وُلد القديس نكتاريوس واسمه (انستاس كيفالاس) في تراقيا الجنوبية في 1/10/1846م. نشأ في عائلة كبيرة وفقيرة. وكانت والدته وجدته تغلقان الستائر كل ليلة كيلا ينظر الأتراك القنديل مضاء في غرفة الأولاد، حيث كان الجميع يجثون أمام الأيقونات الشريفة ويصلون . كانت جدته تحبه كثيرا لأنه كان يشبه الملاك، شديد الرغبة على متابعة دروسه ويستهوي الانجيل والمزامير، وكانت تساعده كثيرا في تعلم الصلاة، وأعطته صليبا خشبيا كان أغلى ما يملك.
صورة شخصية للقديس نكتاريوس
أخذت عام 1908 ويظهر الصليب الخشبي على صدر القديس
في الثالثة عشرة من عمره سافر الى القسطنطينية كي يتعلم، وعمل حمالا ثم عاملا كي يؤمن لقمة العيش، ثم بدأ يعمل في حقل الكنيسة، فصار يعلم الصغار الحروف الأبجدية ويتابع تعليمه بنفس الوقت ليصبح مدرسا. لم تكن مغريات المال تلفت انتباهه. ساعدته الدراسة والحياة الداخلية والصلاة على اكتشاف رغبته في الحياة النسكية؛ فوجد السعادة والراحة الحقيقيتين في أحضان الكنيسة.
ذهب الى جزيرة خيوس وقضى فيها عشر سنوات يعلم في مدينة ليتي. وفي عام 1876م أصبح راهبا فقد تعلم من تعليم الكنيسة التقليدي ان الراهب الارثوذكسي ما هو الا منارة ونور يضئ في الظلمات، ودعى بالأخ لعازر. أمضى ثلاث سنوات في الدير عاشها في النسك والتقشف فاستنارت روحه من نور المسيح وأصبح ينهل منه التواضع والمحبة والعطاء.
صورة شخصية للقديس نكتاريوس العجائبي
ثم رسم شماسا وأعطي اسم "نكتاريوس" وبمساعدة احد النبلاء الأثرياء سافر الى أثينا لمتابعة دراسته الثانوية. وارسل ايضا الى الاسكندرية الى البطريرك صفرونيوس، فأحبه وأرسله مرة اخرى الى أثينا ليكمل تعليمه الجامعي. واذ كانت الحياة صعبة في تلك الحقبة من الزمن، كان يتخلى عن طعامه لانقاذ أحد أولئك الذين مات المسيح لأجلهم. وبعد حصوله على الشهادة الجامعية عاد الى الاسكندرية حيث سامه البطريرك بنفسه كاهنا عام 1886م. وتلقى بعد خمسة أشهر رتبة الأرشمندريت في القاهرة، عين في عدة مناصب حيث عمل بجهد في حقل الرب ليزرع الكلمة الالهية، كما جمّل كنيسة القديس نيقولاوس بالأيقونات الشريفة وكانت معظم مساعيه لجمع التبرعات للفقراء الذين كان يعطيهم كل ماله. وفي عام 1886م. انتخب اسقفا للمدن الخمس (منطقة ليبيا). اذ أحيكت ضده وشايات من الأوساط الاكليريكية في البطريركية، صدقها البطريرك صفرونيوس، ودون أن يسمح له الدفاع عن نفسه تم تنحيته وطرده من الاسكندرية. لاحقه الاضطهاد من جميع الجهات، وحده الشعب بقي الى جانبه، جمهورا عاجزا لا اسم له ولا سلطة. ومع ذلك بقي القديس يصلي من اجل البطريرك حتى أخر عمره.
بداية قضى وقته في أثينا بالقراءة والصلاة وبتأليف بعض الأعمال اللاهوتيه. عاش مضطهدا بفقر مدقع، صواما، صبورا.
عيّن واعظا في مدينة شالكيس في جزيرة ايبوس بعد ان طرق جميع الأبواب مستجديا العمل في الكنيسة بالحاح وصبر. وعندما اوكلت اليه عدة مدن اختار مدينة كيمي لاقامته، وعمل في الوعظ والخدم الليتورجية. وكان يقوم بزيارات تفقدية للمعوزين والمرضى المنعزلين.
في عام 1893م. نقل الى مدينة لميا، ثم عين مديرا للمدرسة اللاهوتية في أثينا المعروفة ب"ريزاريو". وبالرغم من معاناته الكثيرة مع أعضاء المكتب التنفيذي للمدرسة الا انه كان يحتمل كل الانتقادات بصمت وبفضله تأسست أعداد كافية من الاكليريكيين المؤهلين ليس عمليا فقط بل وروحيا ايضا لخدمة الكنيسة الارثوذكسية.
صورة شخصية للقديس نكتاريوس
كان متواضعا لدرجة أنه كان يقوم بتنظيف مراحيض المدرسة يوميا وقبل شروق الشمس لمدة شهرين عن العامل المريض خوفا عليه من أن يفقد وظيفته. كان يهتم بالدروس وبمشكلات المدرسة الى جانب الأشخاص الذين يأتونه للاعتراف، مع تأليف الكتب اللاهوتية، واقامة الخدم الليتورجية غير المتوقعة التي تطلب منه ومساعدة كل من يطرق بابه. وكان شديد الدفاع عن الأرثوذكسية ضد التيارات المعارضة والمنتقدة لها. كان يهتم شخصيا بزراعة حديقة المدرسة بالنباتات والأزهار لأنه كان يحب التأمل بفن الخالق وحكمته ويقول : "تفتح يدك فيمتلئ الكل خيرا". قام خلال عمله في المدرسة بزيارة الجبل المقدس (آثوس) وهناك وصفه أحد النساك متنبأ بأنه: "اسقف المدن الخمس الذي صنف منذ زمن طويل من بين الأساقفة القديسين".
كان يرى السيد دائما امامه أثناء الصلاة. وكثيرا ما كان يقص على والدة الاله جميع مشاكله بالتفصيل، ويصلي من أجل العالم أجمع ومن أجل طلابه ويتوسل الى أم الاله من أجل الرهبنة الأرثوذكسية لتنمو وتزدهر. كما كانت الجموع في أثينا وألبيرية تتزاحم للمشاركة في القداس والاستماع الى مواعظه أينما ذهب. وتوالت عليه الأحداث... كانت معظمها حوادث مؤلمة جعلته يشعر بالتعب.
التفت حوله مجموعة من الفتيات يرغبن باعتناق الحياة الرهبانية، فاخترن ديرا قديما في زانطا في جزيرة أيينا التي حالما وصل اليها شفى شابا مصابا بروح شريرة وقال له بعدها:"لن تزعجك هذه الاغماءات بعد اليوم يا ولدي. ثابر على الدرس لأن هذا سيعود عليك بالفائدة في المستقبل". وشفى امرأة مصابة بنزف الدم. وبعد القداس الالهي الذي أقيم في كاتدرائية الجزيرة تلى طلبات من أجل المطر –بعد انقطاع دام ثلاث سنوات– هطلت بعدها الأمطار بغزارة، فكان يردد: "المجد للرب... المجد للرب".
بقى يراسل فتياته ويهتم بهن روحيا وماديا. ولم يكن يشغل عقله بتدبير الأمور المالية لأنه كان يقول:"ان الأعمال الروحية المرتكزة على الوسائل المادية او القدرات الانسانية لا تحقق". وكان يتصدق بكل ما يحصل عليه من مال: من عمله والتبرعات ونشر كتبه ومؤلفاته التي كثيرا ما كان يوزعها مجانا. فقد كان على ثقة تامة بأن الله سيرسل عوضها. وقد كتب في احدى رسائله للراهبات: "ان كل ألم نحتمله بالصبر هو درجه ترفعنا نحو الكمال".
بوابة الدير الذي أسسه القديس نكتاريوس
وبعد ان استقال من وظيفته في المدرسة الاكليريكية عام 1908م. شيد له مسكنا خارج الدير. وقام بتخصيص غرفه لتعليم الفتيات الأميات، وحول غرفة الى مشغل اسكافي –تلك المهنة التي تعلمها عندما كان راهبا في خيوس– ليصلح الخفاف الممزقة التي كانت تنتعلها الراهبات ويعلمهن المهنة. وكان بنيته إنشاء مدرسة تحضيرية للشابات لتلقى التعليم الأخلاقي والديني وبعض الأعمال اليدوية والمنزليه لأنه كان يرى بأن سر تقدم الشعوب كامن بين يدي الشابات امهات المستقبل.
غالبا ما كان يمضي الليل ساهرا رغم تعبه، للدراسة والكتابة، وقد كان شديد الدفاع عن الكنيسة الأرثوذكسية الكثيرة الوداعة باعتبارها الفلك الوحيد الذي يضم القدرة الالهية والحقيقة، وتملك قوة كبيرة للخلاص، ويحارب ضد هجمات العدو الكثيرة منهم الماسونيين والماديين المعاصرين والهراطقة وأصحاب البدع.
بعد عشر سنوات من تـأسيس الدير غضب ثوكليطس متروبوليت اثينا بسبب الحسد، فتراجع عن موافقته الشفهية عن بناءْ الدير وأصبح يهدد بهدمه. فكان على قديسنا ان يشرب كأس الصبر حتى المنتهى، اذ لم يحظ عمله بالاعتراف الرسمي الا بعد وفاته.
عانى من مرض خطير في البروستات زمانا طويلا، وكان عرضة لالآم فظيعة تخترق قلبه، تشتد حدة مع مرور الوقت، وأدخل الى المستشفى وبقى شهرين لم يتسن للأطباء خلال هذه الفترة اجراء عمليه جراحية له. وبتاريخ 9/11/1920م. (شرقي) الموافق 22/11 (غربي) سمعته الراهبة المرافقة له يقول: "هل توجه الكلام الي يا رب". وأسلم روحه القديسة والصبورة الى معلمه الحبيب.
حصلت عجائب كثيرة بعد رقاده منها شفاء أمراض مستعصية وطرد الشياطين. وبقى جسده سليما لمدة عشرين عاما يفوح منه عطر لا يوصف. بعد هذه المدة استحال جسده الى تراب فاستطاع الناس أن يأخذوا منه الذخائر، ولا زال العطر يفوح من عظامه الى الآن، بل أن كل غرض يلامس عظامه يصبح مصدرا للعطر.
جسد القديس نكتاريوس العجائبي بعد رقاده
والذي بقي سليمًا كما هو لمدة عشرين عامًا
هذا القديس الذي لم يحظ بالمجد في حياته، بل كما قال مرة لتلميذه كوستى (الذي رافقه وخدمه طوال حياته): " المجد ليس للذين في وسط الجهاد بانتظار الدينونة. ان المجد هو في مكان ما في الأعالي، في الكنيسة الظافرة". لقد مجد هذا القديس العظيم في الكنيسة الظافرة. وهو الآن ماثل أمام العرش الالهي عرش الثالوث الأقدس الذي لم يكن يلفظه طوال حياته دون تأثر او رهبة، يشفع في كل من يطلبه، حيث انه شفيع مرضى السرطان، لأنه شفى بعض الحالات في حياته ولا يزال بعد رقاده يشفي الكثيرين الى الآن.
يعطي الله لنا من خلال قديسيه الذين شاهدوا نور وجهه, بركات ونِعَم عديدة, فمنهم من يشفي أمراضنا الروحية والجسدية بنعمة الله, منهم من يعزينا ويقوينا, منهم من يعطينا يد معونة لنرى طريقنا في وسط ظلمة الحياة ويهدي عقولنا وأجسادنا إلى سلم السماء, لنرتفع عن أهوائنا الأرضية المائتة لنرى المجد السماوي الأزلي الذي لا ينتهي في أحضان الله بين قديسيه وملائكته.
القديس نكتاريوس العجائبي في هذا الباب سنحاول أن ننشر بعض من معجزات القديس نكتاريوس العجائبي أحد شفعائنا الحارين لدى الله. القديس نكتاريوس هو شفيع للمرضى المصابين بالسرطان, ونرى ذلك في معجزاته التي صنعها ويصنعها بنعمة الله.