سلام لشخصك العزيز:
حبيب قلبي الغالي كلامك غريب شوية، لأن الله لا يوجد فيه شكل أو هيئة مثل الإنسان، فالله كائن بذاته، هو أعلن لنا ذاته كثالوث قدوس، والثالوث ليس شكل ولا هيئة في قالب كما تظن، لأن الرب نفسه قال: [ والآب نفسه الذي أرسلني يشهد لي، لم تسمعوا صوته قط ولا أبصرتم هيئته ] (يوحنا 5: 37)
المشكلة يا أجمل أخ حلو أننا ننطلق من التفكير الإنساني لنصل لله في النهاية وبالطبع هذا غير صحيح، لأن حتى لو تكلمنا على الله أنه واحد عددياً منفرداً مثل الرقم، هذا لا يُعتبر أقل من ثلاثة، لأن ثلاثة وواحد كلاهما رقم لا ينطبق على الله، فالله ليس 3 ولا واحد عددياً بلغة الأرقام، لأن وحدانيته محفوظة في كيانه الخاص، الذي يستحيل فحصه بل يأتي لنا بإعلان في القلب فيتولد الإيمان الحي، لأن بدون رؤية وإعلان إلهي سندخل في نظريات وأفكار فلسفية نتكلم بها عن الله ونعطي تعريفات مبنيه على بما أن وإذن، وهذا معترض وهذا مؤيد، وهذا صح وهذا خطأ، وهذا دين توحيد وهذا دين شرك.. الخ، فأول لما يدخل التفكير في شخصية الله وكيانه، تخرج كل فلسفة وفكر فنَعبُد من هو ليس الله، بل صنم خلقته أفكارنا عن الله لكي نعبده، لأن لكل واحد تفكير يُريد ان يُسقطه على إلهه الخاص، وكأن يقول حاشاك يا الله أنت لست كذلك فأنت كذا وكذا... الخ، وكأننا نحن الذين صنعنا الله وعملناه بأفكارنا الفلسفية ...
فأنا أعبد الله الذي يُظهر لي ذاته ويعلمني عن شخصه، وليس أنا من أكتشفه واصنعه بتفكيري الشخصي، فالله حي وكائن بذاته وأصل ونبع كل وجود وحياة، فالتعرف على شخص يختلف عن التعرف على مادة فكرية أطوعها بعقلي لتتناسب مع تفكيري أنا فأقبلها وأتعايش معها، وهذا ليس الله بالطبع، بل فلسفة فكر محصور في اتجاه عقلي، وهذا ينطبق على المادة الجامدة، أو القصة والأسلوب الأدبي والشعر، لأنه بيعبر عن شخصيتي وتفكيري أنا...مع أن هذا لا ينفع بالطبع في كل العلاقات الشخصية، أي علاقة شخص بشخص..
فمثلاً لو أنت أحببت أن تتعرف علىَّ، هل ينفع أن تضع فرضيات عني وأنت لم تراني، وأن تكون صورة عن شخصيتي من مجرد كلام سمعته، الكلام الذي ستسمعه عني ربما يجعلك تشتاق أن تراني وتتعرف بي، ولكن شوقك ومحبتك التي تولدت في داخلك لي لا تجعلك تتكلم عني كلاماً صحيحاً لأنك لم تلتقي بي بعد، ولم تعرفني كشخص حي أمامك تراني وتسمعني وأسمعك وتسألني عن نفسي وتتعرف عليَّ بالشركة والعِشرة الدائمة، أما لو لم يتم اللقاء بيني وبينك فلن تستطيع أن توصفني بدقة، بل ستضع ملامح خاصة حسب تخيلك الشخصي وإحساسك، وبذلك تصنع صورة في مخيلتك عن شخص وهمي تتمنى أن تراه في هذا القالب، ولكنك لم تعيش مع شخصية حقيقية واعتباريه تعرفها وتتداخل معها في شركة حقيقية من أي نوع، مثل الصداقة الزمالة الإخوة... الخ...
لذلك يا أجمل أخ حلو الصلاة هي عملية لقاء يولد إيمان حي يرى ما لا يُرى، أي يرى وجه الله المُنير فيُشرق في القلب لمسة حياة وفي الذهن معرفة خاصة يتنسم منها الإنسان رائحة الحياة ليدخل في شركة حب مع الله الحي الذي يُعلن ذاته، لأنه لا يكفي أبداً أن نعرف عن الله، بل أن نقترب منه ونطلب إعلان ذاته لنا، وأن يمس قلبنا بقوته فنتغير ونصير خليقة جديدة منفتحه على شخصه العظيم، فلما نؤمن هذا الإيمان الحي ندخل في المعرفة الإلهية ويسقط كل سؤال لأننا التقينا بالله الحي ففرحنا وعرفنا بمن آمنا .... وهذه هي خبرة الإيمان الحي... كن معافي