مذاقة الملكوت علي الأرض

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,327
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus

مذاقة الملكوت علي الأرض
من
كتاب الحياة الأبدية - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا


الحقيقة أن التخويف والتهديد لا يكفي للتوبة، وربما تسببت كثرة الحديث عن العذاب والانتقام والموقف الرهيب في الدينونة إلي نوع من اللامبالاة مع الوقت وربما العناد والتحدي، وربما الاعتياد علي ذلك الحديث ليصبح غير ذي جدوى. ومن الأفضل السعي في جعل الحياة الأبدية ممتدة إلي هذا العالم! لا ننظر إليها باعتبارها حياة قادمة فقط، فمتى شبع الإنسان بالمسيح من خلال جسده ودمه وكلمته وعمل الخير وحب الصلاح، أفقده ذلك الشهية لأي خطية وعمل شرير وهو ما يمكن أن نسميه بـ "الجهاد الإيجابي"

إن الموت لا يفصل بين حياة وحياة، ولكنه نقطة باهته علي الخط الذي يربط بين الزمني واللانهائي، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. أنها حياة واحدة متصلة، والله هو الهدف المشترك بين الحياتين، فإن لم يكن الله هو مصدر الراحة والفرح هنا وهناك، فإن الشر والشيطان هما القاسم المشترك بين الحياة الشريرة هنا والنار الأبدية الآتية بلا ريب.

وعندما يستعد إنسان للسفر إلي بلد آخر يستقر فيه، فإنه يسأل عن أحواله، ولغته وطقسه وطبائع سكانه مع عاداتهم وتقاليدهم، ومن هنا فإنه يقرأ عنه كثيرًا ويحاول التقابل مع كثيرين من سكان ذلك المكان وهو ما يزال في بلده، ثم يفحص خريطته، إلي غير ذلك من الإجراءات التي تُسَهل عليه ذلك وتجعله أهلًا للسكني هناك.

لقد كان أول انفتاح للسماء علي الأرض في العهد الجديد، هو تسبحة الملائكة الذين ظهروا عند ميلاد السيد المسيح قائلين "المجد لله في الأعالي وعلي الأرض السلام وبالناس المسرة" كما أن حادثة التجلي لم تكن سوي انفتاح -لدقائق- علي الملكوت لأناس يحتاجون إلي تعزية وتشجيع، ذلك قبل أن يدخلوا في معصرة الآلام والشكوك والاضطهادات، ثم انفتاحها أمام اسطفانوس الشهيد ليري أين الإنسان جالسًا عن يمين العظمة، وهكذا الرؤي الروحية والأحلام التي يسمح بها الله لبعض من أولاده كقبس من ذلك النور الأسني، كعربون للمجد الآتي ولتخرج به قليلًا من دائرة الحياة الفانية إلي تلك الباقية البهيَة.

لقد عاش الآباء حياتهم كلها وهم يفكرون بهذا الأمر يجاهدون بفرح ثم يزدادون جهادًا ويبحثون عن الأتعاب حتى يصبح لهم الجهاد لذة، يتحسبون ليوم خروج الروح من الجسد وليوم الدينونة وللنطق بالحكم، ويُسبون بالمجد الأبدي فتنحل عنهم روابط هذا الجسد وهذه الحياة، ونُسبح في كل ليلة قائلين "طوبي للإنسان الذي ترك عنه هذا العمر واهتماماته المملوءة تعبًا... ويلصق قلبه وعقله باسم الخلاص الذي لربنا يسوع المسيح" (إبصالية الجمعة).


قال القديس مقاريوس:

"طول الروح هو الصبر. والصبر هو الغلبة. والغلبة هي الحياة. والحياة هي الملكوت. والملكوت هو الله"
 
أعلى