الملح والنار
«
انا عارف اعمالك، انك لست باردا ولا حارا. ليتك كنت باردا او حارا!
هكذا لانك فاتر، ولست باردا ولا حارا، انا مزمع ان اتقياك من فمي».
رؤ 15:3
هذه كانت بداية رسالة السيد المسيح الى كنيسة اللاودكيين،
حيث يكشف لنا السيد المسيح الخلل والمشكلة التي كانت تعاني منها هذه الكنيسة.
لقد كانت كنيسة اللاوكيين كنيسة فاترة، تماماً كالطعام الماسخ،
لا مذاق له والرب هنا اراد ان يرسل اليها تنبيهاَ كي تستفيق وتتوب
وتحذيراً من عواقب استمرارها في السلوك باستهانة وغرور.
الاعتماد على الحكمة الارضية والفهم الذاتي يقودان الانسان بلا ادارك
الى الغرور والاكتفاء والاستغناء، ربما لان هذا الانسان وصل الى درجة رفيعة من العلم
او لديه معرفة ليست بقليلة بالتاريخ او الاهوت وما شابه.
فمن الواضح جداً ان هذا الانسان بدأ بداية صحيحة، اذ بدأ يبحث عن الذهب،
ولكن كان يبحث معتمداً على عضلاته او ما سأسميه “عضلات العالم”،
وبعد وصوله الى نقطة معينة خيل له بانه وجد الذهب، وفي نظره استغنى معلناً:
«اني انا غني وقد استغنيت» .
او ربما وهو في رحلة بحثه اصطدم “بعثرة قوية”
ارغمته على التوقف والاكتفاء بما لديه او بما توصل اليه قائلاً:
«لا حاجة لي الى شيء».
بكلمات اخرى:
«انا تخرجت من كلية الاهوت، وقرأت كتباً كثيرة، انا اعرف الرب وتعلمت
كيف اعبده واخدمه لاني تتبعت كتابات الاباء الاولين وسير القديسين ووو،
بالاضافة الى انني كنت اسعى ان اكون امين في الخدمة والتعليم.
هل تسمع…. الانا
انا انا انا
انا بامكانياتي وانجازاتي وقدراتي واعمالي….
لكن عندما يحين وقت المقابلة مع الغني نفسه، مع صاحب القدرة والحكمة والسلطان نفسه،
مع الملك نفسه سيكشف لنا “
بمرآته” ما لا نراه نحن بعيوننا الارضية
و ما لا نعلمه بفهمنا وعلمنا المحدودين قائلاً:
«
لانك تقول: اني انا غني وقد استغنيت، ولا حاجة لي الى شيء، ولست تعلم انك انت الشقي والبئس وفقير واعمى وعريان. اشير عليك ان تشتري مني ذهبا مصفى بالنار لكي تستغني، وثيابا بيضا لكي تلبس، فلا يظهر خزي عريتك. وكحل عينيك بكحل لكي تبصر. اني كل من احبه اوبخه واؤدبه. فكن غيورا وتب. هنذا واقف على الباب واقرع. ان سمع احد صوتي وفتح الباب، ادخل اليه واتعشى معه وهو معي. من يغلب فساعطيه ان يجلس معي في عرشي، كما غلبت انا ايضا وجلست مع ابي في عرشه».
رؤ 17:3
الرب هنا يكشف لهذا الانسان او حالته المزرية وينصحه ان يأتي اليه
ويأخذ منه 5 مفاتيح تساعده على حل مشكلته:
المفتاح الاول:
عليه اولا ان يترك كل شئ امتلكه، اختزنه، تبناه، صدقه او حتى اختبره في عقله وقلبه
ويبدأ بداية جديدة بالالتفات الى الرب وبشراء الذهب منه،
عليه ان يطلب الحكمة والفهم والمعرفة من الرب نفسه. (عليه ان يطلب الروح القدس).
«
ويحل عليه روح الرب روح الحكمة والفهم روح المشورة والقوة روح المعرفة ومخافة الرب».
اش 2:11
المفتاح الثاني:
"الثياب البيض" التي تستر الخزي والعري اليست هي ثياب الخلاص، ثياب الحرية، ثياب النور
ثياب الكاهن والملك. الثياب التي يُلبسها السيد لكل من يقبل عمله على الصليب،
الذي بررنا مجانا بنعمته وغفر اثامنا وستر خطايانا.
«
فرحا افرح بالرب.تبتهج نفسي بالهي لانه قد البسني ثياب الخلاص
كساني رداء البر مثل عريس يتزين بعمامة ومثل عروس تتزين بحليها».
اش 10:61
المفتاح الثالث:
والكحل يكون لعينيه التي اعمتهما الخطية. انه كالعلاج الذي سيساعده
ليبصر بعيون جديدة واذهان جديدة، مستنيرة. عيون ايمان يرى من خلالها ما لا يُرى.
«
روح الرب علي لانه مسحني لابشر المساكين ارسلني لاشفي المنكسري القلوب لانادي للماسورين بالاطلاق وللعمي بالبصر وارسل المنسحقين في الحرية واكرز بسنة الرب المقبولة».
لو 18:4
وبعد ان يحصل الانسان من يد الرب على هذه المفاتيح الثلاثة
يصبح مهيئاً مستعداً قلباً وقالباً امام الملك العظيم ليتبع السيد في الطريق.
المفتاح الرابع:
عندها عليه ان يبدأ رحلته مع السيد كتلميذ وليس كخادم او معلم.
ان يبدأ حياته مع السيد كما بدأها تلاميذه، كما بدأتها مريم الجالسة
المستمعة عند قدمي المعلم، يبدأها بقبول التأديب والتوبيخ والعصا،
بالخضوع للتنقية والتصفية والتشكيل والتأهيل.
المفتاح الخامس:
هنا يأتي الامر الملوكي:
«كن غيورا وتب»
ـ كن غيوراً لا مغروراً، غيوراً للطلب والسؤال والصلاة والبحث المستمر
وبلجاجة من الرب ومع الرب لتتمكن من الدخول في اعماقه والاتحاد بشخصه المبارك،
كن غيوراً تسعى وتجاهد بلا هوادة لتعيش الفضيلة وحياة الطاعة والقداسة
والامتلاء اليومي من ثمر الروح والحكمة السماوية.
ـ عش حياة التوبة وليس الاستهانة والاستهترار بالوصية والكلمة
عش حياة التوبة بالامتلاء من كلمته، بالجلوس في محضره يومياً متضرعاً
ان يفحص وينقي ويمتحن ويصفي قلبك وفكرك.
هذه المفاتيح لن تجعل التلميذ ناحجاً حاراً وحسب، بل ستؤهله ليصبح خادماً ممسوحاً،
غالباً منتصراً يجلس على العرش الملوكي.
«
وكان الرب مع يوسف فكان رجلا ناجحا».
تك 2:39
«
ايها الحبيب، في كل شيء اروم ان تكون ناجحا وصحيحا، كما ان نفسك ناجحة».
3 يو 2:1
Sydesalt from Læsø
هذا النوع من الملح يُستخرج بالنار اسمه
"Sydesalt"
حيث توضع المياة المالحة في مقالٍ ضخمة وتسخن على النار الى ان تتبخر المياة
وتظهر على السطح ”
بلورات الملح” ليتم تجميعها.
السيد المسيح كشف لنا ”بلغة الامثال” قائلاً:
ان كل احد يأتي الى الايمان عليه ان يُملح بنار.
لكن كيف هذا؟
«
لان كل واحد يملح بنار وكل ذبيحة تملح بملح».
مر 49:9
«
وكل قربان من تقادمك بالملح تملّحه ولا تخل تقدمتك من ملح عهد الهك.على جميع قرابينك تقرّب ملحا»
لا 13:2
وهذا يعني ان على المؤمن ان يمتلئ من الكلمة، يتلذذ بالكلمة، يأكل الكلمة،
يبتهج بالكلمة، ينتظر الكلمة ويلهج بالكلمة، عندها فقط يستطيع ان يعيش الكلمة.
وكلمة الرب كالنار تنقي، تصفي كل قلب وذهن
(اي
نفس) كل من يسمع ويحفظ الكلمة في قلب صالح.
وبعد عملية تصفية وتنقية النفس يأتي دور الجسد المحتاج الى حماية ورعاية مستمرة،
وقوة خارقة للطبيعة تمكنه من العيش بحسب مشيئة الوهيم الا وهي ”القداسة”.
«
لان هذه هي ارادة الوهيم قداستكم.ان تمتنعوا عن الزنى ان يعرف كل واحد منكم ان يقتني اناءه بقداسة وكرامة».
1 تس 3:4
اذن ان كنا آمنا وادركنا انه علينا ان نقدم اجسادنا ذبيحة حية مقدسة مرضية يجب ان نُملح بملح.
وكما هو معروف ايضاً ان الملح يحفظ اللحم من الفساد،
هكذا اجسادنا ايضاً بحاجة ان تُحفظ من ”
العثرات”، اي ذلك الفساد الموجود حولها
لتعيش حياة البر والتقوى والقداسة التي بدونها لا يستطيع احد ان يرى الرب،
وتكون هذه الاجساد هياكل مقدسة لسكنى روح ايلوهيم.
وهذا سيحدث عندما نلتصق بالكلمة، بالقراءة اليومية والشركة اليومية المستمرة،
وبهذه الطريقة سنُنقى ونغتسل يومياً من كل الاوساخ التي تعلق بنا من العالم الذي حولنا.
«
انا الكرمة الحقيقية وابي الكرام. كل غصن في لا ياتي بثمر ينزعه.وكل ما ياتي بثمر ينقيه لياتي بثمر اكثر. انتم الان انقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم به».
يو 1:15
«
اما تعلمون انكم هيكل الوهيم وروح الوهيم يسكن فيكم. ان كان احد يفسد هيكل الوهيم فسيفسده الوهيم لان هيكل الرب مقدس الذي انتم هو».
1 كو 16:3
وهكذا نكون مهيأين للخضوع له ولارشاد روحه القدوس الذي سيذكرنا دائماً بكلام الرب
ويساعدنا لنعيش الحق، وعند انتهاء سباقنا، نكون الذبيحة الحية المرضية
ورائحة سرور لالهنا
.
«
لان هذه هي مشيئة الوهيم في المسيح يسوع من جهتكم. لا تطفئوا الروح. لا تحتقروا النبوات. امتحنوا كل شيء.تمسكوا بالحسن. امتنعوا عن كل شبه شر. واله السلام نفسه يقدسكم بالتمام ولتحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم عند مجيء ربنا يسوع المسيح».
1 تس 18:5
لهذا السبب تكلم الرب قبل ان يتطرق الى الملح في نفس الاصحاح
عن العثرات التي تأتي الانسان، وهذا عادة ما يكون سببه عدم سماحنا
للكلمة الحية الفعالة ان تحرق كل شئ غير مقدس يتسلل الينا محاولاً
ان يبني فينا حصون وحواجز تمنع الكلمة من الوصول لجذور المشكلة
كي نتخلص من كل قيد يربطنا ومن كل خطية تستعبدنا، لاننا عندما نعرف الحق الحق يحررنا
العثرات …
اليست هي القرارات والاختيارات الخاطئة التي نقوم بها في حياتنا بعيداً
عن ارشاد وقيادة روح ايلوهيم وكلمته. اليست العثرة الكبرى بل الكارثة الحقيقية
التي يعيشها الانسان الان هي انه لا زال يجهل من هو السيد المسيح.
العثرات
هي نوعين، النوع الاول:
تكون العثرة كقيد قوي، خطية او خطايا يحبها الشخص ولا يستطيع التخلي عنها،
ربما تكون على شكل اله وهمي يجري الشخص خلفه كالاعمى، او شهوة تغويه،
تجره وراءها كثور يذهب للذبح، او طريق يمشي فيه يظهر له او يتخيل له
انه مستقيم وعاقبته الموت، هذه النوعية من الاشخاص سيصعب عليها تصديق الكلمة
عند سماعها لانها مرتاحة وتحب هذه العثرة وسنين العشرة.
النوع الثاني:
هي عثرات تعترض طريق المؤمن الذي اغتسل بدم الرب وسمع كلمة الحق
وامتلئ قلبه بمحبة الاب، العثرات التي تأتيه تحاول جاهدة وباستمرار ان تجعله
من خلال قوة خفية تعمل في العالم او الانسان العتيق ان ينسى الكلمة،
ليعود للغرق من جديد في عالم الظلمة، واخيراً سيجد نفسه يسقط من النعمة ويُطرح خارجاً.
وهذه العثرات تظهر باشكال مختلفة، ربما على شكل عمل اثيم نقوم به بايدينا
او كلمات غير لائقة ننطق بها بالسنتنا، او مكان لا يرضيه تقودنا اليه ارجلنا،
او نظرات شهوانية تتحول الى مشاهد تصويرية، او اموراً هدّامة
كالشهوات العالمية والتعاليم المضللة، كالفكر والحكمة الارضية النفسانية الشيطانية التي تُلوث مسامعنا وتخلب القلب وتنجس الفكر.
وهنا يقف هذا المؤمن او هذا التلميذ الذي سمع وعرف واختبر الكلمة،
كلمة الحياة والحق
"
النافعة للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البر”
او كما اختصرها السيد بهاتين الكلمتين:
”
الملح جيد”.
«
الملح جيد.ولكن اذا فسد الملح فبماذا يصلح. لا يصلح لارض ولا لمزبلة فيطرحونه خارجا.من له اذنان للسمع فليسمع»
لو 34:14
بمعنى كلمة الحياة التي يسمعها الانسان لا مشكلة فيها البتة لانها فعالة وقادرة ان تغيره،
انها قادرة ان تنقيه ليأتي بثمر كثير.
لكن هنا تظهر المشكلة حيث يقف هذا المؤمن بين الكلمة وبين العثرة
ليختار بين السيف (
الكلمة) ليقطع العثرة، او بين العثرة (
الخطية) ليُقطع هو بالعثرة،
ونهاية هذا الاخير والاختيار تكون مؤلمة ومرة كما اكد السيد المسيح.
اذن الملح جيد بمعنى ان الكلمة حية وفعالة وامضى من كل سيف ذي حدين
وخارقة لانها قادرة ان تصل وتتعامل مع الاعماق.
لكن ان جعلنا الكلمة في حياتنا مجرد كلمات
بلا ثمر نؤمن بها ونرددها
ان جعلنا الكلمة في حياتنا مجرد واجب وروتين بلا جوع وعطش
وتجديد يتوهج في دواخلنا
ان جعلنا الكلمة مجرد علم نفخر به لتصبح مجرد كنز دفين.
هنا تصبح الكلمة مع كل حزن واسى بلا فعالية في حياتنا
ستكون بلا روح بلا نفخة الهية، ونهايتها ستكون الموت
لاننا … خنقنا
قتلنا الكلمة
... وان قتلت كلمة الحياة فيك بماذا ستُملح؟
ما الذي سيحييك؟
ما الذي سيُطهرك وينقيك؟
اسئلة خطيرة، يجب ان نسأل انفسنا نحن المؤمنين والتلاميذ
ونُذكر انفسنا بما قاله لنا سيدنا
ان الطريق كرب والباب ضيق وكثيرين يدعون وقليلين ينتخبون.
ان لم نسمح لكلمة الوهيم ان تقطع كل اثم فينا
سيقطع الاثم كل ما فينا.
…
ان كنت مؤمن جديد اقبل للنار، اقبل ”كلمة الرب” ان ”
تُملحك”
وان كنت لم تتقابل مع نار الحب والكلمة لتصبح ”
الملح”
قل له:
انا اريد ان اتقابل مع هذا الحب، مع هذه النيران المقدسة
لتُحرق فيّ كل كراهية
اريد ان اتقابل مع هذه الكلمة الخارقة،
لتقطع فيّ كل شئ غير مقدس وكل عثرات مرئية او خفية
اريد ان اتقابل مع هذه الكلمة الحية، لتحيا العظام الميتة فيّ
اريد ان اكون الملح،
ملح الارض واعيش معك الحرية والابدية
.
وعندما تتهيأ لتصبح ملح الارض، سيستخدمك الرب ليُملح آخرين كانوا مثلك.
لهذا السبب العالم والارض بحاجة لك.
«
وقال لهم اذهبوا الى العالم اجمع واكرزوا بالانجيل للخليقة كلها. من امن واعتمد خلص.ومن لم يؤمن يدن. وهذه الايات تتبع المؤمنين.يخرجون الشياطين باسمي ويتكلمون بالسنة جديدة. يحملون حيات وان شربوا شيئا مميتا لا يضرهم ويضعون ايديهم على المرضى فيبراون».
مر 16:15