موضوع متكامل عن الحياة المسيحية حباة الفرح

حياة بالمسيح

خادمة الرب
عضو مبارك
إنضم
29 أبريل 2014
المشاركات
13,703
مستوى التفاعل
1,789
النقاط
76
حياة الفرح
Vتعريف :

Xفى اللغة العربية
، الفرح : السرور والابتهاج
Xفى اللغة اليونانية والقبطية ، الفرح : chara
Xفى اللغة الانجليزية ، الفرحjoy:


Vمفهوم الفرح

Xفرح زمني :
هو فرح الإنسان فى الدنيا سواء فرح جسدي او فرح روحي او اى نوع من الأفراح ..الخ وهو فرح مؤقت "مخافة الرب تلذ للقلب وتعطي السرور والفرح وطول الأيام" (سيراخ 1 : 12)
X فرح أبدى : هو فرح الإنسان فى السماءفهو فرح كامل يفوق الوصف لا ينتهي ..الخ "ومفديو الرب يرجعون ويأتون الى صهيون (السماء) بترنم وفرح ابدي على رؤوسهم ابتهاج وفرح يدركانهم ويهرب الحزن والتنهد ." (اش 35 : 10)
Xفرح خارجي : وهو نابع عن شيء او حدث ..الخ يسبب بهجة او سرور للإنسان وقد يكون غير نابع من القلب وهو مؤقت " لا غنى خير من عافية الجسم ولا سرور يفوق فرح القلب"(سيراخ30 : 16)
X فرح داخلي : هو نابع من الرضا والسعادة وراحة البال والعشرة مع الله وهو فرح دائم "يفرح الصديق بالرب ويحتمي به ويبتهج كل ألمستقيمي القلوب " (مز 64 : 10)
X فرح خاطئ : وهو الذى يكون مصدره الخطية او المعاشرات او الشهوات والسلوكيات الخاطئة مثل الإدمان..الخ "افرح أيها الشاب (فرح خاطئ) .. واسلك في طرق قلبك وبمرأى عينيك واعلم انه على هذه الأمور كلها يأتي بك الله الى الدينونة"(جا 11 : 9)
X فرح حقيقي : هو الذى يستمد مصدره من الله والعشرة معه وهو فرح عميق لا يتأثر بالظروف الخارجية او التجارب او الضيقات ..الخ" افرحوا في الرب كل حين وأقول أيضا افرحوا" (في 4 : 4)


Vالله والفرح

Xالله مصدر الفرح :
من صفات الله الفرح فهو فى فرح دائما ، وهو يفرح بنا "الرب إلهك في وسطك جبار يخلص يبتهج بك فرحا."(صف3: 17)
Xالله خلق الإنسان للفرح :ومن اجله خلق كل شيء لراحة الإنسان وسعادته ، ومن فرح الله بالبشر انه يديم إحساناته الكثيرة عليهم "وافرح بهم لأحسن إليهم.." (أر32: 41)ويريدنا أن نكون فرحين به أولاً .
Xاعد الله للإنسان أفراحا أبدية :اعد الله لأحبائه السالكين حسب وصاياه ، أفراحا لا يعبر فى السماء "ما لم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه.."(1كو2: 9)


Vالرب يسوع مثلنا الأعلى فى الفرح

Xإنجيل الفرح :
كلمة الإنجيل معناها " البشارة المفرحة" ويبدأ الإنجيل بالفرح بميلاد المسيح المخلص وينتهي بأفراح قيامة المسيح وإتمام الخلاص .
Xكان يفرح ويتهلل بالروح :
"وفى تلك الساعة تهلل يسوع بالروح وقال أحمدك أيها ألآب.."(لو10: 21) كماأن المسيح وكلامه مصدراً للفرح الروحى "كلمتكم بهذا لكي يثبت فرحي فيكم ويكمل فرحكم"(يو 15 : 11)
Xدعوته للفرح الدائم : حتى فى الضيقات والاضطهاد "افرحوا وتهللوا لان أجركم عظيم فيالسماوات فإنهم هكذا طردوا الأنبياء الذين قبلكم" (مت5 : 12) إن الله يبارك القلوب المبتهجة الشاكرة .


Vالفرح من ثمار الروح القدس

X الفرح الروحي :
من ثمر الروح القدس فى الإنسان "أما ثمر الروح فهو محبة فرحسلام.. "(غلا5: 22)
X فرح الامتلاء بالروح : الامتلاء بالروح القدس يعطى فرحا لا يعبر عنه ، قال القديس مار اسحق "حينما تمتلئ النفس من الروح القدس تتحرر تماما من الكآبة والضيق والضجر ، وتلبس الاتساع والسلام والفرح بالله ، وتفتح فى قلبها باب الحب لسائر الناس."


Vسمات الفرح المسيحي


الفرح بالله
: هو فرح العشرة مع الله "جعلت الرب أمامي في كل حين. لأنه عن يميني فلا أتزعزع. لذلك فرح قلبي وابتهجت روحي"(مز16: 8 ،9) إن الفرح المسيحى ناتج عن وجود الله فى حياتنا ولو كانت الظروف الاجتماعية والاقتصادية المحيطة بالإنسان مضادة.."يفرح الصديق بالرب ويحتمي به ويبتهج كل ألمستقيمي القلوب."(مز64: 10)هو فرح من الرب وفرح بالرب وفرح فى الرب "افرحوا في الرب كل حين وأقول أيضا افرحوا"(في4: 4) قال القديس اغسطينوس " إن شئت أن يكون فرحك ثابتا باقيا التصق بالله السرمدى ، ذاك لا تعتريه تغيير بل يستمر ثابتا الى الأبد."
الفرح الكامل :لأنه من السيد المسيح الذى أعطانا الفرح الكامل الذى يشمل الفرح الخارجي والفرح الداخلي ، فرح الروح والنفس..الخ "ليكون لهم فرحى كاملا فيهم"(يو 17: 13) وهذا الفرح لا يمكن ان ينزع منا حتى بالموت "نكتب إليكم هذا لكي يكون فرحكم كاملا"(1يو1: 4) قال القديس اغسطينوس " لا ينزع احد فرحكم منكم لأن فرحكم هو يسوع نفسه."
الفرح الدائم : لأنه مرتبط بحياة التسليم لله الذى يحبنا ويعمل كل خير لنا " كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله" (رو8: 28) إن الفرح الدائم هو ثمرة التسليم الواثق فى الله ، عندما تبدو الأمور غير مفرحة "افرحوا كل حين"(1تس5 : 16) فهو ليس فرحا عالميا يقوم على امور زمنية فانية لكنه نابع من كشف الله للنفس عن ملكوت السموات واعطائها ان تتذوق عربونه " الذى وان لم تره تحبونه وذلك ان كنتم لا ترونه الان لكن تؤمنون به فتبنهجون بفرح لا ينطق به ومجيد."(1بط1: 8) قال القديس انطونيوس"النفس دائما تتربى بهذا الفرح السماوى وتسعد به وبه تصعد الى السماء فهو غذائها الروحى."


حياة الفرح

Vمجالات الفرح :
فرح التوبة
:
إن فرح التائب بتوبته فرح لا يعادله فرح آخر، هو فرح التخلص من الخطية وقيود الشيطان ، او التخلص من خطية متكررة او عادة مسيطرة ..الخ ، وهو أيضا فرح الغفران والرجوع لله. كما إن التوبة تفرح قلب الله وتفرح السماء بمن فيها من الملائكة والقديسين " هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب.."(لو15: 7) كماإن رسالة الكنيسة هى خلاص الخطاة وتوبتهم ، لذلك تفرح بتوبة أولادها ، وتقدم لهم وسائط النعمة من سر التوبة والاعتراف وسر التناول ..الخ .
فرح العطاء: أن يصاحب العطاء السرور والفرح لا عن تغصب أو حزن ، وبقدر سرورنا بالعطاء يحبنا الله " كل واحد كما ينوي بقلبه ليس عن حزن أو اضطرار لأن المعطي المسرور يحبه الله"(2كو9: 7) ويكون"الراحم بسرور"(رو12: 8) علينا أن نعطى لكل من يقابلنا من صلواتنا ومن أوقاتنا واهتمامنا ثم بعد ذلك نعطى من خيرات والعالم وأمواله ، ونعطى بقلوب فرحة وأيد سخية ، قال القديس موسى الأسود "أعط المحتاجين بسرور ورضي لئلا تخجل بين القديسين وتحرم من أمجادهم"
فرح فى التجارب: إن الفرح المسيحي فرح صادق يدوم حتى وقت التأديب والتجارب "احسبوه كل فرح ياإخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة"(يع 1: 2) فأن التجارب غالبا ما تكون امتحانا من الله للتنقية من شوائب فى المؤمن او للترقية لدرجة روحية اعلى او لبركة او نعمة آتية من الله ..الخ ، إن الفرح بالرب هو شفاء الروح الذى يداوى علل وأوجاع النفوس ، عن فائدة التجارب قال القديس باخوميوس" تقبل كل التجارب بفرح عالما بالمجد الذى يتبعها فأن تحققت من ذلك فلن تمل من احتمالها لدرجة انك تطلب من الله أن لا يصرفها عنك."


Vبركات حياة الفرح :
نوال القوة
:
إن الفرح الروحيهو مصدر للقوة الروحية والنفسية والجسدية "لا تحزنوا لان فرح الرب هو قوتكم" (نح 8 : 10) إن كل قلق او خوف او اضطراب او يأس هو من عمل الشيطان ،ولكنالمسيح قد انتصر على الشيطان ، وأعطانا قوته وفرحه فقد قال "لكى يثبت فرحى فيكم ويكمل فرحكم"(يو15: 11)لتكن حياتنا خالية من اليأس والكآبة ..لان المسيح فرحنا ، قال القديس يوحنا ذهبى الفم " ليس هناك سلاح أقوى من الفرح بالله والذي يملكه لا يحنى رأسه أمام الأعداء."!
الأمان والاطمئنان : هو نتيجة طبيعية لحياة التسليم والفرح "ونحن نعلم إن كل الأشياء تعمل معا للخيرللذين يحبون الله الذين هم مدعوون حسبقصده" (رو8: 28) فأن قوة الله العظيمة تحيط بنا وتحرسنا لذلك نشكره ونفرح لذلك " الرب نوري وخلاصي ممن أخاف الرب حصن حياتي ممن ارتعب" (مز27: 1) والكنيسة فى القداس الالهى تطلب أن نمتلئ من الفرح "املآ قلوبنا فرحا ونعيما" إن البشاشة هى التعبير عن الفرح الداخلي لذلك اظهر المحبة والبشاشة لكل احد .
عربون الفرح السماوي : إن أولاد الله فرحون بملكوت الله داخلهم ، فرحون بعمل الروح القدس فيهم ، فرحون لان لهم ملكوت السموات.. "إن كنتم لا ترونه الآن (ملكوت السموات) لكن تؤمنون به فتبتهجون بفرحلا ينطق به ومجيد."(1بط1: 8)فرح بالرغم من الشدائد والآلام فى الحياة "كما اشتركتم في ألام المسيح افرحوا لكي تفرحوافي استعلان مجده أيضا مبتهجين "(1بط4: 13) قال القديس انطونيوس " كما أن الأشجار إن لم تشرب من الماء لايمكنها أن تنمو ، هكذا النفس إن لم تقبل الفرح السماوي لا يمكنها أن تنمو تصعد الى العلاء ."!
V تدريبات لحياة الفرح
+
اظهر المحبة والبشاشة لكل احد ، ان البشاشة هى التعبير الظاهري عن الفرح الداخلي .
+ يجب ان يكون فرحك غامراً يشع على الاخرين ايضاً ، حول الامور المخيبة للآمال حتى لو كانت وقتية ، الى فرح ومسرة ، وكل شكوى وتذمر الى شكر ورضى.
+ ينبغي أن يرى الناس فرحك ويعرفوه ، وهم يرون هذا الفرح ، يعرفون انه فرح ينبثق من الثقة فى الرب ، ومن الحياة معه .
+ ان التسبيح هو تقدمة الانسان المفرحة لقلب الرب ، بينما أنتم تسبحون فأن فرحاً غامراً سوف يسرى فى كيانكم ، فتتذوقون شيئاً من فرح الجمهور السماوي . رتلوا للرب من قلب مملوء بالبهجة

آلموضوع منقول للأمانة والفائدة العآمة
 

حياة بالمسيح

خادمة الرب
عضو مبارك
إنضم
29 أبريل 2014
المشاركات
13,703
مستوى التفاعل
1,789
النقاط
76
اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، وَأَقُولُ أَيْضًا افْرَحُوا. لِيَكُنْ حِلْمُكُمْ مَعْرُوفًا عِنْدَ جَمِيعِ النَّاسِ. الرَّبُّ قَرِيبٌ. لاَ تَهْتَمُّوا بِشَيْءٍ، بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالصَّلاَةِ وَالدُّعَاءِ مَعَ الشُّكْرِ، لِتُعْلَمْ طِلْبَاتُكُمْ لَدَى اللهِ. وَسَلاَمُ اللهِ الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْلٍ، يَحْفَظُ قُلُوبَكُمْ وَأَفْكَارَكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. (فيلبي 4: 4–7)

ينبغي أن نفرح في الرب. ولكن لماذا؟ فيجب أن يكون لدينا سبب لهذا الفرح، ليس نظريًّا فحسب بل واقعيًّا أيضًا. فيجب أن يكون لدينا شيءٌ ملموسٌ نبتهج به، لا بأيِّ شيء كان، وإنما بالمسيح. ولا يعني هذا بالضرورة أن كل أفراحنا الأخرى يجب أن تؤخذ مِنَّا، بل أن هذه الأفراح ليست كتلك الأفراح التي تدوم. فكل تلك الأمور التي تحدث على هذه الأرض وتفرِّحنا وقتيًّا، عمرها قصير جدًا. فليست الأفراح الأرضية سوى جزء صغير من الفرح الكامل، ثم إنَّ مشاعر الفرح لا تغمرنا إلاَّ لمدة قصيرة. وإلى جانب ذلك المزاج المَرِح يوجد أيضًا الكثير من الأحزان، الناجمة عن شتى أنواع البؤس.

فهناك الكثير من المتاعب في هذا العالم، والكثير من القلق بسبب مجهولية المستقبل، والكثير من الاضطراب والعنف. لذلك لا يمكننا أن نتوقع أن يكون لدينا فرح دائم، على الأقل ليس بالطريقة التي يفكر بها العالم، بل يجب أن نكون مستعدين دائمًا لأن يغيب الفرح عنَّا ونفقده. ومع ذلك، لا يمكننا أن نحيا حقًّا بدون فرح مستمر، ذلك الفرح الذي يدوم. فيجب علينا أن نسعى لمثل هذا الفرح الحقيقي الدائم. فإننا نبحث عنه في المسيح، لأن مستقبلاً جديدًا وهدفًا جديدًا قد انفتحا أمامنا في المسيح.

فهذا ما كان يعنيه قول: «الرَّبُّ قَرِيبٌ.» (فيلبي 4: 5) وهو يعبِّر أيضًا عن مكان الهدف: أيْ هنا على الأرض. فنحن نبتهج في حياة الإيمان بالمسيح لأننا سنستمر في رؤية حصول الخير على هذه الأرض في حياتنا معه، الذي هو رب السلام. فنحن نرى ملكوت المستقبل أمام أعيننا بفضل عمل المسيح. وإنَّ إيماننا بقدرة المسيح راسخٌ بعمقٍ في نفوسنا، بحيث يمكننا التمسُّك به، والبقاء فرحين بهذا الرجاء. وهذا الرجاء هو العنصر الرئيسي لإيماننا المسيحي؛ ويجعلنا هذا الإيمان ثابتين وأقوياء كالفولاذ. ويضعنا هذا الإيمان في موقف تَحدٍ ومجابهة العالم كله، كما هو عليه اليوم.

وهذا الإيمان ليس «عقيدة» للاعتقاد بالله، لأن الإيمان الحقيقي هو الوعي الفطري والطبيعي بالله. كما أنه ليس «عقيدة» للاعتقاد ‏بالمسيح، لأن هذه «العقيدة» تتغيَّر لتصير مجرد إدراك للحقيقة التالية: نحن نعرف أن المسيح موجود. غير‎ ‎أن‎ ‎الإيمان‎ ‎هو اليقين بأننا سنصبح خليقة جديدة، وأكثر مما يمكن توقُّعه من المسار العادي للحياة، وذلك بفضل الله، والمسيح، والروح القدس. فهذا هو إيماننا المسيحي. إذ يريد إيماننا أن يخلق شيئًا جديدًا؛ فهو يريد أن يخلق ‏ما يناضل من أجله المجتمع البشري بأكمله منذ آلاف السنين. فلن يكون لنا أيُّ أساس لو كان إيماننا بملكوت الله لا يؤمن أيضًا بسعادة الإنسان. وإلاَّ فإنَّ إيماننا سيُقال عنه بِحقٍّ إنه باطل، وضَيِّق الأفق، ومُمِل، وضعيف، وخائر، ومليء بالشك والخوف. عندئذ نصبح أشخاصًا مُتزعزعين ومترددين في حياتنا المسيحية.

فَقَالَ يَسُوعُ لِلْيَهُودِ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ: «إِنَّكُمْ إِنْ ثَبَتُّمْ فِي كلاَمِي فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ تَلاَمِيذِي، وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ.» (يوحنا 8: 31–32)

فإذا كُنَّا نجرؤ على الإيمان بأننا نحن البشر الفانيين لا نزال قادرين على تمثيل ما هو صحيحٌ وحقٌّ أمام الله والبشرية على هذه الأرض، وإذا وضعنا هذا الأمر نصب أعيننا باستمرار، فسنصبح ثابتين على الإيمان المسيحي وثابتين في حياتنا المسيحية. وهذه ليست إرادة الله فحسب، بل هي اشتياق قلوبنا أيضًا. ويجعلنا هذا الإيمان راسخين ويحوِّلنا إلى ناس أقوياء، كما يشهد الإنجيل:

فَلِهَذَا السَّبَبِ أُذَكِّرُكَ أَنْ تُضْرِمَ أَيْضًا مَوْهِبَةَ اللهِ الَّتِي فِيكَ بِوَضْعِ يَدَيَّ، لأَنَّ اللهَ لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ الْفَشَلِ، بَلْ رُوحَ الْقُوَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالنُّصْحِ. (2 تيموثاوس 1: 6–7)

نعم، هذا صحيحٌّ وحقٌّ؛ إذ ليس مقصود الله من خلق البشر أن يكونوا مخلوقات بائسة. فيجب أن لا تستمر أحوال ذرية الله التي خلقها على صورته في الانحدار والتدهور حزنًا وبؤسًا إلى الأبد. أمَّا هذا الاشتياق إلى تمثيل ما هو صحيحٌ وحقٌّ أمام الله والبشرية، فيكمن في أعماق قلوبنا، وهو جزء كبير من قلب كل إنسان، بحيث لا يمكن اقتلاعه منه.

أمَّا المُتَدَيِّنون بتديُّنٍ ظاهريٍّ أو مغلوطٍ، فيحاولون استخدام أسلوب مختلف. فهم يسعون إلى مستقبل البشرية خارج نطاق هذه الأرض، أيْ في الآخرة، ويريدون إسعاد الناس بأمور خارقة للطبيعة. ومن المؤكد أن هذا الأسلوب يقوِّي البائسين الذين هم في حيرة تامة من أمرهم، فيقولون: «في يوم ما سينتهي كل هذ البؤس، وسأموت وأرتاح. وسأكون بعدئذ في يد الله.» ولكن لم ينتج مُطلقًا عن هذا الأسلوب تقوية روحية دائمة. ولم يؤدِ مُطلقًا إلى حياة مفعمة بالحيوية المتفانية للتلمذة للمسيح. فإذا كان وضع نهاية لهذا البؤس الذي يعيشه الإنسان غير مضمون على وجه أكيد، فسيصبح لدينا إذن جميع الدواعي التي تجعلنا نشك في ذلك الأسلوب، ونبدأ نتساءل: أيمكننا حقًّا الابتهاج بمثل هذا الأسلوب؟ ولكنني حينما أتذكر كل الذين جاءوا إليَّ للحديث عن الله والمسيح وعن ملكوت السماوات، فأنا على يقين من أن السؤال التالي يشغل كل واحد منهم: ألا يمكنني أن أحصل على المعونة الآن، هنا على الأرض، في حياتي الخاصة؟ فكم مرةٍ سمعتُ الناس يصرخون: «ألا يوجد إلَه في السماء؟ ليس بمعنى أنني قد أكون مباركًا في وقت ما في المستقبل وأنال المعونة، وإنما لكي تُعطى هذه المعونة على هذه الأرض، حتى أكون سعيدًا، ومتحررًا من خطاياي، وأصبح رجلاً حقيقيًّا أو امرأة حقيقية فعلاً.» وإنَّ هذه الصرخة تصلنا من ملايين القلوب.

كم أتمنى لو لم يكُن هناك سوى شخص واحد يصرخ قلبه رغبةً في أن يكون الدور الأكبر عنده هو الحقَّ وبهجة الحياة — بدلاً من الحزن والغمِّ، وبدلاً من البؤس والحياة المنحرفة — فستعلو عندئذ هذه الصرخة من صدور الملايين من الناس الآخرين بكل تأكيد. فيمكننا آنذاك أن نعلن لهم: «نعم، أنتم على حقٍّ، وبإمكانكم الإيمان بهذا، ولَمَّا كان الله موجودًا، فأنتم مُحِقُّون عندما لا تقرُّون بأن شكل المجتمع الحالي هو أفضل ما يمكن الوصول إليه. وأنتم مُحِقُّون أيضًا عندما تؤمنون بأنه سيأتي إلى حيِّز الوجود في يوم من الأيام مجتمع كنيسة يعيش حياة مسيحية مشتركة على هذه الأرض، أيْ مجتمع من رجال ونساء يسوده السلام والفرح. فأنتم على حقٍّ. فآمِنوا بذلك! فكما أن الله موجود حقًّا في السماوات، وكما أن المسيح قد وُلِد بالتأكيد، وكما أن الإنجيل يُبشَّر به فعلاً، فكذلك سيكون هناك مجتمعٌ يُمَثِّل ملكوت الله على هذه الأرض! لذلك، آمنوا واعقدوا الآمال على هذا الملكوت، حتى لو كان اكتمال تحقيقه لا يزال في انتظارنا.»

لأَنِّي هأَنَذَا‏ خَالِقٌ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً، فَلاَ تُذْكَرُ الأُولَى وَلاَ تَخْطُرُ عَلَى بَالٍ. بَلِ افْرَحُوا وَابْتَهِجُوا إِلَى الأَبَدِ فِي مَا أَنَا خَالِقٌ، لأَنِّي هأَنَذَا‏ خَالِقٌ أُورُشَلِيمَ بَهْجَةً وَشَعْبَهَا فَرَحًا. فَأَبْتَهِجُ بِأُورُشَلِيمَ وَأَفْرَحُ بِشَعْبِي، وَلاَ يُسْمَعُ بَعْدُ فِيهَا صَوْتُ بُكَاءٍ وَلاَ صَوْتُ صُرَاخٍ. لاَ يَكُونُ بَعْدُ هُنَاكَ طِفْلُ أَيَّامٍ، وَلاَ شَيْخٌ لَمْ يُكْمِلْ أَيَّامَهُ. لأَنَّ الصَّبِيَّ يَمُوتُ ابْنَ مِئَةِ سَنَةٍ، وَالْخَاطِئَ يُلْعَنُ ابْنَ مِئَةِ سَنَةٍ. وَيَبْنُونَ بُيُوتًا وَيَسْكُنُونَ فِيهَا، وَيَغْرِسُونَ كُرُومًا وَيَأْكُلُونَ أَثْمَارَهَا. لاَ يَبْنُونَ وَآخَرُ يَسْكُنُ، وَلاَ يَغْرِسُونَ وَآخَرُ يَأْكُلُ. لأَنَّهُ كَأَيَّامِ شَجَرَةٍ أَيَّامُ شَعْبِي، وَيَسْتَعْمِلُ مُخْتَارِيَّ عَمَلَ أَيْدِيهِمْ. لاَ يَتْعَبُونَ بَاطِلاً وَلاَ يَلِدُونَ لِلرُّعْبِ، لأَنَّهُمْ نَسْلُ مُبَارَكِي الرَّبِّ، وَذُرِّيَّتُهُمْ مَعَهُمْ. وَيَكُونُ أَنِّي قَبْلَمَا يَدْعُونَ أَنَا أُجِيبُ، وَفِيمَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ بَعْدُ أَنَا أَسْمَعُ. الذِّئْبُ وَالْحَمَلُ يَرْعَيَانِ مَعًا، وَالأَسَدُ يَأْكُلُ التِّبْنَ كَالْبَقَرِ. أَمَّا الْحَيَّةُ فَالتُّرَابُ طَعَامُهَا. لاَ يُؤْذُونَ وَلاَ يُهْلِكُونَ فِي كُلِّ جَبَلِ قُدْسِي، قَالَ الرَّبُّ. (إشعياء 65: 17–25)

أمَّا الذين يضعون الملكوت موضع اهتمامهم في كل حين،فلا يكون الملكوت ‏عندهم مُقتصرًا على المستقبل؛ بل إنه آخذٌ سَلَفًا بالظهور إلى حَيِّز الوجود في الوقت الحاضر. فهو موجود بالتأكيد، لأن هذا الإيمان المسيحي يُشكِّل اليوم مُجتمعًا مسيحيًّا يتكوَّن من رجال ونساء؛ فهو مجتمع فيه الناس بعضهم يقوي بعضًا لأجل تحقيق هذا الهدف، أيْ لتجسيد ملكوت الله على أرض الواقع. فكيف يكون الإيمان المسيحي ممكنًا بدون مجتمع كهذا؟ إذ لابد لملكوت الله أن يُبشَّر به في مجتمع إنساني. ودعا القديس بولس الرسول هذا المجتمع جسد المسيح، الذي فيه المسيح هو الرأس:

لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْجَسَدَ هُوَ وَاحِدٌ وَلَهُ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَكُلُّ أَعْضَاءِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِذَا كَانَتْ كَثِيرَةً هِيَ جَسَدٌ وَاحِدٌ، كَذَلِكَ الْمَسِيحُ أَيْضًا. لأَنَّنَا جَمِيعَنَا بِرُوحٍ وَاحِدٍ أَيْضًا اعْتَمَدْنَا إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ، يَهُودًا كُنَّا أَمْ يُونَانِيِّينَ، عَبِيدًا أَمْ أَحْرَارًا. وَجَمِيعُنَا سُقِينَا رُوحًا وَاحِدًا. فَإِنَّ الْجَسَدَ أَيْضًا لَيْسَ عُضْوًا وَاحِدًا بَلْ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ. إِنْ قَالَتِ الرِّجْلُ: «لأَنِّي لَسْتُ يَدًا، لَسْتُ مِنَ الْجَسَدِ.» أَفَلَمْ تَكُنْ لِذَلِكَ مِنَ الْجَسَدِ؟ وَإِنْ قَالَتِ الأُذُنُ: «لأَنِّي لَسْتُ عَيْنًا، لَسْتُ مِنَ الْجَسَدِ.» أَفَلَمْ تَكُنْ لِذَلِكَ مِنَ الْجَسَدِ؟ لَوْ كَانَ كُلُّ الْجَسَدِ عَيْنًا، فَأَيْنَ السَّمْعُ؟ لَوْ كَانَ الْكُلُّ سَمْعًا، فَأَيْنَ الشَّمُّ؟ وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ وَضَعَ اللهُ الأَعْضَاءَ، كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا فِي الْجَسَدِ، كَمَا أَرَادَ. وَلَكِنْ لَوْ كَانَ جَمِيعُهَا عُضْوًا وَاحِدًا، أَيْنَ الْجَسَدُ؟ فَالآنَ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَلَكِنْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. لاَ تَقْدِرُ الْعَيْنُ أَنْ تَقُولَ لِلْيَدِ: «لاَ حَاجَةَ لِي إِلَيْكِ.» أَوِ الرَّأْسُ أَيْضًا لِلرِّجْلَيْنِ: «لاَ حَاجَةَ لِي إِلَيْكُمَا.» بَلْ بِالأَوْلَى أَعْضَاءُ الْجَسَدِ الَّتِي تَظْهَرُ أَضْعَفَ هِيَ ضَرُورِيَّةٌ. وَأَعْضَاءُ الْجَسَدِ الَّتِي نَحْسِبُ أَنَّهَا بِلاَ كَرَامَةٍ نُعْطِيهَا كَرَامَةً أَفْضَلَ. وَالأَعْضَاءُ الْقَبِيحَةُ فِينَا لَهَا جَمَالٌ أَفْضَلُ. وَأَمَّا الْجَمِيلَةُ فِينَا فَلَيْسَ لَهَا احْتِيَاجٌ. لَكِنَّ اللهَ مَزَجَ الْجَسَدَ، مُعْطِيًا النَّاقِصَ كَرَامَةً أَفْضَلَ، لِكَيْ لاَ يَكُونَ انْشِقَاقٌ فِي الْجَسَدِ، بَلْ تَهْتَمُّ الأَعْضَاءُ اهْتِمَامًا وَاحِدًا بَعْضُهَا لِبَعْضٍ. فَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يَتَأَلَّمُ، فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَتَأَلَّمُ مَعَهُ. وَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يُكَرَّمُ، فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَفْرَحُ مَعَهُ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجَسَدُ الْمَسِيحِ، وَأَعْضَاؤُهُ أَفْرَادًا. (1 كورنثوس 12: 12–27)

ثم إنَّ الإنجيل يدعو هذا المجتمع بناية، حيث تتلاءم كل حجارة فيها مع الحجارة التي بجوارها من أجل اكتمال البناء:

الَّذِي إِذْ تَأْتُونَ إِلَيْهِ، حَجَرًا حَيًّا مَرْفُوضًا مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ مُخْتَارٌ مِنَ اللهِ كَرِيمٌ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا مَبْنِيِّينَ — كَحِجَارَةٍ حَيَّةٍ — بَيْتًا رُوحِيًّا، كَهَنُوتًا مُقَدَّسًا، لِتَقْدِيمِ ذَبَائِحَ رُوحِيَّةٍ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ اللهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ. لِذَلِكَ يُتَضَمَّنُ أَيْضًا فِي الْكِتَابِ: «هَأَنَذَا أَضَعُ فِي صِهْيَوْنَ حَجَرَ زَاوِيَةٍ مُخْتَارًا كَرِيمًا، وَالَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لَنْ يُخْزَى.» فَلَكُمْ أَنْتُمُ الَّذِينَ تُؤْمِنُونَ الْكَرَامَةُ، وَأَمَّا لِلَّذِينَ لاَ يُطِيعُونَ، «فَالْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ، هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ، وَحَجَرَ صَدْمَةٍ وَصَخْرَةَ عَثْرَةٍ. الَّذِينَ يَعْثُرُونَ غَيْرَ طَائِعِينَ لِلْكَلِمَةِ، الأَمْرُ الَّذِي جُعِلُوا لَهُ.» وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ اقْتِنَاءٍ، لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيبِ. الَّذِينَ قَبْلاً لَمْ تَكُونُوا شَعْبًا، وَأَمَّا الآنَ فَأَنْتُمْ شَعْبُ اللهِ. الَّذِينَ كُنْتُمْ غَيْرَ مَرْحُومِينَ، وَأَمَّا الآنَ فَمَرْحُومُونَ. أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ كَغُرَبَاءَ وَنُزَلاَءَ، أَنْ تَمْتَنِعُوا عَنِ الشَّهَوَاتِ الْجَسَدِيَّةِ الَّتِي تُحَارِبُ النَّفْسَ، وَأَنْ تَكُونَ سِيرَتُكُمْ بَيْنَ الأُمَمِ حَسَنَةً، لِكَيْ يَكُونُوا، فِي مَا يَفْتَرُونَ عَلَيْكُمْ كَفَاعِلِي شَرٍّ، يُمَجِّدُونَ اللهَ فِي يَوْمِ الاِفْتِقَادِ، مِنْ أَجْلِ أَعْمَالِكُمُ الْحَسَنَةِ الَّتِي يُلاَحِظُونَهَا. (1 بطرس 2: 4–12)

ويدعو المسيح هذا المجتمع قَطيعَهُ الصغير، حيث الجميع يحبون بعضهم بعضًا، وحيث كل فرد فيهم يتحمَّل مسؤولية الاهتمام بالآخرين ورعايتهم، وحيث الجميع يتحمَّلون مسؤولية الاهتمام بالفرد ورعايته. ولَمَّا كُنَّا ندرك أننا مجاهدون لأجل المستقبل، فإننا أولئك الذين من خلالهم لابد وأن تشرق الأرض وتغمرها السعادة. فنحن نعلم علم اليقين بما نؤمن به. لذلك، نشهد لِمَا نؤمن به؛ ومن ثم نحيا ما نؤمن به. وبهذه الطريقة، يظهر ملكوت الله إلى حَيِّز الوجود في الزمان الحاضر. ويأتي الآن مثلما سوف يكون في المستقبل.

ومن أجل تشكيل مجتمع كهذا الذي أساسه المسيح، فلابد من وجود ناس مصممين على ذلك الآن، ناس متحررين من قيود الخطايا الآن، ناس متحررين من القلق الآن. فمنذ البداية، وعندما بدأ الرسل يكرزون، كان هناك سعيٌ إلى ذلك التحرر من الهمِّ والحزن والقلق. ولكن لا تسيئوا فَهمَ هذا الموضوع. ودعوني أخبركم بأنه من الحماقة أن تقول لأخيك الإنسان: «لا تهتمَّ!» فإذا عاش الشخص بمفرده تمامًا، معزولاً ومُبعدًا عن الناس في العالم، وإذا لم يهتم به أحد، وإذا أُسيئت معاملته وجرى اجتنابه وإقصاءه من كل ما يضفي الكرامة الإنسانية على الحياة، وإذا لم يجد عملاً له سوى كسب ما يسُدُّ رَمقه بكثير من القلق والكدح وتحمُّل الأعباء، فإنَّ قول «لا تهتمَّ!» يُعتَبر خطيئة عندئذ.

يقال اليوم عن الملايين من الناس ببرودة وفتور: «يجب أن لا يهتموا ولا يقلقوا. فلو كانت لديهم مجرد رغبة في العمل، لكسبوا أجورهم.» فالذين يتكلمون بهذا الأسلوب، تراهم يمرُّون من جانب هؤلاء المحتاجين دون أن يعيروا ذرة اهتمام بهم. ثم إنَّ غالبية العاملين لا يزالون يفتقرون إلى وظائف تليق بالإنسان وبكرامته. وهم يعيشون حياتهم بصورة مشتتة ومعزولة. فيا له من بؤس عندما يضطر المرء إلى أن يشحذ أو أن يعمل بوظيفتين لمجرد سدِّ حاجته. ومع ذلك، كم من الناس المضطرين إلى ذلك! ويا له من وجود لا يليق بمَنْ يريد الوفاء بالتزاماته تجاه المجتمع ويكون شخصًا مُحترمًا، ولكنه لا يستطيع دفع ضرائبه أو فواتيره، أو أنه غير قادر على خدمة المجتمع بأيِّ طريقة مفيدة. فكيف يحقُّ لي أن أقول لمثل هذا الشخص: «لا تهتمَّ.» فيا لها من برودة قلب!

لا، لا يحقُّ لي أبدًا أن أقول لشخص كهذا: «لا تهتمَّ،»فالعالم كله في الوقت الحاضر غارق في القلق والهموم، بما في ذلك أغنى الدول. أمَّا ضمن المجتمع والكيان الحيَّ المنبثق من المسيح، فيمكن للهموم أن تتوقف، بل ينبغي عليها ذلك. فيجب أن يهتم بعضنا ببعض في مثل هذا المجتمع. وعندما قال بولس الرسول: «لا تهتَمُّوا،» فإنه كان يُسلِّم بأن مثل هؤلاء الناس هم مُتَّحِدون برباط التضامن، بحيث لم يَعُد أحد منهم يقول: «هذا لي،» بل يقول الجميع: «يجب أن يزيل تضامننا ورباطنا كل همومنا. ويجب على كل ما نتشارك فيه أن يساعد كل واحد مِنَّا، وبالتالي يُخَلِّصنا من القلق والهموم.»

وبهذه الطريقة يأتي ملكوت السماوات. فهو يَحِلُّ أولاً في قطيع صغير من الناس، قطيع متحرر من الهموم. فهكذا يعلمنا يسوع المسيح:

فَلاَ تَهْتَمُّوا قَائِلِينَ: مَاذَا نَأْكُلُ؟ أَوْ مَاذَا نَشْرَبُ؟ أَوْ مَاذَا نَلْبَسُ؟ ... لَكِنِ اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللَّهِ وَبِرَّهُ، وَهَذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ. (متى 6: 31، 33)

فمنذ البداية، ومنذ ولادة المسيح، سعى الناس إلى مجتمع كهذا، أيْ بمعنى جماعة قائمة على مبادئ الملكوت، ومتحررة من القلق والهموم. فهناك قوة جسيمة يحصل عليها الناس عندما بعضهم يؤازر ويعاون بعضًا، وعندما يتَّحِدون بأسلوب الحياة المشتركة. وهكذا تتلاشى فكرة الملكية الخاصة، ويرتبط الناس بشدة بعضهم ببعض في الروح القدس، بحيث أن كل واحد منهم يقول: «كلُّ ما لديَّ مُلكٌ للآخرين، وإذا أصبحتُ في حاجة أو ضيق في أيِّ وقت، فإنهم سيساعدونني.» مثلما ما يوصينا الإنجيل:

فَإِنَّهُ لَيْسَ لِكَيْ يَكُونَ لِلآخَرِينَ رَاحَةٌ وَلَكُمْ ضِيقٌ، بَلْ بِحَسَبِ الْمُسَاوَاةِ. لِكَيْ تَكُونَ فِي هَذَا الْوَقْتِ فُضَالَتُكُمْ لِإِعْوَازِهِمْ، كَيْ تَصِيرَ فُضَالَتُهُمْ لِإِعْوَازِكُمْ، حَتَّى تَحْصُلَ الْمُسَاوَاةُ. كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «الَّذِي جَمَعَ كَثِيرًا لَمْ يُفْضِلْ، وَالَّذِي جَمَعَ قَلِيلاً لَمْ يُنْقِصْ.» (2 كورنثوس 8: 13–15)

فإنَّ مثل هذه الوحدة القوية والتامة بين الإخوة والأخوات في حياة مسيحية متقاسمة، حيث كل فرد يتحمَّل مسؤولية رعاية غيره من الأفراد الآخرين في الجماعة المسيحية، هي طريقة الحياة التي يمكنك بالفعل أن تقول فيها: «لا تهتمَّ!»

ومن حين إلى حين، حاول الناس أن يعيشوا حياة مسيحية مشتركة بهذه الطريقة. ومع ذلك، لم يكتمل تمامًا ظهور هذه الحياة إلى حَيِّز الوجود. وهذا سبب الضعف الشديد للمسيحية على عكس ما أراده المسيح لها. ومن المؤكَّد أن الناس على مر العصور قد عرفوا أن هذا البناء الاجتماعي، الذي لا يعود المرء فيه يقلق ولا يهتم، كان في الأصل إرادة المسيح. فقد أوصانا المسيح بأن لا نسعى وراء غِنى وأمجاد هذا العالم. وقال هذا بالتحديد لأنه سَلَّم بأن شعبه المُتَّحِد سيكون لديه دائمًا وسائل الحياة الضرورية. وأخبر أتباعه بأن وحدتهم في المحبة، أيْ أسلوب حياتهم المتقاسم، سيوفر لهم ما يكفيهم من مأكل وملبس.

وكان اعتقاد الناس في أغلب الأحيان أن هذا هو أسلوب الحياة الذي يجب أن يكون عليه المجتمع. ولكن بسبب أن هذه الحياة لا تتحقق بالكامل، فإنهم يتخلون عنها أخيرًا، ويستبدلونها بما يسمى بالمؤسسات الخيرية، حيث يُقدِّم أولئك الميسورين، بحافز التَّصدُّق على المحتاجين، صدقات للمُعدمين. وهكذا كان الحال دائمًا. ويقوم الكثير من الناس باستحداث طُرُق ووسائل جديدة لمساعدة الفقراء هنا وهناك بما يفيض عن حاجتهم. ولكن هذا ليس ما يريده يسوع المسيح. فالعكس صحيح تمامًا! فيا للهموم التي تسببها العديد من المؤسسات الخيرية في يومنا هذا. إذ يستمر الملايين من الناس في همومهم على كيفية إمكانية حصولهم على القليل من هذه المؤسسة الفلانية، وعلى القليل من تلك المؤسسة الفلانية. وغالبًا ما تَصرِفُهم هذه المؤسسات الخيرية نفسها. أيفاجئكم هذا الأمر؟ لا تندهِشوا عندما يعجز واهبو الصدقات في هذا العالم عن تقديم المساعدة. فإنَّ «المؤسسات الخيرية» هي ليست طريق المسيح. لأنها لا تزال تقف في طريق ما هو أساسي. لذلك، يجب علينا أن نتَّحِد. فيجب أن تنشأ جماعة مُتَّحِدة ليسوع المسيح.

كيف سيحصل هذا؟ أمَّا نحن فقد فَقَدنا المشاعر لهذا الموضوع. وأحد أسباب عدم بقاء أتباع المسيح مُتَّحِدين بوحدة عضوية كاملة، مثلما كان للمسيحيين الأوائل «قَلْبٌ وَاحِدٌ وَنَفْسٌ وَاحِدَةٌ» في يوم الخمسين، هو أنهم أرادوا إدخال العديد من العناصر الغريبة إلى حياتهم المسيحية. فأراد أعضاء الكنائس جعل العالم كله يهتدي إلى الإيمان المسيحي، ويغيِّر أسلوب حياته، قبل أن يهتدوا إليه هم أنفسهم اهتداءً كاملاً ويغيِّروا أسلوب حياتهم وفقًا لإرادة المسيح. فإنه ببساطة لا يمكن تجميع مئات الآلاف من الأشخاص لتشكيل جماعة تحيا حياة مسيحية مشتركة قبل أن يكون الأعضاء أنفسهم مستعدين لها. ويصح هذا الأمر بصفة خاصة إذا أَدخَلتَ إلى الجماعة المسيحية أشخاصًا ماديين، أو حسودين، أو غير متحررين من عبودية الخطيئة، أو لا يرغبون في المضي في كامل طريق المسيح من كل قلوبهم. فسيكون من الأفضل لو بقوا خارِجًا مشغولي البال بهموم وقلق الدنيا. فهم لا يصلحون لأن يكونوا شركاء المعركة.

فيجب أن يكون هناك تحرُّرٌ قلبيٌّ أولاً، تحرُّرٌ من كل ما يعبث ويتسلى به العالم، ومن كل المغريات التي فيه. عندئذ يمكننا التخلص من كل همومنا. فكم تزيد مقدرة الناس على العمل والعطاء بمجرد أن يتحرروا من كل الهموم، وأن لا يهتموا ويقلقوا على قُوتِهم اليومي! فلا تتطلب المسألة الكثير من التعقيدات، بل مجرد أن يلتزم الناس بحياة مشتركة بعضهم مع بعض لدرجة أنهم يعرفون: «عندما أقع في ضيق، سيساعدني الآخرون.» ولكني لو قلتُ: «سأدَّخِر ما يكفي لنفسي حتى لا أضطر إلى الاعتماد على الآخرين أبدًا،» أو لو أصررتُ على أن أكون غنيًّا وغيري فقيرًا، لجلب هذا عندئذ الخراب على أيِّ مجتمع مسيحي كان. إذ إنه استهزاء بجسد المسيح (أيْ بمعنى استهزاء ‏بكنيسة المسيح المُقدَّسة).

لهذا السبب لا أفكر كثيرًا في المجتمعات «الروحية» حيث شركتها على الصعيد الروحي فقط. فهي لا تدوم. إذ يتصادق الناس لفترة معينة، ولكن علاقتهم تنتهي في النهاية. فالعلاقات التي تدوم يجب أن يكون لها أساس أعمق بكثير من مجرد تجربة روحية معينة. فما لم يكُن لدينا شركة في الأمور الملموسة، أيْ بمعنى مشاركة في الأمور المادِّيَّة، فلن يكون لنا أبدًا شركة في الأمور الروحية. وها هي الكنيسة الرسولية تشهد لنا بذلك في الإنجيل:

وَكَانُوا يُواظِبُونَ عَلَى تَعْلِيمِ الرُّسُلِ وَالشَّرِكَةِ وَكَسْرِ الْخُبْزِ وَالصَّلَوَاتِ. وَصَارَ خَوْفٌ فِي كُلِّ نَفْسٍ. وَكَانَتْ عَجَائِبُ وَآيَاتٌ كَثِيرَةٌ تُجْرَى عَلَى أَيْدِي الرُّسُلِ. وَجَمِيعُ الَّذِينَ آمَنُوا كَانُوا مَعًا، وَكَانَ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكًا. وَالأَمْلاَكُ وَالْمُقْتَنَيَاتُ كَانُوا يَبِيعُونَهَا وَيَقْسِمُونَهَا بَيْنَ الْجَمِيعِ كَمَا يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ احْتِيَاجٌ. وَكَانُوا كُلَّ يَوْمٍ يُواظِبُونَ فِي الْهَيْكَلِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ. وَإِذْ هُمْ يَكْسِرُونَ الْخُبْزَ فِي الْبُيُوتِ كَانُوا يَتَنَاوَلُونَ الطَّعَامَ بِابْتِهَاجٍ وَبَسَاطَةِ قَلْبٍ مُسَبِّحِينَ اللهَ وَلَهُمْ نِعْمَةٌ لَدَى جَمِيعِ الشَّعْبِ. وَكَانَ الرَّبُّ كُلَّ يَوْمٍ يَضُمُّ إِلَى الْكَنِيسَةِ الَّذِينَ يَخْلُصُونَ. (أعمال 2: 42–47)

فنحن لسنا بمجرد أرواح. ولكننا بشر من دم ولحم. ونحتاج إلى طعام كل يوم. ونحتاج إلى ملابس لكل موسم. ويجب أن نتشارك في مُعَدَّاتنا وأدواتنا؛ ويجب أن نتعاون في كافة مجالات الحياة؛ ويجب أن تكون لنا مصالح عمل مشتركة ونعمل فيها عملاً جماعيًّا، وليس كل واحد لنفسه. وإلاَّ فإننا لا يمكننا أبدًا أن نصبح جماعة واحدة تحيا باتفاق وانسجام في محبة المسيح، ولا يمكننا أبدًا أن نصبح قطيع المسيح، أيْ مجتمع يسوع المسيح، الذي يقف في العالم قائلاً: «الآن يجب أن تصبح الأمور مختلفة كُليًّا. والآن يجب على الفرد أن يتوقف عن العيش لنفسه فقط. والآن يجب أن ينشأ مجتمع من الإخوة والأخوات.»

فهذه هي الطريقة التي يريدنا بها يسوع أن نطرح عَنَّا همومنا وقلقنا في مجتمعات كنائسنا. غير أننا نحن المسيحيين نتوقع من الناس الآخرين في مجتمعات كنائسنا أن يكون لديهم إيمانٌ حتى في أكثر المواقف المستحيلة، وفي الظروف التي يفنون فيها تقريبًا من جراء الحاجة والحالة المزرية، عندما يسكنون في أكواخ مُتهرِّئة، ولا يعلمون كيف يَسُدُّون رَمَقهم، وإذا بنا نأتي إليهم وندعوهم: «آمنوا وحسب!» ولا نساعدهم ولا نشاركهم الحياة في السراء والضراء. فالصراخ في وسط ضيق كهذا قائلين: «آمنوا! وعندئذ سيكون كل شيء على ما يرام، فالسماء في انتظاركم!» إنما هو مطلب غير معقول الذي لا يمكن تنفيذه، مثلما يشدِّد الإنجيل على ذلك:

مَا الْمَنْفَعَةُ يَا إِخْوَتِي إِنْ قَالَ أَحَدٌ إِنَّ لَهُ إِيمَانًا وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَعْمَالٌ؟ هَلْ يَقْدِرُ الإِيمَانُ أَنْ يُخَلِّصَهُ؟ إِنْ كَانَ أَخٌ وَأُخْتٌ عُرْيَانَيْنِ وَمُعْتَازَيْنِ لِلْقُوتِ الْيَوْمِيِّ، فَقَالَ لَهُمَا أَحَدُكُمُ: «امْضِيَا بِسَلاَمٍ، اسْتَدْفِئَا وَاشْبَعَا،» وَلَكِنْ لَمْ تُعْطُوهُمَا حَاجَاتِ الْجَسَدِ، فَمَا الْمَنْفَعَةُ؟ هَكَذَا الإِيمَانُ أَيْضًا، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَعْمَالٌ، مَيِّتٌ فِي ذَاتِهِ. لَكِنْ يَقُولُ قَائِلٌ: «أَنْتَ لَكَ إِيمَانٌ، وَأَنَا لِي أَعْمَالٌ!» أَرِنِي إِيمَانَكَ بِدُونِ أَعْمَالِكَ، وَأَنَا أُرِيكَ بِأَعْمَالِي إِيمَانِي. (يعقوب 2: 14–18)

كلا، لا يمكنني إجراء مطلب غير معقول كهذا في مجتمعات كنائسنا. فيجب أن لا يكون ملكوت الله مجرد ملكوت المستقبل. وبالتأكيد أن ملكوت الله في نظر الغالبية العظمى من الناس لا يزال كامنًا في المستقبل، لكن يجب علينا في مجتمع كنيسة المسيح أن نسعى إلى الوحدة الحقيقية الآن بكافة جوانبها الروحية والعملية، وأن نبدأ بالتحرر بأسلوب بحيث تنتهي الهموم الآن، على الأقل ضمن الأخويات المسيحية التي يحب فيها بعضنا بعضًا.

ويجب أن يكون مجتمعنا المسيحي أقوى من أبواب الجحيم والموت. ويجب أن يتمتع بميزات واقعية وملموسة ممتازة في جميع المجالات، ليس في مجال الحياة العملية المشتركة فحسب، بل يجب أيضًا أن يكون كل شيء فيه صادقًا. حتى أن أيَّ فرد فيه يجب أن لا يرى أنه يجب تكريمه شخصيًّا بشكل خاص إذا صادف أنه كان جيدًا في هذا المجال أو ذاك. فإنها مسألة فضائل الله وليست الفضائل البشرية. فلا التقاليد والعادات، ولا وجهات نظر الناس، ولا آخر التوجُّهات الحديثة، ولا ما تعتقده عرضيًّا أمة معينة بأنه صائبٌ، بل ما هو حقٌّ لدى الله فقط. فعندما يحدث هذا، يكره الناس شعب الله. لأنه يحكي بصراحة في وجه العالم كله:

إنَّ تقاليدكم باطلة! فهل تفترضون بأننا نُقِرُّ بأساليبكم الحربية؟ وهل تظنون أننا معجبون بكبريائكم وحسدكم، وبمحبتكم للذات، وبكل أعمال الغش والخداع لكي تصبحوا أغنياء؟ كلا! فإننا نُفضِّل الانتماء إلى المعدمين والفقراء على الاستمرار في إجلالنا لهذا الغش والخداع!

وإنَّ مجتمع يسوع المسيح الأخوي يثير حقد وكراهية الآخرين له، لأنه يُصِرُّ على فعل ما هو حقٌّ أمام الله. فهو لم يَعُدْ يريد أساليب العالم، أو آخر الأفكار البشرية وأحدثها — فما نريده هو الله وسيادته! ويسبب هذا الأمر صراعًا عنيفًا، فلهذا يقول المُخَلِّص:

مَا أَضْيَقَ الْبَابَ وَأَكْرَبَ الطَّرِيقَ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْحَيَاةِ، وَقَلِيلُونَ هُمُ الَّذِينَ يَجِدُونَهُ! (متى7: 14)

إنَّ معظم الناس، بمَنْ فيهم المسيحيون، معجبون بهذا العالم. فهم يَكُنون المهابة له. وعندما يأتي رئيس هذا العالم [إبليس] ويُقدِّم ثرواته لهم، لا يفعلون كما فعل المُخَلِّص يسوع المسيح. فقد قال يسوع لإبليس: «اُغرُبْ عني! فلن أحكم بأساليبك.» أمَّا معظم الناس فينحنون أمام الشيطان عندما يأتيهم، ويقولون له: «نعم، طبعًا، أنا مُتأكِّد من أنني أستطيع التوفيق بين علاقتي مع الله وقبول الأمور الدنيوية منك كالتكريم والمديح والثراء. وفي الواقع ستتحسن الأمور كثيرًا بعد ذلك!» وهذا ما يفعله معظمنا، ولذلك نرى الآن العديد من المسيحيين الذين هم من العالم بشكل كامل.

لا تخدعوا أنفسكم! فهذا لا ينطبق على غير المؤمنين فقط. وفي الواقع، أنا أعرف أشخاصًا غير مؤمنين يُظهِرون إيمانًا عمليًّا أكثر من المؤمنين. وأحيطكم عِلمًا بأنَّ المؤمنين هم المُعرَّضون أكثر من غيرهم إلى خطر الانزلاق في السعي لنيل التكريم لأنفسهم ولتلميع شخصياتهم أمام الناس بتقواهم الزائفة، وتراهم يقولون لكل شيء ولكل مساومة: «نعم! نعم! أوافق!» ومما يزيد الطين بَلَّة، أنهم يستعينون بالكتاب المُقدَّس لكي يجدوا ما يدعم مزاعمهم. فليس من الصواب على الإطلاق استعمال النصوص الكتابية باستمرار بشكل غير مناسب. لأن هناك ناسًا لم يعودوا يذكرون اقتباسًا واحدًا من الكتاب المُقدَّس، ومع ذلك، فإنهم يجاهدون لأجل الله، والحقيقة، والمحبة، وشركة العلاقات الأخوية. ويجاهدون أيضًا لأجل تحسين حياة الفقراء حتى يخرجوا أخيرًا من بؤسهم. وربما لا يستعملون اسم الله، لكنني على يقين من أن كل واحد منهم سيسمع هذه الكلمات التالية من الرب يسوع المسيح في اليوم الأخير:

— «ادخل إلى فرح سيدك.»

— «ولكني لا أدري ما فعلته في خدمتكَ لكي استحق الدخول.»

— «نعم، نعم! لقد خدمتَني. فكل ما فعلتَه للتخفيف من البؤس البشري، وكل ما حاولتَ القيام به لتحسين الأمور على الأرض، إنما فعلتَه لي.»

ولكن مَنْ يدري؟ فربما هؤلاء غير المؤمنين أنفسهم هم غالبية الداخلين إلى ملكوت السماوات. لأن ما يهم هنا هو الخصال الممتازة.

أمَّا أهل الإيمان، فيجب أن يحققوا شيئًا ملموسًا. فلا تظنوا أبدًا أنكم لستم مضطرين لتحقيق شيء ما. لقد تم تبشيرنا بأننا لن نخلص إلاَّ بنعمة المسيح. وأنا مؤمن بذلك. ولكن إذا كنتُ قد نلتُ الخلاص بالنعمة، فلابد لي من تحقيق شيء ما. فربما يجري قبولك — من باب الإحسان إليك — كشريك في مصلحة عمل؛ ولكن بمجرد دخولك يُطلب منك أن تبدأ بالعمل. فليس من الممكن، لا في السماء ولا في الأرض، أن لا تفعل سوى الاسترخاء بشكل مريح فيما يسمى نعمة، ولا تهتم بأيِّ شخص آخر. فإذا كنتُ أنا مُخَلَّصًا بالنعمة، فعندئذ أنا عاملٌ بفضل النعمة:

لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَالٍ كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ. لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا. (أفسس 2: 8–10)

وإذا تبررتُ بالنعمة، فعندئذ أنا عاملٌ لأجل العدالة بفضل النعمة. وإذا أنعم الله عليَّ ووضعني في وسط الحقيقة بفضل النعمة، فعندئذ أنا خادِمٌ للحقيقة بفضل النعمة. وإذا أنعم الله عليَّ ووضعني في وسط السلام بفضل النعمة، فعندئذ أنا خادِمٌ للسلام بفضل النعمة. أمَّا إذا أخذتُ لنفسي شيئًا وُهِبَ لي بفضل النعمة، وليس لديَّ أيُّ اهتمام بأحوال الآخرين — فهذه ليست الطريقة الصحيحة. فكل العطايا التي وهبني الله إياها بفضل النعمة، تتطلب مني استخدامها في خدمته، وهنا في هذا الموضوع لا يهم سوى الشخص العامل؛ أمَّا المتقاعس فلا.

فإنَّ أهمَّ أمر في نظر الله هو أن يكون الإنسان عاملاً. لذلك، يجب أن نفكر دائمًا في قلوبنا: ما إرادة الله؟ ولكن آه، فهذا الأمر بالذات لا يمكننا أن نفعله! فكيف في وسع المرء أن يكون عاملاً لله؟ فها هنا يبدأ إنكار الذات. فهذه هي إرادة الله. لذلك، فإنها إرادتي أيضًا، وتصبح مُلكًا لقلبي. وأريدها لأن الله يريدها، ولابد وأن تحدث لأنها إرادة الله. وسأحيا لأجلها، وسأبذل جسدي وحياتي فداءً لها. فهذه هي الطريقة التي يمكننا بها فعلاً أن نُقدِّم حياتنا لله، وأن نكون ذبائح حيَّة من أجل الله، وأن نعمل بإخلاص من خلال هذه الذبيحة، فهذه ذبيحة حياتنا كلها.

أيها الأصدقاء الأعزاء، هناك قوة عظيمة كامنة في هذا التفاني. وأدعوكم إلى أن تبذلوا الغالي والنفيس، ولو لمرة واحدة، لأجل إرادة الله! فلن يذهب عملكم سدىً. فابذلوا قصارى جهودكم لأجل الحقِّ، ولأجل عدل الله. وقوموا بإنكار الذات، على خلاف المنطق البشري، وذلك لأجل أمر صالح حقًّا. وابذلوا أنفسكم لأجل المسيح في كل الأشياء، ولأجل مجتمع الكنيسة الكلي المشاركة الذي يطلب ملكوت الله أولاً. فهناك قوة هائلة كامنة في هذه التضحية. ولقد سيق في الماضي آلاف الناس للموت بسبب هذا الأمر. فقد ضحوا بحياتهم بفرح، حتى عندما تعرَّضوا لأقسى أنواع التعذيب. وقد بقوا أقوياء لأنهم ثبتوا على إرادة الله. أمَّا في هذه الأيام، فنرى الناس يتجنبون ويتهربون من حمل أعباء أيِّ صليب كان. فلم يَعُد أحد يجرؤ على أيِّ شيء. ولا أحد يجازف بأيِّ شيء. فنحن نرتعد بمجرد أن يتعارض شيء ما مع الطريقة الدارجة التي تسير بها الأمور. ونخشى من آراء الآخرين. ولكن إذا أردنا أن نحظى بفرح في المسيح، فرح لا ينتهي، فعلينا أن نتعلم أن نبذل أنفسنا لأجل المسيح. فلا يوجد سبيل آخر. فلن تتحسن الأمور في العالم إلاَّ إذا قام الناس الذين يضحون بأنفسهم بتقديم أنفسهم عَمَلَةً لله. فلن تُغيِّر الديانة المسيحية المريحة العالم أبدًا.

فلا للمسيحية المريحة، بل افرحوا في الرب، وفي رجاء ملكوته! وافرحوا في الرب لكونكم مجاهدين ثابتي العزيمة لمجتمع كنيسته الكلي المشاركة، ذلك المجتمع الذي يستطيع فيه الإخوة والأخوات أن يعيشوا معًا في إنكار حقيقي للذات وفي تحرُّر حقيقي للروح، ذلك المجتمع الذي لا يدين أحدًا، لكنه في الوقت نفسه لديه نظرة واضحة عن الحقِّ، ولا يساوم على وصايا الرب. فليكُن هذا الأمر هو الذي يربط بعضكم بعضًا! فدافعوا عن مستقبل الله، وسيدوم فرحكم. فكل مَنْ يملُك المسيح على قلبه، فإنه سينتصر في المعركة. وسيضع مثل هذا الإنسان نصب عينيه دائمًا ذلك اليوم الذي سوف يكون في وسع جميع الناس الابتهاج والتَّهلُّل، من بعد أن يتم الانتصار في المعركة لأجل مجد الله

آلموضوع منقول للامانة والفائدة العآمة
 

حياة بالمسيح

خادمة الرب
عضو مبارك
إنضم
29 أبريل 2014
المشاركات
13,703
مستوى التفاعل
1,789
النقاط
76
فرح الرب هو بهجة القلب التي تأتي من معرفة الله والثبات في المسيح والامتلاء بالروح القدس.

عندما ولد يسوع، أعلنت الملائكة البشرى "بِفَرَحٍ عَظِيمٍ" (لوقا 2: 10). كل من يجد يسوع يختبر الفرح الذي يجلبه، كما اختبره رعاة الميلاد. جلب يسوع الفرح حتى قبل ولادته كما شهدت عليه ترنيمة مريم (لوقا 1: 47) واستجابة يوحنا لسماع صوت مريم اذ "ٱرْتَكَضَ ٱلْجَنِينُ بِٱبْتِهَاجٍ" في بطن أمه (لوقا 1: 44).

جسَّد يسوع الفرح في خدمته. لم يكن زاهدًا كئيبًا؛ بل قد اتهمه أعداؤه بأنه كان كثير الفرح في بعض الأحيان (لوقا 7: 34). وصف يسوع نفسه بأنه عريس يتمتع بعرسه (مرقس 2: 18-20)؛ وقد "تَهَلَّلَ يَسُوعُ بِٱلرُّوحِ" (لوقا 10 :21)؛ تحدث عن "فرحه" (يوحنا 15: 11) ووعد بأن يجعله يدوم لتلاميذه مدى الحياة (يوحنا 16: 24). ينعكس الفرح في العديد من أمثال يسوع، بما في ذلك القصص الثلاث في لوقا 15، التي تذكر "فَرَحٌ قُدَّامَ مَلَائِكَةِ ٱللهِ" (لوقا 15: 10) وتنتهي براعٍ سعيد وامرأة فرحة وأب سعيد. .

أخبر نحميا بنو اسرائيل التائبين أن فرح الرب سيكون قوتهم (نحميا 8: 10). تميزت الكنيسة الأولى بفرح الرب وفرحه (أعمال الرسل 2: 46؛ 13: 52)، كما أن "الفرح في الروح القدس" هو علامة مميزة لملكوت الله (رومية 14: 17). أولئك الذين هم جزء من الملكوت يشاركون في بهجة الملكوت.

الفرح جزء من ثمر الروح (غلاطية 5: 22-23). في الواقع، من واجبنا كمؤمنين أن نفرح بالرب (فيلبي 3: 1؛ 4: 4؛ تسالونيكي الأولى 5: 16). في المسيح "َتَبْتَهِجُونَ بِفَرَحٍ لَا يُنْطَقُ بِهِ وَمَجِيدٍ" (بطرس الأولى 1: 8).

بسبب أصله الخارق للطبيعة، فإن فرح الرب – ابتهاج القلب - موجود حتى في تجارب الحياة. نحن نعلم أننا أبناء الله، ولا يمكن لأحد أن يخطفنا منه (يوحنا 10: 28-29). نحن ورثة "لمِيرَاثٍ لَا يَفْنَى وَلَا يَتَدَنَّسُ وَلَا يَضْمَحِلُّ" ولا يستطيع أحد أن يسرقه منا (بطرس الأولى 1: 4؛ متى 6: 20). نرى رئيس إيماننا ومكمله ونعرف من سينتصر في النهاية، مهما كان هياج العدو (عبرانيين 12: 2؛ مزمور 2).

الإيمان هو الغلبة التي تغلب العالم، وفرح الرب هو قوتنا. يمكن للظروف المعاكسة أن تعزز فرحنا، بدلاً من إعاقة إيماننا. عرف بول وسيلا الشدائد أثناء جلوسهما وأقدامهما في القيود في زنزانة سجن فيلبي وقد انتهكت حقوقهما القانونية. لقد تم القبض عليهما بدون سبب وتعرضا للضرب بدون محاكمة. وفي منتصف الليل، بما أنهما لم يتمكنا من النوم، رنما بصوت عالٍ مسبحين الرب الذي كانا يخدمانه (أعمال الرسل 16: 25). وسرعان ما حدثت المعجزة (الآية 26).

اعتقل الرسل في أورشليم مرتين وأمروا بعدم الوعظ باسم يسوع. في المرة الثانية التي واجهوا فيها المحكمة تعرضوا للضرب. ولكنهم عادوا إلى ديارهم غير منزعجين ومستعدين للكرازة أكثر، "لِأَنَّهُمْ حُسِبُوا مُسْتَأْهِلِينَ أَنْ يُهَانُوا مِنْ أَجْلِ ٱسْمِهِ" (أعمال الرسل 5: 41). بالطبع، كان الرسل يتبعون مثال ربنا وحسب، الذي "مِنْ أَجْلِ ٱلسُّرُورِ ٱلْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ، ٱحْتَمَلَ ٱلصَّلِيبَ مُسْتَهِينًا بِٱلْخِزْيِ" (عبرانيين 12: 2).

قد يكون فرح الرب غير مفهوم لمن لا يمتلكه. لكن بالنسبة للمؤمن بالمسيح، فإن فرح الرب يأتي بشكل طبيعي مثل العنب على الكرمة. عندما نثبت في المسيح، الكرمة الحقيقية، فإننا نحن الأغصان نمتلئ من قوته وحيويته، والثمر الذي ننتجه هو عمله، بما في ذلك الفرح (يوحنا 15: 5).
آلموضوع منقول للأمانة والفائدة العآمة
 

حياة بالمسيح

خادمة الرب
عضو مبارك
إنضم
29 أبريل 2014
المشاركات
13,703
مستوى التفاعل
1,789
النقاط
76
اذْهَبُوا كُلُوا السَّمِينَ، وَاشْرَبُوا الْحُلْوَ، وَابْعَثُوا أَنْصِبَةً لِمَنْ لَمْ يُعَدَّ لَهُ، لأَنَّ الْيَوْمَ إِنَّمَا هُوَ مُقَدَّسٌ لِسَيِّدِنَا. وَلاَ تَحْزَنُوا، لأَنَّ فَرَحَ الرَّبِّ هُوَ قُوَّتُكُمْ" (نحميا 10:8).
لما تمت السبعون سنة للأسر البابلي جاء الوقت الذي تنبأ عنه إرميا النبي، وسمحت مملكة مادي وفارس برجوع من يريد الرجوع إلى أرض إسرائيل. وكانت مهمة عزرا هي إعادة بناء الهيكل وترميمه. ومهمة نحميا هي إعادة بناء سور أورشليم وترميم المدينة. "ولما استُهلّ الشهر السابع وبنو إسرائيل في مدنهم، اجتمع كل الشعب كرجل واحد إلى الساحة... فأتى عزرا الكاتب بالشريعة... وقرأ فيها... إلى نصف النهار... وكانت آذان كل الشعب نحو سفر الشريعة" (نحميا 73:7 - 1:8-3).


فكان لكل هذا تأثير عميق على كل الشعب، فكانوا يبكون وينوحون، إذ فهموا كلام الرب، وأدركوا النتائج المريرة لعصيانهم وعصيان آبائهم. كما أن كثيرين بكوا إذ رأوا الفرق الكبير بين هيكل سليمان والهيكل الذي بُني في أيام عزرا، كما هو واضح مما جاء في حجي 3:2، إذ قال حجي: "من الباقي فيكم الذي رأى هذا البيت في مجده الأول (أي في أيام سليمان)؟ وكيف تنظرونه الآن؟ أما هو في أعينكم كلا شيء!". ولذلك كانوا يبكون وينوحون – ولا عجب طبعًا – ولكن، هل يليق أن يستمروا في البكاء والعويل؟ قال سليمان في سفر الجامعة 1:3 و4: "لكل شيء زمان، ولكل أمر تحت السماوات وقت... للبكاء وقت وللضحك وقت. للنوح وقت وللرقص وقت".
ونحن الآن إذ ننظر إلى حالتنا وحالة الكنيسة في أماكن كثيرة في أيامنا هذه، نجد ما يجعلنا نحزن كثيرًا. ولكن، هل نستمر في الحزن، أم هناك ما يساعدنا إزاء ما نراه؟
نجد ردًا جميلاً على هذا السؤال في الآية التي افتتحنا بها هذا المقال، أي في نحميا 1:8.



1- "اذهبوا كلوا السَّمين واشربوا الحلو"​

أيها الأحباء، إن مشكلتنا تتعلق كثيرًا بالطعام والشراب الذي نتناوله، وأقصد طبعًا الطعام والشراب الروحي.
هل نغذّي نفوسنا بما نراه ونسمعه من برامج التسلية على التلفزيون التي ليس لنا فيها فائدة روحية، حتى وإن كانت بريئة ومسلية؟
هل مراقبة المباريات الرياضية بشغف تقوينا روحيًا؟ كم من مؤمن يتكاسل بخصوص الذهاب إلى الكنيسة ولكنه يسرع إلى مراقبة برنامجه المفضل قبل أن يبدأ لئلا يفوته جزء منها؟
ما هو المقصود من الطعام السمين والشراب الحلو بالنسبة للمؤمن؟ أليس هو كلام الله الذي قال عنه إرميا النبي: "وُجد كلامك فأكلته، فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي" (إرميا 16:15)، وقال عنه داود أنه "أحلى من العسل وقطر الشهاد" (مزمور 10:119)؟ ولن أطيل الكلام عن هذا، فقد تعوّدنا أن نسمعه ثم ننساه. ولكن ليتنا نتوسل إلى الرب من أجل أنفسنا ومن أجل المؤمنين الآخرين لكي ينقذنا من طعام هذا العالم الذي هو إما مسمم أو بلا فائدة.

2- وابعثوا أنصبة لِمَن لَمْ يعدّ له​

يا لها من كلمات تحمل معاني ثمينة!
ماذا تبعث للآخرين أيها المؤمن؟
بماذا تحدثهم؟
أبكلام الهزل الذي لا يليق، حتى وإن كان مضحكًا، ولكن لا غذاء فيه، أم تبعث لهم أنصبة من كلام الله؟
هل يهمك أن يستفيدوا وينالوا نصيبًا من الطعام الروحي لتشجيعهم، لكي يفرحوا هم أيضًا وينمو نموًا روحيًا متواصلاً؟
هل تساعد على نشر الكتاب المقدس؟
هل تعطي نسخة من الإنجيل كهدية لمن ليس عنده؟
وهل عندك رغبة في تشجيع المؤمنين على فهم ما جاء في الكتاب المقدس؟
هل كلامك مصلح بملح ليعطي نعمة للسامعين؟
هل تمنح أحد معارفك اشتراكًا في مجلة روحية ليستفيد مثلك؟
إبعث أنصبة لمن لم تُعدّ لهم، عالمًا أن تعبك ليس باطلاً في الرب، بل ستكون المكافأة لك أعظم من أي ربح مالي، يوم تعطي حسابًا للرب، الأمر الذي لا بد منه.

3- اليوم إنما هو مقدس لسيدنا​

تذكّر أيها المؤمن أن اليوم، وكل يوم، هو مقدس لسيدنا، أي لربنا يسوع المسيح. لأننا قد اشتُرينا بثمن. ونتيجة لذلك يجب أن أفكر لا في ما هو لنفسي، بل ما هو ليسوع المسيح. يجب أن لا أكون مشغولاً بأحوالي وظروفي بل أن أحوّل نظري وفكري نحو سيدنا وحبيبنا فنكون حقًا "ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمّله". لا شك أننا نحتاج أن نفحص قلوبنا ونمتحنها. ولكن ليتنا لا نطيل النظر في ضعفاتنا ونقائصنا، بل في كمال وأمجاد يسوع المسيح، الذي فيه قد بوركنا بكل بركة روحية في السماويات. كلمة "مقدس" تعني مخصص أو مكرس. فإذا أدركنا أن اليوم مقدس ومخصص للرب، ألا يكون لهذا تأثير قوي على حالتنا الروحية؟ أما إن كنا ننسى ذلك، ونظن أن لنا حق التصرف في أوقاتنا كما نشاء فنهتم بإشباع رغبات الجسد، فإننا سنخسر خسارة كبيرة، بل نصبح أسرى لشهواتنا. إن أيامنا على هذه الأرض قليلة ومحدودة، فليتنا نكون حكماء "مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة"، والأوقات التي نضيعها لن تعود مرة أخرى.

4- ولا تحزنوا، لأن فرح الرب هو قوّتكمْ​

هناك حزن بحسب مشيئة الله، يقول عنه الرسول بولس في 2كورنثوس 9:7: "الآن أنا أفرح، لا لأنكم حزنتم، بل لأنكم حزنتم للتوبة. لأنكم حزنتم بحسب مشيئة الله"، وأيضًا: "لأن الحزن الذي بحسب مشيئة الله ينشئ توبة لخلاص بلا ندامة. وأما حزن العالم فينشئ موتًا" (عدد 10). وفي عدد 11 "فَإِنَّهُ هُوَذَا حُزْنُكُمْ هذَا عَيْنُهُ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ، كَمْ أَنْشَأَ فِيكُمْ: مِنَ الاجْتِهَادِ". هذا الحزن الذي تكلم عنه الرسول بولس هو الحزن الذي يصحب الاعتراف بالخطأ، ويؤدي إلى التوبة القلبية الصادقة – ولكنه يجب ألاّ يستمر. ونستطيع أن نفهم هذا مما حدث مع المرأة الخاطئة في بيت الفريسي في لوقا 36:7-50. كانت المرأة تبكي حزينة على خطاياها وتغسل رجلي الرب بدموعها وتمسحهما بشعر رأسها. ولكن كيف انتهى الأمر؟ قال لها الرب: "إيمانكِ قد خلصك، اذهبي بسلام"، فانتهى الحزن والبكاء وامتلأ القلب بالفرح والرجاء. ينذر الروح القدس ضد الاستمرار في الحزن، إذ يقول: "لئلا يُبتلع مثل هذا من الحزن المُفرط" (2كورنثوس 7:2). إذًا الهدف ليس هو الحزن بل الفرح الذي يلي الحزن المؤقت، لأن فرح الرب هو قوتكم".
يا لها من كلمات تشجع المؤمن في كل حين، "فرح الرب هو قوتنا"! كثيرون من المؤمنين يبحثون عما قد يؤدي إلى القوة الروحية. وبعض الكنائس تعمل نشاطات مختلفة وبرامج للشباب، وقد يكون معظمها أو حتى كلها نافعًا لحدٍّ ما. ولكن "الحاجة إلى واحد"، وهو الرب يسوع المسيح، مصدر الفرح الحقيقي ومصدر القوة الحقيقية.
كثيرون يشتكون من الضعف والجفاف في اجتماعات العبادة، والبعض يحاولون أن يعوضوا عن هذا بموسيقى أفضل، أو مواعظ أكثر بلاغة، وكل هذا قد لا يكون منه أي ضرر، ولكن تأثيره سطحي ومؤقت. أما سر القوة الحقيقية فهو فرح الرب. لو كان المؤمنون والمؤمنات، قبل الذهاب إلى الاجتماعات الكنسية، يقضون وقتًا في محضر الرب ليفرحوا ويبتهجوا به مرنمين وساجدين وشاكرين له، لتغيّر الحال تمامًا. أما إذا كنا نذهب وأذهاننا مليئة بمشاغل اليوم أو تسلياته فسنضعف وتضعف اجتماعاتنا.
ليتنا نتعلم معنى القول "تلذّذ بالرب"، وذلك بأن نتذكر كل حسناته، نتذكر أننا كنا خطاة مندفعين نحو البحيرة المتقدة بنار وكبريت، ولكنه أنقذنا منها كما أنقذنا من سلطان الظلمة. ولو فكرنا في هذا كله نمتلئ آنئذ بالفرح، وتفيض قلوبنا بالشكر والحمد لمن أحبنا وبذل نفسه لأجلنا، وسنختبر بحق معنى القول: "لأن فرح الرب هو قوتكم". لا عجب أن الرسول بولس قال للمؤمنين في فيلبي هذه الكلمات الجليلة التي طالما رددناها بأفواهنا، والآن يجب أن تمتلئ بها قلوبنا "افرحوا في الرب كل حين وأقول أيضًا افرحوا" (فيلبي 4:4).

آلموضوع منقول للأمانة والفائدة العآمة
 
أعلى