بقى لي زمن غير قصير لم أكتب شيئا في منتدى الكنيسة، فرأيت هذا الموضوع للزميلة الفاضلة دونا نبيل يعالج مشكلة خطيرة بدأت تزحف إلى مجتمعاتنا الشرقية.
والناظر للردود والتعليقات حول الموضوع يرى آراء مختلفة متباينة في تحليل ظاهرة التحرش الجنسي، على الرغم من وضوح أسبابه ودوافعه للناظر المنصف.
ومما يؤسف له أن أغلب تعليقات الزملاء المسيحيين انصبت على الهجوم على الإسلام وتعاليمه مع أنهم لو تكلموا بحيادية لعلموا كيف أنه لم يعالج هذا الأمر نظام من الأنظمة بمثل ما عالجه الإسلام.
ويؤخذ على الزميلة صاحبة الموضوع أنها نقلت الكلام دون التنبه إلى ما فيه، حيث إن تحليل د/ نادية صادق للظاهرة تحليل علماني لاديني لا يوافقها عليه أي مسلم أو أي مسيحي، تقول:
ثم تستطرد قائلة:
ماذا تعني بقولها كبت غرائز أفراده ومنعهم من ممارسة الجنس، إنها لا شك من دعاة الرذيلة تريد انتشار الزنا والفواحش في المجتمع العربي ليلحق بالمجتمع الغربي المتقدم !!
وكلنا يعلم أن الأديان شددت في هذا الأمر جدًّا بل على مجرد النظرة المحرمة، فعند المسيحيين يُحكى عن المسيح أنه قال: "إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه" [متى27:5] وفي القرآن: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "النظرة سهم مسموم من سهام إبليس". فإذا كان هذا في النظر فما أدراك بما زاد عليه مما تدعونا إليه نادية صادق ومن على شاكلتها.
ويمكن القول بأن عادات العرب ما كانت لتسمح بمثل هذه الأخلاق المبتذلة، حتى قبل ظهور الإسلام كانت المرأة أبعد ما تكون عن الفواحش والعهر، وكان الرجل العربي لا يطيق أن ينظر أحد إلى زوجته، فضلا عن خروجها متهتكة سافرة، والذي لا يعرفه كثيرون أن ممارسة الرذائل كانت تترفع عنها المرأة الحرة في الجاهلية، حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم لما بايع النساء على ألا يشركن بالله ولا يقتلن أولادهن ولا يزنين تعجبت هند بنت عتبة وقالت: وهل تزني الحرة ؟!
نعم، الحرة لا تزني بيد أن الحرية الآن أصبح لها مفهوم آخر، فالحرة هي التي تتحلل من القيود والأخلاق والقيم لترتع كما يحلو لها في الفكر العلماني اللاديني.
والحق أن البعد عن الدين هو السبب الأكبر في انتشار هذه الظاهرة، لأن القلوب إذا ضعف فيها الإيمان الصادق استهانت بحرمات الله، وزال منها الخوف من الله. وحين يتجرأ الناس على المعاصي لا يردعهم رادع ولا يزجرهم زاجر.
والإسلام لما عالج هذا الأمر زرع أولا في نفوس الشباب حب الله والخوف منه والرجاء في ثوابه العطيم، فقال الله تعالى (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم) أي أطهر لهم لأن النظرة تولد فكرة والأفكار تبعث الخطرات التي تتلوها خطوات الشيطان.
ثم أمر النساء بالحجاب والتعفف (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) وبعد سرد آية الحجاب بطولها ختمها بقوله تعالى (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون).
فهو قد حصَّن قلوب الشباب والفتيات بالخوف من الله وحده، وأمرهم بالوسائل المعينة على ذلك مثل: غض البصر ، لبس الحجاب، ترك التزين خارج البيت .. وبهذا يصبح المجتمع نظيفا طاهرا
ولكن الله تعالى يعلم أنه خلق غرائز في نفوس الرجال والنساء وأنها لابد أن تظهر آثارها عليهم فحثهم على الزواج الحلال ورغبهم فيه ويسر لهم سبله، فأمر من أولياء الأمور ألا يغلو المهور والنفقات على الشباب، وأن تختار الفتاة الشاب الصالح وإن كان فقيرا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".
فاستطاع الإسلام أن يعالج مثل هذه القضايا من جميع جوانبها، لكن الأفكار الغربية الوافدة علينا هي من أحدثت شرخا كبيرا في مجتمعاتنا، فنراهم يفتحون أبواب الحرام على مصراعيه وفي الوقت نفسه تغلق أبواب الحلال أمام الشباب.
الإنترنت والاتصالات وتذاكر السينما وبث الفضائيات الماجنة كلها رخيصة لا تكلف شيئا، لكن الأطعمة والمواصلات والأثاث وإيجارات الشقق وغيرها باهظة الثمن، فالشاب ما أيسر عليه أن يشاهد الصور الإباحية والأفلام الساقطة والبنات في الطرقات فتفور شهوته وتستعر فإذا فكر في الحلال وجد الأبواب موصدة مغلقة أمامه، فييأس ويعلم أنه لن ينال ما يبتغيه إلا بالحرام فيأتي الخلل، وهذا سر المسألة.
والفتيات التي ترتدي الثياب العارية الفاضحة هي جزء كبير من المشكلة، لأننا يجب علينا أن نعين الشباب على التمثل للأخلاق الرفيعة، ونقدر غرائزهم، لا أن نعين عليهم الشيطان، هل من العدل أن نضع الطعام الشهي أمام جائع وهو يعلم أنه غير قادر عليه ؟؟!
على رجال الدين المسيحي أيضا أن يتعاونوا في ذلك ويطالبوا النساء المسيحيات بالحشمة والتستر لأن ثيابهن أصبحت فاضحة بشكل كبير، ولا يتصور أبدا أن الله يأمر بهذا اللبس المتهتك المثير للغرائز ثم يشدد عليه الحكم في مجرد النظر إليها !!
وأعتذر لصاحبة الموضوع عن الإطالة والله الموفق الهادي إلى سبيل الرشاد