مقال عن الصلاة للقس مرقس ميلاد

philanthropist

أميرة الورد
عضو مبارك
إنضم
30 يوليو 2013
المشاركات
1,239
مستوى التفاعل
161
النقاط
0
الإقامة
القصر الملكى السماوى قصر الملك يسوع المسيح
كيف نصلي 1: مقدمة


من سفر إشعياء النبي:

"عَلَى أَسْوَارِكِ يَا أُورُشَلِيمُ أَقَمْتُ حُرَّاسًا لاَ يَسْكُتُونَ كُلَّ النَّهَارِ وَكُلَّ اللَّيْلِ عَلَى الدَّوَامِ. يَا ذَاكِرِي الرَّبِّ لاَ تَسْكُتُوا، وَلاَ تَدَعُوهُ يَسْكُتُ، حَتَّى يُثَبِّتَ وَيَجْعَلَ أُورُشَلِيمَ تَسْبِيحَةً فِي الأَرْضِ" (سفر إشعياء 62: 6، 7).

مجدًا للثالوث القدوس الآب والابن والروح القدس.

الموضوع الذي سنتكلم فيه اليوم يا أحبائي بنعمة الرب هو موضوع الصلاة.

من أقوال ذهبي الفم عن الصلاة:


في عظة للقديس يوحنا ذهبي الفم عن الصلاة:-

قال: "بالصلاة ننضم لطغمة الملائكة، الإنسان يرتفع من الأرض إلى السماء".

وقال: "إننا نتقدم للصلاة بمشاعر خوف شديد جدًا" (وهذا طبيعي لأن الإنسان سيقف في حضرة الله).

وقال: "أيضًا نتقدم بفرح عظيم جدًا، لأنه أي شرف أعظم من أن الإنسان يقف أمام الله".

وقال: "أنه بالصلاة ننتقل إلى الأبدية". الصلاة تجعل الإنسان يعيش في الأبدية من الآن.

وقال: "يستحيل أن تكون في حياتنا فضيلة بدون الصلاة".

وقال: "الصلاة هي دواء لكل أمراض نفوسنا" أي مشكلة، أي تعب، أي ضيقة علاجه كما قال ذهبي الفم هو الصلاة.


الصلاة هي الصفة المشتركة بين القديسين:

العجيب يا أحبائي أننا لو تأملنا في حياة القديسين، نجد أن بهم صفات متباينة كثيرة جدًا ولكن الصلاة هي الصفة المشتركة بين كل القديسين. فكمثال:

القديس الأنبا أرسانيوس: كان القديس الأنبا أرسانيوس محب جدًا للوحدة، لدرجة أن الأب البطريرك في ذلك الحين جاء لكي يلتمس بركته فهرب، وقال: "إذا فتحت الباب للبطريرك لن أستطيع أن أغلقه في وجه أي إنسان، وإذا فتحت الباب لكل أحد لن أستطيع أن أجلس هنا. فأنا حياتي وفرحي في السكون والوحدة".

لكن على الجانب الآخر:

القديس موسى الأسود: كان القديس الأنبا موسى يجد لذته وشبعه وفرحه في الحديث مع الآخرين عن المسيح.

أي أن لهذين القديسين صفتين متعارضتين تمامًا. فهذا يهرب من الناس محبة في المسيح وهذا يحب الجلوس مع الناس محبة في المسيح.

فالقديسين بهم صفات قد تبدو متضادة ولكن الشيء الذي اشترك فيه كل القديسين هو الصلاة. فعندما تقرأ حياة القديسين لن تجد قديس لم يكن أستاذًا في الصلاة. فهذه هي الفضيلة التي جمعت القديسين كلهم ورغم هذا عندما ننظر لأنفسنا وننظر للجيل الذي نعيشه، نجد أنفسنا قد تغربنا تمامًا عن هذا الطريق.


المسيح علمنا اللجاجة في الصلاة في مثل "قاضي الظلم" (إنجيل لوقا 18: 1-8):

الرب يسوع أراد أن يعلمنا اللجاجة في الصلاة لذلك ذكر لنا مثل "قاضي الظلم" والمرأة التي ظلت تلح عليه حتى أنصفها، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وأريدكم أن تتأملوا تعليق السيد المسيح على المثل حيث قال: "أَفَلاَ يُنْصِفُ اللهُ مُخْتَارِيهِ، الصَّارِخِينَ إِلَيْهِ نَهَارًا وَلَيْلًا، وَهُوَ مُتَمَهِّلٌ عَلَيْهِمْ؟ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يُنْصِفُهُمْ سَرِيعًا! وَلكِنْ مَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ، أَلَعَلَّهُ يَجِدُ الإِيمَانَ عَلَى الأَرْضِ؟" (إنجيل لوقا 18: 7،8). وكلمة "الإيمان" في تساؤله الأخير يقصد بها الإيمان بأن الإلحاح في الصلاة مستجاب أمام الله. وكأن السيد المسيح كان يرى جيلنا ويتكلم عن حاله في هذا المثل، لأننا مقلين جدًا في الصلاة، والصلاة ثقيلة جدًا على أنفسنا، لذلك تساءل هل عندما سآتي سأجد الناس ما زال لديها الإيمان بفاعلية وقوة واقتدار الصلاة في فعلها؟!


محبتنا للصلاة ترمومتر نستطيع به قياس مدى محبتنا للحياة الأبدية:

تصور أم لديها ابن يرفض الأكل تمامًا مهما ألحت عليه ليأكل، مما أدخلها في حيرة شديدة فاحتارت الأم وخافت على ابنها، وذهبت به إلى الكثير من الأطباء دون جدوى. وأخيرًا أخذته إلى طبيب حكيم وواعي، فقال لها: مرض ابنك ليس له علاج، لأنه رافض الحياة ولذلك هو رافض الأكل.

بصدق يا أحبائي هذا هو حالنا، فنحن رافضين الحياة الأبدية، لذلك نرفض الصلاة، الإنسان المتعلق بالسماء يحب الصلاة جدًا، ويفرح بها. أما الإنسان الغير راغب في السماء أو الغير مهتم بها لا يحب الصلاة. فمحبة الصلاة هي الترمومتر الذي نقيس به مدى تعلقنا بالسماء. وقد كان هذا هو الدافع الذي جعلني أتكلم معكم في موضوع الصلاة.

موضوع العظة:

سنتكلم في هذه العظة على ثلاثة نقاط رئيسية:

1- ما هي الصلاة؟

2- أوقات وأوضاع وأماكن الصلاة. (ولن أطيل في هاتين النقطتين).

3- كيف نصلي؟ (وهذه النقطة الرئيسية التي سنركز عليها)

بالإضافة إلى: درجات الصلاة (صلوات الترديد - الصلاة العقلية - الصلاة الدائمة)


الصلاة هي الوقوف في حضرة الله وملء الشعور بذلك:

الصلاة هي اختبار لحضور الله. إنسان واقف في حضرة الله وشاعر بكل كيانه بذلك. فالصلاة ليست مجرد ترديد كلمات، بل هي إنسان يشعر بكل كيانه أنه واقف في حضرة الله.


الصلاة هي عمل المسيحي الأساسي والأول:

والصلاة هي عمل المسيحي الأساسي والأول، وأي شيء آخر يأتي في المرتبة الثانية. بل أن وجودنا على الأرض من أجل الصلاة.


الصلاة هي عمل إلهي وعطية من الله:

فالله هو الذي يجذبك ويشوقك للصلاة، وهو الذي يضع على لسانك كلمات الصلاة.

القديس أوغسطينوس قال: "الصلاة هي عمل الله داخل النفس" فهو عمل إلهي صرف ودعوة من الله.

بولس الرسول يقول: "وَكَذلِكَ الرُّوحُ أَيْضًا يُعِينُ ضَعَفَاتِنَا، لأَنَّنَا لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لأَجْلِهِ كَمَا يَنْبَغِي. وَلكِنَّ الرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ (بتنهدات) لاَ يُنْطَقُ بِهَا" (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 8: 26).

ولذلك كان التلاميذ على حق عندما قالوا للسيد المسيح: "يَا رَبُّ، عَلِّمْنَا أَنْ نُصَلِّيَ" (إنجيل لوقا 11: 1). قالوا له هذا بالرغم من أنهم يهود ولهم صلوات ثابتة وذلك لأننا "لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي".


الصلاة هي دعوة من المسيح لنأخذ من يده "شيء ما" أثناء هذه الصلاة:

ذكرت لي إحدى البنات الصغيرات في الاعتراف أنها تتذكر الصلاة ولكنها تُكسل ولا تصلي. فقلت لها إن تذكر الصلاة هو عبارة عن نداء من المسيح فهو يريد أن يعطيك شيئًا ما في هذه الصلاة. وإذا لم تستجيبي لهذه الدعوة أنتِ الخاسرة. صدقوني يا أحبائي في كل مرة نقف للصلاة المسيح ينادينا ليعطينا شيء ما. لذلك قال لنا بولس الرسول: "الْيَوْمَ، إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ" (رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 4: 7).
فعندما نتذكر الصلاة يكون السيد المسيح واقفًا وقارعًا على الباب ويريد أن يعطيك شيئًا، فحذار من أن تسمع صوت الرب يسوع يناديك للصلاة دون أن تلبي هذا النداء، ولو بغصب نفسك. صدقوني يا أحبائي في كل مرة يذكرنا روح الله بالصلاة، يكون هناك شيئًا ما سنأخذه من يد المسيح في هذه الصلاة. ثق في هذا. وإذا لم تصلي تكون كمن سمع صديقًا عزيزًا يدق بابه فلم يفتح له أو أغلق الباب في وجهه. لصلاة هي اشتياق متبادل بين الله والمصلي:

وكما قال لنا القديس باسيليوس: حذار أن تقف أمام الله وتفكر فيما يجب أن تقوله، فالله لا يريد أن يسمع منك بلاغة أو شعر أو قصيدة، بل قل ما يخطر ببالك. فكما يفرح الأب بطفله الصغير عندما يقف ليكلمه حتى لو كان غير متمكن من الكلام (يتهته) ويأخذه في حضنه فرحًا، هكذا الرب يفرح بوقوفك أمامه في الصلاة بغض النظر عما ستقوله. فالصلاة نفس مشتاقة إلى الله. قف قل للرب: "يا رب أنا مشتاق إليك. اشتاقت نفسي إليك يا رب كالأرض العطشانة للمياه".

داود النبي يقول: "كَمَا يَشْتَاقُ الإِيَّلُ إِلَى جَدَاوِلِ الْمِيَاهِ، هكَذَا تَشْتَاقُ نَفْسِي إِلَيْكَ يَا اللهُ. عَطِشَتْ نَفْسِي إِلَى اللهِ، إِلَى الإِلهِ الْحَيِّ. مَتَى أَجِيءُ وَأَتَرَاءَى قُدَّامَ اللهِ" (سفر المزامير 42: 1، 2). أي يا رب أنا مشتاق إليك، أنا نفسي أقف أمامك، أنا لذتي يا رب وفرحتي وبهجة قلبي أنت.

"مَنْ لِي فِي السَّمَاءِ؟ وَمَعَكَ لاَ أُرِيدُ شَيْئًا فِي الأَرْضِ" (سفر المزامير 73: 25).

ويقول داود النبي أيضًا: "يَا اَللهُ، إِلهِي أَنْتَ. إِلَيْكَ أُبَكِّرُ. عَطِشَتْ إِلَيْكَ نَفْسِي، يَشْتَاقُ إِلَيْكَ جَسَدِي فِي أَرْضٍ نَاشِفَةٍ وَيَابِسَةٍ بِلاَ مَاءٍ" (سفر المزامير 63: 1).



الاشتياق للصلاة يكون كالاشتياق لرؤية عزيز، تصور أنك على موعد للقاء شخص عزيز عليك جدًا جدًا، قد لا تنام طوال الليل متمنيًا مرور الساعات سريعًا من كثرة اشتياقك لهذا العزيز، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. هذا هو شعور محب الصلاة. داود النبي كان بهذا الشكل لذلك قال "كما تشتاق الإيل إلى جدول المياه". يمكن أن نشبه اشتياق محب الصلاة لله باشتياق الإنسان العطشان جدًا لأن يرتوي بالمياه. هذا النهم والاشتياق للماء هو نفس إحساس الإنسان الذي يشتاق أن يقف أمام الله.

والعجيب أن هذه المشاعر لا تكون مشاعر المصلى فقط بل هي أيضًا مشاعر المسيح. فالسيد المسيح يشتاق لوقوفك أمامه، فهو الذي يقول: "أَرِينِي وَجْهَكِ، أَسْمِعِينِي صَوْتَكِ، لأَنَّ صَوْتَكِ لَطِيفٌ وَوَجْهَكِ جَمِيلٌ" (سفر نشيد الأنشاد 2: 14). فالصلاة اشتياقات من جهة الله إليك وإشتياقات من جهتك لله.



كثيرون لا يعرفون معنى الصلاة:

كنت أتكلم مع أب كاهن خدم في كندا، وعندما سألته عن أخبار الخدمة هناك روى لي ما أدهشني وأحزنني في نفس الوقت، قال أن أحد الشباب أثناء اعترافه قال ما يلي: "أنتم (يقصد الكهنة) كلما تتكلمون تذكرون لنا السماء على أنها غاية، فماذا سنفعل في هذه السماء؟! هل سيكون عملنا أن نصلي؟! إذا كان هذا فأنا لا أريد هذه السماء". كان هذا الكلام صعبًا جدًا على مسامعي، ولكني سألت نفسي: إذا وقفت في عظة لأقول للناس أن السماء عبارة عن صلاة هل سأجد الكثيرين يقولون لي مثلما قال هذا الشاب: "إذًا نحن لا نريد هذه السماء!" للأسف سأسمع هذه الإجابة من الكثيرين. بالطبع الذي يقول هذا لا يحب الصلاة ولا يفرح بها ولم يشعر بلذتها. والمشكلة أننا لا نعرف ما هي الصلاة؟

فالصلاة كما قلت لكم هي "اشتياق لله" وكما قال إشعياء: "إِلَى اسْمِكَ وَإِلَى ذِكْرِكَ شَهْوَةُ النَّفْسِ" (سفر إشعياء 26: 8). " بِنَفْسِي اشْتَهَيْتُكَ " (سفر إشعياء 26: 9).



الصلاة ليست صفقة للمنافع (إنسان يصلي لينال طلب معين):

الصلاة ليست تبادل تجاري، أقف للصلاة عندما أريد شيئًا من الله وإذا لم يكن هناك ما أريده من الله لا أصلي! هذا فهم خاطئ للصلاة.

قبل أن أدخل الاجتماع قابلني أحد الأبناء (طفل صغير) وقال لي: "يا أبونا أنا عندما كنت أرتدي ملابسي لآتي الكنيسة كنت أبحث عن حزامي ولم أجده فصليت وطلبت من الرب أن أجد الحزام. ولكن ربنا لم يجعلني أجده. فما فائدة الصلاة إذًا؟". بالطبع هذا الابن يفهم معنى الصلاة فهم خاطئ. هو يظن أننا نصلي لأننا نريد من الرب شيء. الصلاة ليست أن نقف لنطلب من الرب طلبات.

مرات كثيرة نقف لنصلي لأن عندنا مشكلة ونريدها أن تحل. أو هناك مرض ونريد أن نشفى منه.

هذا الأب الكاهن الذي خدم في كندا روى لي أيضًا عن أحد الشباب الذي قال له: "يا أبونا عندما كنت في مصر كنا مضطهدين فكنت أصلي, ولكن في كندا لا يوجد اضطهاد أو متاعب وكل احتياجاتي موجودة فلماذا أصلي؟!". هذا الشاب أيضًا يظن أنه يصلي فقط إذا كان عنده مشكلة ليطلب من الرب أن يحل له المشكلة. فإذا لم يكن هناك مشكلة فلا داعي للصلاة. وهذا فهم خاطئ للصلاة.

مشكلتنا أننا نريد العطية ولا نريد العاطي. أقف أمام الله لأني أريد منه شيء ولا أريده هو شخصيًا. أريده أن يشفيني، أن ينجح أولادي، أن يسهل لي الدراسة، أن أجد الحزام كما قال هذا الطفل الصغير. بينما الصلاة ليست هكذا.

الصلاة إنسان يريد الله، يريد المسيح، يقول للرب: "يا رب أنا لا أريد شيئًا إلا أن صلاتي تدخل في حضرتك، لو ظللت طول حياتي أردد هذه الطلبة، فذلك يكفيني جدًا فأنا لا أريد شيئًا إلا أن أتكلم معك وكلامي يدخل إلى أذنيك ويكون لدي دالة عندك." فالصلاة ليست طلبات.

الصلاة تكون في أي مكان وفي أي وقت وبأي وضع. ففي أي وقت وأي مكان وبأي وضع ترفع قلبك لله بالصلاة تكون في حضرة الله. وسنتكلم عن ذلك من الكتاب المقدس فيما يلي:



الصلاة في أي مكان:

المسيح في حديثه مع السامرية قال لها "لاَ فِي هذَا الْجَبَلِ، وَلاَ فِي أُورُشَلِيمَ تَسْجُدُونَ لِلآبِ.... وَلكِنْ تَأْتِي سَاعَةٌ، وَهِيَ الآنَ، حِينَ السَّاجِدُونَ الْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِالرُّوحِ وَالْحَقِّ، لأَنَّ الآبَ طَالِبٌ مِثْلَ هؤُلاَءِ السَّاجِدِينَ لَهُ" (إنجيل يوحنا 4: 21 و23). أي الصلاة ليس لها مكان معين.

المسيح صلى في البراري، صلى في الجبل، صلى في البستان، في كل مكان.

الرسل أيضًا صلوا في أماكن مختلفة، فعندما نرجع إلى بولس الرسول في سفر الأعمال، نجده صلى عند الشاطئ، وفي الهيكل، وفي السجن صلى.



الصلاة في أي وقت:

وقد قال لنا السيد المسيح أيضًا: صلوا كل حين ولا تملوا. وذكر لنا في ذلك مثل قاضي الظلم. ونص الآيات: "وَقَالَ لَهُمْ أَيْضًا مَثَلًا فِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ" (إنجيل لوقا 18: 1). وكلمة "كل حين" تعني أنه يمكنني الصلاة في أي وقت. إذًا يمكن أن أصلي في أي وقت وفي أي مكان (أثناء سيري في الشارع، أو أثناء وجودي بالبيت، أو أثناء ذهابي أو مجيئي) والمسيح نفسه كان يفعل هذا.


المسيح قبل أن يأكل صلى ثم أخذ الخبز وكسر. أيضًا الإنجيل قال عن المسيح أنه أمضى الليل كله في الصلاة. وفي مرة أخرى قال أنه: "قام باكرًا جدًا ليصلي". وصلى وهو على الصليب في الساعة السادسة، و الساعة التاسعة وصلى ليلًا في البستان.



الصلاة في أي وضع:

المسيح في البستان إنطرح على الأرض وصلى. وإيليا النبي وضع رأسه بين ركبتيه وصلى في انسحاق شديد وكأنه يحاول أن يضع نفسه في الأرض. المسيح جثا على ركبتيه أي ركع. والمسيح أوصانا قائلًا "وَمَتَى وَقَفْتُمْ تُصَلُّونَ فَاغْفِرُوا.... لِكَيْ يَغْفِرَ لَكُمْ" (إنجيل مرقس 11: 25). داود النبي صلى وهو جالس ففي سفر صموئيل الثاني وأخبار أيام الأول ذَكر أن داود النبي صلى وهو جالس، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ونص الآيات: "فَدَخَلَ الْمَلِكُ دَاوُدُ وَجَلَسَ أَمَامَ الرَّبِّ وَقَالَ: «مَنْ أَنَا يَا سَيِّدِي الرَّبَّ؟ وَمَا هُوَ بَيْتِي حَتَّى أَوْصَلْتَنِي إِلَى ههُنَا؟" (سفر صموئيل الثاني 7: 18)، "فَدَخَلَ الْمَلِكُ دَاوُدُ وَجَلَسَ أَمَامَ الرَّبِّ وَقَالَ: «مَنْ أَنَا أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلهُ، وَمَاذَا بَيْتِي حَتَّى أَوْصَلْتَنِي إِلَى هُنَا؟" (سفر أخبار الأيام الأول 17: 16). إذًا يمكننا أن نصلى أثناء الجلوس في المواصلات مثلًا والله يسمع صلاتنا في كل وقت. فقول الرب: "صلوا في كل حين" وبما أننا لسنا واقفين طوال الوقت إذًا يمكن أن نصلي ونحن واقفين أو جالسين أو سائرين.



الصلاة في أي مكان لا تغني عن الوقوف أمام الله بخشوع في المخدع:

الله من محبته سمح لنا أن نصلى في أي مكان أو ونحن جالسين لأننا لا نستطيع أن نقف طوال الوقت، ولكن هذا لا يغنينا عن الوقوف أمام الله في المخدع، ففي احترام البنين لأبوهم السماوي نشعر بالخجل أن نصلى لله ونحن جالسين طالما ليس هناك ما يمنعنا من الوقوف. إذا كنا لا نستطيع أن نكلم مدير العمل ونحن جالسين فعلينا ألا نستهين بالله؟! فلنقف خشوعًا أمام الله في المخدع.


الصوت في الصلاة:

المسيح صرخ في البستان، فهناك أوقات يشعر فيها الإنسان بالرغبة في الصراخ، وكما قال بولس الرسول عن السيد المسيح "الَّذِي، فِي أَيَّامِ جَسَدِهِ، إِذْ قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طَلِبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَسُمِعَ لَهُ مِنْ أَجْلِ تَقْوَاهُ" (رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 5: 7).

من الممكن أيضًا أن أصلي بدون صوت خالص مثل حنة أم صموئيل، وممكن أصلي بتسبيح: "مُكَلِّمِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِمَزَامِيرَ وَتَسَابِيحَ وَأَغَانِيَّ رُوحِيَّةٍ، مُتَرَنِّمِينَ وَمُرَتِّلِينَ فِي قُلُوبِكُمْ لِلرَّبِّ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس 5: 19).كيف اشتاق لله؟ وكيف أتعلم أن تكون غاية صلاتي المثول أمام الله؟ ما هي الخطوات العملية للوصول لهذا.



علينا أن نتعلم كيف نصلي من الآباء الذين احترفوا الصلاة:

يا أحبائي إذا أردنا أن نتعلم الصلاة فلنرجع للآباء الذين كانت حرفتهم وصنعتهم ومهارتهم الصلاة. فالذي يريد أن يتعلم النجارة، لا ينفعه قراءة كتاب عن النجارة ولكن عليه أن يتعلمها من نجار.



تعاليم القديس ثيئوفان الناسك عن الصلاة:

كل ما سأكلمكم به في هذه العظة هو من تعاليم القديس ثيئوفان الناسك عن الصلاة. القديس ثيئوفان الناسك عاش في روسيا في القرن الـ18. وكان أسقفًا ثم ترك الأسقفية وذهب ليتوحد. وكتب لنا عن: كيف نصلي؟

في تعلمك الصلاة تكون كالمسافر في طريق لكي يصل إلى مدينة معينة، هذه المدينة تسمى مدينة الصلاة. وكما أن أثناء سفرك هناك محطات وعلامات تدلك على عدد الكيلومترات المتبقية لك، كذلك هناك ثلاث محطات رئيسية لتصل إلى مدينة الصلاة.درجات الصلاة طبقًا لتعاليم القديس ثيئوفان الناسك:

هناك ثلاثة درجات أو ثلاثة أنواع من الصلاة:

الدرجة الأولى من الصلاة: صلوات الترديد

الدرجة الثانية من الصلاة: الصلاة العقلية

الدرجة الثالثة من الصلاة: الصلاة الدائمة

وسنتكلم عن كل درجة من درجات الصلاة على حده فيما يلي.

"الدرجة الأولى من الصلاة: صلاة الترديد"

يقول القديس ثيئوفان الناسك أن أول درجة في الصلاة (بداية تعلم كيفية الصلاة) هي ترديد الصلوات. وهناك أيضًا 3 أنواع من صلوات الترديد:

1- ترديد صلوات الأجبية.

2- ترديد صلوات القداس.

3- ترديد صلوات القديسين.

وبترديد صلوات القديسين نكون قريبين جدًا منهم وتكون معونتهم قريبة لنا جدًا.


مصادر صلوات القديسين:

هناك مصدرين لصلوات القديسين: الكتاب المقدس وتاريخ الكنيسة.

الكتاب المقدس ذكر لنا صلوات لقديسين كثيرين: فالعهد القديم به 222 صلاة، والعهد الجديد به 131 صلاة.

كذلك الكثير من صلوات القديسين وصلت لنا عن طريق تاريخ الكنيسة. مثل صلوات القديس باسيليوس، وصلوات القديس مار افرآم السرياني وغيرهم من القديسين.



شروط صلوات الترديد طبقًا لتعاليم القديس ثيئوفان الناسك:

صلوات الترديد (صلوات الأجبية – صلوات القداس – صلوات القديسين) لها شرطين:

1- فهم كلمات الصلاة.

2- مشاعرنا أثناء الصلاة.



1- فهم كلمات الصلاة:

عليك أن تفهم ما تردده من صلوات. فلا تقل كلام دون أن تفهمه. لذلك بولس الرسول قال: أرتل بالفم وأرتل بالفهم أيضًا ونص الآية: "فَمَا هُوَ إِذًا؟ أُصَلِّي بِالرُّوحِ، وَأُصَلِّي بِالذِّهْنِ أَيْضًا. أُرَتِّلُ بِالرُّوحِ، وَأُرَتِّلُ بِالذِّهْنِ أَيْضًا" (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 14: 15). ويقول المزمور: رتلوا بفهم.

لذلك من النقاط الهامة أن تفتح كتاب الأجبية في غير أوقات الصلاة، وتتأمل في معاني الكلمات. لكي أثناء الصلاة ترددها بفهم. وكذلك في القداس.

2- مشاعرنا في الصلاة:


قال القديس ثيئوفان أن الشرط الآخر لترديد الصلوات هو مشاعري أثناء الصلاة. أي أكلم الرب من قلبي. فمثلًا عندما أقول: يا رب طهرني، "إنضح علي بزوفاك فأطهر" أكون شاعرًا بكل كياني أنني نجس وأنني غير قادر على التقدم أمام الله. أشعياء النبي قال: "وَيْلٌ لِي! إِنِّي هَلَكْتُ، لأَنِّي إِنْسَانٌ نَجِسُ الشَّفَتَيْنِ" (سفر إشعياء 6: 5)، ومع إحساسي بنجاستي يكون لدي رجاء كبير أن المسيح سيطهرني، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وعندئذ أشكر الرب من كل قلبي.

كذلك عندما أقول له: يا رب لتكن إرادتك يجب أن أقولها وكل فكري خاضع للرب. أنا يا رب تحت أمرك افعل بي ما شئت.



تداريب عملية على صلوات الترديد (صلوات الأجبية، والقداس، والقديسين):

1- القانون الروحي:

يجب أن يكون لديك قانون روحي ثابت متفق فيه مع أب اعترافك لا تحيد عنه، أي حد أدنى للصلاة بالأجبية وقراءة المزامير، و حد أدنى في عدد مرات حضور القداس في الأسبوع. ولا بد من الالتزام التام بهذا القانون الروحي. لا يخضع هذا القانون الروحي لتوافر وقت من عدمه. فهو قانون ثابت أستطيع أن أزيد عليه ولكن لا أقل عنه أبدًا.



2- ركن الصلاة:

احرص أن يكون لديك في البيت ركن خاص للصلاة، تضع فيه أمامك صورة للصلبوت أو للعذراء والدة الإله. هذا يساعد على تجميع المشاعر أثناء الصلاة.



3- طريقة الصلاة:

صلي بهدوء وبدون تسرع، وصلي بصوت خفيض مسموع، ورتل أثناء تلاوة الصلوات. فالترتيل يلهب المشاعر.



4- إعداد النفس للصلاة:

عد نفسك للصلاة بأن تضع في ذهنك أنك ستقف في حضرة الله (رب الجنود) الذي يستر الملائكة أنفسهم أثناء الوقوف أمامه (يغطون وجوههم وأرجلهم)، فلا بد أن أقف أمامه بخشوع، وأضع في قلبي هذا الخشوع.

أيضًا قف لعدة دقائق قبل الصلاة لتهدئة نفسك من إزعاج العالم، فإذا ترك كوب الماء المعكر بالرمل قليلًا دون حركة، سيركد الرمل في القاع وتصفوا المياه. ويمكن أن تستغل هذه الدقائق في ترديد ترتيلة أو قراءة جزء بسيط من كتاب روحي فتهدأ النفس وتستفيد بالصلاة.



نصائح القديس ثيئوفان الناسك لنا أثناء ترديد الصلوات:

* ينصحنا القديس ثيئوفان الناسك بأن نحفظ كلام الصلاة الذي نردده. فمن الجيد في بداية تعلمنا الصلاة أن نقرأ في الأجبية، هذا يساعد على تجميع الحواس لأن العين تقرأ، والفم يردد، والأذن تسمع، فنكتسب من ذلك التركيز في الصلاة. ولكن عندما نتقدم في هذه الجزئية، يكون من الأفضل أن نغمض أعيننا ونردد ما نكون قد حفظناه من صلوات فهذا يعطينا عمق أكثر في الصلاة.

* أيضًا ينصحنا ثيئوفان الناسك أن تتذوق ما تقوله من كلام. فعندما تجد آية معينة جذبتك (شدت قلبك) قف عندها، واشبع من الفكر الذي يعطيه إليك الروح في هذه الآية، اسرح فيه وتأمل وتلذذ به كمن يضع قطعة حلوى في فمه ويحاول أن يستطعمها ببطيء، إلى أن تشعر بتمام الشبع من هذا الفكر عندئذ انتقل للجملة التي تليها.

هذا قد يحدث وأنت تصلي بالأجبية أو أثناء حضورك القداس أو أثناء القراءات التي تسبق القداس. فقد تجذبك أثناء القداس آية معينة تظل تفكر فيها وتتأمل حتى نهاية القداس. لأن أثناء تأملك في هذه الآية سيعطيك الروح شيء معين أنت تحتاجه.

* أيضًا بعد الصلاة قف لبضع دقائق حتى تشعر أنك شبعت من الصلاة.

نحن نضيع أوقات ودقائق كثيرة بلا فائدة. الأوقات التي نضيعها في العالم أوقات ضائعة لن تستفيد بها، ولكن وقت الصلاة هو وقت محسوب لك في السماء لا يضيع أجره فلا تبخل على وقت الصلاة.



أسباب السرحان في الصلاة ونصائح لتجنبها:

قال القديس ثيئوفان الناسك أن مشكلة هذا النوع من الصلوات -صلوات الترديد- هو السرحان. وقد ذكر لنا بعض أسباب السرحان حتى نتفاداها ومنها:

1- امتلاء البطن

2- كثرة الهموم

فقد يكون السرحان نتيجة كثرة الهموم أو انشغال الذهن بشيء معين. ففي هذه الحالة أطلب من الرب أن يحمل عنك هذا الحمل الذي يثقل كاهلك. كل فكر يأتي إليك أثناء الصلاة ارفعه إلى الله.

فمثلًا إذا كنت تحمل هم أولادك، قل له يا رب هؤلاء أولادك دبر حياتهم، وإذا كنت تحمل هم عملك فأطلب من الرب أن يعطيك حكمة ونعمة في أعين من حولك. كل فكر يأتيك في الصلاة القي به على الرب.

3- تعب الجسد

أيضًا من أسباب السرحان في الصلاة تعب الجسد. فإذا كنت مجهد لن يكون لديك طاقة للصلاة ولن تستطيع التركيز في الصلاة.

أبونا بيشوي كامل في أيامه الأخيرة عندما اشتد عليه المرض، كان يقول: الذي يحزنني أن الآلام جعلتني غير قادر على التركيز في الصلاة.

فأعطي للرب أحسن أوقاتك ولا تنتظر حتى تصبح متعب وغير قادر على الصلاة.

* أيضًا ينصحنا القديس ثيئوفان الناسك إذا سرحنا أوقات الصلاة أن نرجع إلى الجملة التي سرحنا عندها ونعيد قراءة الجزء الذي لا نتذكر أننا قلناه. أيضًا نصحنا أن نقول قدر معين من الصلوات ولو قدر قليل بفهم وتركيز أفضل من ترديد صلوات كثيرة بدون تركيز.

هذه هي المحطة الأولى وقد أطلت في الكلام عنها لأنها تهم معظمنا. وسنمر على المراحل الأخرى أيضًا لأنها ضرورية.
درجة الثانية من الصلاة: هي الصلاة العقلية

ترديد الصلوات (الأجبية – القداس – صلوات القديسين) يقودنا للدرجة الثانية من الصلاة وهي الصلاة العقلية.

فتعلم الصلاة كتعليم اللغة فالذي يتعلم اللغة عليه أن يحفظ بعض الكلمات، ثم عن طريق حفظ الكلمات يستطيع أن يركب بعض الجمل، فترديد الصلاة كأنك تحفظ كلمات والدرجة الثانية هي تكوين الجمل أو الصلاة العقلية حيث يكون لديك القدرة أن تتحدث مع الله بما بداخلك.

إذا صليت صباحًا وليلًا فقط ستكون طوال اليوم بعيد عن المسيح، وقد يأتي الليل فيكون تركيزك ضعيف وغير قادر على الصلاة. لذلك يقول القديسين أن الذي يصلي في أوقات الصلاة فقط فهو لا يصلي. فأثناء النهار هناك نوع آخر من الصلوات هي الصلاة العقلية لا بد أن تمارسه حتى تستطيع أن تقف للصلاة في الليل.


ثلاثة أنواع من الصلاة العقلية:

1- الصلاة السهمية

2- تمجيد الله في أعمال اليوم

3- التأمل في صفات الله



1- الصلاة السهمية:

طلبة صغيرة من القلب تعبر عن الحالة التي أنت فيها أو الظرف الذي تمر به. وسميت سهمية لأن السهم يصيب الفريسة بسرعة. ففي أثناء النهار ارفع قلبك لله بإحساس الوقت الذي أنت فيه.

أحيانًا وأنا أسير في الشارع تتصارع الأفكار في ذهني بطريقة مزعجة (دوشة شديدة جدًا) فأردد من قلبي قائلًا: "أَخْرِجْ مِنَ الْحَبْسِ نَفْسِي" (سفر المزامير 142: 7) حيث أشعر أن الأفكار حبستني فأطلب من الرب أن يخرجني منها. وأحيانًا عيني تقع على منظر يسيئني فأقول له: "يا رب أردد عيني لئلا أعاين الأباطيل" أي أكلم الله بما أشعر به في نفس اللحظة. وهناك طلبات أخرى صغيرة أعبر بها عما بداخلي مثل: يا رب سامحني، يا رب ارحمني. المهم أن تكلم الله من قلبك. وتجعل هذه الصلوات على فمك طوال اليوم. وإذا لم يكن في ذهنك شيء معين ردد صلاة يسوع: "يا رب يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطي" أو "اللهم التفت إلى معونتي".



أو إذا وجدت نفسك بدأت تسير في طريق خطأ قل: يا ربي أرددني إلى طريقك (رجعني يا رب لا تتركني أكمل في هذا الطريق السيئ).

هذه صرخات على مدار اليوم.



2- صلاة تمجيد الله:

تدريب:

اتخذ لك هذا التدريب في حياتك: قبل أن تبدأ أي عمل كلم الرب قائلًا: "يا ربي مجد هذا العمل، اجعله لمجد اسمك، وبارك".

يقولون عن أبونا ميخائيل إبراهيم أنه كان بمجرد أن يصل مكتبه في الصباح كان يرشم الصليب على الدوسيهات ويقول: "يا رب بارك العمل" وبعد أن ينتهي يضع الدوسيهات ويرشم الصليب ويقول له: "يا رب اجعل العمل الذي عُمل اليوم لمجد اسمك".

جرب هذا التدريب، قبل أن تضع يدك في أي شيء قل: "يا رب بارك" وبعد أن تنتهي من العمل قل: "يا رب اجعل هذا العمل لمجد اسمك".

قبل أن تأكل قل: "يا رب كثر خيرك أنك أعطيتني لآكل بينما هناك من لا يجدون الطعام".

وعندما ترتدي ملابسك في الصباح قل: "كثر خيرك يا رب هناك من ليس لديه ملابس". وهناك آية جميلة في الكتاب المقدس عن ذلك: "فَإِذَا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ أَوْ تَشْرَبُونَ أَوْ تَفْعَلُونَ شَيْئًا، فَافْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ لِمَجْدِ اللهِ" (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 10: 31). درب نفسك أن تمجد الله في أعمال اليوم.



3- التأمل في صفات الله أثناء اليوم:

تأمل إبداع الله في الطبيعة وتأمل في كل ما حولك، وكلما تقع عينك على شيء تذكر السماء، ك. قد يأخذ هذا لحظات ولكن هذه اللحظات ستجعل قلبك يلتهب بحب الله.

كمثال: تأمل جمال الطبيعة في الطريق أثناء سفرك مثلًا أو عندما تنظر حركة الناس في الشوارع والعربات تأمل في قدرة الله الذي يضبط كل هؤلاء ويرعاهم.

فهذه وصية المسيح الذي قال: تأملوا طيور السماء وزنابق الحقل.

أحد الآباء في الدير قال كلمة لطيفة: كان هناك بئر ماء وهناك طبق يتجمع فيه الماء فجاءت عصفورة ومدت رأسها في المياه وأخذت نقطتين ثم رفعت رأسها لتبلع الماء. فعندما رأى هذا الأب ذلك المنظر قال: المسيحي يفعل مثل هذه العصفورة -كل حاجة يحولها للسماء- عندما يفتح الإنجيل ليأخذ آية ثم يرفع رأسه للسماء ويتأمل في جمال هذه الآية (يهز في الآية).



الخلاصة:

تكلمنا عن أنواع الصلاة:

أول نوع: ترديد الصلوات (أجبية – وقداس – وصلوات القديسين) وهذه تكون صباحًا وليلًا.

النوع الثاني: أثناء النهار هناك نوع آخر من الصلاة لا بد أن تمارسه، وهو الصلاة العقلية وهي أن أناجي اسم يسوع طوال اليوم، وأطلب طلبات تتناسب مع حالتي، أي عمل أقوم به أرشم عليه الصليب وأعمله لمجد المسيح. أي شيء عيني تقع عليه أجعله يربطني بالسماء. اجلس واسرح في صفات الله. القديس أوغسطينوس كلم الرب في مرة قائلًا: "دعني أتحدث إلى رأفاتك" كلمة جميلة تدل على مدى تأمله في رحمة الله.
الدرجة الثالثة: الصلاة الدائمة



قال القديس ثيئوفان الناسك أن النوع الثالث من الصلاة أو الدرجة الثالثة هي الصلاة الدائمة وهي الصلاة الحقيقية، حيث يكون القلب طوال النهار مع الله، وهذه عطية الله يعطيها إلينا. فالنوع الأول والثاني تدريب لكي نصل إلى الصلاة الدائمة.

قال القديسين مثل رجل يريد أن يشعل نار ففي بداية الأمر تتعب عينيه من الفحم وتدمع وعندما تشتعل النار يبدأ يتدفأ بها. ففي النوع الأول والثاني نكون كمثل من يسخن الفحم، وبعد أن نتخطى هاتين المرحلتين نصل إلى دفئ الصلاة وستعرفها عندما تجربها. ولا تظن أن هذا مستوى عالي، بل هي للعامة للكل. ولكن تحتاج إلى اجتهاد وإصرار الإنسان في أول نوعين.

ويقول القديس ثيئوفان الناسك أن الصلاة الدائمة (دفئ الصلاة) مثل القديس أبو مقار الذي كان يصلي باليومين والثلاثة. فهذا القديس أيضًا بدأ بترديد الصلاة ثم الصلاة السهمية أو العقلية ثم وصل إلى هذه الدرجة.

اجتهد في أول نوعين والرب سيعطيك الثالثة عطية، ولكن هذه الدرجة تحتاج لمن لديه رغبة وأمنيته أن يكون رجل صلاة. فوصية الرب لنا: أن نصلى كل حين ولا نمل


صلاة:

ربنا يا أحبائي الذي أوصانا أن نصلى كل حين ولا نمل -نص الآية: "يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ" (إنجيل لوقا 18: 1)- يرسل لنا روحه القدوس في كل لحظة يشفع فينا بأنات لا ينطق بها ولإلهنا المجد دائمًا أبديًا. آمين.

 
أعلى