- إنضم
- 6 أكتوبر 2009
- المشاركات
- 16,056
- مستوى التفاعل
- 5,370
- النقاط
- 0
- "فاض قلبي بكلام صالح. متكلم أنا بإنشائي للملك. لساني قلم كاتب ماهر. أنت أبرع جمالاً... انسكبت النعمة على شفتيك... كل ثيابك مُرٌّ وعُود وسليخة (أنواع مختلفة من العطور الطبيعية الثمينة)" (مزمور 45: 1و 2و 8 )
- "كالتفاح بين شجر الوَعر كذلك حبيبي بين البنين.. شماله تحت رأسي ويمينه تعانقني... حبيبي شبيه بالظبي أو بَغُفْر الآيائل... حبيبي أبيض وأحمر. مُعلم بين ربوة. رأسه ذهب إبريز. قُصصهُ مسترسلة حالكة كالغراب. عيناه كالحمام على مجاري المياه مغسولتان باللبن." (راجع نشيد الأناشيد)
أخوتي الأحباء في الرب
في البدء خلق الله المحبة، الخليقة بإبداع فائق، ووضع فيها ملامحه الخاصة ولمساته المبدعة، حتى تصير لحن هادئ مقدس، يُعَّبر عنه لمحبوبة الإنسان الذي أبدعه على صورته ومثاله !!!
_____مقدمة_____
لقد وضع الله الإنسان في جنة عدن ليصير فيها اللقاء المحبب جداً في جمال فني مبدع في هذه الجنة المخلوقة في جو جمالي خاص ليليق باللقاء الحلو بين الإنسان والله القدوس..
الله المحب، بكلمته وروحه أبدع الخليقة كلها في انسجام عجيب وتناسق مبدع حقيقي، وميز الإنسان بالطابع الإلهي، أي أنه ميزه عن باقي المخلوقات - حتى الملائكة - ليكون مثله، أي يكون فيه ملامح الله نفسه، فهو الوحيد الذي أُعطيَّ الصورة الإلهية، ولذلك أعطانا الله جميعاً روحه القدوس أن يسكن فينا لأنه جعلنا هيكله الخاص: "أنتم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم" (كما قال القديس بولس الرسول)
فبكون روح الله يسكن فينا فعلياً وواقعياً، لذلك نرى جمال الخليقة كلها بحس مرهف ونتحقق من بصمات الله في كل ما يُحيط بنا فنحبه (أي نحب الله بالفطرة وبالحس الباطني) ويزداد حبنا له حينما نتعرف على خلاصه الثمين من أجلنا، ونردّ الحب بالحب بتسبيح صامت، مُعبرين عنه بصور فنيه مختلفة.
فالروح القدس الذي عاد واستقرّ في الإنسان، بصعود ربنا يسوع المسيح، قد ألهمه اكتشاف الجمال في الخليقة في أروع جمالها الأصيل، فاستطاع الإنسان بكل رؤية ثاقبة وحس عميق، أن يرى الله بوضوح وفي منتهى البهاء، لذلك القديس بولس الرسول الملهم بالروح القدس يقول: [ لأن أموره غير المنظورة تُرى منذ خلق العالم مُدركة بالمصنوعات، قدرته السرمدية ولاهوته. ] (رومية 1: 20)
- وهكذا صار الجمال والإبداع الفني لروح الله واسطة قوية لمعرفة القدير، فالجمال وحي وإلهام إذا أحسن الإنسان تقبُّله واستخدامه، فأنه - ببساطة وسهولة - يدخل في مجال الرؤيا الكاشفة لمجد الله وحكمته، وصار لاهوتياً بجدارة، أي إنسان ممتلئ من الله الحي وحضوره المحيي.
[FONT="]1- ما هوَّ الجمال ومعناه:[/FONT]
الجمال هوَّ حس باطني، حس مرهف داخلي عميق، يُثير في النفس النشوة والفرح والبهجة، وهو باعث للراحة ويُعطي استرخاء للنفس والجسد معاً، وأيضاً يُعطي لروح الإنسان نشوة خاصة فيتحول الكيان كله لعبادة صامته يتجلى فيها سرّ الشكر؛ فالشكر لا يأتي من فراغ بل من نشوة خاصة تُثار في داخل النفس من فعل حس باطني أو حس مرهف في الباطن بالجمال الفائق المستتر في الطبيعة.
وما الذي يُحقق الجمال بالنسبة للإنسان
الذي يحقق الجمال هو الفن... لأن غاية الفن هو تحقيق الجمال أو بالمعنى المسيحي الأصيل تجلي الجمال بشدة ظهوره، أي العمل على إظهاره بصور مختلفة، والعامل الفعال فيه هوَّ عمل الروح القدس أي مسحة الروح القدس.
فالفن هوَّ الامتداد الطبيعي للتجسد في الجمال والبهاء، فمصدره الوحيد هوَّ الفنان الأعظم الذي أبدع الكون كله، الله الآب بشخص المسيح الكلمة المتجسد الذي به كان كل شيء، وهوَّ الذي يشع من خلاله كل وجه من أوجه الجمال الحقيقي، بل وكل ما يصوره الفن، شرط أن يكون الفنان ممتلئ من الروح القدس روح الجمال والحق.
فالروح القدس هوَّ الذي يتغلغل في كل شيء. الروح القدس كله نور، وهوَّ ينبوع كل نور. أنه يشع من خلال الجسد والثياب والألوان بل ويغمر كل شيء ضياءً وبهاء خاص.
- فالمسيحية يا إخوتي الأحباء جداً، ليست مجرد عقيدة، ولا مجموعة مقولات عقلية أو بحثيه، ولا صيغة فكرية، بل هيَّ في حقيقتها عمل وحدث، فالفن الأصيل يستند وجوده في الكنيسة الأرثوذكسية إلى حدث تم في داخل الزمن وأثر فيه، وهذا الحدث هو حدث التجسد الإلهي، فاستخدام المواد الطبيعية في الكنيسة كالخشب والطوب والمقاعد والستائر والشموع والأيقونات ...الخ.. تُبين استمرار هذا الحدث وتؤكد دوامه.
[ السماوات تُحدث بمجد الله. والفلك يُخْبر بعمل يديه، يومٍ إلى يوم يُذيع كلاماً وليلٍ إلى ليل يُبدي علماً ] (مزمور 19: 1، 2)
فهو الرب الإله الذي يتجلى لنا في روعة الألوان المتآلفة والحركات الهادئة في الطبيعة التي خلقها والتي حركت وجدان كل فنان وأسرته بروعة جمال الخالق المستتر ورائها، فحركت مشاعره وجعلته ينفعل ويقع في تجربه شعورية حتى أنه لم يستطع أن يهدأ بل أنفعل وعَبَّر عن انفعاله بصورة فنيه رائعة تُعبر عن إحساسه المرهف بالطبيعة، واستطاع بسهولة ان يُعبر عما في داخله من مشاعر وأحاسيس لا تُعبر إلا عن روعة الفنان الأعظم الذي خلقنا على صورته، ووضع ملامحه الخاصة فينا.
- وقد عَبر الإنسان عن روعة الألوان والحركات الهادئة في الطبيعة عن طريق الرسم والنحت والبناء والشعر وتصميم الملابس... الخ، ويظهر الإنسان في هذا كله أنه قد تشرب من نعمة الله وتذوق عمق غنى التجسد فاستنار بكل ثنايا جسده.
- حقيقي وفي منتهى الإبداع، لقد نسج اللاهوت الشرقي للكنيسة بالفن، جو إلهي يتجلى فيه سر التجسد والقيامة، ومن هنا نرى سرّ الأسرار، فالغاية النهائية للتجسد هوَّ انجماع كل شيء في المسيح ويتجلى سر الله وألوهيته في الإنسان والخليقة كلها (وهذا الكلام نجد صداه في رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس)
- 2 - تجسيد الإحساس الشخصي بالفن ليعبر عن خبرة الله في الحياة العملية
فالفن، هو فن مصنوع باليد إنما نابع من حركات النفس الممتلئة بالروح، أي الجسد تحرك بالحب وأصبح مملوكاً بروح الله الذي مسح الموهبة ونقاها لتخرج إبداع فني يعبر عن حلاوة مجد الله في الإنسان.
لذلك الفن الكنسي يتطلب من صانعه أن يكون لاهوتياً من الدرجة الأولى، إنسان يحيا التوبة بكل أتساعها ممتلئ بالروح وحياة التقوى، ويحيا في جو الليتورجيا وشركة الإفخارستيا وكما يقول سمعان اللاهوتي: [ إننا لا نتكلم إلا بما تأملنا فيه، لذلك، كل ما نقوله في اللاهوت يجب ألاَّ يكون مجرد نقل لأفكار وصلت إلينا، بل تعبيراً عن ما تأملنا فيه واختبرناه في عمق ذواتنا ]
لذلك الفن الحقيقي والأصيل هو: "صلاة تأمل بالروح القدس"، والفنان المسيحي يعتني بنقل حرارة الروح القدس والجو الإلهي الذي يتدفق كالسيل في حياته، ويجتهد في أن يشع إيمانه من خلال عمله الذي يتجرد فيه من نظرته الخاصة للأشياء، بل يُعلن بفنه الأمور كما هي في جوهرها، التي تعكس صورة الله وبهاء مجده التي رآها ولمسها بنفسه وعملت بالسرّ في أعماق قلبه من الداخل، وخُطت على جدران قلبه بنور الله وعمل الروح القدس.
عموماً الفن هو الوجه المنظور لعمل الله غير المنظور في أعماق القلب البشري بالروح القدس. فالفن مرآة التجسد الإلهي – في الكنيسة – والمثل الظاهر الحي لإعادة المادة إلى ما أراده الله منذ البدء من بهاء وتناسق وانسجام لتعكس صورته أمام الجميع في صمت المحبة التي تنطق بها.
- آه يا رب
- شوقنا إليك يلهب قلوبنا ويشعلها، فمن يطفئ هذا اللهيب المتقد سوى رؤياك
- أعطنا نعمة البصيرة المفتوحة بنورك لنراك متجلياً في الخليقة كلها وكل ما تمتد إليه أيدينا
- وهبنا أن نُخبَّر بفضل نعمتك بمواهبك التي أنعمت بها علينا.
- أيها الأحباء الغاليين جداً في شخص ربنا يسوع
يا إخوتي، لا تنظروا إلى أنفسكم وكم أنتم ضعفاء أو خطاة، بل أنظروا إلى شخص المسيح الحي وملامحه التي فيكم، فأنتم جديرين بالله لأنكم صورته ومثاله بل وأبناءه بسرّ الولادة الفوقانية.
ولو كنا نشعر بخطيئتنا الثقيلة، فلنأتي إليه لأنه هو بحر غفراننا الأبدي، لا تصدقوا أنفسكم وتظنوا أنكم غير مقبولين عنده، هذا خداع الشرّ الزائف، فإن أردتم يسوع تمسكوا به واصرخوا إليه قائلين: لن نتركك أبداً مهما كنا في ضعف أو مرض أو موت أو خسارة كل شيء حتى كل ما نملك، حتى ولو كنا أموات بالخطايا وفي قبر الشهوة، بل سنمسك فيك يا ربنا حتى تنزل إلينا في قبرنا هذا لأنك ستُقيمنا حينما تأتي إلينا، فتعالى إلينا واعبر وأعنا بقوتك.
ولا تجعلوا مواهبكم بعيدة عن مسحة الروح القدس، بل تقدموا لله بتوبة وإرادة واعية وبإصرار أن تتمسكوا به للنفس الأخير، ودعوه يمسح مشاعركم ومواهبكم وكل حركات نفوسكم بالروح القدس الذي فيكم.
لنقوم - الآن - بثورة على أنفسنا ولا نكف قط عن مناداته مهما كانت أحوالنا أو ظروفنا أو مشاكلنا الجسدية أو النفسية أو الروحية، ولنتقدم للكتاب المقدس والإفخارستيا والصلاة بكل حب وإصرار وبلا توقف، وإن توقفنا لا نخور بل نعود نمسك به مرة أخرى بإصرار، بل وان سقطنا مرات ومرات لنقوم فوراً طالبين المعونة السماوية لكي نثبت في توبتنا ونحيا بالإيمان ويثمر فينا حب ظاهر في أعمال التقوى.
- يا إخوتي – أكرر ما قلته سابقاً آلاف المرات – لا تنظروا أبداً على أنفسكم وكم أنتم ضعفاء أو خطاه، أنظروا لشخص المسيح وملامحه فيكم، فأنتم حقاً جديرين بالله.
كونوا جميعاً معاً معافين باسم الثالوث القدوس
التعديل الأخير: