- إنضم
- 1 نوفمبر 2005
- المشاركات
- 540
- مستوى التفاعل
- 12
- النقاط
- 0
السِحْر فى الكتاب المقدس
أولاً- ماهيته :
السحر هو محاولة التأثير فى الناس أو الأحداث ، إما بوسائل الخداع والشعوذة ، أو بتسخير قوى شيطانية ، وذلك لجلب منفعة أو دفع مضرة ، أو إيقاع أذى بالغير، أو استطلاع المستقبل والرجم بالغيب . والسحر ظاهرة عالمية تنتشر فى كل بقاع الأرض وبين كل الشعوب منذ أقدم العصور . وله صور متنوعة ، فقد يكون بتوجيه اللعنات ، أو بترديد التعاويذ ، أو باستخدام التمائم والأحراز ، أو بتحطيم نموذج للعود مصنوع من الشمع أو الخشب أو الطين أو غير ذلك ، أو بقراءة الطالع بالورق أو الكؤوس أو الرمل أو الحصي ، أو رمي السهام ، أو حركات الكواكب والنجوم ، أو اتجاه الطيور فى طيرانها ، أو حركات الحيوانات أو فحص أحشائها ، أو غير ذلك من الأساليب التى لا طائل وراءها ، ولا جدوى منها.
ثانياً- السحر فى أشور ومصر وفلسطين :
كان العبرانيون محاطين بعالم كان يمارس فيه السحر منذ قرون عديدة :
(1) فى أشور وبابل :
جاء فى التراث الشعبي الأكادي السومري أن الآلهة كانوا -مثل سائر البشر - فى حاجة إلى استخدام السحر لحماية أنفسهم من الآلهة الآخرين . ففي ملحمة الخلق البابلية نجد أن إيَّأ أنكي كان رب الرُقي . وقد هزم ابنه مرودخ الإلهة تيامات لأن تعاويذه كانت أقوى من تعاويذها . وقد وصلت إلينا كتابات بها قوائم طويلة بالأمور التى تجلب الأذى للناس ، والطقوس والاجراءات اللازمة للتطهر منها . كما أن هناك ألواح أشورية تتحدث عن قراءة المستقبل باستطلاع النجوم والأحداث البشرية وحركات الطيور وأعضاء الحيوانات . ويقول ناحوم النبي عن نينوى (عاصمة أشور) : من أجل زنى الزانية الحسنة الجمال ، صاحبة السحر ، البائعة أمماًبزناها ، وقبائل بسحرها (نا3: 4).
(2) فى مصر :
كان السحر فى مصر أمًرا شائعاًيرعاه الآلهة العظام أمثال توت وايزيس . وقد استخدمت ايزيس - فى أسطورة أوزيريس المشهورة - السحر فى التغلب على الإله ست وإعادة زوجها إلى الحياة . وكانوا يعلمون السحر فى المدارس الملحقة بالمعابد (وكانوا يسمونها بيوت الحياة). وكان هناك كهنة متخصصون فى ممارسة السحر لأحياء وللأموات لتزويدهم بما يحتاجون إليه فى حياة الآخرة . وهناك مخطوطة تُعرف باسم : تعليمات للملك مريكار (ترجع إلى حوالى 2200ق.م) تبين العلاقة الوثيقة بين السحر والطب فى مصر القديمة، كما كان الأمر فى بابل ، وكان تفسير الأحلام فناًمتقدماً، كما اشتهر السحرة المصريون بعمل العجائب كما حدث فى عهد موسى.
(3) فى فلسطين :
جاء فى الملاحم الكنعانية أن الآلهة والبشر كانوا يمارسون السحر. ففى ملحمة البعل ، انقلبت غلبة الإله موط على بعل إلى هزيمة بفعل الوسائل السحرية التى استخدمتها الإلهة أنات أو عنات . وفى أسطورة قريط ملك أوغاريت ، أجرى الإله إيل طقوساًكثيرة ليرد للملك صحته . وهناك الكثير من هذه الملاحم التى تتحدث عن استخدام النساء للسحر والتنجيم.
ثالثاً- العهد القديم والسحر :
هذه الظاهرة العالمية ، لابد كان لها أثرها على بني إسرائيل . والعهد القديم واضح كل الوضوح فى النهي عن كل صور السحر . وهناك نهي بالغ القوة فى هذا الصدد : متى دخلت الأرض التى يعطيك الرب إلهك ، لا تتعلم أن تفعل مثل رجس أولئك الأمم . لا يوجد فيك من يجيز ابنه أو ابنته فى النار ، ولا من يعرف عرافة ولا عائف ولا متفائل ولا ساحر ، ولا من يرقي رقية ، ولا من يسأل جاناًأو تابعة ، ولا من يستشير الموتى ، لأن كل من يفعل ذلك مكروه عند الرب .. (تث 18: 9-14 ، انظر أيضاًلا 19: 26). وتكاد هذه العبارة تضم كل أنواع السحر.
وكان الإسرائيلي يتعلم منذ صباه أن يتجنب الكثير من الممارسات الدينية التى تؤديها الشعوب حوله ، واعتبارها خرافات خطيرة ، لا يمكن أن توجد جنباًإلى جنب مع عبادة يهوه . وكانت عقوبة السحر القتل رجماً: لا تدع ساحرة تعيش (خر22: 18) وإذا كان فى رجل أو امرأة جان أو تابعة فإنه يُقتل . بالحجارة يرجمونه . دمه عليه (لا20: 27). ونجد نفس هذا الموقف فى الأنبياء ، فمثلاً: وإذا قالوا لكم : اطلبوا إلى أصحاب التوابع والعرافين المشقشقين والهامسين . ألا يسأل شعب إلهه؟ أيسأل الموتى لأجل الأحياء؟ (إش8: 19) ، فلا تسمعوا أنتم لأنبيائكم وعرَّا فيكم وحالميكم وعائفيكم الذين يكلمونكم .. لأنهم إنما يتنبأون لكم بالكذب (إرميا27: 9 و 10) . وأنت يا ابن آدم ، فاجعل وجهك ضد بنات شعبك اللواتي يتنبأن من تلقاء ذواتهن ، وتنبأ عليهن وقل : هكذا قال السيد الرب : ويل للواتي يخطن وسائد لكل أوصال الأيدى ، وتصنعن مخدات (أو أقنعة) لكل قامة لاصطياد النفوس (حز13: 18) . وبذلك كن يذهبن إلى أبعد مما جاء فى نبوة ميخا من : الأنبياء الذين يضلون شعبى الذين ينهشون بأسنانهم وينادون سلام . والذي لا يجعل فى أفواههم شيئاًيفتحون عليه حرباً(ميخا3: 5) فكانوا يتنبأون بالخير أو بالشر حسب استعداد السائل للدفع . ويبدو أن الوسائد والمخدات ، كان يلبسها السحرة أنفسهم (العددان 20 و 21) والعملاء (عدد 18) ولعل الساحرة (أو الساحر) كانت تصنع هذه المخدات (أو الأقنعة) لتمثل الخصم ، على شكل دمي ، ثم تلبسها بعض الوقت وتقرأ عليها بعض التعاويذ . ويظن بعض العلماء أن الساحرة كانت تزعم أنها قد أمسكت بالنفوس وربطتها فى هذه الوسائد والمخدات حتى تقضي عليها . وكان يمكن أن يُستعاض عن هذه الدمي والوسائد والمخدات بشئ مما يخص الخصم ، مثل دمه أو شعره أو أظافره أو شئ من متاعه.
ولكن النبي ينذرهم بأن الرب سيقيم فى صهيون حجر امتحان كريماًأساساًمؤسساً، من آمن لا يهرب . وأجعل الحق خيطاً، والعدل مطماراً، فيخطف البرد ملجأ الكذب .. ويمحى عهدكم مع الموت ، ولا يثبت ميثافكم مع الهاوية . والسوط الجارف إذا عبر تكونون له للدوس .. (إش28: 16-19).
ومن المحزن أن الكثيرين من الشعب القديم لم يطيعوا وصايا الرب بالابتعاد عن كل ما يتصل بالسحر والسحرة . فتقرأ عن الملك شاول أنه لجأ - بعد أن تخلى عنه الرب - إلى عرَّافة عين دور . كما نقرأ عن سحر أيزابيل (2مل9: 22) وكان من أسباب القضاء على مملكة إسرائيل وسبي الشعب ، أنهم عبدوا البعل وعبروا بنيهم وبناتهم فى النار وعرفوا عرافة وتفاءلوا وباعوا أنفسهم لعمل الشر فى عيني الرب لإغاظته (2مل17: 17) كما أن منسى ملك يهوذا عبَّر ابنه فى النار وعاف وتفاءل واستخدم جاناًوتوابع وأكثر عمل الشر فى عيني الرب لإغاظته (2مل 21: 6) ولكن حفيده التقى يوشيا أطاع الرب ، فإن السحرة والعرافون والترافيم والأصنام وجميع الرجاسات التى رُئيت فى أرض يهوذا وفى أورشليم أبادها يوشيا ليقيم كلام الشريعة (2مل23: 24).
وقد استأجر بالاق ملك موآب بلعام النبي الكذاب (عد22: 1-24: 16) ، والعرَّاف (يش13: 22) ليلعن شعب الله . ولكن الله لم يسمح له بذلك ، بل وضع فى فمه - رغماًعنه البركة عوضاًعن اللعنة ، فقال : كيف ألعن من لم يلعنه الله ؟ وكيف أشتم من لم يشتمه الرب؟ (عد23: 8) ، إني قد أُمرت أن أبارك . فإنه (الرب) قد بارك فلا أرده .. إنه ليس عيافة على يعقوب ولا عرافة على إسرائيل (عد24: 20-23) . فيجب ألا يخشى أولاد الله القوى الشيطانية فى جميع صورها ، لأنهم مباركو الرب (انظر مت 25: 34، أف1: 3).
ويصور إشعياء النبي عدم جدوى السحر والعرافة بالقول : قفي فى رقاك وفى كثرة سحورك .. ليقف قاسمو السماء الراصدون النجوم المعرَّفون عند رؤوس الشهور ، ويخلَّصوك مما يأتي عليك . ها إنهم قد صاروا كالقش . أحرقتهم النار . لا ينجُّون أنفسهم من يد اللهب (إش47: 12-15).
رابعاً: - العهد الجديد والسحر :
يواصل العهد الجديد شجب السحر والسحرة وكل ما يمت لذلك بصلة . فيضع الرسول بولس السحر بين أعمال الجسد البغيضة (غل5: 19) كما يشبه الأشرار الذين يقاومون الحق ، بالسحرة الذين قاوموا موسى قائلاً: كما قاوم ينيس ويمبريس موسى ، كذلك هؤلاء أيضاًيقاومون الحق ، أناس فاسدة أذهانهم ، ومن جهة الإيمان مرفوضون (2تي3: 1-9) كما أنه قد يشير بكلمة الأشرار والمزورين (فى عدد 13) إلى السحرة والعرافين.
ولما جاء الرسول بولس إلى أفسس ، آمن عدد كبير ، وكان كثيرون من الذين يستعملون السحر ، يجمعون الكتب ويحرقونها أمام الجميع ، وحسبوا أثمانها فوجدوها خمسين ألفاًمن الفضة وهكذا كانت كلمة الرب تنمو وتقوى بشدة (أع19: 19 و 20).
وفى السامرة ، كان رجل اسمه سيمون يستعمل السحر ويدهش شعب السامرة قائلاًإنه شئ عظيم .. وكانوا يتبعونه لكونهم قد اندهشوا زماناًطويلاًبسحره . ولكن لما صدقوا فيلبس وهو يبشر بالأمور المختصة بملكوت الله وباسم يسوع المسيح اعتمدوا رجالاًونساء ، حتى إن سيمون نفسه إذ رأى آيات وقوات عظيمة تجرى ، اندهش (أع8: 9-13) . كما نقرأ فى سفر أعمال الرسل عن عليم الساحر الذي كان يفسد والى جزيرة قبرص عن الإيمان (أع13: 6-8) . وعن الجارية التى أخرج منها الرسول بولس روح العرافة فى فيلبي (أع16: 16-18) ، وأبناء سكاوا السبعة فى أفسس (أع19: 13-17) ، وكيف انتصر عليهم خدام الله .
التعديل الأخير: