من هو رجل الدين ( الكاهن ) قاضي أم طبيب وأب

aymonded

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
6 أكتوبر 2009
المشاركات
16,056
مستوى التفاعل
5,370
النقاط
0
يقول المتنيح نيافة الأنبا غريغوريوس أسقف عام الدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمي واصفاً الكاهن قائلاً :
[ رجل الدين إذن ليس رجل شرطة يتعقب المجرم ليخلص المجتمع من شره. لا، أنه ينظر إلى الجريمة على أنها مرض، وإلى المجرم على أنه سقيم مريض، يحتاج إلى العلاج، وتائه ضل الطريق، أو أخطأ الهدف وأصابه المرض، ورجل الدين يمسك به لا ليُدمره إنتقاماً وثأراً منه، إنما يُمسك به ليفحصه جيداً، ويعرف بالفحص العميق سرّ مرضه، ويتتبع حالته ويسعى جاهداً لشفائه وخلاصه في الحياة الحاضرة والآتية.

إن رجال الكهنوت هم رجال الله. والله كما أنه قاضٍ هو أب أيضاً وطبيب وراعٍ. فهم على غرار سيدهم وربهم، رجال رحمة ورسل سلام وخير، يعملون مع سيدهم وربهم على نشر الخير بين الناس، هم لا يتعقبون الأشرار ليبيدوهم، ويلاشوهم من الوجود، ولكنهم يترفقون بهم، ويُعالجونهم حتى يحولوهم إلى أصحاء نافعين لنفوسهم وللناس. وبهذا يتحولون إلى أدوات خير وبركة ونفع لأنفسهم وللآخرين، أي يصيرون عملاء الله في نشر الخير وعاملين في ملكوته .

لقد قال ربنا يسوع المسيح عن نفسه، أنه جاء هنا إلى هذا العالم لا ليَدين الناس بل ليُخلَّص ومن بين أقواله له المجد :
" فإن الله لم يُرسل إبنه إلى العالم ليدين العالم، بل ليُخلص به العالم " ( يوحنا 3 : 17 )
" ومن سمع أقوالي ولم يحفظها، فأنا لا أُدينه، لأني ما جئت لأُدين العالم، بل لأخلص العالم " ( يوحنا 12 : 47 )

فإذا كان المسيح له المجد لا يُدين أحداً الآن قبل اليوم المعين للدينونة، فرجال الكهنوت، وهم رجال الله، لا يدينون الناس أي لا يقضون على الناس، وأن كانوا يقضون بين الناس. فإذا عاقبوا فهذا العقاب هو للتأديب والتهذيب وليس للدينونة. هو علاج وتطبيب ونصح وزجر وتأنيب، ولكنه لا يخرج عن دائرة العلاج. فقد تختلف وسيلة التطبيب عند الطبيب بالنسبة لحالة المريض. فقد يكتفي بوضع مرهم مرطب، وقد يتطور المرض ويُسمى خطر فيعالجه الطبيب بالدواء الحارق، وقد يعالجه بالنار، وقد يعالجه باستأصال العضو أو بتره. ولكنه في جميع الأحوال هو الطبيب الإنسان، حتى لو قسا على المريض وآلمه، لكنه يبغي شفاءه وخلاصه من دائه. فهو أداة رحمة، ورسول خير وبركة، وهكذا وبالأحرى جداً رجل الدين، رجل الله إنه طبيب - لا يدين كسيده، ولكنه يُعالج. وحتى لو زجر أو نهر أو عاقب، فلأن العلاج يقتضي ذلك، لكنه لا يفصل بروح الانتقام أو للهلاك والقضاء والدينونة. وإنما بروح الأبوة الرحيمة، وبروح المعلم الصالح الذي قد يضرب تلميذه لمنفعته وإصلاح سيرته فيتقوم ويستقيم، ويصير صالحاً لحاضره ومستقبله، صالحاً لنفسه ولأسرته ولوطنه وللمجتمع البشري والإنساني .

إن رجل الدين أن ظن أنه قد مُنح سلطاناً يدين به الناس حماية لنفوذه وتوكيداً لسلطته ورئاسته، فقد أساء فهم السلطان الذي منحه إياه سيده، بل لقد أساء إلى سيده، لأن سيده يقول عن نفسه: " لأني ما جئت لأدين العالم بل لأخلص العالم "
وهنا في هذا المعنى يقول رب المجد ورئيس الرعاة الأعظم: " فمن تراه العبد الأمين الحكيم .. ( أنظر للأهمية القصوى مت 24 : 45 - 50 )

جاء في الدسقولية وهي تعاليم الرسل، الخطاب موجهاً إلى الأسقف:
[ أشفِ الذين ضلوا في الخطية، كطبيب حاذق وشريك في الألم، لأنه " لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى "، قال: " لقد جاء ابن الإنسان ليُخلص الضالين ". أنت طبيب لكنيسة الرب. أدخل بعقاقير تليق بكل واحد، فتشفيهم بكافة الوسائل وتُصيرهم أصحاء وسالمين وتُثبتهم في الكنيسة.
أرع الماشية لا بضجر ولا بهزؤ كمن لك عليهم سلطان، بل كراعٍ صالح تجمع الخراف إلى حضنك.. كن طبيباً صالحاً، باشاً ( بشوشاً ) .. ولا تكن قاسياً، ولا محابياً ولا صارماً، ولا بغير رحمة، ولا متعالي القلب ولا تراءِ الناس، ولا تكن خائفاً، أو ذا قلبين، ولا تهزأ بالشعب الذي تحت يدك، ولا تستر عنهم نواميس الله، أو كلام التوبة . ولا تكن مستعداً أن تخرج بخفة أحداً من الكنيسة ، بل تثَّبت جيداً ، ولا تكن محباً للسعاية ...
] ( دسقولية باب 4 ) ]

عن موسوعة الأنبا غريغوريوس - 9 اللاهوت العقيدي " الجزء الرابع " في اسرار الكنيسة السبعة (2) ؛ الناشر مكتبة المتنيح الأنبا غريغوريوس - دير الأنبا رويس بالعباسية مصر - ( ص 363 - 365 )

 
أعلى