تعريف المسيحية _ غريغوريوس النيسي

عبد يسوع المسيح

يارب أعطنى حكمة
مشرف سابق
إنضم
13 أغسطس 2009
المشاركات
2,920
مستوى التفاعل
808
النقاط
113
الإقامة
مصر

ما هو تعريف المسيحية؟

بقلم القديس غريغوريوس النيسي



يقولون أن أحد منظمي العروض في مدينة الإسكندرية قد درَّب قرداً على الرقص برشاقة، ألبسه قناع الراقصين وبدلة مناسبة للإستعراض، وأحاطه بجوقة، وكسب شهرة من خلال رقص وتلوي القرد على أنغام الموسيقى، وكان القرد يُخفي طبيعته بكل طريقة من خلال ما يفعله ومن خلال الشكل الذي يظهر به. وبينما كان الجمهور مفتوناً بطرافة هذا المنظر، أظهر أحد الأذكياء الحاضرين للمشاهدين بواسطة خدعة أن الراقص قرداً. عندما كانت الجموع تصرخ وتُصفق على حركات وإيماءات القرد الذي كان يتحرك بشكل متناغم مع الموسيقى، يقولون أنه ألقى في مكان الرقص بعض من الحلويات التي تثير الرغبة عند مثل هذه الحيوانات. عند ذلك وبدون لحظة تأخير، عندما رأى القرد اللوز مبعثر أمام الجوقة، نسي الرقص والتصفيق والبدلة المُتقنة، وركض وراء الحلوى ملتقطاً كل ما وجده في راحة يديه. وحتى لا يقف القناع حائلاً أمام طريق فمه، خلع بهمة قناع تنكره بأظافره، وحالاً أثار ضحكة المشاهدين بدلاً من المديح والإعجاب، إذ ظهر بشكله القبيح والمضحك بعد تمزيقه للقناع.

هكذا أيضاً، كما أن الشكل المُنتحَّل لم يكن كافياً لهذا الحيوان لكي يُعتبَّر إنساناً، فأنكشفت طبيعته بحادثة اللوز، هكذا أيضاً أولئك الناس الذين لا يُشكّلون بصدق طبيعتهم الخاصة بالإيمان المسيحي، يمكن بسهولة كشفهم - من خلال شراك الشيطان - أنهم على حال آخر غير الحال الذي هم مدعوين إليه. وعوضاً عن التينة أو اللوزة أو أي شيء آخر، يضع الشيطان بحيّله الشريرة: الغرور، ومحبة الكرامة، ومحبة الربح، ومحبة اللذة، وأي شيء آخر أمام الشخص الشهواني بدلاً من الحلوة، وبسهولة يفضح النفوس الشبيهة بالقردة الذين من خلال التظاهر والرياء والتقليد يلعبون دور المسيحي التقي، وعند حلول أي أزمة شخصية يخلعون قناع الإعتدال والوداعة أو أي فضيلة أخرى.

من الضروري إذن أن نفهم ما معنى كلمة "مسيحي" حتى يمكننا أن نصبح على ما يقتضيه هذا الأسم ولا نُكشَّف بواسطة الرب الظاهر أمامه كل مخفي، أعني ما أخفيناه نحن بمجرد القبول والتظاهر بالأسم فقط كمسيحيين، مع أننا في الواقع على حال مناقض تماماً لما نظهر عليه.


إذن، إذا إتخذ أحد اسم المسيح لكنه لا يُظهر في حياته ما يتضمنه ويُشار إليه بهذا الاسم، مثل هذا الشخص يُناقض الاسم ويضع قناعاً بلا حياة يوافق النموذج المُسمَّى أمامنا شكلاً فقط. لأنه من المستحيل للمسيح أن لا يكون براً ونقاوة وحقاً ونفوراً من كل شر، وليس ممكناً أن تكون مسيحياً - أعني مسيحياً بالحقيقة - بدون الإشتراك في هذه الفضائل وإظهارها في حياتك.


إذا كان من الممكن إعطاء تعريفاً للمسيحية، سوف نُعرِّفها كالتالي:


المسيحية هي محاكاة الطبيعة الإلهية.


والآن، ليت لا يعترض أحد على هذا التعريف، كتعريف غير معتدل يتجاوز وضاعة طبيعتنا.


لا، هذا التعريف لا يتجاوز طبيعتنا.


في الحقيقة، إذا رجع أي أحد إلى حالة الإنسان الأولى، سوف يجد من خلال تعاليم الأسفار المقدسة أن هذا التعريف لا يتجاوز مقياس طبيعتنا. إذ أن الإنسان الأول قد تم تكوينه كمحاكاة لشَبَه الله. لذلك موسى بقوله الحكيم عن خلق الإنسان، قال "على صورة الله خلقه" (تك 2).


وبالتالي، كلمة "مسيحية" إذاً، تُعيد الإنسان مرة أخرى إلى نصيبه السعيد الأصلي.



إذا كان الإنسان في الأصل على شبه الله، لا نكون قد تجاوزنا الحدَّ بالإعلان أن المسيحية هي محاكاة الطبيعة الإلهية. في الحقيقة، عظيم جداً وعد هذا الاسم.

ربما من المناسب أن نتحرى أيضاً بشأن عدم توافق حياتنا مع التعريف وخطورة هذا الأمر بالنسبة للشخص الذي يستخدم هذا الاسم. ربما يتضح المعنى من خلال الأمثلة. إفترض أن رسام محترف تم تكليفه برسم صورة للملك لمن يعيشون بعيداً، إذا رسم شكل مضحك وقبيح على الخشب ودعى هذا الشكل الكريه صورة الملك، ألا يزعج هذا السلطات على أساس أن الأصل الوسيم قد أهين من خلال هذه الصورة السيئة بين أولئك الذين لم يروا الملك من قبل؟ فالناس سوف تعتقد بالضرورة أن الأصل يشابه الشكل الذي تُظهره الأيقونة.

إذا كان التعريف يقول أن المسيحية هي محاكاة الله، فالشخص الذي لم يسبق له أن يتفهم هذا السر سوف يظن أن الأصل الإلهي يشابه ما يراه في حياة كل واحد منّا، فيقبلها كمحاكاة صحيحة لله، فإن رأى نماذج للصلاح الكامل سوف يعتقد أن الإله الموقَّر بواسطتنا إله صالح، لكن إذا رأى أمامه شخص أنفعالي وقاسي يتأرجح بين الأهواء، ويعكس العديد من أشكال الحيوانات في شخصيته - إذ أنه من السهل ان نرى كيف تشبه التقلبات في طبيعتنا الحيوانات، عندما يدعو مثل هذا الشخص نفسه "مسيحياً"، وواضح للجميع أن وعد الاسم يُعلن محاكاة الله، يجعل هذا الشخص إذن الأصل الإلهي - الذي يُعتقد بأنه ينعكس في حياتنا الخاصة - هدفاً للملامة بين غير المؤمنين.


يدين الكتاب المقدس بنوع من التهديد المخيف هؤلاء الأشخاص قائلاً: " لأن اسم الله يجدف عليه بسببكم بين الأمم" (رو 2)، ويبدو لي أن الرب يوجه أفكارنا في هذا الإتجاه عندما يقول لمن يستطيع أن يسمع: "كونوا كاملين كما ان أباكم الذي في السموات هو كامل" (مت 5). إذ أنه بتسميته الآب الحقيقي للمؤمنين فهو يُريد أن أولئك المولودين بواسطته يكونوا واحداً مع الآب في كمال الصلاح الذي يتأملونه في الآب.





Reference: Fathers of the Church Series, Volume 58, Gregory of Nyssa, Ascetical works.


ترجمة المدونة الآبائية : http://erinipasy.blogspot.com/
 
التعديل الأخير:

aymonded

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
6 أكتوبر 2009
المشاركات
16,056
مستوى التفاعل
5,360
النقاط
0
موضوع فوق فوق فوق الرائع، واختيار موفق جداً يستحق التقييم والتثبيت لأنه إرشاد وتوجيه حي لضبط الحياة في الحق، ليكون المسيحي مسيحي حقيقي... إلهنا الحي يفرح قلبك ويزيدك نعمة فوق نعمة ويجعل اختيارك موفق لنشر التعليم المسيحي الحي بخبرة عمل النعمة في القلب آمين
 

aymonded

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
6 أكتوبر 2009
المشاركات
16,056
مستوى التفاعل
5,360
النقاط
0
على ايه بس الشكر يا جميل، الموضوع حلو حلو حلو فعلاً
لأنه من الناحية العملية والاختبارية يعتبر قوة لكل نفس تسمعه وتحياه
الله الحي يزيدك بركة ونعمة ويوجه قلبك وفكرك لتعلن مشيئته دائماً كالتدبير
كن معافي باسم الثالوث القدوس آمين
 

عبد يسوع المسيح

يارب أعطنى حكمة
مشرف سابق
إنضم
13 أغسطس 2009
المشاركات
2,920
مستوى التفاعل
808
النقاط
113
الإقامة
مصر
أمين فأمين ..
ربنا يعطينا نعمة أن نعيش مسيحيين ..
 

هشام المهندس

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
15 مايو 2011
المشاركات
4,544
مستوى التفاعل
964
النقاط
0
الإقامة
baghdad
موضوع رائع واختيار موفق
الرب يباركك لمجد اسمه القدوس
 

ابن يسوعنا

انا ابنك وملكك
عضو مبارك
إنضم
25 يوليو 2013
المشاركات
7,874
مستوى التفاعل
1,839
النقاط
113
موضوع جامد
ومهم جدا
ومفيد جدا جدا
وجديد علي اذني
الرب يبارك تعبك
 

عبد يسوع المسيح

يارب أعطنى حكمة
مشرف سابق
إنضم
13 أغسطس 2009
المشاركات
2,920
مستوى التفاعل
808
النقاط
113
الإقامة
مصر
موضوع جامد
ومهم جدا
ومفيد جدا جدا
وجديد علي اذني
الرب يبارك تعبك

ربنا يهبنا نعمة شركة محبته ..
أشكرك على التقييم أخى الحبيب ..
 

+ماريا+

نحوك اعيننا
عضو مبارك
إنضم
22 أكتوبر 2012
المشاركات
5,471
مستوى التفاعل
2,038
النقاط
113
موضوع غايه فى الروعه استاذى
وتعريف فوق الرائع للمسيحيه
فعلا احنا اولاد الله لابد ان نكون ضورة الله على الارض
وجميله اوى جملة محاكاة الطبيعه الالهيه
ياريت نكون ولاد ربنا بجد مش لابسين قناع زى القرد
ربنا يباركك استاذى ويفرح قلبك
 

عبد يسوع المسيح

يارب أعطنى حكمة
مشرف سابق
إنضم
13 أغسطس 2009
المشاركات
2,920
مستوى التفاعل
808
النقاط
113
الإقامة
مصر
موضوع غايه فى الروعه استاذى
وتعريف فوق الرائع للمسيحيه
فعلا احنا اولاد الله لابد ان نكون ضورة الله على الارض
وجميله اوى جملة محاكاة الطبيعه الالهيه
ياريت نكون ولاد ربنا بجد مش لابسين قناع زى القرد
ربنا يباركك استاذى ويفرح قلبك

ويبارك حياتك اختى العزيزة ..
أشكرك على التقييم وتعليقك الجميل ..
 

روزا فكري

كله للخير
عضو مبارك
إنضم
2 أكتوبر 2013
المشاركات
1,207
مستوى التفاعل
393
النقاط
0
الإقامة
alexandria

بصراحه التشبيه خضني في الاول بس لما قريت الموضوع لاخره
حسيت انه تشبيه في محله بالذات الجزء ده
يضع الشيطان بحيّله الشريرة: الغرور، ومحبة الكرامة، ومحبة الربح، ومحبة اللذة، وأي شيء آخر أمام الشخص الشهواني بدلاً من الحلوة، وبسهولة يفضح النفوس الشبيهة بالقردة الذين من خلال التظاهر والرياء والتقليد يلعبون دور المسيحي التقي، وعند حلول أي أزمة شخصية يخلعون قناع الإعتدال والوداعة أو أي فضيلة أخرى.

موضوع حقيقي مميز ومفيد جداا ويستاهل التقييم
ربنا يبارك حياتك وخدمتك استاذ عبد يسوع
 

أَمَة

اخدم بفرح
نائب المشرف العام
إنضم
16 يونيو 2008
المشاركات
12,644
مستوى التفاعل
3,556
النقاط
113
الإقامة
في رحم الدنيا، اتطلع الى الخروج منه الى عالم النور



بناء على طلب الإبن الحبيب
Aymonded
يُنقل هذا الموضوع الى قسم المرشد الروحي
الذي يشرفُ عليه
ويُترك له عملية تثبيته.
 

aymonded

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
6 أكتوبر 2009
المشاركات
16,056
مستوى التفاعل
5,360
النقاط
0
أشكرك يا أمي باسم ربنا يسوع، لأن الموضوع يخص تدبير النفس وإرشاد في منتهى الأهمية ومن الضرورة القصوى تثبيتة ليكون منهج حياة كل من يحب ربنا يسوع في عدم فساد، ويُريد أن يحيا بأمانة حسب إنجيل خلاصنا آمين
 

عبد يسوع المسيح

يارب أعطنى حكمة
مشرف سابق
إنضم
13 أغسطس 2009
المشاركات
2,920
مستوى التفاعل
808
النقاط
113
الإقامة
مصر

بصراحه التشبيه خضني في الاول بس لما قريت الموضوع لاخره
حسيت انه تشبيه في محله بالذات الجزء ده
يضع الشيطان بحيّله الشريرة: الغرور، ومحبة الكرامة، ومحبة الربح، ومحبة اللذة، وأي شيء آخر أمام الشخص الشهواني بدلاً من الحلوة، وبسهولة يفضح النفوس الشبيهة بالقردة الذين من خلال التظاهر والرياء والتقليد يلعبون دور المسيحي التقي، وعند حلول أي أزمة شخصية يخلعون قناع الإعتدال والوداعة أو أي فضيلة أخرى.

موضوع حقيقي مميز ومفيد جداا ويستاهل التقييم
ربنا يبارك حياتك وخدمتك استاذ عبد يسوع

ويبارك حياتك أختى الغالية فى كنيسة المسيح ..
وأشكرك على تعليقك الحلو الواعى .
 

أَمَة

اخدم بفرح
نائب المشرف العام
إنضم
16 يونيو 2008
المشاركات
12,644
مستوى التفاعل
3,556
النقاط
113
الإقامة
في رحم الدنيا، اتطلع الى الخروج منه الى عالم النور
أشكرك يا أمي باسم ربنا يسوع، لأن الموضوع يخص تدبير النفس وإرشاد في منتهى الأهمية ومن الضرورة القصوى تثبيتة ليكون منهج حياة كل من يحب ربنا يسوع في عدم فساد، ويُريد أن يحيا بأمانة حسب إنجيل خلاصنا آمين


كلامك صح يا أيمن. وتمييزك في الأمور الروحية لا يختلف عليه إثنان لديهم روح التمييز.

الرب يبارك حياتك وخدمتك وإشرافك.
 

أَمَة

اخدم بفرح
نائب المشرف العام
إنضم
16 يونيو 2008
المشاركات
12,644
مستوى التفاعل
3,556
النقاط
113
الإقامة
في رحم الدنيا، اتطلع الى الخروج منه الى عالم النور
لا اريد أن يفوتني شكر الإبن الغالي عبد يسوع المسيح على نقله مواضيع فيها غذاء روحي أكثر ضرورة من الطعام والشراب الأرضي.

الرب يبارك حياتك يا إبني ويغنيك أكثر وأكثر من نعمه السماوية.
 

عبد يسوع المسيح

يارب أعطنى حكمة
مشرف سابق
إنضم
13 أغسطس 2009
المشاركات
2,920
مستوى التفاعل
808
النقاط
113
الإقامة
مصر
لا اريد أن يفوتني شكر الإبن الغالي عبد يسوع المسيح على نقله مواضيع فيها غذاء روحي أكثر ضرورة من الطعام والشراب الأرضي.

الرب يبارك حياتك يا إبني ويغنيك أكثر وأكثر من نعمه السماوية.

ربنا يخليكى يا أمى ..
الشكر للمسيح انه يدينا نعمة الفهم والتمييز لمعرفة مقاصده لحياتنا ..
ونفهم ونعمل بأقوال الاباء الذين تذوقوا حلاوة العشرة مع المسيح .
 
أعلى