.
سلام ونعمة أستاذنا الحبيب، وها نحن نلتقي من جديد إلى النور. 
«الله روح» تعني ببساطة أن الله غير مادي، لا جسم له، غير محسوس غير ملموس، متعالِ تماما عن كل ما هو مادي أو حسي.
أما وصف «الروح القدس» بأنه «روح الله» فهو ـ مبدئيا ـ وصف لا يصح إلا في سياق "الإله الواحد"، كما في قول بعضهم مثلا إن الله «موجود بذاته ناطق بكلمته حيّ بروحه». أما في سياق الثالوث القدوس، عند الحديث عن الأقانيم مثلا، فإن هذا القول ينطوي بالعكس على "خطأ فادح"، لأنه يقسم الله إلي ثلاثة أجزاء: ذات وعقل وروح، والله من ثم ـ كي يكون إلها كاملا ـ هو "مجموع" هذه الأجزاء الثلاثة! أما الأدهى بالطبع فهو أننا أيضا نقول أن كل "جزء" من هذه الأجزاء هو في الحقيقة "شخص متميز"، بل بحد ذاته "إله كامل"، وهكذا يصبح لدينا بالأحرى ثلاثة آلهة لا إله واحد. أي أننا ما بين إله "منقسم داخليا" إلى ثلاثة أجزاء، في أحسن الأحوال، وبين "آلهة ثلاثة" في أسوأها! هذا الفهم بالتالي يدمر الثالوث تدميرا كاملا، كما يجعل من فهمه ببساطة أمرا مستحيلا!
ولكن حتى لا نتحول لمشكلة الثالوث (وهو ليس أبدا لغزا يستحيل فهمه ولكن لابد فقط من توافر بعض الشروط أولا لذلك)، دعنا الآن نتحرك فقط في حدود سؤالك ودون إسهاب. تقول:
ومن جهة نعلم أن أقنوم الروح القدس هو روح الله
لا، أقنوم الروح القدس "هو" الله. الروح القدس ليس روح الله بل هو الله. هو نفسه الله. لنتجاهل الأن مؤقتا أن اسمه "الروح القدس" حتى لا تختلط عليك الأمور. دعنا نقول ببساطة إن "الأقنوم الثاللث" هو الله.
فهل يٌفهم من هذا أن أقنوم الأب أو أقنوم الابن ليس روحاً؟
بالضبط كالأقنوم الثالث كذلك الأول: الأقنوم الأول هو الله. الأقنوم الثاني هو أيضا الله. كل منهم هو الله، نفس الإله الواحد. تماما كما إن "إبراهيم" إنسان و"إسحاق" إنسان و"سارة" إنسانة: نفس الإنسانية الواحدة.
(بمعنى أن فيهم جميعا نفس الإنسانية الواحدة.. بمعنى أن في كل منهم منفردا "تتحقق" الإنسانية فعليا، وبذلك "تعلن" الإنسانية عن نفسها وعن وجودها.. بمعنى أن مفهوم "الإنسان"، وهو مجرد "تصور ذهني" ـ كالغول والعنقاء والبُراق ـ هو أيضا "حقيقة" فعلية واقعية، هي هذا الذي نشير إليه باسم "إبراهيم" أو "إسحاق" أو "سارة")!
وعليه إذا عدنا إلى أول رسالتنا هذه واتفقنا على أن «الله روح»، بمعنى أنه «غير مادي لا جسم له»، تكون الخلاصة بالتالي أن الأقنوم الأول «روح، غير مادي لا جسم له»، وكذلك الثاني، وكذلك الثالث. استنتاجك بالتالي لم يكن صحيحا، والصواب ـ حسب هذه الدلالة لكلمة "روح" ـ هو أن الآب، نعم، بالطبع روح، وكذلك الابن روح، والروح القدس روح، بمعنى أن الآب غير مادي لا جسم له، وكذا الابن غير مادي لا جسم له، وكذا الروح القدس غير مادي لا جسم له.
________________________
ختاما أشكرك كثيرا على رسالتك الأخيرة لضعفي، كذلك أعتذر إذا كنتُ قد تأخرت بهذه المشاركة. لا أعتقد أنك والأحباء جميعا كنتم بانتظاري، ولكن بالنظر إلى أن أحدا لم يتقدم بعد بأية مشاركة فلعل هناك حقا مَن كان ينتظر. في هذه الحالة أعتذر بالطبع مخلصا، لشخصك الكريم ولكل أساتذتي الذين أتعلم بالأحرى منهم جميعا، لا حرمنا الله أبدا من محبتهم ومن ثراء أي موضوع يشاركون فيه، وليتهم يضيفون ها هنا أيضا بعض لمساتهم العاطرة. على أي حال سأتابع معك بمشيئة الرب دون إبطاء إذا كان لديك حول هذا الموضوع أي سؤال آخر. تحياتي ومحبتي.
.