الجليل، والتى تمت فى بيت شخص فرّيسىّ يدعى سِمعان أيضا، وذكرها القديس لوقا فى (7: 37-38).

انتهز اليوم فرصة لتقدم محبتك للمسيح فى صلوات وتسابيح، فقد تكون هذه آخر فرصة فى حياتك.



ع8-9: رأى التلاميذ وكل المجتمعين فى بيت سِمعان هذا الحب العظيم المقدم للمسيح، وبدلا من أن يشعروا بتقصيرهم فى تقديم المحبة له مثل مريم، أخذوا يلومونها. والحقيقة أن الذى أعلن هذا اللوم هو يهوذا الإسخريوطى وليس التلاميذ، لأن الصندوق كان معه وكان سارقا له (يو 12: 4-6)، وأثار بكلامه باقى التلاميذ وكذا المجتمعين فى البيت، فاعتبروا محبتها عدم حكمة، بل إتلاف، إذ الأجدر فى نظرهم أنه كان يمكن أن يباع هذا الطيب بكثير، وَيُعْطَى (ثمنه) للفقراء، وليس سكبه على المسيح.

وهكذا يغطون تقصيرهم فى تقديم المحبة بحجج تبدو منطقية، وهى الاهتمام بالفقراء، مع أن الغرض شرير، لأن يهوذا كان يريد أن يوضع المال فى الصندوق ليسرق منه جزءا كبيرا.

"كثير": يذكر مرقس (14: 5) ويوحنا (12: 5) الثمن، وهو يقدر بثلاثمائة دينارا، وهو مبلغ كبير جدا.

لا تلم من يقضون وقتا طويلا فى الصلاة، أو زيارة الأماكن المقدسة، أو فى قضاء خلوات روحية، بل على العكس، اقتدِ بهم، فهى رسالة لك حتى تقدم محبة مثلهم لله.



ع10-11: صمتت مريم، ولكن المسيح دافع عنها مؤكدا عظمة محبتها، ولم يرفض تقديم المحبة للفقراء كما علّمهم فى الأصحاح السابق، ولكن الفقراء موجودون دائما، أما هو، فقد أوشكت أيامه على الأرض أن تنتهى.

ونلاحظ رقة مشاعر المسيح، أنه، رغم علمه بشر يهوذا، وأن الدافع لكلامه هو محبة المال وليس محبة الفقراء، لم يلمه أو يعاتب الحاضرين، بل مدح مريم، وأيدهم فى تقديم المحبة للفقراء طوال عمرهم. وترك فرصة ليهوذا حتى يتوب ويخجل من شره الدفين، ولكنه، للأسف، لم يبالِ، وصمم على خيانة المسيح وبيعه لليهود.

ع12: ثم أضاف مدحا ثانيا للمرأة، وهو أن حبها هذا طيب مسكوب على جسده الذى سيموت على الصليب، فهو بمثابة عطور لتكفين الجسد، مؤكدا أهمية تقديم المحبة. وكانت العادة عند اليهود وضع الأطياب على أجساد المنتقلين، تكريما لهم، وما زالت هذه العادة عند شعوب كثيرة.



ع13: يضيف المسيح أن هذا الحب العظيم سيُكتب فى الإنجيل الذى يُبَشَّرُ به العالم كله، تعليما لكل أولاده عن أهمية تقديم الحب الخالص له كشكر وتجاوب مع محبته؛ وهذا يُظهر ألوهية المسيح الذى علم أن الإنجيل سينتشر فى العالم كله، وستُكتب فيه هذه الحادثة.

ثق أن محبتك التى تقدمها للمسيح ستٌعلَن أمام كل البشرية فى يوم الدينونة، وتظل معلنة إلى الأبد. فليكن هذا مشجعا على تقديم العبادة المستمرة لله، وصنع الرحمة مع كل محتاج مهما كلفك هذا من جهد ومال.



(4) خيانة يهوذا (ع 14-16):

14- حينئذ ذهب واحد من الاثنى عشر، الذى يدعى يهوذا الإسخريوطى، إلى رؤساء الكهنة. 15- وقال: "ماذا تريدون أن تعطونى، وأنا أسلمه إليكم؟" فجعلوا له ثلاثين من الفضة. 16- ومن ذلك الوقت، كان يطلب فرصة ليسلمه.



"رؤساء الكهنة": لعله مجمع السنهدريم المجتمع فى بيت رئيس الكهنة (ع3).

"ثلاثين من الفضة": أى ثلاثين شاقل فضة (تساوى 360 جراما)، وهو ثمن بخس لا وجه لمقارنته بما قدمته مريم فى الطيب المسكوب على رأس المسيح. وكان هذا المبلغ هو ثمن بيع العبد!!

كان يهوذا الإسخريوطى حاملا لصندوق المال الذى يُنفق منه على احتياجات المسيح وتلاميذه، وكان بعض المحبين يضعون تقدماتهم فيه، ولكنه للأسف كان سارقا للصندوق، أى كان محبا للمال، ولم تجذبه محبة المسيح وكل التعاليم والمعجزات التى شاهدها. وعندما خابت آماله فى أن يصير المسيح ملكا أرضيا، ويملك هو معه ويحقق أطماعه المادية، باع أغلى شخصية أمامه، وهى المسيح، ليقتنى المال الذى صار عبدا له، وانتهز فرصة شر رؤساء اليهود ومحاولتهم التخلص منه، فذهب إليهم معلنا استعداده أن يسلمه لهم مقابل مقدار من المال، ففرحوا جدا، إذ يستطيعون بهذا القبض عليه بحيلة، ولا يحدث شغب فى الشعب. فعرضوا عليه ثمنا ضئيلا جدا، وهو ثلاثين من الفضة، فقبله لأنه محب للمال، فهو أغلى شىء فى نظره.

عجيب أن المرأة تحب المسيح وتسكب الطيب عليه، أما التلميذ فيتذمر، بل يتطاول ويبيعه بثمن عبد!! فلا تنزعج إذا خانك إنسان، فقد فعلوا هكذا بسيدك يسوع المسيح. فاحتمل من أجله، وهو يسندك ويعوضك، وصَلِّ لأجل الخائن لعله يتوب.



(5) تقديم الفصح (ع 17-25):

17- وفى أول أيام الفطير، تقدم التلاميذ إلى يسوع قائلين له: "أين تريد أن نعد لك لتأكل الفصح؟" 18- فقال: "اذهبوا إلى المدينة، إلى فلان وقولوا له، المعلم يقول إن وقتى قريب، عندك أصنع الفصح مع تلاميذى." 19- ففعل التلاميذ كما أمرهم يسوع، وأعدوا الفصح. 20- ولما كان المساء، اتكأ مع الاثنى عشر. 21- وفيما هم يأكلون قال: "الحق أقول لكم، إن واحدا منكم يسلمنى." 22- فحزنوا جدا، وابتدأ كل واحد منهم يقول له: "هل أنا هو يا رب؟" 23- فأجاب وقال: "الذى يغمس يده معى فى الصَّحْفَةِ هو يسلمنى. 24- إن ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه. ولكن، ويل لذلك الرجل الذى به يُسَلَّمُ ابن الإنسان، كان خيرا لذلك الرجل لو لم يولد." 25- فأجاب يهوذا مسلمه وقال: "هل أنا هو يا سيدى؟" قال له: "أنت قلت."



ع17-19: "أول أيام الفطير": "أول" حسب الترجمة اليونانية "بروتو" أى قبل، وهى نفس الكلمة المذكورة فى (يو 1: 15)، عندما تكلم يوحنا المعمدان عن المسيح أنه كان قبله. ومعنى هذا أن المسيح عمل الفصح قبل الفصح اليهودى بيوم، والذى يسمى "عيد الفصح" أو "عيد الفطير"، لأنه يؤكل مع الفصح فطير بحسب الشريعة (خر 12: 8 و11). وفى نفس وقت تقديم اليهود فصحهم، كان المسيح يُصلب، لأنه هو الفصح الحقيقى المرموز إليه بالخروف المذبوح الذى يقدمه اليهود.

اقترب عيد الفصح، وكان كل يهودى يعمل الفصح داخل بيته مع أسرته. ولكن، واضح من سؤال التلاميذ للمسيح عن المكان الذى يختاره ليعمل الفصح فيه، أنه لم يكن له بيت خاص.

وقدم المسيح مفهوما جديدا للأسرة، ليس فقط المرتبطة جسديا، ولكن المرتبطة روحيا. فاجتمع الاثنا عشر ومعهم المسيح، رب الأسرة، أو رأس الجسد الذى هو الكنيسة. فقد أرسلهم إلى شخص معيّن، يقول التقليد إنه مرقس الرسول، حيث عمل الفصح فى بيته، فأعد أهل البيت الفصح مع التلاميذ بحسب الشريعة اليهودية، وهو رمز للمسيح المصلوب الذى سيقدم نفسه عن العالم كله فى اليوم التالى، أى الجمعة العظيمة.

"وقتى قريب": أى اقترب من وقت آلامه وصلبه الذى سيتم بعد يوم.

"أعدوا الفصح": الخروف المذبوح والأعشاب المرة، والأطباق وكؤوس الخمر... إلخ مما يلزم الفصح حسب الشريعة.



ع20-21: "المساء": من الساعة الثالثة إلى الخامسة مساءً، وهو ميعاد أكل الفصح حسب الشريعة (خر 12: 6).

فيما كان المسيح يأكل الفصح مع تلاميذه، وبينهم يهوذا الإسخريوطى الخائن الذى سيسلمه لليهود، كان يسوع يحمل قلب الأب نحوه، مهتما بخلاصه، وبرفق قال لتلاميذه أن أحدهم سيسلمه لليهود، ولم يذكر اسمه لعل قلبه ينخسه ويتوب.

وقد حدثت يوم الخميس مجموعة أحداث، وهى:

(1) إعداد الفصح.

(2) خلاف بين التلاميذ حول من هو الأعظم فيهم (لو 22: 24).

(3) أكل الفصح.

(4) غسل أرجل التلاميذ أثناء أكل الفصح.

(5) إعلان المسيح أن أحد تلاميذه سيسلمه.

(6) العشاء الربانى وتأسيس سر الأفخارستيا.

(7) المسيح يخبر تلاميذه أنهم سيتركوه وبطرس سينكره.

(8) خطاب المسيح الوداعى وصلاته المذكوران فى (يو 14 – 17).

(9) الترنم والخروج من المدينة.

(10) صلاة المسيح فى جَثْسَيْمَانِى.

(11) القبض على المسيح.

إن الله يرسل لك تنبيهات ورسائل كثيرة برفق، لعلك تتوب. فلا تهمل محبته الرقيقة، فتخسر حياتك بعيدا عنه مثل يهوذا.



ع22-23: تأثر التلاميذ بخبر أن أحدهم سيخونه، وحتى لا يتركهم المسيح يتشككون فى أنفسهم، أعطى علامة لمن سيسلمه، وحتى ينبّه يهوذا مرة ثانية لعله يتوب. وكانت العلامة أن يمد الخائن يده فى الصَّحْفَةِ التى يأكل فيها المسيح ويأكل منها. ولكن، للأسف، لم ينتبه يهوذا وأكل من الطبق. ومن حزن التلاميذ، لم ينتبهوا لهذه العلامة، فلم يكلموا يهوذا.

وكان من عادة اليهود أن رئيس المتكأ يقدم اللقمة للشخص العظيم الجالس على المائدة، فهكذا كانت العلامة إكراما ومحبة ليهوذا مقدمة من المسيح، لعلها تخجله وتنخس قلبه فيتوب عن شره، فقد مد يهوذا يده فى طبق المسيح، فمد المسيح يده وأعطاه اللقمة.

وواضح أن اللقمة من طعام الفصح، وبعدها خرج يهوذا ولم يأكل من العشاء الربانى.



ع24: نبّه المسيح يهوذا للمرة الثالثة، معلنا الويل لهذا الخائن، فعذابه الأبدى سيكون شديدا، بل يا ليته لم يولد، حتى لا يصنع هذه الخيانة العظيمة. وقد أوضح المسيح أنه ينبغى أن يسَلّم لليهود ويموت بإرادته بواسطة أحد أحبائه الذى يخونه (مز 41: 9)، حتى يطمئن تلاميذه أنه يفعل هذا لخلاصهم وخلاص البشرية كلها، ولكنه هنا فقط ينبّه يهوذا ويعطيه فرصة للتوبة ومراجعة نفسه.



ع25: تجاسر يهوذا (ليس عن توبة بل عن رياء) وسأل المسيح: "هل أنا هو (الذى يسلمك) يا سيدى؟" فرد عليه المسيح، كتنبيه رابع له: "أنت قلت." وهو تعبير يهودى معناه الموافقة. ولم ينتبه يهوذا، لأن محبة المال كانت قد أعمت عينيه، وكذا لم ينتبه ويفهم التلاميذ، لدهشتهم أن يكون أحدهم هو مسلّمه، ولانغماسهم فى الحزن على ما سيتم لمعلمهم.

أسرع اليوم للتوبة والاعتراف ما دام لك فرصة، قبل أن يأتى يوم تفقد فيه إحساسك بالتوبة مهما كانت التحذيرات الإلهية لك.



(6) سر الشكر (ع 26-30):

26- وفيما هم يأكلون، أخذ يسوع الخبز، وبارك وكَسَّرَ، وأعطى التلاميذ، وقال: "خذوا، كلوا، هذا هو جسدى." 27- وأخذ الكأس، وشكر، وأعطاهم قائلا: "اشربوا منها كلكم. 28- لأن هذا هو دمى الذى للعهد الجديد، الذى يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا. 29- وأقول لكم، إنى من الآن لا أشرب من نتاج الكرمة هذا، إلى ذلك اليوم، حينما أشربه معكم جديدا فى ملكوت أبى." 30- ثم سبحوا وخرجوا إلى جبل الزيتون.

ع26-28: بعد أن انتهى المسيح من أكل الفصح مع تلاميذه، أسس سر الشكر، أى أعطاهم جسده ودمه الأقدسين، فأخذ خبزا وباركه وحوّله إلى جسده، وأعطاهم ليأكلوا، معلنا أن هذا هو جسده الحقيقى. وكذلك الكأس أيضا، حوّل الخمر التى فيها إلى دمه، معلنا أنه سيُسفَك من أجل البشرية كلها على الصليب.

وهكذا أعطى كنيسته أعظم الأسرار، وهو سر التناول، لنتحد به على مر الأزمنة، فلا نرى فقط المسيح كما رآه أهل زمانه، بل نلمسه ويدخل فينا، ويتحد بنا فيحيا فينا ونحن فيه، ونتحد أيضا مع بعضنا البعض بتناول كل واحد من جسده ودمه، فنصير كلنا أعضاء فى جسده الذى هو الكنيسة.

"فيما هم يأكلون": أى بعد انتهائهم من أكل الفصح مباشرة، أسس سر الأفخارستيا (الشكر)، لأن الفصح رمز له.

"الخبز": وهو خبز مختمر، لأننا قبل الفصح بيوم. ولذا فالكنيسة تقدم على المذبح خبزا مختمرا وليس فطيرا، لأن المسيح حمل خطايانا التى يشير إليها الخمير، ومات على الصليب، فمحا عنا كل عقاب.

"التلاميذ": يمثلون كنيسة العهد الجديد كلها، ولذا ففى طقس القداس، يقسم الكاهن جسد المسيح إلى 12 جزءا يمثلون الاثنى عشر تلميذا حول الجزء الأوسط المسمى الجزء السيدى، أى الأسباديكون، أى المسيح وسط شعبه، أو المسيح رأس الكنيسة.

"دمى": الذى ترمز إليه دماء الحيوانات فى العهد القديم، وبدون سفك دم لا تحصل مغفرة (عب 9: 22).

"العهد الجديد": كان الدم يستخدم قديما لتثبيت العهود بسفك دم الحيوانات، كما حدث مع إبراهيم (تك 15: 9-19).

"كثيرين": إعلان أن فداء المسيح للعالم كله، وكل من يؤمن به ويتناول من هذا الدم، ينال الخلاص من خطاياه.

"مغفرة الخطايا": تأكيد أن سر الشكر يغفر الخطايا، مشتركا بهذا مع سر التوبة والاعتراف.



ع29: يعلن المسيح حقيقة جديدة لتلاميذه ولكل المؤمنين به، وهو أنه لن يعمل سر الشكر ثانية على الأرض، أى لن يحوّل نتاج الكرمة، وهو الخمر، إلى دمه، حتى يشربه مع أولاده فى الملكوت الأبدى، ولكن بشكل جديد يناسب وجودهم فى الروح، أى يمتد حبنا واتحادنا ونمونا فى معرفة المسيح بالملكوت الأبدى، ليس بتناول خبز وخمر يتحولان إلى جسده ودمه، ولكن نتحد به بطريقة روحية تناسب حالتنا الروحية فى السماء.

"اليوم": يوم اجتماعى معكم فى الملكوت الأبدى.

ع30: "سبحوا": كان اليهود معتادين أن يسبحوا بالمزمورين 115 و116 فى نهاية أكلهم الفصح. وبعد تسبيحهم، حدثهم المسيح حديثا طويلا، ثم صلى صلاته الشفاعية (يو 14-17).

قدموا صلوات وتسابيح تليق بسر الشكر، كما يحدث فى القداس الإلهى أثناء توزيع الأسرار المقدسة، وخرج معهم إلى جبل الزيتون المجاور لأورشليم، حيث اعتاد أن يقضى معهم فترات خلوة هادئة، وذلك ليودعهم الوداع الأخير قبل أن يموت.

لم يكتف المسيح بعظات وتوصيات لك، بل يعطيك القوة لتنفيذها، وهى جسده ودمه اللذان تتناولهما ويتحدان بك، فيعملا فيك لتنفيذ كلامه، فتصير أصعب الوصايا سهلة بقوته.

فاحرص على التناول بمداومة من الأسرار المقدسة، لأنها أكبر قوة فى العالم تحفظك من حروب إبليس وتنميك فى معرفة الله كل يوم.



(7) التلاميذ يشكّون فى المسيح (ع 31-35):

31- حينئذ قال لهم يسوع: "كلكم تشكّون فىَّ فى هذه الليلة، لأنه مكتوب أنى أضرب الراعى، فتتبدد خراف الرعية. 32- ولكن بعد قيامى، أسبقكم إلى الجليل." 33- فأجاب بطرس وقال له: "وإن شك فيك الجميع، فأنا لا أشك أبدا." 34- قال له يسوع: "الحق أقول لك، إنك فى هذه الليلة، قبل أن يصيح ديك، تنكرنى ثلاث مرات." 35- قال له بطرس: "ولو اضطررت أن أموت معك، لا أنكرك." هكذا قال أيضا جميع التلاميذ.



ع31: فيما كان المسيح سائرا مع تلاميذه إلى جبل الزيتون، أخبرهم بحقيقة مُرّة، وهى شكهم فيه أنه هو المسيح المخلّص، إذ كانوا ما زالوا يفكرون فيه كملك أرضى، فعندما يروه يُقبَض عليه، يشكون فيه. وهذا إتمام لنبوات العهد القديم، أن يضرب الشيطان الراعى بالقبض عليه وصلبه، فتتبدد رعيته (زك 13: 7).

ولكن، إذ ضرب الشيطان المسيح بصلبه، حوّل المسيح هذه الضربة على الشيطان فقيده بصليبه، وجمع كل أولاده ليخلّصهم ويفديهم.

"الراعى": هو المسيح.

"الرعية": هم تلاميذ المسيح.



ع32: رغم الحقيقة المُرّة، وهى شك تلاميذ المسيح المقرّبين إليه فيه، فهو سيتمم خلاصهم على الصليب، ويموت، ويقوم من الأموات، ويظهر لهم فى الجليل حيث تعوّد أن يسير معهم فى الحقول من مدينة إلى أخرى. فهو يشجعهم مرة أخرى بأنه سيقوم، ولكنهم للأسف لم يستوعبوا كلامه؛ وكرر المسيح أنه سيظهر لهم فى الجليل عند ظهوره بعد قيامته للمجدلية (ص 28: 7،10).

الله الحنون يحبك رغم ضعف إيمانك، ويشجعك بكلامه وعطاياه. فاثبت أثناء الضيقة، واثقا أنه سيسندك ويظهر فى حياتك واضحا.



ع33-34: اندفع بطرس بعاطفة بشرية، يعلن إيمانه بالمسيح وثباته فيه مهما كانت الظروف، وحتى لو شك فيه الجميع. فأوضح له المسيح أنه، لضعفه، لن يحتمل مواجهة الموقف الصعب، وهو القبض عليه لقتله. وحينئذ، أى فى هذه الليلة، قبل أن يصيح ديك، سينكره، ليس فقط مرة واحدة، بل ثلاث مرات، تأكيدا لضعفه البشرى.

فكلام بطرس يُظهر محبته للمسيح، ولكن، فى نفس الوقت، يُظهر خطأه فى الاندفاع والكبرياء بشعوره أنه أفضل من غيره فى ثبات إيمانه.



ع35: أكد بطرس تمسكه بالمسيح ولو إلى الموت، وكذلك أيضا جميع التلاميذ. ولم يجيبهم المسيح، حتى يتبيّنوا بأنفسهم مدى ضعفهم، إذ ساعة الضيقة، عند القبض عليه، هرب الكل وتركوه (ع56).

اطلب معونة الروح القدس فتسندك وقت الضيقة حتى تتمسك بإيمانك، فصعب عليك أن تواجه الضيقة وحدك.



(8) الصلاة فى جَثْسَيْمَانِى (ع 36-46):

36- حينئذ، جاء معهم يسوع إلى ضيعة يقال لها جَثْسَيْمَانِى، فقال للتلاميذ: "اجلسوا ههنا، حتى أمضى وأصَلّى هناك." 37- ثم أخذ معه بطرس وابنى زَبَْدِى، وابتدأ يحزن ويكتئب. 38- فقال لهم: "نفسى حزينة جدا حتى الموت، اُمكثوا ههنا واسهروا معى." 39- ثم تقدم قليلا، وَخَرَّ على وجهه، وكان يصَلّى قائلا: "يا أبتاه، إن أمكن، فَلْتَعْبُرْ عنى هذه الكأس. ولكن، ليس كما أريد أنا، بل كما تريد أنت." 40- ثم جاء إلى التلاميذ، فوجدهم نياما، فقال لبطرس: "أهكذا ما قدرتم أن تسهروا معى ساعة واحدة؟ 41- اسهروا وصَلّوا لئلا تدخلوا فى تجربة. أما الروح فنشيط، وأما الجسد فضعيف." 42- فمضى أيضا ثانية، وصَلّى قائلا: "يا أبتاه، إن لم يمكن أن تَعْبُرَ عنى هذه الكأس إلا أن أشربها، فلتكن مشيئتك." 43- ثم جاء فوجدهم أيضا نياما، إذ كانت أعينهم ثقيلة. 44- فتركهم، ومضى أيضا وصَلّى ثالثة، قائلا ذلك الكلام بعينه. 45- ثم جاء إلى تلاميذه، وقال لهم: "ناموا الآن واستريحوا، هوذا الساعة قد اقتربت، وابن الإنسان يسلم إلى أيدى الخطاة. 46- قوموا ننطلق، هوذا الذى يسلمنى قد اقترب."

ع36-38: "ضيعة": حقل أو مكان فيه زراعات، ويبدو أن صاحبها كان يعرف المسيح، فاعتاد أن يذهب هناك مع تلاميذه.

"ههنا": غالبا عند مدخل البستان.

"تلاميذه": يقصد الثمانية تلاميذ، لأن يهوذا قد تركهم. والثلاثة، أى بطرس ويعقوب ويوحنا، سيدخلون معه فى البستان.

"حتى الموت": شدة الحزن يمكن أن تؤدى إلى الموت، فهو يعبّر عن صعوبة الأحزان التى يشعر بها.

وصل المسيح مع تلاميذه إلى جبل الزيتون فى بستان، يبدو أنه قد تعوّد أن يختلى معهم فيه، ويسمى بستان جَثْسَيْمَانِى، ومعناه "معصرة الزيت"، وهو قريب من أورشليم، وترك تلاميذه ليختلوا أو يصلّوا، وتقدم معه الثلاثة المقربون، بطرس ويعقوب ويوحنا ابنى زَبَْدِى، ليصلّوا على انفراد، فقد كان لهؤلاء الثلاثة قامة روحية، فيستطيع أن يكشف لهم ما فى نفسه، فقال لهم: "نفسى حزينة جدا حتى الموت."

وهذا الحزن كان لأنه، البار ، سيحمل خطايا العالم كله، فكيف يتفق البر مع الخطية؟! كم هو مؤلم للنفس والروح، بالإضافة لحزنه على اليهود الذين سيرفضونه، ويصلبونه، وهو يطلب خلاصهم.

وطلب من تلاميذه الثلاثة أن يصلّوا، بل يستمروا فى الصلاة بسهر ويقظة.

تأثر التلاميذ، وإن كانوا لم يفهموا بالضبط كل أبعاد هذا الحزن، لأن الروح القدس لم يكن قد حلّ عليهم بعد ليفهموا الخلاص المقدَّم لهم.

هذا يؤكد ناسوت المسيح، إذ احتاج نفسيا لأصدقائه المقرّبين، وهم التلاميذ، أن يصلّوا معه فى البستان، والثلاثة تلاميذ على وجه الخصوص يكونون أقرب إليه فى عمق البستان.



ع39: بعد ذلك، ترك التلاميذ الثلاثة وتقدَّم وحده ليصلّى، وقد ابتعد عن تلاميذه حتى لا يزعجهم إذا رأوا شدة حزنه. وكان يشعر بصعوبة كأس الآلام، ليس فقط الجسدية فى الصلب والموت، بل بالأحرى النفسية عندما يتركه الجميع، والأكثر منها الروحية بحمله خطايا العالم وهو البار القدّوس. وهذا تأكيد لناسوته الذى يتألم جسديا ونفسيا، ولكى يُظهر مدى طاعته وخضوعه لإرادة اللاهوت الذى فيه، فيتحدث مع الآب قائلا لتكن لا إرادتى بل إرادتك.

"خَرَّ على وجهه": وهنا، يعلمنا طقس الصلاة والمطانيات، أى السجود والتذلل أمام الله فى الضيقات، ليسندنا بنعمته.

"أبتاه": إعلان عن أهمية الشعور بأبوة الله فى الصلاة، حتى تسندنا فى ضيقاتنا.

"الكأس": الآلام التى سيقابلها.

من حقك أن تصرخ نحو الله فى كل ضيقاتك، وتطلب ما تحتاجه، ولكن تلحقها سريعا بصلاة "لتكن مشيئتك"، فتُسلّم حياتك له، وتتركه، وهو الآب الحنون، يختار لك ما يناسبك، ويسندك فى ضيقاتك.



ع40-41: "التلاميذ": أى الثلاثة، بطرس ويعقوب ويوحنا.

"ساعة واحدة": فترة قصيرة، وليس بالتحديد ساعة زمنية.

بعد أن صلّى وحده، عاد إلى تلاميذه الثلاثة، فوجدهم نياما من التعب والحزن، فأيقظهم ليصلّوا بعد أن عاتبهم برفق لنومهم، موجها كلامه لبطرس: "أهكذا ما قدرتم أن تسهروا معى ساعة واحدة؟"

وأعلن أهمية الصلاة مع اليقظة الروحية، حتى لا يسقطنا إبليس فى تجارب وخطايا. وأكّد أيضا أن الروح، إذا كان نشيطا ويهتم بالصلاة، يمكن أن يسند الجسد الضعيف المائل للكسل والراحة. فهو، برفق، يشجعهم أن أرواحهم يمكن أن تكون نشيطة، فتسند جسدهم الضعيف من التعب والحزن.

أكمل صلواتك وقراءاتك ليلا مهما كنت مرهقا، فالله يفرح بمحبتك مهما كان تركيزك فيها ضعيفا.



ع42-44: عاد المسيح ليصلّى وحده بنفس الكلام، ورجع إلى تلاميذه فوجدهم نياما مرة ثانية. وهذا يؤكد أنهم فى ساعة الضيقة لم يستطيعوا الوقوف معه؛ وكم زاد هذا من أحزانه. ولكنه لم يكِلّ، بل ذهب للمرة الثالثة يصلّى بنفس المعنى.

ثابر فى صلواتك وعلاقتك بالله، وتمسك بمبادئك مهما تخلى عنك من حولك أو حتى قاوموك، فالمسيح يعلمك أهمية اللجاجة فى الصلاة، خاصة فى وقت الضيقات.



ع45-46: عندما عاد إليهم، عاتبهم باستنكار للمرة الثالثة، ليس فقط الثلاثة، بل كل التلاميذ، قائلا: "ناموا الآن واستريحوا." فبدأوا ينتبهون؛ حينئذ قال لهم أن ساعة القبض عليه وبداية دخوله فى آلام الصلب قد أتت، وناداهم للاستيقاظ بسرعة، لأن يهوذا الذى سيسلمه لليهود قد اقترب مع جند الهيكل للقبض عليه.

يلاحظ: أن جند الهيكل هؤلاء كانوا من اليهود وليسوا من الرومان، فهم شعبة من الحراس عينهم الكهنة للمحافظة على نظام الهيكل، إذ لم يكن مسموحا فى الشريعة بدخول الجند الرومان للهيكل حتى لا يتنجس.



(9) القبض على المسيح (ع 47-56):

47- وفيما هو يتكلم، إذا يهوذا، أحد الاثنى عشر، قد جاء ومعه جمع كثير بسيوف وَعِصِىٍّ من عند رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب. 48- والذى أسلمه، أعطاهم علامة قائلا: "الذى أقبّله هو هو، أمسِكوه." 49- فللوقت، تقدم إلى يسوع وقال: "السلام يا سيدى." وقبّله. 50- فقال له يسوع: "يا صاحب، لماذا جئت؟" حينئذ، تقدموا وألقوا الأيادى على يسوع وأمسَكوه. 51- وإذا واحد من الذين مع يسوع، مد يده واستل سيفه، وضرب عبد رئيس الكهنة، فقطع أذنه. 52- فقال له يسوع: "رد سيفك إلى مكانه. لأن كل الذين يأخذون السيف، بالسيف يهلِكون. 53- أتظن أنى لا أستطيع الآن أن أطلب إلى أبى، فيقدم لى أكثر من اثنى عشر جيشا من الملائكة. 54- فكيف تكمل الكتب إنه هكذا ينبغى أن يكون؟" 55- فى تلك الساعة، قال يسوع للجموع: "كأنه على لص خرجتم بسيوف وعصى لتأخذونى. كل يوم كنت أجلس معكم أعلم فى الهيكل، ولم تمسكونى. 56- وأما هذا كله فقد كان، لكى تكمل كتب الأنبياء." حينئذ، تركه التلاميذ كلهم وهربوا.



ع47-49: "أحد الاثنى عشر": إظهارا لخيانته، إذ هو من المقرّبين، فكيف يخون سيده؟!

"جمع": يشمل جند الهيكل اليهود وجند الرومان المكلفين بحراسة الهيكل من الخارج، وجند رئيس الكهنة، وبعض التابعين للكهنة الذين يقاومون المسيح.

"كثير": حضر عدد كبير لضمان القبض على المسيح، لئلا يقاوم تلاميذه ومحبوه ذلك.

"شيوخ الشعب": بعض أعضاء مجلس السنهدريم.

"قبّله": استخدم يهوذا تعبير المحبة وهو القبلة برياء، ليتمم خيانته بالقبض على المسيح.

فيما كان المسيح يوقظ تلاميذه، أقبل تلميذه يهوذا الإسخريوطى ومعه عدد كبير من الجنود مسلحين بسيوف وَعِصِىٍّ، وأعطى السلام للمسيح وقبّله، وكانت هذه هى العلامة المتفق عليها، أى القبض على من يقبّله، وذلك للتأكيد، فالمسيح معروف عند الجموع، ولكن حتى لا يخطئ رجال رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب ويقبضوا على آخر يشبهه.

ع50: عاتب المسيح يهوذا ونبهه، فقد يتوب، سائلا إياه: "يا صاحب، لماذا جئت؟" لعله يخجل مما يصنعه (وهو خيانة المسيح وتسليمه لليهود)، ولكنه للأسف استمر فى شره، وأمر الجمع الذين معه فقبضوا على المسيح.

لا تتهاون بفرص التوبة المتوالية التى يسمح بها الله لك، حتى لا يكون لك مصير يهوذا فى النهاية.



ع51-52: "واحد": هو بطرس (يو 18: 10-11)، ولم يذكره متى خوفا عليه من اضطهاد اليهود، أما يوحنا فذكره لأنه كتب إنجيله بعد خراب أورشليم، ولم يعد هناك خوف بعد انكسار قوة اليهود.

"قطع أذنه": بطرس صياد سمك، وليس له خبرة فى استخدام السيف، فلم يستطع أن يصيب إلا أذن هذا العبد فقطعها.

"مكانه": أى غِمْدِهِ (جرابه).

اضطرب بطرس عندما رأى معلمه وحبيبه يُقبض عليه، فاندفع وأخذ سيفا، لأنه كان مع التلاميذ سيفان كما ذُكر فى (لو 22: 38). وفى محاولة للدفاع عن المسيح، قطع أذن عبد رئيس الكهنة المسمى مَلْخُسَ (يو 18: 10)، لكن المسيح أمره أن يعيد سيفه إلى غِمْدِهِ، وأعلن أن من يحيا بالعنف سيقاسى من العنف.

وقد أراد المسيح أن ينزع الشر من قلب بطرس وكل تلاميذه نحو من يعاديهم، فقد جاء ليثَبّت المحبة فى قلوب أولاده حتى نحو الأعداء، وليؤكد أن المحبة أقوى من العنف. وقد استطاع بموته، المزمع أن يتم، أن يدوس الموت، ويخلّص أولاده من خطاياهم، ويقيّد إبليس ثم يقوم منتصرا، معلنا نصرة الحب وقوته.



ع53-54: "أتظن": بمعنى: هل تشك فى قدرتى بعد أن رأيت معجزاتى الكثيرة؟

"اثنى عشر جيشا من الملائكة": أى بدلا من الاثنى عشر تلميذا الضعفاء.

نبه المسيح بطرس وكل التلاميذ إلى قوته العظيمة، فجند السماء كلهم تحت طاعته، أى الملائكة الذين كل ملاك فيهم له قوة أكثر من جميع البشر، يستطيع أن يطلب أكثر من اثنى عشر جيشا منهم، ويقصد عددا وفيرا جدا. ولكنه، بإرادته، يسلّم نفسه ويموت ليخلّص أولاده، كما كتبت النبوات عنه فى العهد القديم، مثل (إش 53: 7).

ع55: عاتب المسيح أيضا الجمع على خروجهم بالليل ومعهم سيوف وعصى للقبض عليه، كأنهم يقبضون على لص هارب، مع أنه كان معهم كل يوم يعظ فى الهيكل وسط الجموع، وذلك ليُظهر خداعهم وضعفهم، فقد أتوا للقبض عليه بعيدا عن الجموع حتى لا يقاومهم أحد؛ ولعله بهذا العتاب أراد أن يعطيهم فرصة للتوبة أيضا.

"كل يوم": أى أيام كثيرة، كان يعلّم فيها جهارا فى الهيكل.

"أجلس": أى أعلّم فى هدوء، ولا أصنع شغبا مما يفعله المجرمون.

"أعلم فى الهيكل": أى جهارا بوضوح أمام الكل، فلا يحتاج الأمر أن تأتوا ليلا كأنى هارب من العدالة.

"لم تمسكونى": لأنه ليس لديكم أية تهم علىَّ، ولخوفكم من الشعب الذى يعتبرنى معلما عظيما.



ع56: أكد المسيح أن ما يفعلونه هو إتمام لنبوات الأنبياء، وعندما قبضوا عليه، خاف التلاميذ كلهم وهربوا، حتى لا يُقبَض عليهم، فقد ضاع ملجأهم وقوتهم، إذ كانوا يظنون أنه يحميهم من بطش الرومان واليهود (إش 63: 3 و5). وطبعا، ترْكهم للمسيح سبب له ألما نفسيا، لتراجعهم عن وعودهم ألا يتركوه حتى ولو إلى الموت. لكن، بمحبته، التمس لهم العذر، إذ سامحهم على ضعفهم بعد قيامته.

لا تنزعج إذا تركك الأحباء ساعة الضيقة، فالله لن يتركك. ولا تغضب منهم، بل التمس لهم العذر، وهو الضعف البشرى.



(10) المحاكمة الدينية (ع 57-68):

57- والذين أمسكوا يسوع، مضوا به إلى قيافا رئيس الكهنة، حيث اجتمع الكتبة والشيوخ. 58- وأما بطرس، فتبعه من بعيد إلى دار رئيس الكهنة، فدخل إلى داخل وجلس بين الخدام لينظر النهاية. 59- وكان رؤساء الكهنة والشيوخ والمجمع كله يطلبون شهادة زور على يسوع لكى يقتلوه، 60- فلم يجدوا. ومع أنه جاء شهود زور كثيرون، لم يجدوا. ولكن، أخيرا تقدم شاهدا زور، 61- وقالا: "هذا قال إنى أقدر أن أنقض هيكل الله، وفى ثلاثة أيام أبنيه." 62- فقام رئيس الكهنة وقال له: "أما تجيب بشىء، ماذا يشهد به هذان عليك؟" 63- وأما يسوع فكان ساكتا. فأجاب رئيس الكهنة وقال له: "أستحلفك بالله الحى أن تقول لنا، هل أنت المسيح ابن الله؟" 64- قال له يسوع: "أنت قلت. وأيضا أقول لكم، من الآن تبصرون ابن الإنسان جالسا عن يمين القوة، وآتيا على سحاب السماء." 65- فمزق رئيس الكهنة حينئذ ثيابه، قائلا: "قد جدّف. ما حاجتنا بعد إلى شهود، ها قد سمعتم تجديفه. 66- ماذا ترون؟" فأجابوا وقالوا: "إنه مستوجب الموت." 67- حينئذ بصقوا فى وجهه ولكموه، وآخرون لطموه، 68- قائلين: "تنبأ لنا أيها المسيح، من ضربك؟"



ع57: تم اقتياد يسوع إلى دار قيافا رئيس الكهنة، حيث اجتمع الكتبة والشيوخ تمهيدا لمحاكمته (اُنظر تفسير ع66).



ع58: رغم ضعف التلاميذ وهروبهم، فإن محبة بطرس قد دفعته لأن يتبع الجمع الذى قبض على المسيح، ويدخل ويجلس فى الساحة الخارجية لبيت رئيس الكهنة، ليعلم ماذا يصنعون بمعلمه.

وكذلك تبعه يوحنا تلميذه الذى استطاع أن يدخل داخل البيت، إذ كانت له علاقة برئيس الكهنة (يو 18: 15)، ولكنهما، رغم محبتهما، لم يستطيعا أن يدافعا عنه لضعفهما البشرى.



ع59-61: عجز اليهود طوال حياة المسيح أن يجدوا خطأ واحدا فيه، رغم محاولاتهم الكثيرة لاصطياده بكلمة. وفى هذه المحاكمة، كانوا مصرين أن يجدوا فيه أى خطأ، ولو بشهادة زور. فجمعوا كثيرين ليلفقوا له التهم الباطلة، ولكنهم لم يتفقوا، وظهر كذبهم أمام الحاضرين، فلم يستطيعوا الاستناد على كل الشهادات الزور.

ثم قام فى النهاية رجلان، يشهدان على المسيح شهادة زور، وهى قوله أنه يستطيع هدم هيكل سليمان ثم يبنيه فى ثلاثة أيام. وهذا لم يحدث، بل إنه قال لتلاميذه: "انقضوا هذا الهيكل، وفى ثلاثة أيام أقيمه" (يو 2: 19). وكان المسيح يقصد هيكل جسده، أى أنهم يصلبونه، ويقوم فى اليوم الثالث. ولم يستطيعا إثبات شهادتهما، فصار المجمع كله فى حيرة، وعجز عن اتهام المسيح.

وقد فهم الكهنة كلام المسيح أنه قاله عن جسده وليس عن الهيكل، بدليل كلامهم مع بيلاطس بعد موت المسيح، عندما قالوا: "تذكرنا أن ذلك المضل قال وهو حي، إنى بعد ثلاثة أيام أقوم" (ص 27: 63).

"شاهدا زور": لأن عدد اثنين هو أقل عدد لاعتماد الشهادة بحسب الشريعة.

ع62: احتار رئيس الكهنة، إذ لم يجد أية تهمة على المسيح، فسأله لماذا لا يجيب على الشهادة التى قدمها الشاهدان، لعله يجد فى إجابته أى خطأ يدينه عليه.



ع63: "استحلفك": أى القسم بالله كما تنص الشريعة لتأكيد الكلام.

كان المسيح صامتا، ولم يرد على كل الاتهامات الباطلة، لأنه يعرف كراهيتهم ومقاومتهم له، وأنهم لا يريدون أن يعرفوا الحق.

وفى حيرة وضيق، سأله رئيس الكهنة هل هو المسيا المنتظر، أى المسيح ابن الله؟ وللأسف، لم يكن يقصد أن يفهم، لأن النبوات التى يعرفها فى الكتب المقدسة تؤكد أنه هو، ولكنه كان يريد أن يمسك أى خطأ عليه، مثل الادعاء أنه المسيح وهو مجرد رجل عادى.



ع64: رد عليه المسيح قائلا: "أنت قلت"، أى الموافقة. وقد أجاب بهذا ليُنهى حيرتهم، ويعطيهم فرصة ودليلا ليصلبوه ويقتلوه، فهو يسلّم نفسه بإرادته لأجل خلاصنا.

بل أعلن بوضوح لاهوته قائلا أنه سيجلس عن يمين العظمة الإلهية، أى فى كمال القوة والمجد الإلهى، ويظل فى مجده حتى مجيئه الثانى على سحاب السماء ليدين العالم حسبما ذكرت النبوات (مز 110: 1)، وكما أعلن بنفسه فى حديثه عن الدينونة (ص 24: 30).

"من الآن": أى بعد ساعات، سيتمم الفداء على الصليب، ويرتفع إلى مجده فى السماء.

"ابن الإنسان": أى الذى ترونه فىَّ من صورة الضعف كإنسان، سيتحوّل بعد ساعات إلى مجده السماوى، وهو الذى سيدينكم. فإن كنتم تحاكموننى الآن، فأنا سأحاكمكم حكما أبديا فى اليوم الأخير.



ع65: أخيرا وجد رئيس الكهنة سببا للحكم عليه بالموت، فمزق ثيابه تعبيرا عن ضيقه لهذا التجديف. وكان هذا التمزيق معناه نهاية الكهنوت اليهودى، ليبدأ الكهنوت المسيحى بالمسيح رئيس الكهنة الذى قدّم نفسه ذبيحة على الصليب، مخلّصا لكل المؤمنين به.

وهذا يُظهر مدى شر رئيس الكهنة، الذى لم يفحص هل هو المسيح ابن الله أم لا، بل اعتبر كلامه تجديفا، واتخذها فرصة للحكم عليه، وهيَّج المجمع لإصدار حكم الموت على المسيح.

ع66: طلب رئيس الكهنة من المجمع أن يحكموا على المسيح، فأصدروا حكمهم عليه بالموت باعتباره مجدفا، والشريعة تقضى برجم المجدف، ولكنهم لم يرجموه خوفا من الشعب، بل طلبوا تأييد السلطة المدنية لحكم الموت، ونالوا ذلك عن طريق بيلاطس الذى أمر بصلبه، لأن الرومان يحكمون بالصلب على المجرمين.

وجدير بالذكر أنه قد تمت محاكمة المسيح ست مرات:

الأولى: فى بيت حَنَّانَ حما قَيَافَا ورئيس الكهنة السابق (يو 18: 19-24).

الثانية: المذكورة فى (ع57)، وكانت فى بيت قَيَافَا رئيس الكهنة الحالى، حيث اجتمع الكهنة والكتبة وشيوخ الشعب، ليحاكموه ويمسكوا أخطاء عليه بحسب ناموسهم، فتكون لهم حجة فى قتله.

وحوكم المحاكمة الثالثة فى صباح يوم الجمعة (ص 27: 1-2)، أمام مجمع السنهدريم، لأنه لا يصح بحسب الشريعة إصدار الحكم ليلا، فاعتمدوا حكم قَيَافَا فى صباح الجمعة (يو 18: 28).

ثم تمت محاكمته مدنيا ثلاث مرات أخرى، اثنتين أمام بيلاطس (ص 27: 2-24؛ مر 15: 1-15)، وواحدة أمام هيرودس (لو 23: 6-12).



ع67-68: بدأ الاستهزاء بالمسيح وتعذيبه، فبصق جنود رؤساء الكهنة عليه ولكموه، وغطوا وجهه ثم لطموه، قائلين: "تنبأ لنا أيها المسيح من ضربك." أى أنه يدّعى النبوة وهو رجل ضعيف لا يستطيع الدفاع عن نفسه.

† احتمل المسيح كل العذاب الجسدى والنفسى فى صمت من أجل محبته لنا. فتذكّر أن خطاياك هى التى سببت لفاديك كل هذه الإهانات، حتى ترفضها فى خزى وخجل، فتتوب، ويغفر لك الله.



(11) إنكار بطرس (ع 69-75):

69- أما بطرس، فكان جالسا خارجا فى الدار. فجاءت إليه جارية، قائلة: "وأنت كنت مع يسوع الجليلى." 70- فأنكر قدام الجميع، قائلا: "لست أدرى ما تقولين!" 71- ثم، إذ خرج إلى الدهليز، رأته أخرى، فقالت للذين هناك: "وهذا كان مع يسوع الناصرى." 72- فأنكر أيضا بِقَسَمٍ: "إنى لست أعرف الرجل." 73- وبعد قليل، جاء القيام وقالوا لبطرس: "حقا أنت أيضا منهم، فإن لغتك تظهرك." 74- فابتدأ حينئذ يلعن ويحلف: "إنى لا أعرف الرجل." وللوقت صاح الديك. 75- فتذكر بطرس كلام يسوع الذى قال له، إنك قبل أن يصيح الديك تنكرنى ثلاث مرات؛ فخرج إلى خارج وبكى بكاء مرا.



ع69-70: فيما كان بطرس جالسا فى الساحة الخارجية لبيت رئيس الكهنة، رأته جارية فقالت للجالسين أنه من تلاميذ المسيح، وقد رأته معه وسط الجموع عندما كان يعلّم ويصنع معجزات. أما بطرس فأنكر ذلك، معلنا أنه لا يعلم شيئا عن المسيح، قائلا: "لست أدرى ما تقولين!"، وذلك ليحمى نفسه من بطشهم والقبض عليه. وقد صاح الديك هنا لأول مرة (مر 14: 68)، وكان ذلك نحو منتصف الليل، فى بداية محاكمة المسيح فى بيت قيافا، والتى استمرت حوالى ثلاث ساعات، وهذا هو الإنكار الأول.



ع71-72: خاف بطرس وقام من مكانه، ووقف فى دهليز، أى ممر خارج البيت، فرأته جارية أخرى، لعلها سمعت كلام الجارية الأولى، وقالت للواقفين أنه من تابعى يسوع. أما بطرس فأنكر، بل أخذ يقسم أنه لا يعرفه، وهذا هو الإنكار الثانى. وقد بدأت المرارة داخل قلبه بعد سماعه صياح الديك، فهو يتمزق بين خوفه من اليهود وضيقه من نفسه لإنكاره المسيح.

ع73: ثم جاءت مجموعة من الرجال الواقفين فى الساحة الخارجية، ورأوه يتكلم مع الجارية، فشهدوا أنه من تلاميذ المسيح، والدليل لغته التى ينطقها، فهى مثل أهل الجليل، فطريقة النطق تختلف من منطقة إلى أخرى.

ويُفهم من باقى الأناجيل أن كثيرين عرفوه وأعلنوا أنه من تلاميذ يسوع، أى حاصروه بالاتهامات، أما هو فرد عليهم بالإنكار.



ع74: أخذ بطرس ينكر ويحلف مؤكدا أنه لا يعرفه، بل لعن المسيح لتأكيد إنكاره، حتى ينجى نفسه من أيديهم.

وبهذا، أنكر المسيح لثالث مرة. وهنا، صاح الديك صياحه الثانى، وكان ذلك فى الهزيع الثانى، أى حوالى الساعة الثالثة صباحا.

إن الخوف يُفقد الإنسان اتزانه، فيسقط بسهولة فى خطايا كثيرة... تمسّك بالله واطلب معونته، فتهرب من الخوف وكل الخطايا التابعة له.

ع75: عندما صاح الديك، تذكر بطرس تنبيه المسيح له، أنه سينكره، فأفاق لنفسه، وخرج من دار رئيس الكهنة، وقد شعر بخيانته للمسيح حبيبه ومعلمه، وقدم توبة من القلب فى دموع كثيرة.

فرغم أن المسيح لم يكن قد قام من الأموات وأظهر قوته، ولكن الحب حرك بطرس، فندم لأنه جحد محبة سيده.

إن أخطأت، فالحب هو المحرك الأول لحياة التوبة. تذكر محبة الله لك وعنايته بك، وموته على الصليب عنك، وجسده المقسوم ودمه المسفوك الذى تناولته من المذبح، حتى تعود بالتوبة، ولا تتمادى فى خطاياك مهما كانت الإغراءات والدوافع المحيطة بك، فليس شىء أغلى من الحب فى العالم كله.
 
إنضم
19 يونيو 2021
المشاركات
47
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الإقامة
اعيش هنا: https://fliphtml5.com/homepage/odddi
الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد : إنجيل متي - ف 27

الأَصْحَاحُ السَّابِعُ وَالعِشْرُونَ

صلب المسيح ودفنه



(1) المحاكمة أمام السنهدريم (ع 1-2):

1- ولما كان الصباح، تشاور جميع رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب على يسوع حتى يقتلوه. 2- فأوثقوه ومضوا به ودفعوه إلى بيلاطس البنطى الوالى.



ع1: بعد محاكمة المسيح فى دار قيافا رئيس الكهنة، أصعدوه إلى مجمع السنهدريم (ص 5: 20-21) فى أحد أروقة الهيكل، وكان ذلك مع الفجر، وحكموا بموته، إذ أنه للحكم على أحد بالموت فى النظام اليهودى، لابد أن يكون هناك أكثر من جلسة، كذلك لا يصح الحكم على أحد بالموت إلا فى النهار.

وهذه هى المحاكمة الثالثة للمسيح، وهى المحاكمة الدينية الأخيرة. وقد قرروا فيها قتل المسيح، ورتّبوا الدعوة التى سيقدمونها لبيلاطس حتى يقتله، وكانوا قد أجمعوا على الآتى:

(1) أن يطلبوا من بيلاطس الموافقة على قرارهم بقتله.

(2) إذا لم يوافق، يتهمون المسيح بادعائه أنه ملك اليهود، وبهذا يكون عاصيا ضد قيصر، ومهيجا للشعب ضد السلطة، ويدّعوا أنه يمنع دفع الجزية ليثيروا ضده السلطة المدنية، فتوافق على قتله.

(3) اتهام يسوع بالتجديف، إذ أعلن أنه ابن الله.

وكان رد بيلاطس عليهم:

(1) لم يوافق على قرارهم بقتل المسيح.

(2) فحص اتهامهم الثانى، فوجده بريئا، ولم يوافق على قرارهم بقتله.

(3) لم يهتم بأمر التجديف، لأنه أمر يخص شريعتهم، ولا يعاقب عليه القانون الرومانى.

لم يعد أمامهم سوى أن يؤكدوا الاتهام الثانى، وهو ادعاءه أنه ملك اليهود، وأحرجوا بيلاطس، الذى اضطر، لخوفه من أن يُعتبر مؤيدا للمسيح ضد قيصر، أن يوافق على كلامهم، وأمر بصلبه.

ع2: كان بيلاطس واليا على اليهودية من قِبَلِ السلطة الرومانية، وكان قاسيا، وسفك دماء كثيرين، وتولى مدة عشر سنوات، وشكاه اليهود كثيرا لقيصر، ولكنه كان ضعيفا فى تمسكه بالحق، ومهتما بأن يحتفظ بمركزه.

لا تحاول البحث عن اتهامات لمن تتضايق منهم حتى تثير الآخرين ضدهم، مستخدما عقلك بطريقة شريرة، فإنك بذلك تجلب غضب الله عليك، ويضطرب قلبك، وتخسر محبة المحيطين بك حتى لو أيدوك فيما تقول أو تفعل، لأنهم يشعرون بأفكارك العدوانية.



(2) يهوذا يرد الفضة (ع 3-10):

3- حينئذ، لما رأى يهوذا الذى أسلمه أنه قد دين، ندم وردّ الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ، 4- قائلا: "قد أخطأت إذ سلمت دما بريئا." فقالوا: "ماذا علينا؟ أنت أبصر." 5- فطرح الفضة فى الهيكل وانصرف، ثم مضى وخنق نفسه. 6- فأخذ رؤساء الكهنة الفضة وقالوا: "لا يحل أن نلقيها فى الخزانة، لأنها ثمن دم." 7- فتشاوروا، واشتروا بها حقل الفخارى مقبرة للغرباء. 8- لهذا سمى ذلك الحقل حقل الدم إلى هذا اليوم. 9- حينئذ، تم ما قيل بإرميا النبى القائل: وأخذوا الثلاثين من الفضة ثمن المثمن الذى ثمنوه من بنى إسرائيل. 10- وأعطوها عن حقل الفخارى كما أمرنى الرب.



ع3-4: "قد دين": حكم اليهود بقتله.

"ماذا علينا؟": لا يهمنا كلامك، فقد حصلنا على ما نريده، وهو القبض على المسيح.

"أنت أبصر": أنت المسئول عن ذنبك، فتصرف كما تريد بعيدا عنا، فلن نساعدك فى شىء.

عندما علم يهوذا أن اليهود حكموا على المسيح بالموت، نخسه ضميره وشعر بفظاعة خيانته، بل صارت الفضة ثقلا يوجع قلبه ويُذكّره بخطيته، ذهب فى الصباح إلى الهيكل، فوجد أنهم قد ذهبوا بالمسيح إلى بيلاطس، ولكن قليلا من الكهنة ما زالوا موجودين، فألقى لهم الفضة ليتخلص مما ينخس ضميره، واعترف أن المسيح برىء، وأنه خائن إذ أسلمه إليهم. ولكن للأسف، كان ندما بدون رجاء، فهو ليس توبة، لأن التوبة هى إيمان بالله ورجاء فى الحياة معه، وليس مجرد ندم.

أما الكهنة والشيوخ، فحاولوا التنصل من خطيتهم برفض الفضة، وقالوا ليهوذا أن يتحمل ذنبه، فهم غير مسئولين.

كيف هذا وهم سيتممون قتله بعد قليل؟! إنه الخداع الذى يخدع به الإنسان نفسه حتى لا يتوب.

ع5: لما رفض الكهنة أخذ الفضة منه، ألقاها أمامهم ليتخلص منها، ظنا منه أن هذا يخلّصه من الإحساس بالذنب، وترك الهيكل، بل والمدينة كلها. لكن ضميره استمر ينخسه ويوبخه، فلم يحتمل، وذهب وشنق نفسه. والأرجح أنه علّق نفسه بحبل فى الجبل، فاختنق ثم ثقل على الحبل، فانفك من الجبل وسقط، فانشق وخرجت أحشاؤه منه، كما ذكر بطرس الرسول فى سفر أعمال الرسل (1: 18).



ع6: لم يستطع رؤساء الكهنة وضع الفضة فى صناديق الخزانة التى فى الهيكل لأنها ثمن دم إنسان، وهم يعتبرون أن العطايا التى توضع فى الخزانة مقدسة. ورغم علمهم بكل هذا لم يتوبوا، واستمروا فى شرهم حتى صلبوا المسيح.



ع7-8: "تشاوروا": أعضاء مجلس السنهدريم، بعد أن قدموا المسيح ليصلب.

"حقل الفخارى": حقل يسمى بهذا الاسم، ولعله كان يؤخذ من ترابه لعمل الفخار فسُمى هكذا. وهو لا يصلح للزراعة، فكان ثمنه زهيدا، ويمكن فقط البناء عليه.

"للغرباء": اليهود الغرباء عن أورشليم إذا ماتوا فيها، ويكونون فقراء ليس لهم مكان يُدفنون فيه.

"حقل الدم": لأنهم اشتروه بثمن دم إنسان وهو المسيح.

"اليوم": وقت كتابة متى البشير إنجيله.

وجد الكهنة حلا، وهو شراء شىء ما بهذه الفضة لعمل الخير، فاشتروا حقل الفخارى وخصصوه مقبرة للغرباء الذين ليس لهم مكان يُدفنون فيه، وسمى ذلك الحقل حقل الدم تأكيدا لشناعة خطيتهم، ولم يستطع تخفّيهم وراء عمل الخير أن يمحو خطيتهم.



ع9-10: بِشَرّهم هذا تمموا ما تنبأ به إرميا النبى (18: 2، 6) عن حقل الفخارى، وزكريا النبى (11: 13) عن ثمن هذا الحقل وهو ثلاثين من الفضة.

وهكذا نجد أن كل تفاصيل آلام المسيح عن البشرية كلها، قد تنبأ عنها العهد القديم ليؤمن اليهود، ولكنهم للأسف قسّوا قلوبهم وصلبوه.

اُنظر، لا تُقَسِّ قلبك وترفض توبيخ الآخرين وكلمات الكتاب المقدس والعظات الروحية، بل اعتبرها رسائل من الله تنبهك وتعيدك إلى محبته، فتتوب عن خطاياك.

(3) المحاكمة أمام بيلاطس (ع 11-14):

11- فوقف يسوع أمام الوالى، فسأله الوالى قائلا: "أأنت ملك اليهود؟" فقال له يسوع: "أنت تقول." 12- وبينما كان رؤساء الكهنة والشيوخ يشتكون عليه، لم يجب بشىء. 13- فقال له بيلاطس: "أما تسمع كم يشهدون عليك؟ 14- فلم يجبه ولا عن كلمة واحدة، حتى تعجب الوالى جدا.



ع11: بدأت محاكمة المسيح أمام السلطة الرومانية ممثَّلة فى الوالى بيلاطس، وهى المحاكمة الرابعة للمسيح. وقد سأله بيلاطس: هل أنت ملك اليهود؟ فأجاب بالإيجاب، لعله يراجع نفسه ولا يسقط فى خطية تسليمه لليهود، ليس لأنه متراجع عن إتمام الفداء، ولكن حتى يكون بيلاطس بلا عذر، وينتبه أنه أمام ملك، فلا يندفع فى الحكم عليه بأى شر.

وقد أوضح المسيح فى حديثه مع بيلاطس، كما ذكر يوحنا (18: 36-37)، أن ملكوته روحى وليس أرضيا، فخاب ادعاء اليهود على المسيح، الذى حاولوا به تهييج بيلاطس ليحكم عليه. وإذ علم أنه يقصد مُلْكٌ روحى، حكم ببراءته عندما قال أنه لم يجد فيه علة (لو 23: 4، 14؛ يو 18: 38).



ع12-14: حاول رؤساء الكهنة وشيوخ اليهود أن يقدموا اتهامات على المسيح للوالى بيلاطس، وهى بخصوص تهييجه للشعب كما يذكر لوقا البشير (23: 5). ولم يدافع يسوع عن نفسه، لأنه يعرف إصرار اليهود على لصق التهم الباطلة به، ويعلم أيضا ضعف بيلاطس، الذى، رغم علمه ببراءته، يحاول إرضاء اليهود خوفا منهم، ويحاول اصطياد كلمة من المسيح ليحكم بها عليه.

تعجب الوالى لصمته، وسأله لماذا لا يرد على ادعاءاتهم حتى يثبت براءته. أما هو، فظل صامتا. فزاد بذلك تعجب الوالى، لأن المتهمين فى مثل هذه الأحوال يدافعون عن أنفسهم حتى لا يُحكم عليهم بالموت؛ فالمسيح لم يكن محتاجا أن يدافع عن نفسه، بل يريد أن يتمم خلاصنا بموته على الصليب.

وبهذا، ظهرت مرة أخرى أمام بيلاطس براءة المسيح، وكان قد أرسله إلى هيرودس عندما علم أنه جليلى، وعلم أيضا أن هيرودس والى الجليل فى زيارة لأورشليم. ولما حاكمه الأخير ولم يجد فيه علة (لو 23: 15)، وهذه هى المحاكمة الخامسة، فرده إلى بيلاطس ليحاكمه المحاكمة السادسة والأخيرة.

وبهذا ظهرت براءة المسيح ثلاث مرات، مرتين أمام بيلاطس، ومرة أمام هيرودس. ولكن، لضعفه، لم يستطع بيلاطس أن يطلقه (راجع عدد المحاكمات الدينية والمدنية ص 26: 66).

إذا صمت الآخرون أمام أخطائك، فلا تتمادى فيها، بل راجع نفسك لتتوب.



(4) إطلاق باراباس (ع 15-26):

15- وكان الوالى معتادا فى العيد أن يطلق للجمع أسيرا واحدا من أرادوه. 16- وكان لهم حينئذ أسير مشهور يسمى باراباس. 17- ففيما هم مجتمعون، قال لهم بيلاطس: "من تريدون أن أطلق لكم، باراباس أم يسوع الذى يدعى المسيح؟" 18- لأنه علم أنهم أسلموه حسدا. 19- وإذ كان جالسا على كرسى الولاية، أرسلت إليه امرأته قائلة: "إياك وذلك البار، لأنى تألمت اليوم كثيرا فى حلم من أجله." 20- ولكن رؤساء الكهنة والشيوخ حرضوا الجموع على أن يطلبوا باراباس، ويهلكوا يسوع. 21- فأجاب الوالى وقال لهم: "مَنْ مِنَ الاثنين تريدون أن أطلق لكم؟" فقالوا: "باراباس." 22- قال لهم بيلاطس: "فماذا أفعل بيسوع الذى يدعى المسيح؟" قال له الجميع: "ليصلب." 23- فقال الوالى: "وأى شر عمل؟" فكانوا يزدادون صراخا، قائلين: "ليصلب." 24- فلما رأى بيلاطس أنه لا ينفع شيئا، بل بالحرى يحدث شغب، أخذ ماء وغسل يديه قدّام الجمع، قائلا: "انى برىء من دم هذا البار، أبصروا أنتم." 25- فأجاب جميع الشعب وقالوا: "دمه علينا وعلى أولادنا." 26- حينئذ، أطلق لهم باراباس. وأما يسوع، فجلده وأسلمه ليصلب.



ع15-18: وجد بيلاطس نفسه أمام إنسان برىء مسالم، لا يجد عليه علة تستحق الموت. ولأن بيلاطس ضعيف الشخصية، لم يستطع أن يعلن براءته. ففكر فى وسيلة ليخلّصه من الموت، ولكن دون أن يعادى اليهود، لأنه يبحث عن مركزه ورضا الشعب عنه. فكان معتادا أن يطلق لليهود أحد المسجونين فى عيد الفصح، ليظهر سماحته وعطفه على اليهود، فسألهم هل يطلق لهم يسوع، أم مجرما مسجونا يسمى باراباس كان مشهورا بالإجرام ومعروفا عند الشعب؟ وكان يعلم أن يسوع برىء، ورؤساء الكهنة والشيوخ يحسدونه، لأنه اجتذب الجموع بمحبته وتعاليمه ومعجزاته.

"مجتمعون": يقصد عامة الشعب وليس رؤساء الكهنة، لأنه ظن أن المسيح إذ صنع خيرا معهم، يطلبون إطلاقه.

ع19: نبه الله بيلاطس مرة أخرى، حتى لا يخطئ فى حق المسيح ويحكم عليه بالموت، إذ أرسلت إليه امرأته تنذره ألا يحكم بشىء ضار على المسيح، لأنها رأت حلما فى ليلة محاكمته يؤكد بر المسيح، وكم يحتمل آلاما دون ذنب.

لم يذكر الكتاب المقدس تفاصيل الحلم، ولكنه شهادة ببر المسيح من امرأة وثنية، فى الوقت الذى يحكم عليه اليهود بالموت، ويهرب تلاميذه وكل محبيه.

"اليوم": أى فى ليلة اليوم التى تُحسَب جزءا منه، وهذا معناه أن الحلم إعلان إلهى، لأنه لم يكن اليهود قد قدموا المسيح إلى بيلاطس حين حلمت حلمها ليلا.



ع20: بحقد وحسد هيّج الكهنة وشيوخ اليهود كل الشعب المجتمع أمام بيلاطس، ليطلبوا إطلاق باراباس المعروف بإجرامه وقتل يسوع، فحاولوا مدح باراباس والتماس العذر له فى جريمته. أما المسيح، فحاولوا إلصاق التهم به ليقنعوا الشعب بطلب إطلاق باراباس.



ع21-22: بعد أن ترك بيلاطس اليهود يفكرون، سألهم عمن يريدون أن يُطلَق لهم، يسوع أم باراباس، فقالوا جميعا: باراباس. فسألهم ماذا يصنع بيسوع، فقالوا: اصلبه؛ ولعل الرؤساء هم الذين بدأوا المطالبة بصلبه، وتبعتهم الجموع.

والصلب هو وسيلة قتل المجرمين عند الرومان، والذى كان سيقع على باراباس، فطلب اليهود أن يتم فى المسيح.



ع23: سألهم بيلاطس مرة أخرى بضعف، ما هو الشر الذى صنعه، لعلهم يتراجعون عن قرارهم، كأن القرار هو للشعب وليس له! إنه منتهى التخاذل... فازداد صراخ اليهود مطالبين بصلب المسيح.

وهكذا يعطيهم الله أكثر من فرصة لعلهم يتوبون، أما هم، فأصروا على شرهم بقتل البار.

ونلاحظ هنا أنه قد سبق تحذيران لهما: الأول من المسيح نفسه أنه يأتى ليدين العالم كله، (يو 5: 22)، ويدينهم على شرهم بقتله (ص 26: 24). والتحذير الثانى كان على لسان يهوذا الإسخريوطى مسلمه عندما أعلن براءته (ع4). والتحذير الثالث عندما غسل بيلاطس يديه أمامهم معلنا براءة المسيح كما سيأتى شرحه فى (ع24).

إن الله ينبهك مرات كثيرة لترجع عن خطاياك، فلا تسد أذنيك وتتمادى فى شرك.

ع24: "يحدث شغب": أى هياج فى المدينة (أورشليم) يلومه عليه القيصر، ويكون سببا فى عزله لعدم التحكم وضبط المدينة.

"غسل يديه": عادة معروفة قديما للدلالة على عدم مسئولية الإنسان عما يحدث أمامه (تث 21: 6).

"أبصروا أنتم": أى أنتم المسئولون عن الحكم وقتله.

أعلن بيلاطس أن المسيح بار وبرىء، وغسل يديه أمام كل الشعب ليعلن براءته من جريمة قتل يسوع. ولكن هذا لا يعفيه أبدا من مسئوليته عن قتله، لأنه كان فى إمكانه أن يحميه ولا يسلمه لليهود. ولكن، لضعفه، خاف من صراخهم، واهتم بمركزه كوالٍ أكثر من اهتمامه بالحق.



ع25-26: أعلن اليهود المجتمعون مسئوليتهم عن قتل المسيح، حتى يشجعوا بيلاطس على أن يأمر بصلبه، وقالوا: "دمه علينا وعلى أولادنا." لأن المشتكى على إنسان بتهمة، إذا ظهرت بعد ذلك براءته، يقع عقابها على المشتكى، كما حدث مع الذين اشتكوا دانيال (دا 6: 24)؛ وما زالت جريمة صلب المسيح على كل يهودى لم يؤمن به.

وفى خضوع وضعف، أمر بيلاطس بجلد المسيح وتسليمه لليهود حتى يصلبوه.

"جلده": من يحكم عليه الرومان بالصلب، يُجلد أولا. وكان الجلد الرومانى قاسيا، إذ يضربون بسيور جلدية فى نهايتها قطع معدنية حادة، فتجرح بقسوة من يجلدونه.

تمسك بالحق مهما كلفك، لأن الحق هو الله، وتخاذلك عن إعلانه هو رفض لله. فلا تترك بريئا يُظلم وفى يدك أن تدافع عنه، ولا تبحث عن مصلحتك وتنسى مصلحة غيرك المظلوم.



(5) الاستهزاء بالمسيح وتعذيبه (ع 27-31):

27- فأخذ عسكر الوالى يسوع إلى دار الولاية، وجمعوا عليه كل الكتيبة. 28- فعرّوه، وألبسوه رداء قرمزيا. 29- وضفروا إكليلا من شوك ووضعوه على رأسه، وقصبة فى يمينه، وكانوا يجثون قدامه، ويستهزئون به، قائلين: "السلام يا ملك اليهود." 30- وبصقوا عليه، وأخذوا القصبة وضربوه على رأسه. 31- وبعدما استهزأوا به، نزعوا عنه الرداء وألبسوه ثيابه، ومضوا به للصلب.

ع27: بعد أن جلدوه وألبسوه ثيابه، أدخلوه إلى دار الولاية، واجتمع عليه عساكر الكتيبة الرومانية، وهى حوالى 600 عسكرى، لأنه يبدو أن اليهود كانوا قد حذروا بيلاطس من تابعى يسوع الذين قد يقومون بثورة ويختطفوه، فلذا جمع عليه كل هذا العدد من العسكر.



ع28: عرّوه ثانية،فقد نزعوا ثيابه أولا عند جلده، ولم يشفقوا على جسده الدامى الممزق بالجلدات، ثم ألبسوه ثوبا قرمزيا، يبدو أنه كان ثوبا قديما من ثياب الملوك المخزونة فى دار الولاية. وهذا اللون القرمزى، ويسمى أيضا الأرجوانى، أى الأحمر الداكن، يرمز للدم والفداء الذى سيتممه لأجل خلاص البشرية.



ع29: إمعانا فى الاستهزاء به، فبدلا من وضع تاج من الذهب والجواهر، ضفروا إكليلا من شوك وغرسوه فى رأسه، وهو يشبه غطاء كامل للرأس (طاقية)، كم كان مؤلما!! وبدلا من أن يمسك صولجانا (وهو قضيب من الذهب أو العاج يمسكه الملوك فى أيديهم)، وضعوا قصبة (عصا صغير من خشب البوص) فى يمينه، ثم سجدوا أمامه باستهزاء قائلين: "السلام يا ملك اليهود."

لقد حمل البار خطايانا، واحتمل ما كان يجب أن نحتمله. فالخاطئ يضرب نفسه بجلدات الشهوة التى تمزقه، فيظن بإتمامها أنه ملك، ويلبس الملابس الملوكية فى كبرياء، وأكاليل الكرامة التى يفتخر بها هى الماديات الفانية والأرض الملعونة التى تنبت شوكا وحسكا، فلا يغطى رأسه إلا القلق والألم. وإذ قد فقد سلطانه على نفسه، يصير مثل قصبة (نبات ضعيف مثل البوص) تحركها الريح، أى ينساق مع تيار العالم الشرير. وإمعانا فى خداع نفسه، يفرح بكلمات النفاق والاحترام المزيّف الذى يُقدّم له من المنتفعين منه.



ع30: استمروا فى الاستهزاء به واحتقاره، وبصقوا عليه، وأخذوا القصبة وضربوه على رأسه الدامى من الأشواك.

وهذا هو الاستهزاء الثالث يالمسيح، فالأول كان من خدام الهيكل فى بيت قَيَافَا (ص 26: 67، 68)، والثانى بواسطة هيرودس وعسكره الذى يذكره لنا لوقا البشير (23: 11).



ع31: بعدما استهزأوا به بكل نوع، أعادوا إليه ثيابه وقادوه للصلب. وكان ذلك فى الساعة الثالثة، فالمحاكمة أمام مجمع اليهود كانت فى باكر الجمعة. أما المحاكمات الثلاث المدنية، فقد بدأت فى باكر، وامتدت إلى الساعة الثالثة حين سلّمه بيلاطس للجند حتى يصلبوه.

إن تعرضت لاستهزاء أو احتقار فلا تنزعج، لأن إلهك قد احتمل لأجلك كل إهانة، وهو البار القدّوس. فاحتمل لأجله، وثق أنه سيسندك، بل ويُظهر برك ويكافئك فى السماء، ويمنحك السلام الداخلى على الأرض فى هذه الضيقات.



(6) صلب المسيح (ع 32-38):

32- وفيما هم خارجون، وجدوا إنسانا قيروانيا اسمه سِمعان، فسخّروه ليحمل صليبه. 33- ولما أتوا إلى موضع يقال له جلجثة، وهو المسمى موضع الجمجمة، 34- أعطوه خلا ممزوجا بمرارة ليشرب. ولما ذاق، لم يرد أن يشرب. 35- ولما صلبوه، اقتسموا ثيابه مقترعين عليها، لكى يتم ما قيل بالنبى: اقتسموا ثيابى بينهم، وعلى لباسى ألقوا قرعة. 36- ثم جلسوا يحرسونه هناك. 37- وجعلوا فوق رأسه علته مكتوبة: هذا هو يسوع ملك اليهود. 38- حينئذ، صُلب معه لصان واحد عن اليمين وواحد عن اليسار.



ع32: حمل المسيح الصليب، وسار به من دار الولاية إلى خارج أورشليم، وكان جسده منهكا مملوءا بالجروح والكدمات، فلم يستطع جسده الضعيف أن يواصل المسيرة تحت ثقل الصليب، وهذا يؤكد ناسوت المسيح، فقد أخذ جسدا حقيقيا أُرهق من كثرة الجلدات.

وحتى لا يتعطل الجند الذين يقودونه، أمسكوا رجلا يسمى سِمعان، كان فلاحا راجعا من حقله، وألزموه أن يحمل الصليب دون مقابل، ويسير خلف المسيح حتى يصلوا بسرعة إلى إتمام صلبه. وكان هذا الرجل يهوديا من القيروان فى شمال أفريقيا، أى فى ليبيا الحالية، ويبدو أنه قد ظهرت عليه علامات الإشفاق على المسيح، فاستغل الجند ذلك وجعلوه يحمل الصليب، ولم يحملوه هم لأنه علامة العار.

إن سِمعان يرمز لكنيسة العهد الجديد، أى المؤمنين الذين يحملون الصليب خلف المسيح، كعلامة حب له فى ترك كل خطية واحتمال الآلام لأجله.



ع33: وصلوا إلى مكان خارج أورشليم يسمى جلجثة، وهى كلمة عبرانية معناها الجمجمة. وهناك تقليد قديم بأن آدم قد دُفن هناك، لذا سُمى المكان بهذا الاسم. وها آدم الثانى، المسيح، يُصلب فيه ليفدى آدم وكل بنيه.

وقد صُلب خارج أورشليم، كما كانوا يُخرجون بعض الذبائح ويذبحونها خارج المحلة التى يسكنون فيها؛ فالمسيح حمل كل العار والخزى، ورُفض من الجميع.

وقد تم خروج المسيح ووصوله إلى الجلجثة أثناء الساعة الثالثة، أى من الساعة الثالثة إلى الساعة السادسة (راجع تفسير ص 20: 2-7).

إذا رفضك الناس، فتذكر ما فعلوه بسيدك يسوع المسيح، وتحمّل من أجله كما تحمّل من أجلك.



ع34: كانت عادة الرومان أن يُسقوا المقدَّم للصلب خلا ممزوجا بمرارة حتى يُخدَّر جزئيا من يشربه، فيتحمّل الآلام بسهولة أكثر. وكان بعض اليهود يقدّمون الخل الممزوج بمرارة كعمل رحمة للمحكوم عليه بالإعدام، فقد يكون بعض اليهود هم الذين قدّموا هذا الخل للمسيح.

أما المسيح، الذى حمل مرارة خطايانا، فلم يرد أن يشرب أى مُخدّر حتى يحمل كل أتعاب خطايانا، فهو: "مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا، تأديب سلامنا عليه، وبحبره شفينا" (إش 53 :7).

ويذكر مرقس البشير أنهم: "أعطوه خمرا ممزوجة بمر" (15: 23)، وليس هناك اختلاف مع متى الذى ذكر أنه خل، لأن عسكر الرومان كانوا يستخدمون نوعا رخيصا وحامضا من الخمر، فطعمه يشبه الخل، ويعطى نفس تأثير الخمر، عند مزجه بالمر، فى تخدير من يشربه.

يلاحظ أن تقديم الخمر الممزوج بمرارة للمسيح قبل تعليقه على الصليب، غير المرة الثانية التى قدّموا فيها خلا له وهو معلّق (ع48)، وعندما قال: "أنا عطشان" (يو 19: 28).



ع35: ثياب المسيح الملتصقة بجسده ترمز للكنيسة، وقد قسمها الجند الذين قاموا بصلبه إلى أربعة أقسام بينهم، رمزا لخلاصه المقدم لأربعة أركان العالم. وقد أخذها الجند الأمميون، فخلاصه مقدم للعالم كله؛ لليهود والأمم ولكل من يؤمن به.

أما لباسه، فكان منسوجا كقطعة واحدة، وقد اقترعوا عليه، فهو يرمز للكنيسة الواحدة المنسوجة من فوق، أى من السماء، ويريدها أن تحيا فى محبة واحدة دون انشقاق.

وقد تنبأ داود النبى عنه (مز 22: 18)، أن ثيابه يقتسمونها ويقترعون عليها. وقد كان الصلب تعذيبا شديدا لمن يُصلب، فبعد أن يُعرّوه، يسمّرونه فى يديه ورجليه، ويتركونه معلقا حتى يموت وهو يعانى من النزيف والآلام الصعبة.

وكان الصلب أيضا يعنى العار والخزى عند الرومان، الذين كانوا يحكمون العالم فى ذلك الوقت.

واقتسام الثياب يظهر مدى قسوة البشر، وانهماكهم فى تحصيل الماديات فيما هم يعذبون الآخرين. فالمسيح يموت لأجل خلاصنا، أما نحن، فننشغل باقتسام ثيابه أو الاقتراع عليها.

وكانوا يضعون المصلوب على الصليب أفقيا، ويسمرونه، ثم يرفعون الصليب ويضعونه فى حفرة قد تم تجهيزها لذلك، ويثبّتونه بحيث تكون رجلىّ المصلوب مرتفعة عن الأرض نحو 30-40 سم.

وقد تم تسمير المسيح على الصليب فى نهاية الساعة الثالثة، لذلك يذكر مرقس البشير أنهم صلبوه فى الساعة الثالثة (15: 25)، أما يوحنا البشير (19: 14، 15) فيذكر أن نهاية محاكمة المسيح على يد بيلاطس كانت نحو الساعة السادسة، أى قبل انتهاء الساعة الثالثة بقليل، وهى الفترة التى تم خلالها الخروج من أورشليم إلى الجلجثة وتسمير المسيح على الصليب، حتى أنه فى الساعة السادسة كان قد تم تعليقه على الصليب، وتثبيت الصليب فى الأرض، وحينئذ صارت الظلمة على الأرض كلها (ع45).



ع36: جلس الجند الرومان لحراسة يسوع، مع أنه الحارس للعالم كله، ولكنه اتضع وخضع ليفدينا. وبهذا يكون الحراس شهودا على صلبه وموته، ليكون ذلك دليلا على قوة قيامته بعد الموت، وكذلك لم يُصلب إنسان آخر شبيه له، فهو المسيح الذى سلّمه يهوذا وحاكمه اليهود، وصُلب ومات من أجل خلاص المؤمنين به.



ع37: كتب الرومان فوق الصليب أنه ملك اليهود، وهو ليس ما أراده الكهنة وشيوخ الشعب، ولكن كان هذا بسماح إلهى، لأنه هو ملك الملوك الذى يفدى شعبه.

وكانت العادة كتابة علة الصلب أو سببه، وكان المقصود أن سبب صلب المسيح هو ادعاؤه أنه ملك اليهود، وهذا مقاومة للقيصر.

يلاحظ أن الإنجيليين الأربعة قد أجمعوا على أن سبب صلب المسيح هو ادعاؤه أنه ملك اليهود، وقد أوردوه كالآتى، مع مراعاة أن النقل من اللغات المختلفة قد يصحبه بعض الفروق فى التعبير:

f متى: "هذا هو يسوع ملك اليهود" (27: 37).

f مرقس: "ملك اليهود" (15: 26).

f لوقا: "هذا هو ملك اليهود" (23: 38).

f يوحنا: "يسوع الناصرى ملك اليهود..." (19: 19).

ويلاحظ أن لوقا ويوحنا (19 :20) البشيرين، أضافا أن ما كتب كان بثلاث لغات، هى العبرانية واليونانية واللاتينية.



ع38: لقد تنازل المسيح ليكون بين الأشرار، فقد صُلب معه لصان واحد عن اليمين وواحد عن اليسار ليطلب خلاصهما. وقد آمن به اللص اليمين، فقبله فى فردوسه (لو 23: 40-43).

اتضع بين الضعفاء والمحتقَرين لتشجعهم وتجذبهم للمسيح، فيجدوا راحتهم، كما اتضع المسيح وصُلب بين الأشرار.



(7) محاولة تعطيل الفداء (ع 39-44):

39- وكان المجتازون يجدفون عليه وهم يهزّون رؤوسهم، 40- قائلين: "يا ناقض الهيكل وبانيه فى ثلاثة أيام، خلِّص نفسك، إن كنت ابن الله فانزل عن الصليب." 41- وكذلك رؤساء الكهنة أيضا، وهم يستهزئون مع الكتبة والشيوخ، قالوا: 42- "خلّص آخرين، وأما نفسه فما يقدر أن يخلصها، إن كان هو ملك إسرائيل، فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به. 43- قد اتكل على الله، فلينقذه الآن إن أراده، لأنه قال أنا ابن الله." 44- وبذلك أيضا كان اللصان اللذان صلبا معه يعيّرانه.



ع39-40: كان الشيطان فى حالة من الشك الدائم وعدم اليقينية نحو شخص الرب يسوع. وعندما خشى أن يكون هو (المسيا) المنتظر المعلق على الصليب، حاول إيقاف عملية الفداء، وبالتالى عملية تقييده من المسيح بأن جعل الذين يمرون عليه يستهزئون به، ويستفزونه حتى ينزل عن الصليب، وكانوا يذكّرونه بكلامه عن قدرته على هدم الهيكل وبنائه فى ثلاثة أيام، أى إن كان قادرا على ذلك كما ادعى، وإن كان أيضا ابن الله كما يقول، فلينزل عن الصليب، مع أنه لم يقل هذا عن هيكل سليمان، بل عن هيكل جسده الذى حين يصلبونه ويموت، سيقيم نفسه فى اليوم الثالث. وكانت هذه هى الشهادة الزور عليه، وهى قوله أنه سينقض هيكل اليهود، وهذا لم يحدث.

وقد اشترك فى هذا الاستهزاء اليهود الذين مروا فى هذا المكان، وكذا رؤساء الكهنة (ع41)، وأيضا عساكر الرومان (لو 23: 36). فكانت الاستفزازات كثيرة للمسيح، حتى ينزل عن الصليب ولا يكمل عملية الفداء.



ع41-42: اشترك رؤساء الكهنة أيضا مع الكتبة والشيوخ فى الاستهزاء به، بأنه إذا كان قد صنع معجزات وشفى مرضى وأقام من الأموات، فليخلّص نفسه الآن، أى يؤكدون عجزه ويستفزونه ليرد على افتراءاتهم، ناسبين معجزاته السابقة إلى السحر والعلاقة برئيس الشياطين، بدليل عجزه الآن عن تخليص نفسه، مستهزئين بادعائه أنه ملك إسرائيل، لأن تفكيرهم فى المُلك أرضى مرتبط بالقوة والعظمة المادية، وليس سماويا.



ع43: استمروا فى استهزاءاتهم بالمسيح، فقالوا له: إن كنت أنت ابن الله، واتكلت عليه كما ادعيت، فلماذا لم يخلّصك الله من العذاب والموت، فصلْبك يؤكد أنك لست المسيا المنتظر، وهذا الاستهزاء تنبأ عنه داود بالتفصيل فى (مز 22: 7، 8).



ع44: هنا استهزاء وتعيير آخر يأتى إليه من أحد اللصين، وهو اللص اليسار (بحسب التقليد الكنسى)، إذ قال له: إن كنت أنت المسيح، فخلِّص نفسك وإيانا" (لو 23: 39).

وقد كُتب أن اللصين كانا يعيّرانه، باعتبار أن تعيير أحدهما يدل على كلاهما، مع أن اللص اليمين لم يشترك فى هذا التعيير الشرير، كما يذكر لوقا البشير (23: 40، 41)، والكتاب المقدس يذكر أن أحد اللصين آمن به.

لذلك لقّبته الكنيسة باللص اليمين، باعتبار أن اليمين يمثل البركة والقوة، أما اليسار فيرمز للبعد عن الله.

لا ترد على الأشرار إذا استفزوك، حتى لا تخطئ مثلهم، بل اهرب بحياتك من الغضب، فتكون بالحقيقة قويا مثل المسيح وتتمم أهدافك.



(8) موت المسيح (ع 45-50):

45- ومن الساعة السادسة، كانت ظلمة على كل الأرض، إلى الساعة التاسعة. 46- ونحو الساعة التاسعة، صرخ يسوع بصوت عظيم، قائلا: "إيلى... إيلى، لَمَا شَبَقْتَنِى؟" أى: إلهى... إلهى، لماذا تركتنى؟ 47- فقوم من الواقفين هناك، لما سمعوا قالوا: "إنه ينادى إيليا." 48- وللوقت، ركض واحد منهم، وأخذ إِسْفِنْجَةً وملأها خلا، وجعلها على قصبة وسقاه. 49- وأما الباقون فقالوا: "اترك، لنرى هل يأتى إيليا يخلّصه؟" 50- فصرخ يسوع أيضا بصوت عظيم، وأسلم الروح.



ع45: أعلنت الطبيعة حدادها واستنكارها لما يصنعه البشر مع إلههم المصلوب، بأن صارت ظلمة على كل الأرض فى منتصف النهار والشمس فى قوتها من السادسة إلى التاسعة بحسب التوقيت اليهودى، وهى من الثانية عشرة حتى الثالثة ظهرا.

وهذه الظلمة ترمز لظلمة الخطية التى عاش فيها العالم، وقد صُلب المسيح ليرفعها عنا، وكذا إعلانا لحزن الطبيعة من أجل صلب وموت خالقها، وتنبيها للأشرار حتى يتوبوا كما تاب وآمن اللص اليمين.



ع46: "نحو الساعة التاسعة": أى قرب نهاية الساعة السادسة.

"إيلى": كلمة عبرانية معناها: إلهى، وبالسريانية: أَلُوِى أو إِلُوِى، كما ذكر مرقس البشير (15: 34).

"إلهى... إلهى، لماذا تركتنى؟": تعبير يهودى معروف ومحفوظ، إذ أنه الآية الأولى من (المزمور 22) الذى يشير إلى نبوات واضحة عن آلام وصلب المسيح، ففيه تنبأ داود عن:

(1) احتقار واستهزاء الشعب (ع 6-8).

(2) عطشه قبل موته (ع 15).

(3) ثقب يديه ورجليه (ع 16).

(4) اقتسام ثيابه وإلقاء قرعة عليها (ع 18).

لهذا استخدمه المسيح، كأنه يقول لليهود ارجعوا إلى ما كتب داود عنى، لتعلموا ماذا تصنعون أنتم بى.

ولا يُقصد طبعا أن الله تركه، لأنه هو الإله المتأنس، والابن والآب جوهر واحد.

ومناداة المسيح تعلن شدة الآلام التى يعانيها، سواء الآلام الجسدية أو الآلام الروحية، لأنه يحمل خطايا العالم كله، وهو الله القدّوس الذى يتنافر مع الخطية، فيُظهر شناعتها.

ع47-49: كان اليهود الواقفون وسامعين له، يظنون إنه ينادى إيليا، لأن لفظة إيلى تشبه إيليا، كما أنهم يعتقدون أن إيليا سيأتى مرة ثانية. فاستهزأوا به قائلين: اُنظروا، هل يأتى إيليا يخلصه؟ وهذا استفهام استنكارى، أى لن يأتى إيليا.

وأعلن المسيح عطشه وقال: أنا عطشان (يو 19: 28) ليؤكد ناسوته، فالمصلوب يشعر بالعطش الشديد، فتقدم واحد وقدم له خلا ليشرب منه، ووضعه فى إسفنجة ووضعها على قصبة من نبات الزوفا كما يذكر يوحنا البشير (19: 29). والزوفا نبات كانت غصونه تستعمل لرش المياه المقدسة حسب الطقوس اليهودية.



ع50: بهذا أكمل المسيح كل الآلام عنا فصرخ بصوت عظيم تعبيرا عن شدة الألم، ومات على الصليب، وانطلقت روحه منفصلة عن جسده، وبهذا تم الفداء؛ ولكن ظل لاهوته متحدا بجسده وأيضا بروحه.

وقد نطق المسيح وهو على الصليب بسبعة أقوال، هى:

(1) صلاته من أجل من يصلبونه، قائلا: "يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" (لو 23: 34).

(2) وعده للص التائب بالفردوس، بقوله: "اليوم تكون معى فى الفردوس" (لو 23: 43).

(3) تسليمه العذراء أمه ليوحنا بقوله لها: "يا امرأة هوذا ابنك"، ثم قوله ليوحنا: "هوذا أمك" (يو 19: 26، 27).

(4) صراخه إلى الله من شدة الألم، قائلا: "إيلى... إيلى لَمَا شبقتنى" (مت 27: 46).

(5) قوله: "أنا عطشان" (يو 19: 28).

(6) قوله: "قد أُكْمِلَ" (يو 19: 30).

(7) تسليم روحه لله، قائلا: "يا أبتاه فى يديك أستودع روحى" (لو 23: 46).

اُنظر لآلام المسيح على الصليب حتى تشعر بحبه لك، فتحبه كل حين.



(9) حوادث مصاحبة لموت المسيح (ع 51-56):

51- وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل، والأرض تزلزلت، والصخور تشققت، 52- والقبور تفتحت، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين، 53- وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة، وظهروا لكثيرين. 54- وأما قائد المئة والذين معه يحرسون يسوع، فلما رأوا الزلزلة وما كان، خافوا جدا، وقالوا: "حقا، كان هذا ابن الله." 55- وكانت هناك نساء كثيرات ينظرن من بعيد، وهن كن قد تبعن يسوع من الجليل يخدمنه. 56- وبينهن مريم المجدلية ومريم أم يعقوب ويوسى وأم ابنى زَبَدِى.



ع51: عند موت المسيح فى الساعة التاسعة، انشق حجاب الهيكل، وهو ستارة ضخمة من القماش، عرضها حوالى 7 متر وارتفاعها 14 مترا، وهى تفصل بين القدس وقدس الأقداس[1](+)، ولا يمكن أن يرى هذا الانشقاق إلا الكهنة، فهم وحدهم المسموح لهم بالدخول إلى القدس، وقد آمن بعضهم وأعلن ما حدث.

وانشقاق الحجاب إشارة ثانية إلى نهاية الكهنوت اليهودى، وبداية الكهنوت المسيحى، {كانت الإشارة الأولى فى (ص 26: 56)، عندما مزق قيافا رئيس الكهنة ثيابه}، إذ أتم المسيح الفداء على الصليب كرئيس كهنة، قدّم نفسه ذبيحة عنا، وبموته فتح لنا الطريق إلى الأقداس، أى فردوس النعيم وملكوت السماوات، إذ لم يكن مسموحا فى العهد القديم أن يدخل أحد إلى قدس الأقداس إلا رئيس الكهنة ومعه دم يرشه على تابوت العهد. أما الآن، فالمسيح رئيس الكهنة بشق جسده، أى موته على الصليب، فتح لنا الطريق إلى الأقداس، فنستطيع، ليس فقط أن ننظر إلى الهيكل والمذبح فى الكنيسة، بل نتناول جسده ودمه الأقدسين.

"الأرض تزلزلت، والصخور تشققت": معناه اهتزاز الطبيعة أمام الخلاص الإلهى الذى تم على الصليب. ومن الناحية الروحية الرمزية، يرمز إلى اهتزاز الشهوات الأرضية التى رفعها عنا لمسيح، وتشقُّق القلوب الصخرية ليسكن فيها.



ع52-53: بالإضافة إلى تأثر الهيكل والطبيعة، تأثر الموت أيضا، فلم يعد له سلطان على أولاد الله، إذ القبور تفتحت، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين (المؤمنين)، فقد نقلهم بصليبه من الجحيم إلى الفردوس، فهم يعلنون بقيامتهم فرحتهم بالخلاص الذى نالوه، وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة، أى أورشليم، لأن فيها هيكل الله، وظهروا لكثيرين ليعلنوا القيامة والخلاص لليهود حتى يؤمنوا بالمسيح الفادى، سواء كانوا من القديسين المعروفين مثل الأنبياء ورجال الله، أو المؤمنين بالمسيا المنتظر من اليهود الذين ماتوا من فترة قريبة ويعرفهم الناس الذين فى أورشليم.

ع54: عندما رأى قائد المئة والجند الذين معه المسئولون عن حراسة المسيح المصلوب (وهم رومانيون أمميون) تغيرات الطبيعة بالزلزلة وتشقق الصخور، بالإضافة إلى معاينتهم الظلمة السابقة، أعلنوا أن المسيح ليس إنسانا عاديا، بل خافوه كإله، وقالوا: "حقا، كان هذا ابن الله"، مصدقين قوله عن نفسه أنه ابن الله، كما علموا من الجموع الذين مروا بالصليب.

ويذكر يوحنا البشير (19: 31) أنه فى هذا الوقت، طلب اليهود من بيلاطس كسر سيقان المصلوبين، حتى يموتوا ولا تبقى أجسادهم معلقة فى عيد الفصح والفطير الذى يمتد ثمانية أيام، فوافق، وكسر الجند أرجل اللصين، وعندما أتوا للمسيح وجدوه قد مات، فطعنه أحد الجنود بحربة فى جنبه للتأكد من موته، فخرج دم وماء.



ع55-56: وكانت هناك مجموعة من النساء، هن اللاتى كن يتبعن ويخدمن المسيح بأموالهن، وأتين معه من الجليل فى شمال اليهودية إلى أورشليم، ومنهن مريم المجدلية التى أخرج منها سبعة شياطين، ومريم زوجة كِلُوبَا أو حلفا أخت العذراء مريم، وسالومة أم يعقوب ويوحنا ابنى زَبَدِى. وكن ينظرن من بعيد، إما خوفا من اليهود، أو لأن العسكر أبعدوهن، ولكن محبتهن جعلتهن يتابعن كل شىء حتى النهاية.

الله يُظهر أمامك علامات فى أحداث الحياة لتؤمن به وتتكل عليه، يمكنك أن تفهمها إن كنت متمسكا بعلاقتك به فى صلوات وأصوام وقراءات وتناول من الأسرار المقدسة. وإن فهمت ما يحدث حولك فلا تهمله، بل ليكن دافعا لك حتى تتوب، وتُزيد علاقتك مع الله.



(10) دفن المسيح (ع 57-61):

57- ولما كان المساء، جاء رجل غنى من الرامة اسمه يوسف، وكان هو أيضا تلميذا ليسوع. 58- فهذا تقدّم إلى بيلاطس، وطلب جسد يسوع. فأمر بيلاطس حينئذ أن يُعطَى الجسد. 59- فأخذ يوسف الجسد ولفه بكتان نقى. 60- ووضعه فى قبره الجديد الذى كان قد نحته فى الصخرة، ثم دحرج حجرا كبيرا على باب القبر ومضى. 61- وكانت هناك مريم المجدلية ومريم الأخرى جالستين تجاه القبر.



ع57-58: أحد تلاميذ المسيح، أى تابعيه، يدعى يوسف الرامى، والرامة قريبة من أورشليم. وكان هذا أحد شيوخ اليهود من مجمع السبعين شيخا، وهو غنى، ولم يكن موافقا لرأى شيوخ اليهود فى صلب المسيح (لو 23: 51).

وبما له من علاقات ومركز، استطاع بجرأة وإيمان أن يدخل إلى بيلاطس وطلب جسد يسوع بعد أن مات،فسمح له. وبتصرّفه هذا، عرّض نفسه للخطر من بيلاطس واليهود، لأن هذا دليل على ارتباطه الشديد بالمسيح المصلوب، ولكنه لم يخف، والله حفظه فلم يؤذه أحد.



ع59: اشترك مع يوسف الرامى نيقوديموس الذى كان مؤمنا بالمسيح، ولكن خفية مثل يوسف خوفا من اليهود، وكان يحمل أطيابا وحنوطا وضعاه على الجسد (يو 19: 39). ثم أخذ يوسف الجسد ولفه بكتان نقى.

والكتان يوضع للأغنياء إذ هو ملك الملوك، وأيضا لباس الكهنة إذ هو رئيس كهنتنا الذى قدّم نفسه ذبيحة على الصليب.



ع60: كان يوسف يملك بستانا قريبا من مكان الجمجمة داخله صخرة نحت فيها قبرا لنفسه. وعندما مات المسيح، فضّله على نفسه ووضعه فى قبره الجديد الذى لم يوضع فيه أحد. وكان هذا بتدبير الله، ليؤكد قيامته، فلا توجد أجساد أو عظام أخرى معه يُشَكّ أنها قامت. ووضع حجرا كبيرا على باب القبر لا يستطيع أحد بسهولة أن يدحرجه، ليؤكد هذا عدم استطاعة تلاميذ المسيح أن يسرقوا الجسد دون ضوضاء يشعر بها حراس القبر.



ع61: ما زالت بعض النساء، فى محبتهن للمسيح، يراقبن دفنه. ويذكر الكتاب المقدس منهن مريم المجدلية ومريم أخرى يذكر مرقس البشير أنها أم يوسى (15: 47)، ويذكر لوقا أنه: "تبعته نساء كن قد أتين معه من الجليل، ونظرن القبر وكيف وُضع جسده. فرجعن وأعددن حنوطا وأطيابا، وفى السبت استرحن حسب الوصية." (23: 55، 56), كما يذكر يوحنا: "وكانت واقفات عند صليب يسوع أمه وأخت أمه مريم زوجة كِلُوبَا." (19: 25).

محبتك لله تجعلك تراقب طرقه وتسير وراءه، ليس فقط فى وقت الراحة، بل وفى الضيقات أيضا، متمسكا بوصاياه، فكن جريئا وأعلن محبتك له مهما كان الأشرار يرفضون طريق الله.



(11) ختم القبر (ع 62-66):

62- وفى الغد الذى بعد الاستعداد، اجتمع رؤساء الكهنة والفريسيون إلى بيلاطس، 63- قائلين: "يا سيد، قد تذكّرنا أن ذلك المضل قال وهو حى، إنى بعد ثلاثة أيام أقوم. 64- فَمُرْ بضبط القبر إلى اليوم الثالث، لئلا يأتى تلاميذه ليلا ويسرقوه، ويقولوا للشعب إنه قام من الأموات، فتكون الضلالة الأخيرة أشر من الأولى. 65- فقال لهم بيلاطس: "عندكم حراس، اذهبوا واضبطوه كما تعلمون." 66- فمضوا وضبطوا القبر بالحراس، وختموا الحجر.



ع62-64: "رؤساء الكهنة والفريسيون": أعضاء مجلس السنهدريم.

"المضل": ما زالوا يلقبون المسيح بذلك، رغم رؤيتهم للظلمة والزلزلة، لأنهم مصرون على الشر.

فى مساء يوم الجمعة، أى بداية السبت، إذ أن اليوم يبدأ من ليلته، وبعد انتهاء يوم الجمعة المسمى عند اليهود بالاستعداد ليوم السبت، بعد دفن المسيح، تذكّر رؤساء الكهنة والفريسيون كلام المسيح عن قيامته عندما: "قال لهم انقضوا هذا الهيكل ’أى جسده‘ وفى ثلاثة أيام أقيمه" (يو 2: 19)، وقد يكونوا عرفوا من أحد تلاميذه نبوته عن قيامته فى اليوم الثالث (ص 16: 21)، وخافوا أن يسرق التلاميذ جسده ويدّعوا أنه قام. فذهبوا إلى بيلاطس وأخبروه بهذا، وطلبوا منه أن يأمر بضبط القبر، أى بوضع الأختام والحراس عليه، ولم يفهموا أنهم بهذا يؤكدون قيامته عندما يقوم فى اليوم الثالث، رغم وجود الأختام والحراس.

"الضلالة الأخيرة": إذ اعتبروا كل تعليم المسيح ضلال للشعب، فإذا سرق التلاميذ جسده وادعوا أنه قام، يضلون الشعب أكثر من أيام حياة المسيح بينهم.



ع65-66: سمح لهم بيلاطس أن يضبطوا القبر، فمضوا وضبطوا القبر بالحراس الرومانيين والأختام؛ وبالطبع أتموا كل شىء بتدقيق ليضمنوا عدم سرقة الجسد.

لا تنزعج من حِيَلِ الأشرار وقوتهم، فالله يحولها لمصلحتك وإظهار برك.


(+) للتقريب لذهن القارىء، كان الهيكل يتكون من ثلاثة أجزاء رئيسية: الدار الخارجية، وهى تماثل صحن الكنيسة حاليا، وكان ممكن للشعب التواجد بها. أما الجزءان الداخليان (القدس وقدس الأقداس)، فلا يُسمح لأحد بالاقتراب منهما سوى الكهنة. ويمكن تشبيههما بالهيكل والمذبح فى كنائسنا.
 
إنضم
19 يونيو 2021
المشاركات
47
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الإقامة
اعيش هنا: https://fliphtml5.com/homepage/odddi
الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد : إنجيل متي - ف 28

الأَصْحَاحُ الثَّامِنُ وَالعِشْرُونَ

قيامة المسيح i ظهوره لتلاميذه



(1) القبر الفارغ (ع 1-10):

1- وبعد السبت عند فجر أول الأسبوع، جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر. 2- وإذا زلزلة عظيمة حدثت، لأن ملاك الرب نزل من السماء، وجاء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه. 3- وكان منظره كالبرق، ولباسه أبيض كالثلج. 4- فمن خوفه ارتعد الحراس وصاروا كأموات. 5- فأجاب الملاك وقال للمرأتين: "لا تخافا أنتما، فإنى أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب. 6- ليس هو ههنا، لأنه قام كما قال، هلما انظرا الموضع الذى كان الرب مضطجعا فيه، 7- واذهبا سريعا قولا لتلاميذه إنه قد قام من الأموات، ها هو يسبقكم إلى الجليل، هناك ترونه، ها أنا قد قلت لكما." 8- فخرجتا سريعا من القبر بخوف وفرح عظيم، راكضتين، لتخبرا تلاميذه. 9- وفيما هما منطلقتان لتخبرا تلاميذه، إذا يسوع لاقاهما، وقال: "سلام لكما." فتقدمتا، وأمسكتا بقدميه، وسجدتا له. 10- فقال لهما يسوع: "لا تخافا، اذهبا قولا لإخوتى أن يذهبوا إلى الجليل، وهناك يروننى."



ع1: كانت قلوب تابعى المسيح متعلقة به، ولكن منعهم يوم السبت من الخروج إليه، لأنه يوم الراحة عند اليهود. ومع فجر الأحد، أسرعت إلى القبر اثنتان من النساء، هما مريم المجدلية ومريم الأخرى، ويُظن أنها زوجة كلوبا أخت العذراء مريم، وربما هى العذراء نفسها، ولكن متى لم يذكر هذا، لأنه كتب إنجيله لليهود الذين لا يأخذون بشهادة الأقارب، وكانتا تودان أن تلقيا ولو نظرة على قبر حبيبهما، الذى عاشت معه المجدلية أكثر من ثلاث سنوات.



ع2: من أجل محبة المرأتين للمسيح بزيارتهما لقبره، وهبهما أعظم مما كانتا تتخيلان، فعند وصولهما للقبر، ظهر ملاك عظيم بنور قوى، يقول التقليد الكنسى أنه رئيس الملائكة ميخائيل قد جاء ليعلن القيامة للبشرية، فدحرج الحجر الكبير من على القبر، وحدثت زلزلة رمزا لاهتزاز وسقوط الشهوات الأرضية، وبدء الحياة الجديدة لأولاد الله المؤمنين بقيامته، وجلس الملاك على الحجر ببهاء عظيم.

وكان المسيح قد قام قبل ذلك ولم يشاهده أحد من البشر، وكان الحجر ما زال موضوعا على القبر عند قيامته، ثم جاء الملاك ميخائيل ليعلن بشرى القيامة، فدحرج الحجر ليَظهر القبر الفارغ.

ثق أن كل محبة تقدمها لله، يعطيك مقابلا لها بركات ومحبة لا تتخيلها. فلا تستهن بصلاتك الصغيرة، أو قراءاتك حتى لو كان فهمك لها محدودا، أو بخدماتك مهما بدت ثانوية، فالله يهتم بها، بل هى غالية جدا عنده، ويكافئك عليها ببركات لا تتوقعها.



ع3-4: كان منظر الملاك عظيما بنور لا يُعبَّر عنه، يشبهه هنا القديس متى كالبرق فى لمعانه، وملابسه كالثلج فى بياضه، فخاف حراس القبر من منظره، ومن الزلزلة، وكذلك دحرجة الحجر؛ فقوة الله مخيفة للأشرار.



ع5-6: كان الخوف للحراس الأشرار، أما المريمتان محبتا المسيح، فيطمئنهما الملاك ويبشرهما بقيامته، ويصفه بأنه المصلوب، فهو المصلوب والقائم، فهذا اللقب يُظهر محبته الباذلة حتى الموت، وفى نفس الوقت قوته بقيامته من الأموات، ويقدم لهما الدليل على قيامته، وهو القبر الفارغ.



ع7-8: وهب الملاكان المريمتين أن يبشرا بالقيامة لتلاميذ المسيح وبأنه سيظهر لهم فى الجليل، وهو شمال اليهودية، حيث تعود أن يسير معهم ويعلم ويصنع معجزات. فخرجت المرأتان بخوف عظيم من أجل عظمة المنظر والبشارة. وفى نفس الوقت، فى فرح عجيب، إذ نالتا ما لم تتوقعاه أو يخطر على بالهما، وهو عودة حبيبهما لهما بقيامته. وهذا معناه أن الحديث السابق كان داخل القبر، أى أن الملاك، بعد دحرجة الحجر وجلوسه عليه، دخل إلى القبر وبشّر المريمتين.

أسرعت المريمتان إلى التلاميذ لتبشيرهم.

وهكذا تحولت المرأة من دافع للرجل إلى الخطية فى جنة عدن، إلى مبشرة بالقيامة والحياة الجديدة فى المسيح.

المحبة تحولك من الشر إلى الخير إن كنت تحولها إلى أعمال عبادة وخدمة، ويفرح بك الله.

هذه أول زيارات القبر، ويمكن ترتيب الزيارات على النحو التالى كما أشار القديس بطرس السدمنتى:

(1) زيارة المريمتين اللتين إحداهما المجدلية كما ذكر متى (ع1-8). ولم يذكر متى المرأة الأخرى لأنها إما أن تكون السيدة العذراء أو مريم زوجة كِلُوبَا أم يعقوب ويوسى وهى خالة المسيح، والاثنتان لا تُعتبر شهادتهما لأنهما قريبتان للمسيح. وفى هذه الزيارة رأتا المسيح وأمسكتا بقدميه.

(2) الزيارة الثانية هى المذكورة فى (يو20: 1)، وفيها نجد المجدلية تزور القبر وحدها، فوجدت الحجر مرفوعا عن القبر، مع ملاحظة ما ذكره يوحنا أن الظلام باقٍ، معناه ليس ظلمة كاملة على الأرض كلها، بل وجود ظلام فى الجانب الغربى من الأرض، أما الجانب الشرقى فكان ضوء النهار قد ظهر فيه، أى طلع الفجر.

(3) الزيارة الثالثة كانت من المجدلية، إذ أنها عندما رجعت إلى أورشليم، أخبرت التلاميذ كما قال لها الملاك، فخرج معها بطرس ويوحنا ورأيا القبر فارغا، ثم انصرفا مؤمنَيْن بقيامته. أما هى، فبقيت وحدها أمام القبر، ورأت المسيح، وقال لها: "لا تلمسينى" (يو 20: 17).

(4) الزيارة الرابعة قامت بها المجدلية مع مجموعة من النساء، ذكر منهن مريم أم يعقوب ويوسى وكذا يُوَنَّا، وكان معهن أناس آخرين، وتمت فى أول الفجر، ورأين القبر فارغا، وسمعن بشارة الملاكين (لو 24: 1-10).

(5) أما الزيارة الخامسة والأخيرة، فكانت عند طلوع الشمس، وذهبت فيها المجدلية ومعها مريم أم يعقوب ويوسى وسالومة أم ابنى زَبَدِى، ورأين القبر فارغا، وسمعن بشارة الملاك (مر 16: 1-8).



ع9-10: تتزايد بركات الله لمحبيه، فيظهر المسيح القائم بنفسه لهما ويعطيهما السلام، وهى العطية التى ينفرد بها أولاد الله عن كل العالم. ومن فرط فرحتهما، أمسكتا بقدميه، وسجدتا له فى اتضاع. فمحبة المسيح لنا تجذبنا لعبادته باتضاع، واختباره ولمسه فى حياتنا. ثم أكد إرسالهما لتبشير الكنيسة فى شكل التلاميذ، من أجل محبته لهما، لأنهما أول من زار القبر.

ويا للعجب...! المسيح الجبار القائم من الأموات، يتضع ويسمى تلاميذه إخوته، بل يسبقهم إلى الجليل وينتظرهم ليفرح بلقائهم ويفرّحهم به.

"لا تخافا": ليطمئن المرأتين، إذ اختلطت مشاعر الخوف والفرح داخلهما، فلم تتوقعا أن تريا المسيح قائما، وهذا هو أول ظهور للمسيح بعد قيامته.

أما الظهورات التى يذكرها الكتاب المقدس عن المسيح بعد قيامته وحتى صعوده، فهى كالآتى:

(1) ظهوره لمريم المجدلية ومريم الأخرى، التى غالبا هى السيدة العذراء (مت 28: 9؛ مر 16: 9).

(2) ظهوره لمريم المجدلية وحدها، وقال لها: "لا تلمسينى" (يو 20: 14-17).

(3) ظهوره لبطرس "صفا" (لو 24: 34؛ 1كو 15: 5).

(4) ظهوره لتلميذى عِمْوَاسَ يوم القيامة (مر 16: 12؛ لو 24: 15)

(5) ظهوره للتلاميذ يوم القيامة مساءً فى العلية (لو 24: 36)، وذكر يوحنا البشير أن توما لم يكن معهم (20: 19-24).

(6) ظهوره لهم فى العلية أيضا بعد ثمانية أيام من الظهور السابق، وكان توما معهم (يو 20: 26).

(7) ظهوره للتلاميذ فى الجليل على بحيرة طبرية (يو 21: 1).

(8) ظهوره للتلاميذ فى الجليل (ع16).

(9) ظهوره لأكثر من 500 أخ (1كو 15: 7).

(10) ظهوره ليعقوب الرسول ثم للرسل أجمعين (1كو 15: 7).

(11) ظهوره للتلاميذ عند الصعود (مر 16: 19؛ لو 24: 50، 51؛ أع 1: 3).

بالإضافة إلى ظهورات أخرى، لم يحدد توقيتها الكتاب المقدس، ولكنها كانت طوال الأربعين يوما بعد قيامته (أع 1: 3).



(2) رشوة الجند (ع 11-15):

11- وفيما هما ذاهبتان، إذا قوم من الحراس جاءوا إلى المدينة، وأخبروا رؤساء الكهنة بكل ما كان. 12- فاجتمعوا مع الشيوخ وتشاوروا، وأعطوا العسكر فضة كثيرة، 13- قائلين: "قولوا إن تلاميذه أتوا ليلا، وسرقوه ونحن نيام. 14- وإذا سُمِعَ ذلك عند الوالى، فنحن نستعطفه، ونجعلكم مطمئنين." 15- فأخذوا الفضة، وفعلوا كما علّموهم، فشاع هذا القول عند اليهود إلى هذا اليوم.

ع11: مع رجوع المريمتين إلى أورشليم، ذهب بعض العسكر حراس القبر إلى رؤساء الكهنة، وأعلموهم بقيامة المسيح وظهور الملاك والقبر الفارغ. وللأسف، لم يقبل رؤساء الكهنة الإيمان بالمسيح القائم. الأمميون، أى الجند، يبشرون رؤساء كهنة اليهود بالقيامة، ولا يقبلون الإيمان، مع أنه كان يجب أن يحدث العكس، أى أن يبشر اليهود الأمم بقيامة المسيا المنتظر.

ووصفه رؤساء الكهنة بالمضل عندما قابلوا بيلاطس لختم القبر، خوفا من كلامه عن قيامته بعد ثلاثة أيام من موته (ص 27: 62-65). فلما قام كما قال، رفضوا الإيمان.

اقبل رسالة الله لو أتت إليك على لسان أهل العالم، وتب وارجع إليه باتضاع.



ع12-14: "الشيوخ": أعضاء مجلس السنهدريم.

"تشاوروا": بحثوا عن سبب لعدم وجود جسد المسيح فى القبر، ليضللوا الناس عن قيامته.

لم يرفض رؤساء الكهنة مع شيوخ اليهود الإيمان فقط، بل اجتمعوا ليقاوموا القيامة!! فأعطوا رَِشوة من المال للجند حراس القبر حتى يدّعوا سرقة تلاميذ المسيح لجسده ليلا، إذ غلبهم النوم، فتسلل التلاميذ وسرقوا الجسد.

وعندما يعلم بيلاطس الوالى ويغضب عليهم، يستعطفه رؤساء الكهنة بما لهم من مركز، فيسامحهم ولا يؤذهم، معتمدين على محبة الإنسان للمال، فيكذب لينال ما يريد.



ع15: أخذ الجند الرَِّشوة، وهى الفضة، وقالوا ما لقنهم إياه رؤساء الكهنة، فانتشر الخبر فى كل اليهودية بسرقة جسد المسيح. ولكن هذا الأمر غير منطقى، لأنه كيف تستطيع مجموعة من التلاميذ الضعفاء أن يتغلبّوا على جند مسلحين؟

أو كيف ينام الجند، ولا يشعرون بدحرجة حجر كبير مثل هذا، وسرقة الجسد؟

بالإضافة إلى أهم شىء، وهو كيف يعرف الإنسان ما يحدث حوله وهو نائم؟!!

إن التدبير الإلهى جعل رؤساء الكهنة يساعدون فى نشر البشارة بقيامة المسيح دون أن يقصدوا.

"إلى هذا اليوم": يوم كتابة متى لإنجيله، وذلك بعد حوالى 30 سنة من قيامة المسيح.



(3) ظهور المسيح لتلاميذه (ع 16-20):

16- وأما الأحد عشر تلميذا، فانطلقوا إلى الجليل، إلى الجبل حيث أمرهم يسوع. 17- ولما رأوه، سجدوا له، ولكن بعضهم شكوا. 18- فتقدم يسوع وكلمهم، قائلا: "دُفع إلىَّ كل سلطان فى السماء وعلى الأرض. 19- فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. 20- وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به، وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر، آمين."



ع16-17: أسرع التلاميذ فى فرح إلى الجليل ليروا معلمهم وحبيبهم على الجبل، حيث يرتفع الإنسان عن العالم طالبا السماويات.

وعندما ظهر لهم المسيح، سجدوا له وفرحوا بلقائه، وإن كان أحدهم، وهو توما، قد شك عندما سمع من إخوته التلاميذ بظهوره لهم فى العلية يوم القيامة، ولكن المسيح ظهر لهم مرة أخرى وهو معهم فى العلية فى الأحد التالى للقيامة.

"ولكن بعضهم شكوا": كان هذا الشك تعبيرا عن الضعف البشرى، مثلما حدث مع توما، لكن المسيح أكد قيامته بظهوره عدة مرات حتى آمنوا.



ع18-19: "تقدم يسوع": إذ ظهر لهم عن بعد، اقترب إليهم بعد ذلك، وبدأ يعلّمهم بعد أن اطمأنوا لقيامته.

"دُفع إلىَّ كل سلطان": المسيح فى حياته على الأرض، ظهر ضعفه كإنسان، وتألم ومات لأجلنا. وبعد قيامته، يظهر لنا فى سلطان لاهوته، لذا يقول: "دُفع إلىَّ كل سلطان"، أى يظهر أمامكم سلطان لاهوتى على كل شىء فى السماء وعلى الأرض.

"تلمذوا": بشِّروا وعلِّموا الناس الإيمان بالمسيح.

"جميع الأمم": لأن الخلاص للعالم كله وليس فقط لليهود.

وهب المسيح سلطانه الإلهى لتلاميذه فى سر الكهنوت، فأعطاهم قوة ليعلّموا العالم كله الإيمان السليم بموته وقيامته، ويتعهّدوهم فى رعاية أى تلمذة روحية، ويمنحوهم أول الأسرار المقدسة، وهو سر المعمودية باسم الثالوث القدّوس. فهذا إعلان واضح لسلطان الكهنوت الذى منحه المسيح لتلاميذه وخلفائهم لإتمام الأسرار المقدسة للعالم كله.

ع20: بعد المعمودية، يتعهّدونهم بالتعليم الروحى بوصايا المسيح للسلوك بها، مؤكدا مساندته لهم ولكل كهنته وخدّام العهد الجديد حتى نهاية الدهور؛ فهو يظل مع أولاده إلى المنتهى.

إن كان الله معنا، فلا نضطرب، بل نتقدّم فى ثقة لإتمام وصاياه، بل وتبشير الآخرين بمحبته.



وهناك براهين كثيرة عن قيامة المسيح، من أهمها:

(1) ظهوره مرات كثيرة، وليس مرة واحدة.

(2) ظهوره لأناس مختلفين، فهى ليست شهادة شخص واحد، بل عدد كبير. وفى إحدى الظهورات، كان لأكثر من خمسمائة أخ.

(3) ظهوره فى أوقات مختلفة، صباحا ومساءً وليلا، فيمكن التحقق منه.

(4) ظهوره لمدة طويلة هى أربعين يوما، فكانت فترة كافية للتحقق منه.

(5) أمكن لمن ظهر لهم أن يعاينوه بحواسهم، سواء النظر أو سماع صوته المعروف أو لمسه، بل أيضا أكل معهم وفى وسطهم.

(6) لم تكن قيامة المسيح منتظرة من تلاميذه وتابعيه، فهى إذن ليست إيحاءً أو خيالا، لأنهم اندهشوا جدا عندما علموا بقيامته، فظهر مرات كثيرة ليؤكدها.

(7) من قوة إيمان تلاميذه بقيامته، بشّروا بها فى العالم كله، واحتملوا آلاما كثيرة، بل ضحّوا بحياتهم لاستكمال بشارتهم بقيامته؛ فلا يمكن أن يضحى الإنسان بحياته من أجل أمر كاذب قد اخترعه من نفسه.
 
أعلى