.
مهلا يا أستاذ جون مهلا.
القديس إيريناوس هو تلميذ القديس بوليكارب، والقديس بوليكارب هو تلميذ القديس يوحنا الرسول الذي جلس إليه وتعلم مباشرة منه، كما التقى وسمع أيضا من بقية الرسل ومن كثيرين رأوا وعاصروا السيد المسيح. حكى بوليكارب بالتالي الكثير عن القديس يوحنا، وكان مما حكاه ـ حسب شهادة إيريناوس ـ أن القديس يوحنا بعد عودته من المنفى إلى إفسس "أضاف" المقدمة إلى إنجيله، وذلك للرد خصيصا على "كيرينثوس" وهرطقته التي كانت تنطلق أنذاك من إفسس وتنتشر حولها، حيث كان كيرينثوس نفسه يقيم أيضا في نفس المدينة.
(الكتاب الذي يذكر ذلك "نصا" لا أستطيع للأسف الوصول إليه الآن، خاصة أن هذا ليس مجال بحثي، لكن مراجعنا لن تخرج عما كتب إيريناوس نفسه بالتأكيد، أو على أبعد تقدير عما كتب يوسابيوس في "تاريخ الكنيسة").
معنى ذلك أن القديس يوحنا كان قد انتهى بالفعل من كتابة إنجيله، بدءا بالآية: «هذه هي شهادة يوحنا...». بعد ذلك تم نفيه زمن الاضطهاد إلى جزيرة باتموس، ثم عندما عاد إلى إفسس مرة أخرى ووجد كيرينثوس يعيث فيها فسادا بأفكاره قرر أن يضيف إلى إنجيله مقدمة يرد بها على هذه الأفكار. هكذا عاد الرسول فكتب: «في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله...» إلخ.
سجل إيريناوس أفكار كيرينثوس الغنوصية بالتفصيل، وهو ما ترد عليه بالفعل هذه المقدمة، مما يدعم بالتالي صحة الرواية. أما كون هذه المقدمة يونانية الأسلوب أو الطابع فهذا في تقديري يعود إما إلى طبيعة الأفكار وتفاصيل الهرطقة نفسها التي جاءت المقدمة للرد عليها، وهو ما أرجّح، أو يعود إلى إقامة الرسول في جزيرة باتموس باليونان حيث كان منفاه، مما انعكس ربما على ثقافته وأسلوبه.
المهم أن كتابة إنجيل يوحنا "على عدة مراحل" كما يقول قداسة البابا ليست أبدا مشكلة ولا تعني أبدا الطعن بالكتاب أو التشكيك فيه. هذا بالعكس ـ إذا صحت الرواية ـ هو التقليد، شهادة كبار الآباء القديسين الذين عاصروا الأحداث بأنفسهم والذين تسلمنا منهم.
.........