نقتلكم لأننا نحبكم! ..بقلم فاطمة ناعوت

+ماريا+

نحوك اعيننا
عضو مبارك
إنضم
22 أكتوبر 2012
المشاركات
5,471
مستوى التفاعل
2,038
النقاط
113
نقتلكم لأننا نحبكم! ..بقلم فاطمة ناعوت




coptstoday-1429372431.jpg
وأنا أتابعُ لقاء الإعلامى وائل الإبراشى مع الداعية المتصوف (!) عبدالخالق الشبراوى، فى برنامج «العاشرة مساء»، تذكرتُ مقطعاً من رواية «سجينة طهران» التى شرفتُ بكتابة مقدمتها، وصدرت ترجمتُها العربية قبل عامين عن دار «كلمات».

تحكى الرواية قصة «مارينا» الصبية المسيحية الصغيرة، منذ أُلقى القبضُ عليها عام 1982، لتسكن معتقل «إيفين» الخمينى فى طهران، وعانت فيه الأمرّين عامين وشهرين، مروراً بزواجها القسرىّ من جلادها الإسلامىّ الذى أحبها ولم تحبّه، ثم إسلامها القسرى كذلك، ثم تحرّرها بمصرع الزوج على يد جلاد إسلامىّ آخر، ثم، أخيراً، زواجها من خطيبها القديم رفيق الصبا الذى انتظرها وانتظرته، وحتى هروبها إلى كندا مع زوجها وطفلها عام 1991، لتكتب روايتها لتُشهد العالم على فاشية الفاشيين.

أما علامة التعجب التى أعقبت كلمة «المتصوف» فلأننى لم أر متصوفاً فى ذاك اللقاء، بل رأيتُ وهابيّاً عتيداً يرى فى القتل قرباناً من الله! أما الصوفية كما أعلمها، وأزعم أننى من أبنائها، فنهجٌ فكرى ودينى ووجودى لا يؤمن بغير الحب سبيلاً إلى الله وإلى خلق الله. الصوفى شخصٌ ملأ قلبَه حبُّ الله، فما ترك فيه مساحة حبّة خردل لكراهية إنسان ولا مخلوق. فكيف لرجل يزعم التصوف أن يهدر دم إنسان، مهما كان ومهما فعل؟! لكن للحق، يشفع لذاك الرجل خفّة ظلّه التى شهدناها جميعاً، وابتسمنا.

فحين سأله «الإبراشى» كيف يهدر دم إسلام البحيرى، أجاب الرجل: «كنت عاوز أخضّه» كى يعود عن ضلاله وكفره. وحار كيف يجيب حين سُئل السؤال البديهى التالى: «كيف يعود ومتى؟ أبعدما يقتله أرعنُ بناءً على فتواك، ترجو له خيراً؟!»، فتلعثم الرجلُ وقال ما يعنى أنه إنما يهدر دمه لأنه يحبّه.

ذلك هو نهج القتلة فى كل مكان وزمان. ذكرت الرواية شيئاً عن الشعارات التى كان آية الله الخمينى يعلّقها فى شوارع طهران بعد الحكم الإسلامى فى إيران. أحد تلك الشعارات يقول: «لو سَمح المرءُ لكافر أن يستمر فى إفساد الأرض، فستصبح المعاناة النفسية للكافر أسوأ كثيراً. أما لو قتل المرءُ هذا الكافرَ وحال ذلك دون ارتكابه الخطايا، فسيكون الموتُ نعمةً له»، القتل إذن فى ثقافة «الخمينى» يمكن أن يُعَد عملاً صالحاً و«نعمة» تُسدى للقتيل! وهكذا يمكن أن يصوّب أى مأفون بندقيته إلى رأس شخص ما، ويضغط الزناد معتقداً أنه قد صنع معروفاً للمغدور القتيل، وأنه بهذا سوف يدخل الجنة لقاء ما ارتكب من إثم!

تلك هى أعراض البارانويا التى يُعانى منها رجال الدين (أى دين) العنصريون، حين تتعاظم نفوسُهم ويظنون أنهم فوق البشر؛ كأنما أعطاهم اللهُ امتيازاً غير بشرى يجعل منهم ديّانين علينا نحن البشر الفقراء إلى الله. فى مقابل رجال دين آخرين، يتواضعون إلى الله، فيرفعهم العلىُّ الذى يرفعُ من يتواضع إليه. مَن تواضع إلى الله رفعه.

يعرفون أنهم بشرٌ خطّاءون فيبذلون أعمارهم لكى يُطهّروا أنفسهم ويتقربوا إلى الله، بدلاً من أن ينذروا أعمارهم فى التفتيش داخل ضمائر الناس. المؤمن الحقيقيّ مشغولٌ بتوطيد علاقته الخاصة بربّه، لا بمراقبة علاقة سواه بالله الذى عنده يجتمع الخصوم.

أنتم يا مَن تقتلوننا وأنت تصرخون للعامة من البسطاء الذين يصدقونكم بأنكم تهدرون دمَنا حباً فينا وفى الله، ابحثوا داخل أعماقكم عن صناديقكم السوداء المليئة بالخطايا والذنوب، وحاولوا أن تنظفوها، واتركونا لصناديقنا السوداء، فنحن أولى بها، واللهُ أولى بالجميع.
 
أعلى