14 عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى
الطبري
حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا يعقوب، عن حفص بن حميد، عن شمر، قال: جاء ابن عباس إلى كعب الأحبار، فقال له: حدثني عن قول الله: { عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى عِنْدَها جَنَّةُ المَأْوَى } فقال كعب: إنها سدرة في أصل العرش، إليها ينتهي علم كلّ عالم، مَلك مقرّب، أو نبيّ مرسل، ما خلفها غيب، لا يعلمه إلا الله.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال أخبرني جرير بن حازم، عن الأعمش، عن شمر بن عطية، عن هلال بن يساف، قال: سأل ابن عباس كعباً، عن سدرة المنتهى وأنا حاضر، فقال كعب: إنها سدرة على رؤوس حملة العرش، وإليها ينتهي علم الخلائق، ثم ليس لأحد وراءها علم، ولذلك سميت سدرة المنتهى، لانتهاء العلم إليها.
وقال آخرون: قيل لها سدرة المنتهى، لأنها ينتهي ما يهبط من فوقها، ويصعد من تحتها من أمر الله إليها. ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا سهل بن عامر، قال: ثنا مالك، عن الزُّبير، عن عديّ، عن طلحة اليامي، عن مرّة، عن عبد الله، قال: لما أُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة، إليها ينتهي من يعرج من الأرض أو من تحتها، فيقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط من فوقها، فيقبض فيها.
حدثني جعفر بن محمد المروزي، قال: ثنا يعلى، عن الأجلح، قال: قلت للضحاك: لم تسمى سدرة المنتهى؟ قال: لأنه ينتهي إليها كلّ شيء من أمر الله لا يعدوها.
{ عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى }: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " رُفِعَتْ لي سِدْرَةٌ مُنْتَهاها فِي السَّماءِ السَّابِعَةِ، نَبْقُها مِثْلُ قِلالِ هَجَرٍ، وَوَرَقُها مِثْلُ آذانِ الفِيلَةِ، يَخْرُجُ مِنْ ساقِها نَهْرَانِ ظاهِران، وَنهْرانِ باطِنانِ " قال: " قُلْتُ لِجْبِريلَ ما هَذَان النَّهْرَانِ أرْوَاحٌ " قال: أمَّا النَّهْرَانِ الباطِنانِ، فَفِي الجَنَّة، وأمَّا النَّهْرَانِ الظَّاهِرَانِ: فالنِّيلُ والفُراتُ.
ابن كثير
سَمِعْت اِبْن مَسْعُود يَقُول قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَأَيْت جِبْرِيل عَلَى سِدْرَة الْمُنْتَهَى وَلَهُ سِتّمِائَةِ جَنَاح " سَأَلْت عَاصِمًا عَنْ الْأَجْنِحَة فَأَبَى أَنْ يُخْبِرَنِي قَالَ فَأَخْبَرَنِي بَعْض أَصْحَابه أَنَّ الْجَنَاح مَا بَيْن الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب وَهَذَا أَيْضًا إِسْنَاد جَيِّد
15 عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىالطبري
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: { عِنْدَها جَنَّةُ المأْوَى } قال: هي يمين العرش، وهي منزل الشهداء.
ابن كثير
"عِنْدهَا جَنَّة الْمَأْوَى" تَأْوِي إلَيْهَا الْمَلَائِكَة وَأَرْوَاح الشُّهَدَاء الْمُتَّقِينَ
16 إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى
لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِنْتَهَى إِلَى السِّدْرَة فَقِيلَ لَهُ إِنَّ هَذِهِ السِّدْرَة فَغَشِيَهَا نُور الْخَلَّاق وَغَشِيَتْهَا الْمَلَائِكَة مِثْل الْغِرْبَان حِين يَقَعْنَ عَلَى الشَّجَر
17 مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى
الطبري
حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب القرظي { ما زَاغَ البَصَرُ وَما طَغَى } قال رأى جبرائيل في صورة الملَك.
ابن كثير
: رَأَى جَنَّة الْمَأْوَى وَمَا فَوْقهَا
لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى
الطبري
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { لَقَدْ رأَى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الكُبْرَى } قال: جبريل رآه في خلقه الذي يكون به في السموات، قدر قوسين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما بينه وبينه.
ابن كثير
عَنْ اِبْن مَسْعُود أَنَّهُ قَالَ إِنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَرَ جِبْرِيل فِي صُورَته إِلَّا مَرَّتَيْنِ أَمَّا مَرَّة فَإِنَّهُ سَأَلَهُ أَنْ يُرِيَهُ فِي صُورَته فَأَرَاهُ صُورَتَهُ فَسَدَّ الْأُفُق وَأَمَّا الْأُخْرَى فَإِنَّهُ صَعِدَ مَعَهُ حِين صَعِدَ بِهِ وَقَوْله " وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَاب قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْده مَا أَوْحَى " فَلَمَّا أَخْبَرَ جِبْرِيل رَبّه عَزَّ وَجَلَّ عَادَ فِي صُورَته وَسَجَدَ فَقَوْله " وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَة أُخْرَى عِنْد سِدْرَة الْمُنْتَهَى عِنْدهَا جَنَّة الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَة مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَر وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَات رَبّه الْكُبْرَى " قَالَ خَلْق جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام
{ أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ} * { وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ} * { أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنْثَىٰ} * { تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ}
الطبري
يقول تعالى ذكره: أفرأيتم أيها المشركون اللاّت، وهي من الله ألحقت فيه التاء فأنثت، كما قيل عمرو للذكر، وللأنثى عمرة وكما قيل للذكر عباس، ثم قيل للأنثى عباسة، فكذلك سمى المشركون أوثانهم بأسماء الله تعالى ذكره، وتقدّست أسماؤه، فقالوا من الله اللات، ومن العزيز العُزَّى وزعموا أنهن بنات الله، تعالى الله عما يقولون وافتروا، فقال جلّ ثناؤه لهم: أفرأيتم أيها الزاعمون أن اللات والعُزَّى ومناة الثالثة بناتُ الله { ألَكُمُ الذَّكَرُ } يقول: أتختارون لأنفسكم الذكرَ من الأولاد، وتكرهون لها الأنثى، وتجعلون { لَهُ الأُنْثَى } التي لا ترضونها لأنفسكم، ولكنكم تقتلونها كراهة منكم لهنّ.
وكان بعض نحوّييِّ الكوفة يقف على اللات بالهاء «أفَرأيْتُمُ اللاَّة»
وقوله: { ألَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى } يقول: أتزعمون أن لكم الذكر الذي ترضونه، ولله الأنثى التي لا ترضونها لأنفسكم { تِلكَ إذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى } يقول جلّ ثناؤه: قسمتكم هذه قسمة جائرة غير مستوية، ناقصة غير تامة، لأنكم جعلتم لربكم من الولد ما تكرهون لأنفسكم، وآثرتم أنفسكم بما ترضونه، والعرب تقول: ضِزته حقه بكسر الضاد، وضُزته بضمها فأنا أضيزه وأضوزه، وذلك إذا نقصته حقه ومنعته