- إنضم
- 6 أكتوبر 2009
- المشاركات
- 16,056
- مستوى التفاعل
- 5,370
- النقاط
- 0
الصعوبات التي تقف ضد فهم الإنسان للثالوث : تابع الأرقام والخليقة - تابع سلسلة شرح الثالوث الجزء الرابع
تابع سلسلة شرح الثالوث القدوس - الجزء الرابع
الصعوبات التي تقف ضد فهم الإنسان للثالوث القدوس ؟
+ تابع مشكلة الأرقام ومعرفة الله عن طريق الخليقة
للرجوع للجزء الثالث أضغط هنـــــــــــــا
الصعوبات التي تقف ضد فهم الإنسان للثالوث القدوس ؟
+ تابع مشكلة الأرقام ومعرفة الله عن طريق الخليقة
للرجوع للجزء الثالث أضغط هنـــــــــــــا
عموماً كما رأينا (في الجزء السابق - الجزء الثالث) أن الله في حقيقته كما أعلنها لنا ثلاثة أقانيم ولكن في نفس الوقت لا نستطيع أن نقول أن الله واحد أو الله ثلاثة في نفسه أي أن الله ليس واحداً أو أثنين أو ثلاثة من جهة العدد، فكل مفهوم الحساب لا يُمكن أن ينطبق عليه. فالله ليس واحداً أو ثلاثة عددياً، فالله ليس مثله شيء.
فالمفاهيم التي نكونها عن الله حسب عقلنا البشري وبالاستناد إلى التصور العقلي الصرف هذه كلها تُعتبر أصنام صنعها عقلنا عن الله، لأنني لن أستطيع أن أصور الله حسب مفهومي ورؤيتي الخاصة، فالنفس ترتقي من مفهوم لمفهوم كالعروس في نشيد الإنشاد التي تطلب من لا تستطع الوصول إليه وهيَّ تعي تماماً إن الاتحاد لا نهاية لهُ والارتقاء لا حد لهُ.
ويقول القديس إغريغوريوس النزينزي بلسان موسى عند صعوده إلى الجبل للقاء الله في تأمل بديع:
[ كنت أتقدم لأعرف الله ولذلك انفصلت عن المادة وعن كل ما هوَّ جسدي، جمعت نفسي ما استطعت في داخلي وصرت أرتقي إلى قمة الجبل. ولكن عندما فتحت عيني بصعوبة، استطعت أن أراه من خلفه لأنه كان مغطى بالحجر أي بناسوت الكلمة المتجسد من أجل خلاصنا. لم أستطع أن أتأمل الطبيعة الأولى والكلية النقاوة التي لا يعرفها إلا نفسها أي الثالوث القدوس لأني لا أستطيع أن أتأمل ما هوَّ وراء الحجاب الأول الذي يخفيه الشاروبيم، ولكن أستطيع أن أرى ما ينزل إلينا، البهاء الإلهي الذي يجعل نفسه منظوراً في المخلوقات ]
فنحن نعرف الله من خلال إعلانه عن ذاته وكشف نفسه حسب ما يراه هو وليس كما نراه نحن، وهذا ملخص ما تحدثنا عنه بالنسبة لمشكلة الأرقام وقوانين الحساب المادي، لأن العدد ليس له علاقة بالله، فالله لا يُعد لأن من عده فقد حده، وبما أننا جميعاً نتفق على أن الله غير محود أو يستطيع ان ينحصر في شيء ويُحد لذلك لا نستطيع ان نضع الله في أي رقم، ولا نستطيع ان نتحدث عن الثالوث من جهة الأرقام فمثلاً نقول: الآب فهذا واحد، والابن هذا ثاني، والروح القدس هو ثالث، وكذلك أن كل من يقول أن الله واحد عددياً ويستطيع أن يعده رقمياً، فقد جعل الله يخضع لرقم وبذلك يكون قد حده، فالله لا يُحد، فأن كان الله ثلاثة كعدد والله واحد كعدد أقل من ثلاثة، فهذا لا يفرق عن ذاك، بل كله أخضع الله لأرقام رياضية يستحيل أن تعبر عنه قط، لأن وحدانية الله ليست عقلية أو بشرية وبالتالي ليست وحدة الواحد العددي، الواحد الرقمي، لأن وحدانية الله ليست عملية إحصاء وأعداد، لأن الله وحده يكشف وحدانيته بنفسه، هذه الوحدانية التي تفوق كل إدراك الإنسان وتصوراته حسب إمكانياته العقلية المحدودة....
المشكلة الثانية معرفة الله من خلال أعماله:
أن جعلنا معرفة طبيعة الله من خلال أعماله، ونفكر في الله فقط من مدخل إظهار الفرق بينه كخالق وبين المخلوقات، فأننا حتماً سوف ننتهي إلى التفكير في الابن نفسه على أنه أحد أعمال الله المخلوقة كما رآها الهراطقة المحبي للفلسفة، مما يقودنا بالتالي إلى التحدث عن الله والتفكير فيه بأسلوب غير مؤسس شخصياً في الله ذاته، وإنما بأسلوب غير شخصي بعيد كل البعد عن ما هو الله في ذاته وشخصه.
فيا إخوتي إذا حاولنا التوصل إلى معرفة الله من نقطة ما خارج عن الله، فإننا لن نستطيع التعامل مع الله كإله حي وظهور مُحيي، فنحن بواسطة دخولنا فقط إلى الله لنرى ونلمس ونعرف منه عن شخصه بإعلانه الشخصي، يُمكننا أن نمتحن ونضبط مفاهيمنا عن الله...
فبدون إعلان الله عن ذاته وكشف طبيعته لنا وما هو عليه، فأننا حتماً سنرتد لأنفسنا لنأخذ منها معرفتنا عن الله بحسب ما نعرف وقدرتنا على الفحص والاستنتاج وننحصر في الأرقام والأعداد والفلسفات والعلوم المختلفة، وحتى أن حاولنا أن نربط بطريقة سلبية بين الله وبين ما نحن عليه في ذواتنا - وحسب معرفتنا وإدراكنا - بقولنا أنه غير محدود، وغير متغير، ...الخ، فلن نستطيع أن نتجنب أبداً وضع أنفسنا بنوع ما، كمقياس لما نفكر أو نقوله عن الله. وهكذا في نهاية المطاف سيكون الاستناد إلى رأينا الشخصي أو حسب ما تعلمناه منذ الصغر، أو حسب الفكر الفلسفي لإقناع العقل وإثبات الرأي والعقيدة أمام الآخرين، بالإضافة طبعاً إلى ما نُفكر فيه أو نبتكره من عندنا بشكل اعتباطي حسب تعليمنا وقدرتنا على قوة التفكير والاستنتاج والقدرة على الشرح والتفسير. وبهذا يكون حكمنا على كل من الابن والآب والروح القدس، كما فعل الأريوسيين بأنهم فكروا في الله بتخيلهم عنه تصورات مُعينة لا تمت للحقيقة بصلة.
فأي محاولة للتوصل إلى معرفة الله بهذه الطريقة، أي من خلال التفكير الشخصي والمقارنة بين الخالق والمخلوق، أو معرفة طبيعة الله ووحدانيته من خلال أعماله الظاهرة في الطبيعة، هي في الحقيقة أتباع للمشيئة الذاتية ((وهو نوع من العناد الشخصي الذي يتصور الله بصورة معينة لا يُريد أن يخرج عنها)) البعيد تماماً كل البعد عن التقوى، كما أنها تتصف ايضاً بطريقة غير متوافقة تماماً مع طبيعة الحقيقة الإلهية، لأن الحقائق الإلهية يتم الوصول إليها بالالتزام بما هو فعلياً وجوهرياً داخل الحق المعلن من الله في الزمان حسب مسرة مشيئته وإرادته لأنه هو من يعرف ذاته بذاته ويعلنها بذاته...
وليس لنا أن نتكلم عن الحق الإلهي حسب العرف اعتباطياً، فمعرفة الأمور الإلهية حسب إعلانها من الله وطبقاً لطبيعتها، هي معرفة حسب الحق وتتوافق مع وقائع إلهيه مقننه من الله وليس من الناس، وبالتالي يمكن التفكير فيها بالعقل المستنير بنور الله والحديث عنها بحق وخبرة وحياة ملأت قلب الإنسان وفكره، وهذا هو الطريق الوحيد للتوصل إلى معرفة حقيقية ودقيقة قد تلقفها العقل المستنير وقبلها بأمانة إيمان حي فعملت في داخله، ودخل في خبرة حياة الشركة مع الله فنال موهبة التحدث بالإلهيات وابتدأ ينطق بإعلان الحق عن الله المعلن له ذاته في سر التقوى وتقديس النفس للدخول في شركة معه.
وليس لنا أن نتكلم عن الحق الإلهي حسب العرف اعتباطياً، فمعرفة الأمور الإلهية حسب إعلانها من الله وطبقاً لطبيعتها، هي معرفة حسب الحق وتتوافق مع وقائع إلهيه مقننه من الله وليس من الناس، وبالتالي يمكن التفكير فيها بالعقل المستنير بنور الله والحديث عنها بحق وخبرة وحياة ملأت قلب الإنسان وفكره، وهذا هو الطريق الوحيد للتوصل إلى معرفة حقيقية ودقيقة قد تلقفها العقل المستنير وقبلها بأمانة إيمان حي فعملت في داخله، ودخل في خبرة حياة الشركة مع الله فنال موهبة التحدث بالإلهيات وابتدأ ينطق بإعلان الحق عن الله المعلن له ذاته في سر التقوى وتقديس النفس للدخول في شركة معه.
عموماً حيث أنه لا يوجد تشابه بين جوهر الله الأزلي وبين جوهر الواقع المخلوق، فإن الله يمكن معرفته فقط من خلال ذاته، لأن لا نستطيع ان نعرف الله في طبيعته من خلال المخلوقات أو ما وراء الطبيعة كعلم وفلسفة وفكر، لأن من خلال المخلوقات ندرك فقط قدرته وقوته، ومن وراء الطبيعة لا نستطيع ان نعلن حقائق لأنها دراسات مبنيه على استنتاجات ومقارنات الطبيعة مع نفسها وحسب رأي وفلسفة كل واحد، لأن كل ما هو وراء الطبيعة لم يراه أحد !!!
فلابد من أن نعرف عن الله كما يُظهر ذاته لنا، لأن إعلان الله عن نفسه لنا يرينا كيفية التفكير فيه وماذا ينبغي أن نقول عنه. وهذا ما يحدث عندما نقترب إلى الله كآب من خلال يسوع المسيح ابنه المتجسد، لأن الابن هو من نفس ذات الطبيعة الواحدة والجوهر الواحد مع الآب والروح القدس، فالابن إله من إله لا كإلهين إنما نور من نور، إله حق من إله حق، جوهر واحد غير منفصل قط لا لحظة واحدة ولا طرفة عين لا قبل التجسد ولا بعد التجسد ولا أثناء التجسد، ولا هو على الصليب ولا في قوله حتى إلهي إلهي لماذا تركتني، فالابن هو الطريق الوحيد للوصول إلى الآب ومعرفة الثالوث القدوس.
عموماً أعود أُأكد على إننا عندما نسعى لمعرفة الله من خلال مخلوقاته فإننا لن نعرفه "كآب" بل سنعرفه فقط "كخالق"، وفي هذا لن نكون أفضل من الوثنيين، ولكن من يعرف الله "كآب" في ابنه "اللوغوس كلمة الله" ومن خلاله، فأنه سيعرفه أيضاً "كخالق" لأنه بالكلمة قد خلق كل شيء، وبروحه أعطى حياة خاصة للإنسان (أنا وأنت وكل واحد)، وبذلك نحبه وندخل إليه لا كمجرد خالق الكون بل كأب في الابن الوحيد ونحن ابناءه الأخصاء المدعوين للقداسة، أي التخصيص لشخصه في الابن الوحيد، وبذلك تستقيم علاقتنا بالله ليكون لنا شركه معه في النور...
_____يتبـــــع_____
التعديل الأخير: