- إنضم
- 2 فبراير 2011
- المشاركات
- 2,599
- مستوى التفاعل
- 772
- النقاط
- 0
هو ليس كأي شخص يولد في لحظة ما ، في زمنٍ ما ، وسط تهاليل وزغاريد عائلة ما !
هو ليس كأي شخص يُسجّل في دفاتر الأزمان على أنه طفل عادي ، هو ليس كأي طفلٍ يولد لتوضع عليه الآمال ، ويبدأ أبواه برسم مستقبلٍ له ، هو لم يُسمّى تيمناً بجده ، ولم يرسم والداه له مستقبله حالمين بأن يكون طبيب أو مهندس أو حاكمٍ في ولايةٍ ما ...
لم يكن يسوع ذلك الشخص الثائر فحسب ، بل كان منذ طفولته شخصاً مختلفاً ، لم يكن كغيره من الأطفال ، هو من أذهل أعظم رجالات الدين اليهودي ، وأوقفهم مذهولين أمام معرفة طفلٍ لم يتجاوز بعد الثانية عشرة من عمره ، هو من جعل أمه دون كل الأمهات تحفظ كلام ابنها اليافع في قلبها ، وأظنها كانت تردده قبل نومها ، فهو الوحيد الذي وُلِدَ وهو عارفٌ أنه سيموت ، ليس كأي ميتةٍ لشابٍ في سنّه ، بل الموت وهو عارفٌ أن مصير البشرية بأكملها معلّقٌ معه على خشبة !
ملعونٌ كل من علّق على خشبة ، شفى غيره وليس بقادرٍ أن يشفي نفسه ، أرنا إن كنت ابن الله وخلّص نفسك وخلّصنا معك ... إلخ من كلماتٌ كانت تتناهى إلى مسامعه ، وهي لم تزده إلا إصرار لأن يشرب الكأس الذي طالما انتظر لحظة مجيئه ، وصلّى قبل مجيء اليوم الاستحقاق ، علّ الكأس تُجاز عنه لأنه كان يعي تماماً حجم الآلام التي كانت تنتظره ، ليست آلاماً جسدية بقدر ما هي آلام نفسية وروحية بسبب تحمّله أجرة الخطية ، ومع ذلك استمّر لأنه يعرف أن بفدائه وعمله على الصليب سيتمم الخلاص والسعادة الأبدية للعالم أجمع ، فآلام ساعات لم يحسبها أمام سعادةٍ أبدية يقضيها مع خرافه !
لم يكن يسوع مجرد شخص ضعيف كما يُظن عنه ، ولم يكن قبوله للصلب دلالة على موقف ضعف واستسلام كما يُعيّرنا من يجهلون حقيقة المصلوب ، بل قد كان من القوّة بمكان أن يواجه أعظم ولاة عصره بكلمات بسيطة هزّت كيان بيلاطس لدرجة أن تجعله يغسل يديه من دماء هذا البريء ، لا أدري إن كان بيلاطس في قرارة نفسه قد عرف من يكون هذا الذي بين يديه ، ولكن بالتأكيد هو لم يصدّق أي من أكاذيب الكهنة الذين كثيراً ما انتظروا أن يصطادوه على كلمة ! هم أرادوا صيده بكلمة ليحاكموه وهو أراد أن يصطاد نفوسهم للخلاص !
الصليب (وما لحقه من موت وقيامة وصعود) يعني قوة ، محبة ، انتصار ، عظمة ، خلاص ، فهو لم يكن يوماً رمزاً للضعف والإستسلام والخنوع ، بل دوماً يقودنا بموكب المنتصرين لنكون كل حين سفراء حاملين معنا رائحة المسيح الذكية ، فمن يستطيع وقف انتشارها؟ ومن هو القادر على غلبتنا؟ فالمسيح أحدث ثورات في حياة الكثيرين ، وهو من غيّر حياتهم على نحوٍ أفضل ليس بقوةِ سيوفٍ فتّاكة ، أو بجيوشٍ تقتل من لا يقبله ربّاً وسيّداً ، بل بقوة محبته على الصليب ، وعظمة انتصاره بالقيامة ، وروعة انتظاره بالصعود !
فكفانا خوفاً ، كفانا خجلاً بصليب المسيح ، إن كان هو معنا فمن علينا ؟ إن كان الحق بيميننا فمن سيُسكتنا ؟ إن كان لنا مقدار هذه المحبة وروعة هذا الرجاء أنخبئه لأنفسنا غير آبهين بمشاركة سر الحياة الأفضل مع الآخرين ؟ القيامة والصليب كما أراها هما دعوة للثورة ، ثورة على كل مشاعر الخوف والسلبية لأننا مع المسيح نختبر كل يوم قيامة منتصر ، وقوة غالب ، وفرح مخلَّص ، وثقة تجعلنا نسير وسط الأمواج متكلين على كلمة واحدة منه !
هو حي ، ليس ههنا بين الأموات ، فهل ما زلتَ تبكيه ميتاً ، أم تختبر معه في كل يومٍ قوة الخلاص والتحرير؟
* هناك بعض من نصوص الإنجيل المقدّس اقتبستها بتصرّف .