عوالمنا الأربعة......

shadymokhles

أبــــن المسيـــــــــــح
عضو مبارك
إنضم
16 ديسمبر 2006
المشاركات
306
مستوى التفاعل
3
النقاط
0
الإقامة
حضن يسوع
عوالمنا الأربعة

كيف يفهم الإنسان بيئته ومجتمعه



هناك أربع عوالم تختلف عن بعضها فى عدة خصائص نعيش ضمنها، وهذه العوالم:



[
B]العالم الأول،[/B] هو العالم المادى الذى يعرفه الجميع وهو يضم الكون

المادى كواكب وأقمارا ونجوما ومجرات وكافة العناصر والقوى المادية، فيضم كل ما يوجد على الأرض

من جبال وبحار وبراكين وعواصف..، ويضم كافة العناصر والمركبات الكيميائية وما ينتج عنها، ويشمل

أيضاً كافة المنتجات المادية التى صنعها الإنسان أو الحيوان، وهذا العالم المادى أصبحنا الآن ندركه

بشكل أوسع مما كان يدركه المفكرون والفلاسفة السابقون، فنحن الآن نعرّف العالم المادى الآن

بالعالم الفيزيائى الذى يشمل المادة والطاقة معاً وأنه يمكن أن تتحول إحداهما إلى الأخرى، وهو

أصل وأساس بقية العوالم.

العالم الثاني، هو عالم الكائنات الحية أى كافة أشكال الحياة إن كانت نباتات أو حيوانات صغيرة أم

كبيرة، ويشمل كافة خصائص هذه الكائنات، مثل الغرائز والعواطف. وكذلك المجتمعات أو البنيات

التى تتكون من عدد من الكائنات الحية.

لقد كان جهد وفكر الإنسان الأول موجه نحو معرفة وفهم هذا العالم، وقد ميز عالم الكائنات الحية

عن عالم المادة وكان يعتبر أن للكائنات الحية روحا. وإن كان فى كثير من الأحيان يتصور أشياء

العالم المادى كأنها كائنات حية، أى كان يخلط بين العالمين المادى والإحيائي.

العالم الثالث، هو عالم الأفكار أو عالم الكائنات الفكرية وهو يشمل الأفكار التى تشكلت فى عقول

الكائنات الحية وبشكل خاص الإنسان، ويشمل أيضاً الأفكار والمعارف المتوضعة خارج العقول فى
الكتب وغيرها.

هذا العالم لم يميزه الإنسان بوضوح إلا متأخراً. لقد ميز الإنسان خصائصه النفسية أو الروحية

والفكرية عن باقى الموجودات وأعطى لنفسه خصائص شبيهة بخصائص الآلهة التى ابتدعها، ولاحظ

أن هناك اختلافا جذريا بينه وبن الكائنات الحية الأخرى، نتيجة امتلاكه تلك الخصائص، والآن بدأت

تظهر بوضوح صفات وخصائص هذا العالم "عالم الفكر".

ويمكننا إضافة عالم رابع وهو عالم التكنولوجيا، ويضم كافة أشكال المنجزات البشرية المادية

المصنوعة، من الفأس والسكين والمحراث إلى المحطات الفضائية...، والكومبيوترات وروبوتات... ،

ومنجزات الثورة البيولوجية، وكافة المنجزات الحضارية من منشآت ومؤسسات وبنيات اجتماعية.

وهناك تأثيرات متبادلة بين هذه العوالم الأربعة تؤدى لنشوء أشياء وبنيات جديدة لا مثيل لها ولا

يمكن أن تخطر على فكر.


هل يمكن أن يتوقع أو يصدق إنسان عاش قبل 1500 سنة إلى أين وصلنا الآن؟ وكذلك لا يمكننا أن

نتصور ما سيحدث بعد بضع مئات من السنين.

لقد نظر كارل بوبر إلى هذا الوجود بوصفه مكوناً من أربعة عوالم وتداخلاتها وعلاقاتها وهذه العوالم

الثلاثة هي: العالم الفيزيقى المادي، وعالم الكائنات الحية، وعالم الوعى والشعور والمعتقدات

والميول النفسية أى العالم الذاتي، وعالم الفكر والفلسفة والعلم والفن والنظم السياسية

والتقاليد والأعراف والقيم... إنه العالم المحتوى فى الكتب والمتاحف والكومبيوتر..، فهو باختصار

عالم الحضارة الإنسانية، وأهم مكوناته اللغة.

لقد ميز بوبر بين جزئين من عالم الفكر وجعلهم عالمين، وفى رأيى هذا غير ضروري، وكان تركيزه

على عالم الفكر -بعكس برغسون الذى ركز مجهوده على عالم الكائنات الحية -، وقال إن من

المهام الأساسية للعقل البشرى أن يجعل العالم الذى نحيا فيه مفهوماً لنا، وتلك هى مهمة العلم

أيضاً وفى هذا المشروع ثمة عنصران مكونان مختلفان وعلى قدم المساواة من الأهمية. العنصر

الأول هو الإبداعية الشعرية، أى سرد الأقصوصة أو نسج الأسطورة : ابتداع الأقاصيص التى تفسر

العالم، والسعى لوضع أو تخيل سيناريو لما حدث فى الماضى وما سوف يحدث فى المستقبل،
ومحاولة تفهم العالم، وحياة الإنسان وموته.

إن الأهمية القصوى لهذا العنصر المكون الأول، والذى كان قديماً قدم اللغة البشرية ذاتها. ويبدو أنه

مبدأ عمومي: كل القبائل وكل الشعوب لها مثل هذه الأقاصيص التفسيرية، ويبدو أن ابتداع

التفسيرات والأقاصيص التفسيرية إحدى الوظائف الأساسية التى اضطلعت بها اللغة البشرية. أما

العنصر المكون الثانى وهو العقلانية فذو تاريخ حديث نسبياً وهو نشأ عندما سعى الإنسان لكشف

البنيات المحددة والثابتة، المضمرة فى الوجود، وبناء النظريات التى تفسر صيرورة حوادث الوجود

، وتمثيلها ببنيات لغوية فكرية أو مفاهيم يتم تداولها بين الناس. وهنا نجد ضرورة الاتفاق على هذه

النظريات وتوحيدها، لتحقيق تعامل الجميع بها، وإلى ضرورة أن تكون هذه لها درجة تطابق عالية مع الواقع لكى تحقق الغاية منها.

إن النظريات مهمة ولا غناء عنها لأننا من دونها لن نستطيع أن نعيش، وحتى ملاحظاتنا يتم تأويلها

بمعونة هذه النظريات. تصورنا لعالم الفكر الآن إن عالم الفكر أو عالم البنيات الفكرية هو الأفكار

والمفاهيم والمعارف والإبداعات الفكرية والفنية، ويضم الفلسفة والمنطق والعقائد وغالبية الفنون

وكافة العلوم، وهو عالم مواز للعالم الواقعى المادى ومنبثق عنه، ولكنه له عناصره وقوانينه وآلياته

وخصائصه التى تختلف عن العالم المادى الفيزيائى اختلافات هامة، منها أن عالم الفكر لا يخضع

للقوانين الفيزيائية والطبيعية المادية بشكل كامل، فالمكان والزمان، وكذلك التفاعلات يمكن أن

تجرى فيه بطريقة مختلفة و حسب آليات و قوانين مختلفة عن التى فى العالم المادي.

ففى عالم الفكر يمكن السير عبر الزمن ذهاباً وإياباً، إلى الماضى أو إلى المستقبل وبذلك يمكن

السير بسرعة أكبر من سرعة الضوء، ويمكن إجراء تفاعلات كثيرة لا يمكن أن تجرى فى الواقع
الفيزيائي.
إن هذا يجعل عالم الفكر أوسع و أشمل وصيرورته أسرع من العالم المادى بكثير. ففى عالم الفكر

يمكن التحرر من أسر الواقع المادى وتفاعلاته المحدودة بالمكان و الزمان والقوانين الفيزيائية

، والانطلاق عبر الزمان "عبر التاريخ" والقيام بتفاعلات وتجارب فكرية يستحيل إجراؤها مادياً أو واقعياً.
والتفاعلات الفكرية يمكنها أن تستبق تفاعلات الواقع الفيزيائى بواسطة التنبؤات و التصورات أو

التخيلات المرتكزة على العلوم الوضعية والواسعة والمتطورة.


وإمكانيات عالم الفكر فى المساعدة فى تحقيق الأهداف و الغايات والمشاريع والدوافع الفردية


والجماعية هائلة جداَ، مثال: الفكر الدينى وهو جزء من عالم الفكر، يقوم بدور كبير وفعَال للكثير من
الناس.
ووجودنا، هو وعينا، وهو موجود فى عالم الفكر. أى نحن كشعور ووعى موجودون فى عالم الفكر

فقط.
الكائنات الفكرية أو الأفكار
إن الكائنات الفكرية أو البنيات الفكرية هي: بنيات غير مادية والأفكار هى شكل متطور من أشكال

الكائنات الفكرية، وهى تكون عالم الفكر.


مثلما نشأت الكائنات الحية من العناصر والمركبات الكيميائية بعد أن تفاعلت حسب القوى والآليات

الموجودة، كذلك نشأت الكائنات الفكرية فى الأجهزة العصبية لدى الكائنات الحية. وكان نشوؤها متسلسلاً ومتطورا، إلى أن وصلت إلى ما هى عليه لدينا فى الوقت الحاضر.


فالكائنات الفكرية تتكون فى أول الأمر - أو فى شكلها الخام - فى الجهاز العصبى من السيالات

العصبية الكهربائية الواردة من المستقبلات الحسية.

فالمتقبلات الحسية بكافة أشكالها تحول - أو ترمز - بعض أنواع التأثيرات الفيزيائية - ضوئية، صوتية،

حرارية، ميكانيكية، كيميائية، إلى نبضات عصبية كهربائية على شكل سيالات كهربائية عصبية،

ترسل إلى الدماغ الذى يقوم بتقييمها وتصنيفها بناءً على نتائج تأثيراتها على الجسم، إن كانت

مفيدة أو ضارة أو محايدة، ثم يقوم بالاستجابة بناءً على ذلك.

لقد كانت هذه البنيات بمثابة وسيلة إعلامية، وكذلك وسيلة تنفيذية تقوم بالاستجابات إن كانت

استجابات كيميائية فزيولوجية، أو حركية، وتطورت ليصبح جزء منها حسيًا واع. ولدى الإنسان الذى

يعيش فى مجتمع تطورت هذه البنيات الفكرية العصبية، فترابطت سلاسل لتشكل بنية فكرية

متطورة -العقائد والفلسفات والعلوم... -.
لقد حدثت قفزة كبيرة عندما مثلت بعض البنيات الفكرية بإشارات -أصوات وتعبيرات وحركات تدل

عليها، وهذا أدى لنشوء البنيات اللغوية. فهذه الدلالات - أو البنيات اللغوية الفيزيائية - عادت

ودخلت إلى الدماغ كمدخلات حسية، وتحولت من جديد لبنيات فكرية خاما وأصبحت بنيات فكرية

دلالية أو لغوية، فهى ترمز إلى أفكار تم إرسالها من إنسان إلى آخر. وبذلك نشأت وسيلة تستطيع

بها هذه البنيات الفكرية الخروج من الدماغ أو العقل الذى نشأت فيه بالانتقال إلى دماغ أو عقل آخر،

أى نشأت وسيلة للتواصل بين الناس.

وهذا يتم بعد أن تتحول البنيات الفكرية اللغوية إلى بنيات فيزيائية لغوية دلالية - مؤثرات فيزيائية

إشارات وأصوات وحركات وإيماءات - فإذا تلقتها حواس إنسان آخر يمكن أن تصل إلى دماغه وتتحول

إلى بنيات فكرية لغوية ثم إلى بنيات فكرية، هذا إذا تم فك رموزها. وبهذا استطاعت البنيات

الفكرية أن تنتقل من دماغ إنسان إلى آخر، وتصبح مهيأة لكى تتوضع فيه. أى يمكن أن تتحول

البنيات الفيزيائية الدلالية أو اللغوية، إلى بنيات فكرية عصبية، وتتوضع فى دماغ المتلقى - وكانت

هناك أفكار كثيرة بقيت فى عقول صانعيها ولم تخرج وماتت معهم -، وهذا لا يحدث إلا إذا وجدت

بيئة مناسبة لها، فيجب أن تنسجم وتتوافق مع البنيات الموجودة، ولا تناقضها.

هذا إذا تم فهمها - أى تم تمثيلها ببنيات فكرية مناسبة -، وليس ضرورياً أن تكون البنية الفكرية

المتكونة مطابقة للأصل الذى كانت عليه فى دماغ المرسل، أى يعاد تشكيلها حسب قدرات

وخصائص الدماغ المتلقي، لذلك هى غالباً ما تتعرض للتعديل والتغير عندما تنسخ فى عقل

المتلقي.
إن الأفكار تنتقل من عقل إلى آخر، فيتم نسخها وانتشارها فى أدمغة الكائنات الحية المتطورة

وليس الإنسان فقط ، وهذا يشبه توالد وانتشار البنيات الحية التى تنسخ وتنتشر بالتوالد. وكذلك

تتطور الأفكار وتنشأ أفكار جديدة مثلما تتطور وتنشأ البنيات الحية، والأفكار تولد وتموت مثل

الكائنات الحية، والأفكار تدافع عن نفسها وتحافظ عليها.

ويمكن تشبيه الأفكار أيضاً بالجينات أو الفيروسات، فهى تنتقل من عقل لآخر، كما تنتقل

الفيروسات من جسم لآخر.
وكما ذكرنا، لكى تنتقل وتنسخ وتنتشر الأفكار فى العقول لابد من توفر عوامل وظروف معينة، وأهم

هذه العوامل هي: أولاً: الاتصال بين العقول، وذلك بحدوث النقل والتلقى أو التواصل، وبالتالى

التوضع أو التخزين، وذلك بوجود أى نوع من اللغة - إشارات شمية، أو أشارات بصرية، أو إشارات صوتية.., بالإضافة إلى جاهزية الحواس والعقل، للتواصل والتلقى المناسب.

ثانياً: عدم وجود ما يمنع من تبنى الأفكار, فوجود أفكار سابقة يؤثر على الانتقال والتبنى للأفكار. وكذلك عدم جدوى هذه الأفكار.
ثالثاً: المحاكاة والتقليد والتى تملكها غالبية الكائنات الحية، تؤثر بشكل كبير على انتشار الأفكار لدينا.
قوى الكائنات الفكرية

إن الكائنات الفكرية تستخدم عقل الإنسان لحمايتها، فبعد أن تتوضع فى دماغه، تدفعه للدفاع عنها
والسعى لنشرها فى العقول الأخرى، وهى تقاوم الكائنات الفكرية الأخرى، وتسعى لمنعها من الدخول إلى الدماغ الموجودة هى فيه.
فالفكرة متى دخلت العقل وتوضعت فيه، تمنع الأفكار الأخرى من الدخول والتوضع، إذا لم تكن متسقة معها أو تناقضها. فهى تقبل دخول الأفكار التى تؤيدها أو التى تنسجم معها ولا تخالفها. "إن عدداً لا يحصى من البشر منذ العصور القديمة حتى العصور الحديثة، على استعداد لأن يعيشوا ويموتوا من أجل اقتناعاتهم، من أجل الأفكار - الأفكار التى يعتقدون أنها صحيحة. ويمكن القول إن الإنسان لا يبدو حيوانا عاقلاً أكثر منه حيوانا أيديولوجياً".
إذاً الأفكار والمفاهيم والمعارف تتفاعل مع بعضها ضمن الدماغ، فتتطور وتتشكل أفكار جديدة، و تسعى للخروج من الدماغ الذى تكونت فيه والدخول إلى الأدمغة الأخرى.
وكما قلنا تتصارع هذه الكائنات الفكرية مع بعضها، وهى تشكل مجموعات -أحزابا - متعاونة مع بعضها، وتتصارع مع الأحزاب الأخرى. فيهزم بعضها، ويتراجع انتشار بعضها، ويزداد انتشار المنتصر. ويمكن أن تقضى على منافسها أو توقف انتشاره، وتموت مع موت الدماغ الحامل لها، ولكن يمكن أن تبقى نسخ منها فى عقول أخرى. وهذا يشبه ما يحصل للغات عندما تنتشر أو تنحسر أو تموت، لأن اللغات هى فى أساسها صورة أو ممثل للبنيات الفكرية.
إن الأفكار والعقائد والأحاسيس والانفعالات البشرية، تنتقل نتيجة العلاقات الاجتماعية، وبشكل خاص عن طريق العلاقات الأسرية، وبالذات عن طريق الأم، فللأم الدور الأكبر "بالإضافة للأب" فى نقل البنيات الفكرية، وتنقل أيضاً التقييمات الأساسية التى تحدد المفيد أو الضار.

فهى التى تعلم طفلها كيفية اختيار طعامه، وكيفية تعامله مع الأوضاع التى تصادفه.
بتعليمه أسس تقييم هذه الأوضاع من ناحية فائدتها أو ضررها له. فهى بالإضافة لأفراد أسرته والمتعاملين معه، يزرعون فى عقله أو يبرمجون عقله. فهم ينقلون له الأفكار والمعارف والعقائد

والمشاعر.. التى هم توارثوها أيضا من أسرهم و مجتمعهم.
صحيح أنه الآن يوجد الإعلام، الممثل بالمدارس وباقى طرق التعليم، بالإضافة إلى الراديو والتلفزيون وكافة وسائل الإعلام. وهى غالباً ما تساعد على توحيد ما يتم نشره فى أغلب العقول. ولكن يبقى الكثير من الاختلافات التى ينشرها هذا الإعلام الموجه، مع ما يكتسب من الأسرة والمحيط القريب الموجود فيه الفرد.
إن هذه الظاهرة هى من أهم أسباب الاختلافات والتناقضات الفكرية والعقائدية بين البشر، وذلك نتيجة توسع العلاقات البشرية لتشمل مجالا واسعا، من الجماعات المختلفة بالأفكار والعقائد والقيم, وهى التى تولد الآن أكثر الصراعات بين البشر.

فالبنيات الفكرية تتصارع مع بعضها، فكل بنية فكرية تسعى لكى تتوالد وتنتشر فى العقول، وتسعى إلى منع غيرها من البنيات الفكرية من الانتشار فى تلك العقول، وهى تدافع عن بقائها وانتشارها تجاه الأفكار الأخرى. وهى تستخدم فى صراعها هذا كافة قدرات الإنسان الفكرية والمادية والاجتماعية والاقتصادية.
والملاحظ أن انتصار الأفكار وانتشارها فى العقول، مرتبط بالقدارات التى يملكها الذين يتبنونها ويدافعون عنها، وعددهم فى المجتمع. وذلك بغض النظر عن صحة أو دقة أو فائدة هذه الأفكار. فإذا حدث جدال فكرى "أو صراع بين البنيات الفكرية" بين شخصين أو فريقين، فالنصر سوف يكون للذى يملك قدرات أكثر ويستخدمها فى هذا الصراع، وسوف يكون لعدد أفراد الفريق تأثير كبير فى تحقيق النصر. وذلك بغض النظر عن دقة أو فائدة الأفكار المنتصرة.
وهذا ينطبق على كافة أشكال البنيات الفكرية، إن كانت عملية، أو عقائدية، أو علمية. فالذى يقرر بقاء البنيات الفكرية، وانتشارها فى أكبر كمية من عقول أفراد المجتمع، هو ما يلي:
1 - عدد الذين يتبنونها فى المجتمع، فمهما كانت الأفكار دقيقة أو مفيدة ولكن الذين يتبنونها قلائل جداً، فهى لن تنتشر.
2 - ارتباطها مع بعضها ومع المنتشر فى المجتمع، فكل الأفكار التى تناقض أو لا تنسجم مع ما هو موجود سوف تقاوم وتمنع من الانتشار، وبغض النظر عن دقتها أو فائدتها.
3 - كمية القدرات الفكرية والمادية والاجتماعية..، التى يملكها من يدافع عنها ويسعى لانتشارها.
4 - توافقها مع الأوضاع والظروف المادية والاجتماعية والاقتصادية، الموجودة فى المجتمع. لذلك عندما تتغير الأوضاع والظروف، يصبح احتمال انتشار أفكار جديدة أكثر، لأن الأوضاع الجديدة تؤدى إلى ظهور ضعف وعدم جدوى الأفكار غير المفيدة المنتشرة فى العقول. وهذا يساعد فى نمو وانتشار الأفكار الأصح والأفضل، للأفراد وللمجتمع ككل.
إن هذه الكائنات الفكرية معنا منذ زمن وهم يقودوننا ويتحكمون بنا ويفرضون علينا تأثيراتهم وقواهم، وفى كافة مجالات حياتنا، صحيح إنهم لن يقضوا علينا، ويمكنهم أن يساعدوننا فى كافة المجالات، ويستطيعوا أن يساعدوننا فى حل أهم مشكلة بالنسبة لنا وهى الموت ويستطيعوا أن يفتحوا لنا الكثير من مجالات الوعى والإحساس، وكذلك ممكن أن يحدث العكس.
والكائنات لا تموت بسهولة، وإنما تقضى جزءا هائلا من الحياة فى محاولة يائسة للبقاء الدائم إذا أمكن.
لذلك سنرى أن كل إيديولوجيا تسخر كل ما يمكن تسخيره من ناس وفكر وعنف للسيطرة والديمومة، لكن قانون الكون الأول لا يسمح لأى حى بالخلود لأن قانونه هو التغير الدائم. لذلك أقول إن على المرء أن لا يتعجل الطبخة وأن لا يحاول التصدى لها، فقوانين الكون الجبارة سارية المفعول على أجسامنا ومعتقداتنا مهما تشبثت بالحياة.
ومن ثمة، فإننى أجزم أن الصراع بين الأصالة والتفتح، الإيمان/ والإلحاد، والعقل/ النقل، والمعقول/ واللامعقول وسائر ما يطلق من التسميات لوصف بعض المضاعفات الفكرية والسياسية هنا وهناك الناتجة عن التطاحن التكنوإيديولوجى لحضارتين مختلفتين سيتواصل زمنا لا يمكن تحديده بالضبط وأن نفس العملية ستجدد على مر العصور كلما تغيرت المعطيات التكنولوجية، وأن قوى التحرر والاستبداد ستستمد دوما أسلحتها من هذا الصراع وتشارك فيه بهذه الأسلحة.
هل يعنى هذا أننا مسيرون لا مخيرون لا من قبل قوة غيبية قاهرة ولكن من طرف قوة تكنولوجية، إيديولوجية، وأن علينا أن نكتفى بمحاولة الطفو على سطح هذا المحيط المضطرب الذى تتحرك فى أعماقه طبقات جيولوجية جبارة لا قبل لنا بالتعرض لها، والقول، أن دورنا على تواضعه فى دفع المشروع التحررى إلى الأمام، يقتضى منا دوما أن نحاول إضافته إلى ما يغلى فى قدر التاريخ دون أن نجزم بشيء.
يصبح السؤال عندئذ ما الذى يمكن أن نضيفه من تصورات وأفكار تكون فى خدمة التحرر بعد أن اقتنعنا بالنصف الآخر للمعادلة أى ضرورة هضم البديل التكنولوجى والعمل دوما على تطويره؟ لنركز من جديد على أن الثورة التكنولوجية تولد الثورة الإيديولوجية وتتولد عنها فى إطار العلاقة الدائرية والترابط الوثيق الذى يجب أن لا نغفل عنه لحظة واحدة. يمكن اعتبار الإنسان، والبنيات الفكرية، والبنيات التكنولوجية الآن هم البنيات الأكثر تطوراً فى هذا الكون، فهم على قمة سلسلة البنيات التى تشكلت حتى الآن. فبنشوء الكائنات الفكرية المتطورة ودخولها فى التفاعلات متبادلة مع البنيات التكنولوجية المتطورة والتى يتم نشوء المتطور منها باستمرار، وبمشاركة الإنسان وما يملك من دوافع وغايات ورغبات، صار كل منهم يساعد وينمى الآخرين، وتسارع نمو وتطور الثلاثة معاً، وهذا أحدث أو سوف يحدث قفزة فى سلسلة تطور بنيات الوجود لا يمكن لنا تصور أبعادها. فهذه القفزة يمكن تشبيه تأثيراتها، لا بانفجار "سوبر نوفا" بل بانفجار "كوزار" من حيث تأثيراتها الكبيرة، على سرعة تطور بنيات الوجود وتشكل البنيات الجديدة.
وبالنسبة لنا فالمستقبل سوف يكون مختلفا وهائل الاختلاف عن كل ما يمكن أن نتوقع، وعلى كافة المستويات والمجالات، ولكن غالبيتنا لا تدرك ذلك وحتى أنها لا يمكن​
[/
I]أن


تحياتى شادى

وارجوا الموضوع يعجب حضرتك
 

قلم حر

المفدي بالنعمه
مشرف سابق
إنضم
16 أغسطس 2006
المشاركات
8,812
مستوى التفاعل
21
النقاط
0
الإقامة
بلاد الشام
دا بحث .....مش موضوع .
و بحث متميز كمان .
شكرا يا شادي ...ربنا يوفقك .
على فكره : اٍذا كان الموضوع منقول ( أي موضوع ) يا ريت تكتب تحته ( منقول ) ....علشان .
ربنا يبارك حياتك .
 
أعلى