مدخل إلى علم الآباء
بقلم : دكتور جوزيف موريس فلتس - أ. جورج عوض
مقدمة
آباء الكنيسة هم الذين ساهموا منذ العصور الأولى للمسيحية فى تحديد مضمون الإيمان وصياغته وشرحه حتى استقر الإطار الذى أجمعت عليه الكنيسة فى مجامعها المسكونية حتى نهاية القرن الخامسالميلادى.
وآباء الكنيسة هم الذين حفظوا هذا الإيمان الذى تسلمته الكنيسة من الرب نفسه والذى كرز به الرسل كما يعبر القديس أثناسيوس قائلا :الإيمان أعطاه الرب ... كرز به الرسل ...حفظه الآباء
ونظرًا لهذه المكانة العظيمة للآباء فى حفظ الإيمان، وأهمية كتاباتهم كمصدر للعقيدة المستقيمة، فقد اهتمت الكنيسة بتعريف أبنائها بهذا التراث الغنى .
وفى هذا الإطار نظمت أسقفية الشباب ضمن دورات الدراسة الصيفية - دورة دراسية خاصة عن آباء
الكنيسة.
وهذا الكتيب يشمل، نصوص المحاضرات التى تقدم فى هذه الدورة والتى يقوم بتدريسها أبناء الكنيسة
المتخصصون فى هذا العلم، الباحثون بالمركز الأرثوذكسي لدراسات الآباء بالقاهرة ، كما يتضمن نصوصا للآباء ، معلمى الكنيسة الكبار، تتناول تعاليمهم فيما يخص بألوهية الابن ، وألوهية الروح القدس ، وطبيعة السيد المسيح .
الرب قادر أن يستخدم هذه المحاضرات لمجد اسمه القدوس ولنشر فكر وتعاليم الآباء الكبار، بصلوات أبينا المحبوب قداسة البابا شنودة الثالث
راعى النهضة الآبائية الحديثة فى الكنيسة وشريكيه فى الخدمة الرسولية الحبرين الجليلين الأنبا موسى والأنبا رافائيل اللذين يشجعان كل محاولة تبذل ليعم المنهج الآبائى بين الشباب.
وللثالوث الأقدس الآب والابن والروح القدس المجد والإكرام من الآن وإلى الأبد.
دكتوراه فى العلوم اللاهوتية
باحث بالمركز الأرثوذكسى لدراسات الآباء
بالقاهرة
أولاً : من هم الآباء :
جرت العادة منذ وقت قديم جدًا على تسمية معلّمى الكنيسة ومؤلفى الكتابات المسيحية الأولى باسم " آباء الكنيسة " . وفى الأزمنة القديمة كانت تطلق كلمة أب على "المعلم". ففى الاستعمال الكتابى وفى العصر المسيحى الأول يعتبر المعلّمون هم آباء لتلاميذهم. فمثلاً يقول الرسول بولس: " لأنه وإن كان لكم ربوات من المرشدين فى المسيح لكن ليس لكم آباء كثيرون . لأنى أنا ولدتكم فى المسيح يسوع بالإنجيل " (1كو15:4) . والقديس إيرينيئوس Ireneus أسقف ليون فى القرن الثانى يعلن [حينما يتعلم شخص من فم شخص آخر فإنه يسمى ابنًا للذى علّمه والذى علّمه يدعى أباه] . ويقول كليمندس الأسكندرى (150ـ210م): [ الكلمات هى ذرية النفس . ولذلك فإننا ندعو الذين علمونا، آباء لنا ... وكل من يتعلم هو من جهة الخضوع ابن لمعلمه ] .
وفى العصر المسيحى الأول كانت وظيفة التعليم خاصة بالأسقف . لذلك فهو أطلق عليه لقب "أب" فى البداية. ولكن الصراعات العقائدية فى القرن الرابع أحدثت تطورًا فى استعمال لقب "أب"، فصار استعمال لقب "أب " أكثر شمولاً واتساعًا ، إذ امتد ليشمل كل الكُتّاب الكنسيين مهما كانت درجتهم الكنسية. ماداموا يمثلون تقليد الكنيسة الحى ويعبّرون عنه. فأغسطينوس مثلاً يعتبر جيروم شاهدًا للتقليد رغم أن الأخير لم يكن أسقفا .
فالآباء هم المعلّمون الذين ساهموا فى تحديد مضمون الإيمان أو فى صياغته أو شرحه ، حيث المقصود بالإيمان ليس هو العقيدة فقط ولكن التقليد الذى استلمته الكنيسة من الرسل وما يعبر عنه القديس يهوذا فى رسالته بعبارة " الإيمان المُسلّم مرة للقديسين " (يهو3) . وهو يشمل :
الإيمان بالمسيح ابن الله وكل العقائد المتصلة به وبالخلاص الذى تممه بالصليب والقيامة ، كما يشمل عبادة الكنيسة فى الليتورجيات وخاصة ليتورجيا الإفخارستيا كما يشمل الحياة المسيحية الروحية الشخصية والجماعية والسلوك المسيحى .
فالحياة المسيحية هى أصلاً حياة تسلّم تسليمًا . وهذا التسليم هو التقليد بكل جوانبه العقائدية والليتورجية والروحية . فآباء الكنيسة هم معلمو الإيمان والعقيدة والحياة الروحية فى القرون الخمسة الأولى سواء كانوا أساقفة أم من غير الأساقفة أو حتى من المؤمنين العاديين الذين ساهموا فى تحديد مضمون وصياغة وشرح الإيمان حتى استقر فى الإطار الذى أجمعت عليه الكنيسة فى مجامعها المسكونية حتى المجمع المسكونى الثالث المنعقد فى أفسس سنة 431 م .
ويطلق فنسنت من ليرنز (Vincent of Lerins) ببلاد الغال (فرنسا) فى مذكراته (Commonitory) سنة 434م ، لقب " أب " على كل معلمى الكنيسة فى القرون الأولى بدون تمييز بينهم بسبب الدرجة الكهنوتية فيقول:
" لو أثير سؤال جديد لم يكن قد اتُخذ قرار بشأنه قبل ذلك ، فينبغى عندئذ الرجوع إلى أراء الآباء القديسين وعلى الأقل إلى أراء أولئك الآباء الذين ـ كل واحد منهم فى زمانه ومكانه الخاص ـ كانوا مقبولين كمعلمين يحظون بالاعتراف العام من الجميع بسبب أنهم ظلوا فى وحدة الشركة والإيمان. وكل ما وُجدَ أن هؤلاء الآباء قد علّموا به ، بفكر واحد واتفاق تام ، فهذا ينبغى أن يُحسب أنه التعليم الحقيقى الجامع للكنيسة ، بدون أى شك أو تردد " (فصل29) ـ " ولا ينبغى لمن يَخلِفونهم أن يؤمنوا بأى شئ سوى ما أجمع عليه القدماء من الآباء القديسين فى " المسيح " (فصل33) . وهو يرجع هذا المبدأ إلى الآباء القديسين الذين اجتمعوا فى مجمع أفسس المسكونى سنة 431. هذا المبدأ يبين الأهمية التى سبق أن أُعطيت لوجود " برهان من الآباء " لصحة أى تعليم.
وقد جرى العرف على ضرورة توفّر أربع صفات فيمن يعتبرون " آباء الكنيسة " وهى
1 ـ أرثوذكسية العقيدة .
2 ـ قداسة الحياة
3 ـ قبول الكنيسة لهم
4 ـ القِدَمِية
أى أن يكون من آباء القرون الستة الأولى، وذلك حسب إيمان الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وشقيقاتها ـ الكنائس الشرقية الأرثوذكسية (السريانية والأرمنية والأثيوبية والهندية .. إلخ) .
أما بقية الكُتاب اللاهوتيين فى كل العصور فيطلق عليهم لقب " الكُتّاب الكنسيين " وهو تعبير نحته القديس جيروم (ايرونيموس) فى أواخر القرن الرابع فى كتابه مشاهير الرجال .
تعتبر الكنيسة القبطية الأرثوذكسية خمسة من الآباء أنهم آباء مسكونيين عظام وهم القديس أثناسيوس الرسولى والقديس كيرلس الأسكندرى (عمود الدين) والقديس باسيليوس الكبير والقديس غريغوريوس النزينزى (الناطق بالإلهيات) والقديس يوحنا ذهبى الفم. والكنيسة اليونانية تكرّم القديسين باسيليوس الكبير وغريغوريوس النزينزى ويوحنا ذهبى الفم باعتبار أن الثلاثة هم " المعلمون المسكونيون العظام " وتكرم معهم أيضًا القديس أثناسيوس . وكنيسة روما تعتبر أمبروسيوس وجيروم (إيرونيموس) وأغسطينوس وغريغوريوس الكبير أنهم "الآباء الأربعة العظام" فى الغرب. وفى الشرق تعتبر أن باسيليوس الكبير وغريغوريوس النزينزى ويوحنا ذهبى الفم (آباء الكنيسة اليونانية) هم " المسكونيين العظام " وتضيف إليهم القديس أثناسيوس الرسولى .
صفة القِدَمِية :
والصفة الرابعة ، صفة القدمية لا تعنى مجرد قِدَمِية زمنية بل قدمية تقوم على الشهادة للإيمان المُسلم من الرسل . وهذه الشهادة للإيمان الرسولى لا تتوفر لكل الكُتّاب الكنسيين الذين جاءوا بعد عصر تحديد وصياغة مضمون العقيدة المسيحية المستقيمة ، فيما يتعلق بالإيمان بالثالوث القدوس الآب والابن والروح القدس وتساوى الأقانيم فى الجوهر ، والإيمان بعمل الله الخلاصى بتجسد الابن الوحيد وفدائه لنا ، والإيمان بطبيعة المسيح الابن المتجسد (اتحاد اللاهوت بالناسوت)، وكذلك الإيمان بألوهية الروح القدس. وصياغة العقيدة هذه هى التى ألهم بها الروح القدس الآباء معلمى العقيدة فى المجامع المسكونية الثلاث الأولى نيقية (325م) والقسطنطينية (381م) وأفسس (431م) .
ولذلك فإن الكنيسة فى تحليل الخدام لكى تدخل إلى الله فى عبادة القداس الإلهى التى تستلزم شركة الإيمان الواحد مع الرسل والآباء، تأخذ الحل من الرسل الاثنى عشر ومن فم القديس مرقس الرسول، ومن الآباء القديسين معلمى العقيدة البطريرك ساويرس، والبابا أثناسيوس الرسولى، ومعلمنا ديوسقورس، وبطرس رئيس الكهنة والشهيد، ويوحنا ذهبى الفم، وكيرلس (الأسكندرى) وباسيليوس وغريغوريوس، ومن أفواه آباء مجمع نيقية (الـ318) وآباء مجمع القسطنطينية (الـ150) وآباء مجمع أفسس (الـ200)، ومن فم بابا الأسكندرية ومن فم الكاهن الذى يصلى التحليل .
ولا تُذكر فى هذا التحليل أية أسماء أخرى سواء من آباء البرية القديسين مثل القديسين الأنبا أنطونيوس والأنبا مقار أب برية شيهيت وغيرهم من القديسين فى العصور المختلفة أو الآباء الذين لهم كتابات بعد القديس ساويرس بطريرك إنطاكية فى الربع الأول من القرن السادس ، وذلك رغم قداستهم المشهود لها فى الكنيسة . بينما فى مجمع القداس الذى يُصلى قبل الترحيم تذكر الكنيسة بالإضافة إلى هؤلاء الآباء عددًا كبيرًا من القديسين. فالآباء الذى تأخذ الحل ـ فى تحليل الخدام ـ منهم هم الآباء شهود الإيمان الذين حفظوا العقيدة سليمة ودافعوا عنها أو اشتركوا فى صياغتها كما ذكرنا ، وهؤلاء لهم تميزهم الخاص ويأتون بعد الرسل القديسين مباشرة فى تسليم الإيمان وحفظه والشهادة له كما يقول القديس أثناسيوس : " ... الإيمان الذى هو من البداية والذى أعطاه الرب وكرز به الرسل وحفظه الآباء " . والمسألة هنا ليست مسألة قداسة أو خبرة روحية فقط ، فلو كان الأمر كذلك لكانت والدة الإله العذراء القديسة مريم ، هى أجدر من جميع الرسل والآباء بأن تُذكر فى تحليل الخدام .
التمييز بين الآباء معلمى العقيدة وبين الكُتّاب الكنسيين :
وهذا يجعلنا نميز بين " آباء الكنيسة " معلّمى الإيمان الذين حفظوا العقيدة سليمة وهم امتداد للرسل القديسين والذين قاموا بتوصيل إيمان الرسل إلى الكنائس وقاموا بشرحه وبتثبيته وقاموا أحيانًا بصياغة تحديدات للعقيدة تضمن سلامة الإيمان الرسولى من التحريف وحفظ المؤمنين من الوقوع فى فخاخ الهرطقات ، نعم نميز بين هؤلاء الآباء الذين اعتُمدت كتاباتهم كمصدر للتعليم ، وبين غيرهم من الآباء أو الكُتّاب الكنسيين ، سواء كانوا من الشيوخ الروحيين آباء البرية القديسين ، أنطونيوس ومقاريوس وباخوميوس وغيرهم ، أو كانوا من البطاركة والأساقفة والكهنة والعلماء فى مختلف العصور بعد عصر المجامع المسكونية ، الذين لم تعتمد كتاباتهم كمصدر للتعليم . ولكن ما تحويه كتابات الكُتّاب الكنسيين من تعاليم وأفكار وتفسيرات وشروحات تتفق مع عقيدة الكنيسة الأرثوذكسية المستقرة منذ عصر المجامع المسكونية ، وما يتفق مع منهجها فى العبادة والحياة الروحية والتوجيه المسيحى القويم فى السلوك والأخلاق ، كل هذه تقبلها الكنيسة كامتداد لتعاليم آباء الكنيسة وبناءً على تعاليمهم وشرحًا لها . أما الآراء الخاصة بالكُتّاب الكنسيين فى غير أمور العقيدة والعبادة والحياة الروحية فهى تبقى أراء الكُتّاب الخاصة بهم . وفى جميع الأحوال يجب مراعاة أهمية البناء على الأساس الواحد الذى بُنيت عليه الكنيسة منذ أسسها الرب يسوع المسيح كما يقول الرسول بولس : " مبنيين على أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية " (أف20:2 وأيضًا أنظر 1كو11:3 ( .
اقتفاء أثر الآباء :
حيث إن الآباء معلمى العقيدة هم الذين استلموا وديعة الإيمان من الآباء الرسل ، وسلموها بدورهم إلى الكنائس إلى أن استقرت الوديعة محفوظة بقوانين المجامع المسكونية بجهود هؤلاء الآباء ، لذلك يلزم للمؤمنين اقتفاء أثر هؤلاء الآباء والسير على خطاهم فى تعليم الإيمان لكى يكون للكنيسة كلها إيمان واحد فى كل زمان وفى كل مكان . يقول القديس أثناسيوس الرسولى فى دفاعه عن قانون إيمان مجمع نيقية : " لقد برّهنا على أن هذا التعليم قد سُلّم إلينا من أب إلى أب ؛ أما أنتم أيها اليهود الجدد وتلاميذ قيافا فمن هم الآباء الذين تستطيعون أن تنسبوا أقوالكم إليهم ؟
وآباء مجمع نيقيا أعلنوا أنهم فى إقرارهم لقانون الإيمان أنهم " يحفظون العادات القديمة " ويقصدون بذلك الإيمان المُسلم مرة من الرسل بواسطة الآباء الذين سبقوا آباء نيقيا. وكذلك آباء المجامع التالية كانوا يعلنون أنهم "يتبعون الآباء القديسين "، ورفضوا أن يضيفوا شيئًا على قانون إيمان نيقيا والقسطنطينية . والقديس كيرلس عمود الدين يؤكد أنه يتبع نفس تعليم القديس أثناسيوس وآباء مجمع نيقيا .
ولكن رغم هذه الأهمية التى تعطيها الكنيسة للآباء فى التعليم العقيدى إلاّ أنها لا تعتقد بعصمة أى أب من الآباء فى آرائه الشخصية فى الأمور غير العقائدية ، مثل طريقته فى التفسير أو فى الموضوعات الروحية ، فهذه الآراء تبقى آرائه الخاصة ولا تلزم المؤمنين.
وتابعونى بنعمه ربنا أن أكمل
ثانيا : أهمية كتابات الآباء
١ - كان الأستاذ جون ن . د. كيللى أستاذ الدراسات الآبائية وتاريخ العقيدة المسيحية بجامعة أكسفورد J.N.D.Kelly محقًا عندما كتب أن : السبيل الوحيد لفهم ذهن الكنيسة الأولى هو أن ينقع الإنسان نفسه فى كتابات الآباء
فالواقع أن كل تدريب على المعرفة اللاهوتية يظل ناقصًا جدًا بدون اختبار أو تذوق لفكر الآباء - فالاختبار الآبائى هو اختبار للحقيقة اللاهوتية، هو اختبار للوحدة فى التنوع - هذه الوحدة التى تلقى ضوء قويًا للتمييز ما هو أساسى ومحورى فى المسيحية، وما هو ثانوى وجانبى .
2- ودراسة كتابات الاباء :
تعطينا إختبار توحيد القلب مع الذهن فى معرفة الإلهيات . فالمعرفة اللاهوتية ليست مجرد معرفة جافة ولا هى مجرد رياضة عقلية، بل هى إتحاد القلب والذهن مع الله . وهذا هو السبب الذى جعل كبار اللاهوتيين والقديسين ، يدرسون "الآباء " بعناية واهتمام لأن ما كتبه الآباء هو عمل من أعمال القداسة .
فكتابات الآباء مليئة بالمشاعر المسيحية كما يقول : "بوسيّه Boissuet إلى جانب المعرفة العميقة والدقيقة.
فآباء الكنيسة يجمعون فى كتاباتهم وخبراتهم القداسة والمعرفة معا بدون انصال وبلا أى تناقض
3- الاباء والتقليد :
ترجع أهمية كتابات الآباء إلى أهمية التقليد بإعتبار مصدر الإيمان . والتقليد جعل لكتابات وآراء الآباء أهمية كبرى . فالكنيسة تعتبر "إتفاق الآباء الإجماعى " معصومًا حينما يخص تفسير الكتاب المقدس والعقيدة. ويصف "نيومان " (J.H. Newman) أهمية اتفاق الآباء وإختلافه عن الآراء الخاصة للآباء حينما يقول : إنى أتبع الآباء القدماء، ليس على أنهم فى موضوع معين لهم الثقل الذى يملكونه فى حالة العقائد والتعاليم) رغم أنهم كذلك ) . فحينما يتكلم الآباء عن العقائد ، يتكلمون عنها على أن الجميع يؤمنون بها . فالآباء هم شهود الحقيقة أن هذه التعاليم قد استلمت استلاما، ليس هنا أو هناك بل فى كل مكان، ونحن نستلم هذه التعاليم والعقائد التى يعّلمون بها، ليس لمجرد أنهم يعّلمون بها ، بل لأنهم يشهدون أن كل المسيحيين فى كل مكان فى عصورهم كانوا يؤمنون بها .
فنحن نتخذ الآباء كمصدر أمين للمعرفة ، ولكن ليس كسلطة كافية فى ذواتهم ، رغم أنهم هم أيضًا سلطة . فلو أنهم قالوا بهذه التعاليم نفسها وأضافوا قائلين : " إن هذه هى آراؤنا وقد استنتجناها من الكتاب المقدس ، وهى آراء صحيحة " ، فإننا فى هذه الحال كنا نتشكك فى استلامها على أيديهم . وكنا سنقول إن لنا الحق مثلهم أن نستنتج من الكتاب المقدس كما فعلوا هم ، وأن الإستنتاج من الكتاب هو مجرد آراء، فإن اتفقت استنتاجاتنا مع استنتاجاتهم ، فهذا يكون تطابقًا سعيدًا معهم ولكن إن لم تتفق فإننا سنتبع نورنا الخاص .
وبلاشك ليس هناك إنسان ، له الحق أن يفرض استنتاجاته الخاصة على الآخر فى أمور الإيمان . طبعًا هناك إلتزام واضح على الجاهل أن يخضع لأولئك الذين هم أعلم منه، وهناك تناسب ولياقة أن يخضع الصغار والشباب مؤقتًا لتعليم شيوخهم، ولكن فيما هو أبعد من ذلك فليس هناك رأى لإنسان أفضل من آخر . ولكن الأمر ليس هكذا فيما يخص الآباء الأولين ، فالآباء لا يتكلمون برأيهم الخاص ، إنهم لا يقولون : " هذا الأمر حقيقى لأننا رأيناه فى الكتاب المقدس وهو أمر هناك اختلافات فى الحكم بخصوصه - ولكنهم يقولون : " هذا الأمر حقيقى بسبب أن الكنائس تؤمن به وكانت فيما سبق تؤمن به طوال الأزمنة السابقة بلا انقطاع منذ زمن الرسل "، حيث يكون الأمر هنا موضوع شهادة ، أى عن وجود وسائل المعرفة لديهم بأن هذا الأمر كان يؤمن به طوال العصور السابقة ، لأنه كان إيمان كنائس كثيرة مستقلة ( إداريًا ) عن بعضها البعض ، ولكن كان هذا إيمانها فى نفس الوقت ، وذلك يكون على أساس أن هذا الإيمان من الرسل ، فبلاشك أنه لا يمكن أن يكون إلا حقيقيًا ورسوليًا
ويشهد القديس أثناسيوس الرسولى ( ٢٩٦ - ٣٧٣ ) عن الآباء وتقليد الكنيسة وتعليمها الذى سّلم بواسطة الرسل منذ البداية فيقول فى دفاعه عن ألوهية الروح القدس دعونا ننظر إلى تقليد الكنيسة وتعليمها وإيمانها، الذى هو من البداية والذى أعطاه الرب وكرز به الرسل وحفظه الآباء ( لاحظ أنه يعتبر التقليد والتعليم والإيمان واحدًا وأن الآباء
هم الذين حفظوا الإيمان ) وعلى هذا الأساس تأسست الكنيسة ... يوجد ثالوث قدوس وكامل، يعترف بلاهوته فى الآب والابن والروح القدس .. وهكذا يُكرز بإله واحد فى الكنيسة كما أوصى الرب " اذهبوا و تلمذوا جميع الامم و عمدوهم باسم الاب و الابن و الروح القدس " (مت 28 : 19)
وكما يشهد أيضًا القديس غريغوريوس 335 - 394 أسقف نيصا (Nyssa) عن الآباء والتقليد المسلم من الرسل فيقول إنه : يكفى للتدليل على صحة تعليمنا أن التقليد قد انحدر إلينا من الآباء كميراث تسلم إلينا من الرسل بواسطة القديسين الذين أتوا بعدهم
4 – كتابات الاباء وتفسير الكتاب المقدس :
لكتابات الآباء أهمية كبرى لأن الكنيسة فى عصرنا وفى كل عصر تالى للقرون الخمسة الأولى تعتمد فى تفسير الكتاب المقدس على تفسيرات الآباء للكتاب المقدس وخاصة تفسير الآيات التى تستقى منها العقائد الإيمانية . وذلك يلزم للكنيسة فى عصرنا أن يكون لديها كل تفسيرات الآباء لأسفار الكتاب المقدس مترجمة إلى اللغة العربية ، وهذا احتياج ملح بالنسبة للكنيسة فى مصر وفى كل البلاد الناطقة بالعربية .
ومن هنا فإن كتابات الآباء لا غنى عنها لرعاة الكنائس والمعلمين والوعاظ وطلبة الكليات اللاهوتية ولكل من له اهتمام بالإيمان المسيحى ودراسة الكتاب المقدس .
5 – كتابات الاباء والليتورجيات :
كما أن لكتابات الآباء أهمية كبرى أيضًا لأنها المصدر الذى تأخذ منه الكنيسة منذ العصور الأولى وإلى الآن نصوص القداسات التى تصلى بها ونصوص التسابيح والتماجيد التى تستعملها الكنيسة فى عباداتها الجماعية أو فى عبادة المؤمنين العائلية والانفرادية . فمثًلا القداسات الثلاثة المستعملة فى كنيستنا وهى الباسيلى والغريغورى والكيرلسى على التوالى هى من وضع القديس باسيليوس أسقف قيصرية كبادوكية فى آسيا الصغرى فى القرن الرابع ، والقديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات ( أو النزينزى ) أسقف القسطنطينية فى القرن الرابع أيضًا، والقديس كيرلس الأسكندرى ( الملقب بعمود الدين ) فى أوائل القرن الخامس المتنيح فى سنة ٤٤٤ م. كما أن نصوص ليتورجيات أسرار المعمودية، والميرون ، ومسحة المرضى ، والزواج ، والكهنوت ، ونصوص صلوات تقديس المياه فى اللقان ، وصلوات تدشين الكنائس كل هذه من وضع آباء الكنيسة فى القرون الأولى .
كتابات الاباء والحياة الروحية :
كما أن كتابات آباء الكنيسة هى مصدر الخبرات الروحية التى عاشها القديسون وكتبوها أو كتبت عنهم سواء كانوا من الآباء النساك فى البرية الذين لهم إنتاج وفير فى الحياة الروحية و النسكية . كما أنها هى مصدر سير الشهداء والقديسين فى العصور المسيحية الأولى .
ثالثا : مفهوم علم الآباء وتاريخه
الباترولوجيا هى ذلك الجزء من تاريخ الكتابات المسيحية التى تتناول المؤلفين اللاهوتيين فى العصور المسيحية الأولى .
والباترولوجيا تضم كل من الكتاب الأرثوذكس والهراطقة ، رغم أنها تعالج بإهتمام أكبر أولئك المؤلفين الذين يمثلون تعليم الكنيسة المسلم من الرسل أى التعليم التقليدى . وهؤلاء المؤلفين هم الذين يطلق عليهم آباء الكنيسة ودكاترة أى معلمى الكنيسة . وهكذا فعلم الباترولوجيا يمكن أن يعرف بأنه "علم آباء الكنيسة".
إن اسم هذا الفرع من علوم اللاهوت هو حديث العهد . وأول من استعمل اسم الباترولوجى هو جون جرهارد ( ( Joh . Gerhard الألمانى من لاهوتيى القرن 17 ، وذلك عندما استخدم كلمة باترولوجيا ( Patrologia كعنوان لكتابه الذى نشره سنة ١٦٥٣ م. إلا أن فكرة تاريخ الأدب المسيحى الذى تظهر فيه وجهة النظر اللاهوتية بارزة هى
فكرة قديمة :
١- هذه الفكرة تبدأ بأوسابيوس (Eusebius) المؤرخ الكنسى لأنه يقول فى مقدمة كتابه "تاريخ الكنيسة (E.H) أنه يقصد أن يسجل كتابة ما يعرفه عن عدد من أولئك الذين كانوا فى كل جيل هم سفراء كلمة الله سواء بالكلام أو بالكتابة، وأيضًا أسما ء وعدد وأعمار أولئك الذين اندفعوا إلى طريق الخطأ وانحراف التعليم ، الذين أبرزوا أنفسهم كدعاة معرفة وعلم كاذب وهكذا فهو يسجل أسماء الكتاب وكتبهم على قدر ما يعرفهم ويسجل اقتباسات طويلة من معظم كتاباتهم . ولهذا السبب يعتبر أوسابيوس واحدا من أهم مصادر علم ا لباترولوجيا خاصة وأن عددا كبيرا من الكتابات التى اقتبس منها قد فقدت . وبالنسبة لبعض المؤلفين الكنسيين يعتبر هو المصدر الوحيد للمعلومات عنهم . وجاء بعد أوسابيوس مؤرخون آخرون حاولوا أن يكملوا عمله . فهناك تاريخ سقراط ، وتاريخ سوزمين ، وتاريخ ثيئودوريت . هؤلاء المؤرخين الثلاثة ركزوا كتاباتهم على الكنيسة الشرقية وأعمالهم متقاربة إلى حد كبير .
أما فى الغرب فقام روفينوس بترجمة تاريخ أوسابيوس من اليونانية إلى اللاتينية . وأضاف إليه بعض الأحداث حتى عصر الإمبراطور ثيؤدوثيوس الكبير سنة ٣٩٢ م.
٢- ولكن يعتبر ايرونيموس ( جيروم ) Jeromeهو أول من كتب تاريخا للأدب المسيحى اللاهوتى . وذلك فى كتابه مشاهير الرجال . ".De ." VIR. ILL ويقصد جيروم فى كتابه هذا أن يرد على أولئك الكتاب الوثنيين الذين اعتادوا أن يتهموا المسيحيين بقلة الذكاء - ولهذا السبب فإن جيروم يعدد فى كتابه أسماء الكتاب الذين يعتز بهم الأدب المسيحى فى ١٣٥ فصًلا ، ويقدم فى كل فصل عرضًا لسيرة الكاتب وتقييما لكتاباته . هذا الكتاب كتبه جيروم فى بيت لحم سنة ٣٩٢ م . بناء على طلب صديقه الوالى "ديكستر. ( Dexter ) "
٣- حوالى سنة ٤٨٠ م ألف جيناديوس (Gennadius) كتابًا بنفس الإسم أى "مشاهير الرجال" وهو يعتبر تكملة لعمل جيروم وجيناديوس كاهن من مرسيليا وهو "شبه بيلاجى (Semipelegian) " وهذه حقيقة تترك أثرها هنا وهناك على وصفه وتعليقاته . ومع ذلك يعتبر كتابه تكملة وإضافة نافعة لعمل جيروم . ويظهر من كتابه أنه واسع الإطلاع ودقيق فى أحكامه . ويظل عمله ذو أهمية أساسية لتاريخ الكتابات المسيحية القديمة . وكتاب جيناديوس يشمل ٩٩ فصًلا ويختمه بفصل عن كتاباته هو.
٣ - بعد جيناديوس وحتى نهاية القرن الخامس عشر قام عدة مؤلفون بعمل كتب على نسق كتاب جيروم وتكملة له بعد جيناديوس .
وحوالى سنة ١٤٩٤ م ألف الراهب جوهانس تريثيميوس Johannes Trithemius كتابا بإسم " الكتاب الكنسيون " وهو يحوى سير حياة وكتابات ٩٦٣ كاتبا ، بعضهم ليسوا لاهوتيين . ويستقى تريثيميوس معلوماته عن الآباء من جيروم وجيناديوس .
٥ - فى عصر النزعة الإنسانية بأوروبا حدث إهتمام متجدد بالكتابات المسيحية القديمة . فمن ناحية كان دعاة الإصلاح البروتستانتى يتهمون كنيسة روما بأنها تدهورت وابتعدت عن آباء الكنيسة . ومن الناحية الأخرى أدت قرارات مجمع ترنت إلى ازدياد هذا الاهتمام إلى درجة كبيرة بكتابات الآباء . فألف الكاردينال "بيلارمين Bellarmine كتاب "الكتاب الكنسيين " حتى سنة ١٥٠٠ وظهر هذا الكتاب سنة ١٦١٣ م.
وبعد هذا ظهر مؤلفان كبيران من تأليف مؤلفان فرنسيان هما كتاب Tillemon عن تاريخ الكنيسة فى القرون الستة الأولى وصدر فى ١٦ مجلداً ، والمؤلف الثانى هو R. Ceillirr باسم "التاريخ العام للمؤلفين المقدسين والكنسيين وصدر فى ٢٣ مجلدًا . وهو يعالج كل الكتاب الكنسيين من العصر المسيحى الأول حتى ستة ١٢٥٠ م .
٦- العصر الجديد لعلم كتابات الآباء ظهر خاصة فى التجميعات العظيمة والطبعات الخاصة الممتازة للنصوص الآبائية. وهذه التجميعات حدثت فى القرنيين السادس عشر والسابع عشر . أما القرن التاسع عشر فقد أثرى حقل الكتابات المسيحية القديمة بعدد كبير من الإكتشافات الجديدة خاصة إكتشافات لنصوص شرقية . وبذلك ظهرت الحاجة إلى طبعات جديدة نقدية محققة علمياً . وقد افتتحت أكاديمية فيينا وأكاديمية برلين هذا العمل بطبع مجموعات مضبوطة لكتابات الآباء باللغتين اليونانية واللاتينية ، بينما بدأ علماء الآباء الفرنسيون بنشر أعظم مجموعتين للكتابات المسيحية الشرقية .
٧ - فى القرن العشرين ظهر إتجاه غالب للإهتمام بدراسة الأفكار، وتاريخ المفهومات ، وتاريخ التعبيرات فى الكتابات المسيحية القديمة واهتمام بدراسة تعاليم الآباء وعقا ئدهم وتعليم كل الكتاب الكنسيين . وكما يقول البروفسور كواستن (Quasten) أستاذ الآباء بجامعة واشنطن أن الاكتشافات الحديثة فى القرن العشرين لأوراق البردى فى مصر قد مكنت العلماء من استعادة كثير من الأعمال الآبائية التى كانت مفقودة .
٨ - فى الكنيسة القبطية كان النساخ - وخاصة فى الأديرة - يقومون بنسخ كتابات الآباء فى مختلف العصور سواء باللغات اليونانية أم القبطية أو المترجمة فى مخطوطات بالعربية . وهنا نذكر نوع خاص مخطوط مشهور اسمه "اعتراف الآباء " وهو يحوى اقتباسات للآباء منذ عصر بعد الرسل وحتى البطريرك خرستوذولوس البطريرك ٦٦ والكتاب الكنسيين فى القرن ال ١١ . والمقصود بكلمة "اعتراف" هو تعاليم الآباء العقائدية فيما يخص الثالوث والتجسد وعقيدة الكنيسة القبطية عن طبيعة المسيح . وهذا الكتاب يوجد منه نسخ خطية فى مكتبة البطريركية القديمة بالأزبكية وفى مكتبة المتحف القبطى وفى بعض الأديرة القبطية .
وفى القرن السابع قام المؤرخ يوحنا النيقوسى وهو أسقف نيقيوس بالمنوفية بكتابة تاريخ ضخم منذ آدم حتى عصره فى نهاية القرن السابع
هذا الكتاب كتب أصًلا بالقبطية وترجم إلى الأثيوبية . ولكن النسخة القبطية الأصلية فقدت والباقى هو الترجمة الأثيوبية التى ترجمت بالتالى إلى الفرنسية فى العصر الحديث ، ثم ترجمت إلى الإنجليزية وأخيرًا صدرت ترجمة . عربية عن الإثيوبية فى يناير ٢٠٠٠
أما كتاب السنكسار فهو يحوى سير مختصرة للقديسين والشهداء حسب أيام السنة القبطية . ويحوى القليل من أقوال الآباء .
وكتاب تاريخ ا لبطاركة المنسوب إلى الأنبا ساويروس بن المقفع فى القرن العاشر ويحوى تاريخ بطاركة الكنيسة القبطية منذ مارمرقس حتى القرن العاشر . وقد قام بعده كتاب آخرون بتكميل تاريخ البطاركة الذين جاءوا بعد القرن العاشر . ولكنه لا يحتوى إلا على القليل من نصوص الآباء .
رابعاً : لغة الآباء
كانت لغة المسيحية منذ نشأتها حتى القرن الثانى هى اللغة اليونانية . إذ كانت هذه اللغة هى لغة الأدب والحديث طوال القرون الأولى فى الإمبراطورية الرومانية فى كل بلاد البحر الأبيض المتوسط . فقد غزت الحضارة اليونانية والأدب اليونانى العالم الرومانى كله حتى أنه كان يندر أن تكون مدينة فى الغرب لا تستعمل فيها اللغة اليونانية كلغة التعامل اليومى . وحتى فى روما وشمال أفريقيا وبلاد الغال ( فرنسا ) كان استعمال اللغة اليونانية حتى القرن الثالث .
ولهذا السبب تعتبر اللغة اليونانية هى اللغة الأصلية لكتابات الآباء . وإن كان فى الشرق قد حل محلها جزئيًا اللغات المحلية مثل السريانية فى سوريا والقبطية فى مصر وخاصة فى الوجه القبلى ، والأرمينيا فى أرمينيا . وبعد القرن الثالث حلت اللاتينية فى الغرب محل اليونانية.
إن كتاب أسفار العهد الجديد مثلهم مثل آباء الكنيسة لم يكتبوا بال لغة اليونانية الكلاسيكية، بل بلغة يونانية تسمى كوينى (Koine) والتى يمكن أن توصف بأنها تآلف بين اللغة الأتيكية (Attic) لغة مقاطعة " أتيك " فى اليونان " " وبين اللغة اليونانية الشعبية . وقد صارت لغة ال "كوينى" هى لغة كل العالم الهلينى منذ القرن الثالث قبل الميلا د وحتى نهاية العصور المسيحية الأولى أى حتى بداية القرن السادس.
خامساً : تصنيف كتابات الآباء
توجد أكثر من طريقة لتصنيف الآباء . فعلماء علم الآباء يقسمون الآباء ، أولاً : بحسب اللغة التى كتبوا بها كتاباتهم :
اليونانية، اللاتينية، والسريانية والقبطية والأرمنية .
وأكبر كمية من كتابات الآباء وصلتنا باللغتين اليونانية واللاتينية .
ومن هنا جاءت التسميات للمجموعتين الشهيرتين :
باترولوجيا جريكا ( كتابات الآباء باليونانية )
وباترولوجيا لاتينا ( كتابات الآباء باللاتينية ) .
الأساس الثانى الذى يصنفون به الآباء هو الترتيب التاريخى ، وعلى الأساس التاريخى تقسم المراجع الآبائية ،كتابات الآباء إلى عدة عصور :
1 - بدايات الكتابات الآبائية :
هذا العصر يشمل كتابات القرون الثلاثة الأولى أى يمتد من حوالى سنة ١٠٠ إلى سنة ٣٠٠ ميلادية.
2 – العصر الذهبى للكتابات الآبائية : ويمتد من سنة ٣٠٠ إلى سنة ٤٤٠ م.
3 – العصر المتأخر : من ٤٤٠ إلى ٦٠٠ م. وعند الروم يمتد العصر المتأخر حتى سنة ٨٩٣ م
وسنتناول كل عصر بالتفصيل :
العصر الأول : من سنة 100 – 300 ويسمى) ما قبل نيقية ) ويشمل :
أ – كتابات الآباء الرسوليين :
رسالة اكليمندس الرومانى إلى الكورنثيين سنة ٩٦ ،
رسائل أغناطيوس الإنطاكى السبعة إلى كنائس آسيا حتى سنة ١٠٧ رسالة القديس بوليكاربوس إلى الفلبيين حوالى ١٥٦
ويرجع العلماء الآن كتاب ال "ديداكى"، "تعليم الرب للأمم بواسطة الرسل الاثنى عشر " إلى نهاية القرن الأول .
ثم كتابات الكتاب المعاصرين للآباء الرسوليين :
أ - بابياس سنة ١٣٠ ، رسالة برنابا حوالى سنة ١٠٠ ، وراعى هرماس القرن الثانى
ب - كتابات الآباء المدافعين
١ - كوادراتوس سنة ١٢٤ وتنسب إليه الرسالة إلى ديوجينتس ( بحسب الأبحاث الحديثة )
٢ - ارستيدس من أثينا ١٢٥ م
٣- أرستو من بيللا ١٤٠ م
٤- القديس يوستينوس الشهيد ١٦٥ م
٥- تاتيان السورى حوالى ١٧٢ م
٦ - أبوليناريوس من هيرابوليس ١٧٢ م
٧- أثيناغوراس ١٧٧ م
٨ - ثاؤفيلس الإنطاكى حوالى ١٨٠ م
٩- ميليتو أسقف ساردس ١٩٠ م
١٠ - ملتيادس ١٩٢ م
١١ - مينوكيوس فيلكس حوالى سنة ٢٠٠ م
١٢ - هرمياس الفيلسوف ٢٠٠ م
ج - الآباء الآخرون فى القرنين الثانى والثالث
الآباء الشرقيين
القديس إيريناؤس أسقف ليون 140 – 202 م
القديس اكليمندس الإسكندرى 150 - 210
أوريجينوس 185 – 254 م
ديونيسيوس الإسكندرى 264 م
الدسقولية) تعاليم الرسل ) القرن الثالث
غريغوريوس العجائبى 213 – 270 م
ميثوديوس الأوليمبى ( نهاية القرن الثالث )
الآباء الغربيين
ترتليان 160 – 220 م
القديس كبريانوس 200 – 258 م
أرنوبيوس 280 – 310 م
اكتنتيوس توفى حوالى 317 م
هيبوليتوس الرومانى 160 – 235 م
العصر الذهبى للآباء 300 - 440 ويسمونه عصر نيقية وما بعد نيقية
الآباء الشرقيين
القديس أثناسيوس الرسولى 296 – 373 م
القديس كيرلس الإسكندرى 367 – 444 م
القديس باسيليوس أسقف قيصرية 329 – 379 م
القديس غريغوريوس النزيانزى الناطق بالإلهيات 329 – 390 م
القديس غريغو ريوس النيسى 335 – 394 م
القديس ديديموس الضرير 310 – 398 م
القديس إبيفانيوس أسقف سلاميس 315 – 403 م
القديس أنطونيوس الكبير 250 – 356 م
القديس باخوميوس ( تنيح 346 م )
القديس مقاريوس 300 – 390 م
القديس مقاريوس الإسكندرى ( تنيح 394 م )
القديس كيرلس الأورشليمى 313 – 386 م
القديس يوحنا ذهبى الفم 354 – 407 م
القديس مارافرام السريانى 306 – 373 م
القديس أفراهات ( تنيح 367 م )
الآباء الغربيين
القديس هيلارى أسقف بواتيه أثناسيوس الغرب 315 – 366 م
القديس أمبرسيوس أسقف ميلان 339 – 397 م
القديس جيروم 349 – 420 م
القديس أغسطينوس 354 – 430 م
العصر المتأخر 440 – حوالى 600 م
الآباء الشرقيين
القديس فليكسنوس أسقف منبج 440 – 523 م
القديس ساويروس الإنطاكى ( تنيح 538 م )
ماراسحق السريانى ( تنيح 692 م )
القديس يوحنا الدرجى 579 – 650 م
البطريرك فوتيوس ( عند الروم ) 810 – 893 م
الآباء الغربيين
البابا غريغوريوس الكبير 540 – 604 م
سادساً : طبعات الكتابات المسيحية الأولى
١- الطبعات الأولى للكتابات المسيحية القديمة لا يمكن أن تعتبر طبعات نقدية حيث إن القواعد العلمية لإختيار المخطوطات لم تكن قد وجدت بعد، ومع ذلك فإن كثير من هذه الطبعات الأولى هى الآن ذات قيمة عظيمة جدًا بسبب أن المخطوطات التى أخذت عنها هذه المطبوعات قد فقدت.
٢ - من بين الطبعات الأولى لكتابات الآباء التى ظهرت منذ القرن السادس عشر توجد مجموعة واحدة لا تزال لها قيمتها العلمية وهى المجموعة التى طبعها الرهبان الفرنسيون البندكت فى "سانت مورا" والتى نشرت فى القرنين السابع عشر والثامن عشر.
وبعض طبعاتهم لكتابات الآباء لم يعل عليها حتى الآن . وفى مجموعتهم هذه يوجد النص اليونانى مع ترجمة لاتينية مع فهارس دقيقة مضافة إلى كل مجلد .
٣- أكمل مجموعة للنصوص الآبائية هى المجموعة التى نشرها الراهب مينى(J.P.Migne) المتوفى سنة ١٨٧٥ م . إنها تحوى إعادة طبع لكل النصوص التى سبق طبعها حتى وقته وذلك لكى تكون فى متناول يد اللاهوتيين ولكى يكون الوصول إلى نصوص الآباء سهًلا. وللأسف فإن طبعة "مينى" للآباء بها أخطاء مطبعية كثيرة . ولهذا السبب فمن الأفضل دائمًا الرجوع إلى الطبعات التى أخذ منها " مينى " أن لم تكن هناك طبعه علمية حديثة للنصوص. ومع ذلك تظل باترولوجيا " مينى" هى بالنسبة لكثير من الكتابات الآبائية ، المصدر الوحيد الذى يمكن الرجوع إليه . وتقع مجموعة باترولوجيا "مينى" فى قسمين :
باترولوجيا جريكا واختصارها (P.G) وهو القسم الذى يشمل كتابات الآباء والكتاب الكنسيون باللغة اليونانية الأصلية وأمام النص اليونانى ترجمة لاتينية . وهذه المجموعة اليونانية تضم كتابات حتى القرن الخامس عشر . أى إلى مجمع فلورنسا وكل آباء كنيسة الإسكندرية والكتابات الرهبانية المصرية باللغة اليونانية م وجودة فى هذه المجموعة. وعدد مجلداتها ١٦١ مجلد كبير.
وباترولوجيا لاتينا واختصارها (P.L) أى الكتابات التى كتبت أص ً لا باللاتينية وهذه المجموعة اللاتينية تقع فى ٢٢١ مجلد كبير منها ٤ مجلدات فهارس وتصل الكتابات اللاتينية فى هذه المجموعة حتى كتابات البابا اينوسنت الثالث المتوفى سنة ١٢١٦ م. وقد نشرت مجموعتى باترولوجيا مينى اليونانية واللاتينية فى السنوات ما بين ١٨٤٤ و ١٨٦٦ فى باريس.
٤ - وقد بدأت كل من أكاديمية فيينا وأكاديمية برلين بنشر مجموعة من كتابات الآباء التى تجمع بين الدقة اللغوية والاكتمال وذلك منذ أوا خر القرن التاسع عشر وحتى الآن . وكل منهما تنشر الكتابات بأصلها اللغوى أى باليونانية واللاتينية مع مقدمات وفهارس بالألمانية.
٥- نشرت مجموعة " باترولوجيا أورينتالس (Patrologia Orientalis) أى مجموعة الآباء الشرقيين . وهى كتابات كنسية باللغات القبطية والعربية وا لأثيوبية وقد صدرت فى باريس منذ سنة ١٩٠٧ م فى ٢٥ مجلد حتى الآن .
كما صدرت من باريس مجموعة"باترولوجيا سيرياكا (Patrologia Syriaca ) وهى كتابات الكنيسة السريانية . وقد صدرت فى ثلاث مجلدات
سابعاً : ترجمات كتابات الآباء إلى اللغات الحديثة
ترجمات إلى الإنجليزية
أشهر الترجمات إلى الإنجليزية لكتابات الآباء هى :
أ - The Anti Nicene Fathers آباء ما قبل نيقية
وهى ترجمة لكتابات الآباء بالفترة التى تلى عصر الرسل مباشرة وإلى ما قبل مجمع نيقية ٣٢٥ وتقع فى عشر مجلدات وبدأ صدورها فى الولايات المتحدة سنة ١٨٨٥ م وهذه الطبعة الأمريكية هى إعادة طبع للترجمة الإنجليزية التى صدرت قبلها فى أدنبرة بأسكتلندا تحت عنوان Anti-Nicene Christian Library بين ١٨٧٢،١٨٦٦ وكانت فى ٢٤ مجلد من حجم أصغر من الطبعة الأمريكية التى تلتها
وتحوى مجموعة آباء ما قبل نيقية كتابات : الآباء الرسوليين، اكليمندس الرومانى وأغناطيوس وبوليكاربوس ، وكذلك كتابات الشهيد يوستينوس والقديس إيريناؤس أسقف ليون واكليمندس الإسكندرى ، وترتليانوس
وأوريجينوس ، والقديس كبريانوس والقديس غريغوريوس العجائبى، إضافة إلى كتابات أخرى . وقد أعيد طبع هذه المجموعة بالولايات المتحدة سنة ١٩٥١ ولا يزال تصدر منها طبعات جديدة كما هى .
ب - Nicene and Post Nicene Father أى "مجموعة آباء نيقية وما بعد نيقية ".
وهى مجموعة مختارة من كتابات الآباء غالبيتها من كتابات القرنين الرابع والخامس وتقع فى ٢٨ مجلد . وقد صدر ت فى الولايات المتحدة أواخر القرن ١٩ وأعيد طبعها هناك سنة ١٩٥٧ ، ولا تزال تصدر منها طبعات جديدة كما هى
وهذه المجموعة مقسمة إلى قسمين :
القسم الأول st. Series):1 )
يحوى ١٤ مجلد منها ٨ مجلدات لأغسطينوس، و ٦ مجلدات ليوحنا ذهبى
الفم
والقسم الثانى : ( nd. Series 2 )
يحوى ١٤ مجلد أيضًا ويضم بعض كتابات القديسين : أثناسيوس الرسولى (فى مجلد واحد ) وباسيليوس الكبير (فى مجلد واحد ) وغريغوريوس النزيانزى فى مجلد مشترك مع كيرلس الأورشليمى وأمبرسيوس ومارافرام السريانى وغريغوريوس النيسى وهيلارى أسقف بواتيه ويوحنا كاسيان. كما يضم هذا القسم بعض كتابات غريغوريوس الكبير أسقف روما فى القرن السادس ويوحنا الدمشقى من القرن الثامن إضافة إلى كتابات أخرى كما تحوى المجموعة المجلد رقم ١٤ مجلدا لأعمال المجامع المسكونية
ويلاحظ أن هذه المجموعة لا تحوى أى كتاب من كتب القديس كيرلس الإسكندرى ( عمود الدين ) ولا عظات القديس مقاريوس الشهيرة.
ج - The Father of The Church مجموعة آباء الكنيسة" بدأت جامعة واشنطون الكاثوليكية بنشرها منذ ١٩٤٧ ولا يزال النشر مستمرًا. بلغ عدد كتب هذه المجموعة حتى الآن أكثر من ١٠٠ كتاب . وبها بعض كتابات قليلة للقديس كيرلس الإسكندرى بالإنجليزية.
د- صدرت ترجمات إنجليزية منفردة لكتابات بعض 575 الآباء وليست ضمن مجموعات كالمجموعات السابق ذكرها .
فمثلا صدرت أول ترجمة إنجليزية لعظات القديس مقاريوس بإنجلترا سنة ١٧٤٩ م، ثم ترجمة إنجليزية أخرى لنفس العظات سنة ١٩٢١ م وهى الترجمة التى عرب عنها بيت التكريس ترجمته العربية الجديدة التى نشرت سنة ١٩٧٩الطبعة الأولى وكذلك صدرت ترجمة إنجليزية لتفسير إنجيل لوقا للقديس كيرلس الإسكندرى سنة ١٨٥٩ بأكسفورد بإنجلترا (هذا التفسير صدر فى أجزاء)
ه- صدرت ترجمة إنجليزية عن اليونانية ل "شرح إنجيل يوحنا " للقديس كيرلس الإسكندرى فى جزئين ، الجزء الأول صدر ١٨٧٤ والثانى ١٨٨٥ وذلك ضمن سلسلة (L.F.C)
The Church ، Library of The Father of
( وهى الترجمة التى يترجم عنها مركز دراسات الآباء منذ ١٩٨٩ هذا الشرح ولا يزال (
2 - ترجمات إلى الفرنسية
أهم سلسلة لنصوص الآباء بالفرنسية هى مجموعة الآباء بالفرنسية هى مجموعة المصادر المسيحية Sources Chretiennes و التى بدأ بنشرها J.Danielou بباريس ١٩٤١ ولا تزال تصدر حتى الآن وتشمل النصوص الآبائية باليونانية أو اللاتينية مع ترجمة فرنسية فى الصفحة المقابلة مع مقدمة وافية عن أصل كل نص ودراسة عنه . وصل
عدد الكتب التى صدرت من هذه المجموعة إلى أكثر من ٤٢٠ مجلد.
ثامناً : الدراسات الآبائية فى القرن العشرين
حدثت طفرة فى الإهتمام بالنصوص الآبائية القديمة فى الغرب فى القرن العشرين، ومن مظاهر الإهتمام هو إنشاء أقسام للدراسات الآبائية بعدد كبير من جامعات العالم غربًا وشرقا كما بدأت فى القرن العشرين ظاهرة المؤتمرات العالمية لدراسة كتابات الآباء وتعاليمهم ، وأشهر هذه المؤتمرات هو "المؤتمر الدولى للدراسات الآبائية " الذى ينعقد بجامعة أكسفورد كل أربعة سنوات وكان أول انعقاد له سنة ١٩٥١ م. ويشترك بعض الباحثين بالمركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية فى هذا المؤتمر منذ ١٩٨٣ . والمركز عضو فى الجمعية الدولية للدراسات الآبائية التى تشرف على أعمال المؤتمرات الآبائية وتنسق لها.
كما بدأت أيضًا مؤتمرات دولية متخصصة فى دراسة كتابات أحد الآباء : مثل مؤتمر لدراسة كتابات أغسطينوس
ومؤتمر لدراسة كتابات أوريجينوس ، وهى تعقد أيضًا كل أربع سنوات فى أحد جامعات أوربا
كما بدأ فى القارة الأمريكية مؤتمرات لدراسات الآباء تعقد كل سنتين فى نطاق القارة الأمريكية.
كما بدأت فى السنوات الثلاثين الأخيرة مؤتمرات دولية متخصصة فى الكتابات المسيحية السريانية وفى دراسة القبطيات وأيضا فى دراسة التراث المسيحى العربى ، وهذه المؤتمرات المتخصصة تنعقد أيضًا كل أربع سنوات فى إحدى جامعات العالم.
فى العام ٢٠٠٠ انعقد المؤتمر الدولى للقبطيات فى جامعة ليدن بهولندا ، والمؤتمر الدولى للتراث العربى المسيحى فى جامعة سيدنى بإستراليا..