- إنضم
- 6 أكتوبر 2009
- المشاركات
- 16,056
- مستوى التفاعل
- 5,370
- النقاط
- 0
السلام لنفوسكم يا إخوتي الأحباء في شخص ربنا يسوع
أحب أن أتكلم عن موضوع شائك يمس حياتنا كلنا منذ بداية تفتح أعيننا على المجتمع الذي نعيش فيه، وبخاصة في أيامنا هذه التي فيها انفتح الجميع على النت والمواقع الخبيثة التي توطد الخطية وتقويها، وأضع أولاً مقدمة أمامكم كتمهيد لمفهوم العفة عموماً، حتى نستطيع أن نصل للمفهوم الإلهي والقصد من الجنس وسموه في عفة حقيقية وليست ذات شكل خارجي ظاهر، أما من الداخل فكلها شهوة ومغالطة نابعة عن تربية غير سوية أو تشوية المجتمع وخبرة الشر التي لازمتنا وتغذت على لغة الشارع والتخلف التربوي السيء والكبت الظاهر في جميع الاتجاهات، حتى الذين يُعلمون ويكتبون عن العفة تكلم معظمهم بعيداً عن أصول جوهرها الحقيقي فتاه كلامهم وصار في حدود مجرد تداريب لا حصر لها ولا تأتي بثمر كثير، بل صارت وهق على من يسمعها ويقرأها حتى أنه في النهاية يا أما يزهق من طولها أو ييأس من تنفيذها، وهذا عن خبرة وليس مجرد كلام وأعتقد أن الكل اصابه الملل من كل حديث عن مشكلة التخلص من العادة السرية وكل ما هو مضاد للعفة حسب فكر الناس، وكثيرين يشرحون موضوع العفة بعيداً عن جوها الخاص والمُميز الذي هو أصل هدفها الحقيقي ...
عموماً موضوع الانحراف الجنسي مرتبط ارتباط وثيق بموضوع العفة، وقضية العفة - بطبيعتها في مجتمعنا المعاصر - شائكة بالنسبة للمشاكل والصعوبات التي تطرحها علينا في هذه الأيام التي قلت فيها المعرفة والإرشاد الأسري السليم بل ووصل لحد الإرشاد الكنسي المشوه المقدم في صور نسكية بتداريب طويلة معقدة قد تزيد المشكلة وتوسعها أكثر لدرجة اليأس من حلها، ولو نظرنا إلى التيارات الفكرية والاجتماعية التي تحاول في مجتمعنا أن تتعرض لعفة مستترة – التي يحث فيها الأهل الأبناء عليها، بل وقد تكون الكنيسة أيضاً – وهي أساسها الكبت والحرمان والتربية غير السوية وعدم القدرة على فهم المشاعر وضبط العلاقات العاطفية والحسية ... فالعفة – لازالت – تُفسرّ تفسيرات مشوهة جداً، أو نتيجة فهم خطأ للحرية الشخصية، فنراها تظهر بمظهر التزمت والرجعية، وترتبط بمفاهيم اجتماعية بائدة ( أي تجنب كل كلام عن الجنس أو فتح موضوعاته بأي شكل من الأشكال أو أي وسيلة لأنه حرام)، وهذا يساعد على وجود جو مُثير للغرائز التي تغذية – في مجتمعنا – الكتب والمجلات والأفلام السينمائية والفيديو كليب والتربية القمعية وقانون العيب الأسري الذي يطلق على آذان الأولاد في أي مناسبة أو تلميح لهذا الموضوع !!! ونرى بذلك و بوضوح صعوبة بل واستحالة وجود العفة في حياتنا بل وممكن أن نعتبره درب من الخيال والوهم كما يراه الشباب الآن !! لذلك لا بد لنا من أن نبحث هذا الموضوع بصراحة ونُحدد معنى الجسد والعفة وارتباطهم بالحب الأصيل والصحيح !!
* وقبل أن نسترسل في الموضوع وندخل في أعماقه اسمحوا لي أن نضع بعض النقاط الهامة أولاً:
(1) العفة ليس لها قيمة في حد ذاتها، إنما تستمد قيمتها من كونها مظهراً من مظاهر المحبة الخالصة الحقيقية الصادقة، فالعفة في حد ذاتها فضيلة سلبية، فمعنى العفة: (عفّ عن الشيء = امتنع عنه، العفاف = الامتناع عمّا لا يحسن قولاً أو فعلاً) والمسيحية إيجابية في كل أفعالها وتعاليمها كلها، لأنها لا تعتمد على السلبية ومجرد القول الشهير: لا تفعل كذا أو كذا !!!، فالمسيحية ليست مجموعة من المحرمات، بل هي حرية في المحبة.والطبيعة الأساسية الغالبة في المسيحية وأساس جوهرها هي: طبيعة المحبة. والعفة دون المحبة لا تُجدي نفعاً بل وليس لها قيمة تُذكر:فالعذارى الجاهلات اللواتي تكلّم عنهن الرب يسوع كنّ حافظات للبتولية ولكنهم لم يزينوا مصابيح نفوسهم بزيت الاستعداد، زيت الروح القدس، زيت المحبة، لذلك لم يدخلوا الملكوت، ملكوت الله الذي هوَّ محبة. والمحبة مظهرها العفة لأن من يحب يختار، وفي الاختيار تخلِ عن أشياء كثيرة، ومن يحب يُخلص، وفي الإخلاص تضحية ونكران الذات.(2) العفة ليست وصية تُفرض على الإنسان من الخارج بصورة قهرية وبالغصب، وليست بصورة اعتباطية سطحية أو شكل من أشكال القداسة للقبول في الكنيسة والمجتمع الذي نعيشه، هذه قداسة مزيفة لا تتعدى الشكل والصورة أمام المجتمع والناس، أما من الداخل فليس لها أصل وجذر يسقيها ويقويها، بل وقد تظل مجرد صورة ووجهه لشكل القداسة وحفظ المنظر الأخلاقي الخارجي أمام الناس فقط !!! ولكن العفة الحقيقية هيَّ حاجة عميقة في الإنسان ( أي إنسان مهما كان )، تتلاءم مع طبيعته الأساسية وتساعده على تحقيق ملء إنسانيته التي لا تُكتمل إلا في جو من الشركة والعطاء، أي جو المحبة الصادقة.
(3) العفة إذاً، بعكس ما يبدو لنا إذا ألقينا نظرة سطحية للأمور، فالعفة تتفق كلياً وحاجتنا الإنسانية العميقة، أي أننا من الداخل نسعى سعياً صادقاً بشوق ولهفة شديدة إليها، ( ولا تصدقوا أنه يوجد شاب أو شابه أو أي إنسان لا يشعر بحاجته إلى العفة أو لا يحبها مهما ما انغمس في الخطية وحبها جداً، إنما هو فقط لا يعرف أين الطريق ) وهذا ليس بغريب عنا، فالطبيعة البشرية أي طبعنا الخاص - وإن شوهته الخطية - فلا نزال نحمل في أعماقنا صورة ذاك الذي أبدعنا على صورته ، فالله خلقنا على صورته ومثاله ((نحن صورة الله))، ولا يزال يدفعنا حنين قوي وخفي إلى الله والفردوس المفقود بالسقوط، وكما قال العلامة ترتوليانوس " النفس مسيحية بطبيعتها"، أي أن انتمائها لله وشهوتها في حياة الشركة مع الله على مستوى البنوة !!!
إذن النفس، مهما إن كانت، كانت ولا تزال مهيأة لقبول عمل الله الذي أتى به الرب يسوع المسيح الذي تجسد ومات وقام ليُجدد الصورة التي تشوهت بالسقوط منذ القديم ويُعيدنا للحضن الإلهي، حيث يستعيد الإنسان وحدته الممزقة بينه وبين أخيه الإنسان وبينه وبين الله مصدر وجوده وسعادته الحقيقية، ويحيا في حالة صلح مع نفسه ومع الله ومع كل من حوله، فيزول كل ما هوَّ سلبي وتذوب العفة في المحبة وفي فرح لقاء المحبوب ومشاهدته بعين الإيمان والشركة معه بالصلاة والإفخارستيا.
وهبنا الله عمق العفة وقوتها في شركة المحبة
ولحديثنا بقية
غنى النعمة ووافر السلام وملء المحبة
تكون معكم جميعاً يا أحباء ربنا يسوع
ولحديثنا بقية
غنى النعمة ووافر السلام وملء المحبة
تكون معكم جميعاً يا أحباء ربنا يسوع
التعديل الأخير: