(2) ما هي الصلاة، أو ما هو تعريف الصلاة
بالطبع نحن لا نستطيع ان نضع تعريف للصلاة من عندنا وحسب تأملاتنا الخاصة، فنحن لا نتعرف على معنى الصلاة إلا من خلال الإنجيل بشارة الحياة الجديدة، ومن خلال كلام الرب يسوع نفسه في حديثه في إنجيل يوحنا الإصحاح السادس:
· فقال لهم يسوع: الحق، الحق، أقول لكم ليس موسى أعطاكم الخبز من السماء، بل أبي يُعطيكم الخبز الحقيقي من السماء. لأن خبز الله هو النازل من السماء الواهب حياة للعالم.
· فقالوا له: يا سيد أعطنا في كل حين هذا الخبز.
· فقال لهم يسوع: أنا هو خبز الحياة، من يُقبل إلي فلا يجوع ومن يؤمن بي فلا يعطش أبداً. ولكني قلت لكم أنكم قد رأيتموني ولستم تؤمنون. كل ما يُعطيني الآب فإليَّ يُقبل، ومن يُقبل إليَّ لا أخرجه خارجاً. لأني قد نزلت من السماء ليس لأعمل مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني، وهذه مشيئة الآب الذي أرسلني: أن كل ما أعطاني لا أتلف منه شيئاً، بل أُقيمه في اليوم الأخير. لأن هذه مشيئة الذي أرسلني أن كل من يرى الابن ويؤمن به تكون له حياة أبدية وأنا أُقيمه في اليوم الأخير.
· فكان اليهود يتذمرون عليه لأنه قال أنا هو الخبز الذي نزل من السماء. وقالوا أليس هذا هو يسوع ابن يوسف الذي نحن عارفون بابيه وأمه، فكيف يقول هذا إني نزلت من السماء.
· فأجاب يسوع وقال لهم لا تتذمروا فيما بينكم. لا يقدر أحد أن يُقبل إليَّ أن لم يجتذبه الآب الذي أرسلني وأنا أُقيمه في اليوم الأخير. أنه مكتوب في الأنبياء: ويكون الجميع متعلمين من الله فكل من سمع من الآب وتعلم يُقبل إليَّ. ليس أن أحداً رأى الآب إلا الذي من الله، هذا قد رأى الآب.
· الحق، الحق، أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية. أنا هو خبز الحياة. آباؤكم أكلوا المن في البرية وماتوا. هذا هو الخبز النازل من السماء لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت.
هنا الرب يكشف عن سرّ فعل الصلاة وعمل قدرتها،
لأن الصلاة في الأساس هي الإقبال إليه على أساس أنه قوت النفس وشبعها الحقيقي: "من يُقبل إليَّ فلا يجوع"
وهو أيضاً ماءها الحي حينما تؤمن به ترتوي ولا تعطش: "ومن يؤمن بي فلا يعطش أبداً"
والسؤال المطروح ضمناً في هذا الكلام،
أو السؤال المستتر الذي جاوبه الرب بوضوح وهو: كيف يُقبل إليه كل واحد؟، بمعنى كيف اذهب لله ومتى؟ والإجابة: "لا يقدر أحد أن يُقبل إليَّ أن لم يجتذبه الآب"
ومن هنا فقط نستطيع أن نفهم معنى الصلاة
بوضوح شديد حسب تعريف الرب نفسه، فتعريف الصلاة في أبسط صورها وأعمقها من جهة الخبرة هو: "نداء إلهي واستجابة بشرية".
فالنداء الإلهي يحرك الوجدان البشري ويُشعل فيه حنين العودة إليه،
أي إلى مكانه الطبيعي المخلوق فيه، وهذا النداء عبارة عن نار إلهية مقدسة آكلة مسكوبة من عند أبي الأنوار، نار تشتعل في القلب والكيان كله، فتولِّد رغبة قوية عارمة في النفس تُشعلها شوقاً في أن ترى نور وجه الله الحي، وتظل تعمل وتستمر تأكل في أعماق القلب من الداخل سراً، إلى أن تنجح في دفع النفس دفعاً للحضرة الإلهية ونطق القلب بصلاة عميقة نابعة عن حاجة شديدة إلى الله الحي.
· فقال بعضهما لبعض (تلمذي عمواس) ألم يكن قلبنا ملتهباً (يلتهب) فينا إذ كان يُكلمنا في الطريق ويوضح (يشرح) لنا الكتب؛ احلفكن يا بنات أورشليم أن وجدتن حبيبي أن تخبرنه بأني مريضة حباً. (لوقا 24: 32؛ نشيد 5: 8)
أنتبه عزيزي القارئ لأن اللهيب هنا، هو سرّ عمل الله في القلب الخفي،
أي في أعماق القلب من الداخل، لأن صوت الله ليس مثل أي صوت آخر، بل صوت مؤثر قوي مثل المطرقة يأتي من الداخل، أي في باطن القلب من الأعماق السحيقة جداً في النفس، لدرجة أنه يشتعل فيها كنار، حتى تصرخ لتقول إني مريضة حباً مثل عذراء النشيد، وهذا النداء هو الذي يحرك اشتياقات النفس الدفينة نحو خالقها الحبيب.
وفي الحقيقة والواقع الروحي واللاهوتي، هذا هو صوت روحه القدوس فينا،
الذي يوجهنا ويُحركنا نحو المسيح الرب بقوة جذب الآب الخاص، لأن لا يقدر أحد أن يأتي للمسيح الرب من ذاته، بسبب أنه وجد نفسه ضال عنه وبعيد وتائه ومشتت، لأن بسبب كثرة الإثم والعبث مع الخطية فأن المحبة تصير باردة مُطفأة، وفي تلك الحالة فأنه لا يوجد في قلبه أي شوق خاص من نحو الله وبخاصة لو الشهوة هي المالكة على قلبه ويميل نحوها، لأن بطبيعتها تُطفأ الشوق نحو الله الحي وتُصيب الإنسان بالجنون حتى يظل يطعن نفسه بالأوجاع الكثيرة، ويصير مريض شهوته التي تُشعل كل رغبه فيه في أن يُتممها لأنها هي حياته وفرحه الخاص، حتى أنه صار لها عبداً واقعاً تحت سلطان الموت الذي تحمله في باطنها، وكل ضال بهذا الشكل لا يستطيع أن يعرف الطريق من ذاته، بكونه ملهياً باللذة التي تستنفذ كل قواه الروحية والجسدية، فيحيا في حالة تيه في برية قفر العالم اليابس، الأرض الناشفة التي بلا ماء الحياة: عطشت إليك نفسي، يشتاق إليك جسدي في أرض ناشفة ويابسة بلا ماء. (مزمور 63: 1)
لذلك أن لم يجذب الله النفس ويحرك أشواقها الخفية نحوه ويضرم فيها ناره الخاصة،
فأنها لن تتحرك أبداً بكونها لا تشعر برغبة التوجه نحوه، لذلك أن وجدنا فينا أي رغبة من نحو الحياة مع الله فلنتيقن أن هذا هو النداء الإلهي فينا، وأننا في زمن الافتقاد الذي ينبغي أن نتمسك به ونسمع لصوت الروح ونلبي النداء فوراً ولا نضيع الفرصة منا، لأن الدعوة مقدسة والنداء إلهي بالدرجة الأولى، وأي إهمال فيه كفيل أن يطفأه ويبعده عنا زمان طويل لأننا اهملناه ولم نقدر قيمته.
+ يؤتى بها إلى بابل وتكون هُناك إلى يوم افتقادي إياها يقول الرب، فأصعدها وأرُدها إلى هذا الموضع؛ ويهدمونك وبنيك فيك ولا يتركون فيك حجراً على حجر لأنك لم تعرفي زمان افتقادك. (إرميا 27: 22؛ لوقا 19: 44)
لذلك أيها الأحباء علينا أن نُميز زمان افتقادنا
ونسمع ونصغي لصوت الروح القدس ونلبي حركته فينا بلا تواني أو تأخير أو إهمال، لئلا يعبر عنا ويتركنا لحالنا وحينما نُريده لا نجده، ولننتبه لما هو مكتوب لأنه مهم لخلاص نفوسنا:
· أنا نائمة وقلبي مستيقظ، صوت حبيبي قارعاً: افتحي لي يا أختي، يا حبيبتي، يا حمامتي، يا كاملتي، لأن رأسي امتلأ من الطل وقُصصي من ندى الليل.
· قد خلعت ثوبي فكيف ألبسه، قد غسلت رجلي فكيف أوسخهما.
· حبيبي مد يده من الكوة فأنت عليه أحشائي.
· قمت لأفتح لحبيبي ويداي تقطران مُراً وأصابعي مُرّ قاطر على مقبض القفل، فتحت لحبيبي لكن حبيبي تحوَّل وعَبر، نفسي خرجت عندما أدبر، طلبته فما وجدته، دعوته فما أجابني. (نشيد 5: 2 – 6)
· يا أورشليم، يا أورشليم، يا قاتلة الأنبياء وراجمة المُرسلين إليها، كم مرة أردت أن أُجمع أولادك كما تُجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا. (لوقا 13: 34)
· ويهدمونك وبنيكِ فيكِ ولا يتركون فيكِ حجراً على حجر لأنك لم تعرفي زمان افتقادك (لوقا 19: 44)
· من له أُذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس؛ اليوم أن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم (رؤيا 2: 29؛ عبرانيين 4: 7)
· يؤتى بها إلى بابل (يتكلم عن السبي) وتكون هناك إلى يوم افتقادي إياها يقول الرب فأصعدها وأردها إلى هذا الموضع. (أرميا 27: 22)