تمام أخي عبود هو طويل الموضوع اختصرت
معرفة الذات والثقة فيها
طُلبّ منيّ التحدث عن موضوع معرفة الذات. لذلك، بداية أقول أنه مجرد طلب الموضوع هذا يعني أننا لا نعرف أنفسنا. أليس من الغريب أن لا نعرفها؟ ولماذا لا نعرفها؟ ما الذي يمنعنا من معرفتا لذاتنا؟ وكيف يمكن أن نعرفها؟ وقبل كل شيء هل من الضروري أن أعرف ذاتي؟
أن لا أعرف ذاتي، هذا يعني أنني غريباً عنها وهذا أمر منطقي جداً. لا يمكنني أن أكون سعيداً
وأنا غريب عن ذاتي. حتى الغربة الخارجية، أي عندما يضطر الإنسان للاغتراب ومهما انخرط في المجتمع الجديد يبقى غريباً وبالتالي يعيش في حنين مستمر لمجتمعه الأم وبالتالي لا يكون سعيداً، إلاَّ في حالات نادرة والتي غالباً تتم عندما يهاجر الإنسان وهو في سن صغير إلى حدّ ما.
فالغربة عن ذاتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً في كل ما أعيشه: لا يمكنني أن أجد معنى لحياتي، وقراراتي كلها لن تكون صحيحة، لأن القرار الصحيح، بالطبع كل شيء يبقى نسبي، أي لا وجود لقرارات صحيحة كليّة، ينبع من معرفة الذات بمعنى أخر، القرار الصحيح هو وسيلة من بين الوسائل ولا شك، لكنه وسيلة مهمة جداً لتحقيق ذاتي وبالتالي لأجد المعنى لحياتي ووجودي. فهل يمكنني أن أحقق ما لا أعرفه؟
إذن معرفة الذات أمر ليس فقط مهم بل حيوي وحياتي. فمسيرة الإنسان الإنسانية والنفسية والعاطفية هي مسيرة من الذات إلى الآخر، ومن اللاتمييز إلى الهوية الشخصية. من الذات إلى الآخر، أي أنه لا يمكنني أن أعرف ذاتي خارجاً عن الآخر وسوف نرى ذلك لاحقاً.
إذا قبلنا بأهمية معرفتنا لذاتنا، فالسؤال، ما الذي يمنعني من معرفتي لذاتي؟ حتماً الأسباب عديدة ولكن سوف أتوقف معكم على الأهم منها. بشكل عام التربية لها دور كبير في هذا المجال. إنَّ تربيتنا بشكل عام غير تشجيعية، ولا تساعد على خلق ونمو الثقة بالنفس التي ترتبط بطريقة أو بأخرى بمعرفة الذات. غير تشجيعية لكونها تركّز على اكتشاف سلبياتنا وسلبيات الآخرين والتوقف عليها ممَا يشلّنا، بينما المُفترض هو العكس، التدرب على اكتشاف الإيجابيات والسعي لتنميتها والتغاضي إلى حد ما عن السلبيات التي نعرفها عن ظهر قلب. بهذا المعنى أقول بأن أفضل طريقة لنقد الذات والآخرين هي التشجيع. بالطبع تشجيع الإيجابيات الموجودة لديه.
قد يعترض البعض قائلاً بأن هذه الطريقة ستقود حتماً إلى التكبّر (بخاف إذا عملت هيك يكبر راسي)! نجيب بأنه طالما أعرف سلبياتي فليس هناك من خطر! أولاّ هذا الاعتراض هو في النهاية تعبير من خلال إيجاد التبرير اللازم لكي لا أواجه ذاتي وخاصة ما لا أحبه فيها. ثانياً، كل هذه الأمور تجعل من النادر ما يعيش الإنسان ذاته، من جهة لكونه لا يعرفها، ومن جهة أُخرى، وبسبب عدم ثقته بذاته، يسعى دائماً لإرضاء الآخرين والمجتمع. فيصبح الموضوع دائرة مغلقة لا بد من كسرها.