المرأة الكنعانية و السيد المسيح
سلام للجميع..
اسمح لي عزيزي نيومان ان اضيف قليلا على ما قلت على المراة الكنعانية (و هو جواب كنت قد وضعته مرة في احد المنتديات.)
واذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت اليه قائلة ارحمني يا سيد يا ابن داود.ابنتي مجنونة جدا.
فلم يجبها بكلمة.فتقدم تلاميذه وطلبوا اليه قائلين اصرفها لانها تصيح وراءنا.
فاجاب وقال لم أرسل الا الى خراف بيت اسرائيل الضالة.
فأتت وسجدت له قائلة يا سيد أعنّي.
فاجاب وقال ليس حسنا ان يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب.
فقالت نعم يا سيد.والكلاب ايضا تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة اربابها.
حينئذ اجاب يسوع وقال لها يا امرأة عظيم ايمانك.ليكن لك كما تريدين.فشفيت ابنتها من تلك الساعة
عمل المسيح المعجزات لم يكن فقط من اجل المعجزات, او للتباهي او التفاخر, بل من اجل هدف اعظم بكثير , من اجل قصد ازلي في قلب الله "ان الجميع يخلصون و الى معرفة الحق يقبلون".و مع هذا ايضا كان يستخدم اعماله المعجزية لتلقين "المعلمين الاعمياء" دروسا في الكتاب المقدس و كلام الله.
فبالنسبة لليهود كان يوجد نوعان فقط من الشعوب : يهود و امم . يهود يعرفون الله و امم وثنية كانوا يطلقون عليهم اسم "الكلاب" لنجاساتهم .
و مع مجئ هذه المراة اليه صارخة , بدا تلقين السيد المسيح لليهود درسا في المعاملات مع الامم فاتحا اعينهم على ايمان اعظم من ايمانهم عند الامم.
تتجرَّأ وتصرخ "الاممية" وتنادي المسيح بلقبه المحبوب المعروف لدى الأُمميين القريبين من إسرائيل: " ابن داود " ولكنه بالرغم من ذلك كله لم يخرج عن صمته.
واضح هنا أن حال المرأة كان يستدر العطف، فقد تبنَّت آلام ابنتها وصراخها وحالها الفاقد للرجاء، فعملت المستحيل لتوضِّح سؤال قلبها. والتلاميذ من تأثُّرهم ترجُّوا الرب حتى تكف عن صياحها من ورائهم، وقولهم "اصرفها" بمعنى أعطها سؤال قلبها لعلَّها تعود بسلام، رحمة بها وبنا.
في هذا الوقت كان الملكوت, ملكوت السموات في مرحلته الاولى . اي كان موجها فقط لليهود و "ابن داوود"مخصص فقط لليهود و لهذا قال لها: " لم ارسل الا الى خراف اسرائيل الضالة" .( و هو عارف طبعا كيف ستجري الامور معها و مع السامعين ايضا).
فهم المراة كان عظيما و لكن ايمانها كان اعظم. فهمت المغزى و لذلك تغير ندائها .سمعت ردّ المسيح فتجرَّأت وأسرعت وسجدت أمامه ، إذ لمَّا سمعت أنه لا يستجيب إلاَّ لخراف إسرائيل تقدَّمت تستصرخ طلباً لرحمة إله إسرائيل، إذ سجدت أمامه سجود عبادة قبل أن يكون توسُّلاً! و بجرأة إيمانها القوي اخترقت حدود إسرائيل وملك إسرائيل، و سألت عن نصيب الأُمم في الخلاص المزمع أن يكون ( في الوجه الثاني لملكوت الله الموجه للامم).
و هذه المرة صرخت له بلقب اخر ليس حكرا على اليهود فقط :" يَا سَيِّدُ، أَعِنِّي!"
و يجيبها السيد المسيح بجواب, قد يبدوا قاسيا لمن يبعده عن سياق فهم الموضوع كله, و في نفس الوقت و كقاض عظيم عارف ببراءة متهمه, يسال سؤالا بطريقة التعجب ليعطيها الفرصة لتقديم حجتها و في نفس الوقت يبكّت اليهود على غرورهم الاعمى فيقول بلسان الشخص اليهودي المزدري لكل ما هو غير يهودي:
"لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب".
فاليهودي و اليهود اولاد ابراهيم ( او هكذا يظنون) و هم البنين و السادة في بيت ابيهم و الباقي كله عبد له. مع ان السيد المسيح قد وبخهم على عدم ايمانهم و على ان بنوة ابراهيم لهم لن تنفعهم شيئا:
" 9وَلاَ تَفْتَكِرُوا أَنْ تَقُولُوا فِي أَنْفُسِكُمْ: لَنَا إِبْراهِيمُ أَبًا. لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يُقِيمَ مِنْ هذِهِ الْحِجَارَةِ أَوْلاَدًا لإِبْراهِيمَ."
المراة الكنعانية هنا و مع سماعها لتلك العبارة, لم تفقد قدرتها على النطق, و لم تحتج ولا لثانية لتفكر في ردها, لان ايمانها كان عظيما جدا . و فتحت فمها و ردت بجواب و لا اروع على تلك العبارة لترى مدى ايمانها بهذا الاله. فهي لم تنفي ما قاله السيد المسيح , بل على العكس اكدته بقولها:"نَعَمْ، يَا سَيِّدُ! " و لكنها اضافت :
.. وَالْكِلاَبُ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا!
اعطى السيد المسيح حجته( من وجهة نظر اليهودي) و اعطت المراة حجتها.فهي لم تعترض على ما للبنين ولا على ما هو ليس للكلاب، ولكن أدخلت عنصر الفائض عن البنين الذي لم يكن في حساب اليهود، فسلَّم لمطلبها واستحسن منطقها و اعطاها سؤال قلبها بعد ان لقن اليهود درسا قاسيا على فم هذه المراة.
يَا امْرَأَةُ، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ». فَشُفِيَتِ ابْنَتُهَا مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ.
سلام و نعمة..