محاضرات تبسيط الايمان للانبا بيشوى

philanthropist

أميرة الورد
عضو مبارك
إنضم
30 يوليو 2013
المشاركات
1,239
مستوى التفاعل
161
النقاط
0
الإقامة
القصر الملكى السماوى قصر الملك يسوع المسيح
ننقل اليكم محاضرات تبسيط الايمان لانبا بيشوى رئيس دير الشهيدة دميانة و مطران دمياط و كفر الشيخ و البرارى و سكرتير المجمع المقدس .

هل المسيحية صعبة وغير سهلة؟إن المسيحية من الممكن أن يفهمها الأطفال الصغار، وقد قال السيد المسيح "أحمدك أيها الآب رب السماء والأرض لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال" (مت11: 25)، وقال أيضاً "ليس أحد يعرف الابن إلا الآب ولا أحد يعرف الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له" (مت11: 27). وقال أيضاً "أما المعزى الروح القدس الذى سيرسله الآب باسمى فهو يعلمكم كل شئ ويذكركم بكل ما قلته لكم" (يو14: 26).
إن الروح القدس هو الذى يعرفنا كل شئ عن الآب.. عن الابن.. عن الخلاص.. عن الفداء.. وعن أهمية صلب السيد المسيح من أجل خلاصنا. فالروح القدس هو الذى يبكتنا على خطايانا، ويعرفنا مدى احتياجنا للخلاص. وإنه بدون يسوع المسيح لا يمكن أن نصل إلى الحياة الأبدية. فالروح القدس هو الذى يكشف لنا حقيقتنا الصعبة.. حقيقتنا البشعة عندما نكون محرومين من نعمة الخلاص والتبرير والبنوة لله. عندئذ يرى الإنسان الحالة التى وصـل إليها عصيانه لله ومخالفته للوصية.
إن الشيطان هو الذى أغوى الإنسان وهو فى الفردوس، وجعله يخالف وصية الله، وشككه فى محبته!! وقال له: إن الله لا يريدك أن تكون مثله عارفاً الخير والشر. وعندما شك الإنسان فى محبة الله سقط تحت سلطان إبليس، وسقط تحت سلطان الخطية عندما أكل من الشجرة التى قال الله له لا تأكل منها.

أجرة الخطية هى الموت
وبسبب الخطية دخل الفساد إلى طبيعة الإنسان، ودخل الموت كنتيجة للخطية. ونرى عند القبر الإنسان وهو ينتن ويأكله الدود فنعرف نتيجة الخطية وأن أجـرة الخطية هى الموت. إن الدليل على حالة الفساد التى سببتها الخطية، هى حالة الفساد التى يصل إليها الإنسان فى القبر. وهنا يبدأ الإنـسان يفكر كيف سـيخرج من حالة الفسـاد؟!! هـو يحتاج إلى الخـلاص من الموت ومن الفساد.
لقد أصبح هناك عداوة بين الله وبين الإنسان. وصحيح إن أجرة الخطية هى موت، لكن الإنسان أصبح يخاف من الله، وغير قادر على اكتشاف محبته. ويحتاج إلى أن يصالحه أحـد مع الله، يحتاج إلى أن ينقذه أحد من سلطان الخطية، ويعطيه قوة الانتصار عليها ويشفيه منها ويشفى طبيعته. ويعيد إليه الحياة التى فقدها بسبب الخطية.

الله يعلن حبه للإنسان
لم يكـن مـن الممكن أن يتخلى الله عـن الإنــسـان، وأن لا يسعى فى طلبه ويعمل شيئاً لأجله. لأن الله يحب الإنسـان، ويعرف أن الشيطان هو الذى أغواه وهو الذى خدعه. ولكن ليس من الممكن أن يسامح الله الإنسان بدون أن يعلن غضبه ضد الخطية. لأنه كيف يسامحه بدون أن يدفع ثمن الخطية ويوفى الدين؟! ليس لأن الله يريد الانتقام، ولكن لأن الله لابد أن يعلن قداسته. فلابد أن يظهر الله مـدى كراهيته للخطية. وفى نفس الوقت هو يريد أن يُخلّص الإنسان ويعرّفه مدى محبته.
إن الله يريد أن يبين للإنسان بشاعة الخطية، ويجعله يكرهها. ولكن لا يكفى أن يسامحه الله ويغفر له، ولكن لابد أن يشفيه. لأنه لو غفر له بدون أن يدفع ثمن الخطية لن تظهر قداسة الله بوضوح فى نظر الإنسان. فيقول الإنسان فى نفسه إن الله من الممكن أن يقبل الخطية. أى أن الخطية شئ سهل بالنسبة لله ولا تعنيه فى شئ. وبالتالى من الممكن أن يستسهل الإنسان الخطية ويعتبرها شيئاً عادياً، ولا تستحق أن يحاول أن يتحرر منها ويتركها. لذلك كان لابد أن يعمل الله شيئاً يجعل محبته وقداسته تتقابلان معاً.. فيبين للإنسان مدى كراهيته للخطية، إلى جوار محبته الجارفة للإنسان.

تقابل قداسة الله مع محبته
لذلك كان لابد أن يكون هناك فداء وكفارة، لكى يسامح الله ويغفر، ولا يكون غفران الله بدون ثمن. لأنه لو ترك الأمر بدون حساب فهذا معناه أن الخطية عند الله شئ بسيط ولا تعنيه فى شئ وهذا يكون إهانة لله لأنه كيف يكون الله قدوساً فى مثل هذه الحالة!!

صحيح أن الله محب. لكنه فى نفس الوقت هو قـدوس. فلابد أن يعلن غضبه ضد الخطية وفى نفس الوقت يعلن محبته للإنسان لأن إعلانه لغضبه فقط يجعل الإنسان يخاف من الخطية، ولكنه فى نفس الوقت لا يستطيع أن يفهم محبة الله له. ومن هنا يظهر أهمية الفداء.

أهمية الفداء
إن السيد المسيح أخذ العقوبة التى لنا التى هى الموت. وهو لا يستحق الموت لأنه بار وبلا خطية. وبذلك استطاع أن يفدينا ويـدفع ثمن الخطايا التى لكل البـشر. ولكن كان لابـد أن يـكون هذا الفادى له قيمة كبيرة جداً بلا حدود عند الله. ولابد أن لا يكون عليه غضب الله. وهذا شئ طبيعى؛ وإلا فكيف يفدى غيره إن كان هو نفسه يستحق الموت؟!! لم يكن عند الله بحسب التدبير أغلى من ابنه الوحيد المتجسد لكى يقدمه فداءً عن الإنسان، لذلك يقول الكتاب "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو3: 16).


الرحمة والحق تلاقيا
على الصليب كان الحل؛ فالإنسان يحتاج أن يعرف عن الله أمرين فى نفس الوقت والاثنان يتقابلان معاً. يعرف أن الله يكره الخطية جداً، ويعرف أن الله يحبه جداً. فلو علم أن الله يحبه فقط ولكن يترك له الخطية فبذلك تكون صورة الله فى نظره أنه ليس قدوساً، وبذلك فإن الإنسان من الممكن أن يستسهل الخطية ولا يكرهها. وكذلك إذا رأى أن الله يكره الخطية فقط، ولم يبصر محبته فسوف يخاف من الله، وتكون هناك عداوة بينه وبين الله ولا يشعر بأبوته.
ولكن هذه المشكلة ليست عند الله، ولكن عند الإنسان. إنه غير قادر على فهم الله فهماً سليماً. لذلك يقول المزمور "الرحمة والحق تلاقيا العدل والسلام تلاثما" (مز84: 10). أى أنه على الصليب الرحمة والحق إلتقيا معاً، ورأينا بأعيننا الرحمة والحق معاً، أو الرحمة والبر، فكلمة الحق تأتى أحياناً بمعنى البر.
إن الله يريد أن يبين لنا مدى غضبه من الخطية: فعندما حمل السيد المسيح خطايانا ورأيناه يُجلَد.. ويُعذَب.. ويتألم وهو لم يفعل شيئاً سيئاً!! ولكن كل هذا بسبب خطايانا نحن.

فهل إلى هذه الدرجة تؤذى الخطية قلب الله ويكرهها إلى هذه الدرجة؟!!
لدرجة أنها استوجبت أن المسيح البار القدوس، ابـنه الوحيـد، يـتألم كـل هـذه الآلام لكى يـدفـع ثمـن خـطـية الإنسان!!
إن هذا يجعل الإنسان ينظر إلى الخطية ويرى مدى فظاعتها ويرى المسيح وهو يُجلَد، ويعرف أن المسيح قد جُلِد لأجله، لأنه دفع ثمن لذة الخطية. إذ أن الله يحبه ويريد أن يخلصه من الهلاك الأبدى. ولكن بالرغم من أن هذا الجلد لم يقع على الإنسان الخاطئ.. ولكنه يشعر أنه هو الذى يُضرَب، لأن هذه هى خطيته. وهذا يجعله يخجل من الله، ويشعر أن السياط ينزل على مشاعره هو. وصوت الرب يناديه: هل هذه هى لذة الخطية التى تحبها؟!.
انظر أن السيد المسيح هو الذى يدفع ثمنها!! هل سوف تحبها مرة أخرى أم سوف تبدأ فى كراهيتها؟!.
إن الله لو فعل ذلك فى الإنسان الخاطئ نفسه فلن يشعر أن الله يحبه بالرغم من أن الإنسان يستحق هذه العقوبة. لكن عندما يرفع الله عن الإنسان العقوبة ويدفع هو ثمنها. يبدأ الإنسان يقول فى نفسه: هل أنا الذى سوف أتسبب للبار القدوس فى أن يتعذب بهذه الطريقة. لابد أن أراجع نفـسى.. لابـد أن أتـوب.. لابـد أن أكـره الخطـيـة ولا يمكن أن أحبها.

فيه كانت الحياة
يُحكَى عن إنسان كان بحاراً وكان له أخ أكبر رجل قديس وبار. وهذا البحار كان إنساناً شريراً وخاطئاً. وكان الإثنان بحارة على مركب واحد. وفى أحد الأيام هاج البحر وكانت المركب على وشك الغرق. وعدد الركاب كان كبيراً جداً فى السفينة، وعدد قوارب النجاة قليل. فقال القبطان سوف نعمل قرعة ومن أتى اسمه فى القرعة هو الذى سوف يركب فى قوارب النجاة ومن لم يأتِ اسمه فى القرعة سوف يُترك فى المركب.
وعندما تم عمل القرعة جاء اسم الأخ القديس فى القرعة لكى يركب قارب النجاة، أما الأخ الخاطئ فاسمه لم يأتِ فى القرعة. فحزن جداً وقال سوف أموت الآن. فالأخ الكبير قال له لا تبكى ولكن اركب أنت مكانى وأنا سوف آخذ مكانك. فقال له ما ذنبك؟ فقال له الأخ الأكبر أنت الآن إذا مت وأنت غير مستعد سوف تهلك وتذهب إلى الجحيم، ولكن أنا أحب السـيد المسيح وأتمنى أن أكون فى أحضانه، وبنعمة الله سوف أذهب إلى الفردوس بعد موتى لأن "لى اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ذاك أفضل جداً" (فى1: 23).
فمن الأفضل أن أموت أنا الآن لأن موتى لن يـؤدى إلى هلاكى. ولكن موتك أنت سوف يؤدى إلى هلاكك. لكن لى شرطاً أنك تحيا حياتى التى كنت أحياها أنا. لأنى سوف أموت لأجلك، فلابد أنك تعيش لأجلى. وقد وافقه الأخ الأصغر على هذا الشرط وعاهده عليه. وعندما نزلت قوارب النجاة إلى البحر بدأ الأخ الصغير يندم على خطيته ويتوب، وهو يرى الأخ الأكبر وهو على مسطح المركب الغارق وهو يناديه ويلوح له من بعيد قائلاً: لا تنسى العهد الذى بيننا أنك تعيـش حياتى كما أنى أموت بدلاً منك.
إن هذه القصة توضح لنا ما فعله السيد المسيح لأجلنا. فـنحن إذا حملنا خطايانا فسوف نهلك إلى الأبد، لكن إن حمل هو خطايانا لن يهلك لأنه هو الحياة "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو14: 6).
فقد كانت قوة الحياة التى فى المسيح يسوع، أقوى من قوة الموت الذى لنا. فالله يريد أن يبين لنا مدى كراهيته للخطية وأنـه يغضب بسببها. وقد أعلن الله غضبه ضد الخطية عندما دفع السيد المسيح ثمن خطايانا على الصليب "البار من أجل الأثمة" (1بط3: 18).
السـيد المسـيح لا يمكن أن يمسـكه الـموت، وأما نحن فالموت حـيـنما يبتـلعنـا لا نسـتطيع أن نخرج مـنه مـرة ثـانية، إلا إذا أخرجنا السيد المسيح بنفسه من جوف الموت.

الله يخفى لاهوته عن الشيطان
عـندما أغـوى الشـيطان حـواء قال لها تـعالى انـظرى هـذه الشجرة "فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل وأنها بهجة للعيون وأن الشجرة شهية للنظر فأخذت من ثمرها وأكلت، وأعطت رجلها أيضاً معها فأكل" (تك3: 6). والشيطان لكى يفعل ذلك اختفى فى الحية "وكانت الحية أحيل جميع حيوانات البرية" (تك3: 1).
فقال السيد المسيح سوف أسقى الشيطان من نفس الكأس التى سقاها للبشر. فأتى ابن الله الوحيد -كلمة الله- وتجسد وأخفى لاهوته عن الشيطان وأتى فى صورة إنسان. وأصبح الشيطان متحيراً إن كان هو كلمة الله أم لا؟ فأحياناً يقول لا؛ لأنه عندما صام على الجبل جاع أخيراً، وبدأ الشيطان يشك ويجربه والسيد المسيح كان يخفى لاهوته عنه. وظل هكذا حتى غضب الشيطان منه لأنه كان يصنع معجزات كثيرة ويبشر بحياة القداسة والتوبة ويجذب الناس إلى محبة الله فقرر أن يتخلص منه.
فعلق السيد المسيح على الصليب. والصليب صنع من خشب الشجر ويقول القديس مار أفرام السريانى }على الصليب عُلقت الثمرة{وقال الرب للشيطان: هل ترضى أيها الموت أن تبتلع هذه الثمرة المعلقة على هذه الشجرة؟ والمقصود بالموت هنا هو إبليس. قال: نعم سوف ابتلعها. وفتح الموت فاه لكى يلتهم هذه الثمرة المعلقة على الشجرة. لأنه رآها شهية للنظر وجيدة للأكل. لكن عندما ابتلع الموت هذه الثمرة ابتلع الحياة فكانت النتيجة أن ابُتلع الموت من الحياة. كأن تبتلع حجرة مظلمة مصباحاً موقداً مضيئاً، فالظلام يتبدد.
فمـن هو الـذى ابتلع الآخر؟؟
هل الظلام هو الـذى ابتلع النور؟
أَم النور هو الذى ابتلع الظلام؟!.
إن هنـاك نـوع مـن السـمك الصغير عنـدمـا يبتـلعه السـمك الكبير؛ فالسمكة الصغيرة تأكل بطن السـمكة الكبيرة من الداخل حتى تثقبها وتخرج منها وتتغذى عليـها. فمع أن السمكة الكبيرة هى التى ابتلعت الصغيرة، لكن الصغيرة هى التى أكلت الكبيرة. فكما قال القديس مار أفرام السريانى}الموت ابتلَع الحياة فالموت ابتُلِع من الحياة{. فالجحيم ابتلع الحـياة ولكنه لم يستطع أن يحتمل الحياة فى داخله.

بالموت داس الموت
صحيح أن الموت أعلن قداسة الله على الصليب. حينما احتمل السيد المسيح الغضب الإلهى الذى نتج عـن خطايا البشر، ولكنه فى نفس الوقت غلب الموت وانتصر عليه. مثل شخص مصارع يسألونه هل تستطيع أن تغلب الأسد؟ فيقول نعم. بل أستطيع أكثر من ذلك. أستطيع أن أترك الأسد يبتلعنى ثم بعد ذلك انتصر عليه. وبذلك يكون ذلك المصارع هو أقوى الأقوياء. فالسيد المسيح ترك الموت لكى يبتلعه ثم بالموت داس الموت وقام منتصراً فى اليوم الثالث من بين الأموات. لم يقمه أحد ولكنه بسلطانه الإلهى قد أقام نفسه.
فمثلاً لعازر أخو مرثا ومريم أقامه السيد المسيح إذ قال له "لعازر هلُمَّ خارجاً" (يو11: 43).

ولكن السيد المسيح من الذى أقامه؟!!
وكما قال "ابن الإنسان سوف يسلم إلى أيدى الناس فيقتلونه وفى اليوم الثالث يقوم" (مت17: 22، 23). وقال لليهود عن هيكل جسده "انقضوا هذا الهيكل وفى ثلاثة أيام أقيمه" (يو2: 19). وقد اعتقد اليهود أنه يتحدث عن هيكل سليمان ولكنه كان يتكلم عن هيكل جسده وكما يقول الكـتاب "أين شـوكتك يا موت أين غلبتك يا هاوية؟!" (1كو15: 55).
وقد قـام الســيد المســيح من بين الأمـوات. وإن لم يـكن قد قام فسـوف تكون القصة محزنة جداً. فالسـيد المسيح بموته حل مشكلة الخطية. ولكن إن كان قد مات ودفع ثمن خطايانا وحل مشكلة الخطية لكنه لم يحل مشكلة الموت.

فبموته حل مشكلة الخطية وبقيامته حل مشكلة الموت الذى نتج عن الخطية.
إنه بالقيامة قد فرح التلاميذ، وفرحت الكنيسة، وفرح العالم كله "أنار الحياة والخلود" (2تى1: 10). وأيضاً يقول الكتاب "فإن الحياة أُظهَرت وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التى كانت عند الآب وأظهرت لنا" (1يو1: 2)


أهمية القيامة بالنسبة للبشرية
إن هـذه القـصة تبـين لنا أهمية القيامة بالنسبة للبشرية، وكذلك تبين لنا فكرة الفداء والكفارة والخلاص بدم المسيح.. كان شخصاً يوصى ابنته أن لا تخرج من المنزل فى وقت متأخر، لأنه يخاف عليها. ولكنها كانت تظن أن والدها لا يحبها. لأنه يقيدها ويعطيها أوامر. وهى تريد أن تخرج مع صديقاتها وتستمتع. وفى أحد الأيام تزينت وكانت تريد أن تخرج. وسـألها والدها إلى أين تذهب؟ ولكنها لم ترد أن تجيب وخرجت وهى لا تبالى. فذهب وراءها بدون أن تشعر لأنه كان يخاف عليها.
فطلع عليها مجموعة من الشبان يريدون أذيتها وسرقتها. فلم يحتمل والدها هذا المنظر وتحرك بسرعة نحوهم وهو يصرخ: ابنتى.. ابنتى. وبظهوره المفاجئ تركوا الابنة، واشتبكوا مع الأب بالسكاكين. وأفلتت الابنة ونظرت والدها وهم يذبحوه أمام عينيها. وذهبت إلى منزلها وهى فى حالة من الانهيار التام وهى تبكى وتقول لأمها: أنا السبب فى قتل أبى وهو قد ذُبح أمامى. وجلست تتذكر أنه كم من المرات قد أوصاها وكانت تعتقد أنه لا يحبها: كانت ترى فى وصيته أنه يكرهها وهى لا تدرك مـدى محبته لها. وقد ظلت على هذه الحالة حزينة وكئيبة، وهى لا تطيق الحياة.
وفى أحد الأيام وجدت الباب يقرع. وعندما فتحت الباب وجدت والدها أمامها، فرحت به وقبلته وسألته كيف أتى؟ فقال لها قد أتيت حتى لا تعيشين طوال عمرك وأنت تشعرين أنك أنت التى تسببتى فى موتى. فكما أن حبى لكِ جعلنى أموت من أجلك.. فحبى لكِ أيضاً هو الذى جعلنى أرجع مرة ثانية للحياة لكى أجعلك تفرحين بقيامتى.. تفرحين بتوبتك ورجوعك إلىّ.. تفرحين بحياتك معى. وهذه كانت فرحة الكنيسة عندما تقابلت مع السيد المسيح القائم.

المغزى من وراء القيامة
وهنا نسـتطيع أن نفهم المغزى الذى وراء القيامة. حيث إن السيد المسيح قد رجع إلى الكنيسة لكى يفهمها أنه حتى حزن الصليب لا يستطيع أن يتركها فيه. فبالرغم من أنه قد دفع ثمن خطايانا ولكننا سوف نعيش طوال العمر ونحن نشعر أن أيدينا ملوثة بدم السيد المسيح لأننا نحن السبب. لذلك قال القديس بولس عن السيد المسيح "الذى أُسلم من أجل خطايانا وأُقيم لأجل تبريرنا" (رو4: 25). لأننا لا نستطيع أن نتبرر ونستعيد سلامنا إلا إذا قام السيد المسيح من بين الأموات. فإذا كان بالصليب قد دفع ثمن خطايانا، فبقيامته محا خطايانا وسامحنا وصالحنا.
وقد كان الإنـسـان لابـد أن يـطمئن على مصــيره وذلك بعودة الحياة من جديد مرة أخرى. وهذه هى القيامة التى تبشر بها المسيحية فى العالم كله. وعندما أراد الرسل اختيار أحـد التلاميذ بدلاً من يهوذا الإسخريوطى قالوا نختار واحداً شاهداً معنا بقيامة السـيد المسـيح "يصـير واحداً منهم شاهداً معنا بقيامته" (أع1: 22).

المسيح هو باكورة الراقدين
إن المسيحية تبشر بالحياة وبقيامة السيد المسيح من بين الأموات "قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين" (1كو15: 20). وبذلك عرف الإنسان أنه يوجد حياة أخرى بعد الموت، وكذلك عندما شاهد التلاميذ السيد المسيح صاعداً إلى السماوات. عرفوا أنه ليس فقط يوجد حياة بعد الموت ولكن يوجد ملكوت سماوى وحياة أفضل. لذلك فإن السيد المسيح قال "أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل" (يو10: 10).

الذى رآنى فقد رأى الآب
يُحكَى عـن ملك أوحـى عـدو لـه إلى الشـعب أنه ملك مستبد وقاسى لذلك شعروا أنهم لا يستطيعون أن يحبوه. فسمع الملك هذا الكلام وشعر أن الشعب متضايق منه لأنهم لا يفهموه. فلبس ثياب بسيطة فوق ثياب الملك ونزل وعاش فى وسطهم، يحل لهم مشاكلهم ويترأف عليهم، ويعطيهم من حكمته، والمريض يظل بجواره ويخدمه حتى يُشفى. فأحبه جميع الشعب جداً وقالوا لم نرَ شخصاً بهذه الروعة نحن نريد هذا الرجل أن يكون ملكاً علينا.
وفى أحد الأيام خطفوه وذهبوا به إلى قصر الملك واقتحموا القصر وهتفوا قائلين: يحيا الملك.. يحيا الملك وأجلسوه على العرش. فخلع الملك الثياب التى كان متخفياً فيها وقال لهم أنا هو الملك أنتم لم تعرفونى، ولكنكم الآن قد عرفتم محبتى وعرفتم حقيقتى.
لذلك عندما قال فيلبس أحد الإثنى عشر تلميذ للسيد المسيح "يا سيد أرنا الآب وكفانا. قال له يسوع أنا معكم زماناً هذه مدته ولم تعرفنى يا فيلبس. الذى رآنى فقد رأى الآب فكيف تقول أنـت أرنــا الآب؟!‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ ألسـت تؤمن إنى أنــا فى الآب والآب فىّ" (يو14: 8-10). فالآب والابن والروح القدس إله واحد.

هل المسيح هو الله أم ابن الله؟
سألتنى إحدى البنات الصغيرات فى مدارس الأحد هل المسيح هو الله أم ابن الله؟ فأجبتها إن أى ملك هو ابن ملك فعندما نقول عنه أن هذا هو الملك يكون الكلام صحيحاً، وعندما نقول إنه ابن الملك يكون الكلام صحيحاً أيضاً لأنه من الجنس الملوكى: فهو ملك ابن ملك.
فالسيد المسيح هو الله بسبب جوهره الإلهى أنه واحد مع الآب فى الجوهر، وهو ابن الله بسبب أنه كلمة الله المولود من الآب قبل كل الدهور. وهناك من يسأل. هل المسيح إنسان ثم أصبح إله فنجيب. لا. لأننا نرفض تماماً أن أى إنسان يصير إلهاً.
لكن السيد المسيح هو إله متجسد، وليس إنساناً متألهاً.
لذلك نقول فى قانون الإيمان }نؤمن برب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور{ أى قبل خلق العالم والملائكة والبشر. فكلمة الله مولود من الآب.}نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، مساوى للآب فى الجوهر{.


مولود غير مخلوق
إن الآب لم يخلق الابن، لأننا نعرف أن الابن هو كلمة الله، ويمكن أن نأخذ تشبيهاً سهلاً: مثل العقل والفكر. فالعقل يلد الفكر، ولا يوجد عقل بدون فكر. والعقل بدون فكر لا يكون عقلاً. والنور يلد الشعاع، فهل النور يتزوج لكى يلد الحرارة!! بالطبع لا. إذن فولادة العقل من الفكر هى ولادة طبيعية، وكذلك ولادة النور من النور هى ولادة طبيعية.
ولكن هـل لأن العقـل هو الذى يلد الفكر فمعناه أن العقل كـان يوجد من قبل الفكر؟‍! فالإجابة لا. لأن العقل بدون فكر لا يكون عقلاً. فالعقل والفكر شئ واحد، لا يمكن فصلهما لأنه كيف يمكن فصل العقل عن الفكر الموجود داخله!! لأنه لو تم فصل العقل من الفكر: فالعقل لا يكون عقلاً. وكذلك لو تم فصل كلمة الله عن الله، فالله يفقد ألوهيته. وإذا كان العقل لا يوجد له بداية فالفكر أيضاً لا يوجد له بداية.
إذا كان الآب أزلياً فالابن أيضاً أزلى والآب وكلمته واحد لا يمكن فصلهما لذلك قال "أنا والآب واحد" وليس فقط الآب والكلمة واحداً؛ ولكن الآب والكلمة والروح القدس لـذلك نقول }باسـم الآب والابـن والـروح القدس إله واحد آمين{.
نحن نؤمن أن الله واحد. لأنه لا يوجد أكثر من إله فى الوجود. لكن الله الآب ليس من الممكن أن يكون هو الله إلا إذا كان هو أبو الكلمة فلا يوجد أب بدون ابن. مثل الينبوع والتيار فالينبوع يلد التيار. الينبوع والد التيار المولود: لكن لا يوجد ينبوع بدون تيار ولا تيار بدون ينبوع، لأنه كيف أتى الماء. فلابد أن يكون الينبوع له تيار والتيار له ينبوع لذلك قال "تركونى أنا ينبوع المياه الحية لينقروا لأنفسهم أباراً أباراً مشققة لا تضبط ماء" (أر2: 13). والسيد المسيح قال "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو14: 6). فالماء الحى الخارج من الآب هو الابن. لأن الابن قال أنا هو الحياة. فالآب هو الوالد والابن هو المولود. لكن بدون زواج.
إن الـولادة من الآب السـماوى شـئ، والـولادة من العـذراء شئ آخر. فهو مولود من الآب قبل كل الدهور وقبل خلق العالم كله ولادة إلهية روحية بدون أم. لذلك نقول عنه فى قانون الإيمان }المولود من الآب قبل كل الدهور{. عندما أراد الله أن يخلصنا أرسل ابنه مولوداً من امرأة مولوداً تحت الناموس ليفتدى الذين هم تحت الناموس من لعنة الخطية كما قال الكتاب "ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة مولوداً تحت الناموس. ليفتدى الذين تحت الناموس لننال التبنى" (غل4: 4، 5) وأيضاً يقول الكتاب "الكلمة صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيدٍ من الآب مملوءًا نعمةً وحقاً" (يو1: 14). إنه كلمة الله الأزلى الذى هو كائن فى حضن الآب كل حين وكما يقول "الابن الوحيد الذى هو فى حضن الآب هو خبَّر" (يو1: 18). فعندما تجسد الكلمة رأينا الله. لذلك يقول "الذى رآنى فقد رأى الآب" (يو14: 9).

كيف تم التجسد؟
لقد حل الروح القدس على العذراء مريم بدون زواج، وطهَّرها، وقدسها، وملأها نعمة، وكوّن من جسدها ناسوتاً أو طبيعة إنسانية. وهذه الطبيعة البشرية الخاصة بـه اتخذها كلمة الله وتجسد بها، لكى يولد من العذراء كإنسان. وكما نقول إنه بولادته من الآب قد دعى ابن الله، هكذا نقول بولادته من العذراء يسمى ابن الإنسان. ولكن ابن الله هو هو نفسه ابن الإنسان، وليس شخصاً آخر؛ حتى بعد ولادته من العذراء هو ابن الله. لذلك قال الملاك للعذراء "القدوس المولود منك يدعى ابن الله" (لو1: 35). والسيد المسيح نفسه كان أحياناً يسمى نفسه "ابن الإنسان"، وأحياناً أخرى "ابن الله".
فكما وُلد من الآب قبل كل الدهور ولادة روحـية إلهية بدون أم، هكذا أيضاً ولد فى ملء الزمان ولادة إنسانية بدون أب. فهو ولد من الآب أزلياً بدون أم، وولد من العذراء ولادة زمنية بدون أب. فلا ينبغى أن يتم خلط الولادتين معاً. ولا يسأل واعظ ساذج أو بسيط فى عظة }المسيح من أبوه؟!{. فيرد الناس ليس له أب. فيرد فى بساطة ويقول لأن الله أبوه. وهذا الكلام غير صحيح فالمسيح ليس له أب جسدى لأنه ولد من العذراء بدون أب، وليس له أم فى اللاهوت لأنه ولد من الآب بلاهوته بدون أم.

كيف أن الآب والابن والروح القدس واحد؟
النار يوجد بها لهب؛ واللهب يخرج منه نور وحرارة. فاللهب يسمى نار، والنور يسمى نار، والحرارة تسمى نار، والدليل على ذلك من الممكن أن نقول إننا نوقد النار، أو إننا نوقد اللهب، أحياناً نقول نحن نستنير بالنار أو نحن نستدفئ على الحرارة أو نحن نستدفئ على النار. فاللهب والنور والحرارة الخارجة منه شئ واحد أى نار واحدة وليسوا ثلاثة نيران. ولكن اللهب غير النور غير الحرارة. ومع أن اللهب غير النور غير الحرارة ولكن اللهب إن لم يلد نوراً ويشع حرارة لا يكون ناراً على الإطلاق. فاللهب بنوره وحرارته يكون ناراً حقيقية.

هكذا إذا تأملنا فى الثالوث القدوس نفهم أن الآب هو الله، والابن هو الله، والروح القدس هـو الله. مثل اللهب نـار، والنور نـار، والحرارة نار، فالآب هو الله الآب، والابن هو الله الابن، والروح القدس هو الله الروح القدس، ويمكن أن يُقال الله فقط بدون الآب. كما نقول أن اللهب هو نار فالتسمية ليست مشكلة ولكن إذا لم يوجد الابن لا يوجد الله. لأنه لا يوجد آب بغير ابن ولا توجد نار بغير حرارة؛ حتى لو كان هناك لهب. لأن اللهب بدون حرارة ليس له قيمة، وكذلك أيضاً العقل بدون فكر ليس له قيمة، فالمولد يلد كهرباء، والنور يلد شعاع، والعقل يلد فكر، والزهور تلد رائحة، والمغناطيس يلد مجال مغناطيسى، والنبات يلد براعم، ولا يوجد شئ فى الوجود كله لا يلد غير الحجر والجماد الأصم. فالله أعلن لنا أنه كإله واحد هو آب وابن وروح قدس.

كيف يموت السيد المسيح وهو الله الكلمة المتجسد ؟
إن السـيد المسـيح قد مات بحسب الجسـد، لكن لم يمت بحسب طبيعته الإلهية. فالإنسان العادى له روح وجسد: فروحه لا تموت، ولكن جسده يموت، وهو إنسان واحد. فبعد أن يموت جسد الإنسان يبقى روحاً حياً لأن إلهنا "ليس هو إله أموات بل إله أحياء" (مر12: 27).
فإذا كان الإنسان روحه وجسـده متحدان معاً، ومـن الممكن أن يموت بحسب الجسد ولا يموت بحسب الروح كما قيل عن ناسوت السيد المسيح بعد موته على الصليب بالجسد وبقاء روحه الإنسانية حياً وكلاهما متحداً باللاهوت "مماتاً فى الجسد ولكن محيياً فى الروح" (1بط3: 18). فبنفس الصورة الكلمة المتجسد من الممكن أن يموت بحسب الجسد ولا يموت بحسب الروح الإنسانية، وبالطبع أيضاً بالمثل لا يموت بحسب الطبيعة الإلهية، لأن لا الروح الإنسانية يموت، ولا اللاهوت يموت.

كيف يوضع فى القبر ومن كان يدير العالم وقتئذ؟
إن الذى وضع فى القبر هو جسد السيد المسيح المتحد باللاهوت، ولكن فى نفس الوقت لاهوته يملأ الوجود كله. وأيضاً بالمثل كيف

وهو فى بطن العذراء يدير العالم كله؟!
إن أى شـخص لـه جـهاز تليـفـزيـون يمكـنه أن يسـتقبل فـيه الصورة والإرسال. ولكن الإرسال مالئ الفراغ المحيط به بحيث يمكن أن يستقبل نفس الإرسال شخص آخر فى دولة أخرى حول العالم، وهو نفس الإرسال فبرغم من أن الإرسال مالئ الأجــواء العليا إلا أنــه يمـكن أن يُســتقبَل فى جهاز صغير بكل تفاصيله وأحداثه وألوانه وكلماته.
فعندما تجسد السيد المسيح فى بطن العذراء اتحد اللاهوت بالناسوت وفى نفس الوقت لاهوته كان يملأ الوجود كله، ولا يحده مكان. فإذا كان إرسال التليفزيون من الممكن أن يملأ الأجواء والعالم كله ولا نتعجب من استقباله فى جـهاز صغير فى بيت!!

هل نتعجب أن لاهوت السـيد المسيح يملأ الوجود كله وفى نفس الوقت تستقبله العذراء مريم متجسداً فى بطنها بسر لا ينطق به ومجيد
. ونفس الوضع عندما كان فى القبر وهو نفسه قال "ليس أحد صعد إلى السـماء إلا الـذى نزل من السماء ابن الإنسان الـذى هو فى السـماء" (يو3: 13). أى أن لاهوته يملأ السماء والأرض.

هل يمكن أن يتجسد الله؟
إن الله منزه عن الخطية، والتجسد ليس خطية والسيد المسيح جاء قدوس وبلا خطية. والجميع يعترفون بـهذا والله منزه عن التغير ونحن نقول إن لاهوته متحد بناسوته بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير، والتجسد لم يجعل اللاهوت يتغير بدليل أننا نقول إن السيد المسيح مـات بحسب الجسد، وليس بحسب اللاهوت. فعند التجسد لم يمت اللاهوت أى أن لاهوته لم يتغير قبل وبعد التجسد. فطبيعته الإلهية لم تتغير. إذن فلا يوجد تغير ولا خطية، ولكن التجسد كان لأجل خلاص البشرية ولإظهار حب الله.
وكما ظهر الله لموسى على هيئة نار فى العليقة والكل يعترفون بذلك.. وكلمه قائلاً "أنا الله" وقد رآه على هيئة نار مشتعلة فى الشجرة. إذن الله من الممكن أن يظهر.

فأيهما أفيد وأفضل؟!
أن يظهر على هيئة نار؟
أم أن يظهر كفادٍ ومخلص، لكى يـظهر لنا محبته على الصليب؟!! إن العليقة المشتعلة بالنار فى برية سيناء كانت تشـير إلى التجسد فى بطن العذراء مريم حيث لم يحترق الناسـوت لسبب اتحاده باللاهوت، وتشير إلى الصليب، لأنه على الصليب اشتعلت نار العدل الإلهى. والشجرة التى ترمز إليها العليقة هى خشبة الصليب. لذلك يذكرنا مشهد الصليب بالمشهد الذى رآه موسى على الجبل.
وهنا قـد أوضـحنا أن السـيد المسـيح هـو ابـن الله الوحـيد الذى تجسّد لأجل خلاصنا، لكى يفدينا وأعطانـا حياته لكى نعيش بها كما يقول بولس الرسول "وهو مات لأجل الجميع كى يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذى مات لأجلهم وقام" (2كو5: 15)
فهل نحيا نحن وندرك أننا لسنا لذواتنا ولا لشهواتنا بل للمسيح الذى اشترانا بدمه؟..
 

philanthropist

أميرة الورد
عضو مبارك
إنضم
30 يوليو 2013
المشاركات
1,239
مستوى التفاعل
161
النقاط
0
الإقامة
القصر الملكى السماوى قصر الملك يسوع المسيح
2- تحقيق النبوات

لماذا ولد السيد المسيح فى بيت لحم؟

إن السيد المسيح هو ملك الملوك، ورب الأرباب. وقد أراد بميلاده فى بيت لحم أن يعلمنا الإتضاع، وأن الكرامة الحقيقية تنبع من الداخل وليس من المظاهر الخارجية. فالحب مجد، والكراهية عار. فليس المجد فى الملابس الثمينة الغالية الثمن أو الذهب. فالإنسان الأصيل هو الذى معدنه مثل الذهب، هذا هو الإنسان الذى له المجد الداخلى. وهذا هو أول درس يعلمه لنا السيد المسيح من ميلاده فى حظيرة للأغنام. وهناك دروس أخرى هامة من الممكن أن نتعلمها من قصة الميلاد.

هوذا حمل الله الذى يرفع خطية العالم

لقد ولد السيد المسيح فى وسط الأغنام لأنه هو حمل الله، وكما قال يوحنا المعمدان "هوذا حمل الله الذى يرفع خطية العالم" (يو1: 29). فكان من الطبيعى أن الخروف الذى سيحمل خطية العالم، والذى سيذبح من أجل خلاصنا؛ أن يولد فى وســط الأغنام

أو الخرفان. وبالأخص فى مدينة بيت لحم حيث المراعى الكثيرة.

فبيت لحم كانت تُربَى فيها الأغنام حيث المراعى الكثيرة. كما أنها كانت قريبة من أورشليم. وأيضاً يوجد بها هـيكل سليمان الذى كانت تقدم فيه ذبائح لغفران خطايا الشعب فى العهد القديم. وهذا الغفران كان رمزاً للغفران الحقيقى الذى تم بذبيحة الصليب، وذلك عندما سفك المسيح دمه على الصليب، ومات من أجل خطايانا، ثم قام من الأموات، وصعد إلى السموات. فكان من الطبيعى أن الحمل يولد فى وسط الحملان. وهذه نبوة واضحة جداً عن أنه حمل الله الذى يحمل خطية العالم كله.

معنى الفداء

أمر الله إبراهيم أن يذبح ابنه وحيده إسحق، فأخذ إبراهيم ابنه إسحق وربطه، ووضعه على الحطب حتى يذبحه، فمنعه الله وأرسل إليه خروفاً، فأخذه إبراهيم وذبحه عوضاً عن إسحق حسب أمر الرب. أى أنه قد فدى إسحق بهذا الخروف، وهذا هو معنى الفداء.

إن السيد المسيح قد جاء لكى يقدم نفسه فدية أو ذبيحة من أجلنا. وكان الدافع لهذه التضحية هو محبته لنا. وذلك لكى يوفى الدين الذى علينا بسبب الخطية. فبميلاد السيد المسيح فى وسط الحملان، أراد أن يوضح لنا من أول لحظة لميلاده فى العالم، أنه لم يأتِ لكى يتنعم بالحياة على الأرض، بـل لكى يقدم نفسه ذبيحة. ففى الميلاد نرى الصليب بطريقة رمزية واضحة فى الأحداث المحيطة بالميلاد.

الرب راعىّ فلا يعوزنى شىء

إن السيد المسيح هو الراعى، وهو الحمل أيضاً. فمن الطبيعى أن يكون الراعى فى وسط الأغنام. لأنه إن لم يولد فى وسط الغنم فمن الذى سوف يرعاهم؟!! إن وجوده فى وسط الحملان أو الغنم؛ يعلن أنه هو الراعى الحقيقى، وكما يقول المزمور "الرب يرعانى فلا يعوزنى شىء. فى مراع خضر يربضنى، على مياه الراحـة يـوردنى، يرد نفسى، يـهدينى إلى سُــبُل البر مـن أجل اسمـه" (مز22: 1-3).

فمن الذين بشرهم الملاك بميلاد السيد المسيح فى ليلة ميلاده؟ إن المجوس قد أتوا بعد فترة عندما ظهر لهم النجم فى المشرق، وأتوا وقدموا هداياهم. فمن الذين احتفلوا بميلاد السيد المسيح فى ليلة ميلاده؟!! إلى جوار السيدة العذراء القديسة مريم والدة الإله، وخطيبها القديس يوسف النجار الذى كلفه الله برعاية السيدة العذراء والطفل المولود، وطبعاً لم يكن متزوجاً من العذراء بمعنى الزواج الجسدى؛ لكنه كان حارسـاً وخادماً للطفل المولود لكى يؤدى رسالته، وإلى أن يكبر هذا الطفل وتبدأ فيما بعد خدمته من أجل خلاص العالم.

بشارة الملاك للرعاة

"وكان فى تـلك الكورة رعـاة متبدين يحرسـون حراسـات الليل على رعيتهم. وإذا ملاك الرب وقـف بهم ومجد الـرب أضاء حولهم، فخافوا خوفاً عظيماً. فقال لهم الملاك: لا تخافوا؛ فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب. إنه ولد لكم اليوم فى مدينة داود مخلص هو المسيح الرب. وهذه لكم العلامة تجدون طفلاً مقمطاً مضجعاً فى مذود. وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوى مسـبحين الله وقـائـلـين. المجــد لله فى الأعـالى وعـلى الأرض السلام وبالناس المسرة" (لو2: 8-14).

فالذين بُشروا بميلاد السيد المسيح، ونظروا هذه المناظر السماوية العظيمة، وسمعوا البشارة المفرحة بميلاد المخلص؛ هم الرعاة الذين يرعون الغنم. لأن هؤلاء هم زملاء السيد المسيح راعى الخراف العظيم وراعى الرعاة ومن الطبيعى أن يحتفل السيد المسيح بميلاده فى وسط زملائه.

أنا هو الراعى الصالح

لقد ولد السيد المسيح فى وسـط الأغنام. لأنه هـو الراعى. والذين أتوا لكى يباركوا لولادته هم زملاؤه الرعاة. فمسألة أن السيد المسيح هو الراعى مسألة خطيرة جداً، وهامة جداً. لأنه هو نفسه قال "أنا هو الراعى الصالح. والراعى الصالح يبذل نفسه عن الخراف" (يو10: 11). وأيضـاً قـال "لهـذا يحبـنى الآب لأنـى أضـع نفسـى لآخـذهـا أيضاً" (يو10: 17).

وقد كرر السيد المسيح أنه هو الراعى الصالح، وأكد أنه قد أتى لكى يقدم الرعاية الحقيقية باعتباره أنه هو الله الظاهر فى الجسد. وهو الله الراعى الحقيقى. كما قال داود النبى "الرب يرعانى فلا يعوزنى شئ" (مز22: 1). فكان لابد أن السيد المسيح يكون هو الراعى. لأن الرعاة الذين هم كهنة إسرائيل كانوا قد أهملوا الرعاية. فكان لابد أن يأتى رئيس كهنة جديد يكون هو الراعى.

إن رعاة إسرائيل هم الذين صلبوا السيد المسيح. لذلك تغير الكهنوت من كهنوت العهد القديم الهارونى إلى كهنوت العهد الجديد على رتبة ملكى صادق. أى كهنوت السيد المسيح الذى يقدم فيه جسده ودمه فى العهد الجديد بعد إتمام الفداء. خبز وخمر حاضر على المذبح، نتناول منه من أجل غفران خطايانا، ونيل الحياة الأبدية. فالسيد المسيح هو نفسه الذى أسس سر العشاء الربانى فى ليلة صلبه، وأعطاه لتلاميذه وقال "اصنعوا هذا لذكرى" (لو22: 19) أى تذكاراً حياً معاشاً لموته على الصليب وقيامته من بين الأموات.

لماذا اختار الملاك الرعاة ؟

إن هناك فرق بين راعٍ ساهرٍ على حراسة الرعية؛ وبين راعٍ يبدد الرعية. وهنا نسأل ما هو السبب فى اختيار الملاك لهؤلاء الرعاة إلى جوار أنهم كانوا ساهرين؟ السـبب إن هؤلاء الرعاة كانوا يبحثون عن الخلاص. والدليل على ذلك؛ أنه عند ذهاب السيدة العذراء مريم إلى الهيكل لكى تقدم السـيد المسيح بعد أربعين يوماً من ميلاده، وقفت حنّة النبية بنت فنوئيل، وتـكلمت عن المسـيح مع جميع المنتظرين فــداءً فى أورشـليم.

أى أن روح الله قد أعلن لها أن هذا هـو المخلص.. بمجرد دخول السيد المسيح الهيكل، تكلم روح الله على فم حنّة النبية، وبدأت تتحدث عن أنه هو خلاص إسرائيل، وخلاص العالم "وكانت نبية حنّة بنت فنوئيل من سبط أشير.. فهى فى تلك الساعة وقفت تسبح الرب وتكلمت عنه مع جميع المنتظرين فداءً فى أورشليم" (لو2: 36-38).

إن الروح القدس كان يحرك بعض الأشخاص فى وقت ميلاد السيد المسيح، فكما بشر الملاك العذراء مريم والروح القدس حل عليها، كذلك امتلأت أليصابات من الروح القدس وقالت للسيدة العذراء "مباركة أنت فى النساء ومباركة هى ثمرة بطنك. فمن أين لى هذا أن تأتى أم ربى إلىَّ" (لو1: 42- 43).

وكذلك امتلأ زكريا من الروح القدس عند ميلاد يوحنا المعمدان، وفتح فمه وقال "مبارك الرب إله إسرائيل لأنه افتقد وصنع فداءً لشعبه. وأقام لنا قرن خلاص فى بيت داود فتـاه" (لـو1: 68- 69). فالـروح القـدس كان يــعمل فى أشخاص كثيرين وقت أحداث الميلاد، قبله وخلاله وبعده.

إن حدث ميلاد السيد المسيح، ومجيئه إلى العالم، هو بداية تحقيق وعد الله لخلاص البشرية. فقال زكريا أبو يوحنا المعمدان "مبارك الرب إله إسرائيل لأنه افتقد وصنع فداء لشعبه" (لو1: 68) لأن الله قد تذكر وعده المقدس، لذلك فإن كلمة زكريا تعنى "الله تذكّر"، واسم يوحنا يعنى "الله تحنن" واسم يسوع يعنى "الله يخلص". أى أن الله قد تذكّر.. الله قد تحنن.. الله قد خلّص. فعندما قال زكريا "مبارك الرب إله إسرائيل لأنه افتقد وصنع فداء لشعبه" (لو1: 68). أكمل وقال "ليصنع رحمة مع آبائنا ويذكر عهده المقدس" (لو1: 72).

إن الله لم ينس وعـده، لكنه كـان ينتظر الوقـت المنـاسـب. وذلك بعد أن يكون قد أعد كل شئ. وقد كُتبت نـبوات كثيرة فى الكتب المقدسة تمهد لمجيء المخلّص، ورموز كثيرة. لأن تجسد كلمة الله، أو ظهور الله الكلمة فى الجسد، لم يكن شيئاً بسيطاً لكى يقدر الإنسان أن يفهمه، أو أن يستوعبه. فكان لابد أن يمهد الله برموز وأحداث كثيرة. كما أنـه كما ينبغى أن ينتظر حتى يجد الإنسانة المباركة جداً التى تستحق أن تكون والدة الإله وهى القديسة العذراء مريم. ولأسباب كثيرة انتظرت البشرية عدة آلاف من السنين حتى أتم الله وعده.

يـقول الكــتاب "القســم الذى حلف لإبـراهيم أبيـنا" (لو1: 73).

فالقسم قد أعطاه الله لإبراهيم؛ فكان لابد أن ينتظر حتى يأتى إبراهيم، وعندما أتى إبراهيم. كان قد مر عدة آلاف من السنين. فهذا يوضح أنه كان لابد من حدوث بعض المراحل لكى عنـدما يتم الخلاص، يكون إتمام الخلاص هـو تحقيق لوعود قالها الله، ونبوات كتبها الأنبياء القديسون، وسجلوها فى كتب العهد القديم.

إن الروح القدس كان يعمل فى شخصيات كثيرة. ومن بين هذه الشخصيات الرعاة الساهرون على حراسة رعيتهم. ولكن ليـس فقط لأنهم كانوا ساهرين، ولكن يوجد أسباب أخرى.. فزكريا أبو يوحنا المعمدان عندما تكلم عن ما ذكرته الكتب المقدسة قال "كما تكلم بفم أنبيائه القديسين الذين هم منذ الدهر. خلاص من أعدائنا ومن أيدى جميع مبغضينا. ليصنع رحمة مع آبائنا ويذكر عهده المقدس. القسم الذى حلف لإبراهيم أبينا" (لو1: 70-73). أى أنه كان شخصاً يعيش ويدرس نبوات الأنبياء التى تتحدث عن مجيء المخلّص.

وأيضاً الأرملة القديسة التى عاشت فى الهيكل أربـع وثمانين سنة، وذلك بعد ترملها بسبعة سنين من زواجها. فهذه الأرملة كانت خلال هذه الأربع والثمانين سنة لا تفارق الهيكل. وكما يقول الكتاب "وهى أرملة نحو أربع وثمانين سنة لا تفارق الهيكل عابدة بأصوام وطلبات ليلاً ونهاراً" (لو2: 37).

فقد ظلت أربع وثمانين سنة لا تفارق الهيكل. وذلك فى المكان المخصص للنساء، وليس فى الأماكن الخاصة بالكهنة. وقد كانت أثناء هذه السنين تدرس، وتستمع إلى الصلوات اليومية، والقراءات المقدسة، وتقرأ فى الأسفار المقدسة. أى أنها كانت متفرغة للعبادة أربع وثمانين سنة. لذلك عمل الروح القدس فى داخلها، فى نفس الوقت الذى كانت تعيش فيه كل هـذه المعانى التى تتكلم عن مجيء المخلص، وميلاد السيد المسيح.

إن الحدث الذى رأته بعينها قد عاشته بقلبها. أى إنها قد رأتـه بعينى قلبها قبل أن تراه بعينيها الطبيعية. فتقابل الإحساس الذى عاشته فى داخلها مع المنظر الذى رأته بعينيها. وعندما يتقابل شيئان يسرى التيار. مثلما يحدث عند غلق الدائرة الكهربية يصير من الممكن أن يسرى التيار. فالروح هو الذى تكلم على لسانها بدون أن يعلمها أحد.

الرعاة كانوا ينتظرون الخلاص

إن هؤلاء الرعاة كانوا ينقادون بالروح القدس، فما الذى كان من الممكن أن يتحدثوا فيه أثناء سهرهم ليلاً؟ من المؤكد أنهم كانـوا يتحدثون فى النبوات وفى الأسفار المقدسة. فمثلاً من الممكن أن يقولوا إنهم يرعون الأغنام التى تقدم منها ذبائح كثيرة فى الهيكل، وهذه الذبائح ترمز إلى الخلاص الذى وعد به الله. لكن متى سيأتى المخلص؟!

يقول الكتاب إن حنّة بنت فنوئيل تكلمت عنه مع جميع المنتظرين فداءً فى أورشليم. إن الله يعلن لمن ينتظره، ولكن الذى لا يهمه لماذا يعلن له؟!! فهؤلاء الرعاة كانوا ينتظرون مجيء المخلّص لذلك يقول الكتاب "وكان فى تلك الكورة رعاة متبدين يحرسون حراسات الليل على رعيتهم" (لو2: 8). وبالأخص أنهم كانوا فى بيت لحم اليهودية مدينة داود، ومن المعروف أن المسيح هو من نسل داود حسب الجسد، لذلك فهؤلاء الناس كانت المزامير هى تسليتهم.

إن التسبحة التى نقولها فى كل ليلة فى الكنيسة مليئة فى أجزاء كثيرة بالمزامير والتسابيح والنبوات التى تتحدث عن الخلاص، وعن عمل الله فى حياة البشر. والتسبحة نفسها غير المزامير بـها أجزاء من الأسفار المقدسة. فمثلاً الهوس الأول تسبحة موسى النبى وأخـته مـريم النبية مـع شـعب إسـرائيل عـند عـبور البـحر الأحمر. وقد كانت رمزاً للخلاص، ورمزاً للمعمودية.

إن الرعاة بكل تأكيد كانوا يسبحون، لذلك عندما كانـت هناك تسبحة على الأرض، كان هناك تسبيحاً فى السماء فيقول الكتاب "وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوى مسبحين الله وقائلين: المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة" (لو2: 13-14).

إن كلمة "بالناس المسرة" معناها باللغة اليونانية "المسرة فى قلوب الناس الصالحين". فالملائكة فرحوا بما حدث فى قلب الرعاة عندما سمعوا بشرى الخلاص. والمسيح هو رئيس السلام، وهو صانع السلام. لأنه هو الذى سيصالح الله مع البشر، ويصالح الإنسان مع أخيه الإنسان، ويصالح الإنسان مع نفسه. وكذلك هو الذى قال "طوبى لصانعى السـلام لأنهم أبناء الله يدعون" (مت5: 9).

إن الرعاة كانوا يسبحون ويتأملون ويصلون، لذلك ظهر لهم الملائكة. فمن يريد أن يحيا مع الملائكة حياة الصداقة والعشرة الحقيقية، يجب أن تمتلئ حياته بالصلاة، والتسبيح، والتأمل فى الأسفار المقدسة.

يقول سفر أشعياء "ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه" (أش53: 7). ولذلك نقول فى القداس الغريغورى }أتيت إلى الذبح مثل حمل حتى إلى الصليب{ ويقول الكتاب أيضاً "أما الرب فسُرَّ بأن يسحقه بالحزن ان جعل نفسه ذبيحة إثم يرى نسلاً تطول أيامه ومسرة الرب بيده تنجح" (أش53: 10). وأيضاً "حمل خطية كثيرين وشفع فى المذنبين" (أش53: 12).. "وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا" (أش53: 5). فالرعاة كانوا قد قرأوا هذا الكلام ويرددونه. وكانوا يسألون الرب متى سيرسل الحمل الحقيقى الذى يحمل خطايا العالم كله؟

أهمية السهر الروحى

إن هذه القلوب الساهرة المنتظرة المترقبة عمل الله؛ هى التى سيرسل الله إليها ملائكته. فالله لم يرسل ملائكته إلى الأشخاص المترفهين أو المتنعمين. بل أرسل إلى أناس يجلسـون فى العراء، وهم ساهرين على رعاية أغنامهم. وهذه هى أهمية السهر فى الحياة الروحية، وأهمية السهر فى الصلاة، وأهمية السهر فى الكنيسة والتسبيح.

إن هؤلاء كانوا رعاة للأغنام. والله كان يريد أن يرى رعاة للشعب. ويرى رعاية حقيقية. فيقول بفم نبيه حزقيال "يا ابن آدم تنبأ على رعاة إسرائيل، تنبأ وقل لهم هكذا قال السيد الرب للرعاة: ويل لرعاة إسرائيل الذين كانوا يرعون أنفسهم. ألا يرعى الرعاة الغنم؟! تأكلون الشحم وتلبسون الصوف وتذبحون السمين ولا ترعون الغنم. المريض لم تقووه والمجروح لم تعصبوه والمكسور لم تجبروه والمطرود لم تستردوه والضال لم تطلبوه بل بشدة وبعنف تسلطتم عليهم. فتشتتت بلا راعٍ وصارت مأكلاً لجميع وحوش الحقل وتشتتت. ضلّت غنمى فى كل الجبال وعلى كل تلٍ عالٍ وعلى كل وجه الأرض تشتتت غنمى ولم يكن من يسأل أو يفتش" (حز34: 2-6).

فالله كان حزيناً أن رعاة بنى إسرائيل كانوا قد أهملوا الغنم، وأهملوا الرعاية، وبحثوا عن ملذاتهم الشخصية، وظلموا الخراف. لذلك قال بطرس الرسول للرعاة "ولا كمن يسود على الأنصبة بل صائرين أمثلة للرعية" (1بط5: 3).

أنا أرعى غنمى وأربضها يقول السيد الرب

يقول الرب للرعاة "هكذا قال السيد الرب هأنذا على الرعاة وأطلب غنمى من يدهم وأكفهم عن رعى الغنم ولا يرعى الرعاة أنفسهم بعد فأخلص غنمى من أفواههم فلا تكون لهم مأكلاً. لأنه هكذا قال السيد الرب هأنذا أسأل عن غنمى وأفتقدها. كما يفتقد الراعى قطيعه يوم يكون فى وسط غنمه المشتتة هكذا أفتقد غنمى وأخلصها من جميع الأماكن التى تشتتت إليها فى يوم الغيم والضباب.. أنا أرعى غنمى وأربضها يقول السيد الرب" (حز34: 10-15).

إذن الرب هو الراعى الحقيقى وقال السيد المسيح "أنا هو الراعى الصالح والراعى الصالح يبذل نفسه عن الخراف" (يو10: 11). فقد جاء السيد المسيح لكى يشفى الجراح، ويقيم البشرية من سقطتها. ويعيد آدم إلى الفردوس مرة أخرى. ولكن ذلك لمن يقبل محبته، ويقبل خلاصه. كما هو مكتوب "وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أى المؤمنون باسمه" (يو1: 12).

وهنا يظهر العلاقة الوثيقة بين ليلة ميلاد السـيد المسيح، وبين إعلان الرب عن نفسه أنا هو الراعى. وذلك سواء فى العهد القديم عندما قال "أنا أرعى غنمى وأربضها يقول السـيد الرب" (حز34: 15)، أو كلام السيد المسيح عندما بدأ خدمته الخلاصية وعندما بدأ يتكلم عن نفسه باعتباره أنه هو الراعى الصالح وقال "وأنا أضع نفسى عن الخراف" (يو10: 15).

الأدلة أن الرعاة كانوا مرشدين من الروح القدس

ومن الأدلة أن هؤلاء الرعاة كانوا مرشدين من الروح القدس؛ إنهم استجابوا لإعلان الملاك عندما قال "لا تخافوا فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب، أنه ولد لكم اليوم فى مدينة داود مخلص هو المسيح الرب" (لو2: 10-11). أى أن الذى تنتظرونه قد حدث فاذهبوا وانظروا بأنفسكم "وهذه لكم العلامة تجدون طفلاً مقمطاً مضجعاً فى مذود" (لو2: 12).

فهل من الممكن أن يوضع طفل فى مذود للغنم؟!! إن المذود هو المكان الذى يوضع فيه أكل الأغنام. فلماذا يوضع الطفل فى المذود؟!! لقد وضع فى المذود لأنه لم تجد العذراء مريم مكان فى البيت. فعندما ذهبت مع يوسف إلى بيت لحم لكى تكتتب يقول الكتاب "وبينما هما هناك تمت أيامها لتلد. فولدت ابنها البكر وقمطته وأضجعته فى المذود إذ لم يكن لهما موضع فى المنزل" (لو2: 6-7).

إن الله لم يجد له مكاناً فى قلوب البشر، فولد فى وسط الأغنام لكى يقول للبشر أنتم الذين رفضتمونى فى حياتكم من الممكن أن الحيوانات تكون أكثر قبولاً لى إذا جلست فى وسطهم. لكن أنا قد جئت لتحويل حياتكم من حيوانات إلى بشر لأن الإنسان قد خلق على صورة الله، فأنا أريد أن أحول هذه الحظيرة إلى كنيسة فى العهد الجديد.

وبالفـعل فإن كنيـسة بيت لحـم قد بُنيت فى مـكان المـذود الذى ولد فيه السيد المسيح وأصبحت كنـيسة عظيمة ضخمة فى بيت لحم اسمها كنيسة المهد. فلم تعد حظيرة للخراف غير الناطقة لكن أصبحت حظيرة للخراف الناطقة أى البشر من شعب الله.

"ولما مضت عنهم الملائكة إلى السماء قال الرجال الـرعاة بعضهم لبعض لنذهب الآن إلى بيت لحم وننظر هذا الأمر الواقع الذى أعلمنا به الرب. فجاءوا مسرعين ووجدوا مريم ويوسف والطفل مضجعاً فى المذود" (لو2: 15-16).

فكيف عرف الرعاة فى أى حظيرة وُلد السيد المسيح؟!! إن بيت لحم كلها هى مدينة الأغنام، فقد كان كل عمل داود هو رعاية الغنم فكيف عرفوا أين هى الحظيرة إن كان لم يظهر لهم نجم، أو ذهب معهم ملاك؟!!

إن المجوس قد احتاجوا للنجم لكى يرشدهم إلى مكان وجود الطفل يسوع، وكان ذلك بعد فترة من ميلاد السيد المسيح، بدليل أن هيرودس عندما حسب المدة وتحقق زمان النجم الذى ظهر حسب المدة من ساعة ظهور النجم حتى ذهاب المجوس فوجد هذه المدة حوالى سنتين فأرسل وذبح كل الأطفال من سن سنتين فما دون. فالمجوس لم يأتوا فى ليلة ميلاد السيد المسيح. ولكن فى بعض صور الميلاد يضعوا المجوس بها. لكن هذا ليس أكثر من تجميع لأحداث الميلاد فى صورة واحدة، وفى بعض الأحيان يقوم البعض بعمل مذود به تماثيل فى ليلة عيد الميلاد وذلك من أجل فرحة الأطفال الصغار، ولكن يجب أن يوضع هذا المذود خارج الكنيسة لأن الكنيسة القبطية لا يجب أن يدخلها أى تماثيل بل أيقونات فقط بما فى ذلك مغارة الميلاد التى تُعمل من أجل الأطفال.

ولكن الرعاة ذهبوا فى نفس ليلة ميلاده، فكيف عرفوا مكان الحظيرة؟!! لقد عرفوا لأن الروح القدس كان يرشدهم "فجاءوا مسرعين ووجدوا مريم ويوسف والطفل مضجعاً فى المذود. فلما رأوه أخبروا بالكلام الذى قيل لهم عن هذا الصبى" (لو2: 16-17).

ولى خراف أخر ليست من هذه الحظيرة

وكما أعلن الله عن ميلاد ابنه الوحيد للرعاة الذين يمثلون الشخصيات التى كان من الممكن أن يتعامل معها الله نظراً لأمانتهم فى وسط شعب إسرائيل المنتظر الخلاص. أيضاً بدأ الله يتعامل مع الأمم، إذ قال السيد المسيح "ولى خراف أخر ليست من هذه الحظيرة ينبغى أن آتى بتلك أيضاً فتسمع صوتى وتكون رعية واحدة وراعٍ واحد" (يو10: 16).

فهنا يتكلم عن نفسه أنه هو الراعى الصالح. والمقصود هنا بالخراف الأُخر الأمم وليس اليهود، ولا نسل يعقوب أبو الأسباط الاثنى عشر، ولا نسل اسحق، ولا نسل إبـراهيم، لكن الأمم. وكما قال سمعان الشيخ "نور إعلان للأمم ومجداً لشعبك إسرائيل" (لو2: 32).

فليس الخلاص الذى أتى الله لكى يعلنه مسألة تخص شـعب إسرائيل فقط. وإن كان قد قال "لأن الخلاص هو من اليهود" (يو4: 22) لكن المقصود فى هذه العبارة الأخيرة أن الله كان قد وعد إبراهيم أن بنسله تتبارك جميع قبائل الأرض. فالسيد المسيح من نسل إبراهيم. لكن البركة لجميع قبـائل الأرض. وفى سفر أشعياء "أنا الرب قد دعوتك بالبر فأمسك بيدك وأحفظك وأجعلك عهداً للشعب ونوراً للأمم. لتفتح عيون العمى لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن الجالسين فى الظلمة" (أش42: 6-7).

نوراً تجلى للأمم

إن السـيد المسيح فى نظر الآب هو الابن الوحيد الذى سُرّت به نفسه وكما يقول الكتاب "هوذا فتاى الذى اخترته حبيبى الذى سُرّت به نفسى. أضع روحى عليه فيخبر الأمم بالحق" (مت12: 18). وأيضاً فى سفر الأعمال قال "ولتُجرَ آيات وعجائب باسم فتاك القدوس يسوع" (أع4: 30).

فكلمة "نوراً للأمم" تعنى أن الخلاص ليس لشعب إسرائيل فقط، وإن كان الله قد ذكر هذا الكلام فى العهد القديم. وكان اليهود يعتبرون أنفسهم أنهم شعب الله الخاص. والله نفسه كان يتحدث إليهم باعتبارهم شعبه الخاص. ويقول الكتاب "والآن هكذا يقول الرب خالقك يا يعقوب وجابلك يـا إسرائيل لا تخف لأنى فديتك، دعوتك باسمك، أنت لى. إذا اجتزت فى المياه فأنا معك، وفى الأنهار فلا تغمرك. إذا مشيت فى النار فلا تلذع واللهيب لا يحرقك. لأنى أنا الرب إلهك قدوس إسرائيل مخلصك" (أش43: 1-3).

فكان الكلام موجهاً لإسرائيل. لكن فى خلال كلامه فى الإصحاح السابق بنفس السفر يقول "نوراً للأمم". وكذلك عند حمل سمعان الشيخ السيد المسيح قال "نوراً تجلى للأمم ومجداً لشعبك إسرائيل" (لو2: 32). فمن الواضح أن الله له قصد فى أن يدعو الأمم إلى ميراث الحياة الأبدية، وإلى أن يكونوا رعية مع شعب إسرائيل الذى يقبل ويؤمن بمسيحه. فتكون رعية واحدة لراعٍ واحد.

تعامل الله مع الأمم

لقـد بـدأ الله يتعامـل مع الأمـم فى وقت ميـلاد السـيد المسيح بطريقة لطيفة جداً. فـقد كان يوجد أشخاص حكماء فى بلاد المشرق أى ناحية فارس، ويسمون المجوس. وهم حكماء المملكة. وكان عملهم رؤية الأفلاك، وحساب الأزمنة.. وكان بعضهم يعمل فى التنجيم. فعندما أُخذ شـعب إسرائيل إلى السبى من مملكة بابل، وأصبحوا تحت حكم مملكة فارس، كان دانيال النبى موجوداً فى البلاد فى ذلك الوقت. وقد اختاره الملك لأنه وجـد فيه "روح الآلهة القدوسين" على حسب قولـه، والمقصود روح الله. وعيَّنه كبيراً للمجوس أى كبيراً للحكماء. وفى هذه الأيام كتب دانيال النبى السـفر وبه نبوات كثيرة عن السيد المسيح. مثل النبوة التى قـال فيها "سبعون أسبوعاً قضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة لتكميل المعصية وتـتميم الخطـايا ولكفـارة الإثـم وليؤتى بالبـر الأبدى ولختم الرؤيا والنبوة ولمسح قدوس القدوسين" (دا9: 24).

المجوس يترقبون مجيء المخلص

إن النبوات التى فى سفر دانيال كانت تتكلم عن ميعاد ميلاد السيد المسيح. فيقول سبعون أسبوعاً أى 490 سنة ونطرح منها أسبوع فيكون 483 سنة والسيد المسيح كان يجب أن يبدأ خدمته الكهنوتية وعمره 30 سنه وذلك حسب الشريعة، وبهذه الطريقة يمكن حساب ميعاد ميلاد السيد المسيح. والمجوس حسب النبوات كانوا يترقبون ظهور علامة لهم. لذلك ظهر لهم ملاك فى صورة نجم. أى كائن سماوى كان يتحرك وغير ثابت. فإن كان هذا نجماً عادياً فى السماء، سيكون بعيداً جداً وكان غير ممكن أن يحدد المكان بالتحديد.

ولكن هذا النجم جاء ونزل فوق حيث كان الصبى. لقد كان هذا ملاكاً وليس نجماً عادياً. ولكن لأنهم يرصدون حركة النجوم، فقد رأوا هذا النجم أنه نجم غريب. ورأوا علامات مميزة ففهموا أنه نجم لملك عظيم، أو أنه ملك كبير فى الأرض. وبالنسبة للنبوة التى كانت عندهم فى سفر دانيال. فإن دانيال النبى كان كبيراً للمجوس. أى أن المجوس كانـوا تلاميذاً لـه ومـع تسلسل الأجيال. وعندمـا رأوا المنظر بدأوا يفهمون.

إن الروح القدس كان لا يعمل فى المجوس بنفس الصورة التى كان يعمل بها مع الرعاة ولكن ليس معنى هذا أنه لا يعمل نهائياً. ولكنه كان يتدرج معهم وذلك من خلال الأمور التى كانوا يستطيعون فهمها. فبالنسبة لهم كان سفر دانيال مثل أسفار الحكمة، أى أحكم الحكماء. فعندما نتذكر قصة نبوخذ نصر الملك عنـدما أخبره دانيال النبى بالحلم، وفسّر له الحلم وعيّنه كبيراً للمجوس فكل هذه الأمور تجعلهم يثقون فى نبوات دانيال النبى.

إن الله كـان يتعامل مع المجوس على حسب تفكيرهم. لـذلك ظهر لهم الملاك على هيئة نجم وعندما قادهم إلى بلاد اليهودية، ذهبوا إلى العاصمة أورشليم وإذا النجم قد اختفى. وهنا بدأوا يسألون الناس، وذهبوا إلى هيرودس الملك يسألون أين هـو المولود ملك اليهود فإننا رأينا نجمه فى المشـرق وأتينا لنسجد له.

وبدأ هيرودس الملك يضطرب وأرسل لإحضار رؤساء الكهنة ليسألهم أين يولد المسيح "فقالوا له فى بيت لحم اليهودية لأنه هكذا مكتوب بالنبى وأنت يا بيت لحم أرض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا لأن منك يخرج مدبر يرعى شعبى إسرائيل" (مت2: 5-6).

واضطرب هيرودس وقرر أن يقتل هذا الطفل المولود الذى سوف يأخذ الملك منه وذلك حسب نظرته للعالم. ولكن السـيد المسيح قال "مملكتى ليست من هذا العالم" (يو18: 36). فعندما خرج المجوس من عند الملك ظهر لهم النجم مرة أخرى. وهنا بدأ الإعلان السماوى يرجع إلى قيادتهم مرة أخرى.

وعندما وصلوا إلى البيت نزل النجم الذى كان يقودهم ثم اقترب من البيت. فعرفوا أن المولود هو ملك اليهود أو ملك ملوك الأرض أو ملك الملوك ورب الأرباب فى السموات وما على الأرض حسب تفسير حلم الملك نبوخذ نصر الذى فسّره له دانيال النبى وكتبه فى السفر المعروف باسمه.

الروح القدس يرشد المجوس إلى أنواع الهدايا

عندما بدأ المجوس يستعدون لرحلتهم اختاروا بعض الهدايا لكى يقدموها للملك المولود فاختاروا ثلاث هدايا وهى: ذهـب ولبان ومر. فالمر له مذاق مر، ولكن رائحته عـطرية. واعتبروا أن هذه أنواع من الهدايا التى أحياناً تقدم لبعض الناس فى بعض المناسبات. ولكن بالنسبة للسيد المسيح كان لها مدلول عقائدى، ومدلول لاهوتى، ومدلول روحى، ومدلول نبوى.

فمن الواضح أن الروح القدس هو الذى أرشد المجوس إلى اختيار هذه الهدايا. ونلاحظ فى صورة الميلاد أنها تكون بها ثلاثة من المجوس فقط. لكن من الممكن أن يكونوا أكثر من ثلاثة أشخاص لأن الكتاب لم يذكر أنهم ثلاثة مجوس. ولكن الهدايا فقط هى التى ثلاثة. فهم مجموعة من الحكماء أتت من بلاد فارس من رحلة طويلة. ولكن الذين قدموا الهدايا هم ثلاثة أشخاص.

لماذا ثلاث هدايا؟

إن اختيار عدد الهدايا ثلاثة هى إشارة إلى أن هذا المولود واحد من الأقانيم الثلاثة التى لإله واحد فى الجوهر مثلث الأقانيم. فعدد الهدايا رمز وإشارة إلى السيد المسيح، ونوع الهدايا ذهب يرمز إلى أن السيد المسيح هو ملك، واللبان يرمز إلى إن السيد المسيح هو كاهن، والمر يرمز إلى أن السيد المسيح سوف يتألم من أجل خلاص العالم.

فهـو ملك وكـاهـن ونبى ولكن ليـس نبى مثـل باقى الأنبياء الذين سبقوه. ولكن هو رب الأنبياء. فهو ظهر فى الهيئة كإنسان، ولكن فى نفس الوقت هو ملك الملوك ورب الأرباب فإذا تكلمنا عنه كملك فهو ليس ملكاً عادياً. ولكنه ملك الملوك ورب الأرباب. وإذا قيل عنه نشيد فلا يقال نشيد عادى، بل يقال نشيد الأناشيد. وإذا كان هو كاهن فهو رئيس الكهنة الأعظم. الذى كهنوته كهنوت أبدى لا يزول. وإذا كنا نتكلم عنه كنبى فهو ليس مجرد نبى عادى. فمثلاً تـنبأ عن موته, وعن خراب أورشليم، وعن قيامته فى اليوم الثالث. وقد تحققت كل هذه النبوات فى حينها. وتنبأ أيضاً عـن نهـايـة العـالم. وسيتم ذلك لأن السـيد المسيح هـو الذى تنبأ بها.

وأهم نبوة قيلت "ها نحن صاعدون إلى أورشليم وابن الإنـسان يسلم إلى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالمـوت ويسـلمونه إلى الأمم. فيهزأون بـه ويجلدونه ويتفلون عليه ويقتلونه وفى اليوم الثالث يقوم" (مر10: 33-34).

وكانت هذه هى أهم نبوة قالها السيد المسيح. وهذه النبوة كانت عن آلامه لذلك ارتبط المر بمعنى النبوة عند السيد المسـيح أى أن المر إشارة إلى أنه نبى. أو أنه قد تنبأ عن موته وعن آلامه الخلاصية. فاللبان يرمز إلى الكهنوت لأن الكاهن يقدم ذبيحة البخور. وحتى عند الوثنيين فهم يبخرون للأوثان.

لذلك فإن مسألة التبخير وارتباطها بالكهنوت، مسألة معروفة من العهد القديم عند شعوب كثيرة. ولكن عندنا نحن لها مدلول روحى خاص. بل إن السيد المسيح نفسه كان رائحة بخور عطرة ونقول عنه أيضاً }هذا الذى أصعد ذاته ذبيحة مقبولة عن خلاص جنسنا فاشتمه أبوه الصالح وقت المسـاء على الجلجثة{ (لحن "فى إيتاف إنف vaietafenf" الـذى يقال يوم الجمعة العظيمة ويقال بلحن آخر فى تسبحة يوم الأحد).

فالسيد المسيح أصعد ذاته رائحة رضا وسرور لله الآب فى طاعة كاملة. وفى سيرته العطرة كرئيس كهنة قدم الذبيحة المقبولة التى قبلها الآب السماوى، وبها كفَّر عن كل خطايا البشرية لكل الذيـن يؤمنون باسمه ويؤمنون بخلاصه ويقبلون أن يتشبهوا بموته وقيامته عندما يدفنون فى المعمودية مع المسيح ويقومون فيها أيضاً معه.

إن السيد المسيح عندما يتكلم من حيث إنه قد تنبأ فلابد أن نتذكر أنه ليس مجرد نبى، ولكنه الله الكلمة المتجسد، وهو ابن الله الوحيد. لكن من الطبيعى إذ ظهر فى الهيئة كإنـسان أن يـقول بعض الأمور التى تنبأ بها. وحينما تحدث نتأكد أنه كان يتكلم كلام الله. وليس مجرد كلاماً عادياً مثل أى إنسان عادى. فقد كانت نبوته عن موته على الصليب وقيامته من بين الأموات شيئاً هاماً جداً بالنسبة للكنيسة لهذا فحينما ظهر السيد المسيح بعد القيامة قال لتلاميذه "أما كان ينبغى أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده" (لو24: 26).

كيف تعامل الروح القدس مع المجوس؟

إن الروح القدس قد تدرج مع المجوس. ففى البداية أرشدهم إلى اختيار أنواع الهدايا التى يقدمونها ثـم ظهر لهم نجم لكى يرشدهم إلى الطريق. ولكن بعد أن سجدوا للسيد المسيح الإله الكلمة ومخلّص العالم. بدأت علاقة الله معهم تكون أقوى من الأول، وبدأ الله يتعامل معهم بإعلانات سماوية واضحة فيقول الكتاب "ثم إذ أوحى إليهم فى حلم أن لا يرجعوا إلى هيرودس انصرفوا فى طريق أخرى إلى كورتهم" (مت2: 12).

وذلك لأن هيرودس كان يريد قتل الطفل، ولكن الله أوحى إليهم أن ينصرفوا فى طريق آخر. وبذلك نرى الروح القـدس قد بدأ يعمل فى حياتهم بصورة أقوى عن طريق الوحى. وهذا معناه أن الله يـدعو الأمم إلى معرفته عن طريق مجيء السيد المسيح إلى العالم. ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.
 

philanthropist

أميرة الورد
عضو مبارك
إنضم
30 يوليو 2013
المشاركات
1,239
مستوى التفاعل
161
النقاط
0
الإقامة
القصر الملكى السماوى قصر الملك يسوع المسيح
2- تحقيق النبوات

لماذا ولد السيد المسيح فى بيت لحم؟

إن السيد المسيح هو ملك الملوك، ورب الأرباب. وقد أراد بميلاده فى بيت لحم أن يعلمنا الإتضاع، وأن الكرامة الحقيقية تنبع من الداخل وليس من المظاهر الخارجية. فالحب مجد، والكراهية عار. فليس المجد فى الملابس الثمينة الغالية الثمن أو الذهب. فالإنسان الأصيل هو الذى معدنه مثل الذهب، هذا هو الإنسان الذى له المجد الداخلى. وهذا هو أول درس يعلمه لنا السيد المسيح من ميلاده فى حظيرة للأغنام. وهناك دروس أخرى هامة من الممكن أن نتعلمها من قصة الميلاد.

هوذا حمل الله الذى يرفع خطية العالم

لقد ولد السيد المسيح فى وسط الأغنام لأنه هو حمل الله، وكما قال يوحنا المعمدان "هوذا حمل الله الذى يرفع خطية العالم" (يو1: 29). فكان من الطبيعى أن الخروف الذى سيحمل خطية العالم، والذى سيذبح من أجل خلاصنا؛ أن يولد فى وســط الأغنام

أو الخرفان. وبالأخص فى مدينة بيت لحم حيث المراعى الكثيرة.

فبيت لحم كانت تُربَى فيها الأغنام حيث المراعى الكثيرة. كما أنها كانت قريبة من أورشليم. وأيضاً يوجد بها هـيكل سليمان الذى كانت تقدم فيه ذبائح لغفران خطايا الشعب فى العهد القديم. وهذا الغفران كان رمزاً للغفران الحقيقى الذى تم بذبيحة الصليب، وذلك عندما سفك المسيح دمه على الصليب، ومات من أجل خطايانا، ثم قام من الأموات، وصعد إلى السموات. فكان من الطبيعى أن الحمل يولد فى وسط الحملان. وهذه نبوة واضحة جداً عن أنه حمل الله الذى يحمل خطية العالم كله.

معنى الفداء

أمر الله إبراهيم أن يذبح ابنه وحيده إسحق، فأخذ إبراهيم ابنه إسحق وربطه، ووضعه على الحطب حتى يذبحه، فمنعه الله وأرسل إليه خروفاً، فأخذه إبراهيم وذبحه عوضاً عن إسحق حسب أمر الرب. أى أنه قد فدى إسحق بهذا الخروف، وهذا هو معنى الفداء.

إن السيد المسيح قد جاء لكى يقدم نفسه فدية أو ذبيحة من أجلنا. وكان الدافع لهذه التضحية هو محبته لنا. وذلك لكى يوفى الدين الذى علينا بسبب الخطية. فبميلاد السيد المسيح فى وسط الحملان، أراد أن يوضح لنا من أول لحظة لميلاده فى العالم، أنه لم يأتِ لكى يتنعم بالحياة على الأرض، بـل لكى يقدم نفسه ذبيحة. ففى الميلاد نرى الصليب بطريقة رمزية واضحة فى الأحداث المحيطة بالميلاد.

الرب راعىّ فلا يعوزنى شىء

إن السيد المسيح هو الراعى، وهو الحمل أيضاً. فمن الطبيعى أن يكون الراعى فى وسط الأغنام. لأنه إن لم يولد فى وسط الغنم فمن الذى سوف يرعاهم؟!! إن وجوده فى وسط الحملان أو الغنم؛ يعلن أنه هو الراعى الحقيقى، وكما يقول المزمور "الرب يرعانى فلا يعوزنى شىء. فى مراع خضر يربضنى، على مياه الراحـة يـوردنى، يرد نفسى، يـهدينى إلى سُــبُل البر مـن أجل اسمـه" (مز22: 1-3).

فمن الذين بشرهم الملاك بميلاد السيد المسيح فى ليلة ميلاده؟ إن المجوس قد أتوا بعد فترة عندما ظهر لهم النجم فى المشرق، وأتوا وقدموا هداياهم. فمن الذين احتفلوا بميلاد السيد المسيح فى ليلة ميلاده؟!! إلى جوار السيدة العذراء القديسة مريم والدة الإله، وخطيبها القديس يوسف النجار الذى كلفه الله برعاية السيدة العذراء والطفل المولود، وطبعاً لم يكن متزوجاً من العذراء بمعنى الزواج الجسدى؛ لكنه كان حارسـاً وخادماً للطفل المولود لكى يؤدى رسالته، وإلى أن يكبر هذا الطفل وتبدأ فيما بعد خدمته من أجل خلاص العالم.

بشارة الملاك للرعاة

"وكان فى تـلك الكورة رعـاة متبدين يحرسـون حراسـات الليل على رعيتهم. وإذا ملاك الرب وقـف بهم ومجد الـرب أضاء حولهم، فخافوا خوفاً عظيماً. فقال لهم الملاك: لا تخافوا؛ فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب. إنه ولد لكم اليوم فى مدينة داود مخلص هو المسيح الرب. وهذه لكم العلامة تجدون طفلاً مقمطاً مضجعاً فى مذود. وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوى مسـبحين الله وقـائـلـين. المجــد لله فى الأعـالى وعـلى الأرض السلام وبالناس المسرة" (لو2: 8-14).

فالذين بُشروا بميلاد السيد المسيح، ونظروا هذه المناظر السماوية العظيمة، وسمعوا البشارة المفرحة بميلاد المخلص؛ هم الرعاة الذين يرعون الغنم. لأن هؤلاء هم زملاء السيد المسيح راعى الخراف العظيم وراعى الرعاة ومن الطبيعى أن يحتفل السيد المسيح بميلاده فى وسط زملائه.

أنا هو الراعى الصالح

لقد ولد السيد المسيح فى وسـط الأغنام. لأنه هـو الراعى. والذين أتوا لكى يباركوا لولادته هم زملاؤه الرعاة. فمسألة أن السيد المسيح هو الراعى مسألة خطيرة جداً، وهامة جداً. لأنه هو نفسه قال "أنا هو الراعى الصالح. والراعى الصالح يبذل نفسه عن الخراف" (يو10: 11). وأيضـاً قـال "لهـذا يحبـنى الآب لأنـى أضـع نفسـى لآخـذهـا أيضاً" (يو10: 17).

وقد كرر السيد المسيح أنه هو الراعى الصالح، وأكد أنه قد أتى لكى يقدم الرعاية الحقيقية باعتباره أنه هو الله الظاهر فى الجسد. وهو الله الراعى الحقيقى. كما قال داود النبى "الرب يرعانى فلا يعوزنى شئ" (مز22: 1). فكان لابد أن السيد المسيح يكون هو الراعى. لأن الرعاة الذين هم كهنة إسرائيل كانوا قد أهملوا الرعاية. فكان لابد أن يأتى رئيس كهنة جديد يكون هو الراعى.

إن رعاة إسرائيل هم الذين صلبوا السيد المسيح. لذلك تغير الكهنوت من كهنوت العهد القديم الهارونى إلى كهنوت العهد الجديد على رتبة ملكى صادق. أى كهنوت السيد المسيح الذى يقدم فيه جسده ودمه فى العهد الجديد بعد إتمام الفداء. خبز وخمر حاضر على المذبح، نتناول منه من أجل غفران خطايانا، ونيل الحياة الأبدية. فالسيد المسيح هو نفسه الذى أسس سر العشاء الربانى فى ليلة صلبه، وأعطاه لتلاميذه وقال "اصنعوا هذا لذكرى" (لو22: 19) أى تذكاراً حياً معاشاً لموته على الصليب وقيامته من بين الأموات.

لماذا اختار الملاك الرعاة ؟

إن هناك فرق بين راعٍ ساهرٍ على حراسة الرعية؛ وبين راعٍ يبدد الرعية. وهنا نسأل ما هو السبب فى اختيار الملاك لهؤلاء الرعاة إلى جوار أنهم كانوا ساهرين؟ السـبب إن هؤلاء الرعاة كانوا يبحثون عن الخلاص. والدليل على ذلك؛ أنه عند ذهاب السيدة العذراء مريم إلى الهيكل لكى تقدم السـيد المسيح بعد أربعين يوماً من ميلاده، وقفت حنّة النبية بنت فنوئيل، وتـكلمت عن المسـيح مع جميع المنتظرين فــداءً فى أورشـليم.

أى أن روح الله قد أعلن لها أن هذا هـو المخلص.. بمجرد دخول السيد المسيح الهيكل، تكلم روح الله على فم حنّة النبية، وبدأت تتحدث عن أنه هو خلاص إسرائيل، وخلاص العالم "وكانت نبية حنّة بنت فنوئيل من سبط أشير.. فهى فى تلك الساعة وقفت تسبح الرب وتكلمت عنه مع جميع المنتظرين فداءً فى أورشليم" (لو2: 36-38).

إن الروح القدس كان يحرك بعض الأشخاص فى وقت ميلاد السيد المسيح، فكما بشر الملاك العذراء مريم والروح القدس حل عليها، كذلك امتلأت أليصابات من الروح القدس وقالت للسيدة العذراء "مباركة أنت فى النساء ومباركة هى ثمرة بطنك. فمن أين لى هذا أن تأتى أم ربى إلىَّ" (لو1: 42- 43).

وكذلك امتلأ زكريا من الروح القدس عند ميلاد يوحنا المعمدان، وفتح فمه وقال "مبارك الرب إله إسرائيل لأنه افتقد وصنع فداءً لشعبه. وأقام لنا قرن خلاص فى بيت داود فتـاه" (لـو1: 68- 69). فالـروح القـدس كان يــعمل فى أشخاص كثيرين وقت أحداث الميلاد، قبله وخلاله وبعده.

إن حدث ميلاد السيد المسيح، ومجيئه إلى العالم، هو بداية تحقيق وعد الله لخلاص البشرية. فقال زكريا أبو يوحنا المعمدان "مبارك الرب إله إسرائيل لأنه افتقد وصنع فداء لشعبه" (لو1: 68) لأن الله قد تذكر وعده المقدس، لذلك فإن كلمة زكريا تعنى "الله تذكّر"، واسم يوحنا يعنى "الله تحنن" واسم يسوع يعنى "الله يخلص". أى أن الله قد تذكّر.. الله قد تحنن.. الله قد خلّص. فعندما قال زكريا "مبارك الرب إله إسرائيل لأنه افتقد وصنع فداء لشعبه" (لو1: 68). أكمل وقال "ليصنع رحمة مع آبائنا ويذكر عهده المقدس" (لو1: 72).

إن الله لم ينس وعـده، لكنه كـان ينتظر الوقـت المنـاسـب. وذلك بعد أن يكون قد أعد كل شئ. وقد كُتبت نـبوات كثيرة فى الكتب المقدسة تمهد لمجيء المخلّص، ورموز كثيرة. لأن تجسد كلمة الله، أو ظهور الله الكلمة فى الجسد، لم يكن شيئاً بسيطاً لكى يقدر الإنسان أن يفهمه، أو أن يستوعبه. فكان لابد أن يمهد الله برموز وأحداث كثيرة. كما أنـه كما ينبغى أن ينتظر حتى يجد الإنسانة المباركة جداً التى تستحق أن تكون والدة الإله وهى القديسة العذراء مريم. ولأسباب كثيرة انتظرت البشرية عدة آلاف من السنين حتى أتم الله وعده.

يـقول الكــتاب "القســم الذى حلف لإبـراهيم أبيـنا" (لو1: 73).

فالقسم قد أعطاه الله لإبراهيم؛ فكان لابد أن ينتظر حتى يأتى إبراهيم، وعندما أتى إبراهيم. كان قد مر عدة آلاف من السنين. فهذا يوضح أنه كان لابد من حدوث بعض المراحل لكى عنـدما يتم الخلاص، يكون إتمام الخلاص هـو تحقيق لوعود قالها الله، ونبوات كتبها الأنبياء القديسون، وسجلوها فى كتب العهد القديم.

إن الروح القدس كان يعمل فى شخصيات كثيرة. ومن بين هذه الشخصيات الرعاة الساهرون على حراسة رعيتهم. ولكن ليـس فقط لأنهم كانوا ساهرين، ولكن يوجد أسباب أخرى.. فزكريا أبو يوحنا المعمدان عندما تكلم عن ما ذكرته الكتب المقدسة قال "كما تكلم بفم أنبيائه القديسين الذين هم منذ الدهر. خلاص من أعدائنا ومن أيدى جميع مبغضينا. ليصنع رحمة مع آبائنا ويذكر عهده المقدس. القسم الذى حلف لإبراهيم أبينا" (لو1: 70-73). أى أنه كان شخصاً يعيش ويدرس نبوات الأنبياء التى تتحدث عن مجيء المخلّص.

وأيضاً الأرملة القديسة التى عاشت فى الهيكل أربـع وثمانين سنة، وذلك بعد ترملها بسبعة سنين من زواجها. فهذه الأرملة كانت خلال هذه الأربع والثمانين سنة لا تفارق الهيكل. وكما يقول الكتاب "وهى أرملة نحو أربع وثمانين سنة لا تفارق الهيكل عابدة بأصوام وطلبات ليلاً ونهاراً" (لو2: 37).

فقد ظلت أربع وثمانين سنة لا تفارق الهيكل. وذلك فى المكان المخصص للنساء، وليس فى الأماكن الخاصة بالكهنة. وقد كانت أثناء هذه السنين تدرس، وتستمع إلى الصلوات اليومية، والقراءات المقدسة، وتقرأ فى الأسفار المقدسة. أى أنها كانت متفرغة للعبادة أربع وثمانين سنة. لذلك عمل الروح القدس فى داخلها، فى نفس الوقت الذى كانت تعيش فيه كل هـذه المعانى التى تتكلم عن مجيء المخلص، وميلاد السيد المسيح.

إن الحدث الذى رأته بعينها قد عاشته بقلبها. أى إنها قد رأتـه بعينى قلبها قبل أن تراه بعينيها الطبيعية. فتقابل الإحساس الذى عاشته فى داخلها مع المنظر الذى رأته بعينيها. وعندما يتقابل شيئان يسرى التيار. مثلما يحدث عند غلق الدائرة الكهربية يصير من الممكن أن يسرى التيار. فالروح هو الذى تكلم على لسانها بدون أن يعلمها أحد.

الرعاة كانوا ينتظرون الخلاص

إن هؤلاء الرعاة كانوا ينقادون بالروح القدس، فما الذى كان من الممكن أن يتحدثوا فيه أثناء سهرهم ليلاً؟ من المؤكد أنهم كانـوا يتحدثون فى النبوات وفى الأسفار المقدسة. فمثلاً من الممكن أن يقولوا إنهم يرعون الأغنام التى تقدم منها ذبائح كثيرة فى الهيكل، وهذه الذبائح ترمز إلى الخلاص الذى وعد به الله. لكن متى سيأتى المخلص؟!

يقول الكتاب إن حنّة بنت فنوئيل تكلمت عنه مع جميع المنتظرين فداءً فى أورشليم. إن الله يعلن لمن ينتظره، ولكن الذى لا يهمه لماذا يعلن له؟!! فهؤلاء الرعاة كانوا ينتظرون مجيء المخلّص لذلك يقول الكتاب "وكان فى تلك الكورة رعاة متبدين يحرسون حراسات الليل على رعيتهم" (لو2: 8). وبالأخص أنهم كانوا فى بيت لحم اليهودية مدينة داود، ومن المعروف أن المسيح هو من نسل داود حسب الجسد، لذلك فهؤلاء الناس كانت المزامير هى تسليتهم.

إن التسبحة التى نقولها فى كل ليلة فى الكنيسة مليئة فى أجزاء كثيرة بالمزامير والتسابيح والنبوات التى تتحدث عن الخلاص، وعن عمل الله فى حياة البشر. والتسبحة نفسها غير المزامير بـها أجزاء من الأسفار المقدسة. فمثلاً الهوس الأول تسبحة موسى النبى وأخـته مـريم النبية مـع شـعب إسـرائيل عـند عـبور البـحر الأحمر. وقد كانت رمزاً للخلاص، ورمزاً للمعمودية.

إن الرعاة بكل تأكيد كانوا يسبحون، لذلك عندما كانـت هناك تسبحة على الأرض، كان هناك تسبيحاً فى السماء فيقول الكتاب "وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوى مسبحين الله وقائلين: المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة" (لو2: 13-14).

إن كلمة "بالناس المسرة" معناها باللغة اليونانية "المسرة فى قلوب الناس الصالحين". فالملائكة فرحوا بما حدث فى قلب الرعاة عندما سمعوا بشرى الخلاص. والمسيح هو رئيس السلام، وهو صانع السلام. لأنه هو الذى سيصالح الله مع البشر، ويصالح الإنسان مع أخيه الإنسان، ويصالح الإنسان مع نفسه. وكذلك هو الذى قال "طوبى لصانعى السـلام لأنهم أبناء الله يدعون" (مت5: 9).

إن الرعاة كانوا يسبحون ويتأملون ويصلون، لذلك ظهر لهم الملائكة. فمن يريد أن يحيا مع الملائكة حياة الصداقة والعشرة الحقيقية، يجب أن تمتلئ حياته بالصلاة، والتسبيح، والتأمل فى الأسفار المقدسة.

يقول سفر أشعياء "ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه" (أش53: 7). ولذلك نقول فى القداس الغريغورى }أتيت إلى الذبح مثل حمل حتى إلى الصليب{ ويقول الكتاب أيضاً "أما الرب فسُرَّ بأن يسحقه بالحزن ان جعل نفسه ذبيحة إثم يرى نسلاً تطول أيامه ومسرة الرب بيده تنجح" (أش53: 10). وأيضاً "حمل خطية كثيرين وشفع فى المذنبين" (أش53: 12).. "وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا" (أش53: 5). فالرعاة كانوا قد قرأوا هذا الكلام ويرددونه. وكانوا يسألون الرب متى سيرسل الحمل الحقيقى الذى يحمل خطايا العالم كله؟

أهمية السهر الروحى

إن هذه القلوب الساهرة المنتظرة المترقبة عمل الله؛ هى التى سيرسل الله إليها ملائكته. فالله لم يرسل ملائكته إلى الأشخاص المترفهين أو المتنعمين. بل أرسل إلى أناس يجلسـون فى العراء، وهم ساهرين على رعاية أغنامهم. وهذه هى أهمية السهر فى الحياة الروحية، وأهمية السهر فى الصلاة، وأهمية السهر فى الكنيسة والتسبيح.

إن هؤلاء كانوا رعاة للأغنام. والله كان يريد أن يرى رعاة للشعب. ويرى رعاية حقيقية. فيقول بفم نبيه حزقيال "يا ابن آدم تنبأ على رعاة إسرائيل، تنبأ وقل لهم هكذا قال السيد الرب للرعاة: ويل لرعاة إسرائيل الذين كانوا يرعون أنفسهم. ألا يرعى الرعاة الغنم؟! تأكلون الشحم وتلبسون الصوف وتذبحون السمين ولا ترعون الغنم. المريض لم تقووه والمجروح لم تعصبوه والمكسور لم تجبروه والمطرود لم تستردوه والضال لم تطلبوه بل بشدة وبعنف تسلطتم عليهم. فتشتتت بلا راعٍ وصارت مأكلاً لجميع وحوش الحقل وتشتتت. ضلّت غنمى فى كل الجبال وعلى كل تلٍ عالٍ وعلى كل وجه الأرض تشتتت غنمى ولم يكن من يسأل أو يفتش" (حز34: 2-6).

فالله كان حزيناً أن رعاة بنى إسرائيل كانوا قد أهملوا الغنم، وأهملوا الرعاية، وبحثوا عن ملذاتهم الشخصية، وظلموا الخراف. لذلك قال بطرس الرسول للرعاة "ولا كمن يسود على الأنصبة بل صائرين أمثلة للرعية" (1بط5: 3).

أنا أرعى غنمى وأربضها يقول السيد الرب

يقول الرب للرعاة "هكذا قال السيد الرب هأنذا على الرعاة وأطلب غنمى من يدهم وأكفهم عن رعى الغنم ولا يرعى الرعاة أنفسهم بعد فأخلص غنمى من أفواههم فلا تكون لهم مأكلاً. لأنه هكذا قال السيد الرب هأنذا أسأل عن غنمى وأفتقدها. كما يفتقد الراعى قطيعه يوم يكون فى وسط غنمه المشتتة هكذا أفتقد غنمى وأخلصها من جميع الأماكن التى تشتتت إليها فى يوم الغيم والضباب.. أنا أرعى غنمى وأربضها يقول السيد الرب" (حز34: 10-15).

إذن الرب هو الراعى الحقيقى وقال السيد المسيح "أنا هو الراعى الصالح والراعى الصالح يبذل نفسه عن الخراف" (يو10: 11). فقد جاء السيد المسيح لكى يشفى الجراح، ويقيم البشرية من سقطتها. ويعيد آدم إلى الفردوس مرة أخرى. ولكن ذلك لمن يقبل محبته، ويقبل خلاصه. كما هو مكتوب "وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أى المؤمنون باسمه" (يو1: 12).

وهنا يظهر العلاقة الوثيقة بين ليلة ميلاد السـيد المسيح، وبين إعلان الرب عن نفسه أنا هو الراعى. وذلك سواء فى العهد القديم عندما قال "أنا أرعى غنمى وأربضها يقول السـيد الرب" (حز34: 15)، أو كلام السيد المسيح عندما بدأ خدمته الخلاصية وعندما بدأ يتكلم عن نفسه باعتباره أنه هو الراعى الصالح وقال "وأنا أضع نفسى عن الخراف" (يو10: 15).

الأدلة أن الرعاة كانوا مرشدين من الروح القدس

ومن الأدلة أن هؤلاء الرعاة كانوا مرشدين من الروح القدس؛ إنهم استجابوا لإعلان الملاك عندما قال "لا تخافوا فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب، أنه ولد لكم اليوم فى مدينة داود مخلص هو المسيح الرب" (لو2: 10-11). أى أن الذى تنتظرونه قد حدث فاذهبوا وانظروا بأنفسكم "وهذه لكم العلامة تجدون طفلاً مقمطاً مضجعاً فى مذود" (لو2: 12).

فهل من الممكن أن يوضع طفل فى مذود للغنم؟!! إن المذود هو المكان الذى يوضع فيه أكل الأغنام. فلماذا يوضع الطفل فى المذود؟!! لقد وضع فى المذود لأنه لم تجد العذراء مريم مكان فى البيت. فعندما ذهبت مع يوسف إلى بيت لحم لكى تكتتب يقول الكتاب "وبينما هما هناك تمت أيامها لتلد. فولدت ابنها البكر وقمطته وأضجعته فى المذود إذ لم يكن لهما موضع فى المنزل" (لو2: 6-7).

إن الله لم يجد له مكاناً فى قلوب البشر، فولد فى وسط الأغنام لكى يقول للبشر أنتم الذين رفضتمونى فى حياتكم من الممكن أن الحيوانات تكون أكثر قبولاً لى إذا جلست فى وسطهم. لكن أنا قد جئت لتحويل حياتكم من حيوانات إلى بشر لأن الإنسان قد خلق على صورة الله، فأنا أريد أن أحول هذه الحظيرة إلى كنيسة فى العهد الجديد.

وبالفـعل فإن كنيـسة بيت لحـم قد بُنيت فى مـكان المـذود الذى ولد فيه السيد المسيح وأصبحت كنـيسة عظيمة ضخمة فى بيت لحم اسمها كنيسة المهد. فلم تعد حظيرة للخراف غير الناطقة لكن أصبحت حظيرة للخراف الناطقة أى البشر من شعب الله.

"ولما مضت عنهم الملائكة إلى السماء قال الرجال الـرعاة بعضهم لبعض لنذهب الآن إلى بيت لحم وننظر هذا الأمر الواقع الذى أعلمنا به الرب. فجاءوا مسرعين ووجدوا مريم ويوسف والطفل مضجعاً فى المذود" (لو2: 15-16).

فكيف عرف الرعاة فى أى حظيرة وُلد السيد المسيح؟!! إن بيت لحم كلها هى مدينة الأغنام، فقد كان كل عمل داود هو رعاية الغنم فكيف عرفوا أين هى الحظيرة إن كان لم يظهر لهم نجم، أو ذهب معهم ملاك؟!!

إن المجوس قد احتاجوا للنجم لكى يرشدهم إلى مكان وجود الطفل يسوع، وكان ذلك بعد فترة من ميلاد السيد المسيح، بدليل أن هيرودس عندما حسب المدة وتحقق زمان النجم الذى ظهر حسب المدة من ساعة ظهور النجم حتى ذهاب المجوس فوجد هذه المدة حوالى سنتين فأرسل وذبح كل الأطفال من سن سنتين فما دون. فالمجوس لم يأتوا فى ليلة ميلاد السيد المسيح. ولكن فى بعض صور الميلاد يضعوا المجوس بها. لكن هذا ليس أكثر من تجميع لأحداث الميلاد فى صورة واحدة، وفى بعض الأحيان يقوم البعض بعمل مذود به تماثيل فى ليلة عيد الميلاد وذلك من أجل فرحة الأطفال الصغار، ولكن يجب أن يوضع هذا المذود خارج الكنيسة لأن الكنيسة القبطية لا يجب أن يدخلها أى تماثيل بل أيقونات فقط بما فى ذلك مغارة الميلاد التى تُعمل من أجل الأطفال.

ولكن الرعاة ذهبوا فى نفس ليلة ميلاده، فكيف عرفوا مكان الحظيرة؟!! لقد عرفوا لأن الروح القدس كان يرشدهم "فجاءوا مسرعين ووجدوا مريم ويوسف والطفل مضجعاً فى المذود. فلما رأوه أخبروا بالكلام الذى قيل لهم عن هذا الصبى" (لو2: 16-17).

ولى خراف أخر ليست من هذه الحظيرة

وكما أعلن الله عن ميلاد ابنه الوحيد للرعاة الذين يمثلون الشخصيات التى كان من الممكن أن يتعامل معها الله نظراً لأمانتهم فى وسط شعب إسرائيل المنتظر الخلاص. أيضاً بدأ الله يتعامل مع الأمم، إذ قال السيد المسيح "ولى خراف أخر ليست من هذه الحظيرة ينبغى أن آتى بتلك أيضاً فتسمع صوتى وتكون رعية واحدة وراعٍ واحد" (يو10: 16).

فهنا يتكلم عن نفسه أنه هو الراعى الصالح. والمقصود هنا بالخراف الأُخر الأمم وليس اليهود، ولا نسل يعقوب أبو الأسباط الاثنى عشر، ولا نسل اسحق، ولا نسل إبـراهيم، لكن الأمم. وكما قال سمعان الشيخ "نور إعلان للأمم ومجداً لشعبك إسرائيل" (لو2: 32).

فليس الخلاص الذى أتى الله لكى يعلنه مسألة تخص شـعب إسرائيل فقط. وإن كان قد قال "لأن الخلاص هو من اليهود" (يو4: 22) لكن المقصود فى هذه العبارة الأخيرة أن الله كان قد وعد إبراهيم أن بنسله تتبارك جميع قبائل الأرض. فالسيد المسيح من نسل إبراهيم. لكن البركة لجميع قبـائل الأرض. وفى سفر أشعياء "أنا الرب قد دعوتك بالبر فأمسك بيدك وأحفظك وأجعلك عهداً للشعب ونوراً للأمم. لتفتح عيون العمى لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن الجالسين فى الظلمة" (أش42: 6-7).

نوراً تجلى للأمم

إن السـيد المسيح فى نظر الآب هو الابن الوحيد الذى سُرّت به نفسه وكما يقول الكتاب "هوذا فتاى الذى اخترته حبيبى الذى سُرّت به نفسى. أضع روحى عليه فيخبر الأمم بالحق" (مت12: 18). وأيضاً فى سفر الأعمال قال "ولتُجرَ آيات وعجائب باسم فتاك القدوس يسوع" (أع4: 30).

فكلمة "نوراً للأمم" تعنى أن الخلاص ليس لشعب إسرائيل فقط، وإن كان الله قد ذكر هذا الكلام فى العهد القديم. وكان اليهود يعتبرون أنفسهم أنهم شعب الله الخاص. والله نفسه كان يتحدث إليهم باعتبارهم شعبه الخاص. ويقول الكتاب "والآن هكذا يقول الرب خالقك يا يعقوب وجابلك يـا إسرائيل لا تخف لأنى فديتك، دعوتك باسمك، أنت لى. إذا اجتزت فى المياه فأنا معك، وفى الأنهار فلا تغمرك. إذا مشيت فى النار فلا تلذع واللهيب لا يحرقك. لأنى أنا الرب إلهك قدوس إسرائيل مخلصك" (أش43: 1-3).

فكان الكلام موجهاً لإسرائيل. لكن فى خلال كلامه فى الإصحاح السابق بنفس السفر يقول "نوراً للأمم". وكذلك عند حمل سمعان الشيخ السيد المسيح قال "نوراً تجلى للأمم ومجداً لشعبك إسرائيل" (لو2: 32). فمن الواضح أن الله له قصد فى أن يدعو الأمم إلى ميراث الحياة الأبدية، وإلى أن يكونوا رعية مع شعب إسرائيل الذى يقبل ويؤمن بمسيحه. فتكون رعية واحدة لراعٍ واحد.

تعامل الله مع الأمم

لقـد بـدأ الله يتعامـل مع الأمـم فى وقت ميـلاد السـيد المسيح بطريقة لطيفة جداً. فـقد كان يوجد أشخاص حكماء فى بلاد المشرق أى ناحية فارس، ويسمون المجوس. وهم حكماء المملكة. وكان عملهم رؤية الأفلاك، وحساب الأزمنة.. وكان بعضهم يعمل فى التنجيم. فعندما أُخذ شـعب إسرائيل إلى السبى من مملكة بابل، وأصبحوا تحت حكم مملكة فارس، كان دانيال النبى موجوداً فى البلاد فى ذلك الوقت. وقد اختاره الملك لأنه وجـد فيه "روح الآلهة القدوسين" على حسب قولـه، والمقصود روح الله. وعيَّنه كبيراً للمجوس أى كبيراً للحكماء. وفى هذه الأيام كتب دانيال النبى السـفر وبه نبوات كثيرة عن السيد المسيح. مثل النبوة التى قـال فيها "سبعون أسبوعاً قضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة لتكميل المعصية وتـتميم الخطـايا ولكفـارة الإثـم وليؤتى بالبـر الأبدى ولختم الرؤيا والنبوة ولمسح قدوس القدوسين" (دا9: 24).

المجوس يترقبون مجيء المخلص

إن النبوات التى فى سفر دانيال كانت تتكلم عن ميعاد ميلاد السيد المسيح. فيقول سبعون أسبوعاً أى 490 سنة ونطرح منها أسبوع فيكون 483 سنة والسيد المسيح كان يجب أن يبدأ خدمته الكهنوتية وعمره 30 سنه وذلك حسب الشريعة، وبهذه الطريقة يمكن حساب ميعاد ميلاد السيد المسيح. والمجوس حسب النبوات كانوا يترقبون ظهور علامة لهم. لذلك ظهر لهم ملاك فى صورة نجم. أى كائن سماوى كان يتحرك وغير ثابت. فإن كان هذا نجماً عادياً فى السماء، سيكون بعيداً جداً وكان غير ممكن أن يحدد المكان بالتحديد.

ولكن هذا النجم جاء ونزل فوق حيث كان الصبى. لقد كان هذا ملاكاً وليس نجماً عادياً. ولكن لأنهم يرصدون حركة النجوم، فقد رأوا هذا النجم أنه نجم غريب. ورأوا علامات مميزة ففهموا أنه نجم لملك عظيم، أو أنه ملك كبير فى الأرض. وبالنسبة للنبوة التى كانت عندهم فى سفر دانيال. فإن دانيال النبى كان كبيراً للمجوس. أى أن المجوس كانـوا تلاميذاً لـه ومـع تسلسل الأجيال. وعندمـا رأوا المنظر بدأوا يفهمون.

إن الروح القدس كان لا يعمل فى المجوس بنفس الصورة التى كان يعمل بها مع الرعاة ولكن ليس معنى هذا أنه لا يعمل نهائياً. ولكنه كان يتدرج معهم وذلك من خلال الأمور التى كانوا يستطيعون فهمها. فبالنسبة لهم كان سفر دانيال مثل أسفار الحكمة، أى أحكم الحكماء. فعندما نتذكر قصة نبوخذ نصر الملك عنـدما أخبره دانيال النبى بالحلم، وفسّر له الحلم وعيّنه كبيراً للمجوس فكل هذه الأمور تجعلهم يثقون فى نبوات دانيال النبى.

إن الله كـان يتعامل مع المجوس على حسب تفكيرهم. لـذلك ظهر لهم الملاك على هيئة نجم وعندما قادهم إلى بلاد اليهودية، ذهبوا إلى العاصمة أورشليم وإذا النجم قد اختفى. وهنا بدأوا يسألون الناس، وذهبوا إلى هيرودس الملك يسألون أين هـو المولود ملك اليهود فإننا رأينا نجمه فى المشـرق وأتينا لنسجد له.

وبدأ هيرودس الملك يضطرب وأرسل لإحضار رؤساء الكهنة ليسألهم أين يولد المسيح "فقالوا له فى بيت لحم اليهودية لأنه هكذا مكتوب بالنبى وأنت يا بيت لحم أرض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا لأن منك يخرج مدبر يرعى شعبى إسرائيل" (مت2: 5-6).

واضطرب هيرودس وقرر أن يقتل هذا الطفل المولود الذى سوف يأخذ الملك منه وذلك حسب نظرته للعالم. ولكن السـيد المسيح قال "مملكتى ليست من هذا العالم" (يو18: 36). فعندما خرج المجوس من عند الملك ظهر لهم النجم مرة أخرى. وهنا بدأ الإعلان السماوى يرجع إلى قيادتهم مرة أخرى.

وعندما وصلوا إلى البيت نزل النجم الذى كان يقودهم ثم اقترب من البيت. فعرفوا أن المولود هو ملك اليهود أو ملك ملوك الأرض أو ملك الملوك ورب الأرباب فى السموات وما على الأرض حسب تفسير حلم الملك نبوخذ نصر الذى فسّره له دانيال النبى وكتبه فى السفر المعروف باسمه.

الروح القدس يرشد المجوس إلى أنواع الهدايا

عندما بدأ المجوس يستعدون لرحلتهم اختاروا بعض الهدايا لكى يقدموها للملك المولود فاختاروا ثلاث هدايا وهى: ذهـب ولبان ومر. فالمر له مذاق مر، ولكن رائحته عـطرية. واعتبروا أن هذه أنواع من الهدايا التى أحياناً تقدم لبعض الناس فى بعض المناسبات. ولكن بالنسبة للسيد المسيح كان لها مدلول عقائدى، ومدلول لاهوتى، ومدلول روحى، ومدلول نبوى.

فمن الواضح أن الروح القدس هو الذى أرشد المجوس إلى اختيار هذه الهدايا. ونلاحظ فى صورة الميلاد أنها تكون بها ثلاثة من المجوس فقط. لكن من الممكن أن يكونوا أكثر من ثلاثة أشخاص لأن الكتاب لم يذكر أنهم ثلاثة مجوس. ولكن الهدايا فقط هى التى ثلاثة. فهم مجموعة من الحكماء أتت من بلاد فارس من رحلة طويلة. ولكن الذين قدموا الهدايا هم ثلاثة أشخاص.

لماذا ثلاث هدايا؟

إن اختيار عدد الهدايا ثلاثة هى إشارة إلى أن هذا المولود واحد من الأقانيم الثلاثة التى لإله واحد فى الجوهر مثلث الأقانيم. فعدد الهدايا رمز وإشارة إلى السيد المسيح، ونوع الهدايا ذهب يرمز إلى أن السيد المسيح هو ملك، واللبان يرمز إلى إن السيد المسيح هو كاهن، والمر يرمز إلى أن السيد المسيح سوف يتألم من أجل خلاص العالم.

فهـو ملك وكـاهـن ونبى ولكن ليـس نبى مثـل باقى الأنبياء الذين سبقوه. ولكن هو رب الأنبياء. فهو ظهر فى الهيئة كإنسان، ولكن فى نفس الوقت هو ملك الملوك ورب الأرباب فإذا تكلمنا عنه كملك فهو ليس ملكاً عادياً. ولكنه ملك الملوك ورب الأرباب. وإذا قيل عنه نشيد فلا يقال نشيد عادى، بل يقال نشيد الأناشيد. وإذا كان هو كاهن فهو رئيس الكهنة الأعظم. الذى كهنوته كهنوت أبدى لا يزول. وإذا كنا نتكلم عنه كنبى فهو ليس مجرد نبى عادى. فمثلاً تـنبأ عن موته, وعن خراب أورشليم، وعن قيامته فى اليوم الثالث. وقد تحققت كل هذه النبوات فى حينها. وتنبأ أيضاً عـن نهـايـة العـالم. وسيتم ذلك لأن السـيد المسيح هـو الذى تنبأ بها.

وأهم نبوة قيلت "ها نحن صاعدون إلى أورشليم وابن الإنـسان يسلم إلى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالمـوت ويسـلمونه إلى الأمم. فيهزأون بـه ويجلدونه ويتفلون عليه ويقتلونه وفى اليوم الثالث يقوم" (مر10: 33-34).

وكانت هذه هى أهم نبوة قالها السيد المسيح. وهذه النبوة كانت عن آلامه لذلك ارتبط المر بمعنى النبوة عند السيد المسـيح أى أن المر إشارة إلى أنه نبى. أو أنه قد تنبأ عن موته وعن آلامه الخلاصية. فاللبان يرمز إلى الكهنوت لأن الكاهن يقدم ذبيحة البخور. وحتى عند الوثنيين فهم يبخرون للأوثان.

لذلك فإن مسألة التبخير وارتباطها بالكهنوت، مسألة معروفة من العهد القديم عند شعوب كثيرة. ولكن عندنا نحن لها مدلول روحى خاص. بل إن السيد المسيح نفسه كان رائحة بخور عطرة ونقول عنه أيضاً }هذا الذى أصعد ذاته ذبيحة مقبولة عن خلاص جنسنا فاشتمه أبوه الصالح وقت المسـاء على الجلجثة{ (لحن "فى إيتاف إنف vaietafenf" الـذى يقال يوم الجمعة العظيمة ويقال بلحن آخر فى تسبحة يوم الأحد).

فالسيد المسيح أصعد ذاته رائحة رضا وسرور لله الآب فى طاعة كاملة. وفى سيرته العطرة كرئيس كهنة قدم الذبيحة المقبولة التى قبلها الآب السماوى، وبها كفَّر عن كل خطايا البشرية لكل الذيـن يؤمنون باسمه ويؤمنون بخلاصه ويقبلون أن يتشبهوا بموته وقيامته عندما يدفنون فى المعمودية مع المسيح ويقومون فيها أيضاً معه.

إن السيد المسيح عندما يتكلم من حيث إنه قد تنبأ فلابد أن نتذكر أنه ليس مجرد نبى، ولكنه الله الكلمة المتجسد، وهو ابن الله الوحيد. لكن من الطبيعى إذ ظهر فى الهيئة كإنـسان أن يـقول بعض الأمور التى تنبأ بها. وحينما تحدث نتأكد أنه كان يتكلم كلام الله. وليس مجرد كلاماً عادياً مثل أى إنسان عادى. فقد كانت نبوته عن موته على الصليب وقيامته من بين الأموات شيئاً هاماً جداً بالنسبة للكنيسة لهذا فحينما ظهر السيد المسيح بعد القيامة قال لتلاميذه "أما كان ينبغى أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده" (لو24: 26).

كيف تعامل الروح القدس مع المجوس؟

إن الروح القدس قد تدرج مع المجوس. ففى البداية أرشدهم إلى اختيار أنواع الهدايا التى يقدمونها ثـم ظهر لهم نجم لكى يرشدهم إلى الطريق. ولكن بعد أن سجدوا للسيد المسيح الإله الكلمة ومخلّص العالم. بدأت علاقة الله معهم تكون أقوى من الأول، وبدأ الله يتعامل معهم بإعلانات سماوية واضحة فيقول الكتاب "ثم إذ أوحى إليهم فى حلم أن لا يرجعوا إلى هيرودس انصرفوا فى طريق أخرى إلى كورتهم" (مت2: 12).

وذلك لأن هيرودس كان يريد قتل الطفل، ولكن الله أوحى إليهم أن ينصرفوا فى طريق آخر. وبذلك نرى الروح القـدس قد بدأ يعمل فى حياتهم بصورة أقوى عن طريق الوحى. وهذا معناه أن الله يـدعو الأمم إلى معرفته عن طريق مجيء السيد المسيح إلى العالم. ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.
 

philanthropist

أميرة الورد
عضو مبارك
إنضم
30 يوليو 2013
المشاركات
1,239
مستوى التفاعل
161
النقاط
0
الإقامة
القصر الملكى السماوى قصر الملك يسوع المسيح
استحالة تحريف الكتاب المقدس وكيف نجيب المشككين
رأى الله فى الكتاب المقدس

لنرى معاً ما رأى ربنا نفسه فى الكتاب المقدس.. يقول الرب فى سفر إرميا: "ثم صارت كلمة الرب إلىَّ قائلاً ماذا أنت راءٍ يا إرميا فقلت أنا راءٍ قضيب لوز، فقال الرب لى أحسنت الرؤية لأنى أنا ساهر على كلمتى لأجريها" (إر 11:1-12).. عندما قال إرميا النبى: "أنا راءٍ قضيب لوز" قال له الرب: "أحسنت الرؤيا".. نحن لا نغفل العلاقة بين عصا هارون التى أفرخت وإنها كانت قضيب لوز (انظر عد17: 8)؛ وهى تُشير إلى التجسد الإلهى.. والتجسد الإلهى مرتبط بالله الكلمة.. وهنا نرى الارتباط بين "الله الكلمة" وبين "كلمة الله" فهما ليسا شيئاً واحداً.. ولذلك قال له الرب: "أحسنت الرؤيا" ثم قال: "أنا ساهر على كلمتى لأجريها"..لنرى رأى الله نفسه الذى تجسد ماذا قال؟ قال: "الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل" (مت 18:5) هذا يُرينا دور ملك الملوك ورب الأرباب ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الذى قال أنا ساهر على كلمتى لأجريها فى رؤية قضيب لوز؛ هو نفسه الذى قال لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس.. وقال أيضاً: "السماء والأرض تزولان ولكن كلامى لا يزول" (مت 35:24)، (مر 31:13)، (لو 33:21).. وبذلك نرى أن الله قال عن العهد القديم (الناموس): إن حرف واحد أو نقطة واحدة لا تسقط ولا تزول حتى نهاية العالم.. فالنقطة الواحدة فى اللغة العبرية تُغيّر معنى الكلمة كلها تماماً مثل اللغة العربية، فلو وضعنا نقطة واحدة مثلاً على كلمة "طهّر" تصير الكلمة "ظهر" غيّرت معنى الكلمة تماماً.. لذلك قال الرب لا يزول حرف واحد ولا نقطة واحدة حتى نهاية العالم..

طريقة كتابة الأسفار

لقد كان لليهود عادات وقوانين صارمة فى كتابة الأسفار الخاصة بالعهد القديم. مثل الاغتسال، وارتداء الثياب العبرانية، وأن تكون الرقوق من جلود الحيوانات الطاهرة، ويكون الحِبر أسود نقى من العسل والكربون، ولا تكتب كلمة واحدة من الذاكرة. والكاتب يقرأ الكلمة بصوت مسموع أثناء الكتابة. وعند كتابة اسم من أسماء الله. لابد أن يذهب الكاتب للاغتسال وتغيير الملابس، ثم يكتب بريشة خاصة، وحبر خاص. وإذا وجد فى نسخة ثلاثة أخطاء أو أكثر تُعدم هذه النسخة كلها وإن وُجدت غلطة واحدة أو إثنتان فقط؛ يقومون بتصحيح هذا الخطأ. ولذلك كانوا يستطيعون أن يحفظوا كل سفر وأجزاءه وسطوره وآياته وكلماته وحروفه. فمثلاً كان معروفاً عندهم أن حرف الألف ورد فى التوراة العبرية (أى أسفار موسى الخمسة) 42377 مرة لأنهم قاموا بإحصائه فى كل التوراة، وحرف الباء 38218 مرة. فهم يقومون بإحصاء الحرف الواحد كم مرة ورد فى كل التوراة، فإن نقص مجرد حرف واحد فقط يقومون بمراجعة السفر كله من بدايته ويتم اكتشاف هذا الحرف.وممنوع على الكاتب أن يكتب من الذاكرة أية عبارة حتى ولو كان حافظ المزمور كله مثلاً.. لأنه من الممكن أن تتغير ولو كلمة واحدة من تكرار الحفظ؛ فبدلاً من أن يقول "وعلى لباسى يقترعون" (مز 18:22) يخطأ ويقول: "وعلى لباسى ألقوا قرعة".. هذا ممنوع، بل أيضاً الكاتب ليس حُراً أن ينقل الصفحة الواحدة إلى صفحة ونصف مثلاً أو صفحة وسطر أو صفحة إلاّ سطر. وليس أيضاً حُراً أن ينقل السطر بكلمات أقل من السطر الأصلى المنقول منه. بمعنى لابد أن يبدأ الصفحة بنفس الكلمة التى فى الصفحة المنقول منها وينتهى عند نفس الكلمة التى فى نهاية الصفحة الأصلية. يكون مثل القرطاس مقفول، وعند الانتهاء من قراءة صفحة؛ يلف الرولل ويبدأ فى الصفحة التالية
وحدة الكتاب المقدس

إن الكتاب المقدس بجزئيه العهد القديم والـعهد الجديد هو كتاب واحد. فلا يمكن أن نفـصل كلام الله حتى وإن كان مقسماً إلى أسفار، والأسفار مقسمة إلى إصحاحات. ونتكلم عن العهد القديم والعهد الجديد.
إن وحدة الكتاب المقدس يستطيع أن يشعر بها كل إنسان تعمل نعمة الله فى حياته، ويعمل الروح القدس فى قلبه. وقد قال القديس بولس الرسول: "كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذى فى البر، لكى يكون إنسان الله كاملاً متأهباً لكل عمل صالح" (2تى 16:3،17).
إن عبارة "كل الكتاب هو موحى به من الله" تؤكد وحدة أسفار الكتاب المقدس. وكذلك قال معلمنا بطرس الرسول: "عالمين هذا أولاً أن كل نبوة الكتاب ليست من تفسير خاص. لأنه لم تأتِ نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (2بط 20:1-21). إن الكتاب المقدس يمثل ذخيرة أو كنزاً، وأمانة قد تسلمناها لابد أن نحافظ عليها. فكيف نجعل الكتاب المقدسيعيشفىداخلنا،وكيفنحافظعليهكوديعةمقدسةتسلمناه ا؟

الكتاب المقدس هو سر قوة المسيحية

قال القديس بولس الرسول: "فلا تخجل بشهادة ربنا ولا بى أنا أسيره بل اشترك فى احتمال المشقات لأجل الإنجيل، بحسب قوة الله الذى خلصنا ودعانا دعوة مقدسة لا بمقتضى أعمالنا، بل بمقتضى القصد والنعمة التى أعطيت لنا فى المسيح يسوع قبل الأزمنة الأزلية، وإنما أظهرت الآن بظهور مخلصنا يسوع المسيح الذى أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل" (2تى 8:1-10).
فكما أن السيد المسيح قد داس الموت بالموت، وانتصر عليه وقام من الأموات. فقد أرسل تلاميذه إلى العالم لكى يبشروا بالقيامة. وهذا هو سر قوة المسيحية لذلك يقول: "الذى أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل". ويقول معلمنا بولس الرسول: "الذى جُعِلت أنا له كارزاً ورسولاً ومعلماً للأمم. لهذا السبب أحتمل هذه الأمور أيضاً لكننى لست أخجل لأننى عالم بمن آمنت وموقن أنه قادر أن يحفظ وديعتى إلى ذلك اليوم" (2تى 11:1-12). فهو يقول إذا وضعت فى السجن لا أخجل لأننى عالم بمن آمنت وأيضاً يقول: "ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله الذين هم مدعوون حسب قصده" (رو 28:8).

كلمة الله لا تقيد

وكذلك وهو فى السجن يقول: "إن أمـورى قد آلت إلى تقدم الإنجيل حتى أن وثقى صارت ظاهرة فى المسيح فى كل دار الولاية وفى باقى الأماكن أجمع" (فى 12:1،13). أى أنه عندما وضعونى فى السجن، وذهبوا بى إلى دار الولاية كانت هذه فرصة أن يسمع جميع الشعب الذى فى دار الولاية أخبار الإنجيل. وبذلك تقدم الإنجيل ولم يتأخر.
فمن الممكن أن بولس الرسول يُسجن ويُقيد. ولكن كلمة الله لا تُسجن أو تُقيد، ويقول لتلميذه تيموثاوس "تمسك بصورة الكلام الصحيح الذى سمعته منى فى الإيمان والمحبة التى فى المسيح يسوع احفظ الوديعة الصالحة بالروح القدس الساكن فينا" (2تى 13:1-14).وهنا يطالبنا بولس الرسول. أن نتمسك بصورة الكلام الصحيح فى التعليم، وبحفظ الوديعة الصالحة بالروح القدس الساكن فينا. فهناك وديعة صالحة قد تسلمت على مدى الأجيال من جيل إلى جيل.. من الأنبياء.. من الرسل.. وتسلمت للكنيسة.

الروح القدس حارس للكتاب المقدس

إن هناك حارس للكتاب المقدس وهو الروح القدس. فنلاحظ أنه لم يقل: "الروح القدس الساكن فيك" بل قال: "الروح القدس الساكن فينا" أى أن الروح القدس يعمل فى الجماعة، من أجل حراسة التعليم الصحيح، وحراسة الإنجيل. ولكن هذا يحدث فى جماعة القديسين وليس جماعة الهراطقة.
إن ذلك يذكرنا بعهد الله الذى قاله على فم إرميا النبى عن وضع الكتاب المقدس فى العهد الجديد: "ها أيام تأتى يقول الرب وأقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهداً جديداً. ليس كالعهد الذى قطعته مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لأخرجهم من أرض مصر حين نقضوا عهدى فرفضتهم يقول الرب. بل هذا هو العهد الذى أقطعه مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب. أجعل شريعتى فى داخلهم وأكتبها على قلوبهم وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لى شعباً" (إر 31:31-33). فالمقصود بالعهد القديم هنا؛ هو موقف الإنسان فى العهد مع الله. وليس كتاب العهد القديم.

أجعل شريعتى فى داخلهم

قديماً كانت الشريعة مكتوبة على ألواح من حجارة، وعندما أخذ موسى النبى الوصايا العشـرة كانت مكتوبة بإصبع الله على لوحين؛ أربعة على اللوح الأول، وستة على اللوح الثانى. ولكن الله وعد فى هذه المرة بأن تكون الوصية مكتوبة على قلوبنا.إن الكتاب المقدس مكتوب على قلوبنا. وقد وعد السيد المسيح وقال: "أما المعزى الروح القدس الذى سيرسله الآب باسمى فهو يعلمكم كل شىء ويذكركم بكل ما قلته لكم" (يو 26:14). وأيضاً "وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية" (يو 13:16). وقد تحقق هذا الوعد عندما بدأ التلاميذ فى كتابة الأناجيل. فقد تذكروا كلام السيد المسيح.
مثال لذلك؛ عندما كتب معلمنا متى البشير الموعظة على الجبل. فالروح القدس هو الذى أوحى إليه بهذه الكلمات وذكره بها. فعندما نقرأ الكتاب المقدس ونحن مصلون وخاشعون، وفى حالة اتصال حقيقى مع الله. نشعر أن ما نقرأه موجود فى داخلنا، وليس غريباً عنا. كما أننا نعيش فيه، والله ينطق به فى داخلنا بقوة الروح القدس الساكن فينا. لذلك نستطيع أن نميز إن كان ما نقرأه هو كلام الله، أم كلام شخص آخر. ولذلك إذا فُرض أن شخصاً إدّعى أن لديه إنجيلاً، أو سفراً من أسفار الكتاب المقدس، وقال إن هذا السـفر ينسب إلى أسفار العهد الجديد أو أسفار العهد القديم. فإذا قرأنا هذا الكتاب بالروح نستطيع أن نكتشف إن كان هذا إنجيلاً حقيقياً أم لا بدون أن نشعر بالاحتياج إلى الدراسة أو التعمق فى التاريخ واللغات والعلوم.
إن الصغير مثل الكبير يستطيع أن يميّز كلام الله كما قال الكتاب: "ولا يعلِّمون بعد كل واحد صاحبه وكل واحد أخاه قائلين: اعرفوا الرب لأنهم كلهم سيعرفوننى من صغيرهم إلى كبيرهم يقول الرب لأنى أصفح عن إثمهم ولا أذكر خطيتهم بعد" (إر 34:31).
كيف يعلمنا الروح القدس ما فى الأسفار المقدسة؟

كانت توجد فتاة من أسرة مسيحية. عاشت فى مدينة الإسكندرية فى القرون الأولى للمسيحية. وكانت تدعى مريم، وقد توفى والداها وكان عمرها حوالى اثنتى عشرة سنة، وقد سيطر الشيطان عليها وانحرفت وهى فى مرحلة المراهقة والشباب. وعاشت حياة خطية محزنة جداً.وكان فى أيام الفصح يذهب عدد كبير من المسيحيين إلى القدس لحضور الأسبوع المقدس (أسبوع الآلام) وعيد القيامة هناك. وكانوا يأخذون السفن من ميناء الإسكندرية إلى ميناء حيفا، ثم يكملون إلى مدينة أورشليم. ففكرت مريم الذهاب إلى هناك لممارسة الخطية فى هذه الأماكن السياحية، وعندما وصلت إلى أورشليم حيث كنيسة القيامة هناك حاولت الدخول ولكنها لم تستطع، وبدأت تبكى لأنها شعرت بغضب الله عليها. وذهبت إلى أيقونة السيدة العذراء وبدأت تبكى. فسمعت صوتاً من الأيقونة يقول لها: (إن أردت أن تخلصى فاخرجى إلى البرية) فذهبت إلى الصحراء المحيطة بنهر الأردن، القريبة من جبل التجربة الذى خرج إليه السيد المسيح بعد عماده من نهر الأردن.
وبعد أن عاشت القديسة مريم ما يقرب من خمسين سنة فى البرية، قابلها القديس زوسيما فى الأربعين المقدسة. رآها من بعيد فظن فى البداية أنها خيال، فقالت له لا تقترب لأنى امرأة عارية وكانت الشمس قد لوحت جسمها فاسمر لون جلدها. فطرح لها العباءة الخاصة به، ثم بدأت تتحدث معه، وحكت له قصتها واعترفت بخطاياها. وقد كانت أثناء حديثها معه تتكلم من الكتاب المقدس. فقال لها كيف وأنت فى البرية منذ شبابك المبكر عرفت كل هذه الآيات، وأنا لم أرَ معك أى كتاب؟!! فقالت له إن الروح القدس الذى أوحى للأنبياء والرسل ما كتبوه فى الكتاب المقدس هو الذى علمنى ما فى الكتاب المقدس.ثم طلبت منه أن يأتى إليها فى العام القادم عندما يخرج إلى البرية فى الصوم الأربعينى، وأن يحضر معه الجسد المقدس لكى تتناول من الأسرار المقدسة. وفعلاً فى العام التالى ذهب إليها وناولها من الأسرار المقدسة، ثم انفصلت عنه بضع خطوات وبدأت تصلى. وقد وجدها وهى تصلى مرتفعة عن الأرض مسافة حوالى متر. وهذا يعنى أنها قد وصلت إلى درجة روحية عالية جداً. ثم ركعت وأسلمت الروح. فقام بدفن جسدها وكتب سيرتها.وقد دعيت القديسة "مريم المصرية" لأنها كانت من مصر ولكنها لم تعش فى مصر فترة سياحتها فى البرية، بل قضتها فى برارى الأردن. وهذا يوضح لنا أنه لا يجب أن نشعر أن الكتاب المقدس خارج عنا أو غريب عنا. ولا نسـتطيع أن نقبل أى إدعاء يقول بتحريف الكتاب المقدس.

من يستطيع أن يقف أمام كلام الله؟

إن الكتاب المقدس هو كلام الله مثال لذلك "كـلام إرميا بن حلقيا من الكهنة الذين فى عناثوث فى أرض بنيامين، الذى كانت كلمة الرب إليه فى أيام يوشيا بن آمون ملك يهوذا فى السنة الثالثة عشرة من ملكه.. فكانت كلمة الرب إلىَّ قائلاً قبلما صورتك فى البطن عرفتك وقبلما خرجت من الرحم قدستك جعلتك نبياً للشعوب" (إر 1:1-5).
فقد قال له الله: "جعلتك نبياً للشعوب" هذه أذهلت النبى فقال: "آه يا سيد الرب إنى لا أعرف أن أتكلم لأنى ولد، فقال الرب لى لا تقل إنى ولد لأنك إلى كل من أرسلك إليه تذهب وتتكلم بكل ما آمرك به. لا تخف من وجوههم لأنى أنا معك لأنقذك يقول الرب. ومد الرب يده ولمس فمى وقال الرب لى ها قد جعلت كلامى فى فمك" (إر 6:1-9) جعلت كلامى فى فمك بمعنى أن ما سيقوله إرميا هو كلام الرب.. "انظر قد وكَّلتك هذا اليوم على الشعوب وعلى الممالك لتقلع وتهدم وتـهلك وتنقض وتبنى وتغرس" (إر 10:1) لا يهدم ويهلك ويبنى ويغرس إرميا النبى بيده، بل يفعل هذا بالكلمة التى يقولها. فإذا قال ستنهدم المدينة، تنهدم بالفعل. وإذا قال سيذهب هذا الشعب للسبى، يذهب الشعب للسبى.. فالكلمة تخرج من فمه وكأنه يأمر المدينة بالانهدام أو يأمر الشعب بالذهاب إلى السبى.. "ثم صارت كلمة الرب إلىَّ قائلاً: ماذا أنت راءٍ يا إرميا فقلت أنا راءٍ قضيب لوز، فقال الرب لى أحسنت الرؤية لأنى أنا ساهر على كلمتى لأجريها" (إر 11:1-12).
إن الكتاب المقدس هو كلام الله. فعندما يتعامل الإنسان مع الكتاب المقدس، يجب أن يتعامل معه بكل الاحترام. فلا يليق أن يحاول الإنسان أن ينتقد الكتاب المقدس كما هو موجود فى العالم الغربى الآن علماء يسمون (علماء نقد الكتاب المقدس) فمن يستطيع أن يقف أمام كلام الله؟!!كلام الله ينير لنا الطريق كقول المرنم: "مصباح لرجلىّ كلامك ونور لسبيلى" (مز 105:118).
وقد قال الله لموسى النبى ولشعب إسرائيل: "ولتكن هذه الكلمات التى أنا أوصيك بها اليوم على قلبك، وقصها على أولادك، وتكلم بها حين تجلس فى بيتك، وحين تمشى فى الطريق، وحين تنام وحين تقوم، وأربطها علامة على يدك، ولتكن عصائب بين عينيك، واكتبها على قوائم أبواب بيتك وعلى أبوابك" (تث 6:6-9). وعندما يقول: ضعها على قلبك أى احفظها عن ظهر قلب، لذلك فإن هذه وصية إلهية بحفظ الأسفار المقدسة. وقداسة البابا شنوده الثالث دائماً يقول: (احفظوا المزامير تحفظكم المزامير).
استحالة تحريف العهد القديم

+ لم يستطع اليهود أن يحذفوا من الكتاب ما يثبت الديانة المسيحية :

+ لم يستطع اليهود أن يحذفوا من الكتاب ما يثبت الديانة المسيحية :
الدليل أن الكتاب المقدس لم يُحرّف؛ إن كل ما فى الكتاب المقدس مما يُثبِت الديانة المسيحية؛ لم يستطع اليهود أن يحذفوه؛ ولا نقدر نحن أن نُدخِله فى نسخهم إذا كان غير موجود من الأصل.
العجيب أن شعب إسرائيل بالرغم من عداوته للسيد المسيح، لكن اعتزازه بالكتاب المقدس والأسفار المقدسة جعله لا يحذف النبوات التى تكلمت عن السيد المسيح فى الكتب المقدسة التى شملتها قوانينهم مثل نبوة إشعياء: "لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها ونحن حسبناه مصاباً مضروباً من الله ومذلولاً، وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا" (إش 4:53-5) كلام محرج جداً لليهود.. لكن هذا يوضح لنا مدى حرص شعب إسرائيل على المحافظة على الأسفار بدون تحريف على الرغم من أن كلامها فيه إحراج لهم.
فهناك الكثير من النبوات والرموز عن السيد المسيح فى الكتاب المقدس الذى يمثل بعهديه أساساً راسخاً للديانة المسيحية. فالمسيحية لم تأتِ من فراغ ولكنها بُنيت على أساس نبوات سبق فأنبأ بها أنبياء قديسون قبل مجىء السيد المسيح بآلاف السنين.. وقد قال السيد المسيح لليهود: موسى كتب عنى "لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقوننى لأنه هو كتب عنى" (يو5: 46).. وقال أيضاً "أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومى فرأى وفرح" (يو 56:8).قد بُنيت المسيحية على أساس نبوات كثيرة، فمنذ آلاف السنين والله يعد البشرية لمجىء المخلّص.. وقد امتلأ زكريا من الروح القدس فى يوم ميلاد يوحنا المعمدان "امتلأ زكريا أبوه من الروح القدس وتنبأ قائلاً مبارك الرب إله إسرائيل، لأنه افتقد وصنع فداءً لشعبه وأقام لنا قرن خلاص فى بيت داود فتاه. كما تكلم بفم أنبيائه القديسين الذين هم منذ الدهر. خلاص من أعدائنا ومن أيدى جميع مبغضينا. ليصنع رحمة مع آبائنا ويذكر عهده المقدس. القسم الذى حلف لإبراهيم أبينا أن يعطينا إننا بلا خوف منقذين من أيدى أعدائنا نعبده بقداسة وبر قدامه جميع أيام حياتنا" (لو 67:1-75)...

ومن بعض النبوات عن السيد المسيح :

عن ميلاد السيد المسيح "ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل" (إش 14:7). وتنبأ عن ميلاده فى بيت لحم "أما أنت يا بيت لحـم إفـراته وأنت صغيرة أن تكونى بين ألوف يـهوذا فمنك يخرج لى الذى يكون متسلطاً على إسرائيل، ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل" (مى 2:5). وأيضاً تنبأ إشعياء وقال بفم الرب "لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابناً وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام" (إش 6:9).
وكذلك عن هروب السيد المسيح إلى مصر "لما كان إسرائيل غلاماً أحببته ومن مصر دعوت ابنى" (هو11: 1).وعن دخول السيد المسيح إلى أورشـليم "ابتهجى جداً يا ابنة صهيون اهتفى يا بنت أورشليم، هوذا ملكك يأتى إليك هو عادل ومنصور وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان" (زك 9:9).
وكذلك عن آلام السيد المسيح "ظُلِم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه" (إش 7:53). وكذلك من مزامير داود النبى "ثقبوا يدىَّ ورجلىَّ، أُحصى كل عظامى وهم ينظرون ويتفرسون فىَّ. يقسمون ثيابى بينهم وعلى لباسى يقترعون" (مز 16:22-18)

شِهادة يهودى :

تقابلنا مرة مع أحد المحامين اليهود خارج مصر بشأن قضية دير السلطان؛ ودار بيننا هذا الحوار؛ سألناه كيف تنال الغفران؟ فقال نطلب الغفران من الله. فقلنا إن الكتاب المقدس يقول إن الغفران بالذبيحة، وأنتم لا يوجد لديكم ذبيحة. لأن الهيكل قد هُدم منذ ألفى عام تقريباً، ولا يوجد الآن ذبيحة لغفران الخطايا حسب الطقس اليهودى القديم لأن الذبيحة الحقيقية هى ذبيحة الصليب.. ثار وقال لا؛ لا يوجد شئ يسمى ذبيحة بشرية، والله لا يقبل ذبائح بشرية.فعرضنا له ما هو مكتوب فى المزمور (22) ليقرأه إلى أن وصل إلى الآيات التى تقول: "ثقبوا يدىَّ ورجلىَّ، أُحصى كل عظامى وهم ينظرون ويتفرسون فىَّ. يقسـمون ثيابى بينهم وعلى لباسى يقترعون" (مز 16:22-18) سألناه هل داود النبى كان يتكلم عن نفسه؟!! أى هل قد ثُقبت يداه ورجلاه؟ فقال لا، لأنه مات على فراشه. وهذا مكتوب فى أسفار الكتاب المقدس. فقلنا له متسائلين: إذن عمن يتحدث هذا المزمور الذى يقول "يبست مثل شقفة قوتى ولصق لسانى بحنكى وإلى تراب الموت تضعنى لأنه قد أحاطت بى كلاب. جماعة من الأشرار اكتنفتنى. ثقبوا يدىَّ ورجلىَّ أُحصى كل عظامى وهم ينظرون ويتفرسون فىَّ يقسمون ثيابى بينهم وعلى لباسى يقترعون. أما أنت يارب فلا تبعد. يا قوتى أسرع إلى نصرتى. أنقذ من السيف نفسى. من يد الكلب وحيدتى. خلصنى من فم الأسد ومن قرون بقر الوحش استجب لى. أُخبر باسمك إخوتى. فى وسط الجماعة أسبحك" (مز 15:22-22)؟!. وفى النهاية اعترف المحامى اليهودى وقال (هذا وصف دقيق لصلب السيد المسيح)!!
ومن أمثلة النبوات أيضاً التى قيلت عن آلامه وصلبه "وعظماً لا تكسروا منه" (خر12: 46). وكذلك "رجل أوجاع ومختبر الحزن.. كشاة تساق إلى الذبح.. وجُعل مع الأشرار قبره ومع غنىّ عند موته على أنه لم يعمل ظلماً ولم يكن فى فمه غش" (إش 3:53،7،9).. "مع الأشرار قبره" حيث صُلب مع اللصوص وكان سيُوضع فى مقبرتهم، ولكن أسرع يوسف الرامى وأخذ الجسد من بيلاطس وتحققت النبوة "مع غنىّ عند موته".. "سكب للموت نفسه وأحصى مع آثمة وهو حمل خطية كثيرين وشفع فى المذنبين" (إش 12:53).
وكذلك قيل: "لأنك لا تترك نفسى فى الجحيم، ولا تدع قدوسك يرى فساداً" (مز 10:15). لأن جسده لم يفسد وقام منتصراً فى اليوم الثالث كقول المزمور "أنا اضطجعت ونمت؛ ثم استيقظت لأن الرب ناصرى" (مز 5:3).

وأيضاً عن قيامة السيد المسيح فى اليوم الثالث "فى اليوم الثالث يقيمنا فنحيا أمامه" (هو 2:6).
وعن التجسد "طأطأ السماوات ونزل وضباب تحت رجليه. ركب على كروب وطار وهفَّ على أجنحة الرياح" (مز 9:18-10).
وعن صعوده "صعد الله بتهليل، والرب بصوت البوق" (مز 5:46).
وعن حلول الروح القدس "ويكون بعد ذلك أنى أسكب روحى على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويحلم شيوخكم أحلاماً ويرى شبابكم رؤى، وعلى العبيد أيضاً وعلى الإماء أسكب روحى فى تلك الأيام" (يؤ 28:2-29)..
كل ما حدث فى العهد الجديد؛ سبق وتنبأ عنه الأنبياء فى العهد القديم. وهذه مجرد أمثلة أى قليل من كثير جداً من النبوات التى وردت فى الكتب المقدسة. هل بعد كل هذا يشككون فى صحة الكتاب المقدس؟! نحن لا نقبل أى إدعاء بتحريف الكتاب.

+ نبوات لا يمكن أن يقبلها اليهود ولكنها بكتبهم إلى هذا اليوم :

تنبأ الكتاب المقدس بأمور لم يكن اليهود أنفسهم من الممكن أن يقبلوها. وبالرغم من ذلك فهى موجودة فى كتبهم إلى هذا اليوم مثلما ورد فى سفر إشعياء النبى "فى ذلك اليوم يكون مذبح للرب فى وسط أرض مصر وعمود للرب عند تخمها" (إش 19:19). فاليهود يرفضون تماماً إقامة أى مذبح خارج أورشليم. وأيضاً مكتوب "فيكون علامة وشهادة لرب الجنود فى أرض مصر، لأنهم يصرخون إلى الرب بسبب المضايقين فيرسل لهم مخلصاً ومحامياً وينقذهم، فيُعرَف الرب فى مصر ويعرف المصريون الرب فى ذلك اليوم ويقدمون ذبيحة وتقدمة وينذرون للرب نذراً ويوفون به" (إش 20:19-21) هذا هو مذبح الرب الذى للعهد الجديد.. فمَن يقبل مِن اليهود أن يكون مذبح للرب فى وسط أرض مصر؟!! فهم مشتتون فى العالم كله إلى اليوم، ومع ذلك لم يقيموا أى مذبح خارج أورشليم، وإذ يحاولون إعادة المذبح مكان هيكل سليمان مرة أخرى، لكنهم لم يستطيعوا أن يعملوا هذا..

وتنبأ أيضاً عن مجىء العائلة المقدسة إلى أرض مصر "هوذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر فترتجف أوثان مصر من وجهه ويذوب قلب مصر داخلها" (إش 1:19).
من الممكن أن نجيب المشككين بأنه لا يمكن تحريف الكتاب المقدس لا فى العهد القديم، ولا فى العهد الجديد. لأنه لو قمنا بتحريف أى آيات فى العهد القديم فحتمياً كان اليهود سيحتجون ويهيجون علينا، ويقولون إننا نؤلف آيات لكى نثبت بها مسيحيتنا.. ولكن هذا بالطبع لم يحدث على الإطلاق ولم يحتج اليهود علينا ولم يقولوا إننا أضفنا آيات إلى سفر إشعياء أو إلى غيره من الأسفار.

+ بل وأيضاً لم يستطع اليهود أن يحذفوا أى لعنة من اللعنات التى ضدهم فى الكتاب المقدس :

كل اللعنات التى فى الكتاب المقدس على شعب إسرائيل؛ لم يستطيعوا حذفها، بل وكل التعييرات التى بلا حصر الموجودة فى الكتاب المقدس "وقد صار عقاب بنت شعبى أعظم من قصاص خطية سدوم التى انقلبت كأنه فى لحظة ولم تلق عليها أياد. كان نذرها أنقى من الثلج وأكثر بياضاً من اللبن.. لم يُعرفوا فى الشوارع لصق جلدهم بعظمهم.. أيادى النساء الحنائن طبخت أولادهن. صاروا طعاماً لهن فى سحق بنت شعبى. أتم الرب غيظه، سكب حمو غضبه وأشعل ناراً فى صهيون فأكلت أسسها. لم تصدق ملوك الأرض وكل سكان المسكونة أن العدو والمبغض يدخلان أبواب أورشليم. من أجل خطايا أنبيائها وآثام كهنتها السافكين فى وسطها دم الصديقين. تاهوا كعُمىٍ فى الشوارع وتلطخوا بالدم حتى لم يستطع أحد أن يمس ملابسهم" (مرا 6:4-14) تركوا كل هذه الفضائح مُسجلة ضدهم ولم يستطيعوا حذفها.. مَن مِن الشعوب يقبل على نفسه أن يقال عنه إن النساء طبخت أولادهن.. عبارة "من أجل خطايا أنبيائها" يقصد بها الأنبياء الكذبة الذين كانوا يتملقون الملوك ويكذبون عليهم.
ففى قول الكتاب: "ثم قال الرب لى وإن وقف موسى وصموئيل أمامى لا تكون نفسى نحو هذا الشعب" (أر15: 1)، فهذه الكلمات تعتبر تجريحاً لشعب إسرائيل..
فلو أراد اليهود تحريف هذه الأسفار لكانوا قد حذفوا هذه العبارة مثلاً، ولكنهم لا يقدرون أن يحذفوا ولا حرف واحد ولا كلمة واحدة من توراتهم، لأنهم وقت كتابتهم صفحة فى الكتاب المقدس يحصون عدد الأحرف فى السطر، وعدد السطور فى الصفحة كلها.. فكيف يُحذف بعد حتى ولو كلمة واحدة إن كان من المحال أن يتغير عدد الأحرف.
وأيضاً "وقال الرب لى فى أيام يوشيا الملك هل رأيت ما فعلت العاصية إسرائيل انطلقت إلى كل جبل عال وإلى كل شجرة خضراء وزنت هناك. فقلت بعدما فعلت كل هذه ارجعى إلىّ فلم ترجع فرأت أختها الخائنة يهوذا. فرأيت إنه لأجل كل الأسباب إذ زنت العاصية إسرائيل فطلّقتها وأعطيتها كتاب طلاقها، لم تخف الخائنة يهوذا أختها بل مضت وزنت هى أيضا" (إر 6:3-8) ما هذا؟! هل يرضى أحد أن يُسجّل على نفسه هذا الكلام ويتركه مُسجل عبر الأجيال؟!!
ثم يقول الرب: "اذهب ونادِ بهذه الكلمات نحو الشمال وقل إرجعى أيتها العاصية إسرائيل يقول الرب" (أر 12:3).. ثم بعد أن يقول الرب فى الآية 15 فى نفس الإصحاح: "وأعطيكم رعاة حسب قلبى فيرعونكم بالمعرفة والفهم" يعود ويقول فى الآية 16: "ويكون إذ تكثرون وتثمرون فى الأرض فى تلك الأيام يقول الرب، إنهم لا يقولون بعد تابوت عهد الرب
ولا يخطر على بال ولا يذكرونه ولا يتعهدونه ولا يصنع بعد" (أر16:3) كيف بعد أن يعطيهم الرب رعاة حسب قلبه، لا يقولون بعد تابوت عهد الرب، ولا يخطر على بال، ولا يذكرونه، ولا يتعهدونه.. يقصد الرب بهذا بأن يُعلِمهم إنه سوف لا يكون لهم هيكل.. لا يقولون تابوت عهد الرب، ولا يخطر على بال، ولا يذكرونه، ولا يتعهدونه، ولا يُصنع بعد.. أى لا يوجد تابوت العهد، ولا يقدرون أن يعملوا غيره.. هذه الآية تُفسِّر كذِب الأساطير المخترعة التى تقول بأن اليهود سيؤمنون بعد أن يُبنى الهيكل لأنه واضح من كلام الرب فى هذه الآية عدم وجود هيكل لهم، ولا حتى سيخطر على بال.
فإن أراد اليهود تحريف الكتاب المقدس لكانوا قد حذفوا هذه الاتهامات التى ضدهم، واللعنات الموجهه إليهم هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى كانوا قد حذفوا النبوات الواضحة عن السيد المسيح.

+ فإن كان من يغيرّ فى تفسير الشريعة فقط، وليس فى نصها، كان يُحكم عليه بالموت، فماذا سوف يكون الموقف إذا قام أحد بتغيير النص؟!!
فالسيد المسيح لم يغيّر فى النص على الإطلاق، لكن قال لهم: "السبت إنما جُعل لأجل الإنسان، لا الإنسان لأجل السبت، إذاً ابن الإنسان هو رب السبت أيضاً" (مر 27:2،28). وسألهم "ألا يحل كل واحد منكم فى السبت ثوره أو حماره من المذود ويمضى ويسقيه، وهذه هى ابنة إبراهيم قد ربطها الشيطان ثمانى عشرة سنة، أما كان ينبغى أن تُحل من هذا الرباط فى يوم السبت" (لو 15:13،16) كانت المسألة مجرد حوار حول التفسير فقط، لكن لم يحدث إطلاقاً صراع حول النص. بل على العكس لقد شهد السيد المسيح للعهد القديم فى مواقف كثيرة كما أوضحنا سابقاً، وقد سألهم أيضاً: "ماذا تظنون فى المسيح، ابن من هو؟ قالوا له ابن داود. قال لهم: فكيف يدعوه داود بالروح رباً قائلاً: قال الرب لربى اجلس عن يمينى حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك" (مت 42:22-45) شهد الرب أن ما قاله داود هو بالروح.وإن كان المسيحيون حرّفوا الكتاب المقدس، لما سكت اليهود إطلاقاً، لأن الكتاب المقدس العهد القديم هو كتابهم.
إن لمجرد تفسير بولس الرسول بأن الختان كان رمزاً للمعمودية، قام عليه اليهود. ونذر أربعون شخصاً أن لا يأكلوا إلا بعد قتله لأنهم اعتبروه ناقضاً للناموس. وكذلك السيد المسيح عندما شفى مرضى فى يوم السبت قام عليه اليهود وحكموا عليه بالموت..

من تمم النبوات؟!!

إن المهم فى إتمام هذه النبوات هو أن بعضها لم يتممها أصدقاء للسيد المسيح، ولكن تممها الذين قتلوه!!
نبوة عن تلميذه الذى خانه "أيضاً رجل سلامتى الذى وثقت به آكِلُ خبزى رفع علىَّ عقبه" (مز 9:41). وأيضاً "فقال لى الرب ألقها إلى الفخارى الثمن الكريم الذى ثمنونى به فأخذت الثلاثين من الفضة وألقيتها إلى الفخارى فى بيت الرب" (زك 13:11) وهذا ما حدث بالفعل، فقد أخذوا الثلاثين من الفضة واشتروا بها حقل الفخارى..
إن رؤساء الكهنة.. يهوذا الإسخريوطى.. بيلاطس البنطى.. هيرودس الملك.. كل هؤلاء قد تمموا النبوات مع أنهم كانوا أعداءً للسيد المسيح.
فقد تنبأ الكتاب عن قتل أطفال بيت لحم "هكذا قال الرب: صوت سمع فى الرامة، نوح بكاء مر، راحيل تبكى على أولادها وتأبى أن تتعزى عن أولادها لأنهم ليسوا بموجودين"
(إر 15:31) فعندما أرسل هيرودس وقتل كل أطفال بيت لحم من سن سنتين فما دون، هرب السيد المسيح إلى أرض مصر.. لم يهرب من الخوف، بل من أجل أن يبدأ رسالته ويُعلِّم تعاليم العهد الجديد، ثم يقدّم نفسه ذبيحة فداءً عن حياة العالم كله.حقاً "من الآكل خرج أكل ومن الجافى خرجت حلاوة" (قض 14:14). لأن أعداء المسيح قد حققوا جزءًا هاماً من النبوات التى كُتبت عنه.

الاكتشافات التى تمت للكتب المقدسة

كان هناك بعض رعاة للأغنام فى وادى قمران جهة البحر الميت سنة 1945م، هؤلاء اكتشفوا قدوراً أثناء فتحهم لبعض المغائر، وعند فتحهم لهذه القدور وجدوا لفائف ورقائق لا يستطيع أحد أن يفردها. فذهبوا للمطران مارِيشوع صموئيل السريانى - قد زرته فى نيويورك مع قداسة البابا سنة 1989م - فاشتراها منهم ولكنه لم يستطع فتحها. فاتصل بالجماعات الأمريكية فطلبوا أن يشتروها منه؛ وبالفعل قام بتسليمها لهم. واشترتها الجامعة العبرية وفتحوا الأسفار، ووجدوا نسختين كاملتين من سفر إشعياء بالنص كما هو فى المازوريتك العبرى الذى منه تُرجمت النسخ التى بين أيدينا لسفر إشعياء المملوء بالنبوات عن السيد المسيح ويرجع تاريخ نسخهما إلى القرن الثانى قبل الميلاد.

استحالة تحريف العهد الجديد

قد قال السيد المسيح: "فإنى الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل" (مت 18:5). وأيضاً "السماء والأرض تزولان ولكن كلامى لا يزول" (مر 31:13) وهذا وعد من السيد المسيح بأن كلامه لا يزول..
وقال القديس يوحنا الرسول فى كتابته لسفر الرؤيا آخر أسفار العهد الجديد: "إن كان أحد يزيد على هذا يزيد الله عليه الضربات المكتوبة فى هذا الكتاب. وإن كان أحـد يحذف من أقوال كتاب، هذه النبوة يحذف الله نصيبه من سفر الحياة ومن المدينة المقدسة ومن المكتوب فى هذا الكتاب" (رؤ 18:22-19).
وقد حاولت مجموعة من العلماء بحث نتيجة افتراض فقد كتاب العهد الجديد بأكمله؟ فاستطاعوا أن يجمّعوا من خلال كتابات الآباء القديسين فى القرنين الثانى والثالث الميلادى آيات العهد الجديد بأكمله ماعدا 11 آية فقط. وذلك حسب ما ورد فى مرجع }نورمان جسلر ووليم نكس{ وأحصيت كتابات الآباء السابقين لمجمع نيقية فوجدوا أن الاقتباسات التى اقتبسوها من العهد الجديد 36289 آية؛ من الأناجيل الأربعة 19368، ومن سفر الأعمال 1352، ومن رسائل القديس بولس الرسول 14035، ومن الرسائل الجامعة 870، ومن سفر الرؤيا 664 اقتباس.. معنى هذا إذا حدث وفُقد العهد الجديد كله الـ 27 سِفر الذى وضع قانونهم القديس أثناسيوس الرسولى؛ من الممكن تجميعه مرة أخرى ماعدا 11 آية فقط من كتابات الآباء فى القرن الثانى والثالث الميلادى. إذا وضعنا إلى جوارهم كتابات قداسة البابا أو كتابات آباء القرن الثالث أو الرابع سيكمّلوا الـ 11 آية المفقودة..

كيف يمكن تحريف الإنجيل مع وجود هرطقات متنوعة؟!
هناك من الهراطقة الذين جادلوا ضد القديسين. أريوس ضد البابا ألكسندروس منذ سنة 313م. وأيضاً الحوار الذى دار بين القديس أثناسيوس الرسولى وبين أريوس فى أوائل القرن الرابع الميلادى. فأريوس كان ينكر ألوهية السيد المسيح، والقديس أثناسيوس كان يدافع عن لاهوت السيد المسيح. فلم يحدث إطلاقاً أن قال أريوس للبابا ألكسندروس أو للقديس أثناسيوس إن الآيات التى قمتما باستخدامها لإثبات ألوهية السيد المسيح ليس لها وجود فى الكتاب المقدس، لم يستطع إنكار أية آية استخدمها البابا ألكسندروس أو القديس أثناسيوس لإثبات لاهوت السيد المسيح لكنه كان يحاول إثبات هرطقته بالتحوير فى تفسير الآيات أو استخدام آيات أخرى يسئ هو فهمها وتفسيرها. كما أن الآباء أيضاً لم يحذفوا الآيات التى استخدمها أريوس أو الهراطقة والتى أساءوا فهمها مثل: "ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين فى السماء ولا الابن إلاّ الآب" (مر 32:13) مجرد حرف وكلمة "ولا الابن" لكن تركتهم الكنيسة.. وأيضاً "أبى أعظم منى" (يو 28:14) نقولها يومياً فى إنجيل الساعة الثالثة بصلوات الأجبية ولا يهمنا كلام الهراطقة وسوء فهمهم للآيات لأننا واثقين أن الكتاب المقدس بأكمله يثبت لاهوت السيد المسيح ووحدانية الثالوث القدوس.. فإن كنا فعلاً قد حرّفنا الكتاب كما يدّعى المسيئون ضد الكتاب، فلماذا لم نحذف كلمة "ولا الابن"؟ ولماذا لم نحذف من رسالة كورنثوس الأولى الآية التى شرحها قداسة البابا صباح اليوم أن الابن سيخضع لله "حينئذ الابن نفسه أيضاً سيخضع للذى أخضع له الكل كى يكون الله الكل فى الكل" (1كو 28:15).. لم نقم بحذف أو إضافة أى حرف لأن الكتاب يقول: "إن كان أحد يزيد على هذا يزيد الله عليه الضربات.. وإن كان أحـد يحذف.. يحذف الله نصيبه من سفر الحياة ومن المدينة المقدسة ومن المكتوب فى هذا الكتاب" (رؤ 18:22-19).
ومن المعروف أن المسيحية قامت ضدها هرطقات منذ القرن الأول الميلادى - ليس فقط فى زماننا هذا - ولم يحدث إطلاقاً أن اليهود أو الوثنيين أو الهراطقة اتهموا المسيحيين بتحريف الكتاب المقدس. لقد بدأ القديس يوحنا الرد على الغنوسيين فى إثبات لاهوت السيد المسيح فى القرن الأول الميلادى.. ومذكور فى سفر الرؤيا "تعاليم النقولاويين الذى أبضغه" (رؤ 15:2)، وتكلّم بولس الرسول عن أناس هراطقة ينكرون القيامة ويقلبون الإيمان "اللذان زاغا عن الحق قائلين إن القيامة قد صارت فيقلبان إيمان قوم" (2تى 18:2).. استمرت الهرطقات على مدى الزمان، فإذا تجاسر أحد أن يُغيّر آية فى العهد الجديد؛ لكانوا وضعوا أمامه الآية التى تقول: "إن كان أحد يزيد على هذا يزيد الله عليه الضربات المكتوبة فى هذا الكتاب. وإن كان أحـد يحذف من أقوال كتاب هذه النبوة يحذف الله نصيبه من سفر الحياة ومن المدينة المقدسة ومن المكتوب فى هذا الكتاب" (رؤ 18:22-19). فمن الذى يجرؤ أمام هذه الآية أن يغيّر؛ يحذف أو يزيد كلمة من الكتاب المقدس.. ينظر الهراطقة بالمرصاد فإذا تغيّر أى حرف فى الكتاب المقدس؛ لقاموا بإعلان الحرب والفضائح بتحريف الكتاب. إن المسيحيين قد استشهدوا من أجل الإنجيل، وقد دفـعوا الثمن غالياً. فكيف يمكن إنسان أن يحرّف الحقيقة وفى نفس الوقت يضحى بحياته فى سبيل حقيقة محرّفة؟!! فمن جيل إلى جيل لم توجد ديانة فى العالم كله احتملت الاضطهاد وقدمت شهداء مثل المسيحية. منذ فجر المسيحية الأول وإلى ملء التاريخ.

و كيف يمكن تحريف الإنجيل مع وجود خلافات بين الكنائس؟!

حدثت انقسامات فى الكنيسة وصار هناك نساطرة، وكاثوليك، وخلقيدونيون، ولا خلقيدونيون.. جماعات كثيرة انشقت عن الكنيسة الأرثوذكسية، فكيف يمكن أن تتفق هذه الكنائس كلها على التحريف؟!
ومازال كل هؤلاء موجودين إلى يومنا هذا. وقد أصدرت لكم كتاب عن الكنيسة الآشورية تاريخها وعقيدتها بين الماضى والحاضر.. مازالت تقول هذه الكنيسة على نسطور إنه قديس وتذكر اسمه، وتلعن القديس كيرلس عمود الدين، والقديس ساويرس الأنطاكى تاج السريان.. ولا تؤمن هذه الكنيسة بأن عمانوئيل إله حقيقى، ولا بأن العذراء مريم والدة الإله.. وعلى الرغم من هذا كله لم تجرؤ هذه الكنسية أن تتهمنا بتحريف الكتاب المقدس..

و كيف يمكن تحريف الإنجيل بعد تعدد النسخ فى أنحاء العالم كله؟!

لقد كانت عادة المسيحيين عند دفن موتاهم. إنهم يضعون نسخة من الكتاب المقدس تحت رأس المنتقل. وقد وجدوا فى حفريات نجع حمادى فى مصر فتاة قبطية وتحت رأسها نسخة من سفر المزامير بأكمله باللغة القبطية من القرون الأولى للمسيحية.. كيف يستطيع أحد بعد ذلك أن يجمع كل هذه النسخ المنتشرة فى أنحاء العالم ليحرّف فيها؟!
"فقال الرب لى: أحسنت الرؤية لأنى أنا ساهر على كلمتى لأجريها" (إر 12:1). فهل الله لم يستطع أن يحفظ ولو نسخة واحدة من الكتاب المقدس؟!! إنه يوجد نسخ من الكتب المقدسة موجودة فى المتاحف، بعضها أجزاء من الكتاب المقدس وبعضها نسخ كاملة من الكتاب المقدس تشمل العهدين القديم والجديد موجودة مثل النسخة الفاتيكانية، والنسخة السينائية، والنسخة الإسكندرية.
فالنسخة الفاتيكانية خطت سنة 328م بأمر الملك قسطنطين، وهى محفوظة الآن فى الفاتيكان وكتبت فى مصر، وتتضمن العهدين القديم والجديد باللغة اليونانية. والنسخة السينائية خطت فى أواخر القرن الرابع الميلادى على رقوق مرهفة من أربعة أعمدة فى الصفحة الواحدة وقد عثر عليها العالِم شندروم فى دير سانت كاترين عند سفح جبل سيناء وهى موجودة الآن فى المتحف البريطانى. والنسخة الإسكندرية خطت فى القرن الخامس الميلادى، وظلت فى حفظ بطاركة الإسكندرية حتى عام 1828م حيث أهداها البطريرك لوكارس الكريدى (الملكانى) إلى ملك بريطانية شارل الأول وهى الآن محفوظة فى المتحف البريطانى فى إنجلترا.
إلى جانب أنه وُجدت قصاصات متناثرة من الأناجيل فى أماكن متعددة فى العالم موجودة بالمتاحف، ولم يحدث إطلاقاً أن وجدت قصاصة من صفحة من صفحات الإنجيل، ووُجدت مختلفة عن الأناجيل الذى بين أيدينا الآن. مهما كان عمرها، إن رجعت إلى القرن الأول الميلادى أو الثانى أو ما بعد ذلك.. لذلك لا يمكن أن نقبل إطلاقاً إدّعاء تحريف الكتاب المقدس.
أحياناً يرى البعض اختلافات فى الكتاب المقدس بين أجزاء وأجزاء. مثال لذلك إنجيل يوحنا يقول عن المريمات: "جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكراً والظلام باق" (يو 1:20). وإنجيل آخر هو إنجيل مرقس يقول: إنهن "أتين إلى القبر إذ طلعت الشمس" (مر 2:16). لكن فى الحقيقة إن هذا ليس اختلافاً ولكنه سوء فهم من القارئ لأنه عندما يقول "إذ طلعت الشمس" يقصد نور الشمس وليس قرص الشمس. وعند طلوع الشمس من ناحية الشرق يكون الظلام باق من ناحية الغرب. فليس هناك أى تناقض. وأى تناقض ظاهرى يراه القارئ يكون نتيجة عدم فهم وسرعة فى الحكم على الآية.
فمن الطبيعى أننا نقرأ الكتاب المقدس فى خشوع، وفى احترام، ونسأل الآباء ومعلمى البيعة ونستشير أقوال وكتابات الآباء القديسين إذا اُغلق علينا فهم أى جزء من أجزاء الكتاب المقدس لأن الكتاب كله هو موحى به من الله "كل نبوة الكتاب ليست من تفسير خاص. لأنه لم تأتِ نبوة قط بمشيئة إنسان، بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (2بط 20:1،21).
بعد كل ما سبق وأوضحناه؛ للرد عليهم نستطيع أيضاً أن نسألهم؛ كيف بعد أن كُتبت الأناجيل كلها وانتشرت فى العالم كله، يستطيع أحد بعد ذلك أن يحرّف فيها؟!! كيف يستطيع أن يُجمِّع كل هذه النسخ المنتشرة فى أنحاء العالم أجمع ليُحرِّف فيها؟!!

مكتبة الإسكندرية

الذين يتهموننا بتحريف الكتاب المقدس؛ لماذا حرقوا مكتبة الاسكندرية؟ إن أولادنا الأقباط العاملين بمكتبة الإسكندرية لديهم أوامر أن يكذبوا على السواح الزائرين المكتبة ويقولون لهم إن الأقباط هم الذين حرقوا المكتبة.. لماذا سنحرق نحن المكتبة؟!! وكيف نحرق نحن أقوال آبائنا أبطال الإيمان القديس أثناسيوس والقديس كيرلس عمود الدين؟! لقد أرسل بابا الإسكندرية القديس كيرلس عمود الدين البابا الرابع والعشرون رسالة إلى الإمبراطور ثيئودسيوس الثانى يقول له: أرسلت لك نسخة أصلية منسوخة من النسخة الأصلية لرسالة أبينا الطيب الذِكر أثناسيوس البابا العشرين لأبيكتيتوس عن طبيعة السيد المسيح (الكريستولوجى)، لوجود بعض أناس يحرّفون كتابات القديس أثناسيوس.. لذلك أرسل له النسخة الأصلية. ولو قرأت رسالة القديس أثناسيوس لأبيكتيتوس؛ تجدها تماماً مثل تعليم القديس كيرلس عمود الدين عن تجسد الكلمة وعن الكريستولوجى؛ مثلاً: يقول القديس أثناسيوس لقد جاء الله الكلمة فى شخصه الخاص، أى شخص الله الكلمة هو شخص يسوع المسيح نفسه ولم يتخّذ شخص من البشر وهكذا شرح القديس كيرلس عبارة "الكلمة صار جسداً" بمعنى أن الكلمة اتخذ جسداً؛ وليس أن الكلمة تحوّل إلى جسد؛ مثلما نقول "صار لعنة لأجلنا" أى حمل لعنة خطايانا وليس بمعنى تحوّل إلى لعنة..فمن هو الذى يحرق مكتبة الإسكندرية؟ هل بطاركة الإسكندرية الذين كانوا هم مديرى الكلية الإكليريكية بمدرسة الإسكندرية أعظم مدرسة لاهوتية فى العالم.. ظلت الكتب تُحرق لمدة ستة شهور، وبعد كل ذلك يأمرون أولادنا الأقباط أن يكذبوا على السواح ويقولوا أن الأقباط هم الذين حرقوا المكتبة. ولكن:
الحق يتكلم حتى ولو صمت. ويتكلم ولو بدا أنه قد ضاع لأن الحق لا يمكن أن يضيع

ضلالة إنجيل برنابا

يقول السيد محمد على سلامة فى كتابه بعنوان "فيلم آلام المسيح" The Passion of Christ: إن العهد الجديد الحقيقى هو "إنجيل برنابا".. واستند إلى هذا الكتاب المزيّف فى أقواله فى أكثر من مكان فى كتاباته مثل صفحة 62، وصفحة 117، وصفحة 119 ويعتبر أن كل ما ورد فى إنجيل برنابا هو الحق وكل الحق..
تعالوا بنا للنظر فى ما يقوله هذا الإنجيل: يقول: عند خلق الله لآدم، عمل الرب عجينة ووضعها تخمر 25 ألف سنة فى الجنة. ثم جاء الشيطان وبصق عليها. فجاء الرب وأخذ بصقة الشيطان مع جزء من عجينة آدم وصنع منها الكلب ولذلك الكلب يكون نجس لأنه عبارة عن بصقة شيطان!!.
والرب لم يخترَ مكاناً لوضع العجينة إلاّ وسط الشارع!!.. ثم أمر الرب الكلب أن ينبح على الحِصِنة، وبعد أن نبح الكلب جريت الحِصنة فى الجنة. ثم اضطر الرب أن يأخذ العجينة وعمل آدم، وقيل إن مكان بصقة الشيطان هى صُرّة آدم.ويقول الأستاذ محمد شفيق غربال فى موسوعته: إن كتاب إنجيل برنابا كتاب مملوء بالخرافات والأخطاء العلمية والعقلية ولا يستطيع أن يقبله ضمير مسيحى أو مُسلم ولا أى إنسان عاقل يستطيع أن يقبل أن هذا كتاب موحى به من الله.. لذى كتب إنجيل برنابا هو فاراو مارينو راهب فى أسبانيا فى القرن الخامس عشر. وقد أشهر هذا الراهب إسلامه وكتب هذا الكتاب ونَسَبَه إلى برنابا الرسول. وهو كتاب مملوء بالأخطاء الجغرافية والعلمية ليس مجالها الآن. ولكن قد صدر الكثير من الشرائط الكاسيت والكتب ترد على هذا الإنجيل المملوء بالخرافات. ونحن ردّينا على خرافة إنجيل برنابا من جهة أن علماء المسلمين أنفسهم يعتبرونه كتاب لا يقبله العقل ولا الضمير.
وقد ذكر السيد محمد على سلامة فى كتابه اسم إنجيل برنابا فى أكثر من مكان.. مثلاً؛ على صفحة 117 يقول "نص حديث المسيح مع المرأة السامرية.." وعلى صفحة 119 ذكر من إنجيل برنابا إصحاح (81 إلى 83) ومُعتبر إن أى حاجة وردت فى إنجيل برنابا تكون هى الحق وكل الحق. وعلمياً يوضع كتاب السيد محمد على سلامة فى مستوى الصفر مادام أقام دعواه أساساً على هذا الكتاب المزيّف – إنجيل برنابا.ثم يتحسّر السيد محمد على سلامة على الأقباط ويقول إن الأقباط عاشوا فى ضلال وسيهلكون.. وسنذكر بعض هذه الدعاوى:
على صفحة 62 فى كتاب السيد محمد على سلامة يقول: "إنجيل برنابا هو الإنجيل الذى كتبه الحوارى برنابا أحد حوارى المسيح عيسى عليه السلام وقد اكتشفه أحد النصارى فى القرن الثامن عشر الميلادى وترجمه إلى العربية أحد النصارى أيضاً وهو الدكتور خليل سعادة. والمسيحيون أنكروا هذا الإنجيل دون أن يقدموا دليلاً علمياً مقنعاً على رفضهم له (من يقبل هذا الكلام؟!! نحن قدّمنا الكثير من الدلائل العلمية المقنعة على رفضنا لهذا الإنجيل المزيّف الذى من داخل أقواله يقول: القمل الذى فى شعر الإنسان سيتحوّل إلى لآلئ فى الجنة..) فهُم الذين اكتشفوه، وهُم الذين ترجموه، فالله الأمر (أى أننا فى ضلال مبين). ولم يعترفوا بهذا الإنجيل لِما فيه من نصوص تهدم الديانة المسيحية من أساسها وتؤيد عقائد الإسلام. وفيه أن عيسى عبد الله ونبيه لا إنه إله أو ابن إله، وفيه أن محمد رسول الله ودعوة عيسى عليه السلام إلى الإيمان بآخر الأنبياء وسيدهم محمد صلى الله عليه وسلّم. ومن تأمل هذا الإنجيل وقرأه؛ يُحِّس فيه بنفس الأسلوب والعبارات الموجودة فى الأناجيل الأخرى". هذا كلام مؤلف الكتاب محمد على سلامة.نحن ردينا على خرافة إنجيل برنابا من جهة أن نفس علماء المسلمين يعتبروه كتاب لا يقبله العقل ولا الضمير.
ويظن هذا المؤلف أنه قد جاء بأخطر ضربة للمسيحية على صفحة 56: ويقول؛ إن الآية التى على أساسها أقام المسيحيون عقيدتهم فى وحدانية الجوهر للثالوث هى "إن الذين يشهدون فى السماء هم ثلاثة الآب والكلمة والروح القدس. وهؤلاء الثلاثة هم واحد" (1يو 7:5).. بدأ حديثه عن هذه الآية من صفحة 54 وقال: "والآن استمع إلى هذه الكارثة: صيغة التثليث الوحيدة فى الأناجيل تُمحى من الطبعات الحديثة. وردت هذه الصيغة فى رسالة يوحنا الأولى. وكانت تُعتبر النص الوحيد فى الكتاب المقدس الذى يعطى الأساس لعقيدة التثليث عن المسيحيين وهذا النص هو "إن الذين يشهدون فى السماء هم ثلاثة الأب (لم يرِد أن يكتب الآب، بل كتب الأب) والكلمة والروح القدس. وهؤلاء الثلاثة هم واحد" (1يو 7:5) لكن التراجم الحديثة للكتاب المقدس حذفتها باعتبارها نصاً دخيلاً أقحمه كاتب مجهول منذ قرون. يقول كتاب(1): هل الكتاب المقدس حقاً كلمة الله الذى طُبع فى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1969م، ثم فى بيروت بالعربية عام 1971. ويوزّع كرسالة تنصيرية فى صفحة 160 وهو يتحدث عن الترجمات المختلفة المتلاحقة التى من شأنها تنقية الكتاب المقدس مما يكون قد عَلقَ به من أخطاء نتيجة لقصور الترجمات السابقة ما يلى(2):
بمقارنة أعداد كبيرة من المخطوطات القديمة باعتناء؛ يتمكن العلماء من اقتلاع أية أخطاء ربما تسللت إليها، مثالاً على ذلك الإدخال الزائف فى يوحنا الأولى الإصحاح الخامس الجزء الأخير من العدد 7 والجزء الأول من العدد 8 يقول حسب الترجمة البروتستانتية العربية طبع الأمريكان فى بيروت، ونقرأ فى الترجمة اليسوعية العربية شيئاً مماثلاً فى السماء الأب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد والذين يشهدون فى الأرض هم ثلاثة. ولكن طوال القرون الثلاثة عشر الأولى للميلاد لم تشتمل أية مخطوطة يونانية على هذه الكلمات والترجمة البروتستانتية العربية ذات الشواهد وضعها بين هلالين موضحة فى المقدمة إنه ليس لها وجود فى أقدم النسخ وأصحها. وهكذا تساعدنا الترجمات العصرية للكتاب المقدس الوصول إلى المعنى الصحيح لِما نقرأه.
هذا وتقول ترجمة الكتاب المقدس العربية للكاثوليك: "لأن الشهود فى السماء ثلاثة الأب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد، والشهود فى الأرض ثلاثة الروح والماء والدم وهؤلاء الثلاثة هم فى واحد" (1يو 7:5،8).وتقول ترجمة الكتاب المقدس العربية للبروتستانت: "فإن الذين يشهدون (فى السماء) هم ثلاثة (الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد. والذين يشهدون فى الأرض هم ثلاثة) الروح والماء والدم والثلاثة هم فى الواحد"(3). وإذا رجعنا إلى التنبيه الذى وضعته هذه الترجمة فى مطلعها؛ نجده يقول فى الكلمات التى توضع بين هلالين
أو قوسين ما يلى: والهلالان يدلان على الكلمات التى بينها ليس لها وجود فى
أقدم النسخ وأصحها. أى أن صيغة التثليث هذه فقرة مزيفة من عمل كاتب مجهول، وترجمة العهد الجديد العربية للكاثوليك والذين يشهدون ثلاث الروح والماء والدم، وهؤلاء متفقون. ثم فى الحاشية السفلى تعليقاً على العدد 7 فى بعض الأصول الأب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد، لم يرِد ذلك فى الأصول اليونانية المعوّل
عليها. والأرجح أنه أُدخل إلى المتن فى بعض النسخ. وهذا هو ما تقوله أيضاً ترجمة العهد الجديد العربية للمطبعة الكاثوليكية سواء بالنسبة للمتن أو للحاشية وتظهر
صيغة التثليث هذه فى ترجمة الملك جيمز الإنجليزية فقط، ولكنها اختفت من كل من الترجمة القياسية الإنجليزية والترجمة الفرنسية المسكونية وترجمة أورشليم الفرنسية وترجمة لويسيجو الفرنسية.
ومن الملاحظ أن صيغة التثليث قد اختفت بوجه عام من أغلب التراجم الحديثة فى اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية، بينما هى لا تزال فى الترجمة العربية للكتاب المقدس للبروتستانت ولو أنها وُضعت بين هلالين علامةً على عدم أصالتها.

والسؤال الآن إليك أيها المسيحى المخلص ويا من تخاف الله؛ مَن المسئول عن مصائر الملايين من المسيحيين الذين هلكوا وهم يعتقدون أن عقيدة التثليث التى تَعلَّموها تقوم على نص صريح فى كتابهم المقدس، بينما هو نص دخيل أقحمته يد كاتب مجهول. إن الإجابة والمسئولية لتقع أولاً وأخيراً على عاتق الذين أؤتمنوا على الكتاب المقدس وكانوا عليه حفاظاً ومترجمين (ثم كتب فى الملاحظات فى أسفل الكتاب اسم مرجع "الإسلام والأديان الأخرى لأحمد عبد الوهاب من صفحة 91 إلى صفحة 94)..
الدفاع عن الآية "وهؤلاء الثلاثة هم واحد" (1يو 7:5).

نسأل السيد محمد على سلامة؛ هل يستطيع أن يقوم بإصدار كتاب آخر يقول فيه إن كل ما ورد فى العهد الجديد فى الكتاب المقدس للمسيحيين هو صحيح وصادق ماعدا هذه الآية فقط (1يو 7:5)!!!. فإذا كان الأمر كذلك وإذا كان السيد محمد على سلامة حسب ما اقتبسه وأعلنه أن كل الكتب قالوا أن هذه الآية ليست موجودة فى أقدم النسخ وأصحها. معنى هذا أن السيد محمد على سلامة يشهد أن كل المسيحيين حذفوها أو على الأقل أعلنوا إنها كانت غير موجودة. وبذلك يشهد هو نفسه للمسيحيين إنهم إذا اكتشفوا آية مزيدة؛ هم أنفسهم (المسيحيين) يعلنوا أن هذه الآية غير موجودة فى أقدم النسخ وأصحها. وهل هذه الآية هى الوحيدة التى تثبت عقيدة الثالوث فىنظرالكاتب؟

لدينا مئات الردود من الآيات لإثبات عقيدة الثالوث، مثلاً؛ فى سفر أيوب نجده يشهد بألوهية الروح القدس - أحد أقانيم الثالوث - إنه الخالق ويقول:

"روح الله صنعنى ونسمة القدير أحيتنى" (أى 4:33). وبطرس الرسول فى سفر الأعمال يشهد للروح القدس بأنه الله ويقول: "يا حنانيا لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس وتختلس من ثمن الحقل.. أنت لم تكذب على الناس بل على الله" (أع 3:5،4).. والمزمور يشهد للروح القدس بأنه كائن فى كل مكان "أين أذهب من روحك ومن وجهك أين أهرب. إن صعدت إلى السماوات فأنت هناك وإن فرشت فى الهاوية فها أنت. إن أخذت جناحى الصبح وسكنت فى أقاصى البحر. فهناك أيضاً تهدينى يدك وتمسكنى يمينك"
(مز 7:139-10) أين أذهب من روحك؟ فروحك يملأ الوجود كله؛ فى السماء وفى الأرض وفى أقاصى البحار. الروح القدس كائن فى كل مكان؛ الروح القدس هو الخالق؛ الروح القدس هو الله.
قال السيد المسيح عن الروح القدس: إنه روح الحق "ومتى جاء المعزى الذى سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذى من عند الآب ينبثق فهو يشهد لى" (يو 26:15) ولم يكن الروح القدس مجرد طاقة لأن السيد المسيح قال "يأخذ مما لى ويخبركم" (يو 14:16،15). وما يسمعه يتكلم به "متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية" (يو 13:16)..
إثبات أقنومية الروح القدس.. إثبات ألوهية الروح القدس.. إثبات ألوهية الابن.. الآيات التى تثبت ألوهية السيد المسيح ليس لها حصر.

نقول للسيد محمد على سلامة المعترض على الآية التى تقول: "هؤلاء الثلاثة هم واحد" ما الفرق بين هذه الآية وبين قول السيد المسيح: "أنا والآب واحد" (يو 30:10). هل سيقول أن هذه الآية أيضاً؛ لم توجد فى أقدم النسخ وأصحها؟!.. لقد وردت هذه الآية بنفس المعنى عدة مرات فى العهد الجديد: "أنا فى الآب والآب فىّ" (يو 10:14)، "الآب لا يدين أحداً بل قد أعطى كل الدينونة للابن" (يو 22:5)، "الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذى هو فى حضن الآب هو خبّر" (يو 18:1)، "فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به" (مت 19:28،20) "باسم" وليس "باسماء" وأمرهم بممارسة سِر المعمودية الذى بدأ من العصر الرسولى على اسم الثالوث القدوس، ثلاث غطسات فى معمودية واحدة "رب واحد إيمان واحد معمودية واحدة" (أف 5:4) لماذا معمودية واحدة فى ثلاث غطسات؟ كيف تكون معمودية واحدة، وتكون ثلاثة فى نفس الوقت؟ لأن ثالوث فى واحد، وواحد فى ثالوث. إذاً الكنيسة لم تعتبر الثالوث واحد بالكلام المكتوب فقط، لكن اعتبرته واحد بالممارسة. فحتى الإنسان المعمد الذى لا يعرف القراءة، نجده وقت معموديته يُعلن إيمانه ويقول "ونعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا"..

وليس هذا فقط بل سنرى أيضاً ما كتبه آباء ما قبل نيقية وما قبل أقدم نسخ للكتاب المقدس الموجودة فى العالم عن هذه الآية "وهؤلاء الثلاثة هم واحد" (1يو 7:5):
مكتوب فى مقدمة الجزء الخامس لآباء ما قبل نيقية صفحة 418 :It is hard to believe that 1 John v. 7 was not cited by Cyprian(1).
تعنى هذه العبارة؛ إنه من الصعب أن نصدّق أن يوحنا الأولى 7:5) لم يعاينها (لم يرها ولم يستخدمها) الأسقف الشهيد كبريانوس - الذى عاش ما بين سنة 200 إلى 258م. فهذه تعتبر قبل أقدم نسخة فى الكتاب المقدس الموجودة حالياً - حيث تم كتابة هذا الكلام من قبل منتصف القرن الثالث الميلادى. ولم توجد نسخة لرسالة القديس يوحنا الأولى قبل هذا الوقت.

أما ما قاله القديس كبريانوس نفسه فى الجزء الخامس لآباء ما قبل نيقية صفحة 423 الطبعة الإنجليزية:
The Lord says, “I and the Father are one” and again it is written of the Father, and of the Son, and of the Holy Spirit, “And these three are one”(2).
الترجمة: لقد قال الرب: أنا والآب واحد. وأيضاً مكتوب عن الآب والابن والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة هم واحد.. قال "مكتوب" ولم يقل "مفهوم" أو "اعتقد"..
إذاً من قبل أقدم النسخ للكتاب المقدس كانت هذه الآية موجودة "وهؤلاء الثلاثة هم واحد".
أما السؤال لماذا اختفت هذه الآية من بعض النسخ وتسلسلت بالرغم من إنها كانت موجودة من قبل أقدم النسخ؟ الإجابة:
كان هناك طابع لدى المسيحيين احتراماً للأيقونات المدشّنة والكتب المقدسة إنه إذا أكلت العِتّة كتاب أو أيقونة مدشّنة؛ يتم حرقه فى فرن القربان. و هذا ثابت تاريخياً – عندما رُسمت أسقف؛ وجدت قرابنى كنيسة مارجرجس المزاحم فى بساط النصارة يوقِد فرن القربان بالمخطوطات القديمة..
ورق الكتب له عُمر، ولا يعيش إلى ما لا نهاية، بعد زمن نرى أن المتبقى من الصفحة جزء بسيط وباقى الورقة ذابت أو أكلتها العِتّة.. نجد أن الناسخ يمسك دوبارة فوق الورق ويعمل سطور، وأثناء النقل؛ وجد آيتين تحت بعض؛ إحداهما تقول:
"فالذين يشهدون فى السماء هم ثلاثة؛ الآب والكلمة والروح القدس. وهؤلاء الثلاثة هم واحد".. والسطر الذى تحته وجدت الآية:
"والذين يشهدون فى الأرض هم ثلاثة؛ الماء والروح والدم؛ وهؤلاء الثلاثة هم فى الواحد"..
فطبعاً بمقارنة الناسخ للسطرين معاً؛ وجد تطابق فى الكلمات للسطرين وخصوصاً فى بداية كل سطر ونهايته، والسطرين تحت بعض تماماً، لذلك من الممكن بدون قصد؛ يغفل نظره عن السطر الأول ويحذف هذه الآية.. من الممكن جداً أن يكون حدث هذا الأمر..

وإذا سألنا؛ إذا كان هذا هو ما حدث، فلماذا انتشر هذا الأمر؟! ولماذا توجد نسخ أجدد؛ بها الآية، والنسخ الأقدم ليس فيها الآية؟!! الإجابة لأن ليست كل النسخ تُنقل من أصل واحد.. فقد انتشر الكتاب المقدس وحتى القرن الثالث الميلادى كانت موجودة فى كل النسخ، ولكن الذى حدث إنه عندما لن تُنقل مرة؛ نُسخ منها الكثير، ولكن النُسخ القديمة التى تم إعدامها تسببت لأن تصير النُسخ التى بها الآية أحدث من التى ليس بها الآية.هناك راهب فى الأديرة يستطيع أن ينسخ مخطوطة فى أسبوع فقط، وغيره من الرهبان يظل ينسخ المخطوطة لمدة سنة.. فمن الممكن جداً أن النساخ فى منطقة ما ينسخون كثيراً، وفى منطقة أخرى ينسخون ببطء.
أما مسألة أنها لم توجد فى أقدم النسخ، فأين هى أقدم النسخ؟! لا يوجد سوى النسخ التى ذكرناها فى مقدمة كلامنا لهذا الموضوع (الفاتيكانية والسكندرية والسينائية). ولكن تاريخ الأسقف الشهيد كبريانوس الذى هو منتصف القرن الثالث الميلادى قبل سنة 258م؛ وهو قبل تاريخ هذه النسخ الثلاث وأقدم منهم - بل وقبل كل النسخ الموجودة حالياً بين أيدينا، ذكر أن الآية "الذين يشهدون فى السماء هم الآب والابن والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة هم واحد" (1يو 7:5). ولا توجد إطلاقاً نسخة لرسالة يوحنا الأولى أقدم من تاريخ هذا الأسقف..
هذه الآية موجودة أيضاً فى إنجيل يوحنا وليست فى الرسالة الأولى فقط
عندما قابل السيد المسيح نيقوديموس قال له: "الحق الحق أقول لك إننا إنما نتكلم بما نعلم ونشهد بما رأينا ولستم تقبلون شهادتنا. إن كنت قلت لكم الأرضيات ولستم تؤمنون، فكيف تؤمنون إن قلت لكم السماويات" (يو 11:3،12) يتكلم بصيغة الجمع إننا نتكلم، نعلم، نشهد، رأينا؛ شهادتنا أى شهادة واحدة ولم يقل شهادتينا.
من هم الذين يشهدون فى السماء؟ "كيف تؤمنون إن قلت لكم السماويات".
يقول عن الروح القدس: "ومتى جاء المعزى الذى سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذى من عند الآب ينبثق فهو يشهد لى. وتشهدون أنتم أيضاً لأنكم معى من الابتداء" (يو 26:15،27) بدأ يتكلم هنا عن شاهد الذى هو الروح القدس. وقال أيضاً عن الروح القدس؛ إنه لا يتكلم من نفسه بل ما يسمعه يتكلم به "وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية" (يو 13:16).
أما عن شهادة الآب قال "ليس أن أحداً رأى الآب إلاّ الذى من الله، هذا قد رأى الآب"
(يو 46:6)، وقال فى يوحنا 5 ابتداءً من الآية 30 "أنا لا أقدر أن أفعل من نفسى شيئاً كما أسمع أدين ودينونتى عادلة لأنى لا أطلب مشيئتى بل مشيئة الآب الذى أرسلنى. إن كنت أشهد لنفسى فشهادتى ليست حقاً. الذى يشهد لى هو آخر وأنا أعلم أن شهادته التى يشهدها لى هى حق.. وأنا لا أقبل شهادة من إنسان.. وأما أنا فلى شهادة أعظم من يوحنا لأن الأعمال التى أعطانى الآب لأكملها هذه الأعمال بعينها التى أنا أعملها هى تشهد لى أن الآب قد أرسلنى. والآب نفسه الذى أرسلنى يشهد لى (شهادة الآب)" (يو 30:5-37)..
وقال لهم: "فى ناموسكم مكتوب إن شهادة رجلين حق. أنا هو الشاهد لنفسى ويشهد لى الآب الذى أرسلنى" (يو 17:8،18) إذاً كم شاهد هنا؟ ثلاثة:

1- أنا هو الشاهد لنفسى.

2- ويشهد لى الآب الذى أرسلنى.
3- وشهادة الروح القدس فى (يو 26:15).


إذاً الذين يشهدون فى السماء هم ثلاثة مثلما قال لنا القديس يوحنا فى رسالته الأولى (1يو 7:5). فالذى كتب إنجيل يوحنا هو الذى كتب رسالة يوحنا وكلامه واحد مسوق من الروح القدس.
ويقول فى يو 16: "إن لى أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن. وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية. ذاك يمجدنى لأنه يأخذ مما لى ويخبركم. كل ما للآب هو لى لهذا قلت إنه يأخذ مما لى ويخبركم" (يو 12:16-15) يقول هنا عن الروح القدس إنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به. وقال لنيقوديموس: "إننا إنما نتكلم بما نعلم ونشهد بما رأينا" (يو 11:3). لا أتخيل ولو للحظة واحدة أن القديس يوحنا الإنجيلى بعدما شرح بالتفصيل فى إنجيله وذكر إجمالاً شهادة الأقانيم، إنه يتكلم فى رسالته الأولى عن الذين يشهدون على الأرض ولا يذكر إطلاقاً الذين يشهدون فى السماء.. لذلك نجد أن كاتب مقدمة آباء ما قبل نيقية: It is hard to believe that 1 John v. 7 was not cited by Cyprian(1).أى؛ من الصعب أن نصدّق أن يوحنا الأولى 7:5 لم يعاينها الأسقف الشهيد كبريانوس.

حفظ الوديعة

يجب أن نعلم أطفالنا ونحفّظهم الكتاب المقدس، فقد قال بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس "وإنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة القادرة أن تحكّمك للخلاص بالإيمان الذى فى المسيح يسوع" (2تى 15:3) مقصود بعبارة "الكتب المقدسة" هنا العهد القديم لأنه فى وقت طفولية القديس تيموثاوس لم تكن أناجيل العهد الجديد والرسائل قد كُتبت بعد.. فلابد أن نُحفِّظ أطفالنا أكبر كمية ممكنة من الكتب المقدسة وهذه مسئولية خطيرة جداً لأن المثل الشائع يقول إن "التعليم فى الصغر مثل النقش على الحجر". وإذا قصّرنا فى ذلك فإننا نُقصّر فى حفظ الوديعة.
ففى العصر المسيحى الأول؛ كان المؤمنون يحفظون الأسفار المقدسة.. فكانت تُكتب وتُحفظ فى قلوب وعقول المؤمنين فى آنٍ واحد. وإنه لشىء جميل جداً أن كلام الله يكون على الورق مكتوباً، وفى القلب محفوظاً. فالكتاب المقدس ليس هو فقط مخطوطات تنسخ ولكنه قديسين يحيوْن بكلام الله. لذلك قال السيد المسيح "الكلام الذى أكلمكم به هو روح وحياة" (يو 63:6).

الكنيسة شاهدة للكتاب المقدس

إن الكنيسة هى شاهدة للكتاب المقدس.. شاهدة لصحته.. شاهدة لعصمته، والكتاب المقدس شاهد للكنيسة. فالكتاب المقدس هو جزء من التقليد الرسولى الذى استلمته الكنيسة وأيضاً هو حارس التقليد، لأنه هو الذى يحمي التقليد من أى شئ يندس فيه ويتعارض مع فكر الله ومشيئته. فالكتاب المقدس هو فى التقليد وهو أيضاً حارس للتقليد، وهو صاحب السلطة العليا عليه.. فالكنيسة تحرس الكتاب المقدس، والكتاب يحرس الكنيسة، والروح القدس هو الذى يقود هذا وتلك. "لأنه لم تأتِ نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (2بط 21:1).
فالروح القدس هو الذى يسوق الكنيسة ويقودها ويعمل فيها. ولذلك تحترم الكنيسة الكتاب المقدس جداً وتقرأ فصول كثيرة من العهد القديم والعهد الجديد فى كل المناسبات. وحينما يُقرأ الإنجيل يقف الجميع بخوف وخشوع، ويقول الشماس: "قفوا بخوف أمام الله وانصتوا لسماع الإنجيل المقدس". وتنار الشموع حول الإنجيل لأن الإنجيل هو نور العالم. لهذا قال القديس بولس الرسول "لا بمقتضى أعمالنا بل بمقتضى القصد والنعمة التى أعطيت لنا فى المسيح يسوع قبل الأزمنة الأزلية وإنما أظهرت الآن بظهور مخلصنا يسوع المسيح الذى أبطل المـوت وأنـار الحيـاة والخلـود بواسطة الإنجيـل" (2تى 9:1،10).وفى كل قداس وكل معمودية وكل سر من أسرار الكنيسة السبعة تُقرأ فصول من الكتاب المقدس. وعندما يقرأ فصل من الإنجيل، وتصلى صلاة خاصة تسمى "أوشية الإنجيل" وهى طلبة خاصة يقال فيها: "فلنستحق أن نسمع ونعمل بأناجيلك المقدسة بطلبات قديسيك" ويقول الشماس "صلوا من أجل الإنجيل المقدس".
ونتذكر فى هذه الصلاة كلمات السيد المسيح التى قالها لرسله: "ولكن طوبى لعيونكم لأنها تبصر ولآذانكم لأنها تسمع" (مت 16:13). فنشعر إننا مغبوطون لأننا قد نلنا هذا الشرف العظيم أن نستمع إلى كلمات الإنجيل. فالقديس أنطونيوس عندما دخل الكنيسة، وكانت الأذن مستعدة للسمع، والقلب مستعد للطاعة، وسمع كلمات الإنجيل "إن أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبع أملاكك واعط الفقراء فيكون لك كنز فى السماء وتعال اتبعنى" (مت 21:19). ذهب وصنع ما سمعه فى فصل الإنجيل المقدس وهكذا خرج أبو الرهبان ليبدأ مرحلة جديدة فى تاريخ الرهبنة المسيحية. لذلك فإن السيد المسيح قد شبه كلامه بالزارع الذى خرج ليزرع. فالذى وقع على الأرض الجيدة أعطى ثمراً ثلاثين وستين ومائة.

ارتباط العهد القديم و العهد الجديد

فى كلام معلمنا بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس: "إنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة القادرة أن تُحكّمك للخلاص بالإيمان الذى فى المسيح يسوع" (2تى 15:3)، ربط عجيب جداً بين العهد القديم والجديد. لأن المقصود بالكتب المقدسة التى عرفها منذ الطفولية هى العهد القديم وعند قوله: "القادرة أن تُحكّمك للخلاص بالإيمان الذى فى المسيح يسوع" فهى انطلاقة من القديم إلى الجديد.. فهى التى تحكمك للخلاص، وهى التى تعطيك الحكمة والاستنارة والفهم فيما يخص الإيمان الذى بالمسيح يسوع.
لذلك قال السيد المسيح لليهود: "فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية وهى التى تشهد لى" (يو 39:5). وقال أيضاً: "لأنكم لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقوننى لأنه هو كتب عنى" (يو 46:5)، ومن الاقتباسات أيضاً من العهد القديم وموجودة فى العهد الجديد؛ أقوال كثيرة للسيد المسيح فى العهد الجديد مأخوذة من العهد القديم مثل حديثه مع تلميذى عمواس سجل القديس لوقا الإنجيلى عنه: "ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به فى جميع الكتب" (لو 27:24). وكذلك عند ظهوره للرسل مجتمعين بعد القيامة "قال لهم هذا هو الكلام الذى كلمتكم به وأنا بعد معكم أنه لابد أن يتم جميع ما هو مكتوب عنى فى ناموس موسى والأنبياء والمزامير" (لو 44:24) عبارة "وأنا بعد معكم" بمعنى أن هذا الكلام قاله السيد المسيح لهم قبل الصلب، ثم عاد وقاله لهم بعد القيامة، فتح ذهنهم ليفهموا الكتب.. أى أن السيد المسيح قد شهد لجميع أسفار العهد القديم التى كانت موجودة فى أيامه وسُجِل ذلك فى العهد الجديد.
وقول السيد المسيح: "مكتوب أن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة من الله" (لو 4:4). فلا يستطيع أحد أن يدّعى تحريف العهد القديم.
ولكن أحياناً يقول البعض: إن العهد الجديد هو الذى يجب أن نتبعه، لأن العهد القديم به وصايا قد انتهت بمجىء السيد المسيح، لدرجة أنهم يقولون إن إله العهد القديم ليس هو إله العهد الجديد!!.. هذا كلام خاطئ جداً، لأن الذى تغير هو الإنسان وليس الله. لأن عهد الخلاص الذى أعطاه الله لإبراهيم فى العهد القديم هو نفسه الذى تحقق فى العهد الجديد "وأقام لنا قرن خلاص فى بيت داود فتاه.. ليصنع رحمة مع آبائنا ويذكر عهده المقدس، القسم الذى حلف لإبراهيم أبينا أن يعطينا إننا بلا خوف منقذين من أيدى أعدائنا نعبده بقداسة وبر جميع أيام حياتنا" (لو 69:1-75).
صلوا من أجل الإنجيل

نحتاج أن نصلى صلوات خاصة لكى يفتح الله أذهاننا لنفهم الكتب. وأوشية الإنجيل هى إحدى هذه الصلوات وأهمها. وأيضاً فى صلواتنا الخاصة يجب أن نصلى لكى يعطينا الله فهماً للأسفار المقدسة. هناك أشخاص يقرأون الكتاب المقدس وهم راكعون أو وهم وقوف فى وضع صلاة لأن الإنجيل هو كلام الله.
يقول المرنم فى المزمور: "إنى أسمع ما يتكلم به الرب الإله لأنه يتكلم بالسلام لشعبه ولقديسيه" (مز 8:84). لذلك عندما نقرأ الإنجيل نكون فى وضع المتلقى لرسالة سماوية تمس حياتنا الخاصة، وأيضاً لكى نفهم أعماق الأسرار المذخّرة وراء هذه الكلمات "وُجد كلامك فأكلته فكان كلامك لى للفرح" (إر 16:15).
إن الإنسان الروحى يتغذى بكلام الكتب المقدسة، وهذا ما قال عنه السيد المسيح: "مكتوب ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله" (مت 4:4). هناك أشخاص يهملون دراسة الكتاب المقدس فى العهد القديم. ولكن بولس الرسول يحذرنا بقوله "الكتب المقدسة القادرة أن تحكّمك للخلاص" (2تى 15:3).
فعندما نقرأ فى سفر إرميا "ها أيام تأتى يقول الرب وأقيم لداود غصن بر فيملك ملك وينجح ويُجرى حقاً وعدلاً فى الأرض. فى أيامه يُخلص يهوذا ويسكن إسرائيل آمناً وهذا هو اسمه الذى يدعونه به الرب برنا" (إر 5:23-6). فنجد أن هذه الكلمات لها نغمة خاصة فى أذهان المنتظرين الفداء فى إسرائيل لأنها تشير بوضوح إلى السيد المسيح البار القدوس ابن داود الذى أعطى الأمان لمؤمنيه بمصالحتهم مع أبيه السماوى.

يذكر عهده المقدس

تحمل عبارة "العهد القديم" أكثر من معنى؛ فعندما نقول: "كتب العهد القديم" نقصد الأسفار التى كتبت قبل مجىء السيد المسيح، وعندما نقول "العهد بين الله وشعبه" الذى نقضه الشعب فهذا معنى آخر لكلمة العهد.. والعهد الذى بين الله وإبراهيم هو عهد خلاص، لذلك هو هو نفسه العهد الذى تكلم عنه زكريا أبو يوحنا المعمدان.. وهو العهد الذى تكلمت عنه السيدة العذراء فى تسبحتها "تبتهج روحى بالله مخلصى.. كما كلم آباءنا لإبراهيم ونسله إلى الأبد" (لو 47:1،55).لا يوجد شئ يسمى إله العهد القديم، وإله العهد الجديد. ويقول معلمنا بولس الرسول "يسوع المسيح هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد" (عب 8:13). وكذلك يقول الكتاب عن الله "الذى ليس عنده تغيير ولا ظل دوران" (يع 17:1). فالإنسان هو الذى يتغير وليس الله.
لذلك عندما سُئل السيد المسيح عن الطلاق "قالوا له فلماذا أوصى موسى أن يعطى كتاب طلاق فتطلّق" (مت 7:19). قال: "من أجل قساوة قلوبكم أذن لكم" (مت 8:19). فليس التغير فى الله معطى الوصية، ولكن فى الإنسان الذى ينفّذ الوصية.

النعمة و الإنسان

ما الفرق بين الإنسان قبل النعمة والإنسان بعد النعمة؟ قد جاء السيد المسيح ليحرر الإنسان من الخطية والعبودية، ويعبر بالبشر من الموت الأبدى إلى الحياة، ومن الظلمة إلى النور. فكيف تكون وصايا العهد القديم هى نفسها وصايا العهد الجديد؟!! كيف يُطالب الله الإنسان قبل الخلاص بنفس الوصايا التى يطالبه بها بعد إتمام الخلاص؟!! فأين التجديد؟!!
يقول الكتاب "إذاً إن كان أحد فى المسيح فهو خليقة جديدة" (2كو 17:5). فالإنسان الذى أخذ النعمة والبنوة والتجديد، مطالَب بوصايا سامية ومقدسة جداً. لأن الإنسان الذى ورث خطية آدم ويعيش تحت لعنة الناموس كيف يُطلب منه وصايا العهد الجديد؟!! وكيف يستطيع تنفيذها بدون أن يأخذ إمكانية تنفيذها؟!! ولكى نستطيع تنفيذ وصايا السيد المسيح، أعطانا الرب نعمة التجديد والتبنى، وصالحنا مع الآب السماوى، وأعطانا سكنى الروح القدس فى داخلنا. وبذلك نستطيع أن ننفذ وصايا الكمال.

ما جئت لأنقض بل لأكمل

نحن نرفض تماماً الإدعاء بأن هناك إله يسمى "إله العهد القديم" وإله يسمى "إله العهد الجديد". فيقولون قديماً كان الله يوصى شعبه أن يخرجوا للحرب، وفى العهد الجديد قال "أحبوا أعداءكم" (مت 44:5).. فنحن نقول إن الله قد أوصى أيضاً فى العهد الجديد أن نحارب الشيطان ففى العهد القديم كان الإنسان يحارب الوثنية، لكى يستطع أن يحافظ على كيانه، لأنه ليس له سيف الروح القدس وكلمة الله. لذلك كان يحارب بالسيف، لكى يستطيع كشعب خاص، ومملكة كهنة أن يحافظ على كيانه من عبادة الأوثان. لكن فى العهد الجديد قال: "ها أنا أرسلكم كغنم فى وسط ذئاب، فكونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام" (مت 16:10). فإنسان العهد الجديد له إمكانيات تختلف تماماً عن إنسان العهد القديم. وهو قال أيضاً: "لأنى أنا أعطيكم فماً وحكمة لا يقدر جميع معانديكم أن يقاوموها أو يناقضوها" (لو 15:21).
لقد خرجت المسيحية تهز العالم كله "وهذه الآيات تتبع المؤمنين، يخرجون الشياطين باسمى ويتكلمون بألسنة جديدة" (مر 17:16). فمن كان يستطيع أن يخرج شيطاناً فى العهد القديم؟!! لقد اهتزت مملكة الشيطان أمام قوة الكرازة بالإنجيل بواسطة رسل المسيح الذين "إلى كل الأرض خرج صوتهم وإلى أقاصى المسكونة أقوالهم" (رو 18:10).
فى العهد القديم كان الله يحافظ على شعبه، ويحوطه فى مساحة ضيقة، وأقصى شئ كان هو منع تسلل الوثنيين فى وسطهم. أما فى العهد الجديد فقد قال لهم: "اذهبوا إلى العالم أجمع، واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها" (مر 15:16)، وهنا أصبحت الكنيسة تنطلق إلى العالم أجمع. لأنها تحمل قوة الشهادة للمسيح، ومعها ما هو أقوى من الموت. لأنها تشهد للحياة الأبدية التى كانت عند الآب وأظهرت لنا، لم تعد تخشى الموت.. فلهذا علينا أن نشهد دائماً بقيامة ربنا يسوع المسيح من الأموات. وكما نقول فى القداس الإلهى: "آمين آمين آمين بموتك يارب نبشر وبقيامتك المقدسة وصعودك إلى السموات نعترف". هذه هى رسالتنا فى هذا العالم؛ ننشر السلام.. ننشر الحب.. نكرز بالحياة.. نكرز بقيامة يسوع المسيح من الأموات. ليجعلنا يسوع المسيح إلهنا شهود حقيقيين للقيامة وبشارة الإنجيل.

ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين،
 

philanthropist

أميرة الورد
عضو مبارك
إنضم
30 يوليو 2013
المشاركات
1,239
مستوى التفاعل
161
النقاط
0
الإقامة
القصر الملكى السماوى قصر الملك يسوع المسيح
4- سر المعمودية
المعمودية شرط للخلاص
إن المعمودية هامة لنا كمسيحيين، وقد اعتبرها السيد المسيح شرطاً أساسياً لدخول ومعاينة ملكوت السماوات، وقد أوصى تلاميذه قبل صعوده للسماوات قائلاً “فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس” (مت28: 19) أى يتم التعميد على اسم الثالوث؛ الإله الواحد المثلث الأقانيم.
وكذلك قال “من آمن واعتمد خلص” (مر16: 16). فكما جعل السيد المسيح الإيمان شرطاً لنيل الخلاص، كذلك جعل المعمودية أيضاً شرطاً للخلاص. لذلك لم يقل “من آمن خلص”، بل قال “من آمن واعتمد خلص”.

معمودية واحدة
تتم المعمودية بثلاث غطسات وهى فى نفس الوقت معمودية واحدة. نقول فى قانون الإيمان }ونعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا{ وكان الختان للذكور فى العهد القديم رمزاً للمعمودية.. وكما أنه لا يمكن أن يختتن الإنسان مرتين، هكذا أيضاً المعمودية لا تُعاد مثلما قال معلمنا بولس الرسول إلى العبرانيين “لأن الذين استنيروا مرة وذاقوا الموهبة السماوية، وصاروا شركاء الروح القدس، وذاقوا كلمة الله الصالحة وقوات الدهر الآتى؛ وسقطوا لا يمكن تجديدهم أيضاً للتوبة إذ هم يصلبون لأنفسهم ابن الله ثانية ويشهرونه” (عب6: 4-6) لا يمكن تجديدهم للتوبة، بمعنى لا يمكن إعادة معموديتهم، فهناك وسائل أخرى للتوبة غير المعمودية..
معمودية التوبة التى للقديس يوحنا المعمدان تختلف عن معمودية السيد المسيح التى ننال بها التوبة وغفران الخطايا، وبها ننال أيضاً أشياء أخرى سوف نتحدث عنها مثل الولادة الجديدة من الله..
هناك بعض المبتدعين يعمدون بغطسة واحدة. وهذه المعمودية مرفوضة ولا تقبلها الكنيسة على الإطلاق.. والشخص المعمَّد بهذه الطريقة ينبغى أن يعمَّد بالطريقة الصحيحة الثلاثية كما أوضحنا. وكذلك يجب أن تـكون المعمودية مقـترنة بالاعــتراف الحقيقى بالإيمان الأرثوذكسى المستقيم التى تتم بثلاث غطسات على اسم الثالوث الإله الواحد المثلث الأقانيم.. كما قال معلمنا بولس الرسول إن المعمودية هى معمودية واحدة “رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة” (أف4: 5). فالرب واحد؛ الذى هو الآب والابن والروح القدس الإله الواحد.. والإيمان واحد؛ الذى هو الإيمان الأرثوذكسى المستقيم.. والمعمودية واحدة؛ التى نقولها فى قانون الإيمان }ونعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا. وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتى آمين{.

سوف نورد الآن قصة من تاريخ الكنيسة تؤكد أن المعمودية هى معمودية واحدة لا تتكرر:
يُذكر أنه فى عهد البابا بطرس خاتم الشهداء، أن أرادت زوجة أحد الوزراء فى أنطاكية أن تعمد ابنيها فى مصر. فأتت إلى مصر وبينما هى فى الطريق هاج البحر جداً، وكادت السفينة أن تغرق، فخافت الأم على ولديها أن يموتا غرقاً بدون عماد, فقامت بنفسها بعمادهما وهى فى السفينة على اسم الآب والابن والـروح القدس – كانت من الممكن أن تعمدهم بأى ماء، أو حتى من لعاب فمها، أو بأى دم إذ أنها جرحت نفسها ورشمتهما بدمها- وعند وصولهم إلى الإسكندرية؛ وكان ذلك فى يوم أحد التناصير، وكان قداسة البابا بطرس خاتم الشهداء (البطريرك السابع عشر) هو الذى يـقوم بالعماد فى الكنيسة، وعندما قام قداسته بعمادهما؛ لاحظ أنه فى كل مرة ينزل فيها أحد الطفلين إلى جرن المعمودية؛ يتجمد الماء. فتعجب قداسة البابا البطريرك؛ وسأل الأم عن قصـتها! فحكت له الأم ما حدث فى الطريق، وكيف قامت بعماد طـفليها خوفاً عليهما من الغرق. فقال لها إن المعمودية لا تتكرر، ولم يعمدهما مرة أخرى. بل اكتفى برشمهما بسر المسحة المقدسة زيت الميرون المقدس. وهذه القصة توضح لنا أهمية وعظمة هذا السر، وأنها معمودية واحدة لا تتكرر..

الكنيسة مدرسة للإيمان
تُعلِّم الكنيسة الإيمان المسيحى للشعب فى أساسياته..
فبرشم علامة الصليب، تُعلِّمنا الكنيسة أن الصليب هو قوة الله للخلاص. وأنه باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد. وأن السيد المسيح قد نزل من السـماء وتجسد على الأرض ونقلنا من أصحاب اليسار إلى أصحاب اليمين.
وبالمعمودية تُعلِّمنا الكنيسة أن الله واحد مثـلث الأقانيم لأن المعمودية واحدة بثلاث غطسات.. لذلك فإن المعمودية الواحدة على اسم الآب والابن والروح القدس. وفى المعمودية ينطق الأب الكاهن الاسم الجديد للمعمد. فيقول عمدتك يا فلان… باسم الآب فى أول غطسة، والابن فى ثانى غطسة، والروح القدس فى ثالث غطسة.. فدائماً نقول {باسم الآب والابن والروح القدس} فالعماد على اسم الثالوث هو حسب النص الآتى “فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس“(مت28: 19). ويكون الاسم الجديد الذى يُقال فى وقت التغطيس، هو اسمه الذى يعيش به حياته بعد ذلك.. كما أنه من الممكن أن يُعمَّد باسمه الأصلى ويستمر كذلك.
ففى أثناء الصلوات والرشومات؛ الرشم بزيت الغاليلاون قبل المعمودية، والرشم بالميرون بعد المعمودية.. كل رشم يكون على شكل صليب. فالكنيسة تُعلِّم أولادها أن الخلاص هو بالصليب وبالمعمودية التى على اسم الآب والابن والروح القدس.. ومعروف أن الذى صُلب على الصليب هو الابن المتجسد من أجل خلاصنا، كلمة الله المتجسد..
إذاً من خلال طقس المعمودية والاعتراف الذى يُقال بالإيمان، يُلقّن الشعب بكل مستوياته الإيمان المسيحى. وهكذا يعيش الإنسان طوال حياته يتذكر أن المعمودية ثلاث غطسات فى معمودية واحدة. لأن هذا هو إيمانه بالثالوث.

أهمية المعمودية للأطفال
إن المعمودية هامة جداً بالنسبة للأطفال الصغار، وذلك خوفاً من عدم دخولهم ملكوت السماوات إذا لم يتم عمادهم قبل وفاتهم. فالطفل الذكر يتم عماده بعد أربعين يوماً، والبنت بعد ثمانين يوماً. إلا إذا تعرضت حياة هذا الطفل للخطر، ففى هذه الحالة تسمح الكنيسة بعماد هذا الطفل قبل الوقت المحدد وتكمل الأم المدة الباقية حسب الطقس.
وأحياناً فى حالة الخطر الشديد يكتفى برشم الطفل المعمد على رأسه بالماء ثلاثة رشومات: باسم الآب والابن والـروح القدس كل رشم باسم أحد الأقانيم الثلاثة؛ عند عدم وجود وقت لإعداد جرن المعمودية، أو إذا كانت حالة الطفل الصحية لا تسمح بالتغطيس فى الماء كأن يـكون موضوعاً فى الحضّانة؛ وبذلك نستودعه فى يد الله الأمينة.
بل وتسمح الكنيسة استثناءً بتعميده من قِبل أى إنسان أرثوذكسى؛ إذا لم يتواجد أى أب كاهن فى هذا الوقت، لكن لابد أن يتعمَّد بثلاث غطسات فى الماء ويقول له [ أعمدَّك يا فلان باسم الآب والابن والروح القدس ]..
وإذا لم يمُت هذا الطفل بعد ذلك، تحمله أسرته إلى الكنيسة ويقوم الأب الكاهن أو الأب الأسقف برشمه بزيت الميرون المقدس فقط، ويصلى عليه صلوات مِسحة الروح القدس، ولكن لا تعاد المعمودية لهذا الطفل على الإطلاق.. وتكون هذه حالات خاصة جداً..

رموز المعمودية فى العهد القديم
أولاً: فلك نوح والطوفان
أمر الله نوح أن يبنى فلكاً. وذلك بسبب حدوث طوفان على وجه الأرض “فقال الله لنوح نهاية كل بشر قد أتت أمامى لأن الأرض امتلأت ظلماً منهم، فها أنا مهلكهم مع الأرض. اصنع لنفسك فلكاً من خشب جُفرٍ..” (تك6: 13، 14).
لقد استغرق بناء الفلك ما يقرب من 120 سنة. وفى أثناء هذه الفترة كان باقى الشعب يستهزئ بنوح لأنه يقوم ببناء سفينة الفلك على الأرض اليابسة حيث لا يوجد ماء من حوله. ولكن نوح كان له الإيمان بأن الخلاص سيتم بواسطة الفلك. وبالفعل دبر الله الطوفان ولم ينجُ منه غير نوح وامرأته وأولاده الثلاث بزوجاتهم؛ أى ثمانى أنفس فقط هم الذين خلصوا.
لقد كان الطوفان رمزاً للخلاص بالمعمودية وهو أمر لا يقبل المساومة عند الله. “وكان الطوفان أربعين يوماً على الأرض. وتكاثرت المياه ورفعت الفلك. فارتفع عن الأرض.. فمات كل ذى جسد كان يدب على الأرض” (تك7: 17-21).
وأخذ نوح من الحيوانات الطاهرة سبعة أزواج لكى يقدم منها ذبائح للرب، ومن الحيوانات الغير طاهرة زوجاً واحداً لكى يجدد الحياة مرة أخرى على الأرض “ومن البهائم الطاهرة والبهائم التى ليست بطاهرة. ومن الطيور وكل ما يدب على الأرض. دخل اثنان اثنان إلى نوح إلى الفلك ذكراً وأنثى كما أمر الله نوحاً” (تك7: 8، 9).
لقد كانت جميع الحيوانات تطيع نوح لأن الروح القدس كان قد أعطاه –كنبىٍ- القوة والحكمة، وكيفية التصرف، كما أعطاه سلطاناً على هذه الكائنات. أما الأشرار الذين لم يقبلوا كرازة نوح فإنهم لم يخلصوا من الطوفان.
وقد ربط معلمنا بطرس الرسول بين الفلك والمعمودية وقال: “فى أيام نوح إذ كان الفلك يبنى الذى فيه خلص قليلون أى ثمانى أنـفس بالماء، الذى مثاله يخلصنا نحن الآن أى المعمودية” (1بط3 : 20، 21).
وعندما أراد نوح أن يعرف إن كانت الحياة قد بدأت تدب على الأرض مرة أخرى أم لا، أرسل حمامة فعادت ومعها غصن زيتون إشارة بأن الحياة قد بدأت تعود مرة أخرى على الأرض. فاستطاع نوح وأسرته بالإيمان أن يعبروا فى الطوفان دون أن يموتوا، فخرج من داخل الموت؛ حياة.. وهذه هى فلسفة المعمودية أو معنى المعمودية..
لذلك شرح قداسة البابا شنودة الثالث فى كتاب “اللاهوت المقارن” إن المعمودية لازمة للخلاص لأنها شركة فى موت المسيح.. لأنها إيمان بالموت كوسيلة للحياة.. واعتراف بأن أجرة الخطية هى موت؛ فالإنسان يدفن بالمعمودية لكى يبدأ حياة جديدة.. أى يُدفن الإنسان العتيق بالمعمودية، ويخرج الإنسان الجديد.
ففلك نوح كان رمزاً لجسد يسوع المسيح.. وبتقديم جسد يسوع ذبيحة على الصليب؛ خلصنا نحن من طوفان بحر العالم، ومن الهلاك الأبدى.
والحمامة التى دخلت الفلك من الطاقة، هى مثل الروح القدس الذى استقر بهيئة جسمية مثل حمامة على رأس السيد المسيح فى مياه نهر الأردن.
وغصن الزيتون يرمز إلى زيت الزيتون، وزيت الزيتون هو الذى يستخدم فى المسحة المقدسة فى الميرون.. يُرشم المعمد بزيت الميرون المقدس الذى فيه مسحة الروح القدس بعد العماد، وبذلك يكون ممسوحاً بالروح القدس، ولذلك يدعى “مسيحياً“..
فلقب “إنسان مسيحى” يقترن بفكرة إنه قد تعمد ومُسح بالمسحة المقدسة، وأيضاً نسبة إلى السيد المسيح الذى هو مسيح الرب الذى مُسح من أجل إتمام الفداء..
وبهذا نرى أن الطوفان يرمز للمعمودية، والحمامة حاملة غصن الزيتون ترمز إلى سر الميرون الذى يعقب المعمودية.

ثانياً: عبور بنى إسرائيل البحر الأحمر
تعقب فرعون بنى إسرائيل عند خروجهم من مصر، وقد أراد الله أن ينقذهم من العبودية. فقال لهم موسى “لا تخافوا قفوا وانظروا خلاص الرب الذى يصنعه لكم اليوم.. الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون” (خر14: 13، 14). وشق مـوسى البحر الأحمر بعصاه وأصبح الماء كسورٍ عن اليمين وعن اليسار، وعبر الشعب فى الوسط.
لقد كان عبور الشعب هو اختبار لإيمانهم. فكان من الممكن أن يخافوا، أو يقولوا خير لنا أن نقع أسرى من أن نموت عندما ينطبق علينا الماء الواقف مثل السور العالى. لذلك كان هذا اختباراً لإيمانهم فى أن يقبلوا الموت بدخولهم إلى الماء لكى يحيوا عند خروجهم منه..
وهذه هى فلفسة المعمودية التى هى قبول الإنسان للموت ليستطيع أن يحيا.
ويقول معلمنا بولس الرسول “فإنى لست أريد أيها الإخوة أن تجهلوا أن آباءنا جميعهم كانوا تحت السحابة وجميعهم اجتازوا فى البحر. وجميعهم اعتمدوا لموسى فى السحابة وفى البحر” (1كو10: 1، 2).. “اعتمدوا لموسى” بمعنى أنهم قبِلوا الأمر الإلهى على فم موسى النبى وآمنوا بإيمان موسى؛ أى أنهم قبِلوا كلام موسى بأن “الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون”..
و”اعتمدوا.. فى البحر” أى أن عبور البحر الأحمر كان رمزاً للمعمودية.. لذلك مــن المــمكن أن يسمى هذا العبور “معمودية موسى“، مثلما نقول “معمودية يوحنا المعمدان” عندما كان يعمّد الجماهير للتوبة.
أما معمودية السيد المسيح فهى المعمودية المسيحية التى تتم على اسم الآب والابن والروح القدس، والتى يدخل بها الإنسان إلى ملكوت السماوات إن عاش فى حياة القداسة باعتباره مولوداً من الله. فيعيش بقوة الولادة الجديدة وقوة الروح القدس، وبالثبات فى المسيح بممارسة التوبة والاعتراف والتناول من جسد الرب ودمه.

ثالثاً: دخول يشوع أرض الميعاد

عند دخول يشوع بن نون أرض الميعاد؛ أمره الله أن يجعل الكهنة يحملون تابوت العهد، وينفخون فى الأبواق. وعند لمس الكهنة مياه الأردن بأرجلهم تنشق المياه. وهذا ما حدث بالفعل.. وعند عبور آخر واحد من الشعب حيث خرج الكهنة من الماء؛ عاد الماء إلى مكانه. وقد أخذ يشوع من قاع النهر اثنى عشـر حجراً على أسماء أسبـاط إسـرائيـل الاثنـا عشـر، وبنى مذبحاً للرب، وقدم ذبيحة (انظر يش3، 4)..
ثم بدأ يشوع يختن الشعب فى الجلجال لأن الشعب لم يكن قـد ختن طوال فترة وجوده فى البرية وفى أرض مصر. كلمة “جلجال” تعنى “يدحرج” أى أن الله قد دحرج عار عبودية فرعون عن شعبه فى أرض مصر، حينما لم يستطيعوا تنفيذ شريعة الختان.
ونلاحظ هنا أن عبور نهر الأردن لكى يصلوا إلى أرض الميعاد قد اقترن بالختان، وبذلك ارتبط الختان بالمعمودية. سر انشقاق ماء نهر الأردن؛ هو نزول الكهنة فى الماء حاملين تابوت عهد الله. كما تتم المعمودية بواسطة كهنة العهد الجديد، والسيد المسيح الذى يُرمز إليه بتابوت العهد هو نفسه السبب فى إتمام الخلاص بالمعمودية. ولذلك قد نزل السيد المسيح نفسه إلى مياه نهر الأردن لكى يعتمد، ولكن قد انشقت السماء بدلاً من انشقاق مياه نهر الأردن. فالسيد المسيح قد شق لنا السماء لكى نصل إلى ملكوت السماوات، مثلما جعل مياه الأردن تنشق فى عهد يشوع بن نون لكى يصل الشعب إلى أرض الميعاد..
فكان عبور شعب إسرائيل لنهر الأردن رمزاً للمعمودية، وكان رمزاً أيضاً لعماد السيد المسيح شخصياً فى الأردن.
فى العبور قديماً عبر شعب إسرائيل من الضفة الشرقية إلى الضفة الغربية للنهر، والسيد المسـيح يجعلنا نعبر من الأرض إلى ملكوت السماوات.
فكما نزل الكهنة مع تابوت عهد الله -الذى يرمز إلى السيد المسيح- إلى مياه نهر الأردن، كذلك نزل يوحـنا المعمدان بن زكريا الكاهن -من الكهنوت الهارونى- مع الســيد المســيح إلى نفس مياه نهر الأردن لكى يعمده.. ولكن هنا تابوت العهد الحقيقى هو السيد المسيح نفسه، والروح القدس هو الذى حل على هيئة حمامة.. فالسيد المسيح هو تابوت العهد.

مدفونين معه بالمعمودية

إن الإنسان بقبوله الموت يحيا. وهذه هى فلسفة المعمودية “فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أُقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضاً فى جدة الحياة” (رو6: 4). بقبول الأم دفن ابنها أمامها فى جرن المعمودية؛ تجعله يعبر من الموت إلى الحياة، ومن الإنسان العتيق إلى الإنسان الجديد. وبذلك يكون ابناً لله، وعضواً فى جسد السيد المسيح، ويتحد معه.
فكما أن السـيد المسيح كان فى القبر ثلاثة أيام كذلك تتم المعمودية بثلاث غطسات، هى بالطبع ثلاث غطسات على اسم الثالوث، لكن هذا إلى جوار أن المعمودية هى دفن وقيامة مع المسيح. وقد ارتبط دفن السيد المسيح وقيامته برقم ثلاثة.

اليوم الأول واليوم الثامن
قديماً كان الطفل يختن فى اليوم الثامن لولادته، أى اليوم الأول مـن الأسبوع الجديد.. عدد أيام الأسبوع سبعة، كلمة “أحد” تعنى “واحد” أى اليوم الأول فى الأسبوع، كلمة “اثنين” تعنى اليوم الثانى. وكلمة “ثلاثاء” أى اليوم الثالث.. وهكذا إلى أن نصل نهاية الأسبوع ثم نبدأ الأسبوع التالى بيوم الأحد.. إذاً يوم الأحد هو اليوم الأول للأسبوع الجديد، وفى نفس الوقت هو اليوم الثامن من بداية الأسبوع الأول.
فكان الطفل فى القديم يختتن فى اليوم الثامن أو الأول فى الأسبوع الجديد (أنظر لا12: 3)، والسيد المسيح قد قام فى فجر الأحد أى أن قيامته كانت فى اليوم الثامن أو الأول من الأسبوع الجديد. بل أيضاً كان ختان السيد المسيح فى اليوم الثامن. وكذلك خلص فى الفلك ثمانى أنفس..
فرقم ثمانية مرتبط بالخلاص، مرتبط بالقيامة، يرمز للحياة الجديدة فى المسيح.. يرمز لتجديد الحياة مرة أخرى.

لا أحيا أنا بل المسيح يحيا فىَّ
عندما يعمَّد الإنسان، يتحد مع المسيح فى قيامته من الأموات؛ يقول معلمنا بولس الرسول “إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته، نصير أيضاً بقيامته. عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صُلب معه ليُبطل جسد الخطية كى لا نعود نُستعبد أيضاً للخطية” (رو6: 5، 6). أى أن شركة الموت مع المسيح فى المعمودية هامة جداً وذلك لأن نتيجتها هى صلب الإنسان العتيق ويقول أيضاً معلمنا بولس الرسول “احسبوا أنفسكم أمواتاً عن الخطية، ولكن أحياءً لله بالمسيح يسوع ربنا” (رو6: 11).. وأيضاً “ونحن أموات بالخطايا أحيانا مع المسيح، بالنعمة أنتم مخَلَّصون” (أف2: 5) فالإنسان الميت لا يستطيع أن يخطئ.. “الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات” (غل5: 24).
لقد اشترانا السيد المسيح بدمه فصرنا ملكاً له، لذلك قال معلمنا بولس الرسول “مع المسيح صُلبت فأحيا لا أنا (أى الإنسان العتيق) بل المسيح يحيا فىَّ. فما أحياه الآن فى الجسد، فإنما أحياه فى الإيمان، إيمان ابن الله الذى أحبنى وأسلم نفسه لأجلى” (غل2: 20). فالإنسان العتيق قد دُفن وصُلب فى المعمودية، والذى يحيا الآن هو الإنسان الجديد الذى اشتراه المسيح، وهو بكامله مِلك للسيد المسيح، فقد أعطانا السيد المسيح حياته على الصليب، ووهب حياته لأجلنا لكى نحيا نحن بهذه الحياة الجديدة الموهوبة لنا “أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذى فيكم الذى لكم من الله وأنكم لستم لأنفسكم. لأنكم قد اشتريتم بثمن فمجدوا الله فى أجسادكم وفى أرواحكم التى هى لله” (1كو6: 19، 20).. “وهو مات لأجل الجميع كى يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذى مات لأجلهم وقام” (2كو5: 15).
وفى المعمودية قد لبسنا المسيح كقول معلمنا بولس الرسول “لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح” (غل3: 27) لبسنا بر المسيح، لبسنا الصورة الإلهية التى كنا قد فقدناها بالخطية الأولى..

المسيح يؤسس سر المعمودية

الذى أسس سر المعمودية هو السيد المسيح بنفسه. فقد نزل إلى الماء، وسحق رأس التنين وأعطى للماء قوة الولادة الجديدة.. فبمعموديته شخصياً، قد رسم لنا سر المعمودية كطريق للخلاص..
وصوت الآب الذى جاء من السماوات قائلاً “هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت” (مت3: 17) بمعنى أن المعمودية هى الطريق الذى به ننال البنوة لله والولادة الجديدة.. فإعلان الآب عن بنوة السيد المسيح له، قد اقترن بتأسيس سر المعمودية.. فقد رسم لنا السيد المسيح الطريق لكى نصل إلى الولادة الجديدة.
بمعمودية السيد المسيح فى نهر الأردن قد ظهر الثالوث مثلما يقول الأطفال فى الترنيمة }الآب صوته إحنا سمعناه، والابن غطس فى المياه، والروح زى حمامة شفناه. ثالوث فى واحد هو الله{.. ونعتبر أن عيد الغطاس هو عيد الظهور الإلهى لأنه لأول مرة يظهر الثالوث بهذا الوضوح بشهادة يوحنا المعمدان.

فاعلية المعمودية
بها يتم الخلاص، وبها يتم الميلاد الثانى من الماء والروح.. وبها غسل من الخطايا ومغفرة الخطايا.. وبها موت مع المسيح وقيامة معه.. وبها عملية تجديد.. وبها نلبس المسيح.. كما أنها انضمام لعضوية الكنيسة مثلما كان الختان هو انضمام لعضوية شعب الله.
وقد ربط معلمنا بولس الرسول الختان بالمعمودية وقال “وبه أيضاً ختنتم ختاناً غير مصنوع بيد بخلع جسم خطايا البشرية بختان المسيح. مدفونين معه فى المعمودية التى فيها أقمتم أيضاً معه بإيمان عمل الله الذى أقامه من الأموات”(كو2: 11، 12).
وقد وضع السيد المسيح المعمودية شرطاً لدخول ملكوت السماوات فقال لنيقوديموس “الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله” (يو3: 3). وأيضاً قال “الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله” (يو3: 5).
وأيضاً شرح القديس بولس الرسول أن الخلاص هو بالمعمودية فقال “لا بأعمال فى بر عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثانى وتجديد الروح القدس” (تى3: 5) إذن يتم الخلاص بغسل الميلاد الثانى وتجديد الروح القدس وهذا هو ما يتم فى المعمودية.
وبالنسبة لغفران الخطايا فقد قال معلمنا بطرس الرسول للجموع فى يوم الخمسين: “توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسـوع المســيح لغفران الخطايا فتقبلوا عــطية الــروح القــدس” (أع2: 38).
يتساءل البعض: هل المعمودية على اسم “المسيح” فقط كما ذُكر فى هذه الآية؟ أم على اسم “الآب والابن والروح القدس“؟ والإجابة؛ أن المعمودية التى على اسم “المسيح” هى التى أوصى بها السيد المسيح وقال: “عمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس” (مت28: 19) فلا يوجد تفرقة بين التسميتين.. فالمعمودية التى على اسم “المسيح” تتم بناءً على وصية السيد المسيح بأن تتم على اسم الثالوث “الآب والابن (يسوع المسيح) والروح القدس” فتكون المعمودية تلقائياً على اسم المسيح.

قصة تدل على فاعلية المعمودية
حدثت فى هذا الجيل قصة تُظهر لنا قوة وفاعلية المعمودية؛ إحدى الطبيبات من دمياط، وهى الآن راهبة بدير الأمير تادرس. تدربت شهرين بعد تخرجها خلال سنة الامتياز سنة 1981م بمعهد السرطان بفُم الخليج. وكان هناك طفل عمره حوالى اثنتى عشرة سنة، وكان مريضاً بسرطان الدم، وكانت نسبة السرطان فى بدء دخول الطفل 80% وبدأت النسبة تزداد حتى وصلت إلى 90%، ثم أثبتت التحاليل حدوث زيادة أكثر من ذلك. وكانت هذه الطبيبة فى ذلك الوقت خادمة فى كنيسة العذراء بجاردن سيتى. وبدأت هذه الطبيبة تحكى لأسرة الصبى المريض عن قوة وفاعلية المعمودية والتناول من الأسرار المقدسة إذ كانت هذه الأسرة بروتستانتية. وظلت تتحدث معهم حتى شعروا بالاشتياق لسر العماد المقدس، وقالت لهم لابد من عماد الولد ليستطيع التناول من جسد الرب ودمه لكى يشفيه الرب. فوافق كل أفراد الأسرة وقرروا أن يعتمدوا كلهم، وكان سن الصبى آنذاك 12 سنة. وأبلغت هذه الخادمة قداسة البابا شنودة الثالث بالأمر، وبالفعل قام قداسته بعماد هذه الأسرة جميعها بنفسه ثم تناولوا من الأسرار المقدسة. وقد صلى قداسة البابا لهذا الطفل المريض ثم بعد ذلك عاد الولد إلى معهد السرطان بفم الخليج وقد أُعيد إجراء التحاليل له مباشرةً بعد العماد؛ وكانت المفاجأة أن نتيجة التحاليل صفر% وذلك ببركة العماد المقدس، وبركة صلوات قداسة البابا شنودة الثالث، لأنه من المحال -حتى ولو بعد العلاج إن كان هناك إمكانية للشفاء- أن تنخفض نسبة التحاليل من أعلى من 90% إلى صفر% فجأة بدون أى تدرج، وكان بالمعهد فى هذا الوقت أطفالاً قد ماتوا بنفس هذا المرض..
هذا يعطينا فكرة عن البركة التى يعطيها الرب على يد قداسة البابا شنودة الثالث أطال الرب حياته من خلال الإيمان بفاعلية سر المعمودية.. إيمان قداسة البابا شنودة الثالث.. إيمان الطبيبة.. إيمان الصبى.. إيمان الأسرة كلها.
هذا يرينا أن المعمودية ليست فقط لشفاء الروح وشفاء الإنسان من الخطية، بل لشفاء الجسد أيضاً.. وهذا نراه فى قصة المولود أعمى عندما قال له السيد المسيح “اذهب اغتسل فى بركة سلوام (رمز للمعمودية) الذى تفسيره مرسل فمضى واغتسل وأتى بصيراً” (يو9: 7).. فالاستنارة الروحية كان يرمز لها شفاء العينين من العمى..
إذن تعطى المعمودية استنارة؛ وبهذه الاستنارة يستطيع الإنسان أن يرى الملكوت. لذلك تشدد الكنيسة فى تعميد الطفل صغيراً.
وهذا يؤكد لنا إن كان هناك إنسان مريض بالفعل فإنه يُشفى بالعماد.
بل ونحن نطلب وقت العماد أن يُبطِل الرب كل سِحر، وكل تعزيم، وكل رُقية، ويطرد كل الشياطين المتواجدة فى الماء أو فى المعمَّد.
ولكن إذا مرض الإنسان بعد المعمودية لا يمكن رشمه بماء المعمودية لأن المعمودية لا تُعاد. ولكن يوجد سر آخر وهو سر مسحة المرضى، وهذا السِر هو لشفاء الإنسان المعمَّد. أما الإنسان الغير معمّد إذا آمن بالمسيح ونال سر المعمودية المقدس؛ فلا يلزمه سر مسحة المرضى لشفائه لأن سر العماد نفسه يكون شفاءً له..
وكذلك أيضاً عندما يأتى الإنسان للعماد يعترف بخطاياه أولاً أمام الأب الكاهن أو الأب الأسقف الذى سوف يقوم بعماده.. يصلى الأب الكاهن أو الأب الأسقف التحاليل أثناء صلوات المعمودية نفسها، وبذلك يكون سر الاعتراف متضَمناً داخل سر المعمودية. فلا يلزمه أن يمارس سر الاعتراف كسر قائم بذاته، ويستطيع أن ينال الأسرار المقدسة مباشرة بعد المعمودية بدون الاحتياج لممارسة سر الاعتراف حيث إن الاعتراف قد مورِس داخل سر المعمودية، فيتم بالمعمودية نفسها الاعتراف والحِل من الخطايا. لكن إذا أخطأ بعد العماد لابد من ممارسة سر الاعتراف كسر قائم بذاته وذلك لأخذ الحل والتصريح بالتناول.

العماد عند البروتستانت
لا يؤمن البروتستانت أن المعمودية لازمة للخلاص، بل يعتبرونها مجرد علامة للإيمان أو فريضة، ويعتبرون أن الخلاص هو بالإيمان وحده مستشهدين بالآية التى قالها معلمنا بولس الرسول لسجان فيلبى عندما أراد أن يقتل نفسه ظناً منه أن المسجونين قد هربوا “آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص أنت وأهل بيتك” (أع16: 31) ولكن هذه الآية كانت لها قصتها؛ حيث إن السجان كان يريد أن يقتل نفسه، فطلب منه معلمنا بولس الرسول أن يؤمن لكى ينجو من الخطر الذى يهدده؛ هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى؛ هذه القصة كانت لها تكملة، وهى أنه بعد أن آمن؛ قد اعتمد هو وكل أهل بيته كنتيجة لهذا الإيمان “واعتمد فى الحال هو والذين له أجمعون” (أع16: 33) إذن كان لابد من المعمودية..
لم يكتفِ معلمنا بولس الرسول بإيمان السجان فقط كما يدّعون حيث لم يرِد فى الآية شئ عن المعمودية، بل ذُكِر فقط كلمة “آمن“، لذلك قد قام معلمنا بولس بعماد سجان فيلبى.. فالإيمان يفتح لنا الباب لأخذ البركات والخيرات السماوية. لذلك فإن الآية التى يستشهد البروتستانت بها لم تكن بالمعنى الذى يفسرونه أن معلمنا بولس الرسول طلب الإيمان فقط.
لا نستطيع الاعتراف بمعمودية البروتستانت، لأن معلمنا بولس الرسول قد قال “رب واحد إيمان واحد معمودية واحدة” (أف4: 5) فالرب واحد الذى نؤمن به، وهو الإله الواحد المثلث الأقانيم.. على الرغم أن البروتستانت يؤمنون بالرب يسوع المسيح مثلنا، لكن إيمانهم بباقى الأسرار الكنسية وبأمور أخرى كثيرة تتعلق بالإيمان يختلف عن إيماننا فالإيمان هنا مختلف. وبذلك لا تنطبق آية “رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة” بالكامل.. لأنه كيف يؤمنون بمعمودية واحدة وهم لا يؤمنون بسر الكهنوت أصلاً، والكاهن هو المسموح له بالتعميد؟!!. وكيف تكون معمودية واحدة، وهى ليست على أساس الإيمان الواحد؟! فلا يمكن أن تكون المعمودية واحدة إلا إذا كان الإيمان واحد.. فإيمانهم فى سر العماد نفسه، وإيمانهم فى المعمودية فى حد ذاتها، مختلف عن إيماننا..
فكيف يعتمد أحد وهو لا يؤمن أن المعمودية هى شرط ضرورى لخلاصه؟! بل مجرد شئ شكلى، أو لإتمام فريضة، أو لمجرد إعلان الإيمان فقط.. فكيف ينال الولادة الجديدة، الميلاد الفوقانى بواسطة الماء والروح الذى قال عنه السيد المسيح “إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله” (يو3: 5)؟!!
ومن قصة الطفل المريض بسرطان الدم التى قد ذكرناها فى الصفحات السابقة؛ نرى أنه من خلال معمودية أرثوذكسية فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية؛ قد أعلن الله قدرته على شفاء المريض بعمل إعجازى ليس له مثيل.. فلم يُسمع مطلقاً عن إنسان مريض بسرطان الدم أن يشفى بهذه الصورة الفجائية إلاّ بمعجزة؛ سواء بسر مسحة المرضى أو بمعموديته. وهذا يدل على أن معمودية الطفل السابقة بالكنيسة البروتستانتية، لم تكن بحسب إرادة الله.

المعمودية هى المدخل
المعمودية هى المدخل لباقى أسرار الكنيسة، فهى الباب الذى يبدأ به الإنسان الدخول إلى الكنيسة.. وكنيستنا بها سبعة أسرار مقدسة: سر المعمودية، وسر الميرون، وسر الاعتراف، وسر التناول من جسد الرب ودمه، وسر مسحة المرضى، وسر الزيجة، وسر الكهنوت؛ فلا يمكن أن يمارس أى سر من هذه الأسرار الكنسية إلا عن طريق الدخول بالمعمودية التى تعطينا الحق أن ننال سر المسحة بالميرون.. وأن نمارس سر الاعتراف.. وأن نتناول من جسد الرب ودمه.. وننال سر مسحة المرضى.. وسر الزواج.. وسر الكهنوت..
من الممكن أن يُرسم الإنسان كاهناً بعد أن ينال سر الزواج لأنه قد سبق وأخذ الكهنوت المعنوى العام عن طريق المعمودية الذى يقدر به كل إنسان أن يقول “لتستقم صلاتى كالبخور قدامك، ليكن رفع يدى كذبيحة مسائية” (مز140: 2) (من مزامير صلاة النوم بالأجبية).. لكن هناك الكهنوت الخاص الذى يقول فيه بولس الرسول “هكذا فليحسبنا الإنسان كخدام للمسيح، ووكلاء سرائر الله” (1كو4: 1) هذا هو الكهنوت الخاص الرسمى: خدام المسيح، ووكلاء أسرار الله.
ثم يقول معلمنا بولس الرسول أيضاً عن نفسه “حتى أكون خادماً ليسوع المسيح لأجل الأمم مباشراً لإنجيل الله ككاهن ليكون قربان الأمم مقبولاً مقدساً بالروح القدس” (رو15: 16)..
ولأن المعمودية هى شرط دخول ملكوت السماوات، فعندما أرسل السيد المسيح تلاميذه ليكرزوا بقيامته من الأموات، أرسلهم لكى يعمِّدوا وقال لهم: “اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس” (مت28: 19).. “اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها. من آمن واعتمد خَلَصَ..” (مر16: 15، 16)..
إذن لا يخدع أحد نفسه بأنه من الممكن أن يدخل ملكوت السماوات بدون سر المعمودية. حتى إذا كان طفلاً صغيراً وإلا كيف تُغفر الخطية الجدية إن لم تتم معمودية الأطفال؟!!
لقد حدث خلاف بين القديس جيروم والقديس أوغسطينوس حول أصل النفس (أى الروح الإنسانية)، وهل هى مولودة أم مخلوقة؟ يقول القديس أوغسطينوس إنها مولودة مع الإنسان، ويقول القديس جيروم إنها مخلوقة.. قال القديس أوغسطينوس للقديس جيروم؛ إن كانت مخلوقة فهى لم ترث خطية آدم، فلماذا إذن نعمّد الأطفال؟!! لم يجد القديس جيروم إجابة على هذا السؤال.. [ من كتاب “اللاهوت المقارن” لقداسة البابا شنودة الثالث ].

المعمودية هى الاستنارة
المعمودية هى الاسـتنارة لمعاينة ملكوت الله. ويؤكد قداسـة البابا شنودة الثالث إيمان الكنيسة بأن الإنسان يرث الخطية الأصلية عند ولادته كطفل. لذلك لابد أن يُعمد الأطفال، فلا يستطيع الطفل أن يعاين ملكوت السماوات إن لم يولد من فوق؛ ولا حتى مجرد الرؤية، وهذا هو ما قاله السيد المسيح لنيقوديموس “الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من فوق، لا يقدر أن يرى ملكوت الله” (يو3: 3)، وعندما سأله نيقوديموس كيف يمكن للإنسان أن يولد وهو شيخ؟ شرح له السيد المسيح المقصود بالولادة هى: الولادة بالماء والروح “إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله” (يو3: 5).
لأنه فى المعمودية ينال الإنسان الطبيعة الجديدة، فالأعين العمياء التى كانت للمولود أعمى قد تم فتحهما بالطبيعة الجديدة التى نالها.. لذلك تقرأ الكنيسة قصة المولود أعمى فى أحد التناصير.. فكل إنسان يولد أعمى ولا يقدر أن يرى ملكوت الله، أما بعد عماده تنفتح عيناه لأن المعمودية فيها استنارة.. فعندما قال السيد المسيح للمولود أعمى “اذهب اغتسل فى بركة سلوام (التى ترمز للمعمودية).. مضى واغتسل وأتى بصيراً” (يو9: 7) وكان هذا البصر رمزاً للاستنارة الروحية التى بها بدأ هذا الإنسان يشهد للسيد المسيح، وبهذه الاستنارة الروحية التى فى المعمودية يستطيع الإنسان أن يرى الملكوت.
فإن كان الإنسان صغيراً أو كبيراً، ولو فرضاً دخل الملكوت، لن يعاين شيئاً، لا يستطيع أن يرى الأمور الروحية والمجد الإلهى المحيط بعرش الله بدون معمودية.. لذلك تتشدد الكنيسة جداً فى أهمية عماد الطفل وهو صغير لئلاّ يموت قبل أن يعمَّد.

المعمودية هى اغتسال
بالمعمودية يغتسل الجسد من القذر الذى حوله وتغتسل الروح أيضاً ويتنقى الإنسان من الداخل ومن الخارج. فإن كان الماء هو الوسط المنظور الذى نراه؛ لكن الروح القدس يعمل بصورة غير منظورة بدون أن نراه داخل المعمودية؛ يغسل النفس والروح من الخطية الجدية وكل الخطايا الفعلية التى صنعها الإنسان قبل عماده. وبذلك يكون الإنسان مولوداً من فوق، مولوداً من الله، ومعه السلطان أن ينتصر على إبليس بقوة الصليب المحيى..
ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين
 

philanthropist

أميرة الورد
عضو مبارك
إنضم
30 يوليو 2013
المشاركات
1,239
مستوى التفاعل
161
النقاط
0
الإقامة
القصر الملكى السماوى قصر الملك يسوع المسيح
تقديم


طائفة الأدفنتست (السبتيون) ليست مسيحية رغم أنهم يدعون غير ذلك، وهى إمتداد لهرطقة قديمة حاربها الآباء الرسل بضراوة، وكانت تدعى "هرطقة التهود"، ويظهر ذلك جلياً فى كتابات معلمنا بولس الرسول: "لا يحكم عليكم أحد فى أكل أو شرب، أو من جهة عيد أو هلال أو سبت، التى هى ظل الأمور العتيدة" (كو2: 16،17)، فالسبت كان ظلاً للأحد، وذبائح العهد القديم كانت ظلاً لذبيحة السيد المسيح على الصليب، ولقد كتب معلمنا بولس رسالة كاملة إلى العبرانيين (اليهود المتنصرين)، ليوضح لهم أن مجد المسيحية أكبر كثيراً من المجد اليهودى، سواء من جهة: الذبيحة أو الهيكل أو العهد أو الكهنوت.. إلخ.
ويكفى أن السبتيين يعتقدون أن السيد المسيح شابهنا فى كل شئ حتى فى الخطية الجدية، وفى إمكانية الخطأ والخطيئة!! وهكذا نسفوا عقيدة الفداء نهائياً، الأمر الذى يهدد كل من يعتقد فى هذه الهرطقة بالهلاك الأبدى.
لذلك أشكر نيافة الأنبا بيشوى من أجل هذا الكتيب المختصر، الذى يناسب القارئ العادى، والذى كشف لنا فيه الأساسات الواهية لهذه البدعة الخطيرة، والأخطاء القاتلة التى تحتويها.
وكان قداسة البابا قد حذرنا منها فى مقالات وعظات سابقة، وهو بصدد إصدار كتاب خاص يدحض هذه الهرطقة.
إننا ندعو قادة هذه البدعة، وكل تابعيها، أن يسرعوا إلى التوبة، قبل فوات الأوان، حتى لا تنطبق عليهم الآية: "وإن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء، بغير ما بشرناكم، فليكن أناثيما (محروماً)" (غل1: 8).
الرب يبارك هذه الصفحات لقارئيها بصلوات راعينا الحبيب قداسة البابا شنودة الثالث.
ونعمة الرب تشملنا جميعاًً.

الأنبا موسى
الأسقف العام

مقدمة تمهيدية
كثير من شعبنا حتى الآن لا يعرفون من هم الأدفنتست السبتيون، ولهم فى مصر طائفة مسجلة رسمياً. ومعنى كلمة عبارة "الأدفنتست السبتيين" هى "مجيئيو اليوم السابع". فكلمة "أدفنت" Advent تعنى مجئ وبالتالى فإن أدفنتست Adventists تعنى "مجيئيون" ولذلك فاسمهم الرسمى "مجيئيو اليوم السابع" Seventh –Day Adventists.
وقد بدأت هذه الطائفة فى الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1831م وتم تسجيلها رسمياً هناك سنة 1861م. وقد دخلوا إلى مصر سنة 1932م على أنهم مسيحيون (وهم ليسوا كذلك) يقدمون المعونات للمحتاجين وينشئون الملاجئ والمدارس والمستشفيات.
وقد ساعد فى الماضى على إنتشارهم المحدود داخل مصر قلة وعى الشعب القبطى فى ذلك الحين بمبادئ هذه الجماعة. فقد استطاعوا إشهار جمعياتهم، ومن ثم أصبح نشاطهم قانونياً. وقد تلاحظ أنهم قد نشطوا فى مصر فى الآونة الأخيرة، فى محاولة مكثفة مدعمة مالياً، لتحويل أكبر عدد ممكن من شعبنا القبطى الأرثوذكسى إلى عقيدتهم الخاطئة التى تشبه عقيدة طائفة الصدوقيين اليهودية.
وحالياً يقوم القس هلال دوس بقيادة هذه الطائفة كما أصبح الأستاذ جلال فيليب دوس من قياداتهم النشطة جداً؛ فهو رئيس مجلس إدارة شركة "فاميلى فودز" Family Foods للأطعمة (شركة نيوتريشن سابقاً)، وكذلك هو رئيس مجلس إدارة شركة "آفون" لأدوات التجميل.
ويعمل فى الشركة الأولى ألف فرد مسيحى، وفى الشركة الثانية 446 فرد مسيحى. وللشركتين مصانع فى مدينة العاشر من رمضان وكذلك عدة فروع كمراكز للبيع مثل فروع شركة "آفون" فى الأسكندرية، وأغاخان، وميرى لاند، والمعادى، وجاردن سيتى.
ويعقد الأستاذ جلال دوس إجتماعات منتظمة يومياً لمجموعات من العاملين بهذه الشركات. يلقى على كل مجموعة 35 محاضرة أغلبها طعن فى الإيمان المسيحى والعقيدة الأرثوذكسية. وبعد إنتهاء المحاضرات السابقة يسأل علناً فى كل مجموعة: "من أصبح سبتياً؟". ومن اقتنع بفكره يحضر كمية أخرى من المحاضرات فيها تثبيت لعقيدة السبتيين المنحرفة. ويعقد اجتماعاً آخر فى منزله الخاص بمساكن شيراتون كل يوم سبت، ويرسل عربات خاصة لنقل الذين يرغبون فى الحضور من أماكن بعيدة. كما أنه ينظم افتقاد مستمر بالتليفونات والزيارات المنزلية مع الإلحاح والإحراج. ويقوم بتوزيع عدد من الكتب غير الأرثوذكسية لطائفة السبتيين الأدفنتست، وشرائط الكاسيت، وكل ذلك بالمجان. ويقوم بتسهيل مصاريف العلاج على نفقة الشركة للذين يحضرون الاجتماعات. كما يقوم بتسهيل إدخال أولاد الموظفين بالشركة مدارس الأدفنتست للغات مع التوصية (علماً بأن السبتيين يمنعون دخول إمتحانات وزارة التربية والتعليم يوم السبت، وبذلك لا يمكنهم النجاح فى مادة اللغة العربية. وينتج عن ذلك مشاكل لمن يتبعون عقيدتهم فى تقديس يوم السبت وليس يوم الأحد، مع الحرفية التامة فى تطبيق حفظ اليوم السابع من الأسبوع).
ويقوم السبتيون بعمل ندوات يعلن عنها فى الجرائد الرسمية بدعاية كبيرة لاجتذاب البسطاء مثل دعوة أحد الوعاظ الأجانب لإلقاء محاضرة بعنوان "كيف يمكنك التخلص من عادة التدخين" والدعوة للجميع.
لهذا بات من الضرورى تعريف شعبنا بكل مستوياتهم، الأخطاء العقائدية لهذه الطائفة، التى اعتبرها مجمع كنيستنا المقدس طائفة غير مسيحية. وقد نشر قداسة البابا شنودة الثالث عدة مقالات فى مجلة الكرازة لشرح عقائد الأدفنتست السبتيون وما فيها من مخاطر وأخطاء. ومن أمثلة ذلك ما ورد فى عدد 20 نوفمبر 1992م فى مجلة الكرازة بقلم قداسة البابا:
[ الأدفنتست هم بدعة خطيرة تشترك مع شهود يهوه فى كثير من الأخطاء الخطرة. ومن أشهر بدعهم:
1- يؤمنون أن السيد المسيح هو الملاك ميخائيل.
2- يؤمنون أن السيد المسيح قد ولد بالخطية الأصلية.
3- يلقبون الروح القدس "نائب رئيس جند الرب".
4- يؤمنون بأن السبت هو يوم الرب بدلاً من الأحد.
5- لا يؤمنون بخلود النفس.
6- يؤمنون بثلاثة مجيئات للسيد المسيح.
7- يؤمنون بالملكوت الأرضى وأن السماء سوف لا تكون للبشر.
8- يؤمنون بفناء الأشرار لا بعذابهم.
9- لا يؤمنون بالكهنوت، ولا بالشفاعة، ولا بكثير من الأسرار الكنسية.
10- ولهم بدع أخرى كثيرة سنتعرض لها فيما بعد إن شاء الله.]
وقد شرح قداسة البابا هذه الأمور فى المقال المذكور وفى عدة مقالات بالمجلة، كما ألقى العديد من المحاضرات حول هذا الموضوع بالكلية الإكليريكية بالقاهرة والأسكندرية وهى مسجلة على شرائط كاسيت يمكن الحصول عليها من إدارة مجلة الكرازة بمطبعة الأنبا رويس بالقاهرة.
وسوف نبدأ أولاً بمقدمة تاريخية عن بدعة الأدفنتست السبتيين ومؤسسها "وليم ميللر"، ثم نتكلم عن نبية ورسولة الأدفنتست المزعومة السيدة "إيلين هوايت" وتاريخ حياتها ورؤاها المزعومة وكتاباتها. ثم نعرض موجزاً لبعض أخطاء الأدفنتست العقائدية والرد عليها.. إلى أن يصدر كتاب شامل عن "بدعة الأدفنتست السبتيين".
وقد أوردنا فى نهاية هذا الكتيب قرار المجمع المقدس لكنيستنا بشأن هذه الطائفة، وفقرة من بيان الآباء البطاركة رؤساء الكنائس الأرثوذكسية الشرقية فى الشرق الأوسط بهذا الشأن.
وأود أن أشكر قداسة البابا شنودة الثالث، وأعضاء المجمع المقدس لكنيستنا، ونيافة الأنبا موسى الأسقف العام للشباب، وأعضاء اللجنة المجمعية للإيمان والتعليم والتشريع، ونيافة الأنبا روفائيل الأسقف العام، ونيافة الأنبا ياكوبوس أسقف الزقازيق، والقمص باخوم عبد الملاك والقمص بنيامين جرجس من كهنة إيبارشية الزقازيق، والقس ميصائيل زكرى بكنيسة العذراء بالمطرية لاهتمامهم بمقاومة نشاط الأدفنتست، وكل العاملين بأسقفية الشباب لاهتمامهم بطبع هذا الكتاب وتوزيعه.


24 سبتمبر 2000م بيشوى
تذكار القديس أغاثون العامودى مطران دمياط وكفر الشيخ
وتذكار إعادة الحياة الرهبانية فى دير القديسة دميانة ورئيس دير القديسة دميانة بالبرارى
على يد قداسة البابا سنة 1987م وسكرتير المجمع المقدس

أولاً: تاريخ بدعة الأدفنتست السبتيين :

1- وليم ميللر William Miller:
مؤسس هذه البدعة هو وليم ميللر William Miller الذى ولد فى الولايات المتحدة الأمريكية فى 15 فبراير سنة 1782م فى ولاية مساتشوسيتس. وكان قد عكف على دراسة الكتاب المقدس مدة عامين 1816-1818م، خرج منها بقوله أن نهاية العالم سوف تكون فى عام 1843م. وهذه الدراسة مؤسسة على ما ورد فى نبوات دانيال النبى (دا 8: 14، 9: 24-27).
فقد إعتبر أن الأسابيع المذكورة فى سفر دانيال فى الأصحاح التاسع هى أسابيع سنين (وهذا ما يعتقد به أيضاً كثير من المفسرين)، بمعنى بدلاً من أن يكون الأسبوع سبعة أيام يكون سبع سنوات. وبذلك يكون من خروج الأمر لتجديد أورشليم سنة 457 ق.م إلى هذه الأحداث المذكورة أربع مائة وتسعون عاماً.
والمعروف أن السيد المسيح صُلب سنة 33. وقد قيل "إلى ألفين وثلاث مئة صباحاً ومساءً فيتبرأ القدس" (دا 8: 14) واعتبر أن هذه 2300 سنة فحذف 490 سنة من 2300 ليحصل على1810 ثم أضاف 33 سنة (عمر السيد المسيح عندما صُلب) فكانت النتيجة 1843 فاعتبر أن هذا هو توقيت السنة التى سيأتى فيها السيد المسيح. وإقتنع بهذه الفكرة وتناقش بها مع المحيطين به إلى أن أقنعه أحد أصدقاؤه أن يعلن ويجاهر بهذا التعليم. وفعلاً جاهر به سنة 1831م واعتبر أن هذا التوقيت هو بداية تكوين طائفة المجيئيين.
فلما نادى بهذا التعليم أراد الكثيرون سماع وجهة نظره فتفرغ للوعظ وأصبح واعظاً معمدانياً متفرغاً فى الولايات المتحدة الأمريكية وبدأ يجوب فى الولايات الأمريكية. وفعلاً ذهب فى الفترة من 1840-1842م فى مدينة بورتلاند بأمريكا وضمن من استمع إليه كانت عائلة هارمون Robert Gould Harmon والد إيلين هوايت فانضموا لهذا الفكر وهذه الجماعة.
واستمر ميللر ينشر فكره حتى إنتهت سنة 1843م ولم يأت السيد المسيح بنهاية العالم.

2- صموئيل سنو Samuel Snow
وهو أحد أتباع وليم ميللر وقد استنتج فى أغسطس 1844م أن المسيح بالحساب الأدق سوف يأتى فى يوم الكفارة العظيم فى الشهر السابع اليهودى، والموافق بالتحديد يوم 22 أكتوبر 1844م. فباع أتباع هذه الفكرة ممتلكاتهم واستقالوا من وظائفهم ولبسوا ملابس بيضاء وخرجوا إلى الجبال يرنمون فى استقبال السيد المسيح. ولما لم يتحقق أيضاً مجيئ السيد المسيح فى ذلك التاريخ أصيبت حركة وليم ميللر بالإحباط الشديد حتى أنهم أطلقوا على ذلك اليوم يوم الإحباط العظيم The Great Disappointment وفى ذلك الوقت انفصل كثير من اتباع وليم ميللر المجيئيون عنه، وترك أغلب أتباعه هذه الطائفة فكان عدد الذين استمروا فى تبعيتهم أقل من عدد من ترك. [1]
v ثم إدعت إيلين هوايت فى يناير 1845م أن الرب قد أراها فى حلم أن السيد المسيح سوف يأتى فى المستقبل الفورى وكان عمرها وقتذاك سبعة عشرة سنة. ولما لم يتحقق هذا الأمر أوجد أحد قيادات الحركة ويدعى هيرمان إدسون Hirman Edson مخرجاً لذلك بقوله أن المسيح فى 22 اكتوبر 1844م قد إنتقل من القدس السماوى إلى قدس الأقداس وبهذا بدأ الكفارة النهائية للخطاة. وهنا تبرز هذه العقيدة الغريبة الخاصة بفكرة الكفارة النهائية.

3- جوزيف باتس وتقديس السبت :
فى الفترة من 1840-1850م دخل تعليم تقديس يوم السبت إلى هذه الجماعة، حيث أدخل هذا التعليم جوزيف باتس Joseph Bates وأقنع الجماعة به. كان باتس منتمياً إلى جماعة معمدانيو اليوم السابع Seventh Day Baptists من قبل. وبعض المعمدانيون لا يؤمنون بتقديس يوم الأحد، فيقدسون السبت، وقد سبقوا السبتيون فى هذه العقيدة. دخل جوزيف باتس مع السبتيين وأحضر معه ميراثاً من طائفة Seventh Day Baptists.

4- إيلين هوايت :
وقد لعبت السيدة إيلين هوايت دوراً كبيراً فى تاريخ جماعة السبتيين. ولدت إيلين جولد هارمون Ellen Gould Harmon فى 26 نوفمبر سنة 1827م من أسرة تنتمى إلى جماعة المثوديست. وكانت أسرتها قد انضمت إلى حركة المجيئيين نتيجة للتعليم الذى نادى به وليم ميللر فى الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد أصيبت إيلين برمية حجر أثناء وجودها فى المدرسة فى الجانب الأيسر من جبهتها كاد يودى بحياتها، وأصاب مخها بتدمير سيئ حتى أنها لم تتمكن من إستكمال دراستها الرسمية بالمدرسة.
وقد إدعت إيلين هوايت Ellen White التى تزوجت بجيمز هوايت James White أنها قد رأت حلماً يؤكد حتمية حفظ السبت اليهودى بالنسبة للمسيحيين. وفى هذا الحلم إدعت أنها رأت الوصية الرابعة وهى تضئ بنور باهر بين الوصايا العشر على لوحى الحجر ونص هذه الوصية "اذكر يوم السبت لتقدسه" (خر20: 8).
اعتبرت جماعة وليم ميللر أن إيلين هوايت هى رسولة من الله ونبية ورائية وأن كل ما رأته هو رسائل إلهية لهذه الجماعة.
وتوفيت السيدة إيلين هوايت سنة 1915م عن عمر 87 عام ولكنها لم تحضر أبداً المجيئ الثانى للسيد المسيح. ومع ذلك فهى مكرمة بطريقة عالية جداً فى جماعة السبتين. وكانت إيلين هوايت قد استبدلت الأحلام بإدعاء زيارات فى الثالثة صباحاً لملائكة كانوا يخبرونها بما ينبغى أن تكتبه.

تعليق شهود العيان على رؤى إيلين هوايت :
فى كتاب "نبية الأيام الأخيرة" الذى أخرجه الأدفنتست، يصفون حالتها أثناء الرؤى، فتقول السيدة مرثا أمادون التى حضرت عدة مرات تلك الرؤى : "أنا ممن راقبوها كثيراً وهى فى الرؤية وأعرف المجموعة التى تحضر معها فى العادة وجميعهم ذو قوة ملاحظة وإيمان بما تقوم به. وكنت أتساءل كثيراً لماذا لم يعط وصف أكثر حيوية للمناظر التى حدثت. كانت عيناها مفتوحتين فى الرؤية. لم يكن هناك نفس لكن حركات كتفيها وذراعيها ويديها كانت رشيقة تعبر عما كانت تراه. كان مستحيلاً على أى شخص آخر أن يحرك يديها أو ذراعيها وكثيراً ما كانت تنطق بالكلمات فرادى وأحياناً بجمل تعبر لمن حولها عن طبيعة المنظر الذى تراه سواء سماوى أو أرضى". [2]

5- جورج باتلر:
من أتباع هذه الطائفة وقد شاهدها فى مناسبات عديدة فى سنة 1874م فيقول : "أعطيت إيلين هوايت هذه الرؤى طيلة 30 سنة تقريباً، وكانت تكثر تارة وتقل تارة أخرى، وشاهدها الكثيرون. وفى الغالب كان الحاضرون من المؤمنين بها وغير المؤمنين على السواء. وهى تحدث عامة ولكن ليس دائماً، فى مواسم الاهتمام الدينى الجادة حيث يكون روح الله حاضراً بشكل خاص". [3]
وقال أيضاً فى وصفه : "يتراوح الوقت الذى تقضيه السيدة هوايت على هذا الحال بين خمسة عشر دقيقة إلى مائة وثمانين (ثلاث ساعات). وأثناء هذا الوقت يستمر القلب والنبض، وتكون العينان مفتوحتين عن آخرهما، ويبدوان محملقتين فى شئ على مسافة بعيدة، ولا تلتفتان إلى شخص أو شئ بعينه فى الحجرة، بل يكون إتجاهها دائماً إلى أعلى.. وقد تُقرَّب أشد أضواء إلى عينيها أو يتظاهر (أحد) بدفع شئ فيهما، ومع ذلك لا ترمش أو تغير وجهها... يتوقف تنفسها تماماً وهى فى الرؤية، ولا يفلت من منخارها أو شفتيها أى نفس وهى على هذه الحال".
وقال أيضاً: "كثيراً ما تفقد قوتها مؤقتاً فتتكئ أو تجلس ولكن فى ماعدا ذلك تكون واقفة. إنها تحرك ذراعيها برشاقة". [4]
وزوجها جيمز هوايت يعلق على رؤاها قائلاً : "عند خروجها من الرؤية سواء بالنهار أو الليل فى غرفة جيدة الإنارة، يكون كل شئ حالك الظلمة بالنسبة لها، ثم تعود قدرتها على تميز حتى ألمع الأشياء بالتدريج مهما كان قريباً من عينيها. ويقدر عدد الرؤى التى تلقتها أثناء ثلاث وعشرون عاماً خلت بما يتراوح بين مائة ومائتى رؤية وقد أعطيت هذه الرؤى فى مختلف الظروف تقريباً ومع ذلك تحتفظ بتماثل عجيب". [5]
أراد دكتور بوردو أيضاً أن يتأكد من الأمر بنفسه فذهب لرؤية إيلين هوايت وهى تدَّعى أنها فى حالة رؤية وكانت هذه الحادثة فى بكس بريدج Buck’s Bridge فى نيويورك سنة 1857م فيقول : "فى يوم 28 يونيو 1857م رأيت الأخت إيلين هوايت فى رؤية لأول مرة وكنت آنذاك غير مؤمن بالرؤى، ولكن موقفاً من المواقف الكثيرة التى يمكن أن أذكرها أقنعنى بأن رؤاها من الله. فلكى أرضى عقلى بشأن عدم تنفسها وهى فى الرؤية أولاً وضعت يدى على صدرها مدة كافية، فتأكدت من عدم تنهد رئتيها تماماً، كما لو كانت جثة هامدة، ثم أخذت يدى ووضعتها على فمها، وضغطت منخاريها بين إبهامى وسببابتى بحيث يستحيل عليها الشهيق أو الزفير، حتى ولو أرادت هى ذلك، فأمسكت بها هكذا بيدى قرابة العشر دقائق، وهذا يكفى لخنقها لو كانت فى حالتها الطبيعية لكنها لم تتأثر بهذا على الإطلاق. ومنذ مشاهدتى هذه الظاهرة العجيبة لم أجنح ولو مرة واحدة بعد ذلك إلى الشك فى مصدر رؤاها الإلهى". [6]

كتابات إيلين هوايت :
من أهم كتابات إيلين هوايت التى ترجمت إلى اللغة العربية كتاب "الصراع العظيم فى سيرة السيد المسيح" وكتاب "مشتهى الأجيال" وكتاب "الآباء والأنبياء" وكتاب "خدمة الشفاء" و"تاريخ الحياة" و"أعمال الرسل". هذه الكتب فى حجمها الكبير كتبته من لم تستطع إكمال دراستها التعليمية. هذا ما يهبه الشيطان لأتباعه. كما أنك تجد فى كتبها تفاسير عقلية جبارة، لا يمكن أن تكون عقلية إنسانة أصيبت فى مخها ولم تستكمل دراستها. كلامها هو كلام شخص قوى فى المعرفة يريد أن يحطم الإيمان القويم، ولها تفاسير جذابة وخادغة للكتاب المقدس، من أين لها كل هذه القدرة؟!
وغالباً ما كانت إيلين هوايت تؤكد برؤاها ما سبق أن بحثته الجماعة وأقرته من عقائد. ولكن كتاباتها احتوت على كثير من الأخطاء، والمغالطات اللاهوتية، والمغالطات العلمية الثابتة، والتى لا يمكن لعاقل فى الوجود أن يقبلها. ومن أمثلة ذلك أنها فى كتابها عن الهبات الروحية Spiritual Gifts ادعت أن السبب الرئيسى فى تدمير العالم بالطوفان كان التزاوج والإنجاب بين البشر والحيوانات وقالت أن الأنواع المختلطة التى نتجت عن ذلك لم يخلقها الله ولم يأخذها نوح معه إلى الفلك، لأنها خليط من البشر والحيوانات. بينما أثبت العلم استحالة التزاوج للإنجاب بين البشر والحيوانات.
v وها هو "والاس سلاتيرى" Wallace Slattery فى كتابه "مجيئيو اليوم السابع هل هم أنبياء مزيفين؟" “Seventh-Day Adventist False Prophets?” يقول : "وقد سببت أخطاء إيلين هوايت التعليمية مشاكل كثيرة لجماعة السبتيين. فهل تصلح أن تكون نبية؟" هذا ما قاله وهو عضو سابق فى جماعة السبتيين وإنشق عليهم وألّف هذا الكتاب الذى نشر سنة 1941م وطبع أيضاً فى سنة 1990م.
وإليك نص ما كتبته فى كتاب "الهبات الروحية" [7]:
“But if there was one sin above another which called for the destruction of the race by the flood, it was the base crime of amalgamation of man and beast which defaced the image of God and caused confusion everywhere. God purposed to destroy that powerful long-lived race that had corrupted their ways before Him.”
"إن كانت هناك خطية فوق الأخرى تسببت فى تدمير العالم بواسطة الطوفان تكون هى الجريمة الأساسية الخاصة بتلاحم الإنسان والحيوان (أو الوحوش) التى شوهت صورة الله وسببت التشويش فى كل مكان. لقد أراد الله أن يحطم هذا الجنس القوى ذو العمر الطويل، الذين افسدوا طرقهم أمامه".
وفى فقرة أخرى قال :
“Every species of animal which God created were preserved in the ark . The confused species which God did not create which were the result of amalgamation were destroyed by the flood. Since the flood there has been amalgamation of man and beast as may be seen in the almost endless varieties of species of animals and in certain races of men”.
"كل نوع من الحيوانات التى خلقها الله كان محفوظاً فى الفلك. أما الأجناس المشوشة والمختلطة التى لم يخلقها الله والتى كانت نتيجة التلاحم تم تحطيمها بواسطة الطوفان. ومنذ الطوفان كان هناك تلاحم بين الإنسان والحيوان يمكننا أن نراه فى هذا التنوع غير المحدود من الحيوانات وفى بعض أنواع البشر."


مقتطفات من كتاب "الصراع العظيم" [8] كمثال بسيط لبعض كتابات إيلين هوايت :
فى صفحة 64 فى الطبعة العربية من نفس الكتاب تقول : "وقد شهدت القرون التالية إزدياد الأخطاء والضلالات الخارجة من روما والتى لم ينقطع سيلها. بل حتى قبل رسوخ قدم البابوية لاقت تعاليم الفلاسفة الوثنيين قبولاً من الناس، وكان لها تأثير على الكنيسة. وكثيرون ممن أقروا باهتدائهم إلى المسيحية ظلوا متمسكين بعقائد فلسفتهم الوثنية ولم يكتفوا بالاستمرار فى دراستها بأنفسهم بل ألحوا على الآخرين بالسير على نهجهم، قائلين أن تلك الفلسفة وسيلة لانتشار نفوذهم وبسطه على الوثنيين. وهكذا أدخلت على الإيمان المسيحى ضلالات جسيمة. ومن أشهر تلك الضلالات الاعتقاد بالخلود الطبيعى للإنسان، وبوعيه فى الموت. وهذه العقيدة الخاطئة كانت هى الأساس الذى بنيت عليه روما ضلالة الإبتهال إلى القديسين، وتمجيد مريم العذراء. ومن هنا أيضاً بُنيت هرطقة العذاب الأبدى لمن يموتون فى قساوة قلوبهم. تلك الهرطقة التى تسللت إلى العقيدة البابوية باكراً". وأكملت قائلة "وأستعيض عن ممارسة فضيلة العشاء الربانى كما جاء فى الكتاب بالذبيحة الوثنية المدعوة ذبيحة القداس. فلقد أدعى كهنة البابا أنهم قادرون بواسطة شعائرهم ومراسمهم العديمة المعنى. على تحويل الخبز والخمر العاديين. إلى جسد المسيح ودمه الفعلى نفسه، وبوقاحة تجديفيه إدعوا جهاراً أنهم قادرون على أن يخلقوا الله خالق كل الأشياء".


ثانياً: بعض أخطاء الأدفنتست العقائدية :

الخطأ الأول :
الروح تموت مع الجسد
يعتقدون أن الروح تموت مع موت الجسد وأن الروح الإنسانية ليست خالدة بل هى مثل روح البهيمة أو الحيوان. مع أن السيد المسيح قال "أنا إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب ليس الله إله أموات بل إله أحياء" (مت 22: 32). قال هذا فى رده على الصدوقيون بخصوص المرأة التى كانت زوجة لسبعة إخوة فسألوه "فى القيامة لمن من السبعة تكون زوجة فإنها كانت للجميع. فأجاب يسوع وقال لهم تضلون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله. لأنهم فى القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون بل يكونون كملائكة الله فى السماء. وأما من جهة قيامة الأموات أفما قرأتم ما قيل لكم من قبل الله القائل أنا إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب ليس الله اله أموات بل إله أحياء" (مت 22: 23-33).
وهم يسيئون استخدام الآية التى وردت فى سفر الجامعة "لأن ما يحدث لبنى البشر يحدث للبهيمة وحادثة واحدة لهم موت هذا كموت ذاك ونسمة واحدة للكل فليس للإنسان مزية على البهيمة لأن كليهما باطل" (جا 3: 19). طبعاً كاتب سفر الجامعة لم يقصد إطلاقاً أن روح الإنسان مثل روح البهيمة لأنه فى الآيات السابقة لهذه الآية يقول "قلت فى قلبى من جهة أمور بنى البشر أن الله يمتحنهم ليريهم أنه كما البهيمة هكذا هم" (جا 3 : 18). فالرب يمتحن الإنسان بحادثة الموت التى تحدث للإنسان والبهيمة على السواء ليرى إن كان الإنسان سوف يؤمن بالحياة الأبدية أم لا. كما أنه يقول عن موت الإنسان "فيرجع التراب إلى الأرض كما كان وترجع الروح إلى الله الذى أعطاها" (جا 12: 7). أما فى الإصحاح الثالث فيقول "من يعلم روح بنى البشر هل هى تصعد إلى فوق وروح البهيمة هل هى تنزل إلى أسفل إلى الأرض" (جا 3 : 21) ففى قوله "من يعلم؟" هو يمتحنهم..
وقد أورد الكتاب المقدس العديد من الآيات التى تدل على أن روح الإنسان لها مكانة عند الله، ومن أمثلة ذلك قول الكتاب عن الرب "جابل روح الإنسان فى داخله" (زك 12: 1) ، وأيضاً "لكن فى الناس روحاً ونسمة القدير تعقلهم" (أى 32: 8)، و"روح الله صنعنى ونسمة القدير أحيتنى" (أى33: 4). وفى سفر أشعياء يقول "هكذا يقول الله الرب خالق السماوات وناشرها باسط الأرض ونتائجها معطى الشعب عليها نسمة والساكنين فيها روحاً" (أش 42: 5).
كما أنهم يعتقدون أنه لا توجد دينونة أبدية للأشرار ولا قيامة لأجسادهم ولا عودة لأرواحهم بل يقيم الله الأبرار فقط ويعيد الحياة إلى أجسادهم وأرواحهم بنعمة خاصة. على الرغم من أن السيد المسيح تكلّم كثيراً جداً عن خروج الأبرار أو الصالحين للقيامة لحياة أبدية (أنظر مت25 )، وذهاب الأشرار إلى جهنم الأبدية المعدة لإبليس وملائكته "ثم يقول أيضاً للذين عن اليسار اذهبوا عنى يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته" (مت25: 41).
ويعتبرون أن نفس هذه القاعدة تنطبق على الرب يسوع المسيح من ناحية إنسانيته، أى أن روحه وجسده أعيدوا إلى الحياة مرة أخرى أيضاً بنعمة خاصة إلهية. وفى هذه الحالة يصطدمون بالآية التى قالها القديس بطرس الرسول "مماتاً فى الجسد ولكن محيىً فى الروح الذى فيه أيضاً ذهب فكرز للأرواح التى فى السجن" (1بط3: 18-19). فهم يقللون من شأن القيامة وتبدو مفاهيمهم مهتزة فى عمل السيد المسيح الفدائى وقيامته من الأموات.

الخطأ الثانى :
يسوع المسيح هو الملاك ميخائيل
ومن يصدق هذه العقيدة إما أنه يعتبر أن السيد المسيح هو رئيس ملائكة وليس هو ابن الله الوحيد، أو يعتبر أنه لا يوجد أحد نهائياً اسمه الملاك ميخائيل وأن الملاك ميخائيل هو أحد ظهورات السيد المسيح.. فى كلتا الحالتين هذه العقيدة خطأ ويرفضها الكتاب المقدس.
إذا ناقشنا إعتقادهم أن السيد المسيح هو الملاك ميخائيل من رسالة معلمنا يهوذا الرسول "وأما ميخائيل رئيس الملائكة فلما خاصم إبليس مُحاجاً لأجل جسد موسى لم يجسر أن يورد حكم افتراء بل قال لينتهرك الرب" (يه 9) فكيف يكون الرب يسوع المسيح هو الذى يتكلم ثم يُقال عنه أنه قال لإبليس "لينتهرك الرب". هذا هو الرب الذى ينتهر إبليس، هذا هو رب الأرباب.. "فانتهرهم ولم يدعهم ينطقون لأنهم كانوا قد عرفوا أنه هو المسيح" (لو4: 41). أما عبارة "لينتهرك الرب يا شيطان" فيقولها الملاك ميخائيل. وأيضاً عبارة "لم يجسر أن يورد حكم افتراء" هل من المعقول أن يُقال عن السيد المسيح أنه "لم يجسر"؟!! من المحال أن تُقال هذه العبارة فى خصومة بين السيد المسيح وإبليس.

الخطأ الثالث :
يسوع المسيح قد ورث الميل الطبيعى للخطية
أن يسوع المسيح قد ورث الميل الطبيعى للخطية. وأن إمكانية الخضوع للخطية كان موجوداً فيه، ولكنه قاومها ولم يخطئ. بينما نحن نعتقد بناءً على تعاليم الكتب المقدسة أن السيد المسيح أخذ طبيعة بشرية شابهنا فيها فى كل شئ باستثناء الخطية لأن الجنين الذى تكوّن فى بطن العذراء هو بفعل الروح القدس مثلما قال الملاك "لأن الذى حبل به فيها هو من الروح القدس" (مت1: 20). ولا يمكن أن يكوّن الروح القدس شيئاً فيه خطية ولا فيه ميل للخطية. ولا يمكن أن الله الكلمة نفسه الذى اتحد بهذا الناسوت أو هذه الطبيعة البشرية التى اتخذها من العذراء مريم، أن يتحد بطبيعة فيها ميل للخطية.. فإن كان هناك إمكانية للخضوع للخطية، كان من الممكن أن يكون الفداء فى خطر!! فكان من الممكن أن يخطئ المخلص أو لا يخطئ! أى كان من الممكن أن يتم الفداء أو لا يتم! فيعتبر هذا تدمير كامل لعقيدة الفداء فى المسيحية.. وبصراحة يعتبر كلامهم هذا تجديف على السيد المسيح.

فى كتاب "Seventh Day Adventist Believe" يقولون :
“When Christ took the human nature that bore the consequences of sin, He became subject to the infirmities and weaknesses that all experience”.[9]
"حينما أخذ السيد الطبيعة البشرية الحاملة لعواقب الخطية صار خاضعاً للعجز والضعفات التى يختبرها الكل".
“Temptation and the possibility of sinning were real to Christ. If He could not sin He would have been neither human nor our example.” [10]
"فالتجارب وإمكانية الخطية كانت حقيقية فى المسيح. إن لم يكن ممكناً أن يخطئ لما كان إنساناً أو على شبهنا".
ونفس هذا الاعتقاد نادى به نسطوريوس ولذلك فهناك تشابه بين النسطورية وعقيدة الأدفنتست فيما يخص هذا الأمر. فيقول النساطرة :
“He was a sinless man, though the possibility of sin was open to him as he was a perfect man.” [11]
"كان إنساناً بلا خطية مع أن إمكانية الخطية كانت مفتوحة بالنسبة له لأنه كان إنساناً تاماً".

الخطأ الرابع :
السبت اليهودى هو يوم الرب
أن السبت اليهودى هو يوم الرب الذى ينبغى أن يلتزم به المؤمنون بالمسيح، وفى نظرهم أن باقى الطوائف المسيحية يكسرون أهم وصية فى الكتاب المقدس وهى حفظ اليوم السابع. وأن الوصية الرابعة من الوصايا العشر فى اللوح الأول كانت تضئ بنور خاص (كما رأت إيلين هوايت فى رؤية)، وأن خطية الشيطان كانت هى فى عدم حفظ يوم السبت وتقديسه، وأن كل كفاح الشيطان هو أن يدفع الإنسان لكسر وصية حفظ اليوم السابع، وأن كل من يكسر هذه الوصية هو من أجناد الشيطان. هذا هو نوع من الردة إلى التهود فى المسيحية. فالأدفنتست يتشابهون مع الصدوقيين اليهود فى إعتقاداتهم فى أن يوم الرب هو يوم السبت وأيضاً فى إنكارهم للقيامة.
قال القديس بولس الرسول "فلا يحكم عليكم أحد فى أكل أو شرب أو من جهة عيد أو هلال أو سبت. التى هى ظل الأمور العتيدة وأما الجسد فللمسيح" (كو2: 16، 17). لم يوافق بولس الرسول أن يتحكم أحد فى موضوع السبت لأن الكنيسة اعتبرت أن يوم الرب فى العهد القديم (يوم السبت) هو رمز للراحة، لكن متى استراح الرب؟ استراح بقيامته من الأموات بعد إعادة تجديد خلقة الإنسان مرة أخرى.. ولذلك نلاحظ فى سفر الأعمال أن الكنيسة اجتمعت فى يوم الأحد فى أول الأسبوع ويقول الكتاب "وفى أول الأسبوع إذ كان التلاميذ مجتمعين ليكسروا خبزاً خاطبهم بولس" (أع20: 7). ومن جهة تمسك الأدفنتست بحرفية السبت فى جمع العطاء فى الكنيسة قال القديس بولس الرسول "أما من جهة الجمع لأجل القديسين فكما أوصيت كنائس غلاطية هكذا افعلوا أنتم أيضاً. فى كل أول أسبوع ليضع كل واحد منكم عنده خازناً ما تيسر حتى إذا جئت لا يكون جمع حينئذ" (1كو16: 1، 2).. إذاً كسر الخبز كان يتم فى أول الأسبوع، وجمع العطاء فى أول الأسبوع. فقد بدأت الكنيسة منذ العصر الرسولى الأول تمارس العبادة يوم الأحد لأن هذا هو تذكار قيامة السيد المسيح من بين الأموات. ونحن نقول بفرح [ هذا هو اليوم الذى صنعه الرب فلنبتهج ونفرح فيه ].

الخطأ الخامس :
مجيئ المسيح الثانى عام 1834م
إدعى أصحاب هذه البدعة أن السيد المسيح سوف يجيئ فى مجيئه الثانى فى سنة 1843م وحينما لم يتحقق كلامهم أجلوا الميعاد إلى 22 أكتوبر سنة 1844م ولما لم يتحقق كلامهم قالوا أنه طهر المقدس السماوى فى ذلك التاريخ وأسموا أنفسهم أدفنتست أى مجيئيون بمعنى أصحاب عقيدة المجيئ الثانى.

الخطأ السادس :
يهاجمون عقيدة شفاعة القديسين
يهاجم الأدفنتست بعنف عقيدة شفاعة القديسين معتبرين إياها مثل السحر وتحضير الأرواح لأنهم يعتقدون أن أرواح القديسين تموت مع أجسادهم عند الوفاة (راجع الاقتباس الذى أوردناه من كتاب "الصراع العظيم" فى صفحة 10).

الخطأ السابع :
يهاجمون عقيدة الإفخارستيا
يهاجمون بعنف عقيدة الإفخارستيا ويلقبونها الذبيحة الوثنية المدعوة ذبيحة القداس (راجع الاقتباس الذى أوردناه من كتاب "الصراع العظيم" فى صفحة 10).

الخطأ الثامن :
يعتقدون أن إيلين هوايت هى نبية ورسولة
يعتقدون أن إيلين هوايت هى نبية ورسولة صاحبة رؤى وأحلام وإعلانات سمائية ويعتبرون أن ما إدعته من رؤى وأحلام هى إلهام وإعلان من الله لجماعة "مجيئيو اليوم السابع" Seventh Day Adventists (هذا هو لقبهم الرسمى الذى تم تسجيله فى الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1861م). فهم يعتبرونها نبية اُعطيت إعلانات سماوية وتلقّت إلهام ووحى من الروح القدس، وأنها رسولة تحسب مع رسل السيد المسيح الإثنى عشر، وأن كل ما تنبأت به وما كتبته يرقى إلى مستوى الكتب المقدسة والأسفار الإلهية، ويسمونها "نبية الأيام الأخيرة" (وهو عنوان أحد الكتب التى صدرت عن إيلين هوايت انظر صفحة 6-8).


ثالثاً : رأى الكنيسة القبطية فى الأدفنتست
1- قرار المجمع المقدس للكنيسة القبطية:
قرر المجمع المقدس لكنيستنا القبطية الأرثوذكسية رسمياً برئاسة صاحب القداسة البابا شنودة الثالث فى جلستة المنعقدة فى يوم السبت 17 يونيو سنة 1989م اعتبار أن طائفتى السبتيين وشهود يهوه هم طوائف غير مسيحية، لا نعترف بهم كمسيحيين ولا نعترف بترجمات الكتاب المقدس الخاص بهم، وحذّر المجمع المقدس من حضور اجتماعاتهم، أو دخولهم إلى بيوت الأقباط الأرثوذكس مثل سائر الهراطقة والمبتدعين [12].

2- بيان الآباء البطاركة :
فى اللقاء الثانى لرؤساء الكنائس الأرثوذكسية الشرقية فى الشرق الأوسط، والذى انعقد فى دير مار أفرام السريانى بمعرة صيدنايا بسورية فى المدة من 10- 12 فبراير 1999، وتحت بند الحوارات اللاهوتية للبيان المشترك الذى وقع عليه البطاركة الثلاث: قداسة البابا شنودة الثالث بابا الأسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية والبطريرك إغناطيوس زكا عيواص بطريرك أنطاكية وسائر المشرق، والكاثوليكوس آرام الأول كاثوليكوس الأرمن لبيت كيليكيا، ذكر الآتى تحت عنوان الحوار مع الأدفنتست :
"تسلمنا إقتراحاً من الأدفنتست أن نبدأ حواراً لاهوتياً. ونحن نعتبر أنه ليس من المناسب أن نستجيب لهذه الدعوة. أولاً لأن الإيمان الذى يعتنقه الأدفنتست لا يتفق مع التعاليم الرسولية للكنيسة. وثانياً تورطهم النشط فى عملية الاستلال ( PROSELYTISM= الخطف من الكنائس)".

3- سلسلة شرائط تبسيط الإيمان
بناء على رغبة وتشجيع لجنة الرعاية والخدمة بالمجمع المقدس لكنيستنا، فقد صدرت سلسلة شرائط تبسيط الإيمان بسعر التكلفة أو أقل. الجزء الأول منها عن عقائد التجسد والفداء والتثليث والتوحيد، والجزء الثانى عن الله الراعى المخلص، والجزء الثالث عن وحدة الكتاب المقدس واستحالة تحريفه، والجزء الرابع عن المعمودية المقدسة.
أما الجزء الخامس فقد استقر الرأى على إصداره فى مواجهة الهجوم الشرس لجماعة السبتيين الأدفنتست الذين يهاجمون عقائدنا الرسولية ويتهمونها بأنها عقائد وثنية وشيطانية. ولم يكن من الممكن الانتظار أكثر من ذلك للرد عليهم بأسلوب مبسط يناسب جميع المستويات حتى غير المثقفين.
و بمشيئة الرب نأمل فى إصدار الجزء السادس من هذه الشرائط وفيه مزيد من المعلومات عن طائفة الأدفنتست السبتيين وعن طائفة شهود يهوه التى ولدت من بطن طائفة السبتيين فى الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1876م. وزادت عليها بإنكار لاهوت السيد المسيح إنكاراً تاماً ورفض عقيدة الثالوث القدوس، وإعتبار أن الحكومات هى من الشيطان، وأن تحية علم الدولة هو عبادة وثنية، وتحريم نقل الدم، والاعتقاد بزواج الملائكة والبشر، وتحريف ترجمة الكتاب المقدس، وكثير من البدع الغريبة الأخرى!

ختاماً :
نهيب بأبناء الكنيسة أن يحذروا من هذه الطائفة المخادفة، ومن تعاليمها غير المسيحية، عملاً بوصية الرسول بولس: "إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم، فليكن اناثيما (محروماً)" (غل1: 8).



[1]Antony A. Hoekema, Seventh-Day Adventist – William B. Eerdmans Publishing Comp. Grand Rapids, Michigan- reprinted 1990.
[2] كتاب "نبية الأيام الأخيرة" لفانس فارل صفحة 46.
[3] نفس المرجع السابق صفحة 48
[4] نفس المرجع السابق صفحة 48، 49
[5] نفس المرجع السابق صفحة 53
[6] تصريح أدلى به د.ت. بوردو فى بتل كريك ميتشيجان بتاريخ 4 فبراير 1891م ورد فى المرجع السابق صفحة 56.
[7]Ellen White – Spiritual Gifts (Battle Greek Mich. : James White 1858) 3:64,75
[8] بقلم الن هوايت - ترجمة اسحق فرج - تنقيح انطوان عبيد دار الشرق الأوسط والنشر – بيروت – لبنان الطبعة الثالثة 1997
[9] Seventh-Day Adventists Believe a Biblical Exposition of Fundamental Doctrines – Seventh-Day Adventists, General Conference Ministerial Association – U. S. A. by the Review and Herald Publishing Association Hagerstown, Maryland, p.47.
[10]ibid.
3 ‘Was Nestorius a Nestorian’ by Mar Aprem G. Mooken Metropolitan of Trichur of the Assyrian Church of the East in India presented in the 59th Ecumenical Symposium of Pro Oriente, Vienna, 18th June 1990 published as an Annex in the book of the First Syriac Consultaion organised by Pro Oriente in Vienna June 1994 p.222..

[12] أنظر كتاب قرارات المجمع المقدس فى عهد صاحب القداسة والغبطة البابا شنودة الثالث (117) تقديم قداسة البابا وإصدار لجنة السكرتارية للمجمع المقدس طبعة سنة 1996 صفحة 58.
 

philanthropist

أميرة الورد
عضو مبارك
إنضم
30 يوليو 2013
المشاركات
1,239
مستوى التفاعل
161
النقاط
0
الإقامة
القصر الملكى السماوى قصر الملك يسوع المسيح
الرد على بدعة شهود يهوه

Click to view full size image

من هم؟

شهود يهوه من أخطر الجماعات التى تنسب نفسها إلى المسيحية وهى ليست كذلك، أى أنهم أشخاص يحاولون الاندساس بين المسيحيين وكأنهم مسيحيون! ولكنهم فى الحقيقة أقرب إلى الديانة اليهودية من الديانة المسيحية. فهم يشتركون مع اليهود فى تقديس يوم السبت وكذلك لا يؤمنون بالقيامة بالنسبة للأشرار، وبالتالى عدم وجود دينونة أبدية للأشرار، مشتركين بذلك مع طائفة الصديقيين اليهود الذين لا يؤمنون بقيامة الأموات على الإطلاق. ويتفق هؤلاء أيضاً مع اليهود فى عقائد تخص شخص السيد المسيح إذ ينكرون لاهوته.. ينكر اليهود بنوة السيد المسيح لله ومساواته للآب فى الجوهر. وأيضاً يرفضون الاعتراف بالسيد المسيح أنه يسوع الناصرى.

توجد أمور أخرى أيضاً مشتركة بين شهود يهوه والأدفنتست السبتيين الذين سبق التحدث عنهم فى الشريط السابق- الشريط الخامس. وقبل أن نتحدث عن عقائدهم والرد عليها نريد أن نعرض كيف نشأت هذه البدعة التى اعتبرها المجمع المقدس لكنيستنا القبطية الأرثوذكسية أنها بدعة لجماعة غير مسيحيين، وقد كان هذا قرار المجمع المقدس فى اجتماعه فى اليوم السابق لعيد العنصرة فى سنة 1989م.



نشأة شهود يهوه

شارلز تاز رصل Charles Taze Russel هو الذى أسس بدعة شهود يهوه، وهو شخص أمريكى من أصل أيرلندى، ولد سنه 1852 فى بتسبرج فى ولاية بنسلفانيا وكان والده مشيخى بروتستانتى من الإنجيليين وتوفيت والدته وهو فى التاسعة من عمره، والتحق بالمدرسة ولكن لم يستكمل الدراسة وكان عمره أربعة عشر سنة. وعندما بلغ سن السادسة عشرة انضم إلى جمعية الشبان المسيحيين وقدّم فيها نشاطاً كبيراً. وإذ كان يخاف من فكرة الموت والدينونة الأبدية، بدأ يدرس فى الكتاب المقدس. وأثمرت الشكوك ثمارها المرة والعقيمة فى نفسه من نحو التعاليم المسيحية الخاصة بالدينونة والعقاب الأبدى، فتخلى عن عقيدة أسرته الأصلية، وحيث إن العقيدة البروتستانتية تعطى الفرصة لأى شخص لتفسير الكتب المقدسة كما يرى، وهذه تربة خصبة لنشأة أى بدعة كما رأينا بالنسبة للسبتيين كيف أن وليم مللير كان معمدانياً بروتستانتياً ودرس الكتاب المقدس بدون إرشاد وخرج بالبدعة التى تحدثنا عنها فى الشريط السابق.



شارلز والأدفنتست السبتيين

لقد التصق شارلز تاز رصل بالسبتيين وهو فى سن الثامنة عشرة، وذلك عندما حضر اجتماع للسبتيين وكان جوناس ويندل أحد الوعاظ المشهورين هو الذى يعظ فى هذا الاجتماع. وبعد أسبوع من سماعه العظات السبتية ارتاح ارتياحاً شديداً لتعاليمهم لأنهم ينكرون إنكاراً شديداً وجود العذاب الأبدى للأشرار غير التائبين- مما يتفق مع فكره الخاص، ويبعد عنه الخوف من الموت والدينونة الأبدية.

وقد استمرت علاقته بالسبتيين لمدة سنتين. وقد اعترف شارلز رصل بأن بداية تكوين هذا المعتقد فى ذهنه؛ كانت عند السبتيين عندما حضر اجتماعاتهم، وقال [ هناك ولأول مرة سمعت شيئاً عن مجيء المسيح الثانى بواسطة جوناس ويندل ].



تلاميذ التوراة

وعندما وجد أن السبتيين فشلوا فى تحديد موعد المجيء الثانى للسيد المسيح، انفصل عن جماعتهم وإن كانت علاقته بهم كان لها أثر عميق فى حياته وتعاليمه ولا زالت ظاهرة فى تعاليم أتباعه.

وبعد انفصاله عن جماعة السبتيين جمع حولـه زمرة من المعجبين به. وقد أجمع أتباعه برأى واحد أنه لم يظهر على مسرح الخليقة كلها من هو أكثر منه تضلعاً فى تفسير الكتاب المقدس..

انبثقت حلقات حرة من هذه الجماعة فى دراسة الكتاب المقدس فى ضوء تفسيرات رصل عرفت باسم "تلاميذ التوراه"، ولم تكن هذه الحلقات تابعة لأى هيئة مسيحية.



تحديده لموعد المجيء الثانى

لكى يوسع رصل نطاق عمله الذى كان يتمثل فى التأليف والنشر؛ باع شركة الملابس التى ورثها عن والديه، وأسس جمعية للطباعة والنشر أطلق عليها اسم "برج المراقبة" كانت هذه الجمعية منشغلة بالنبوات المتعلقة بالمجيء الثانى للسيد المسيح. وعلى ضوء دراسته وتحليلاته الشخصية أصدر رصل أول منشور له بعنوان "غاية وكيفية رجوع المسيح" طبع منها حوالى 5000 نسخة وكانت تعتبر هى البداية لفيض من سلاسل منشورات وكراريس نشرها وقام بطبعها هذا المبتدع وأتباعه فيما بعد. حتى أنه من شدة حماسهم لتوزيع هذه الكراريس التى كتبها أطلقوا على أنفسهم لقب "تلاميذ التوراة وجمعية الكراريس".

كما أنشأ رصل مكتباً يتألف من سبعين موظفاً عملوا خصيصاً كرحَّالة من بلد إلى آخر بقصد ترويج مطبوعاته وتعاليمه بين فرق تلاميذ التوراة. وإلى جانب هؤلاء، وقف مئات من الوعاظ المتجولين للعمل الدعائى مجاناً، وفى غضون سنين قليلة استطاع رصل أن ينشر معتقداته فى أكثر من عشرين دولة فى العالم.

اشتهر رصل بمحاباته وتنبؤاته عن نهاية العالم والمجيء الثانى للسيد المسيح. وقد كرّس كل وقته وأمواله طوال أربعين سنة للعمل فى هذا المجال. واعتبر أن سنه 1914م هى موعد ثابت لمجيء السيد المسيح الثانى وحلول ملكوت الله، وأن السيد المسيح سيأتى ليملك على الأرض ألف سنة، وقد أسس هذه الأفكار على أساس حسابات أحد زعماء السبتيين وهو نيلسون باربورNelson Barbour ورغم أن السيد المسيح لم يأتِ سنة 1914م وثبتت ضلالة هذه النبوة لكنها حتى الآن هى المحور الذى يدور حوله تنبؤات شهود يهوه.

وفى سنة 1877م نشر رصل وباربور كتاباً بعنوان "العوالم الثلاثة أو خطة الفداء" وقد علقت جمعية برج المراقبة والكراريس على هذا الكتاب بقولها }فى هذا الكتاب أعلن الشريكان رصل وباربور إيمانهما بأن مجيء المسيح الثانى قد بدأ فعلاً عام 1874م حيث استهل بأربعين سنة دعيت فترة الحصاد، ثم حددا على وجه الدقة عام 1914م كوقت نهاية أزمنة الأمم{. ولكن لم تدُم شركة رصل وباربور طويلاً، بسبب خلافات عقائدية بينهما.

فى سنة 1876م اعتبر رصل نفسه هو راعى المجموعة التى كانت معه. وفى سنة 1879م أسس مجلة "برج صهيون للمراقبة"

كما أسس فى سنة 1884م جمعية أسماها "جمعية برج صهيون للمراقبة" وهنا تظهر العلاقة التى تربط شهود يهوه الذين أسسهم شارلز رصل بالصهيونية لأنه قد سماها برج صهيون.

وفى سنة 1908م حرك إدارة هذه المؤسسة إلى بروكلين فى نيويورك ولا زالت هذه الإدارة إلى يومنا هذا (وقد رأيت شخصياً هذا المقر مُنشَأً على مساحة كبيرة جداً فى حى بروكلين فى نيويورك ويوجد به مبانى ضخمة جداً لم أرَ مثلها كمؤسسة دينية).

وبحلول سنة 1914م لم يأتِ السيد المسيح وقد سبب ذلك لرصل إحراجاً كبيراً ولكن المفاجأة لم تَثْنِ رصل عن قناعته وتمسكه بحساباته. وقد أخرج لأتباعه تفسيراً غريباً حتى يخرج من موقفه الحرِج وأعلن الآتى وكتب ما يلى: }فى تلك السنة عينها تُوِجَ يسوع المسيح ملكاً على العالم حيث بدأ نشاطه الملكى بطرد زمرة الشياطين والأبالسة من الأجواء السماوية، الذين هبطوا إلى الأرض وأشعلوا نار الحرب فيها{ فلكى يتخلَّص من موقفه المحرج بتحديده لموعد مجيئ المسيح الثانى، زعم أن الشياطين جاءت إلى الأرض حيث شنت الحرب العالمية الأولى سنة 1914م، وهكذا تضاربت أقواله إذ بعد أن كان تنبأ بأن السيد المسيح سيأتى سنة 1914م، قال إن الشياطين هى التى جاءت وليس السيد المسيح.

ومن سنة 1914م بدأت فترة جديدة أسماها أصحاب هذه البدعة "زمن النهاية" حيث يتم فيها فرز الأخيار عن الأشرار، وهذه هى المهمة التى اعتبروا أن الله أوْكل إليهم إتمامها.



شخصية صاحب البدعة

إذا أردنا دراسة شخصية صاحب هذه البدعة وهو شارلز تاز رصل نجد أنه يتصف بالنصب والاحتيال فى عدة أمور أدبية ومادية. وأيضاً وقع فى الخيانة الزوجية التى أوصلته إلى أن قامت زوجته ماريا ف. أكلى Maria F. Ackley بحكم طلاق بعد زواج دام 27 سنة.. كانت لائحة الاتهام الموجهة إليه "أن رصل كان شخصاً مغروراً أنانياً محباً للسيطرة، وقد تصرف بغير حشمة مع إحدى النساء" وهذه الأمور منشورة بمراجع كثيرة جداً.. هناك وثائق وإثباتات وقضايا فى ملفات المحاكم؛ وهذه القضية قد رفعتها زوجته عليه سنة 1906م.. كانت مديرة أعماله وسكرتيرته الخاصة، وشاركت فى تحرير العديد من مواد مجلة "برج صهيون للمراقبة" وحكمت عليه المحكمة أن يدفع نفقة شهرية لزوجته، وتغريمه غرامة نقدية. إلا أنه استطاع تهريب أمواله التى بلغت فى ذلك الوقت أكثر من خمسة ملايين دولار من عقارات ومشاريع. وقد قام بتهريبها باسم شركة مساهمة، بحيث أن لا يكون باستطاعة زوجته أن تأخذ الأموال التى حكمت بها المحكمة.. كانت زوجته أيضاً تدّعى النبوة مثله وكان بينهما تنافس.

قد أعطى رصل لنفسه لقب قس دون أن يرسمه أحد. وادّعى معرفته باللغات العبرية واليونانية واللاتينية وإنه يجيد هذه اللغات وإنه خريج المدارس اللاهوتية.

وقد نشـر قس أمريكانى وهو ج.ج.روس G.G.Ross كُتيب ضد رصل قال فيه: إن رصل لا يعرف هذه اللغات، ولم يرسمه أحد قساً. وحدثت بينهما خلافات وصلت إلى المحاكم. وفى جلسة المحكمة العليا فى هاميلتون فى ولاية أونتاريو كان القاضى يعرف اللغة اليونانية وكان رصل يحفظ بعض المقاطع من العهد الجديد باللغة اليونانية وكان يحفظها عن ظهر قلب ويرددها لكى يقنع الناس أنه دارس الأسفار المقدسة باللغات الأصلية.

وفى أثناء جلسة المحكمة أتى محامى الخصم بكتاب العهد الجديد باللغة اليونانية أمام القاضى. وسألوا رصل فى محضر الجلسة هل تعرف اللغة اليونانية؟ قال نعم، فأعطوه الكتاب مفتوح على صفحة 447، وطلبوا منه قراءة الحروف اليونانية التى بالكتاب، فقال أعرف بعضهم ومن الممكن أن أخطئ فى بعض الحروف. فقالوا له اقرأ لنا ما فى السطر الأول؛ فلم يعرف. فسألوه المحاولة؛ فلم يستطع أن يكمل. فاعترف بعد التضيق عليه بأنه لا يعرف أى لغة. والشهادة أمام المحكمة كانت تحت القسم، فقد أقسم أنه يقول الحق كل الحق[*].

وفى 17 مارس سنة 1913 صدر الحكم من هذه المحكمة لصالح الخصم باعتباره أنه قد ثبت زيف ادّعاء رصل.. وأن دراسته لم تتجاوز الابتدائية، ولم يتخرج من أى مدرسة لاهوتية، ولم توضع عليه أى نوع من الدرجات القسيسية أو غيرها.

وأيضاً من قضايا النصب لشخصية رصل؛ إنه لإجـادتـه فـن التجارة الـذى تعـلّمه من والده أحضر قمحـاً أمريكياً رخيص الثمن وردئ وصبغه بأصباغ مختلفة وأسماه قمح عجائبى وقال إنه يعطى أضعاف مضاعفة من المحصول وباعه بأثمان غالية جداً، وربما قال إن هذا القمح قد أحضره من الأراضى المقدسة. وفى موسم الحصاد اكتشف الفلاحون الذين اشتروا هذا القمح كذب كلامه، فرفعوا عليه قضايا يطالبون فيها برد أموالهم، وأمام نفس المحكمة (محكمة هاميلتون). صدر الحكم بإدانته باعتباره نصاب ومختلس وأمرته المحكمة برد الأموال التى حصل عليها بطريق غير شريف.

وقد تصدت له فى أعماله السيئة جريدة يومية اسمها "The Brooklyn Daily Eagle جريدة نسر بروكلين اليومية" ففى عددها الصادر فى 19 كانون الثانى سنة 1913 فى صفحة 16 نشرت الحكم الذى صدر ضده من المحكمة فى قضية القمح العجائبى فقد كان يبيع 12,5 كيلو بسعر 60 دولار الذى يكافئ فى هذا الزمن 6 آلاف دولار.

هذا يعطينا فكرة عن إنسان سلّم حياته للشيطان، وقد استخدمه الشيطان لابتداع أسوأ انحراف فى العقيدة فى القرن الـ 19، وهو إنكار ألوهية السيد المسيح. وهى أسوأ عقيدة ما زالت لها أتباع منتشرون.

ثم تسمت هذه الجماعة باسم "شهود يهوه"، وقد جاءت هذه التسمية سنة 1931م. والذى غيّر التسمية هو خليفة شارلز تاز رصل واسمه جوزيف فرانكلين رذرفورد.



جوزيف فرانكلين رذرفورد

كـان قاضياً ولكـن أُخذ علـيه أيضاً مخالفة قوانين المهنة. فبعد أن فشلت النبوة بمجيء السيد المسيح سنة 1914م، تنبأ أنه سيأتى سنة 1925م. ولما لم يأتِ السيد المسيح سنة 1925م، أصيب بصدمة وعاش مع زوجته وابنه وهو غير قادر على مواجهة الناس. لكن جمع الجماعة بذكائه وعقد لهم مؤتمراً فى كولمبس فى أوهايو فى سنة 1931 وأسماهم جماعة "شهود يهوه". ومغزى التسمية؛ إنهم يعتبرون أن إيمانهم بالله حسب ما ورد اسمه الخاص فى سفر الخروج فى العهد القديم "فقال موسى لله ها أنا آتى إلى بنى إسرائيل وأقول لهم إله آبائكم أرسلنى إليكم فإذا قالوا لى ما اسمه؟ فماذا أقول لهم؟ فقال الله لموسى: أهيه الذى أهيه، وقال هكذا تقول لبنى إسرائيل: أهيه أرسلنى إليكم" (خر3: 13، 14) وباللغة العبرية "hy<h.a/, rv,a] hy<h.a/ أهيه آشِر أهيه" فكلمة "يهوه" تعنى "هو يكون" أى "الكائن" وكلمة "أهيه" تعنى "أنا أكون". فهذه العبارة تعنى "أنا أكون الذى أنا أكون" ومدلول الكلمة هنا أن الله يريد أن يقول أنه الكائن وكينونته غير مصنوعة أو مستمدة من خالق آخر خلقه، فهو كائن بطبيعته.. وأى كائن آخر غير الله كينونته مصنوعة أو مخلوقه.

إن الذى ظهر لموسى كنار مشتعلة فى العليقة فى برية سيناء، كان هو كلمة الله أو الله الكلمة وكان هذا رمزاً للتجسد (العليقة المشتعلة بالنار) لأن اللاهوت لم يحرق الناسوت كما أن العليقة لم تحترق بالنار المشتعلة فيها. وفى سفر الخروج الأصحاح الثالث ظهر ملاك الرب لموسى وقال "أنا إله أبيك إله إبراهيم" (خر3: 6) وعندما سأله موسى عن اسمه؛ قال اسمه"يهوه".

ومن غير المعقول أن كلمة "ملاك الرب" تنطبق على الآب، لأن كلمة "ملاك" باللغة العبرية "مل آخ " تعنى "سفير أو مفوّض أو مُرسِل". فالآب أرسل ابنه. وأيضاً كلمة "ملاك" لا تعنى بالضرورة الملائكة الذين نعرفهم لأنه من الممكن أن تطلق على أسقف الكنيسة كما قال الكتاب "أُكتب إلى ملاك كنيسة أفسس" (رؤ2: 1) فالأسقف يدعى ملاك، وطغمات خدام الرب الروحانيون نسميهم ملائكة، وأيضاً من يُرسَل من الله يدعى ملاكاً. فمن هنا لا يمكن أن يكون الملاك الذى ظهر لموسى وقال له أنا اسمى "يهوه" وأنا إله آبائك، هو الآب، ولكن هو الابن وهو اسمه "يهوه" مثل الآب والروح القدس تماماً.



شهود يهوه ينكرون الابن

شهود يهوه ينكرون الابن، وهم يغالطون أنفسهم.. ففى سفر إشعياء يقول "أنا أنا الرب وليس غيرى مخلص. أنا أخبرت وخلصت وأعلمت وليس بينكم غريب وأنتم شهودى يقول الرب وأنا الله" (أش43: 11، 12)- ومن هذا الأصحاح أخذوا اسمهم "شهود يهوه". يقول الرب "أنا أنا الرب وليس غيرى مخلّص" فمن هو المخلص؟ المخلص هو المسيح ابن الله الوحيد. كما قال معلمنا بطرس الرسول عن السيد المسيح "وليس بأحد غيره الخلاص" (أع4: 12). إذا كان يقول "ليس غيرى مخلص" وأيضاً "أنتم شهودى" إذن هو الابن، وبالتالى نحن شهود للمسيح لذلك قال السيد المسيح لتلاميذه "تكونون لى شهوداً"(أع1: 8). كيف يسمون أنفسهم بعد "شهود يهوه" وهم ينكرون المسيح؟! لقد حذر بطرس الرسول وقال "كان أيضاً فى الشعب أنبياء كذبة كما سيكون فيكم أيضاً معلمون كذبة الذين يدسون بدع هلاك وإذ هم ينكرون الرب الذى اشتراهم يجلبون على أنفسهم هلاكاً سريعاً" (2بط2: 1).

فعندما نتكلم عن الرب الذى اشترانا، نتكلم عن السيد المسيح الذى اشترانا بدمه، والشاهد ليهوه لا ينكر أن السيد المسيح قد صُلب، وأنه بصلبه حمل خطايا العالم أو كفّر عن خطايا العالم. فيكون الرب الذى اشترانا هو السيد المسيح. أما شهود يهوه فهم ينكرون الرب الذى اشتراهم لأنهم ينكرون لاهوته. ولذلك أى إنسان يتبع بدعة شهود يهوه سوف يجلب على نفسه هلاكاً سريعاً كما قال معلمنا بطرس الرسول فى حديثه "وسيتبع كثيرون تهلكاتهم" (2بط2: 2) ففى ذلك تحذير.

بدأت هذه المجموعة بـ 25 ألف شخص أيام شارلز تاز رصل والآن قد وصل عددهم إلى خمسة ملايين شخص وربما أكثر على مستوى العالم كله. فعندما يقول "سيتبع كثيرون تهلكاتهم" هذا ما رأيناه وعايشناه. وهم الآن يحاولون نشر فكرهم فى مصر. وإن كان فى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر نظراً لشبهة الصهيونية لجماعة شهود يهوه صدر قانون بمنع ممارستهم لنشاطهم فى مصر وأصبحوا جماعة غير قانونية وغير معترف بها كطائفة، إلا أنهم ما زالوا ينشطون فى السر، ويرسلون أشخاصاً إلى المنازل. ولذلك حذر القديس يوحنا الرسول "إن كان أحد يأتيكم ولا يجيء بهذا التعليم فلا تقبلوه فى البيت ولا تقولوا له سلام. لأن من يسلم عليه يشترك فى أعماله الشريرة" (2يو10، 11).

فالقديس يوحنا الذى كان دائماً يتكلم عن المحبة قد حذر من أن نقبل فى المنازل أمثال هؤلاء الهراطقة والمبتدعين. والكنيسة القبطية الأرثوذكسية تحذر شعبها بقوة من جماعة شهود يهوه ومن قبول أى أحد منهم فى المنازل والمناقشات معهم.. تحتاج المناقشات معهم إلى شخص دارس، لكى يستطيع الرد على الأضاليل التى يبتدعونها بتفسير خاطئ لآيات الكتاب المقدس. فليس كل إنسان يستطيع مناقشتهم والرد عليهم لأنهم فى منتهى المكر والدهاء ويميلون أحياناً إلى تحريف لآيات الكتاب أو الانحراف عن التفسير السليم.



بعض أمثلة لتعاليمهم والرد عليها

أولاً: انكار الدينونة الأبدية

كما ذكرنا سابقاً أن أول ما دفع تشارلز رصل لابتداع ضلالته؛ هو خوفه من العقاب الأبدى ومن الدينونة الأبدية لذلك علّم بأنه لا دينونة أبدية للأشرار. وهذه تدل على أنه كان إنساناً مغلوباً من خطايا معينة وغير قادر أن يتوب عنها. لأن الإنسان الذى يسلك فى حياة التوبة يشعر أن الدينونة الأبدية لا ترعبه، ولا تخيفه. خصوصاً إذا كان يوجد علاقة حب بينه وبين الله. وهذا لا يمنع أن يسلك فى مخافة الله لئلا يستهتر ويفقد حذره، وبذلك يتناسى أن التوبة والسهر الروحى شئ هام فى حياته.

إن الدعوة التى نادى بها شارلز ستدفع الناس إلى الاستخفاف بالخطية، وتدفعهم إلى عدم الجهاد، وإلى عدم السهر الروحى، وإلى عدم التوبة مثل الأبيقوريون الذين يقولون "لنأكل ونشرب لأننا غداً نموت". فإذا كان لا يوجد عذاب أبدى للأشرار ولا يوجد قيامة للأشرار؛ فأى إنسان يعيش فى الخطية ويتمتع بها يقول }طالما إننى تمتعت بالدنيا وأخذت كل ما أريد وعملت كل ما أشتهيه، فلماذا أريد حياة ثانية؟!..{.

لقد كان كلام السيد المسيح واضحاً فى هذا الأمر إذ يقول "ومتى جاء ابن الإنسان فى مجده وجميع الملائكة القديسين معه فحينئذ يجلس على كرسى مجده. ويجتمع أمامه جميع الشعوب فيميز بعضهم من بعض كما يميز الراعى الخراف من الجداء. فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن اليسار" (مت25: 31- 33).. يتضح هنا أن السيد المسيح سيفرق بين الأبرار والأشرار فى مجيئه الثانى.

"ثم يقول أيضاً للذين عن اليسار اذهبوا عنى يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته. لأنى جعت فلم تطعمونى عطشت فلم تسقونى" (مت25: 41، 42). ومن هنا يتضح أن السيد المسيح سوف يدين الأشرار وأكّد على ذلك بقوله "فيمضى هؤلاء إلى عذاب أبدى والأبرار إلى حياة أبدية" (مت25: 46).

قد ذكرنا فى الجزء الخامس من سلسلة تبسيط الإيمان عن إدّعاء الأدفنتست بموت النفس، وهذا خطأ وقد شرحنا ذلك، واشترك معهم شهود يهوه فى هذا الإدعاء الخاطئ. وهذا ما استمال تشارلز رصل عند الأدفنتست.. وقد شرحنا كيف أن السيد المسيح رد على مسألة القيامة فى مناقشته مع الصديقيين من اليهود بقولـه "تضلون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله" (مت22: 29) وذلك عندما تمت المناقشة التالية "فى ذلك اليوم جاء إليه صدوقيون الذين يقولون ليس قيامة، فسألوه قائلين: يا معلم قال موسى إن مات أحد وليس له أولاد يتزوج أخوه بامرأته ويقم نسلاً لأخيه. فكان عندنا سبعة إخوة وتزوج الأول ومات وإذ لم يكن له نسل ترك امرأته لأخيه. وكذلك الثانى والثالث إلى السبعة. وآخر الكل ماتت المرأة أيضاً. ففى القيامة لمن من السبعة تكون زوجة فإنها كانت للجميع. فأجاب يسوع وقال لهم تضلون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله.. ليس الله إله أموات بل إله أحياء" (مت22 :23- 32).

بهذا أكّد السيد المسيح أن النفس لا تموت. أى أن الروح الإنسانية لا تموت مع الجسد مثلما يدّعى الأدفنتست وشهود يهوه. وهذه البدعة هى إحدى البدع الأساسية عندهم. والذى يريد أن يسمع أو أن يقرأ الرد على هذه النقطة يرجع للشريط الخامس أو إلى الفصل الخامس من سلسلة تبسيط الإيمان.



ثانياً : إنكار ألوهية السيد المسيح

وأيضاً تتضمن عقيدة شهود يهوه بدعة إنكار ألوهية السيد المسيح. وهذه هرطقة خطيرة جداً لأنها تُضيّع كل عقيدة الفداء والخلاص. إنكار ألوهية السيد المسيح هى جزء من هرطقة أوسع نادى بها الأريوسيون ومثلهم شهود يهوه وهى رفض عقيدة الثالوث أى عقيدة أن الآب والابن والروح القدس إله واحد مثلث الأقانيم. فعندما نتكلم عن تجسّد الابن الوحيد وصلبه وقيامته من الأموات لا نتكلم على أن الآب هو الذى تجسد، لكن الابن هو الذى تجسد. فهناك تمايز بين أقنوم الآب وأقنوم الابن وأقنوم الروح القدس. لكن فى نفس الوقت الآب والابن والروح القدس طبيعة إلهية واحدة، جوهر إلهى واحد، لاهوت واحد، نسجد له ونمجده كما نقول فى صلاة باكر.

فالجوهر الإلهى واحد، وغير منقسم. فالله الكائن "يهوه" كما ذكرنا من قبل، هو واحد فالآب هو يهوه، والابن هو يهوه، والروح القدس هو يهوه، لأن هذا الكائن غير المنقسم هو الإله الواحد المثلث الأقانيم الآب والابن والروح القدس.

فإنكار ألوهية السيد المسيح أولاً يتعارض مع قول الرب "أنا أنا الرب وليس غيرى مخلص" (أش43: 11). ويتعارض أيضاً مع عقيدة أن ذبيحة الصليب تكون كافية لخلاص العالم. وكثيراً ما نجد الله فى العهد القديم يقول عن نفسه "هكذا يقول الرب فاديك قدوس إسرائيل: أنا الرب إلهك" (أش48 : 17). فعبارة أن الرب هو الفادى وهو المخلص وردت فى العهد القديم ووردت أيضاً فى العهد الجديد "ولكن حين ظهر لطف مخلصنا الله وإحسانه (يتكلم هنا عن الآب). لا بأعمال فى بر عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثانى وتجديد الروح القدس (يتكلم عن الروح القدس وعمله فى الخلاص) الذى سكبه بغنى علينا بيسوع المسيح مخلصنا (يتكلم عن يسوع المسيح؛ إنه المخلّص)" (تى3: 4-6).



فالله المثلث الأقانيم هو المخلّص:

فالآب هو مخلّصنا؛ لأنه أرسل ابنه الوحيد لخلاص العالم "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو3: 16). والآب هو الذى تقبّل ذبيحة الابن الوحيد على الجلجثة.

والابن هو المخلّص لأنه قال "وأنا أضع نفسى عن الخراف" (يو10: 15) وأيضاً قيل عنه "بهذا قد عرفنا المحبة أن ذاك وضع نفسه لأجلنا" (1يو3: 16).

والروح القدس خلّصنا بالولادة الجديدة فى المعمودية بغسل الميلاد الثانى وتجديد الروح القدس، وأيضاً بعمله فى كل أسرار الكنيسة.

فإنكار ألوهية السيد المسيح يضيّع معنى المسيحية تماماً، ويجعل ذبيحة الصليب غير كافية لخلاص العالم كله ولا تستطيع أن توفى الدين الذى يؤدى عدم الوفاء به إلى الهلاك الأبدى. إذا كان الهلاك الأبدى لملايين من البشر هذا شئ متسع جداً لا تحسب أبعاده، فلابد أن الذبيحة التى تُقدم تكون ذبيحة غير محدودة أيضاً لأن السيد المسيح وعد أن يعطى خرافه الحياة الأبدية "وأنا أعطيها حياة أبدية" (يو10: 28) كما شرحنا فى الجزء الثانى من سلسلة تبسيط الإيمان.



الآيات التى يعتمد عليها شهود يهوه

يعتمد شهود يهوه فى مهاجمتهم لألوهية السيد المسيح على آيات يسيئون استخدامها ويخدعون قلوب السلماء.



" أبى أعظم منى " (يو14: 28)

مثال لذلك يقولون إن السيد المسيح قال "أبى أعظم منى" (يو14: 28) ويتركون الآية التى تقول "أنا والآب واحد" (يو10: 30).. لم يقل السيد المسيح "أبى أعظم منى" بدون مقدمات، بل قال "لو كنتم تحبوننى لكنتم تفرحون لأنى قلت أمضى إلى الآب لأن أبى أعظم منى" (يو14: 28). أى أنه يريد أن يقول لهم لو كنتم تحبوننى لكنتم تفرحون إنى أذهب عند الآب لأن أبى أعظم منى، قال السيد المسيح هذا الكلام وهو فى الجسد على الأرض؛ لذلك نلاحظ أن معلمنا بولس الرسول قال أن السيد المسيح أخلى نفسه آخذاً صورة عبد "فليكن فيكم هذا الفكر الذى فى المسيح يسوع أيضاً الذى إذ كان فى صورة الله لم يحسب مساواته لله اختلاساً. لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد صائراً فى شبه الناس. وإذ وجد فى الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب. لذلك رفعه الله أيضاً وأعطاه اسماً فوق كل اسم. لكى تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن فى السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض. ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب" (فى2: 5-11) أى أن السيد المسيح حينما تجسد وضع نفسه واحتمل الآلام والصليب ولكنه قبل ذلك كان فى صورة الله ومجد الله.. ويلزمنا أن نفهم معنى عبارة "إذ كان فى صورة الله":

فى الأصل اليونانى للعهد الجديد لم تأتِ كلمة eikw.n بمعنى الصورة العادية ولكن أتت Morfh, التى تعنى "الطبيعة مع الصورة". وأيضاً فى اللغة الإنجليزية تترجم in the form of God فهى مفهومة فى اللغة اليونانية أنها تعنى "إذ كان فى طبيعة الله" وأيضاً "فى صورة الله مع الطبيعة" لأنه مكتوب عن السيد المسيح "الذى هو صورة الله غير المنظور" (كو1: 15). حينما تجسد السيد المسيح احتفظ بمجده الإلهى الذى يليق بطبيعته الإلهية الممجدة كما هو، لكنه أخفى مجده حينما التحف بالناسوتية، فمجده صار مخفياً "إذا كان فى صورة الله لم يحسب مساواته لله اختلاساً (أى إنه لم يختلس المساواة) لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد صائراً فى شبه الناس" (فى2: 6، 7).

ومن المعلوم أن السيد المسيح قد ضُرب، وسُمر بالمسامير، وجُلد بالكرابيج؛ ففى هذا الوضع الذى كان يتألم فيه؛ لا نستطيع أن نقول إنه كان فى صورة المجد الإلهى، لكنه كان فى صورة الإخلاء، لذلك يقول "وإذ وجد فى الهيئة كانسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب" (فى2: 8).

فالمقصود "بأعظم منى" أى من حيث الوضع الذى وُجد فيه حينما وجد فى الهيئة كإنسان كان فى مجدٍ أقل من مجد الآب بكثير، لكن من ناحية ألوهيته لم يفترق عن الآب إطلاقاً ولاهوته لا يتجزأ من الآب، لاهوت واحد وطبيعة واحدة للثلاثة أقانيم. والدليل على أن مجد الابن يفوق المجد الذى ظهر به فى الجسد؛ أن السيد المسيح ذكر فى نفس الإنجيل الذى وردت فيه عبارة "أبى أعظم منى" عبارة أخرى تدل على مجده الأزلى المساوى لمجد الآب. "والآن مجدنى أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذى كان لى عندك قبل كون العالم" (يو17: 5) فقبل أن يُخلَق العالم، كان الابن ممجداً عند الآب. ولكن هذا المجد لم يكن ظاهراً فى وقت آلامه على الأرض. فيقول السيد المسيح لتلاميذه: لماذا أنتم حزانى إننى ذاهب إلى الآب؟! هل من الممكن أن شخصاً ما؛ يتضايق أن حبيبه يرجع إلى مجده الأول؟! فمجد السيد المسيح الأول أعظم من المجد الذى ظهر فيه أثناء آلامه.

وعلى جبل التجلى أظهر شعاع من مجده لكن ليس ملء مجده لأنـه قـال "الإنسان لا يـرانى ويعيـش" (خر33: 20). فإذا أظهر ملء مجده لكان كل التلاميذ قد ماتوا.

وهنا نسأل متى يستطيع الإنسان أن يرى ملء مجد الله؟ إن ذلك يمكن أن يحدث عندما يلبس الإنسان جسد القيامة الروحانى الذى يدخل به الحياة الأبدية، فيقول "لأننا سنراه كما هو" (1يو3: 2). وعندما يقول يوحنا "ورأينا مجده مجداً كما لوحيدٍ من الآب مملوءًا نعمةً وحقاً" (يو1: 14) يتكلم عن نوع من المجد أو شعاع من المجد، أما ملء مجده فلا يستطيع إنسان أن يحتمل رؤيته إطلاقاً. وعندما قال له موسى "أرنى مجدك" (خر33: 18) قال لموسى "الإنسان لا يرانى ويعيش. وقال الرب هوذا عندى مكان، فتقف على الصخرة. ويكون متى اجتاز مجدى، أنى أضعك فى نقرة من الصخرة وأسترك بيدى حتى أجتاز. ثم أرفع يدى فتنظر ورائى وأما وجهى فلا يرى" (خر33: 20-23).

عندما كان شاول الطرسوسى ذاهباً إلى دمشق ظهر له السيد المسيح فى الطريق فى مجده فكانت النتيجة أنه قد أصيب بالعمى.. فقدان البصر هذا مرحلة من مراحل الموت. لذلك عندما اعتمد بمعمودية الخلاص نزل من عينيه شئ مثل القشور. أى قد خلق الله له قرنية جديدة بدل التى احترقت عندما رأى السيد المسيح بدرجة من المجد؛ فإذا زاد العيار قليلاً لكانت العين كلها والجمجمة وما داخل الجمجمة وكل كيانه الجسدى قد ضاع، أى لا يستمر فى الحياة. مثل شخص يتعرض لتيار كهربائى 12 فولت فمن الممكن أن يشعر بتنميل خفيف، أما إذا تعرض لـ 110 فولت فإنه يهتز ويرتعش جسده كله. وإذا استمر لمدة طويلة لابد أن يموت. أما إذا أمسك 220 فولت تكون الرعشة والصدمة أشد وخطر الموت أكبر. وإذا كان الضغط العالى 11 ألف فولت يموت فى نفس اللحظة. أما إذا كان 500 ألف فولت مثل كهرباء السد العالى فإذا مر الإنسان تحته فقط سوف يُصعق. فلابد أن توجد مسافة كافية بينه وبين السلك مسافة تكفى أنه يكون فى معزل عن الصعق إذا مر تحت السلك، ولذلك فإنه ممنوع أن تمر سلوك الضغط العالى فى مناطق بها مرتفعات وإلا لابد أن يحفروا تحتها لكى إذا مر شخص بجانبها لا يموت.

فمسألة تفسير شهود يهوه لآية "أبى أعظم منى" مسألة بها خداع. والآيات التى يستخدمونها عن السيد المسيح، يستخدمونها للإقلال من شأن السيد المسيح أو لإثبات أنه غير مساوى للآب فى الجوهر؛ هذه آيات قيلت من حيث تجسده وإنسانيته وإخلائه لنفسه، لكن لم تُقَل عنه من حيث ألوهيته؛ لأن لاهوته لم يتغير بسبب التجسد. فقد جعل ناسوته واحداً مع لاهوته بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير. فاتحاد اللاهوت بالناسوت لم يجعل الناسوت يتحول إلى لاهوت غير قابل للألم أو للموت، بل من الممكن أن يتألم عندما يُجلد، ويذوق الموت كما هو مكتوب "لكى يذوق بنعمة الله الموت لأجل كل واحد" (عب2: 9). فكونه قد مات، فقد مات بحسب الجسد، وكونه تألم فقد تألم بحسب الجسد ونقول فى صلاة الساعة التاسعة }يا من ذاق الموت بالجسد من أجلنا نحن الخطاة{ وفى نفس الوقت نصلى ونقول }قدوس الله قدوس القوى قدوس الحى الذى لا يموت الذى صلب عنا ارحمنا{ ونقصد بقولنا الحى الذى لا يموت؛ أى بحسب ألوهيته. لكنه قابل للموت بحسب إنسانيته، لأنه أتى لكى يموت ولكى يوفى الدين ولكى يصلب فداءً عن العالم كله.



" ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله " (مت19: 17)

يستخدمون شهود يهوه آية أخرى وردت فى حديث السيد المسيح مع الشاب الغنى "وإذا واحد تقدم وقال له: أيها المعلم الصالح أى صلاح أعمل لتكون لى الحياة الأبدية، فقال له: لماذا تدعونى صالحاً؟! ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله" (مت19: 16، 17) ومن هذه الآية يستخرجون دليلاً خاطئاً على أن السيد المسيح ليس هو الله وهذا خطأ لأنه "عظيم هو سر التقوى الله ظهر فى الجسد" (1تى3: 16) ولكنهم يرفضون هذه الآية، ولكن حتى إذا رفضوا هذه الآية فكثيراً جداً مما قيل عن السيد المسيح فى الكتاب المقدس يدل على أنه هو الله الكلمة المتجسد. ونرد على الاعتراض السابق بقولنا: لم يقل السيد المسيح لا تدعونى صالحاً، إنما قال لماذا تدعونى صالحاً؟! وكلمة لماذا؟ لا تعنى النفى، ولكن تعنى الاستفسار.. لكى يعرف هل هذا الشاب يدرك أنه هو الله المتجسد فيستمع إلى كلامه إذا قال له اذهب بع كل مالك؟ أم هو يقولها كما يكلّم أى معلم من معلمى اليهود مثل الكتبة والفريسيين ورؤساء الكهنة!!.

والدليل على إن السيد المسيح لا يرفض أن يُلقب بالمعلم الصالح:

v إنه قال عن نفسه "أنا هو الراعى الصالح والراعى الصالح يبذل نفسه عن الخراف" (يو10: 11) فمن يستطيع القول أن السيد المسيح ينفى عن نفسه الصلاح!!!

v وقد قال لليهود "من منكم يبكتنى على خطية؟!" (يو8: 46).

v بل إذا كان فى الدينونة الأبدية سيقول الرب للعبيد الذين صنعوا مشيئة الله وحفظوا وصاياه "نعمّا أيها العبد الصالح والأمين، كنت أميناً فى القليل فأقيمك على الكثير ادخل إلى فرح سيدك" (مت25 : 21) وقد جاءت كلمة "صالح" فى النص اليونانى بنفس التعبير فى الآيتين؛ قالها فى آيه العبد الصالح avgaqe. (وهذه حالة المنادى من كلمة avgaqo.j). وقالها فى آية "ليس أحد صالحاً" avgaqo.j فهل هناك تناقض بين القولين؟!!

لم يوجد فى ذلك الوقت أحد على الأرض كان من الممكن أن يلقب بالصالح إلا السيد المسيح فقط لأنه يقول:

² "الجميع زاغوا وفسدوا معاً ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد" (رو3: 12).

² من المعروف أن السيد المسيح هو الوحيد الذى بلا خطية "من منكم يبكتنى على خطية؟!" (يو8: 46).

² وأيضاً قال بولس الرسول "من ثمَّ كان ينبغى أن يشبه إخوته فى كل شىء" (عب2: 17) وفى رسالته إلى أهل رومية "وأما الآن فقد ظهر بر الله بدون الناموس مشهوداً له من الناموس والأنبياء. بر الله بالإيمان بيسوع المسيح إلى كل وعلى كل الذين يؤمنون لأنه لا فرق" (رو3: 21-22).

² وقال عن آدم "كأنما بإنسان واحد دخـلت الخـطية إلى العـالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع" (رو5: 12) وبعد أن أخطأ الجميع، مَن مِن الممكن أن يدعى صالحاً.

² وقال أيضاً "إن كان بخطية واحد مات الكثيرون فبالأولى كثيراً نعمة الله، والعطية بالنعمة التى بالإنسان الواحد يسوع المسيح قد ازدادت للكثيرين.. لأنه إن كان بخطية الواحد قد ملك الموت بالواحد، فبالأولى كثيراً الذين ينالون فيض النعمة وعطية البر سيملكون فى الحياة بالواحد يسوع المسيح. فإذا كما بخطية واحدة صار الحكم إلى جميع الناس للدينونة هكذا ببر واحد صارت الهبة إلى جميع الناس لتبرير الحياة. لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد جُعل الكثيرون خطاة هكذا أيضاً بإطاعة الواحد سيُجعل الكثيرون أبراراً" (رو5: 15- 19).

ومن هنا يتضح أن الوحيد الذى من الممكن أن ينسب إليه البر الكامل المطلق هو السيد المسيح، فلماذا يقول للعبد الأمين فى يوم الدينونة "نعمّا أيها العبد الصالح" (مت25: 21) مع إنه قال للشاب الغنى "ليس أحد صالحًا إلا واحد وهو الله" (مت19: 17)؟!، والتفسير لذلك أنه لن يقولها هنا فى الزمان الحاضر على الأرض. فعلى الأرض يقول "الجميع زاغوا وفسدوا معاً ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد" (رو3: 12)، ولكن عندما يكون الإنسان داخلاً إلى الحياة الأبدية، فهناك سيقال له نعمّا أيها العبد الصالح. يقول الكتاب"متبررين مجاناً بنعمته بالفداء الذى بيسوع المسيح" (رو3: 24). وأيضاً "طوبى للذين غفرت آثامهم وسترت خطاياهم. طوبى للرجل الذى لا يحسب له الرب خطية" (رو4: 7، 8) فالذى داخل إلى الأبدية قد اغتسل وتبرر ومُحيت خطاياه فيقول "قد محوت كغيم ذنوبك وكسحابة خطاياك" (إش44: 22).. فلأن خطاياه قد مُحيت، ففى دخولـه إلى الأبدية يسمع عبارة "العبد الصالح" فهذا عندما يتكلل الإنسان بالبر بعد إتمام جهاده. لكن هنا على الأرض وهو تحت الآلام لا يمكن أن يُقال على أى إنسان أنه صالح لأنه ليس أحد صالح إلا واحد وهو الله.. حتى ولو قيلت عن إنسان، لا تُقال قبل إتمام الفداء لأن الجميع كانوا تحت الدينونة، لا يوجد أحداً صالحاً إلا واحد وهو يسوع المسيح فقط، أقصى وضع من الممكن أن تُقال فيه لا يكون إلاّ بعد إتمام الفداء، نستطيع بعدها أن نقول هناك أناساً صالحين وأبرار فالمسألة نسبية.

لم نسمع كلمة "صالح" عن أى إنسان غير السيد المسيح إلا بعد أن يتكلل البشر بالبر كالقديسين الغالبين فيقول لهم "نعمّا أيها العبد الصالح والأمين، كنت أميناً فى القليل فأقيمك على الكثير اُدخل إلى فرح سيدك" (مت25: 21).

ونحن نعلم أنه لا يوجد أحد صالح بين البشر جميعاً بمعنى الصلاح الكامل إلا السيد المسيح "ليس أحد صالحاً إلاّ واحد وهو الله" (مت19: 17) إذن هذه الآية تثبت أن السيد المسيح هو الله.. ومثال لذلك إذا قابل شخص طبيباً لم يكن قد رآه من قبل ولا يعرفه وقال له ما حالك يا دكتور وهنا يسأله الطبيب لماذا تقول لى يا دكتور؟ بمعنى كيف عرفت إنى طبيب؟ وهل تقـولها على سبيـل المجامـلة، أم أنك تعـلم إنى طبيب فعلاً؟ فالسيد المسيح قد سأله "لماذا تدعونى" لم يقل " لا تدعونى".



ثالثاً: شهود يهوه ينكرون الروح القدس

كما أن شهود يهوه ينكرون ألوهية السيد المسيح، ينكرون الروح القدس، وفى إنكارهم للسيد المسيح ينكرون الرب الذى اشتراهم. وفى إنكارهم للروح القدس ينكرون أن الروح القدس هو أقنوم أو هو أحد الأقانيم الثلاثة أو أنه هو الله ويعتبرون أن الروح القدس مجرد قوة صادرة من الله. ولذلك فى ترجمتهم المشهورة للكتاب المقدس New World Bible Translation أى "ترجمة الكتاب المقدس للعالم الجديد" يترجمون ما ورد فى سفر التكوين "وكانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه" (تك1: 2) يترجمونها "وقوة الله ترف على وجه المياه" وفى النص الإنجليزى الخاص بهم Power of God. فإذا رجعنا إلى الأصل العبرى فى سفر التكوين "رواح ألوهيم ~yhil{a/ x;Wrw" أى "روح الله"، وأما كلمة قوة فى اللغة العبرية " h;k{ كُوَاح" تُكتب كاف بالعبرى، فحرف الكاف k الذى يجئ فى كلمة "قوة h;k{" مختلف عن حرف الراء r الذى جاء فى كلمة "روح x;Wr" فى اللغة العبرية اختلافاً واضحاً. فالنص الأصلى للكتاب المقدس هو "روح الله" وليس "قوة الله" كما يدّعون، فهم قاموا بتغيير النص حسب احتياجهم وكثيراً ما يحدث هذا منهم فى أجزاء كثيرة من الكتاب المقدس ولا نعتمد على الترجمة التى قاموا بها.



إثبات أقنومية الروح القدس وألوهيته

إثبات أقنومية الروح القدس وألوهيته له أدلة كثيرة جداً وقال عنه السيد المسيح "روح الحق الذى من عند الآب ينبثق" (يو15: 26)، والروح القدس نفسه تكلم وقال: "افرِزوا لى برنابا وشاول" (أع13: 2) وعندما كذب حنانيا على بطرس الرسول؛ قال له "يا حنانيا لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس وتختلس من ثمن الحقل؟! أليس وهو باقٍ كان يبقى لك، ولما بيع ألم يكن فى سلطانك؟! فما بالك وضعت فى قلبك هذا الأمر؟! أنت لم تكذب على الناس بل على الله" (أع5: 3، 4). فهنا قال له: إنك كذبت على الروح القدس، وكررها قائلاً: أنت كذبت على الله. فمعنى ذلك أن معلمنا بطرس اعتبر أن حنانيا كذب على الروح القدس الذى هو الله.

وموضـوع أقـنومية الـروح القـدس وإثبات ألوهيـته مـن المـمكن أن نتحدث عنه فى شـريط خاص يخصص لهذا الموضوع. كما أن موضوع إثبات ألوهية السـيد المسـيح مـن الكتاب المقـدس يمكننا أن نخصص له شريطاً آخر وإن كنا قد تكلمنا عنه فى الشريط الأول، فى حديثنا عن التجسد والفداء والثالوث القدوس.



رابعاً: يعتقدون أن الملائكة يتزوجون البشر

يعتقدون أن الملائـكة يتزوجون البشـر، ويعتمدون على ما ورد فى سفر التكوين "وحدث لما ابتدأ الناس يكثرون على الأرض وولد لهم بنات. أن أبناء الله رأوا بنات الناس أنهن حسنات فاتخذوا لأنفسهم نساء من كل ما اختاروا.. وبعد ذلك أيضاً إذ دخـل بنو الله على بنات الناس وولدن لهم أولادًا هؤلاء هم الجبابرة الذين منذ الدهر ذوو اسم" (تك6: 1-4) ثم بعد ذلك أتى الطوفان.. فيفسرون أن أبناء الله هم الملائكة وبنات الناس هم البشر وطبعاً هذا تفسير خاطئ جداً. لكن المقصود بأبناء الله هم نسل شيث القديسين، وبنات الناس هم نسل قايين، ولم يُرِد الله أن يختلط نسل شيث القديس ببنات قايين الذى قتل أخاه وقد قال الله له "ماذا فعلت صوت دم أخيك صارخ إلىّ من الأرض. فالآن ملعون أنت من الأرض التى فتحت فاها لتقبل دم أخيك من يدك" (تك4: 10، 11) فكلمة الله له "ملعون أنت" تكفى لتوضيح أنه لم يـعد يوصف من أبناء الله، بل نزعت عنه هذه الصفة مثل الشيطان قبل السقوط كان يعتبر من الملائكة وكان يعتبر من أبناء الله لكن منذ ساعة سقوطه لعنه الله ونزعت عنه هذه الصفة.

قالوا إن الملائكة نظروا إلى النـساء أثناء استحمامهم وتزوجوهم نتيجة الشهوة الجنسية، وقد وضعوا صورة مرسومة من خيالهم الخاص فى كتبهم توضح ذلك، فهذا هو نوع من الانحراف فى التفكير لأن السيد المسيح قال بصريح العبارة إن الملائكة لا يزوجون ولا يتزوجون وذلك فى حديثه عن أبناء القيامة "لأنهم فى القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون بل يكونون كملائكة الله فى السماء" (مت22: 30).



خامساً: يعتبرون أن الحكومات من الشيطان

من ضمن أخطاء شهود يهوه؛ يعتبرون الحكومات هى من الشيطان وأصدروا كتباً بهذا الكلام. يقول معلمنا بولس الرسول لأهل رومية "لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة لأنه ليس سلطان إلا من الله. والسلاطين الكائنة هى مرتبة من الله. حتى إن من يـقاوم السـلطان يقاوم تـرتـيـب الله والمقـاومـون سـيـأخــذون لأنفسـهـم ديـنـونـة" (رو13: 1، 2) وبهذا سيأخذ شهود يهوه لأنـفسـهم دينونة لأنهم ضد جميع الحكومات. وفى هذا مخالفة صريحة عن تعاليم الكتاب المقدس.

بالطبع ينبغى أن يُطاع الله أكثر من الناس (أع5: 29)، أى أنه إذا أمرنى السلطان بشئ يخالف وصايا الله، فلست مطالباً أن أخضع له. لكن إذا لم يوجد أوامر لعصيان أوامر الرب، إذن يجب أن يكون هنـاك خـضـوع للسـلاطـين؛ بغـض النـظر إذا كـان السـلطان مسيحياً أو أياً كانت ديانته.

يحرم شـهود يـهوه تحية العـلم للدولة ويعتبرونها عبادة وثنية. وهذا فى نفس خط معارضة الحكومات.



سادساً: يحرمون نقل الدم

وأيضاً يحرم شـهود يهوه نقل الدم لدرجة أنه أُقيمت قضايا لآباء وأمهات فى أمريكا رفضـوا نقل دم لأولادهم الذين حدثت لهم حوادث. وقد تابعت شخصياً إجراءات محاكمة لأسرة أمريكية رفضت أن تنقل الدم لابنتهم كانت قد حدثت لها حادثة، وكانت النتيجة أن البنت ماتت لنقص الدم بسبب النزيف.. ولهذا السبب تصدر ضدهم أحكام فى المحاكم.

تحريم نقل الدم جاء من فكرة أن الله حرم أكل الدم فقال "غير أن لحماً بحياته، دمه، لا تأكلوه" (تك9: 4) والعهد الجديد أيضاً قال "أن تمتنعوا عما ذبح للأصنام وعن الدم والمخنوق والزنا" (أع15: 29) فالدم مُحرم فى العهد القديم وفى العهد الجديد. ولكن المقصود هنا أن الإنسان لا يأكل الذبيحة بدون أن تصفى دمها على الأرض. وهناك فرق كبير جـداً بين شخص يأكل سجق معمول من الدم مثل محلات السوبر ماركت فى أوروبا -هذه طبعاً خطية- وبين شخص آخر يأخذ نقل دم لإنقاذ حياته.

ويحرمون أيـضاً نـقل الأعضاء وزرع الأعضاء وبهذه الطريقة من الممكن أن أشخاصاً كثيرين يموتون بسبب ذلك. وهذه مسألة غير مقبولة إطلاقاً لأن الله لم يحرّم إنقاذ حياة الإنسان، ولكنه حرّم أن تدفع الشهوة الإنسان إلى أكل الدم.. وأيضاً لكى نكون مهيأين فى العهد الجديد أن نأخذ الحياة من دم السيد المسيح وليس من حياة حيوان لأن نفس الحيوان هى دمه، فلهذا معنى روحى فى التناول من جسد الرب ودمه.



سابعاً: يعتبرون تكريم الأيقونات وتقبيل الصليب والقداس الإلهى عبادة وثنية

يعتبر شهود يهوه أن تكريم الأيقونات وتقبيل الصليب والقداس الإلهى عبادة وثنية أى أن اعترافنا بأن الخبز والخمر هما جسد السيد المسيح الحقيقى ودمه الحقيقى هذه عبادة وثنية. وتكريم الأيقونات والسجود أمام الهيكل عبادة وثنية، يقول المزمور "أما أنا فبكثرة رحمتك أدخل بيتك وأسجد قدام هيكل قدسك بمخافتك" (مز5: 7) فهل حَول هذا المزمور عبادة وثنية؟!! يعتبرون كل شئ فى الكنيسة حتى تقبيل الصليب عبادة وثنية.

يقولون أن الكنيسة بيت للشيطان. ويحرمون دخول الكنائس على أتباعهم. وهذا ما يحدث فى مصر الآن. مثال لذلك إذا استطاعوا أن يأخذوا أحد الأشخاص من أسرته ليكون من أتباعهم، وكان إكليل شقيقه أو شقيقته أو ابن عمه أو بنت خالته أو أى قريب، يأتـى هو ويقف خارج الكنيسة فى الشارع، ولا يدخل من باب الكنيسة الخارجى. وينتظر حتى يخرج العروسان مـن الكنيسة لكى يقول لهم مبروك.. هذا شئ صعب جداً‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!!



ثامناً: لهم اجتماعات سرية وتمويل مشبوه

يســتخدم شـهود يـهوه المـال، ويحاولون إغـراء النـاس بالمادة وبالممتلكات التى من الممكن أن يعطوها لهم ويرسلون أشخاصاً مستأجرون يعتبرونهم المبشرين؛ فى ثنائيات رجل وامرأة يترددون على البيوت ويخدعون الناس ويقولون لهم إننا قد جئنا نقرأ معاً فى الكتاب المقدس عندكم هل هناك مانع؟ يبدءون بالطبعة البيروتية العربى المنتشرة هنا فى مصر وليس الترجمة الخاصة بهم. ويقولون نبتدئ نقرأ فى الإصحاح الفلانى الآية الفلانية ويخرجون آيات مثل التى تقول "لماذا تدعونى صالحاً" (مت19: 17، مر10: 18، لو18: 19) ويعتبرونها كأن السيد المسيح قال لا تدعونى صالحاً وهكذا كما شرحنا من قبل ويشككون الناس فى كثير من العقائد بطريقة خبيثة بالتدريج.



تاسعاً: خطورة استخدام الآية الواحدة

خـطورة استـخدام الآيـة الواحدة مثل "أبى أعظم منى" (يو14: 28) ولكن للرد عليهم نقول أن السيد المسيح قد خاطب الآب فى ليلة آلامه، وكما كتب القديس يوحنا فى إنجيله؛ قال السيد المسيح: "والآن مجدنى أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذى كان لى عندك قبل كون العالم" (يو17: 5). وهذا يعنى أن السيد المسيح باعتباره الابن الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور قد أخلى ذاتـه آخذاً صورة عبد حينما تجسد من السيدة العذراء بفعل الروح القدس وأخفى مجده المنظور حينما وجد فى الهيئة كإنسان. ولكنه بعدما صنع الفداء بتقديم نفسه ذبيحة وكفارة على الصليب من أجل خلاصنا فإنه قد قام من الأموات وصعد إلى السماوات وهناك إذ رُفع فى المجد، فقد أحاط به المجد المساوى لمجد الآب بعدما أكمل عمل الفداء ولم يعد هناك داعٍ لإخفاء مجده المنظور. هذا المجد هو الذى سوف يجيء فيه فى مجيئه الثانى وهو الذى سوف يراه القديسون فى ملكوت السماوات. وآيات أخرى كثيرة تثبت ألوهية السيد المسيح مثل قول السيد المسيح "وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذى نزل من السماء ابن الإنسان الذى هو فى السماء" (يو3: 13). وأيضاً "لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمى فهناك أكون فى وسطهم" (مت18: 20). فالسيد المسيح من الممكن أن يوجد فى كل مكان، يقول "ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر، آمين" (مت28: 20) وهذه الآيات تعنى أن السيد المسيح موجود فى السماء وعلى الأرض وفى كل مكان وكل زمان.

فاستخدام شهود يهوه لآيات معينة تبين خطورة استخدام الآيـة الواحــدة وهـذا يبـين أن الإنســان يحتــاج أن يــقرأ الكتـاب المقـدس قراءة مسـتفيضة، مُلِماً بكل ما ورد فيـه من آيات لكى لا يسقط فى حيل وخداع هؤلاء الأشرار المبتدعين.



عاشراً: اعتقاد شهود يهوه بالنسبة للقيامة

مـن ضـمن العـقائــد التى يـبتـدعـهـا شـهود يـهوه؛ أن السيد المسيح عندما قام من الأموات لم يقم بجسـده الذى صُلب به على الصليب، لكنه قام كمخلوق روحى بصورة ممجدة، أما الجسد الذى صُلب إمّا أن يكون قد تحول إلى غازات وانتهى، وإمّا أن يكون الله قد أخفاه عن الأعين فى مكان لا يعلم به أحد كتذكار لعمله الفدائى الذى قام به عندما صُلب.

يؤمنون بموت الروح مع الجسد لذلك يعتقـدون فى قيامة الرب من الأموات، أن الله قد خلق للسـيد المسـيح روحاً بوضع ممجد وهذا هو ما قام به، ويستدلون على ذلك بأن هيئته قد تغيرت بعد القيامة.

ولكننا نرد على ذلك بأن السيـد المسيح هيئته قد تغيرت قبل ذلك على جبل التجلى، وعندما حاول اليهود مرة أن يرجموه يقول الكتاب "فرفعوا حجارة ليرجموه أما يسوع فاختفى وخرج من الهيكل مجتازًا فى وسطهم ومضى هكذا" (يو8: 59). أى أنه قد مر فى وسطهم دون أن يروه فالمسألة لم تكن بعد القيامة فقط. كذلك مشى السيد المسيح على المياه بصورة معجزية وأيضاً فى قصة تلميذى عمواس ظهر لهما بهيئة أخرى ويقول "ولكن أمسكت أعينهما عن معرفته" (لو24: 16) وهنا نرى أن أعينهم هى التى لم تستطع أن تعرفه وليس شكله هو الذى قد تغير.

أما عن إثبات أن السيد المسيح قام من الأموات، فإن هذا واضح فى الإنجيل المقدس كما هو مكتوب "جاء يـسوع ووقف فى الوسط وقال لهم: "سلام لكم". ولما قال هـذا أراهم يديه وجنبه ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب" (يو20: 19، 20)، وقال لهم "انظروا يدى ورجلى إنى أنا هو جسونى وانظروا فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لى" (لو24: 39) فحاشا أن يخادع السيد المسيح. بل وفى حديثه إلى توما "قال لتوما هات إصبعك إلى هنا وأبصر يدىَّ، وهات يـدك وضـعها فى جـنـبى ولا تـكـن غـير مـؤمـنٍ بل مـؤمناً" (يو20: 27).

حتى فى أيام القديس بولس الرسول كان هناك أشـخاص ينكرون القيامة لذلك قال فى رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس "ولكن إن كان المسيح يُكرز به أنه قام من الأموات فكيف يقول قوم بينكم إن ليس قيامة أموات. فإن لم تكن قيامة أموات فلا يكون المسيح قد قام. وإن لم يكن المسيح قد قام؛ فباطلة كرازتنا وباطل أيضاً إيمانكم. ونوجد نحن أيضاً شهود زور لله لأننا شهدنا من جهة الله أنه أقام المسـيح وهو لم يقمه إن كان الموتى لا يقومون. لأنه إن كان الموتى لا يقومون فلا يكون المسيح قد قام. وإن لم يكن المسيح قد قام فباطل إيمانكم أنتم بعد فى خطاياكم. إذاً الذين رقدوا فى المسيح أيضاً هلكوا. إن كان لنا فى هذه الحياة فقط رجاء فى المسيح فإننا أشقى جميع الناس. ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين" (1كو15: 12-20). فالقيامة هى أحد الأركان الأساسية فى الديانة المسيحية فعن مجيئه الثانى الممجد قال السيد المسيح "وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان فى السماء. وحينئذ تنوح جميع قبائل الأرض ويبصرون ابن الإنسان آتياً على سحاب السماء بقوة ومجد كثير" (مت24: 30)، وفى سفر الرؤيا قيل عنه "هوذا يأتى مع السحاب وستنظره كل عين والذين طعنوه. وينوح عليه جميع قبائل الأرض. نعم آمين" (رؤ1: 7). وفى نبوة زكريا يقول "فينظرون إلىَّ، الذى طعنوه، وينوحون عليه كنائح على وحيدٍ له، ويكونون فى مرارة عليه كمن هو فى مرارة على بكره" (زك12: 10).

فكيف نربط بين الطعنة وجسد القيامة وآثار المسامير إذا لم يكن نفس الجسد الذى صُلب هو الذى قام؟!! فمسألة إنكار قيامة السيد المسيح بحسب الجسد تقلب الإيمان كله. وهذه النقطة فقط تكفى بحسب الأسفار المقدسة والتعاليم الرسولية لإثبات أن شهود يهوه يقلبون الإيمان كله "وإن لم يكن المسيح قد قام، فباطلة كرازتنا وباطل أيضاً إيمانكم" (1كو15: 14).

لقد خرجت المسيحية تكرز بالقيامة، فعندما أراد التلاميذ أن يختاروا واحداً بدلاً من يهوذا الإسخريوطى قالوا "يصير واحدٌ منهم شاهداً معنا بقيامته" (أع1: 22). وقد قال السيد المسيح "لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لى شهوداً فى أورشليم وفى كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض" (أع1: 8) فأهم شهادة هى الشهادة للقيامة. فشهود يهوه المزعومون لا يشهدون أن الرب هو الذى اشتراهم ولا يشهدون لقيامته من الأمـوات فعندما يقولون نحن شهود يهوه نقول لهم أنتم لستم شهود يهوه، هذا كذب واضح. الذى يريد أن يكون شاهداً ليهوه هو من يشهد أن المسيح هو يهوه الذى اشترانا بدمه، وأنه هو الذى مات على الصليب بحسب الجسد وقام من الأموات فى اليوم الثالث كما فى الكتب.

نحن نعيش فى الكنيسة ونتمتع بخبرة موت السيد المسيح وقيامته عندما نقول فى القداس الإلهى }بموتك يارب نبشر وبقيامتك المقدسة وصعودك إلى السموات نعترف{ ويهتف الشعب كله فى هذه الصلاة. وقد قال بولس الرسول "فإنكم كلما أكلتم هذا الخبز، وشربتم هذه الكأس، تخبرون بموت الرب إلى أن يجيء" (1كو11: 26)، ويقول الكتاب "لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه متشبهاً بموته" (فى3: 10).

فحـياتـنا مـع المسـيح بدون القيامة لا يكون لها أى معنى، وهذه هى الحياة التى خرجت المسيحية تكرز بها، فلم تخرج المسيحية لتكرز بموت بلا قيامة. فإذا كان المسيح قد مات ولم يقم من الأموات، تكون كارثة. ولأنهم يعلمون أن قيامة السيد المسيح من الأموات هى من البراهين القوية على ألوهيته، لـذلك فهم ينكرون القيامة.. يقول معلمنا بولس الرسول "وتعين ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات يسوع المسيح ربنا" (رو1: 4). القيامة هى موضوع فرح القديسين وتهليل الأبرار وهى رجاء الحياة الأبدية.



حادى عشر: تحديد موعد مجيء الرب

ادّعـى مؤسـس بـدعـة شـهود يـهوه أن السـيد المسـيح سوف يأتى فى مجيئه الثانى عام 1914 ميلادية. وبالطبع افتضح كذبه حينما مرت سنة 1914م ولم يحدث المجيء الثانى. وكان هذا الأمر قد حدث له أمر مماثل فى العصر الرسولى حينما ادّعى هيمينايس وفيليتس أن القيامة قد صارت، بينما كان البشر يعيشون حياتهم العادية والمؤمنون ينتظرون قيامة الأموات وحياة الدهر الآتى. وكتب معلمنا بولس الرسول إلى تلميذه الأسقف تيموثاوس يحذر من هذه البدعة فقال "وأما الأقوال الباطلة الدنسة فاجتنبها لأنهم يتقدمون إلى أكثر فجور. وكلمتهم ترعى كآكلة. الذين منهم هيمينايس وفيليتس اللذان زاغا عن الحق قائلين: إن القيامة قد صارت، فيقلبان إيمان قوم" (2تى2: 16- 18).

فمن الواضـح أن شـهود يـهوه يـقلبون الإيمان حينما يـقولون أنـه فى سنة 1914 قد جاء السيد المسيح فى مجيئه الثانى كما تنبأ مؤسـسـهم شـالز تاز رصل. وبهذا يشـوهون ويـقلبون إيمان قوم وكلمتهم ترعى كآكلة.



خاتمة

لذلك فليحذر شعبنا مـن ضلالة شـهود يهوه المزيفين وليثبتوا فى الإيمان الأرثوذكسى المستقيم لأن "أساس الله الراسخ قد ثبت إذ له هذا الختم. يعلم الرب الذين هم لـه. وليتجنب الإثم كل من يسمى اسم المسيح" (2تى2: 19).

[*] ) نحن لا نوافق على القسم فى المحكمة. والقانون المصرى يسمح أن الذى ديانته تمنع القسم، يطلب إعفائه من القسم.

ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين
 

philanthropist

أميرة الورد
عضو مبارك
إنضم
30 يوليو 2013
المشاركات
1,239
مستوى التفاعل
161
النقاط
0
الإقامة
القصر الملكى السماوى قصر الملك يسوع المسيح
9- الرد على هجوم الأدفنتست على السيد المسيح



لقد تكلمنا فى الجزء الخامس من سلسلة كتيبات تبسيط الإيمان عن الأدفنتست السبتيين، ونريد أن نكمل حديثنا الآن عنهم وذلك بسبب أن جلال دوس صاحب شركة Family foods فاملى فودز أو Family nutrition فاملى نيوتريشن[1]، وأيضاً شركة آفون لمستحضرات التجميل يقوم بحملة شديدة ضد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فى مصر وباقى الكنائس الأخرى للطوائف الموجودة فى مصر.. كما يقوم بتوزيع منشوراته ومطبوعاته ومن أمثلتها نبذة عنوانها "الإنذار الأخير للكرة الأرضية" وأشياء عجيبة لم نعتدها من قبل.

يقوم بتوزيع تقويم (أى نتيجة) قبيل بداية كل عام منذ عام 2002م تحمل تعاليم خاصة بالأدفنتست، مطبوعة طباعة فاخرة، يرسلها مجاناً بالبريد لكثير من شعبنا إلى منازلهم.. حصل على بعض العناوين من برنامج للكمبيوتر اسمه Easy call "إيزى كول".. إحدى النتائج اسمها "الوصية المهملة"، والثانية اسمها "مشتهى كل الأمم" وكتب على الغلاف الخارجى "لسنا شهود يهوه ولا ننتمى لأى طائفة"..



جلال دوس والأدفنتست

بالطبع هو ليس من شهود يهوه، فهو أدفنتستى، ولكن لابد أن نتذكر ما كتبناه فى الجزء السادس من سلسلة كتيبات تبسيط الإيمان عن شهود يهوه؛ أن تشارلز راصل مؤسس بدعة شهود يهوه قد انضم أولاً إلى الأدفنتست ثم أسس بدعة شهود يهوه.. فهناك علاقة جذرية تربط بين الطائفتين، بل وتوجد عقائد كثيرة مشتركة بينهما ومنها: تقديس يوم السبت مثل اليهود، وعدم الإيمان بخلود الروح الإنسانية مثل شيعة الصدوقيين من اليهود. كما أن هناك الكثير من العقائد اليهودية مشتركة بين الأدفنتست وشهود يهوه. ويشترك الأدفنتست وشهود يهوه أيضاً فى الاعتقاد بأن السيد المسيح هو الملاك ميخائيل وبأنه معرَّض للسقوط فى الخطية مثل سائر البشر، وفى إنكار شفاعة القديسين ورفض أسرار الكنائس التقليدية كإنكار سر الإفخارستيا وسر الكهنوت وباقى الأسرار الإلهية التى تمارسها الكنيسة.

نحن لا نعلم من الذى يقود جلال دوس، فهو يقول "لا ننتمى لأى طائفة" ولا يمارس نشاطه داخل كنيسة الأدفنتست الموجودة فى ميدان رمسيس فى القاهرة، بل يمارسه فى المصانع الخاصة به وفى الفيلات التى يمتلكها. فهو بالفعل له نشاطه الخاص ويبدو أن هناك شيئاً من التنافس بينه وبين كنيسة الأدفنتست. ولكن الدليل أن جلال دوس ينتمى إلى طائفة الأدفنتست –رغم إنه يدّعى ويقول "لا ننتمى لأى طائفة"- إنه يقوم بتوزيع نفس الكتب التى تطبعها طائفة الأدفنتست..



مراسلات ومطبوعات جلال دوس

كل مراسلات جلال دوس هى لغرض إرسال كتب الأدفنتست مثل: الصراع العظيم، مشتهى الأجيال، خدمة الشفاء، الآباء والأنبياء، وأعمال الرسل.. وفى نفس الوقت نرى أسماء هذه الكتب مكتوبة على صفحة 267 فى كتاب "نبية الأيام الأخيرة" الذى طبعته كنيسة الأدفنتست السبتيين بمصر؛ مكتوب بأعلى الصفحة: [ قائمة بأسماء الكتب المترجمة إلى العربية للسيدة إلن ج. هوايت: الصراع العظيم، مشتهى الأجيال، خدمة الشفاء، طريق الحياة، الآباء والأنبياء ، أعمال الرسل ].

ومكتوب أيضاً على نفس الصفحة عنوان المراسلة للحصول على هذه الكتب من كنيسة السبتيين.

أما فى كتابه أو كتيبه "من هو ميخائيل رئيس الملائكة" بقلم جلال دوس؛ كتب فى نهاية الكتاب عنوان المراسلة له، وكتب نفس هذا العنوان فى آخر صفحة لكتاب "مشتهى الأجيال" للأدفنتست بقلم إيلين هوايت.

ويراسل ويكتب هكذا: عزيزى القارئ إذا أردت الحصول مجاناً على أى من الكتب التالية من تأليف السيدة إيلين هوايت:

الصراع العظيم، مشتهى الأجيال، الآباء والأنبياء، أعمال الرسل، خدمة الشفاء.

ومطبوعات هامة أخرى: هوذا يأتى، الإنذار الأخير للكرة الأرضية، قانون وجوب حفظ يوم الأحد (وهو بالطبع ضد حفظ الأحد)، استجواب كنيسة روما لَحَفَظة يوم الأحد، بابل العظيمة، منشأ حفظ يوم الأحد، نبية الأيام الأخيرة..

ثم يكتب: يرجى المراسلة على هذه العناوين، ويكتب عنوانه..

وهناك مطبوعات أخرى مكتوبة على الصفحة الأخيرة من كتيبه أو نبذته "من هو ميخائيل رئيس الملائكة" وهو يعتقد -مثل الأدفنتست- أن الملاك ميخائيل هو السيد المسيح.

فمن واقع كتاباته ومنشوراته التى يقوم بتوزيعها لا يستطيع أن ينكر أنه يعتقد بعقيدة الأدفنتست السبتيين.. ولهذا فإنه نوع من الخداع عندما يكتب على غلاف التقويم الفاخر الذى يطبعه "لسنا شهود يهوه ولا ننتمى لأى طائفة" فهو أدفنتستى إلى النخاع..



اجتماعات جلال دوس

يعمل على محاولة فرض عقيدته بطرق متعددة على العاملين لديه فى المصانع[2].. يخصص لهم دورات تدريبية، وعظات، واجتماعات.. ويمنح الحوافز والمراكز والمناصب الكبيرة لمن يحضر اجتماعاته.. أما من يرفض حضور هذه الاجتماعات، يقوم باضطهاده وحرمانه من المميزات التى يحصل عليها الآخرون التابعون لعقيدته.. هذا بالطبع شئ غير لائق أن يستغل مكان العمل لتدريس عقائد ضد عقائد الكنيسة الأرثوذكسية لأناس أصلاً أرثوذكس من قبل أن يلتحقوا لديه بالمصانع..

لذلك نحن لا نحب أن يتعامل شعبنا القبطى الأرثوذكسى مع منتجات شركة فاملى فودز، ولا مع شركة آفون. وإن قام جلال دوس بفصل العمال والمهندسين الأقباط الأرثوذكس من مصانعه، فكثير من رجال الأعمال الأرثوذكس فى كل مكان على استعداد لتعيين من يُفصل من هذه المصانع بواسطة الكنيسة.. نحن غير قلقين أن يُفصل أولادنا من مصانعه، بل على العكس نحن نقلق عليهم إن استمروا معه، ومن الجانب الآخر فإنه لا يستطيع الاستغناء عنهم بسبب إمكانياتهم الفنية؛ فمن الصعوبة أن يستغنى عنهم. كما أن البعض منهم قد قام بتهديده بتقديم شكوى ضده فى مكتب العمل إذا حاول فصلهم. ولذلك فإنه بعد أن وزّع عليهم ورق استقالة ليقوموا بإمضائه، خاف وأحجم وجمع كل ورق الاستقالة مرة أخرى ولم يجعلهم يقومون بإمضائه.

فنحن الأقباط الأرثوذكس قد واجهنا منشورات بملايين الجنيهات أو الدولارات.. فما هو مصدر هذا التمويل؟!! كانت منتجات شركاته قد انتشرت بصورة كبيرة.. وربما يعمل بعض المأكولات الصيامية ليقوم بإغراء الأقباط أن يشتروا منه، ولكن شعبنا فى استغناء عن هذه المأكولات وعن التعامل مع هذه الشخصية ومنتجاته بجميع فروعها وأنواعها، فهناك الكثير من البدائل التى تُغنى عن منتجاته.



خطورة تعليم جلال دوس

نحن غير منزعجين على الإيمان الأرثوذكسى فقط من حملة جلال دوس وعقائد الأدفنتست عموماً، بل منزعجون أيضاً على الإيمان بالله نفسه كخالق.. منزعجون على الإيمان بالمسيح.. منزعجون من الهجوم على شخصية السيد المسيح بطريقة عنيفة لا يمكن لأى ضمير مسيحى أن يقبلها.. كما أننا منزعجون من الاتجاه اليهودى الموجود فى تعاليم الأدفنتست.. هذا أمر خطير لا نستطيع أن نتجاهله..

نحن فى مقاومتنا للبدع والهرطقات؛ نستخدم الكتاب المقدس كحَكَمْ بيننا وبين مَن يدّعون أنهم مسيحيون أمثال الأدفنتست وشهود يهوه وهم ليسوا كذلك.



الرد على كتاب عقائد المجيئيين أصحاب اليوم السابع

هذا الكتاب يتكلم عن عقائد الأدفنتست وهو أهم كتاب للـ 27 عقيدة الرئيسية لهم، صدر عن المؤتمر العام للأدفنتست وطُبع فى مايو سنة 1988 فى الولايات المتحدة الأمريكية[3] ولدينا نسخة أو أكثر من هذا الكتاب.

يقولون فيه [ حينما أخذ المسيح الطبيعة البشرية الحاملة لعواقب الخطية، صار خاضعاً للعجز والضعفات التى يختبرها الكل ] بمعنى أنهم يقولون إن السيد المسيح كان مثل أى إنسان من الممكن أن يخطئ!! وكرروا هذا الكلام فى نفس الكتاب وقالوا [التجارب وإمكانية الخطية كانت حقيقية فى السيد المسيح. وإن لم يكن ممكناً أن يخطئ؛ لما كان إنساناً أو على شبهنا ].. مبدئياً نرد على هذه النقطة لأنها شئ خطير يرفضه الضمير المسيحى، وليس المسيحيون فقط؛ بل حتى كل المصريين لا يقبلون هذا المفهوم.. وسنورد آيات من الكتاب المقدس لإثبات إنه لم يكن لديه مجرد الميل للخطية..



لم يكن لديه مجرد الميل للخطية للأسباب الآتية :

1) بلا خطية

ذُكِر فى الكتاب المقدس إنه يشبه إخوته فى كل شئ بلا خطية "من ثم كان ينبغى أن يشبه إخوته فى كل شئ لكى يكون رحيماً ورئيس كهنة أميناً فى ما لله حتى يكفِّر خطايا الشعب" (عب2: 17)، "لأن ليس لنا رئيس كهنة غير قادر أن يرثى لضعفاتنا، بل مجرب فى كل شئ مثلنا بلا خطية" (عب4: 15). ونحن نقول للسيد المسيح فى القداس الإلهى {شابهتنا فى كل شئ ما خلا الخطيئة وحدها}..



2) نظير القدوس الذى دعاكم

يقول معلمنا بطرس الرسول فى رسالته الأولى الأصحاح الأول ابتداءً من الآية 15 "نظير القدوس الذى دعاكم كونوا أنتم أيضاً قديسين فى كل سيرة. لأنه مكتوب كونوا قديسين لأنى أنا قدوس" (1بط1: 15، 16) أى مطلوب أن نحيا قديسين؛ نسلك فى القداسة "القداسة التى بدونها لن يرى أحد الرب" (عب12: 14).

حتى وإن قال الأدفنتست إنه لم يخطئ؛ لكن مجرد قولهم بوجود الميل الطبيعى نحو الخطية وإن إمكانية الخطية حاضرة بالنسبة له، أو إنه ورث خطية آدم؛ هذا فى حد ذاته لا يؤهله أن يكون فادياً ولا أن يُدعى "قدوس القدوسين" كما ورد فى سفر دانيال النبى عن السيد المسيح (دا 9: 24)..



3) بدم كريم بلا دنس

يقول معلمنا بطرس الرسول "نظير القدوس الذى دعاكم كونوا أنتم أيضاً قديسين فى كل سيرة. لأنه مكتوب كونوا قديسين لأنى أنا قدوس" (1بط1: 15، 16) ولقد قال الرب هذه العبارة فى العهد القديم وسُجلت فى التوارة فى أسفار موسى الخمسة "وتكونون قديسين لأنى أنا قدوس" (لا11: 44) وقد اقتبسها بطرس الرسول وطبقها على السيد المسيح فى رسالته الأولى (1بط1: 15، 16).. ويقول فى نفس الأصحاح الأول من رسالته الأولى ابتداءً من الآية 18 "عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب من سيرتكم الباطلة التى تقلدتموها من الآباء. بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح معروفاً سابقاً قبل تأسيس العالم. ولكن قد أُظهر فى الأزمنة الأخيرة من أجلكم. أنتم الذين به تؤمنون بالله الذى أقامه من الأموات وأعطاه مجداً حتى إن إيمانكم ورجاءكم هما فى الله. طهِّروا نفوسكم فى طاعة الحق بالروح للمحبة الأخوية العديمة الرياء. فأحِبّوا بعضكم بعضاً من قلب طاهر بشدة. مولودين ثانية لا من زرع يفنى، بل مما لا يفنى بكلمة الله الحية الباقية إلى الأبد" (1بط1: 18-23).. فعندما يتكلم عن السيد المسيح كفادٍ؛ كيف يكون الفادى نفسه لديه الميل الطبيعى للخطية؟!!

إذاً المنطلق الأساسى أن دم المسيح الذى افتدينا به هو دم القدوس الذى قال عنه الملاك للعذراء مريم عندما بشرها "الروح القدس يحل عليك وقوة العلى تظللك، فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الله" (لو1: 35)..

إذن المسألة فى قصد الآب السماوى من قبل خِلقة العالم أن هذا الدم الكريم الذى للمسيح القدوس هو الذى يطهرنا من الخطايا، فبناءً عليه يقول "طهِّروا نفوسكم فى طاعة الحق" فهذا هو الذى يطهرنا.. فكيف يقدر دم ملوّث بلوْثة الخطية أن يطهرنا؟!! ألا يحتاج هذا الدم نفسه إلى الخلاص وإلى الفداء؟!.



4) قدوس بلا شر قد انفصل عن الخطاة

يؤكد القديس بولس الرسول نفس الكلام فى رسالته إلى العبرانيين الأصحاح السابع فيقول عن السيد المسيح "فمن ثم يقدر أن يخلّص أيضاً إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله إذ هو حى فى كل حين ليشفع فيهم. لأنه كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا قدوس بلا شر ولا دنس قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السماوات" (عب 7: 25، 26) فلم يكن فقط حى فى كل حين، بل أضاف وقال عنه أنه قدوس بلا شر وانفصل عن الخطاة وصار أعلى من السماوات.

يتكلم عنه برغم أنه اشترك معنا فى اللحم والدم، وبالرغم من إنه تجسد وتأنس، لكن هناك خطاً واضحاً جداً يفصل بينه وبين الخطاة يقول "قدوس بلا شر ولا دنس، قد انفصل عن الخطاة، وصار أعلى من السماوات".



5) الروح القدس لا يكوِّن شيئاً به ميل للخطية

الروح القدس هو الذى كوّن الناسوت –الطبيعة البشرية الخاصة بالسيد المسيح- فى بطن العذراء مريم لذلك قيل "الذى حُبل به فيها هو من الروح القدس" (مت1: 20).. وقيل لها "الروح القدس يحل عليك، وقوة العلى تظللك، فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يُدعى ابن الله" (لو1: 35) فهل الروح القدس يكوّن شيئاً به ميل للخطية؟!! من المحال أن يحدث هذا..

بل وكيف يتحد اللاهوت بالناسوت إذا كان الناسوت به ميل للخطية؟!! كيف يتم الاتحاد بين اللاهوت والناسوت بعد؟!!



6) هل يمكن أن يخطئ الله-حاشا؟!!

لقد تناقض الأدفنتست فى آرائهم؛ أحياناً يقولون إن السيد المسيح هو الملاك ميخائيل، وأحياناً يقولون إنه ابن الله الوحيد.. فكيف بعد أن يدّعوا أن السيد المسيح هو الملاك ميخائيل، يعودون ويقولون فى نفس الوقت إنه ابن الله الوحيد ومساوٍ للآب فى الجوهر وإنهم يؤمنون بالثالوث القدوس؟!.

ما هذا التناقض والخداع؟!! فى نفس الوقت الذى يقولون فيه إن المسيح هو الله المتجسد وهو ابن الله الوحيد، يقولون إن احتمال الخطية حاضر بالنسبة له.. ألا يعتبر هذا تجديف على الله؟!! مَنْ الذى يقبل هذا الكلام؟!! مَنْ الذى يقبل أن يُقال إن الله إذا تجسد، فمن المحتمل أن يخطئ؟!! وبهذا التجديف تصير فكرة التجسد الإلهى فى هذه الحالة مرفوضة من المسيحى ومن غير المسيحى أيضاً!!. من يقبل هذا التجديف على الله؟!!.

لذلك قلنا فى بداية حديثنا نحن لا ندافع عن عقيدة كنيستنا فقط، بل ندافع فى هذه القضية عن الله نفسه فى أمور لا يقبلها ضمير أى إنسان يؤمن حتى بوجود الله.. ليس من الضرورى أن يكون إنساناً أرثوذكسياً، ولا من الضرورى أن يكون إنساناً مسيحياً، بل يكفى أنه مجرد يؤمن بوجود الله فلا يقبل هذا التجديف.. أن الله من الممكن أن يخطئ!! فالمسألة صارت خطيرة جداً، وسوف نرى الآن ما هو أشنع من هذا بكثير.



إيلين هوايت

كُتب عنها فى كتاب "نبية الأيام الأخيرة" إنه عندما كان عمرها 9 سنوات، صُدمت بحجر فى رأسها وبعدها أُصيبت بالصرع وكانت على حافة الموت، ولم تكمل السنوات الدراسية.. كيف بعد ذلك تكتب خمسين ألف صفحة فى العقيدة فى أكثر من كتاب وهى لم تحصل على أية شهادات دراسية ولم تدرس سوى ثلاث سنوات فقط فى عمرها كله بالمدرسة.. من الواضح أنها إنسانة غير طبيعية ومن الممكن أن يكون عليها روح نجس من وقت أن أُصيبت بالصرع لسبب حادثة فى الدماغ أصابتها فى الطريق عند عودتها من المدرسة منذ أن كان عمرها 9 سنوات. وهذا الروح هو الذى أوحى إليها بكل التجاديف التى أوردتها فى أقوالها وكتاباتها. وكانت تدّعى أن ملائكة تظهر لها بعد منتصف الليل وتمليها ما تكتبه، وهذا مسجل فى سيرتها الرسمية.

ومن ضمن كتاباتها المعروفة الإدّعاء بأن الله قد جلب الطوفان على العالم القديم لسبب أن البشر قد تزوّجوا الحيوانات وأنجبوا نسلاً متنوعاً لم يخلقه الله!! وهذا أمر أثبت العلم استحالة حدوثه لاختلاف جينات البشر عن الحيوانات فى مسألة الإنجاب.

ولتوضيح كثافة الكتابات التى نشر بعضها باللغة العربية لإيلين هوايت نرى مثلاً؛ فى كتاب "مشتهى الأجيال" فى الطبعة العربية عدد صفحاتها 853 صفحة، وفى الطبعة الإنجليزية (فى هامش الطبعة العربية مكتوب) عدد الصفحات 835 صفحة.. وهذا كتاب واحد من كُتب إيلين هوايت! كيف كتبت كل ذلك الكلام وهى لم تدرس سوى ثلاث سنوات فقط فى عمرها كله؟!!

لعلنا نتذكّر التحذير الرسولى "أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هى من الله؟ لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم" (1يو4: 1).



تعالوا بنا نتصفح كتاب "مشتهى الأجيال"



كتاب " مشتهى الأجيال "

تتكلم إيلين هوايت فى كتابها "مشتهى الأجيال" عن السيد المسيح؛ أن الأجيال كلها قد انتظرته وانتظرت مجيئه ليخلّص العالم.. تعالوا بنا لنفحص نظرة إيلين هوايت -نبية الأدفنتست- لمخلّص العالم هذا.. لا احترام ولا توقير للسيد المسيح!!.. بل فى منتهى الاستخفاف والإهانة للسيد المسيح كتبت فى الطبعة العربية؛ الطبعة الثالثة سنة 1999([4]):



لم تُقبل ذبيحته

على صفحة 714

[ اعتصر الشيطان بتجاربه القاسية قلب يسوع. ولم يستطع المخلص أن يخترق ببصره أبواب القبر. ولم يصوِّر له الرجاء أنه سيخرج من القبر ظافراً، ولا أخبره عن قبول الآب لذبيحته. وكان يخشى أن تكون الخطية كريهة جداً فى نظر الله بحيث يكون انفصال أحدهما عن الآخر أبدياً ]. وهى بذلك تعتبر أن الرجاء لم يكن له وجود عند السيد المسيح؛ لا فى القيامة من الموت بعد صلبه، ولا فى قبول الآب لذبيحته [لم يصور له الرجاء أنه سيخرج من القبر ظافراً ولا أخبره عن قبول الآب لذبيحته ]. وللرد عليها نسأل: لماذا إذاً يقدم نفسه ذبيحة إن لم يكن هناك أمل فى الخلاص؟!! ليس هذا فقط فى سخريتها عن السيد المسيح، بل كتبت أكثر من ذلك على صفحة 715.



يأس المخلص

على صفحة 715

[ ذُهل الملائكة وهم يرون عذابات المخلص ويأسه] لقد كانت خطية يهوذا الإسخريوطى الأساسية هى اليأس لأنه مكتوب أن يهوذا ندم على تسليمه السيد المسيح لليهود ورد لهم الفضة التى أخذها ثمن تسليمه للسيد المسيح، كما ورد فى الإنجيل "حينئذ لما رأى يهوذا الذى أسلمه أنه قد دين، ندم ورد الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ قائلاً: قد أخطأت إذ سلّمت دماً بريئاً" (مت27: 3، 4).. ندم وقال "قد أخطأت". لكن مشكلة يهوذا إنه مع ندمه شعر باليأس فانتحر، وبالطبع عندما قتل نفسه هلك كما جاء فى المزامير "لتصر دارهم خراباً وفى خيامهم لا يكن ساكن"(مز69: 25). وقد علّق القديس بطرس الرسول عن يهوذا فى سفر أعمال الرسل وقال "لأنه مكتوب فى سفر المزامير؛ لتصر داره خراباً، ولا يكن فيها ساكن، وليأخذ وظيفته آخر" (أع1: 20)، أما السيد المسيح فقد قال عنه "ويل لذلك الرجل الذى به يُسلّم ابن الإنسان، كان خيراً لذلك الرجل لو لم يولد" (مت26: 24). فكيف يُقال عن السيد المسيح إنه كان فى حالة يأس مثل يهوذا الإسخريوطى الذى هلك لسبب سقوطه فى خطية اليأس؟!!.

صرخة اليأس

على صفحة 716

تقول إيلين هوايت التى يعتبرونها نبية: [ وكثيرون ممن آمنوا بيسوع سمعوا صرخة اليأس التى نطق بها (تقصد صرخته وهو على الصليب)، وقد تركهم الرجاء. فإذا كان الله قد ترك يسوع ففيمَ يثق تابعوه؟] كيف تقول عن صرخة السيد المسيح إنها صرخة اليأس؟! فإن كان صرخ صرخة اليأس؛ فكيف يكون قدوة ومثال للشهداء الذين قيل عنهم فى سفر الرؤيا فى صراعهم ضد الشيطان "وهم غلبوه بدم الخروف وبكلمة شهادتهم، ولم يحبوا حياتهم حتى الموت" (رؤ12: 11) فإذا كان السيد المسيح قد وقع فى اليأس وهو على الصليب، فكيف يتمم الخلاص والفداء بعد؟!. الشيطان هو الذى يقول هذا الكلام.. بمعنى؛ لو أن الشيطان يبتدع ديانة، فستكون هذه مهارته الكبيرة فى تدمير الثقة فى الله والإيمان به. لأن قائد هذه الديانة قد سقط فى اليأس. فماذا يكون حال أتباعه؟!!..



مصير العالم يتأرجح

على صفحة 654

صفحة رقم 654 فى نفس النسخة العربية والتى تقع على صفحتى 689، 690 من الطبعة الإنجليزية تقول عن مصير العالم فى الخلاص إنه كان يتأرجح:

[ وإذ تركهم يسوع مضى مرة أخرى إلى معتكفه، وخرّ على وجهه (فى بستان جثسيمانى) إذ طغى على نفسه رُعب ظلمة عظيمة. لقد ارتعبت بشرية ابن الله فى تلك الساعة الحرجة. إنه لم يُصلِّ الآن لأجل تلاميذه لكى لا يفنى إيمانهم، بل كان يصلى لأجل نفسه المجرّبة المعذبة ] وما يُظهر كذب وخداع هذه المدعوة نبية، إنه كُتب فى الإنجيل إن السيد المسيح قبيل صلاته فى جثسيمانى قال لبطرس الرسول "سمعان سمعان هوذا الشيطان طلبكم لكى يغربلكم كالحنطة. ولكنى طلبت من أجلك لكى لا يفنى إيمانك" (لو22: 31، 32). وبعدما صلى السيد المسيح فى بستان جثسيمانى وجاء إلى تلاميذه ووجدهم نائمين قال لهم: "قوموا وصلوا لئلا تدخلوا فى تجربة" (لو22: 46) إنه ينبّه تلاميذه أكثر من مرة أثناء وجوده فى البستان أن يحترسوا من التجارب الشيطانية.. فكان يحذّرهم معلّماً؛ فكيف يكف عن الصلاة من أجلهم؟!!.. فهى تدّعى كلام عكس ما هو مكتوب فى الإنجيل وتقول [لم يصلِّ الآن لأجل تلاميذه لكى لا يفنى إيمانهم، بل كان يصلى لأجل نفسه المجرّبة المعذبة إذ أتت اللحظة المخيفة التى كانت ستقرر مصير العالم. كان مصير العالم يتأرجح فى كفة الميزان].. شئ عجيب جداً كيف لا يكون مصير العالم مضموناً؟!! أمر مُرعب ومُخيف كيف بعد أن دبّر الله الفداء للبشرية، نجد أن تدبير الله لفداء البشرية يتأرجح؟!!

ثم أكملت وكتبت [ كان يمكن المسيح حتى الآن أن يرفض شُرب الكأس التى كان يجب أن يشربها الإنسان الأثيم] بمعنى أنها تقول إنه كان من الممكن أن يرفض السيد المسيح أن يتمم الفداء، على الرغم من أن السيد المسيح تكلّم كثيراً جداً عن تصميمه على صنع الفداء وعلى أنه بسلطانه وإرادته سوف يصنع هذا الأمر.



انفصال الآب عن الابن

على صفحتى 650، 651

تتكلم إيلين هوايت كلام عجيب جداً عن انفصال الابن عن الآب ثم ترجع وتناقض نفسها مرة أخرى وتقول كلام عكس ذلك.

فعلى صفحتى 650، 651 فى الطبعة العربية و686، 687 فى الطبعة الإنجليزية [ وإذ أحس المسيح بأن اتحاده بالآب قد انفصم، كان يخشى لئلا يعجز وهو فى طبيعته البشرية عن الصمود فى الصراع الذى كان قادماً عليه ضد قوات الظلمة. فى برية التجربة كان مصير الجنس البشرى مستهدفاً للخطر].

عندما نشر جلال دوس تقويم "مشتهى كل الأمم" كان متأثراً بفكر إيلين هوايت فقال نفس العبارة؛ قال عن مشتهى كل الأمم [وُلد بطريقة معجزية.. وفى سبيل النجاح فى مهمته التى كانت محفوفة بمخاطر جّمة ] كان جلال دوس يريد أن يشير إلى تعاليم إيلين هوايت، ولكنه يمهّد ليصل لنفس الفكرة..

مهّد وقال [ محفوفة بمخاطر جمة ] ليصل لفكرة إيلين هوايت التى تقول [ كان مصير الجنس البشرى مستهدفاً للخطر ]..

ثم تكمل إيلين هوايت وتقول على صفحة 651 [ وإذ كانت نتيجة المعركة ماثلة أمام المسيح كانت نفسه ممتلئة بالرعب والذهول بسبب انفصاله عن الله ].. فإن كان لا يصح أن نقول حتى عن إنسان قديس إنه منفصل عن الله، فما بالك بقدوس القدوسين الذى كُتب عنه فى سفر دانيال "ولمسح قدوس القدوسين" (دا9: 24) أى لمسح المسيح الذى هو قدوس القدوسين.. فهل يجوز أن يقال عن قدوس القديسين إنه منفصل عن الله ويصير معرّضاً للخطية؟!

أكملت إيلين هوايت كلامها على نفس صفحة 651 فى الطبعة العربية [ وقد قال له الشيطان إنه إن صار ضامناً للعالم الشرير، فقد يصبح انفصاله عن الله أبدياً. وسيكون هو ضمن رعايا مملكة الشيطان. ولن يكون واحداً مع الله فيما بعد] تقصد من هذا الكلام إنه إذا ضمن العالم الشرير بإتمام الفداء، فمن الممكن أن يقول له الآب: أنت ضمنت شيئاً فاسداً لا أمل فيه، ففى مقابل أنك ضمنته، فقد تستحق ليس أن تنفصل عنى فى وقت الآلام والتجربة من ليلة الجمعة (الخميس مساءً) إلى فجر أحد القيامة فقط، بل تستحق أن تنفصل عنى إلى الأبد. وستكون أنت ضمن رعايا مملكة الشيطان.. لم تكتفِ إيلين هوايت أن تقول إنه ينفصل عن الله إلى الأبد، بل وسيصير ضمن رعايا مملكة الشيطان!!

من الممكن أن يقول الشيطان أى كلام ليس له معنى، ولكن المشكلة أن إيلين هوايت تقول إن السيد المسيح كان خائفاً ومرعوباً من هذا الوضع [ وإذ كانت نتيجة المعركة ماثلة أمام المسيح، كانت نفسه ممتلئة بالرعب والذهول بسبب انفصاله عن الله ] وقالت عن السيد المسيح أيضاً إنه لم يكن ضامناً إن كان الآب سيقبل ذبيحته أم لا؟[5] فهل الرب سيوافق على مخاطرة بهذا الشكل أن يخاطر السيد المسيح بنفسه ومن الممكن أن يضيع لو لم يقبل الآب ذبيحته، وسيكون هو ضمن رعايا مملكة الشيطان ولن يكون واحداً مع الله فيما بعد؟!!

فعبارة [ولم يصوّر له الرجاء أنه سيخرج من القبر ظافراً، ولا أخبره عن قبول الآب لذبيحته] هذه العبارة فى حد ذاتها تحمل خطية قطع الرجاء، وعندما يصل الإنسان لهذا الوضع (قطع الرجاء) لا يستطيع أن يخلص. فكيف يخلِّص غيره؟.. تجاسرت وتكلمت عن يأس السيد المسيح وقطع رجائه!!.



يتوق إلى من يشفع فيه

على صفحة 650

على الرغم من أن السيد المسيح هو الشفيع فى خطايا البشر جميعاً وقد قال على الصليب "يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" (لو23: 34) فهى تقول:

[ فكبديل وضامن للإنسان الخاطئ كان لابد للمسيح أن يتألم تحت عدالة الله. وقد رأى عن اختبار ما معنى العدل. كان قبل ذلك شفيعاً فى الآخرين، أما الآن فها هو يتوق إلى من يشفع فيه ] بمعنى أنه وهو على الصليب بدلاً من أن يقدم الشفاعة الكفارية لخلاص البشرية كلها، فَقَدَ دوره كشفيع. تقول: [كان قبل ذلك شفيعاً فى الآخرين]، فماذا تقصد بعبارة "قبل ذلك"؟ هل عندما كان طفلاً؟ هل عندما كان يعتمد من يوحنا فى نهر الأردن؟ [أما الآن فهو يطوق إلى من يشفع فيه]! من هم الذين سيشفعون فيه؟! إن كان الأدفنتست يقولون عن السيد المسيح إنه الملاك ميخائيل فمن هو الذى سيشفع فيه؟! يبدو أنهم يريدون أن يضعوا السيد المسيح فى درجة أقل من الملاك ميخائيل.. فحيث إن السيد المسيح محتاج لأحد يشفع فيه (من وجهة نظرها)، فلم يبقَ سوى الملائكة ليشفعوا فيه لأن البشر خطاة.. وسنرى خبث فكر إيلين هوايت وإلى أى حد قد وصل..



الملاك ميخائيل أنقذه

على صفحة 656

تتكلم عن السيد المسيح فى بستان جثسيمانى وتقول [ ففى هذه الأزمة المخيفة عندما كان كل شئ مهدداً بالخطر، وعندما كانت يد ذلك المتألم ترتعش وهى تمسك بتلك الكأس، انفتحت السماء وأشرق نور فى وسط تلك الظلمة الثائرة، وساعة الأزمة الخانقة، ونزل الملاك القوى الواقف فى حضرة الله، والذى يشغل المركز الذى سقط منه الشيطان، ووقف إلى جوار المسيح] هنا نرى كيف يريد الشيطان أن يعظّم نفسه فقال: الملاك الذى أخذ مكانى هذا هو الذى خلّص المسيح، وبهذا الوضع فى تعليم إيلين هوايت الشرير صار الشيطان فرحاً. ومعروف أن الملاك ميخائيل هو الذى أخذ مكان الشيطان كما سنشرح ونثبت فيما بعد[6].

ثم أكملت وقالت على نفس صفحة 656 [ أتى الملاك لا ليأخذ الكأس من يد المسيح، بل ليقويه على شربها مؤكداً له محبة الآب. لقد أتى ليمنح القوة لذلك الإله المتأنس المصلى (تقول هنا الإله المتأنس، وفى نفس الوقت تقلل من شأنه بشكل عجيب جداً!!). وقد وجّه نظره إلى السماء المفتوحة وأخبره عن النفوس التى ستخلص نتيجة آلامه (بمعنى أن الملاك هو الذى عرّف يسوع أن هناك أناس سيخلصون)، وأكّد له أن أباه أعظم وأقوى من الشيطان]. أى أن السيد المسيح رب المجد وملك الملوك ورب الأرباب لم يكن يعرف -بحسب تعليم إيلين هوايت- أن الآب السماوى أعظم وأقوى من الشيطان فكان يائساً ومسكيناً ولم يكن عنده رجاء، فجاء له الملاك وقال له لا تخف فإن أباك أقوى من الشيطان.

[وأن موته ستكون نتيجته الهزيمة النهائية الماحقة للشيطان. وأن مملكة هذا العالم ستُعطَى لقديسى العلى. وقال له أنه سيرى من تعب نفسه ويشبع لأنه سيرى جماهير من الجنس البشرى وقد خلصت خلاصاً أبدياً. لم تنته آلام المسيح ولكن غمه ومفشلاته زايلته، ولم تخف وطأة العاصفة بأى حال ] مفشلاته انتهت واختفت لأن الملاك أنقذ يسوع من بشاعة الخطية التى كان واقعاً فيها، وأخرجه من حالة اليأس. وأنقذ مصير العالم الذى كان يتأرجح بين الحين والآخر فى كفة الميزان!!.

وعلى الرغم من ذلك تكلمت إيلين هوايت بمكر بعد ذلك فى كتابها هذا عن صرخة اليأس التى صرخ بها السيد المسيح على الصليب. أى أن حالة قطع الرجاء قد عاودته مرة أخرى مثل التلميذ الخائب الذى يعلّمه الملاك القوى الذى يشغل المكان الذى سقط منه الشيطان، فلا يتعلّم ويعاود الخطأ مرة أخرى.



التجربة على الجبل

على صفحة 99

تقول كان من الممكن أن يخطئ السيد المسيح ويسقط فى وقت التجربة على الجبل [ إن يسوع عندما دخل البرية كان محاطاً بمجد الآب، وإذ كان مشغولاً بالشركة مع الله سما فوق الضعف البشرى، ولكن المجد رحل عنه فتُرك هو ليصارع التجربة ].. تتكلم عن الضعف البشرى للسيد المسيح، وتقول إن المجد رحل عنه!!.



من القدس إلى قدس الأقداس

على صفحة 748

حاولت إيلين هوايت أن تُمهّد لفكرة عقيدة أن المسيح قد انتقل من القدس إلى قدس الأقداس عام 1844 فى يوم عيد الكفارة العظيم ليطهّر القدس السماوى؛ فقالت [ رفض يسوع قبول الولاء من أتباعه حتى أيقن أن الآب قد قبل ذبيحته. لقد صعد إلى المواطن السماوية وسمع من الله نفسه تأكيداً أن كفارته التى قدَّمها عن خطايا الناس كافية، وأن الجميع يمكن أن ينالوا بدمه الحياة الأبدية].



صعود المسيح

على صفحة 788

تتكلم عن صعود السيد المسيح للسماء وتقول إن جماهير الملائكة كانت تريد أن تحتفل بمجيء الابن الوحيد فتقول [ إنهم يتوقون للاحتفاء بنصرته ولتمجيد مليكهم. غير أنه يشير عليهم بالتنحى جانباً، لم يأتِ الوقت بعد. إنه لا يستطيع أن يلبس إكليل المجد أو ثوب الملك. فهو يدخل فى حضرة أبيه ] معنى هذا أن إيلين هوايت فى هذا الوقت كانت فى السماء ورأت السيد المسيح وقد دفع الملائكة جانباً ورفض أن يلبس إكليل المجد وثوب الملك.. كلام ليس له أى سند أو دليل من الكتاب المقدس، بل على العكس؛ فالكتب المقدسة ترفض هذا الكلام، وتقول عن السيد المسيح؛ إنه دخل إلى الأقداس ووجد فداءً أبدياً "ليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداءً أبدياً" (عب9: 12)..



بعض التناقضات فى كتاب " مشتهى الأجيال "

1) عن عدم قبول الآب لذبيحته!!

على صفحة 748

بعد أن ادّعت إيلين هوايت عن عدم قبول الآب لذبيحته

وكتبت على صفحة 714 [ ولم يصوّر له الرجاء أنه سيخرج من القبر ظافراً. ولا أخبره عن قبول الآب لذبيحته. وكان يخشى أن تكون الخطية كريهة جداً فى نظر الله بحيث يكون انفصال أحدهما عن الآخر أبدياً]. وهى بذلك تعتبر أن الرجاء لم يكن له وجود نهائياً عند السيد المسيح؛ لا فى القيامة ولا فى قبول الآب لذبيحته.. رجعت وناقضت نفسها وكتبت فى صفحة 748 أن الآب قبِل ذبيحته [ رفض يسوع قبول الولاء من أتباعه، حتى أيقن أن الآب قد قبِل ذبيحته]..



2) أن الآب تألم مع ابنه

على صفحة 655

تناقض إيلين هوايت نفسها، بعد أن ادّعت أن الآب انفصل عن الابن وقت الصلب فى صفحتى 650، 651 تعود مرة أخرى وتقول إن الله تألم مع ابنه فى صفحة 655 [ ولكن الله تألم مع ابنه. لقد رأى الملائكة آلام المخلص، رأوا سيدهم محاطاً بفيالق من قوات الشيطان ] كيف تألم معه، وكيف انفصل عنه؟!! تناقض عجيب فى الفكر والتعليم..



3) أن الآب حجز نور محبته عن ابنه الحبيب

على صفحة 655

[وقد نائت طبيعته مرتجفة تحت وطأة رعب غامض. فحدث سكوت فى السماء ولم تسمع ألحان موسيقية. فلو أمكن لبنى الإنسان أن يروا ذهول أجناد السماء. عندما رأوا بحزن الآب يحجز أشعة نور محبته ومجده عن ابنه الحبيب لأمكنهم أن يدركوا إدراكاً أعمق حقيقة كون الخطية خبيثة ومكدرة فى نظر الله ].. كيف يكون "حبيب"، ثم يحجز نور محبته عنه؟!! تناقضات عجيبة!!

لم تكتفِ إيلين هوايت بقولها أن الآب انفصل عن الابن، بل أضافت إلى ذلك أن الآب حجز أشعة نور محبته ومجده عن ابنه الحبيب..





4) أن السيد المسيح هو الملاك ميخائيل

كيف بعد أن قال الأدفنتست إن السيد المسيح هو الملاك ميخائيل، تعود وتكتب فى كتابها "مشتهى الأجيال" على صفحة 656 النسخة العربية إن الملاك الذى أخذ مكان الشيطان -الملاك ميخائيل- هو الذى أنقذ المسيح؟! [ ونزل الملاك القوى الواقف فى حضرة الله، والذى يشغل المركز الذى سقط منه الشيطان، ووقف إلى جوار المسيح. أتى الملاك لا ليأخذ الكأس من يد المسيح، بل ليقويه على شربها مؤكداً له محبة الآب. لقد أتى ليمنح القوة لذلك الإله المتأنس المصلى] وسيتطور بهم الأمر إلى أن يقولون إن السيد المسيح لم يصل حتى إلى كرامة الملاك ميخائيل.. معروف بالطبع من سفر الرؤيا أن الذى أخذ مكان الشيطان هو الملاك ميخائيل عندما حدثت حرب فى السماء؛ ميخائيل وملائكته حاربوا إبليس وملائكته وانتصر ميخائيل.. ومن هنا عرفنا أن الملاك ميخائيل أخذ مكان إبليس "وحدثت حرب فى السماء؛ ميخائيل وملائكته حاربوا التنين، وحارب التنين وملائكته" (رؤ12: 7)..

فكيف بعد أن يقولون إن السيد المسيح هو الملاك ميخائيل، تتناقض وتقول إن الملاك ميخائيل هو الذى أنقذه؟!!



بالطبع أى كلام يحمل معنى التشكيك فى إتمام الخلاص، يتسبب فى تدمير أشياء كثيرة من ضمنها تدبير الله فى خلاص البشرية.

ولكننا سنرد على هذه الادعاءات من الكتاب المقدس:



تدبير الله فى خلاص البشرية

يتكلم معلمنا بولس الرسول عن الآب فى رسالة أفسس ويقول "إذ عرّفنا بسر مشيئته حسب مسرّته التى قصدها فى نفسه لتدبير ملء الأزمنة، ليجمع كل شئ فى المسيح ما فى السماوات وما على الأرض فى ذاك الذى فيه أيضاً نلنا نصيباً معينين سابقاً حسب قصد الذى يعمل كل شئ حسب رأى مشيئته" (أف1: 9-11) كيف يقول الرسول: قصد الذى يعمل كل شئ حسب رأى مشيئته، ثم تقول هذه المدّعية نبية إن مصير العالم كان يتأرجح فى خطر؟! كيف يتأرجح فى خطر إن كان هذا فى قصد الله لتدبير ملء الأزمنة؟!!

ثم يكمل الرسول ويقول فى الأصحاح الثالث الآية 11 "حسب قصد الدهور الذى صنعه فى المسيح يسوع ربنا" (أف3: 11) قصد الدهور تقول عنه إيلين هوايت إنه كان يتأرجح فى خطر!!.

وفى رسالة بولس الرسول الثانية إلى تيموثاوس الأصحاح الأول يقول "بحسب قوة الله الذى خلصنا ودعانا دعوة مقدسة لا بمقتضى أعمالنا، بل بمقتضى القصد والنعمة التى أعطيت لنا فى المسيح يسوع قبل الأزمنة الأزلية" (2تى1: 8-9) فإذا كان القصد والنعمة أعطيت لنا فى المسيح يسوع قبل كل الدهور قبل الأزمنة الأزلية؛ فكيف تقول إيلين هوايت إن مصير العالم كان يتأرجح فى خطر؟!!.

ومكتوب فى سفر الأعمال أن بطرس الرسول وقف وتكلم فى يوم الخمسين ووبّخ اليهود وقال لهم "أيها الرجال الإسرائيليون اسمعوا هذه الأقوال؛ يسوع الناصرى رجل قد تبرهن لكم من قِبل الله؛ بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده فى وسطكم كما أنتم أيضاً تعلمون، هذا أخذتموه مسلّماً بمشورة الله المحتومة، وعلمِه السابق، وبأيدى أثمة صلبتموه وقتلتموه. الذى أقامه الله ناقضاً أوجاع الموت إذ لم يكن ممكناً أن يمسك منه" (أع2: 22-24) إذن كل ما قد تم فى الفداء كان بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق. والموت لم يكن ممكناً أن يمسك منه على الإطلاق..



لم يكن ممكناً أن يُمسك منه

عندما كلّم السيد المسيح اليهود وقال لهم "انقضوا هذا الهيكل وفى ثلاثة أيام أقيمه"(يو2: 19) تعجبوا وقالوا له قد بُنى هذا الهيكل فى 46 سنة، فكيف إذا قمنا بهدمه، تستطيع أنت أن تبنيه فى ثلاثة أيام؟!.. يُعلّق القديس يوحنا الإنجيلى ويقول "أما هو فكان يقول عن هيكل جسده" (يو2: 21) قال لهم انقضوا هذا الهيكل، بمعنى اقتلونى وأنا سأقوم فى اليوم الثالث..

وقال لتلاميذه "إن ابن الانسان يسلَّم إلى أيدى الناس فيقتلونه. وبعد أن يُقْتَل يقوم فى اليوم الثالث" (مر9: 31) وحتى اليهود قد ذهبوا لبيلاطس وقالوا له: "قد تذكّرنا أن ذلك المضل قال وهو حى إنى بعد ثلاثة أيام أقوم" (مت27: 63). كان اليهود أنفسهم يعرفون أن السيد المسيح قال إنه سيقوم فى اليوم الثالث، لذلك أكملوا وقالوا لبيلاطس "فمر بضبط القبر إلى اليوم الثالث لئلا يأتى تلاميذه ليلاً ويسرقوه ويقولوا للشعب إنه قام من الأموات فتكون الضلالة الأخيرة أشر من الأولى" (مت27: 64)

لذلك جعل بيلاطس حراساً على القبر.. فكيف تدّعى إيلين هوايت أن السيد المسيح لم يكن ضامناً إن كان سيقوم أم لا؟ كيف هذا الإدعاء إن كان هو نفسه قد تحدّى اليهود وقال لهم "انقضوا هذا الهيكل وفى ثلاثة أيام أقيمه" (يو2: 19)؟!.. "أما هو فكان يقول عن هيكل جسده" (يو2: 21).



إلهى إلهى لماذا تركتنى

من المحال أن ينفصل الآب عن الابن كما تدّعى إيلين هوايت لأننا نؤمن أن الآب والابن والروح القدس إله واحد فكيف ينفصل الآب عن الابن؟! إن انفصال الآب عن يسوع لا يمكن يحدث إلا بانقسام الجوهر الإلهى الواحد فينفصل الآب عن الابن أو بانفصال اللاهوت عن الناسوت؛ وهذه هى البدعة النسطورية التى حرمتها الكنيسة الجامعة فى مجمع أفسس. ومما يثبت أن الآب لم ينفصل عن الابن هو قول السيد المسيح قبل الصلب لتلاميذه "تأتى ساعة وقد أتت الآن تتفرقون فيها كل واحد إلى خاصته وتتركوننى وحدى وأنا لست وحدى لأن الآب معى" (يو16: 32). وقوله أيضاً "الذى أرسلنى هو معى ولم يتركنى الآب وحدى لأنى فى كل حين أفعل ما يرضيه" (يو8: 29). يضاف إلى ذلك قوله "أنا والآب واحد" (يو10: 30).

الآية التى يستخدمها دُعاة هذه الفكرة -ومن ضمنهم إيلين هوايت والأدفنتست وغيرهم- وردت على لسان السيد المسيح وهو مصلوب عندما صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً "ألوى ألوى لما شبقتنى الذى تفسيره إلهى إلهى لماذا تركتنى" (مر15: 34) وردت هذه العبارة أيضاً فى مزمور 22 لداود النبى "إلهى إلهى لماذا تركتنى.. لا تتباعد عنى لأن الضيق قريب لأنه لا معين.. أما أنت يا رب فلا تبعد" (مز22: 1، 11، 19).. "ثقبوا يدىَّ ورجلىَّ. أُحصى كل عظامى وهم ينظرون ويتفرَّسون فىَّ. يقسمون ثيابى بينهم وعلى لباسى يقترعون" (مز22: 16-18).. يقولون عندما يقول المسيح للآب عبارة "لماذا تركتنى" تدل على أن الآب انفصل عن الابن.. فهذا تفسير خاطئ جداً لأن الآب لم ينفصل عن الابن وسنرى هذا فى بقية المزمور نفسه..

"يا خائفى الرب سبّحوه، مجّدوه يا معشر ذرية يعقوب، واخشوه يا زرع إسرائيل جميعاً. لأنه لم يحتقر ولم يرذل مسكنة المسكين، ولم يحجب وجهه عنه، بل عند صراخه إليه استمع" (مز22: 23، 24).. لم يحجب وجهه عنه بل عند صراخه إليه استمع، فكيف يقولون إن الآب قد حجب وجهه عن الابن وهو على الصليب لأنه حامل خطايا العالم؟!!

بل إن ادعاءهم هذا أيضاً عكس ما جاء فى سفر أشعياء النبى "أما الرب فسُر بأن يسحقه بالحزن" (أش53: 10)..

وقيل عن السيد المسيح "من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهيناً بالخزى، فجلس فى يمين عرش الله" (عب2:12).

إذاً عبارة "لم يحجب وجهه عنه" (مز22: 24) تنفى فكرة أن الآب حجب وجهه عن الابن..



" لماذا تركتنى "

هذه العبارة لها أكثر من معنى:

المعنى الأول : لماذا تركتنى أيها الآب فى هذا العذاب الجسدى، أو لماذا تركتنى لأشرب كأس الموت كحامل لعقوبة خطية الإنسان؟

والإجابة: تركتك تتحمل هذه الآلام وتتجرع كأس الموت لأنك جعلت نفسك ذبيحة إثم وقالها فى سفر أشعياء: "ظُلم، أما هو فتذلل ولم يفتح فاه، كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه" (أش53: 7).. ثم قال "إن جعل نفسه ذبيحة إثم.. وهو حمل خطية كثيرين وشفع فى المذنبين" (أش53: 10، 12) فالآب اشتم رائحة الرضا والسرور فى طاعة الابن الوحيد..

من جانب العدل الإلهى، فقد استوفى حقه، حيث كُتب عن الابن إنه "يدوس معصرة خمر سخط وغضب الله القادر على كل شئ" (رؤ19: 15) باعتبار أنه ناب عن البشرية فى وفاء العدل الإلهى حقه، وإظهار قداسة الله وغضبه على الخطية.

أما من الجانب الآخر فالآب كان مسروراً بما فعله الابن الوحيد. وقد قال قداسة البابا شنودة الثالث -أطال الرب حياته- تشبيهاً بسيطاً جداً وهو: إذا ذهب ابن مع والده عند طبيب الأسنان مثلاً، فأثناء تشغيل الحفار فى ضروس الابن، والوالد ماسك بيد ابنه، من الممكن أن يقول الابن لأبيه وهو يتألم: لماذا تتركنى هكذا يا أبى؟ يقول له والده: أنا لم أتركك، بل إنى ممسك بك.. وفى هذا يقصد الابن لماذا تركتنى لهذا العذاب مثلما قالها السيد المسيح على الصليب..

المعنى الثانى : أن السيد المسيح كان يلفت نظر اليهود وقياداتهم إلى ما ورد عنهم من نبوات فى المزمور الثانى والعشرين:

مزمور 22 به إشارات كثيرة إلى صلب السيد المسيح.. فعندما يقول "ثقبوا يدىّ ورجلىّ. أحصى كل عظامى وهم ينظرون ويتفرسون فىّ" (مز22: 16، 17) يتكلم عن اليهود "كل الذين يروننى يستهزئون بى، يَفغرون الشفاه ويُنغِضون الرأس قائلين اتكّل على الرب فليُنجِّه، لينقذه لأنه سُرَّ به.. فغروا علىّ أفواههم كأسدٍ مفترسٍ مزمجرٍ" (مز22: 7، 8، 13).. فهو يقول لليهود انظروا ما يقوله المزمور 22 الذى بدايته عبارة "إلهى إلهى لماذا تركتنى؟" فهو يتكلم عن أعمالكم الرديئة حيث يقول "أحاطت بى ثيران كثيرة، أقوياء باشان اكتنفتنى. فغروا علىّ أفواههم كأسدٍ مفترسٍ مزمجرٍ" (مز22: 12، 13) ولئلا يظن أحد من عبارة "أقوياء باشان.." أن الأقوياء هم أناس أعزاء، أكمل قوله مباشرة فى آية 16 وقال "جماعة من الأشرار اكتنفتنى"..

فعندما قال السيد المسيح على الصليب عبارة "إلهى إلهى لماذا تركتنى"؛ كان يُذكِّر اليهود ورؤساء الكهنة بهذا المزمور وكأنه يقول لهم؛ انظروا ماذا يقول المزمور عنكم وعن أعمالكم الرديئة.



المعنى الثالث : أن السيد المسيح هو نائب عن البشرية:

فالسيد المسيح هو آدم الجديد أو آدم الثانى، قال "لماذا تركتنى" حيث إنه كنائب عن البشرية يتكلم بلسان حال الإنسان عموماً.. يقول للآب: يارب لماذا تركت الإنسان هذه الآلاف من السنين (5000 سنة أو 4000 سنة)؟ لماذا تركت البشرية واقعة تحت سلطان الموت؟ أما السيد المسيح فيقول عن نفسه "لأنك لا تترك نفسى فى الجحيم ولا تدع قدوسك يرى فساداً" (مز15(16): 10)..

تُقال هذه العبارة: {لماذا تركتنى تحت سلطان الموت} بلسان الإنسان المحكوم عليه بالموت، أما بالنسبة للسيد المسيح فقيل إنه لم يكن ممكناً أن يُمسك من الموت "الذى أقامه الله ناقضاً أوجاع الموت إذ لم يكن ممكناً أن يُمسك منه" (أع2: 24) لذلك قيل فى باقى المزمور "أما أنت يارب فلا تبعد" (مز22: 19) فكيف يكون قد تركه وابتعد عنه كما يدّعى الأدفنتست ومن يتبعهم؟!..



أُخبر باسمك إخوتى، فى وسط الجماعة أسبحك

"يا قوتى أَسرِع إلى نُصرتى. أَنقِذ من السيف نفسى. من يد الكلب وحيدتى. خلِّصنى من فم الأسد ومن قرون بقر الوحش استجب لى. أُخبر باسمك إخوتى. فى وسط الجماعة أسبحك" (مز22: 19-22) هذه العبارات تدل أن السيد المسيح كان واثقاً ومتأكداً من القيامة.. سأظهر للتلاميذ وسأقول للمريمات أن يذهبن ويقلن لإخوتى أن يذهبوا إلى الجليل حيث أظهر لهم "فقال لهما يسوع لا تخافا اذهبا قولا لإخوتى أن يذهبوا إلى الجليل وهناك يروننى" (مت28: 10).

" أُخبر باسمك إخوتى. فى وسط الجماعة أسبحك. يا خائفى الرب سبِّحوه، مجِّدوه يا معشر ذرية يعقوب، واخشوه يا زرع إسرائيل جميعاً. لأنه لم يحتقر ولم يُرذِل مسكنة المسكين، ولم يحجب وجهه عنه، بل عند صراخه إليه استمع" (مز22: 22-24) فعندما يقول "لا تتباعد عنى لأن الضيق قريب.. يا قوتى أسرع إلى نصرتى" (مز22: 11، 19) لم يكن خائفاً لأنه قال فى الآية 24 إن الرب استمع له "عند صراخه إليه استمع"..

فهو يقول له "لا تتباعد عنى لأن الضيق قريب" ولكن بعد أن عبرت الضيقة، عبّر المزمور وقال: "يا خائفى الرب سبحوه.. لأنه لم يحتقر ولم يُرذل مسكنة المسكين، ولم يحجب وجهه عنه، بل عند صراخه إليه استمع. من قِبَلِك تسبيحى فى الجماعة العظيمة. أوفى بنذورى قدام خائفيه. يأكل الودعاء ويشبعون. يسبّح الرب طالبوه. تحيا قلوبكم إلى الأبد. تذكر وترجع إلى الرب كل أقاصى الأرض. وتسجد قدامك كل قبائل الأمم. لأن للرب المُلك وهو المتسلط على الأمم" (مز22: 23-28). فالذى يريد أن يقول أول عبارة فى المزمور "إلهى إلهى لماذا تركتنى" لابد له أن يكمّل باقى المزمور الذى يشهد كله للرب يسوع المخلّص، وعدم انفصال الابن عن الآب كما يدّعى الأدفنتست من فهمهم الخاطئ لأول عبارة فى نفس المزمور وعدم تكميلهم لكلام الرب فى باقى المزمور..

فبعد أن قال فى أول المزمور "إلهى إلهى لماذا تركتنى" أكمل وقال "لم يحتقر ولم يرذل مسكنة المسكين، ولم يحجب وجهه عنه.. يأكل الودعاء ويشبعون" (مز22: 24، 26) لم يحدث أن الآب حجب وجهه عن الابن.. لقد شرح معلمنا بولس الرسول هذه الجزئية وقال "سُمع له من أجل تقواه" (عب5: 7).



سُمع له من أجل تقواه

قال معلمنا بولس الرسول فى رسالته إلى العبرانيين "كذلك المسيح أيضاً لم يمجّد نفسه ليصير رئيس كهنة، بل الذى قال له أنت ابنى أنا اليوم ولدتك. كما يقول أيضاً فى موضع آخر: أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكى صادق، الذى فى أيام جسده إذ قدّم بصراخ شديد ودموع طلبات وتضرعات للقادر أن يخلصه من الموت" (عب5: 5-7).. طالما أن السيد المسيح كان يعبّر عن البشرية، وكان ينوب عن الإنسان، لذلك قيل إنه قدّم بصراخ شديد ودموع طلبات وتضرعات للقادر أن يخلصه من الموت.. ثم أكمل معلمنا بولس الرسول الآية وقال "وسُمع له من أجل تقواه" (عب5: 7) كيف سُمع له إذا كان قد مات؟!! فالسيد المسيح كشفيع عن البشرية كلها كان يطلب أن يعبُر الآب بالبشرية كلها من الموت إلى الحياة حتى تغنّى النبى قائلاً "ابتُلِع الموت إلى غلبة. أين شوكَتُكَ يا موت؟ أين غَلبَتُكِ يا هاوية؟" (1كو15: 54، 55 ، انظر هو13: 14).

فصرخة السيد المسيح على الصليب، نقلت البشرية من الموت إلى الحياة.. صرخ من أجل تحرير البشرية من الموت لكى يتمم عمل الفداء. لذلك يقول "سُمع له من أجل تقواه" وليس من أجل الصورة المُخزية التى كتبت عنها إيلين هوايت أنه يئس ولم يكن عنده رجاء.

"سُمع له من أجل تقواه" كيف سُمع له؟ سُمع له حيث قام منتصراً من الأموات، وصار سبب خلاص أبدى لجميع الذين يطيعونه (انظر عب5: 9).



تقيم ابناً مكملاً إلى الأبد

لقد تكلّم معلمنا بولس الرسول فى الرسالة إلى العبرانيين عن عمل السيد المسيح على الصليب وقال "كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا قدوس بلا شر ولا دنس، قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السماوات، الذى ليس له اضطرار كل يوم مثل رؤساء الكهنة أن يقدِّم ذبائح أولاً عن خطايا نفسه، ثم عن خطايا الشعب.لأنه فعل هذا مرة واحدة إذ قدّم نفسه. فإن الناموس يُقيم أناساً بهم ضعف رؤساء كهنة. وأما كلمة القسم التى بعد الناموس فتُقيم ابناً مكملاً إلى الأبد" (عب7: 26-28)..

فى المقارنة بين رؤساء كهنة الناموس والسيد المسيح كرئيس كهنة؛ أوضح معلمنا بولس الرسول أن السيد المسيح لم يكن له اضطرار أن يقدّم ذبائح أولاً عن خطايا نفسه مثل رؤساء كهنة الناموس لأنه رئيس كهنة قدوس بلا شر ولا دنس. كما أنه ليس له اضطرار أن يكرر تقديم الذبائح مرارًا كثيرة لأن ذبيحته الواحدة كانت ذات قيمة غير محدودة ولا تحتاج إلى تكرار "فعل هذا مرة واحدة".



بروح أزلى قدّم نفسه لله بلا عيب

يقول أيضاً معلمنا بولس الرسول فى رسالته للعبرانيين الأصحاح التاسع "إن كان دم ثيران وتيوس ورماد عجلة مرشوش على المنجسين يقدّس إلى طهارة الجسد، فكم بالحرى يكون دم المسيح الذى بروح أزلى قدّم نفسه لله بلا عيب يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحى" (عب9: 13، 14)

وهو يشرح هنا كيف تتم المغفرة الحقيقية بسفك دم السيد المسيح، وكيف أنه قد قدّم ذبيحة بلا عيب لأبيه السماوى بالروح القدس.



أهمية الرجاء لخلاص الإنسان

يقول معلمنا بولس الرسول فى رسالته الأولى لأهل كورنثوس "أما الآن فيثبت الإيمان والرجاء والمحبة" (1كو13:13) فإذا كان يقول يثبت الإيمان والرجاء والمحبة فكيف يُقال عن السيد المسيح إنه كان بلا رجاء؟!..

الرجاء هو شرط لخلاص الإنسان وقد قال معلمنا بولس الرسول فى رسالته إلى أهل رومية الأصحاح الثامن "نحن الذين لنا باكورة الروح نحن أنفسنا أيضاً نئن فى أنفسنا متوقعين التبنى فداء أجسادنا لأننا بالرجاء خلُصنا" (رو8: 23، 24) فبدون الرجاء لا يمكن أن يخلص الإنسان. فإذا كنا نحن بالرجاء خلُصنا، فكيف يفقد المخلِّص نفسه الرجاء؟!!

ويقول معلمنا بولس الرسول فى رسالته إلى العبرانيين الأصحاح السادس ابتداءً من الآية 9 "ولكننا قد تيقنا من جهتكم أيها الأحباء أموراً أفضل ومختصة بالخلاص. وإن كنا نتكلم هكذا، لأن الله ليس بظالم حتى ينسى عملكم وتعب المحبة التى أظهرتموها نحو اسمه، إذ قد خدمتم القديسين وتخدمونهم. ولكننا نشتهى أن كل واحد منكم يُظهر هذا الاجتهاد عينه ليقين الرجاء إلى النهاية" (عب6: 9-11) لكى نقدر أن نتكلم عن الإنسان بأمور أفضل ومختصة بالخلاص، لابد أن يتمسك بيقين الرجاء إلى النهاية.. بمعنى أن الإنسان لا يحيا بالرجاء فترة ثم يفقد رجاءه.

فقد أكمل الرسول وقال "لكى لا تكونوا متباطئين بل متمثلين بالذين بالإيمان والأناة يرثون المواعيد" (عب6: 12). ونلاحظ فى هذا النص أيضاً أنه إلى جوار التمسك بيقين الرجاء إلى النهاية، أنه لابد أن توجد أعمال من أجل الله وتعب محبة نحو اسمه وخدمة واجتهاد إلى النهاية.

وفى الآية 18 من نفس الأصحاح "حتى بأمرين عديمى التغير لا يمكن أن الله يكذب فيهما تكون لنا تعزية قوية نحن الذين التجأنا لنُمسِك بالرجاء الموضوع أمامنا، الذى هو لنا كمِرساة للنفس مؤتمنة وثابتة تدخل إلى ما داخل الحجاب"(عب6: 18، 19). فمن يريد أن يدخل ملكوت السماوات، لابد أن يتمسك بالرجاء.. وهذا يُشبّه بمركب تُريد أن ترسى فى وسط بحر هائج، فتُنزل هلب أو هلبين ليغطسوا فى الرمل فى أعماق البحر، فتثبُت المركب لئلا تشدها التيارات وتغرق "كمِرساة للنفس مؤتمنة وثابتة تدخل إلى ما داخل الحجاب"..



من هو القائد لمسيرة الرجاء؟

يكمل معلمنا بولس الرسول ويقول "حيث دخل يسوع كسابق لأجلنا صائراً على رتبة ملكى صادق رئيس كهنة إلى الأبد" (عب6: 20).. فالذى سبقنا وقال "أنا أمضى لأُعِدَّ لكم مكاناً" (يو14: 2) كيف يقولون عنه ليس لديه رجاء؟!! فإن كان هو نفسه ليس لديه رجاء، فكيف دخل كسابق لأجلنا؟!! فهذا هو رئيس الحياة، ورئيس السلام، وعلى نفس القياس نقول هو رئيس الرجاء، وقائد مسيرة الرجاء.. فكيف يقال عنه مثل هذه الادعاءات؟!!.. فالإدعاء بأن الرجاء كان مفقوداً عند السيد المسيح، لا يليق إطلاقاً أن يُقال، لأن بولس الرسول فى رسالته إلى أهل كورنثوس يطالب الإنسان المؤمن بأن يسلك بالرجاء (انظر1كو13:13). فإن كان مجرد المؤمن العادى لابد لأن يسلك فى الرجاء، فكَم وكَم يكون قدوس القدوسين؟!!.



ضامناً لعهد أفضل

لم يكن السيد المسيح قائداً لمسيرة الرجاء فقط، بل وأكثر من هذا؛ يقول عنه معلمنا بولس الرسول فى رسالته إلى العبرانيين الأصحاح الثامن آية 6 "ولكنه الآن قد حصل على خدمة أفضل بمقدار ما هو وسيط أيضاً لعهدٍ أعظم قد تثبَّت على مواعيد أفضل" (عب8: 6) لأن هذا العهد وهذا الوعد منشآن على أساس عمل المسيح الفدائى؛ فيقول "على قدر ذلك قد صار يسوع ضامناً لعهدٍ أفضل" (عب7: 22). فكيف يكون يسوع وهو ضامن لعهد أفضل، تدّعى إيلين هوايت وتكتب فى صفحات كتابها "مشتهى الأجيال" على صفحة رقم 651 الطبعة العربية أن الشيطان قال له [ إنه إن صار ضامناً للعالم الشرير، فقد يصبح انفصاله عن الله أبدياً. وسيكون هو ضمن رعايا مملكة الشيطان ] حاشا أن يُقال هذا الكلام على ابن الله الذى حصل على خدمة أفضل بمقدار ما هو وسيط أيضاً لعهد أعظم قد تثبت على مواعيد أفضل، وصار ضامناً لعهد أفضل.



دور الثالوث فى الخلاص

هناك وعد من الله بالخلاص الذى قلنا عنه حسب قصد الدهور، وحسب مسرة الله التى قصدها فى نفسه، والعطية بالنعمة التى فى المسيح يسوع:

v "حسب قصد الدهور الذى صنعه فى المسيح يسوع ربنا" (أف3: 11).. وبهذا ندرك أن الخلاص ليس عمل خاص بالمسيح وحده، لكنه خاص أيضاً بالآب السماوى..

v "ولكن ليس كالخطية هكذا أيضاً الهبة. لأنه إن كان بخطية واحد مات الكثيرون، فبالأولى كثيراً نعمة الله والعطية بالنعمة التى بالإنسان الواحد يسوع المسيح قد ازدادت للكثيرين" (رو5: 15).. ويقول "بالأولى كثيراً الذين ينالون فيض النعمة وعطية البر سيملكون فى الحياة بالواحد يسوع المسيح" (رو5: 17) كيف تكون عطية من الآب السماوى وتصير فى خطر؟! هل الآب لا يعرف أن يحمى عطيته؟!

v يتكلم أيضاً معلمنا بولس الرسول عن دور الآب والروح القدس فى الفداء فى رسالته إلى تيطس فى الأصحاح الثالث ويقول "ولكن حين ظهر لطف مخلصنا الله وإحسانه؛ لا بأعمال فى بر عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته خلّصنا بغسل الميلاد الثانى وتجديد الروح القدس الذى سكبه بغنى علينا بيسوع المسيح مخلصنا" (تى3: 4-6).. "مخلصنا الله" أى؛ مخلصنا الله الآب.. "بمقتضى رحمته خلّصنا بغسل الميلاد الثانى وتجديد الروح القدس" هذا دور الروح القدس فى الخلاص؛ خلّصنا فى المعمودية بالميلاد الثانى وتجديد الروح القدس؛ وقد سكب هذا الروح بغنى علينا بيسوع المسيح مخلصنا.. إذاً قضية الخلاص لا تخص المسيح وحده، بل تخص الثالوث القدوس كله الآب والابن والروح القدس..

v فلم يكن الخلاص هو عمل الابن وحده، لأن الابن نفسه قال كل ما يعمله الآب يعمله الابن أيضاً " أبى يعمل حتى الآن وأنا أعمل.. لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئاً إلاّ ما ينظر الآب يعمل. لأن مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك" (يو5: 17، 19)..

إذن عمل الخلاص واحد؛ ولكن لكل أقنوم دوره المتمايز فى العمل الواحد.. يقدّم الابن نفسه ذبيحة على الصليب، ويتقبل الآب هذه الذبيحة رائحة رضا وسرور "الذى بروح أزلى قدّم نفسه لله بلا عيب" (عب9: 14) بمعنى؛ قدّم الابن نفسه بالروح القدس لله الآب بلا عيب..

v وهكذا رأينا الثالوث فى نهر الأردن: الآب؛ صوته أتى من السماء "هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت (مت3: 17) والابن؛ يعتمد فى الماء. والروح القدس؛ نازلاً من السماء ومستقراً عليه بهيئة جسمية مثل حمامة

v وهكذا كان يعمل الثالوث: الآب والابن والروح القدس، على الجلجثة.



فقضية الخلاص تخص الثالوث بأكمله.. فكيف تتجاسر إيلين هوايت المدعوّة "نبية الأيام الأخيرة" وتقول إن الآب انفصل عن الابن ؟! فإن انفصل الآب عن الابن، لا يتم الفداء!!. فادعاؤها هذا كارثة كبرى تطعن الإيمان بالمسيح؛ تطعن الإيمان المسيحى كله فى الصميم.

كيف تتجاسر وتقول فى كتابها "مشتهى الأجيال" على صفحة رقم 714 [ اعتصر الشيطان بتجاربه القاسية قلب يسوع. ولم يستطع المخلص أن يخترق ببصره أبواب القبر. ولم يصوّر له الرجاء أنه سيخرج من القبر ظافراً. ولا أخبره عن قبول الآب لذبيحته ] بمعنى؛ لم يعرف الرجاء أن يكلّمه.. هل هذه عقائد نقبلها كمسيحيين؟!!!.

بل وأكثر من هذا تقول على صفحة رقم 715 [ فى الظلمة الداجية استتر وجه الله ]!!!.. ثم على صفحة رقم 716 تقول [ وقد بدا وكأن البروق الغاضبة كانت ترشقه وهو معلق على الصليب (كانت الطبيعة تعلن غضبها على خطايا اليهود، وهى تدّعى أن البروق كانت ترشقه هو!!)، حينئذ صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً "إيلى إيلى لما شبقتنى؟" أى إلهى إلهى لماذا تركتنى (مت27: 46). وإذ استقرت الظلمة الخارجية على المخلص، صرخ كثيرون قائلين: لقد حلّت عليه نقمة السماء. إن سهام غضب الله تنتشب فيه لأنه ادعى أنه ابن الله. وكثيرون ممن آمنوا بيسوع سمعوا صرخة اليأس التى نطق بها، وقد تركهم الرجاء. فإذا كان الله قد ترك يسوع؛ ففيمَ يثق تابعوه ] بمعنى؛ إذا كان يسوع نفسه فقد رجاءه وإيمانه (وهذا من المحال)؛ فماذا يعمل المؤمنون بعد؟!!.

هذا كلام لا نقبله نحن كمسيحيين، وحاشا أن يُقال مثل هذا الافتراء على ابن الله الحى رب الأرباب وملك الملوك.



تصحيح المسيرة

لقد بذلت الكنيسة الكثير من الجهود لتصحيح المسيرة.. قام قداسة البابا شنودة الثالث بإلقاء الكثير من المحاضرات عن الأدفنتست بالكلية الإكليريكية، وصدرت بهذه المحاضرات شرائط.. وقد نُشر العديد من المقالات فى مجلة الكرازة عن الأدفنتست من قبل صدور مطبوعاتهم هذه..

ولقد دُعيت لحضور اجتماع فى كنيسة السيدة العذراء بمسرة-شبرا يوم 30 يونيو سنة 2002م، تكلّمنا ما يقرُب من ساعتين ونصف فى الاجتماع عن بعض معتقدات الأدفنتست، وقمنا بمعونة الرب بالرد عليهم فى هذه النقاط:

ادعائهم بأن عبادتنا هى عبادة وثنية.

ادعائهم بحفظ يوم السبت ووضّحنا أن يوم الأحد هو يوم الرب؛ اليوم الذى نفرح فيه بقيامته من الأموات، وليس يوم السبت كما يدّعون؛ أن فرحهم هو فى اليوم الذى كان فيه الرب فى القبر أى يوم السبت.. فهذه هى فرحة اليهود.

موضوع البخور والشموع وتكريم الأيقونات.

لا يؤمنون بعذاب الأشرار.

اعتقادهم بوراثة السيد المسيح للميل الطبيعى للخطية واحتمال الخطأ بالنسبة له.

بالطبع لم يتسع الوقت للرد على كل العقائد فى اجتماع واحد.. وقد عرفت بعد الاجتماع أن جلال دوس وزوجته الأجنبية كانا من الحاضرين هذا الاجتماع.. وقد سمع الردود بآيات كثيرة جداً عن العقائد الخاطئة للأدفنتست.. ولكن قد حضر أناس اجتماعه الخاص بعد ذلك ليعرفوا رد فعله من حضوره اجتماعنا فى كنيسة العذراء مسرة وسماعه للردود بآيات من الكتاب المقدس على المعتقدات الخاطئة التى للأدفنتست. وكانت المفاجأة إنه وقف فى اجتماعه يقول: لم يرد الأنبا بيشوى على كل النقاط لمعتقدات الأدفنتست فى الاجتماع بكنيسة مسرة! بالطبع هذا شئ طبيعى لأنه ليس من المعقول أن نرد على كل الأفكار لبدعة مثل بدعة الأدفنتست فى عظة واحدة.. كان لابد أن يناقش ما قلناه ويعرض وجهة نظره ويترك المستمع يميّز بدلاً من تعليقه فقط عن كل العظة أن هناك نقط لم يُرد عليها.

بالرغم من كل المحاولات التى بذلناها لتصحيح أفكارهم إلا أنه ظلّ متمسكاً بهذا التيار المخرِّب. فلا يمكن أن تصمت الكنيسة أمام هذا الأمر.. ولذلك ينبغى أن تُوزع الكثير من الكتب والنشرات والنبذات والشرائط الأرثوذكسية فى كنائسنا وفى المنازل.. والمَثل يقول {الوقاية خير من العلاج}.



توعية شعبنا

لابد أن نُسرع فى تعليم شعبنا ما هى أخطاء الأدفنتست قبل أن يخدعوهم بكلام ملِق أو بكلام معسول ويدِّسوا لهم السم فى العسل.. وهذا ما هو حادث حالياً، فمن يقرأ كتاب "مشتهى الأجيال" لإيلين هوايت الذى يوزّع مجاناً؛ يجد فيه كلام تفسير كثير من الممكن أن يبدو للقارئ أن هناك تأملات وشروحات قد تكون مفيدة، لكن فى وسط كتاب أكثر من 800 صفحة نجد أن الأخطاء الكثيرة الموجودة فيه إذا تجمّعت ربما تُكوِّن 10 صفحات؛ لكن هذه العشر صفحات فى وسط الـ 800 صفحة من الممكن أن تتسبب فى تخريب الإيمان كله..

لذلك؛ نحذّر شعبنا من قراءة هذه الكتب. وعندما تُوزّع عليهم هذه الكتب مجاناً، نطالبهم بإعطائنا إياها وسنعطى لهم كتب أرثوذكسية يستفيدون منها بدلاً من هذه المفسدات للإيمان..

نرجو من الآباء الكهنة والخدام فى كل مكان فى أنحاء الكرازة المرقسية أن يحذّروا شعبنا من هذه البدع.. وأن يقوموا بجمع هذه الكتب والمطبوعات التى تصل لهم.

سألنى البعض ماذا تستفيد من هذه الكتب الخاصة بالأدفنتست؟ والإجابة: من الممكن عندما نقوم بتدريس هذه الهرطقات والرد عليها فى الكليات الإكليريكية وفروعها ومعاهد اللاهوت، نوزّع نسخ من هذه الكتب على الطلبة ونطلب منهم أن يفتحوا معنا الصفحات المطلوب دراستها، وتكون هذه فرصة لأن يدرسوا هذه البدعة ويعرفون الرد عليها من شروحاتنا لهم. لكن لا نقوم بتوزيع هذه الكتب على الشعب وعامة الناس. فإذا قمنا باستخدامها، لابد أن نستخدمها فى مؤسسات تعليمية للرد على هذه البدع والهرطقات.



الوعد الإلهى

معنا وعد من السيد المسيح أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ستظل صامدة وثابتة فى الإيمان؛ يقول الكتاب "مبارك شعبى مصر" (أش19: 25). وقال "يكون مذبح للرب فى وسط أرض مصروعمود للرب عند تُخمِها"(أش19:19).

ولدينا وعد أن الكنيسة كلها عموماً لا تقوى عليها بوابات الجحيم كما قال السيد المسيح "على هذه الصخرة أبنى كنيستى وأبواب الجحيم لن تقوى عليها" (مت16: 18). وأن كل آلة صوّرت ضدها لا تنجح "كل آلة صوّرت ضدك لا تنجح" (أش54: 17) مهما كانت إمكانيات جلال دوس بملايين الجنيهات أو الدولارات..

نطلب من شعبنا أن يكونوا ثابتين وراسخين فى الإيمان بشفاعة العذراء القديسة مريم ورئيس الملائكة الجليل ميخائيل وبصلوات صاحب القداسة البابا شنودة الثالث أطال الرب حياته.

ولإلهنا كل مجد وكرامة الآن وكل أوان وإلى الأبد آمين



1) بعد تسجيل الشريط التاسع من سلسلة تبسيط الإيمان، اتضح أنه قد باع هذه الشركة وبدأ يمارس أنشطة أخرى.. سمعنا أنه قد بدأ يفتح محلات لبيع الأكل النباتى فى مصر الجديدة، وربما يقصد بذلك أن يجتذب الأرثوذكس لشراء الأكل من عنده فى أيام الصوم!!.

2) ربما يكون نشاطه قد تقلّص بدرجة معينة بعد مقاومة الكنيسة الأرثوذكسية الشديدة له فى السنوات الأخيرة.

[3] ) Seventh-day Adventists Believe A Biblical Exposition of Fundamental Doctrines – Seventh – Day Adventists, General Conference Ministerial Association – U. S. A. by the Review and Herald Publishing Association Hagerstown, Maryland.

3) بعض المقتطفات التى سنعرضها من كتاب "مشتهى الأجيال" لإيلين هوايت ستُكتب بالخط المائل وسنضعها بين هذا الشكل من الأقواس [ ].

4) على صفحة 714 [ولم يصوّر له الرجاء أنه سيخرج من القبر ظافراً. ولا أخبره عن قبول الآب لذبيحته].

5) فى هذا الكتيب فى بند رقم 4 تحت عنوان: بعض التناقضات فى كتاب "مشتهى الأجيال
".
 
أعلى