«كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي»، لكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تُوَافِقُ. «كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي»، وَلكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تَبْنِي.
حياتنا يا غالي ليست لأنفسنا وليست للإستمتاع.. حياتنا ان نعيشها ان ننكر أفسنا وان ننكر راحتنا النفسية ونعيش لمجد الرب وخير الآخرين.
بوسط الاحساسيس والأحباط لازم نتذكر ان حياتنا هي للمسيح وعايشين لاجل البشارة ولاجل ان نخدم اسمه القدوس. قوتنا هي من المسيح ولذتنا في الحياة هي في خدمته وليست في راحة جسدية..
مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ، فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي.
رسالة أخرى في غاية الأهمية، تحياتي يا أستاذ
روك. أود تأكيد هذه االرسالة، وبالوقت ذاته أود نفيها أيضا!
حياتنا يا غالي ليست لأنفسنا وليست للإستمتاع.. حياتنا ان نعيشها ان ننكر أفسنا وان ننكر راحتنا النفسية ونعيش لمجد الرب وخير الآخرين.
ولكن هل هناك تعارض؟ ألا يمكن أن "
نستمتع" بحياة أنكرنا فيها أنفسنا وراحتنا وعشناها لمجد الرب وخير الآخرين؟ ألا يجوز أن يكون هذا هو هدف وجودنا كله، ومن ثم فكل تجارب الحياة وشدائدها ليست إلا دفعا مستمرا لنا نحو اكتشاف هذه الحقيقة وسلوك هذا الطريق ومن ثم بلوغ
السعادة الحقيقية أخيرا؟ وكما تقول بنفسك في هذه الرسالة:
لذتنا في الحياة هي في خدمته وليست في راحة جسدية .
من ناحية أخرى يا ليت الأمور كانت بهذه البساطة! يبدو أنك مثالي جدا يا زعيم!
ما نقوله ـ ويقوله رسولنا الجميل ـ هو نفسه
ثمرة من ثمار النعمة! هو نفسه
خلاصة الرحلة كلها وفيض من إشراق النور بقلوبنا. لكن هذا النور قد لا يجدي كثيرا مع شخص يفكر بالانتحار، أستاذنا الحبيب، لأنه يعيش بالأحرى في أعماق أعماق الظلمة! هذا الخطاب وهذه الآيات
ترفعنا نحن فقط ـ ولو لم نقصد ـ دون أن تتلامس حقا مع مشكلة المنتحر! بالعكس حين نرتفع نحن هكذا ـ بخطابنا وفهمنا ونور النعمة فينا ـ
بالضرورة يشعر هو في المقابل بالانحطاط إلى درجة أدنى وظلمة أكبر، من ثم يتفاقم بالعكس إحساسه بالاغتراب وتتعمق أزمته وتزيد معاناته! هذا الخطاب بالتالي ـ الخطاب الديني الوعظي عموما ـ قد
يُعجّل بالأحرى قرار انتحاره!
تأمل هذه الحالة التي ذكرتها الغالية
نيفينا: هذا كان
"شماس وخادم جميل جداااا»، كان «
حقيقي ملاك جميل عل الأرض»! يعني كان على
علم تام ـ فيما أفترض ـ بهذا الخطاب وهذه الآيات! على الأرجح كانت هذه بالضبط
إجابته هو نفسه لو أن أحدا سأله عن الانتحار!
مع ذلك كانت الهوّة أو الفجوة بين
المثال الرائع (في أفكاره وعقله)
والواقع المؤلم (في خبرته ومشاعره) فجوة هائلة! كان من ثم منقسما، حتى ممزقا من الداخل، وإن بدا من الخارج خادما جميلا وملاكا يمشي على الأرض!
ولنلاحظ ـ علاوة على هذا ـ أن
النار لم تلمس فراشه او أثاث حجرته! ما معنى هذا؟! للأسف ليست لدينا التفاصيل لنعرف حقيقة ما حدث بالضبط، لكنه
نوع من الموت قرأت عنه قديما: النار لا تحرق الفراش أو الحجرة لأنها ببساطة
تأتي من الداخل،
لا من الخارج! آلام هذا الشخص إذاً وصلت من الشدة إلى أنها استحالت نارا فعلية، لهبا حقيقيا أكل جسده ثم ـ بموته ـ انطفأ تلقائيا وفوريا، لأن عقله أو روحه نفسها كانت هي مصدر النار! تأمل حجم الألم! تخيل شدة الحريق الذي كان هذا الشخص
يعيش بالفعل فيه!
(طبعا لا نعرف التفاصيل، ولا مدى اشتراكه إراديا في هذا الحريق بإشعال النار فعليا من الخارج. في الحالتين فالمعنى واحد نفسيا، لأن اختيار طريقة الانتحار لها دلالة وتكشف بحد ذاتها الكثير. فقط أشير إلى هذه النار التي لا تحرق إلا صاحبها. وبالطبع في هذه الحالة فهذا ليس حتى انتحارا)!
***
وعليه ـ مع اتفاقي التام بالطبع مع رسالتك، أستاذنا الحبيب ـ الأمور ليست للأسف بهذه البساطة، أو بهذه المثالية، وكأن العظات والآيات تكفي. بل إن الانتحار قد يبدأ أولا
بإلحاد الشخص كليا،
كمقدمة ضرورية تتيح له بعد ذلك ارتكابه فعليا. (وهذا نفسه في الحقيقة مشكلة أخرى لمن يقررون مقدما هلاك الناس أو خلاصهم:
الإلحاد ـ لا الانتحار ـ يئول بالطبع إلى الهلاك! حسنا، ولكن ماذا لو كان هذا الإلحاد نفسه جزءا من الانتحار، مقدمة له، ومرحلة من مراحله؟ ماذا لو كان الإلحاد انهيارا أو حتى
موتا عقليا، يسبق فعل الانتحار الجسدي النهائي؟ أليس من الأفضل إذاً أيها الأحباء ـ فيما يخص الهلاك والخلاص ـ أن نترك الأمر لصاحب الأمر)؟
نحتاج بالتالي إلى نقل هذه المعاني من مستوى الشعارات السامية إلى مستوى
الخبرة الحية. نحتاج ـ أمام انتشار ظواهر تتزايد للأسف كالإلحاد والانتحار ـ إلى ترجمة هذا في
سلوكنا نفسه أولا. يحتاج شبابنا ـ
قبل الكلمات، أو حتى بدلا منها ـ أن يجد ولو شربة ماء أولا عندنا! يحتاج
اهتماما حقيقيا أمينا،
رعاية صادقة مخلصة،
محبة عميقة تحتضن بالفعل معاناته وتفهمها! بعض شبابنا لا يحتاج إلا إلى أذن
تسمعه،
وتسمعه جيدا، بدلا من أفواه كلها لا يتقن سوى الوعظ، كلها يخاطبه طوال الوقت عما يجب ولا يجب، يصح ولا يصح، يليق ولا يليق!
مرة أخرى رسالة هامة جدا، حُبلى بالكثير، وما زال لديّ الكثير تعليقا عليها، ولكن نكتفي الليلة بهذا القدر. أشكرك وأشكر الأستاذ ماران وكل من شارك من الأحباء، وحتى نلتقي.