إن كان المسيح هو المخلّص المنتظَر، فلماذا رفض أن يصير ملكاً؟ لقد تأملنا ثلاث نبوات لثلاثة أنبياء تقول إن المسيح هو الملك من سبط يهوذا فلماذا رفض أن يملك؟
تجيئنا إجابة السؤال مِن نبوّات أخرى تصف المسيح بأنه العبد البار الذي يتألم ويموت. أولى هذه النبوات من سفر دانيال 9:21-26 وقد كُتبت قبل المسيح بستمئة سنة، وتقول:
والقول (يُقطَع المسيح وليس له) معناه أن هذا القطع (ليس من أجل نفسه) بل من أجل سواه فالواضح أن المسيح لن يملك في هذا الوقت، لأن مجيئه هذا هو (لكفّارة الإثم، وليُؤتَى بالبر الأبدي)
أما النبوة الثانية فقد كتبها إشعياء قبل المسيح بسبعمئة وخمسين سنة، وتراها في أصلها العبري (صورة رقم 8) وهي لمخطوطة وُجدت في كهوف قمران، ويعود تاريخها إلى 150 سنة قبل المسيح، وتمَّ اكتشافها عام 1948 وواضح أنه لم يجرِ فيها أي تغيير طيلة تلك السنين، وهي تشبه المخطوطة التي كانت بين يدي المسيح من التوراة وصدّق عليها تقول تلك النبوة:
تقول هذه النبوّة إن المسيح عَبْد الرب البار سيموت ليحمل خطية كثيرين ويشفع في المذنبين وقد روى لنا اليهودي المتنصّر (ستانلي روزنتال) (5) كيف حاول علماء الدين اليهود مصالحة فكرة المسيح الملك مع فكرة عبد الرب المتألم، قال:
(كتب علماء اليهود القدامى في التلمود اليهودي عن مسيحَيْن يظهران على مسرح التاريخ، أحدهما (المسيح ابن داود) الذي سيملك، وثانيهما دعوه (المسيح ابن يوسف) لأنه سيتألم كما تألم يوسف بن يعقوب)
لم يكن يهود القرن المسيحي الأول يملكون ما يصالح الفكرتين ولكن جاء المسيح بالحل عندما أوضح أنه (ابن الإنسان) الذي (يُقطَع) لكفارة الإثم ليحمل خطية كثيرين ثم أنه سيجيء ثانية إلى أرضنا بقوة ومجد عظيم ليملك فما حسبه قدامى علماء اليهود مسيحَيْن، نفهمه اليوم على أن المسيح الواحد يظهر مرتين.
وإذ قد عرفنا هذا التفسير، دعونا نرجع إلى إلياس، صديقنا من قرية نايين:
مناقشة في أورشليم قال إلياس: لعلكم تتذكرون المعلّم الشاب وما ذكرتُه عنه لم تتضح الأمور بخصوصه في ذهني تماماً وقد زارني تاجر يسكن أورشليم (وهو أصلاً من نايين) ليشتري حملان الفصح، وهي عادة أفضل الأغنام وقال لي كلاماً تطن له الآذان قال إن المسيح زار أورشليم قبل بضعة أشهر بمناسبة عيد المظال، وقال لليهود الذين آمنوا به: (إِنْ ثَبَتُّمْ فِي كَلَامِي فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ تَلَامِيذِي، وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ) فتضايق علماؤنا وقالوا له: (إِنَّنَا ذُرِّيَّةُ إِبْرَاهِيمَ وَلَمْ نُسْتَعْبَدْ لِأَحَدٍ قَطُّ كَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ: إِنَّكُمْ تَصِيرُونَ أَحْرَاراً؟) فأجابهم: (الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الِابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَاراً) (يوحنا 8:31-36)
وقال لي التاجر الأورشليمي إن المسيح قال: (إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْفَظُ كَلامِي فَلْنْ يَرَى الْمَوْتَ إِلَى الْأَبَدِ) فصرخ فيه شيوخ اليهود: (الآن علِمْنا أن بك شيطاناً قد مات إبرهيم والأنبياء، وأنت تقول: إن كان أحدٌ يحفظ كلامي فلن يذوق الموت إلى الأبد ألعلّك أعظم من أبينا إبرهيم الذي مات والأنبياء ماتوا من تجعل نفسك؟) فأجابهم: (أَبُوكُمْ إِبْرَهِيمُ تَهَلَّلَ بِأَنْ يَرَى يَوْمِي فَرَأَى وَفَرِحَ) (كان إبرهيم قد مات قبل ذلك بنحو 1800 سنة) فقالوا له (ليس لك خمسون سنة بعد، أفرأيت إبرهيم؟) وبدون أن يتردد لحظة قال لهم: (الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَهِيمُ أَنَا كَائِنٌ) (والقول (أنا كائن) هو اسم الجلالة الذي لا يسوغ لأحد أن ينطق به!) وبدأ البعض يفتشون على حجارة يرجمونه بها لأنه جدَّف، غير أنهم كانوا مترددين، فخرج من الهيكل مجتازاً في وسطهم ومضى (يوحنا 8:51-59) ولو أن أحداً غير المسيح نطق بهذه الكلمات لكان كافراً
وأكمل التاجر حديثه في اليوم التالي وقال إن المسيح فتح عيني رجل تفل على الأرض وصنع طيناً طلى به عيني الأعمى وأمره أن يذهب ويغتسل في بركة سلوام وساعده البعض ليذهب ويغتسل، فعاد بصيراً وقال المسيح بعد تلك المعجزة: (مَا دُمْتُ فِي الْعَالَمِ فَأَنَا نُورُ الْعَالَمِ) ولما سأله البعض عن المعجزة قال: (لِدَيْنُونَةٍ أَتَيْتُ أَنَا إِلَى هذَا الْعَالَمِ، حَتَّى يُبْصِرَ الَّذِينَ لَا يُبْصِرُونَ وَيَعْمَى الَّذِينَ يُبْصِرُونَ) (يوحنا 9:1-39) هكذا هو المسيح، يقول أشياء تحير، ويُجري معجزات تفوق العقل!
ثم أخبرني التاجر الأورشليمي أن المسيح بدأ أخيراً يقول إنه سيُقتَل، وإن هذا أمر سبق تدبيره قال: (إِنِّي الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَأَعْرِفُ خَاصَّتِي وَخَاصَّتِي تَعْرِفُنِي، كَمَا أَنَّ الْآبَ يَعْرِفُنِي وَأَنَا أَعْرِفُ الْآبَ وَأَنَا أَضَعُ نَفْسِي عَنِ الْخِرَافِ لِهذَا يُحِبُّنِي الْآبُ، لِأَنِّي أَضَعُ نَفْسِي لِآخُذَهَا أَيْضاً) (يوحنا 10:14-17)
فمن يقدر أن يعقل هذا؟ صحيح أنه يتكلم بأمثال وتشبيهات، ولكن مَن يمكنه ألّا يفهم مِن كلامه أنه سيموت ثم يعود للحياة ثانيةً؟ ولكن أي مسيحٍ هذا؟ ولماذا؟ قال لي التاجر إن بعض السامعين قالوا (بِهِ شَيْطَانٌ وَهُوَ يَهْذِي لِمَاذَا تَسْتَمِعُونَ لَهُ؟) ولكن آخرين قالوا (لَيْسَ هذَا كَلَامَ مَنْ بِهِ شَيْطَانٌ أَلَعَلَّ شَيْطَاناً يَقْدِرُ أَنْ يَفْتَحَ أَعْيُنَ الْعُمْيَانِ؟) (يوحنا 10:20 و21)
وعندما سمعت هذا من التاجر هدأت، فلستُ وحدي الحائر، بل إن قادة ديننا أيضاً حائرون، حتى قالوا له (إنْ كنتَ أنت المسيح فقُل لنا جهراً) فأجابهم: (إِنِّي قُلْتُ لَكُمْ وَلَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ اَلْأَعْمَالُ الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا بِاسْمِ أَبِي هِيَ تَشْهَدُ لِي إِنْ كُنْتُ لَسْتُ أَعْمَلُ أَعْمَالَ أَبِي فَلَا تُؤْمِنُوا بِي وَلكِنْ إِنْ كُنْتُ أَعْمَلُ، فَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِي فَآمِنُوا بِالْأَعْمَالِ، لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا أَنَّ الْآبَ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ)
فطلبوا أيضاً أن يمسكوه، فخرج من أيديهم (يوحنا 10:24-39)
ثم قال لي تاجر الحملان إن المسيح شفى عشرة رجال مرضى بالبرص بكلمة واحدة، فقد صرخوا (يا يسوع، يا معلم، ارحمنا) فنظر، وقال لهم: (اذْهَبُوا وَأَرُوا أَنْفُسَكُمْ لِلْكَهَنَةِ) وفيما هم منطلقون طهروا (لوقا 17:12-14)
يقول (إِنَّ الْآبَ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ) فلا غرابة إن أرادوا أن يرجموه! ولكنك تستريح إلى صِدق قوله وإلى رغبته في أن يُريح قلبك باعتبار أنه (الحق) الماثل أمامك.
وكان آخِر ما قاله لي التاجر إنه يعرف واحداً من تلاميذ المسيح (ليس واحداً من الاثني عشر، بل من الدائرة الأكبر، دائرة السبعين) أخبره أن المسيح قال: (اِبْنُ الْإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلى أَيْدِي الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ، وَيُسَلِّمُونَهُ إِلى الْأُمَمِ، فَيَهْزَأُونَ بِهُ وَيَجْلِدُونَهُ وَيَتْفُلُونَ عَلَيْهِ وَيَقْتُلُونَهُ، وَفي الْيَوْم الثَّالِثِ يَقُومُ) (مرقس 10:33 و34)
فلماذا يتنبأ بموته؟ إن عنده كل القوة ليجري المعجزات لقد أسكت الريح وهدّأ الأمواج بكلمة (مرقس 4:37-41) فمن يجرؤ على لمسه أو إيقاع الأذى به وهو يملك هذه القوة الخارقة؟ صحيح أني سمعت أحد علمائنا يتكلم عن (مسيح متألم) ولكني عارضتُه لأن المسيح قوي جبار، يملك ويسحق أعداءنا الرومان الغُلف ولم يعقِّب عالِم الدين، ولو أنه تحدث عن المسيح (عبد الرب المتألم)
وكثيراً ما تساءلتُ: تُرى كيف يكون الحال في مُلك المسيح؟ لقد كان قاسياً في توبيخ الناس يوم أطعم الخمسة الآلاف، ولكنه كان رقيقاً بنا وتحدث عن الله كآبٍ سماوي يحبنا ولن أنسى قوله: (إِنْ كُنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلادَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ يَهَبُ خَيْرَاتٍ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ!)
ومضى إلياس يقول:
وعندي أخبار مفرحة: عمي الذي يعيش في القيروان في ليبيا، الذي لم أرهُ منذ 15 سنة سيجيء هذا العام لحضور احتفال الفصح ويوم الخمسين معنا ولأني لن أذهب لأورشليم للفصح، إذ يجب أن أعتني بالقطعان، فسأذهب إليها مع عمي في عيد الخمسين وقتها أرجو أن أسمع أكثر من مواعظ المسيح الذي أعتقد أنه يشهد للحق وهم يعلمون ذلك.
عندما نقول نحن المسيحيين إن المسيح يشفع في كل مَن يقبل خلاصه، يقول المسلمون: بل إن محمداً هو الشفيع وقد قال لي ناظر مدرسة في تونس إنه لن يبقى مسلم واحد في النار لأن محمداً سيشفع في كل واحد منهم فإن قال المسيحي إن المسيح هو الجدير بالشفاعة لأنه الوحيد الذي لم يخطئ، يردّ المسلم بأن كل الأنبياء معصومون وإن قال المسيحي إن المسيح مات لأجل خطايانا، يرد المسلم بأن الله لن يسمح بموت نبي صالح.
فماذا يقول القرآن عن هذه الأمور؟ لنبدأ بالسؤال الأخير:
هل يسمح الله بقتل نبي صالح؟
هناك ثماني آيات قرآنية تذكر هذا الموضوع، كلها تخاطب اليهود: سورة البقرة 2:91 (وتعود إلى عام 2 ه) (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ؟) سورة آل عمران 3:112 و181 (وتعود إلى عام 3 ه) ( كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُون َنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) سورة النساء 4:155 (وتعود إلى عام 5 أو 6 ه) (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) بل إنهم أيضاً يقتلون الناس الذين يطالبون بالعدالة سورة آل عمران 3:21 (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) وبالإضافة إلى قتل الأنبياء قُتل الرسل جاء في سورة البقرة 2:87 (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ!) سورة آل عمران 3:183 (قُلْ (يا محمد) قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ؟) سورة المائدة 5:70 (عام 10 ه) (لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ) ونرى من هذه الآيات الثماني: أن (أ) رجالاً ممن يأمرون بالقسط (العدالة) و(ب) أنبياء الله و(ج) رسلاً من الله، قُتِلوا غالباً بأيدي رؤساء اليهود ومن هؤلاء يوحنا المعمدان (يحيى بن زكريا) ولو أن القرآن لا يورد قصة قتله، لكن الإنجيل ذكرها، كما ذكرها المؤرخ اليهودي يوسيفوس (كتاب 18 ف 5) قال: (لأن هيرودس (ملك اليهود) قتله (المعمدان) وهو رجل صالح أمر اليهود بممارسة الفضائل)
فليس من حق المسلم أن يقول إن موت نبي صالح أمرٌ مستحيل، فالقرآن يقول إن الله القدير سمح بقتل أنبيائه ورسله.
هل كل الأنبياء معصومون من الخطية؟ 1. أول الأنبياء (حسب التعليم الإسلامي) هو آدم، ويقول القرآن إنه أُهبِط من الجنة لأنه عصى ربه وغوى جاء في سورة طه 20:120 و121 (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ... وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى) ولا تذكر سورة الأعراف 189 و190 آدم وحواء بالاسم، إلا أن الإشارة هناك إليهما، وتقول (هو الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما آتاهما صالحاً جعلا له شركاء) وخطية الشِرك لا غفران لها في الإسلام، وهي أسوأ من المعصية.
ونحن لا نرى في طلبة نوح من أجل ابنه خطية ولا وزراً، فقد عبَّر عن مشاعره الأبوية الطبيعية ولكن القرآن يقول إن الله وبَّخه فاعترف بأنه أخطأ برفضه إرادة الله، وطلب الغفران والرحمة.
3. قال إبراهيم (أبو الأديان الثلاثة) في سورة إبرهيم 14:41 (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) وقال في سورة الشعراء 26:77 و81 و82 (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ... وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) وهنا يسأل إبرهيم الغفران لخطيته هو شخصياً.
4. وعندما نفحص حالة موسى كليم الله، نرى الله يوبخه في سورة القصص 28:15 و16 (من العهد المكي المتأخر) (وَدَخَلَ (موسى) الْمَدِينَةَ... فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)
وقال عبد الله يوسف علي في تعليقه على هذه الآيات إنها تلمح إلى ارتكاب داود الزنا مع بثشبع وقتله زوجها ليخفي جريمته (القصة في سفر صموئيل الثاني 11 و12 ومزمور اعترافه بالخطية هو مزمور 51) وقال حميد الله إنها بلا شك تشير إلى هذه الحادثة وأعتقد أنهما قد أصابا لأن ال99 نعجة، والنعجة هما رقما النعاج الواردين في المثل التوراتي، ثم لأن الآية 26 من سورة ص تقول (يَا دَاوُدُ... فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)
ومهما كان الموقف، فهذه الآيات تتكلم عن خطأ داود واستغفاره وركوعه تائباً، وأمر الله له ألّا يتَّبع الهوى.
6. وفي سورة ص 38:35 يقول سليمان (رَبِّ اغْفِرْ لِي) ولو أنه لم يذكر الخطأ الذي يطلب بسببه الغفران ربما كان أنه نسي ذكر الله لانشغاله بالصافنات الجياد!
7. أما النبي يونس (يونان) فقد عصى ربه لما أمره أن يكون مبشراً ونذيراً لنينوى، فسافر بعيداً وتقول سورة الصافات 37:142-144 (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (آتٍ بما يُلام عليه)، فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) أما كلمات توبته فموجودة في سورة الأنبياء 21:87 (من العهد المكي الوسيط) ( فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) فهو يعترف أنه ظلم نفسه وغيره، وهو ملامٌ على ما فعل، كما لام الله فرعون (سورة الذاريات 40)
في هذه الآيات تأملنا سبعة من الأنبياء، اثنان منهم من الرسل، وقد دعوا أنفسهم خطاة، أو دعاهم الله كذلك وطلب منهم التوبة ومع أن الخطية المذكورة لكلٍ من نوح وسليمان كانت خطية مواقف فكرية، قد نعتبرها عادية، إلا أنهما طولبا بالتوبة أما آدم فقد (عصى) وجعل لله شركاء، ويونس رفض الطاعة فأصبح ملوماً ويطلب إبرهيم غفران خطيته، ويطلب موسى الغفران للقتل، وداود للزنا وكانت خطية موسى سهواً، أما خطية داود فعمداً وواضح أن الشخص الذي يعرف شرائع الله يُطالَب بأكثر مما يطالب به الإنسان العادي، ولذلك نعتبر وزر خطية الأنبياء والرسل أكبر من وزر خطايا البشر العاديين، ومسئولية النبي أكبر من مسئولية سائر الناس، كما تقول سورة الأحزاب 7 و8 إن الله أخذ من النبيين ميثاقهم، وهو ما لم يفعله مع سائر البشر.
واضح إذاً من القرآن أن للأنبياء أخطاءهم.
8. ويؤدي ما قلناه إلى موضوع حساس قد يؤلم القارئ، ولكن الأمانة تدفعنا إليه، وهو ما يقوله القرآن عن محمد والخطية ولنتأمل الآيات القرآنية بحسب ترتيب نزولها:
سورة المدَّثّر 74:1-6 (وهي من العهد المكي المبكر) (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ وَلاَ تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ)
سورة الضحى 93:6 و7 (من العهد المكي المبكر) (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى) وهناك الدعاء في فاتحة القرآن آيتي 6 و7 عن الضالين يقول: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) وهو دعاء يردده كل مسلم في صلواته كل يوم.
سورة الشرح 94:1-7 (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ... فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) ونقارن كلمات هذه الآيات بما جاء في سورة الأنعام 6:31 التي تصف الكافرين في النار (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ)
سورة عبس 80:1-11 (من العهد المكي المبكر) (عَبَسَ (محمد) وَتَوَلّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ) وهنا يوبخ القرآن محمداً لأنه كان مجاملاً للغني عابساً في وجه الأعمى الفقير.
سورة غافر 40:55 (من العهد المكي المتأخر) (فَاصْبِرْ (يا محمد) إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ)
سورة محمد 47:19 ( عام 1 ه) (فَاعْلَم (يا محمد) أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) ولعل ذنوب المؤمنين والمؤمنات شبيهة بذنوب النبي، لأن الآية تُجمِلها معاً.
سورة النساء 4:105-107 (عام 5-6 ه) (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بِيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً) أما سبب نزول هذه الآيات فإن محمداً أراد أن يقف ضد زيد بن السمين اليهودي البريء وأن يقف في جانب المسلم الذي اتهمه ظلماً (أسباب النزول لجلال الدين السيوطي - الآية)
فمن هو الذي شهد بالحق؟ قال عبد الله يوسف علي وآخرون إنه محمد الذي نادى ببشرى التوحيد ولكن الآية لا تحدد شخصاً بالاسم فهل هو إبرهيم أو موسى أو غيرهما ممن نادوا بالتوحيد ولم يقُل نبي عن نفسه (أنا هو الحق) إلا المسيح ولكن القرآن لا يحدد لنا من شهد بالحق.
أما من يقدر أن يشفع فقد جاء ذكره في ثماني آيات قرآنية، تقول إنه: أ. لا يقدر أحد أن يشفع، حتى الملائكة، إلا بإذن الله. ب. لا تُقبَل الشفاعة إلا في من رضي الله عنهم. ج. لا يشفع إلا من شهد بالحق.
3. إبرهيم: صلى لأجل نفسه ولأجل سواه وقال: (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) (سورة إبرهيم 14:41) وقال (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ) (سورة الشعراء 26:86)
وقد أُنزِلت بعد ذلك سورة التوبة 9:113 و114 تنهَى إبرهيم ومحمداً والمؤمنين عن الدعاء للمشركين حتى لو كانوا أولي قربى من بعد ما تبيَّن لهم أنهم أصحاب الجحيم.
وجاء في سورة هود 74 أن إبرهيم دعا الله من أجل أهل نبي آخر هو لوط (فلما ذهب عن إبرهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط)
4. يعقوب: دعا الله ليغفر خطايا أولاده العشرة فقد جاء في سورة يوسف 12:97 و98 (قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)
5. موسى: جاءت قصة العجل الذهبي في سورة الأعراف 7:148-156 وفي آية 155 دعا موسى الله من أجل شعبه وقال (رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ)
ما يقوله الكتاب المقدس عن أنبياء
صلّوا من أجل غيرهم حدثنا الكتاب المقدس عن أنبياء صلوا من أجل الآخرين:
6. وصلى النبي إرميا من أجل شعبه، فأمره الله أن يتوقف عن الصلاة لأجلهم بسبب استمرارهم في الشر، وقال للنبي (وَأَنْتَ فَلَا تُصَلِّ لِأَجْلِ هذَا الشَّعْبِ وَلَا تَرْفَعْ لِأَجْلِهِمْ دُعَاءً وَلَا صَلَاةً، وَلَا تُلِحَّ عَلَيَّ لِأَنِّي لَا أَسْمَعُك أَمَا تَرَى مَاذَا يَعْمَلُونَ فِي مُدُنِ يَهُوذَا وَفِي شَوَارِعِ أُورُشَلِيمَ؟ الْأَبْنَاءُ يَلْتَقِطُونَ حَطَباً، وَالْآبَاءُ يُوقِدُونَ النَّارَ، وَالنِّسَاءُ يَعْجِنَّ الْعَجِينَ، لِيَصْنَعْنَ كَعْكاً لِمَلِكَةِ السَّمَاوَاتِ وَلِسَكْبِ سَكَائِبَ لِآلِهَةٍ أُخْرَى لِيُغِيظُونِي) (إرميا 7:16-18)
ومن هذه الآيات في القرآن والكتاب المقدس نرى النبي يصلي أثناء حياته ووجوده على الأرض من أجل أناس أحياء، له بهم ارتباط ولكن لا يوجد أثر في القرآن لفكرة أن نبياً يشفع في أمته في يوم الدين ولكن ماذا يقول الحديث الإسلامي عن الشفاعة؟
الشفاعة في الحديث نورد هنا بعض الأحاديث، وكلها صحيحة، وكلها مُسندَة، ولو أنها متناقضة ونترك للقارئ أن يحكم لنفسه:
قال محمد: (يجمع الله المؤمنين يوم القيامة كذلك فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا، فيأتون آدم فيقولون: يا آدم أما ترى الناس؟خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء. شفّع لنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا. فيقول: لست هناك، ويذكرهم لهم خطيئته التي أصاب، ولكن ائتوا نوحاً فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض. فيأتون نوحاً، فيقول: لست هُناكم، ويذكر خطيته التي أصاب، ولكن أئتوا إبراهيم خليل الرحمن. فيأتون إبراهيم فيقول: لست هُناكم، ويذكر لهم خطاياه التي أصابها، ولكن أئتوا موسى عبداً آتاه الله التوراة وكلمه تكليماً. فيأتون موسى، فيقول لست هُناكم، ويذكر لهم خطيئته التي أصاب، ولكن ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وكلمته وروحه، فيأتون عيسى فيقول: لست هُناكم (ولا يقول الحديث إن المسيح ارتكب خطأً، فهو الكامل الذي بلا خطأ). ولكن ائتوا محمداً صلى الله عليه وسلم عبداً غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتوني فانطلق فاستأذن على ربي فيؤذن لي عليه، فإذا رأيت ربي وقعت له ساجداً، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقال لي: ارفع محمدُ وقل يُسمع وسل تُعطه واشفع تُشفّع، فأحمد ربي بمحامد علَّمنيها ثم أشفع فيحُدّ لي حداً فأُدخلهم الجنة، ثم أرجع فإذا رأيت ربي وقعت ساجداً، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يُقال: ارفع محمدُ، وقل يُسمع وسل تُعطه واشفع تُشفع، فأحمد ربي بمحامد علمنيها ثم أشفعُ، فيُحدّ لي حداً فأُدخلهم الجنة، ثم أرجع فإذا رأيت ربي وقعت ساجداً فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يُقال: ارفع محمدُ، قل يُسمع تُعطه واشفع تُشفع، فأحمد ربي بمحامد علمنيها ثم اشفع فيُحدّ لي حداً فأُدخلهم الجنة، ثم أرجع فأقول: يا رب ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود، قال النبي صلى الله عليه وسلم يُخرَج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثم يُخرَج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن بُرة، ثم يُخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه ما يزن من الخير ذرَّة) (صحيح البخاري طبعة دار الفكر، ج 8 ص 172، 173)
ولكن روى أبو نعيم من حديث أبي الزبير عن جابر قال: سمعتُ رسول الله يقول (لا يُدخِل أحداً منكم الجنةَ عملُهُ، ولا يُجيره من النار، ولا أنا، إلا بتوحيد من الله تعالى) (إسناده على شرط مسلم وأصل الحديث في الصحيح حادي الأرواح لابن قيم الجوزية فصل 19)
وفي حديث عن عائشة قالت: يا رسول الله ما من أحدٍ يدخل الجنة إلا برحمة الله تعالى؟ فقال (ما من أحدٍ يدخل الجنة إلا برحمة الله تعالى) قالها ثلاثاً قلتُ ولا أنت يا رسول الله؟ قال (ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته) قالها ثلاث مرات (رواه البيهقي في الدعوات الكبيرات - مشكاة المصابيح تحقيق الألباني حديث 1305)
وفي حديث عن ابن زيد الأنصاري أن عثمان بن مظعون، أحد المهاجرين تُوفي، فكفنوه وجاء محمد، فقالت أم العلاء (امرأة كانت قد بايعت محمداً): (رحمة الله عليك أبا السائب (تقصد عثمان) لقد أكرمك الله) فقال لها محمد: (وما يُدريك أن الله أكرمه؟) قالت: (لا أدري) فقال محمد: (إني لأرجو له الخير والله ما أدري وأنا رسول الله ما يُفعَل به) (صحيح البخاري ج 3 ص 164 باب القرعة في المشكلات)
وفي حديث لأبي هريرة قال: حين أُنزلت (وأنذِر عشيرتك الأقربين) قال رسول الله (يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله لا أُغني عنكم من الله شيئاً يا بني عبد المطلب لا أغني عنكم من الله شيئاً يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئاً يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً يا فاطمة بنت محمد، سليني ما شئتِ لا أُغني عنك من الله شيئاً) (عن تفسير الطبري للآية 214 من سورة الشعراء)
فإن كان محمد لا يساعد قبيلته ولا عمته ولا ابنته، فهل يعتقد أحدٌ أنه سيلقَى معونة نبي المسلمين؟ إن هذا يلقي ظلالاً من الشك على صحة الحديث الذي أوردناه من البخاري وفيه يقول محمد (أنا لها أمَّتي أمَّتي) بل إن سورة الإسراء 17:57 تقول إن الأنبياء يطلبون وسيلة التقرُّب إلى الله (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً)
بل إن القرآن يقول إن الله وملائكته يصلون على النبي، كما يأمر المسلمين أن يصلوا عليه (سورة الأحزاب 56)
فعالية الشفاعة لو أن للشفاعة فعالية، فلماذا قال أبو بكر (لو أن إحدى قدميَّ في الجنة والأخرى خارجها لا آمَنُ مكر ربي) - مع أنه واحد من العشرة الذين بشَّرهم نبي الإسلام بالجنة!
وقرأ أبو ميسرة ما جاء في سورة مريم 19:71 (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا (جهنم) كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً) فكان أبو ميسرة إذا أوى إلى فراشه قال (يا ليت أمي لم تلدني) فقيل: ما يُبكيك يا ميسرة؟ قال (أخبرَنا أنّا واردوها ولم يخبرنا أنا صادرون عنها)
وبكى عبد الله بن رواحة في مرضه فبكت امرأته، فسألها: ما يُبكيكِ؟ قالت: رأيتك تبكي فبكيتُ قال ابن رواحة (إني قد علمتُ أني وارد النار فما أدري أناجٍ منها أنا أم لا) وقال قيس بن أبي حازم: كان عبد الله بن رواحة واضعٌ رأسه في حِجر امرأته، فبكى فبكت امرأته قال: ما يُبكيكِ؟ قالت: رأيتك تبكي فبكيت قال: إني ذكرت قول الله (وإن منكم إلا واردها) فلا أدري أنجو منها أم لا (تفسير الطبري على سورة مريم 71)
من سورة الشعراء 26:81 يبدو خليل الله إبرهيم متأكداً من الموت والبعث، فيقول (وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ) ولكنه غير متأكد من غفران خطيته كما يبدو ذلك من الآية التالية: (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّين) ويبدو عدم التأكيد هذا واضحاً في قول موسى وهارون لفرعون (إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) (سورة الشعراء 26:51)
ويبدو واضحاً عدم تأكد الأبرار الصالحين من غفران خطاياهم من استعمال كلمة (عسى) ففي سورة القصص 28:67 (فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنْ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ) وجاء في سورة التحريم 66:8 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) وجاء في سورة التوبة 9:18 (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ)
وهذا يعني أن الكافرين مصيرهم النار أما المؤمنون فيقفون أمام الله وحيدين بلا شفيع ولا نصير، عسى أن يكونوا من المفلحين المهتدين.
بعد أن درسنا ما يقوله القرآن بخصوص الشفاعة نوجّه أنظارنا إلى التوراة والإنجيل، فنرى النبي إشعياء يتنبأ بقدوم (العبد البار) الذي له الشفاعة، الذي هو المسيح.
وعندما يتكلم مسيحي مع مسلم عن معجزات المسيح كشاهدٍ ثانٍ على أن رسالة المسيح هي من عند الله، يقول المسلم (لقد أجرى المسيح معجزاته بإذن الله) وإن المسيح (عبد الله) ويقتبس ما ورد في القرآن على لسان المسيح: (إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً) (سورة مريم 19:30)
ونورد ملاحظتين:
أولاً: نؤكد أن إجراء المسيح المعجزات بإذن الله لا يُنقِص من أنها (شاهد ثانٍ) لصدق إرساليته، فقد برهنت على أن كلماته وأعماله هي من عند الله.
ثانياً: قد يندهش المسلم من أن المسيحيين يؤمنون أن المسيح عبد الله ورسوله، ولكن هذا هو ما نؤمن به فعلاً، وهو ما يصدق على فترة ثلاث وثلاثين سنة أقامها على كوكب الأرض هكذا تنبأت التوراة، وهكذا قال الإنجيل فقد تنبأت التوراة عن مجيء عبد مميَّز لله لينفّذ مشيئة الله ولُقِّب المسيح بالعبد في الإنجيل أيضاً، فيقول عن المسيح: (أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ النَّاسِ وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ) (فيلبي 2:7 و8)
وبعد أن وبَّخ المسيح اليهود لأنهم لم يؤمنوا به، ودعاهم (أبناء إبليس) تحدّاهم قائلاً: (مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟) فلم يجرؤ أحدٌ أن يجاوبه!
وعندما وعظ بطرس اليهود بالمسيح الذي قام من الموت، قال لهم: (أَنْتُمْ أَنْكَرْتُمُ الْقُدُّوسَ الْبَارَّ، وَطَلَبْتُمْ أَنْ يُوهَبَ لَكُمْ رَجُلٌ قَاتِلٌ) (أعمال 3:14) وقال الملاك للعذراء مريم (الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللّهِ) (لوقا 1:35)
ويعلن القرآن كمال المسيح في قول الملاك لمريم العذراء: (أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً) (سورة مريم 19:19) والزكي هو الطاهر النقي الكامل الذي لا نقص فيه فالمسيح هو النبي الوحيد الذي (بحسب القرآن) لم يستغفر الله قط لأجل نفسه.
وقال الرسول بطرس، بعد أن عاش مع المسيح عدة سنين: (عَالِمِينَ أَنَّكُمُ افْتُدِيتُمْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَلٍ بِلَا عَيْبٍ وَلَا دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ) (1بطرس 1:18 و19)
واضحٌ من كل هذه الآيات أن المسيح هو النبي الذي بلا خطية، والرسول الذي بلا وِزر صحيح أنه لا تزر وازرة وزر أخرى (سورة الأنعام 164) لكن ماذا عن الرسول الذي بلا وزر؟ لا شك أنه هو الشفيع الكامل وواضح أن الآيات القرآنية التي اقتبسناها في الفصل الأول من القسم الأول والفصل الخامس من هذا القسم لم تتعرض لهذه الحالة الفريدة، ولكن الكتاب المقدس يتحدث عنها فلنتأمل الآيات الكتابية التي تتحدث عن الشفاعة.
المسيح الكامل يشفع في المؤمنين تنبأ النبي إشعياء (750 ق م) بمجيء المسيح عبد الرب البار المتألم ونتأمل الآن نبوَّتين من نبواته في شفاعة (ذراع الرب) (العبد البار) تقول النبوة الأولى: (فَرَأَى (الله) أَنَّهُ لَيْسَ إِنْسَانٌ، وَتَحَيَّرَ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ شَفِيعٌ فَخَلَّصَتْ ذِرَاعُهُ لِنَفْسِهِ، وَبِرُّهُ هُوَ عَضَدَهُ)
تقول هذه الآيات إن شخصاً لقبه (ذراع الرب) سيأتي، ويتألم ويُجرَح من أجل معاصينا، وبالتأديب الذي سيقع عليه ننال الشفاء والسلام، وهو يحمل خطية كثيرين ويشفع في المذنبين لأنه يسكب للموت نفسه.
هذه نبوة بمجيء شفيع، قيلت قبل مجيئه بسبعمئة سنة وقد رأينا صورة نسخة منها تمَّ نسخها قبل المسيح بمئة سنة (صورة رقم 8) فهل تحققت هذه النبوة في أحدٍ؟
لقد رأينا أن المسيح وحده هو الذي لم يخطئ، فلا يكون موته على الصليب قصاصاً لجُرمٍ ارتكبه ويقول الإنجيل إن موته كان عقوبة خطايانا، وتحقيقاً لطلبتنا (اغفر لنا ذنوبنا، وكفِّر عنّا سيئاتنا) والدليل على ذلك أن الله أقامه من الموت أما الذين يموتون لأجل ما ارتكبوه فإنهم يبقون في قبورهم إلى يوم يُبعَثون.
وقال الإنجيل: (لِأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لِأَجْلِنَا) (2كورنثوس 5:21) وبالتعبير القرآني حمل (الذي بلا وزر) وزر أوزارنا.
الروح القدس يشفع فينا ونقول أخيراً إن هناك من يشفع أيضاً فينا، هو (البارقليط) الروح القدس، كما يقول: (وَكَذلِكَ الرُّوحُ أَيْضاً يُعِينُ ضَعَفَاتِنَا، لِأَنَّنَا لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لِأَجْلِهِ كَمَا يَنْبَغِي وَلكِنَّ الرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ لَا يُنْطَقُ بِهَا وَلكِنَّ الَّذِي يَفْحَصُ الْقُلُوبَ يَعْلَمُ مَا هُوَ اهْتِمَامُ الرُّوحِ، لِأَنَّهُ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللّهِ يَشْفَعُ فِي الْقِدِّيسِينَ) (رومية 8:26 و27)
ونفهم من هاتين الآيتين أن المسيح كلمة الله الأزلي، والروح القدس الأزلي يقفان إلى جوارنا، يشفعان فينا كل أيام حياتنا وعندما يجيء يوم الدين العظيم المخوف لا يقف المسيحي الحقيقي فيه وحيداً، لأن المسيح عبد الرب البار المحب للخطاة، سيشفع في كل من قبل فداءه وخلاصه هكذا قال الإنجيل كلمة الله الصادقة، ولا ريب فيه.
والآن، وبعد أن تأملنا هذا كله، دعنا نعود إلى صديقنا إلياس ليكمل حديثه معنا.
بعد أن تأملنا المسيح الذي لم يخطئ أبداً، والذي يشفع في من يضعون ثقتهم في خلاصه وفدائه، تعالوا نستمع لتكملة حديث إلياس:
قال إلياس: منذ أن زرتُ أورشليم مع عمّي لن أكون كما كنت! لقد جاء عمي ليحضر عيد الفصح، واحتفل به مساء الخميس مع أخويَّ وبعض الأهل وفي يوم الجمعة حدث أمرٌ جلل، فقد قبض رؤساء ديانتنا على المعلم الناصري الرائع وأسلموه إلى الرومان ليقتلوه.
وعندما سمعتُ من إخوتي خبر موته اختليتُ بنفسي بعيداً عن الناس، لأن من العار على الرجل أن يبكي، ولكن قلبي كان يتمزَّق حزناً داخلي كيف سمح لهم أن يقبضوا عليه؟ لقد أسكت الريح العاصفة بأمره فكيف سمح لهم أن يقتربوا منه ليؤذوه؟
لقد عرفتُ أن محاكمته تمَّت باكراً يوم الجمعة، وفيها سأله رئيس الكهنة: (أَأَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ الْمُبَارَكِ؟) فَقَالَ : (أَنَا هُوَ وَسَوْفَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الْإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ، وَآتِياً فِي سَحَابِ السَّمَاءِ) فَمَزَّقَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ ثِيَابَهُ وَقَالَ: (مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شُهُودٍ؟) (مرقس 14:61-63) فأخرجوه خارج المدينة وصلبوه بين لصين، كأنه مجرمٌ عاتٍ.
وعندما علمتُ بما حدث لم يعُد يعنيني أن أذهب إلى أورشليم لأحتفل بعيد الخمسين (وهو عيد يهودي يقع بعد عيد الفصح بخمسين يوماً، احتفالاً بحصاد القمح) وجعلت أقول لنفسي: إن سمح الله بقتل مثل هذا النبي المقتدر الذي أجرى كل هذه المعجزات وعلَّم كل هذه التعاليم العظيمة، فإنه غير جدير بالعبادة قد تقولون لي إني كفرت ولكن هكذا فكرت ولكن لما كنتُ قد وعدت عمي بلقائه في أورشليم، كان يجب أن أفي بالوعد وسافرت والتقيت بعمّي، وطلبت منه أن يغفر لي مظاهر الحزن الذي يبدو على وجهي أحياناً.
وصلنا قبل العيد بيومين، فقضينا وقتاً في زيارة المدينة والهيكل وبكرنا يوم الأحد إلى الهيكل ونبَّهني عمي إلى صوت كما من هبوب ريح وسمعت عدة رجال يتكلمون، كان أحدهم على بُعد خطوات قليلة منا وقال عمي: (هذا الرجل الذي يلبس ملابس الجليليين البسطاء يتكلم بعظائم الله ويسبحه باللغة الليبية وأنا اليهودي الوحيد الموجود هنا من ليبيا فكيف تعلَّم اللغة؟ إنه يتكلمها بطلاقة!) وكان إلى جورانا شخصان من نايين ضحكا وقالا (إنه سكران) فقال عمي: (ليس هو بسكران، لكنه يتحدث عن يسوع الناصري، المعلم الذي كلمتموني عنه، ولكنه يقول إنه المسيح المنتَظَر، ويقول شيئاً عن الروح القدس).
وهنا بدأ رجل ذو صوت جهوري يكلمنا وهو واقف على درج الهيكل وأعتقد أنه سمع كثيرين يقولون عنه وعن زملائه إنهم سكارى، لأنه بدأ حديثه بالقول: (هؤُلَاءِ لَيْسُوا سُكَارَى كَمَا أَنْتُمْ تَظُنُّونَ، لِأَنَّهَا السَّاعَةُ الثَّالِثَةُ مِنَ النَّهَارِ (التاسعة صباحاً) بَلْ هذَا مَا قِيلَ بِيُوئِيلَ النَّبِيِّ) (أعمال 2:15 و16)
ثم بدأ يتحدث عن يسوع وذكر شيئاً من معجزاته، ثم قال (هذَا أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّماً بِمَشُورَةِ اللّهِ الْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ السَّابِقِ، وَبِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ اَلَّذِي أَقَامَهُ اللّهُ نَاقِضاً أَوْجَاعَ الْمَوْتِ) (أعمال 2:23 و24)
وكان هذا الكلام غريباً جداً على أذني، ولم أقدر أن أصدّقه بسهولة ثم قال المتكلم (الذي عرفتُ في ما بعد أنه بطرس الصياد من كفر ناحوم) إن قيامة المسيح من قبره تحقيق لنبوّة داود في مزمور 16 حيث يقول (لِذلِكَ فَرِحَ قَلْبِي وَابْتَهَجَتْ رُوحِي جَسَدِي أَيْضاً يَسْكُنُ مُطْمَئِنّاً لِأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي الْهَاوِيَةِ لَنْ تَدَعَ تَقِيَّكَ يَرَى فَسَاداً) (آيتا 9 و10)
ولن أنسى ما قاله بعد ذلك، قال: (فَيَسُوعُ هذَا أَقَامَهُ اللّهُ، وَنَحْنُ جَمِيعاً شُهُودٌ لِذلِكَ فَلْيَعْلَمْ يَقِيناً جَمِيعُ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ أَنَّ اللّهَ جَعَلَ يَسُوعَ هذَا، الَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمْ، رَبّاً وَمَسِيحاً) (أعمال 2:32 و36)
عند هذا انشرح صدري وسرتُ وسط الجمهور حتى وصلت إلى حيث كان بطرس، وسألته أنا ومعي آخرون: (مَاذَا نَصْنَعُ أَيُّهَا الرِّجَالُ الْإِخْوَةُ؟) فَقَالَ بُطْرُسُ: (تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا، فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ اخْلُصُوا مِنْ هذَا الْجِيلِ الْمُلْتَوِي) (أعمال 2:37-40)
وعندما انتهى من كلامه أخذ الحاضرون يسألون والرسل يجاوبون وذهبت إلى بطرس وقلت له: (أنت لا تعرفني، ولكني أعرف صديقك عوبديا من كفر ناحوم، وكنت حاضراً يوم أطعم المسيح خمسة آلاف من خمس خبزات وسمكتين والآن أستحلفك بالرب إله إسرائيل وبإبرهيم وإسحق ويعقوب: هل رأيت يسوع الناصري بعد قيامته من الموت؟) فنظر إليَّ ولمعت عيناه وهو يقول (نعم رأيته) وعدتُ أسأله: (كم مرة رأيتَه؟) فأجاب (لقد ظهر لي بنفسه، ثم ظهر لنا يوم الأحد التالي للفصح، وذلك يوم قيامته من الموت ثم رأيتُه مساء الأحد التالي لما أراد أن يوصّل لتوما رسالة خاصة وبعد أيام قليلة كان سبعة منا يصيدون السمك عند بحر الجليل فظهر لنا وأعطانا صيد سمك معجزي ولما وصلنا الشاطئ كان قد جهَّز لنا إفطارنا ثم ظهر لأكثر من خمسمئة أخ مجتمعين معاً وكان ظهوره الأخير منذ أسبوع، يوم الخميس، لما صعد إلى السماء أمام عيوننا)
وسألته: (هل صحيحٌ إذاً أنه تنبأ عن أنه يبذل نفسه عن الخراف ليدفع أجرة خطيتهم، وأنه سيقوم من الموت في اليوم الثالث؟) فأجابني بطرس (نعم هذا صحيح).
فقلتُ: (إني أثق في كلامك كما أومن أن المسيح مات لأجل خطاياي، وقام والآن أرجوك أن تعمّدني كما قلتَ في موعظتك).
فأخذني بطرس إلى بحيرة حيث عمدني وربما كنتُ أول من تعمّد باسم المسيح، ولكني عرفت أن الذين اعتمدوا في ذلك اليوم كانوا 3000 نَفْس (أعمال 2:41) كان من بينهم عمّي، الذي قال لي بعد معموديته (عندما وعظ ذلك الجليلي بلغتي الليبية، آمنتُ أن رسالته من عند الله فكيف يستطيع هذا الجليلي البسيط أن يتكلم لغة أجنبية عنه كأنه أحد أبنائها؟)
والآن أومن أن خطيتي غُفرت وأني صرت حرّاً في المسيح كما وعد بقوله (إِنْ حَرَّرَكُمْ الِابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَاراً) (يوحنا 8:36)
وأود في نهاية هذا القسم أن أذكّر القارئ بآية قرآنية وردت في سورة الأنعام 6:9 (وتعود إلى عام 6 ه) تقول (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا (خلطنا) عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ) وهذا ما فعله الله عندما جاءنا في المسيح ليصالح العالم لنفسه جاءنا إنساناً ليكلم الناس، وليفتح باب السماء لكل من يقبل عطية خلاصه العظيم.
مكان حدوث المعجزة: قانا الجليل عدد المستفيدين منها: واحد عدد مشاهديها: أهل بيت خادم الملك، نحو 10 أشخاص عدد مَنْ عرفوا المستفيد قبل المعجزة، ثم رأوه بعدها: إن كان المرض قصيراً يكون العدد نحو 30 هو أفراد العائلة والأصدقاء.
مكان حدوث المعجزة: أورشليم عدد المستفيدين منها: واحد عدد مشاهديها: التلاميذ عدد مَنْ عرفوا المستفيد قبل المعجزة، ثم رأوه بعدها: بعد مرض طويل يكون قد عرفه نحو 200 شخصاً.
مكان حدوث المعجزة: كفر ناحوم عدد المستفيدين منها: واحد عدد مشاهديها: الموجودون بالمجمع، نحو 200 شخصاً عدد مَنْ عرفوا المستفيد قبل المعجزة، ثم رأوه بعدها: بقية أهل البلد، نحو 200 شخصاً.
مكان حدوث المعجزة: كفر ناحوم عدد المستفيدين منها: نحو 50 شخصاً عدد مشاهديها: نحو 500 من مرافقي المرضى عدد مَنْ عرفوا المستفيدين قبل المعجزة، ثم رأوهم بعدها: نحو4000 شخصاً.
مكان حدوث المعجزة: الجليل عدد المستفيدين منها: واحد عدد مشاهديها: التلاميذ عدد مَنْ عرفوا المستفيد قبل المعجزة، ثم رأوه بعدها: أصدقاؤه وعائلته، نحو 200 شخصاً.
مكان حدوث المعجزة: كفر ناحوم عدد المستفيدين منها: واحد عدد مشاهديها: البيت ومحيطه، نحو 100 شخصاً عدد مَنْ عرفوا المستفيد قبل المعجزة، ثم رأوه بعدها: بعد مرض طويل يكون قد عرفه نحو 200 شخصاً.
مكان حدوث المعجزة: كفر ناحوم عدد المستفيدين منها: واحد عدد مشاهديها: المجمع مليء بالناس، نحو 100 شخصاً عدد مَنْ عرفوا المستفيد قبل المعجزة، ثم رأوه بعدها: بعد مرض طويليكون قد عرفه نحو 100 شخصاً.
مكان حدوث المعجزة: صور وصيدا عدد المستفيدين منها: نحو 200 شخصاً عدد مشاهديها: نحو 2000 شخصاً عدد مَنْ عرفوا المستفيدين قبل المعجزات، ثم رأوهم بعدها: نحو 20 ألفاً.
مكان حدوث المعجزة: نايين عدد المستفيدين منها: الابن وأمه عدد مشاهديها: الأرملة فقيرة، ربما كان عدد المشيّعين 50 شخصاً عدد مَنْ عرفوا المستفيد قبل المعجزة، ثم رأوه بعدها: نحو 50 شخصاً.
مكان حدوث المعجزة: كفر ناحوم عدد المستفيدين منها: واحدة وعائلتها عدد مشاهديها: التلاميذ والأبوين عدد مَنْ عرفوا المستفيدين قبل المعجزة، ثم رأوهم بعدها: نحو 400 شخصاً.
مكان حدوث المعجزة: كفر ناحوم عدد المستفيدين منها: واحدة عدد مشاهديها: جمهور من نحو 50 شخصاً عدد مَنْ عرفوا المستفيدة قبل المعجزة، ثم رأوها بعدها: نحو 100 شخصاً.
مكان حدوث المعجزة: خارج كفر ناحوم عدد المستفيدين منها: واحد عدد مشاهديها: نحو 100 شخصاً عدد مَنْ عرفوا المستفيد قبل المعجزة، ثم رأوه بعدها: كل القرية، نحو 500 شخصاً.
مكان حدوث المعجزة: منطقة جنيسارت عدد المستفيدين منها: نحو 400 شخصاً من 20 قرية عدد مشاهديها: نحو 4000 شخصاً عدد مَنْ عرفوا المستفيدين قبل المعجزة، ثم رأوهم بعدها: نحو 40 ألفاً
مكان حدوث المعجزة: العشر مدن (ديكاوليس) عدد المستفيدين منها: واحد عدد مشاهديها: نحو 200 شخصاً عدد مَنْ عرفوا المستفيد قبل المعجزة، ثم رأوه بعدها: نحو 200 شخصاً
مكان حدوث المعجزة: العشر مدن (ديكاوليس) عدد المستفيدين منها: نحو 200 شخصاً عدد مشاهديها: نحو 2000 شخص عدد مَنْ عرفوا المستفيدين قبل المعجزة، ثم رأوهم بعدها: نحو 20 ألفاً
مكان حدوث المعجزة: نواحي قيصرية (بالقرب من دمشق) عدد المستفيدين منها: شخص واحد عدد مشاهديها: بين 500 وألف شخص عدد مَنْ عرفوا المستفيد قبل المعجزة، ثم رأوه بعدها: مئتان
مكان حدوث المعجزة: كل فلسطين عدد المستفيدين منها: نحو 7200 شخصاً عدد مشاهديها: نحو 72 ألفاً عدد مَنْ عرفوا المستفيدين قبل المعجزة، ثم رأوهم بعدها: نحو 72 ألفاً
مكان حدوث المعجزة: منطقة اليهودية عدد المستفيدين منها: واحد عدد مشاهديها: نحو 100 شخص عدد مَنْ عرفوا المستفيد قبل المعجزة، ثم رأوه بعدها: نحو 200 شخصاً
مكان حدوث المعجزة: منطقة اليهودية عدد المستفيدين منها: واحدة عدد مشاهديها: من في المجمع، نحو 100 شخصاً عدد مَنْ عرفوا المستفيدة قبل المعجزة، ثم رأوها بعدها: نحو 200
مكان حدوث المعجزة: بيت عنيا عدد المستفيدين منها: واحد وعائلته عدد مشاهديها: الواقفون، نحو 50 شخصاً عدد مَنْ عرفوا المستفيدين قبل المعجزة، ثم رأوهم بعدها: نحو 200
مكان حدوث المعجزة: بحر الجليل عدد المستفيدين منها: 7 تلاميذ عدد مشاهديها: 7 تلاميذ
ذكرنا أعلاه 37 معجزة ذكرتها الأناجيل تفصيلاً، شفى المسيح فيها 39 شخصاً وذكرنا خمسة أماكن (خامسها لما أرسل المسيح 72 رسولاً للوعظ والشفاء) شفى المسيح أثناءها كل المرضى الذين جاءوه وقد ذكرنا أن عدد الذين نالوا الشفاء كانوا نحو ألف نفس.
وربما كان عدد من شاهدوا هذه المعجزات 15 ألفاً، منهم خمسة آلاف ثم أربعة آلاف أكلوا من مائدة معجزية 15 ألفاً رأوا نحو ألف معجزة.
وكان هناك نحو 86 ألف شخص عرفوا عن المعجزات، رغم أنهم لم يروا إجراء المعجزة، لأنهم رأوا الذي استفاد من المعجزة قبل إجرائها وبعده، سواء كان مشلولاً أو أعمى أو أصم أو أخرس أو مُقعَد أو ميتاً أو مسكوناً بالأرواح الشريرة.
فلو أن سكان فلسطين زمن المسيح كانوا مليوني نفس يكون 5% منهم قد رأوا إحدى المعجزات أو سمعوا بحدوثها وهذا يعني أن المؤمنين الحقيقيين زمن المسيح كانوا يملكون آيات مختلفة وكثيرة تبرهن أن المسيح هو حقاً من عند الله.