الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الكتاب المقدس
الكتاب المقدس
البحث في الكتاب المقدس
تفاسير الكتاب المقدس
الرد على الشبهات الوهمية
قواميس الكتاب المقدس
آيات الكتاب المقدس
ما الجديد
المشاركات الجديدة
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مكتبة الترانيم
إسأل
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
Install the app
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
المنتديات المسيحية
المنتدى المسيحي الكتابي العام
علم اللاهوت النظامي
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
الرد على الموضوع
الرسالة
[QUOTE="Molka Molkan, post: 2791880, member: 79186"] [FONT="Tahoma"][SIZE="4"][FONT=Times New Roman][SIZE=4][COLOR=Black][B][SIZE=5] (6) هذا القول يناقض تعليم الكتاب في أن هبة المسيح ومحبته ظهرتا بأعظم صورة في الكفارة. فيلزم أولاً أن الغاية المقصودة تستحق تلك الهبة، وثانياً أن الهبة كانت ضرورية لنوال تلك الغاية. فلو أمكن أن نحصل عليها بطريقة أخرى لما ظهرت المحبة الإلهية في هبة المسيح أعظم ظهور. (7) هذا القول يناقض كل ما يعلّمه الكتاب في صدق اللَّه، وعدم تغيير الناموس وضرورة إكرامه، وعدم فائدة الذبائح لأجل الخطية إلا ذبيحة المسيح، واستحالة الخلاص إلا بواسطة عمل ابن اللَّه. إن الكتاب وقلب كل مؤمن يشهدان أن لدم المسيح فقط قيمة كافية للتكفير عن الخطايا. 14 - برهن أن كفارة المسيح توفي عدل اللَّه. * يطلب عدل اللَّه قصاص الخاطئ، وقد أخذ المسيح على نفسه ذلك القصاص ليوفي العدل حقه نيابةً عنا. وجاءت كلمة «عدل» في الكتاب بمعنى الاستقامة في الصفات والعمل. وجاءت وصفاً للحاكم الذي يراعي حقوق شعبه ومصالحهم، وهو العدل المعروف بين الناس. وجاءت أيضاً بمعنى العدل الجزائي أو العقابي، الذي يطلب جزاءً عادلاً للثواب والعقاب، بدون التفات إلى ما ينشأ عن العقاب من النتائج الصالحة. والعدل من صفات اللَّه، فيلزم من ذلك أن عمل المسيح يوفي بالضرورة هذا النوع من العدل، وأن الكفارة تتعلق بالعدل العقابي (انظر ف 12 س 50-57). ويعلمنا الكتاب أن اللَّه عادل، وهذا يحمله على معاقبة كل خطية، وأن إيفاء المسيح الذي يجعل مغفرة الخطية ممكنة قُدّم للعدل الإلهي، وغايته الأصلية الجوهرية ليس التأثير الأخلاقي في المذنبين أنفسهم، ولا العمل التعليمي في غيرهم من الخلائق العاقلة، بل إيفاء ما يطلبه العدل حتى يكون اللَّه عادلاً إذا برر الخاطئ. 15 - برهن أن عمل المسيح الكفاري يوفي ما يطلبه الناموس. * ربما ظهر أن ذلك داخل في السؤال السابق، وجوابه: إذا كان عمل المسيح يوفي العدل فهو بالضرورة يوفي الناموس. غير أن كلمة «ناموس» في الاصطلاح الجاري أعم من العدل، لأن العدل يطلب عقاب الخطية، وأما الناموس فيطلب أكثر من ذلك. ويقتضي بيان ذلك النظر في القضايا الآتية: (1) ناموس اللَّه لا يتغير، فلا يمكن إبطال وصاياه وعقابه. واللَّه قدوس طبعاً، فلا بد أن يطلب دائماً القداسة في خلائقه العاقلة، ولا بد أن يكره الخطية دائماً. ولأنه عادل لا بد أن يدين جميع الخطاة. (2) علاقتنا بالناموس على نوعين: عهدي وأخلاقي. أما العلاقة العهدية فقال الكتاب فيها «تحفظون فرائضي وأحكامي التي إن عملها إنسان يحيا بها» وأيضاً «ملعون كل من لا يثبت في جميع ما هو مكتوب في كتاب الناموس ليعمل به». (3) أعتقنا الإنجيل من هذه العلاقة العهدية للناموس، فلم يبقَ علينا أن نكون خالين من كل خطية وأن نطيع الناموس طاعة تامة، وإلا لما استطاع أحد أن يخلُص. قال الرسول «لسنا تحت الناموس بل تحت النعمة» (رو 6: 14). (4) هذا العتق من الناموس لا يتم بإبطاله ولا بنقض مطلوبه، بل بعمل المسيح إتماماً له عنا. قال الرسول «مولوداً تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني» (غل 4: 5). ويلزم من القضايا المار ذكرها: (أ) أن عمل المسيح يوفي ما يطلبه الناموس. فالمسيح بنيابته عنا وقيامه مقامنا عمل واحتمل بطاعته وآلامه وبره كل ما يطلبه الناموس. (ب) مَن يقبل بر المسيح بالإيمان ويتكل عليه يتبرر بحسبان ذلك البر له، وينال الخلاص. ومن يرفض قبول بر اللَّه هذا وحاول إثبات بر نفسه، تُرِك للناموس أي يطلب منه أن يكون خالياً من الخطية، وإلا وجب عليه العقاب. 16- ما هي الأدلة على أن كفارة المسيح توفي عدل اللَّه عن الخطاة؟ * عرفنا مما سبق: (1) أن عمل المسيح لأجل خلاصنا هو إيفاء حقيقي لا حدود لمقامه وفائدته وقيمته في ذاته. (2) إنه يوفي العدل العقابي الذي يطلب ضرورة عقاب الخطية. (3) إنه كان إيفاءً لناموس اللَّه، قام بما يطلبه اللَّه من البر الكامل لتبرير الخطاة. أما الأدلة على صدق هذا التعليم في هدف الكفارة فهي خمسة: (1) أن المسيح كاهننا. (2) أنه ذبيحتنا. (3) أنه فادينا. (4) شرط نوالنا الخلاص به والفوائد التي نقبلها منه. (5) اختبار المؤمنين الديني. 17 - كيف تبرهن من الكتاب أن المسيح يخلِّصنا لأنه كاهننا؟ * جاء في الكتاب أن المسيح يخلِّص الناس لأنه كاهن، وليس لأنه يستعمل السلطان ولا التعليم ولا التنوير العقلي ولا العمل الخارجي الأخلاقي، ولا بالعمل الداخلي، سواءٌ كان طبيعياً أم فوق الطبيعة، مفهوماً أم سرياً. ولكنه يخلِّص الناس لأنه ينوب عنهم ويقوم مقامهم ويستغفر لهم ويشفع فيهم، بدليل نبوات العهد القديم التي قالت إن المسيح يكون كاهناً وملكاً معاً، وإنه يكون كاهناً على رتبة ملكي صادق. وجاء في العهد الجديد لا سيما الرسالة إلى العبرانيين (التي تركز على أن المسيح كاهن وعمله كهنوتي) القضايا الآتية: (1) ينوب الكاهن عن الخطاة لأن اللَّه أقامه مقامهم ليعمل عنهم ما لا يستطيعون أن يعملوه لأنفسهم. فإذْ عجزوا عن أن يصلوا إلى اللَّه بسبب إثمهم ونجاستهم، اقتضى الأمر إقامة شخص ذي سلطان إلهي ليظهر عنهم أمام اللَّه، ليصالحهم معه. (2) لا تتم هذه المصالحة إلا بواسطة كفارةٍ عن الخطية، فلا يُنزع ذنب الخطية إلا بهذه الطريقة، لأنه بدون سفك دم لا تحصل مغفرة. فالكاهن هو من يُقام عوضاً عن الناس لينوب عنهم في تقديم القرابين والذبائح عن الخطية. (3) تمت هذه الكفارة بإقامة ذبيحةٍ مقام الخاطئ احتملت عنه الموت، أي حملت خطاياه حسب عبارة الكتاب المقدس. فلا يُنزع الذنب إلا بالعقاب الفعلي أي بالكفارة، فإما أن يُعاقب الخاطئ نفسه، أو يُقام شخص آخر مقامه ليحمل ذنبه وعقابه، ويُعتقه من ذنبه ويبرره منه. وهذه هي المسألة الجوهرية في الرسالة إلى العبرانيين. (4) لما كانت حقيقة الكهنوت، والكيفية التي يخلِّص بها الكاهن من ينوب عنهم، قالت رسالة العبرانيين: (أ) خدم الكهنة في العهد القديم بهذه الطريقة التي عيّنها اللَّه، والتي بها ينال المذنب المغفرة الطقسية لخطاياه، فيتمتع بالبركات الخاصة ببني إسرائيل. و(ب) لم تستطع الذبائح أن ترفع الخطية، لأن لا فائدة ذاتية فيها (عب 9:9). (5) بناءً على ذلك كان الكهنوت الهاروني وذبائحه أموراً مؤقتة، ومجرد رموز وظل للكاهن الحقيقي والذبيحة الحقيقية الموعود بهما منذ البدء. (6) اتَّخذ المسيح ابن اللَّه الأزلي طبيعتنا، ليكون رئيس كهنةٍ رحيماً أميناً يكفّر عن خطايا الشعب. (7) المسيح كاهن حقيقي لأن فيه كل الصفات اللازمة للكهنوت، فكان إنساناً ونائباً، وقدّم ذبيحةً، وكان قادراً أن يرثي لشعبه. وقد دعاه اللَّه للكهنوت كهارون. ولأنه قام فعلاً بكل ما يستلزمه الكهنوت. وذلك مثبت من كل الكتاب ولاسيما في العبرانيين ص5. (8) لم تكن الذبيحة التي قدمها لنا رئيس كهنتنا العظيم دم بهائم بل دم نفسه الكريم. (9) إنها الذبيحة الواحدة التي أكملت إلى الأبد المقدسين (عب 10: 14). (10) إنها أبطلت كل ما سواها من الذبائح، فلم تبقَ حاجة لذبائح. (11) الذي يرفض هذه الطريقة للخلاص يهلك، إذ لا تبقى له ذبيحة عن الخطايا (عب 10: 26). فإن كنا نؤمن بصدق الكتاب المقدس وجب أن نؤمن أن المسيح يخلصنا، لا بمجرد قدرته، ولا بالإقناع الأخلاقي، بل لأنه كاهن، ولأنه قدم نفسه ذبيحة كفارة لأجل خطايانا. 18 - كيف تبيّن من الكتاب أن المسيح يخلصنا لأنه ذبيحة؟ * هناك ارتباط كامل بين المسيح الكاهن، وتقديمه نفسه ذبيحة عنا. ويتضح ذلك من قرابين العهد القديم، فبعضها دموي، وبعضها غير دموي. والقصد ببعض القرابين الدموية شيء وببعضها شيء آخر، ومنها ما يتعلق بالكفارة، وهو المسمّى بقرابين الخطية، وأهمها ذبائح يوم الكفارة العظيم. والقصد منها: (1) استعطاف اللَّه واستغفاره حتى يرضى، وتصير مغفرة الذنب التي تقدَّم الذبيحة لأجله موافقاً ولائقاً بالصفات الإلهية. (2) الذين غُفرت خطاياهم نالوا هذا العطف الإلهي بواسطة التكفير عن الذنب، أي أنهم قدموا قرباناً يستر الخطية حتى لا يعود اللَّه يراها، فيزول القصاص. (3) تمّ هذا التكفير بالعقاب البدلي، فالحيوان المذبوح أخذ مكان المذنب فحمل ذنبه، واحتمل القصاص الذي استوجبه. (4) نتيجة قرابين الخطية هي العفو عن المذنب ورضى اللَّه عنه ليعود ويتمتّع بالفوائد التي خسرها. فإذا كان ما ذُكِر هو المعنى الصحيح لذبيحة الخطية حسب الكتاب، فيكون معنى قوله إن المسيح ذبيحة هو أنه ناب عن الخطاة، أي حمل ذنبهم واحتمل عقاب الناموس عوضاً عنهم، فصالحهم مع اللَّه. ليس بمعنى أن اللَّه أخذ يحبهم بناءً على الكفارة، بل أنه صار من الموافق لصفات اللَّه أن يغفر لهم ويردَّهم إلى الشركة معه وإلى رضاه. والأدلة على صدق أن المسيح يخلِّصنا لأنه ذبيحة: (1) كانت ذبائح العهد القديم عن الخطية للتكفير، ويتضح هذا الأمر مما يأتي: (أ) كلام الكتاب الصريح فيها، فإنها سُميت فيه «قرابين الخطية» و«قرابين الإثم» أي قرابين يقدمها الخطاة لأجل الخطية. وقيل إنها تحمل خطايا المذنب وتكفر عن الخطية، أي تسترها عن نظر العدل الإلهي، وأن القصد بها تحصيل المغفرة الذي لا يكون بالتوبة أو الإصلاح قبل تقديم القربان، بل بسفك الدم، أي بدفع نفس عن نفس وحياة عن حياة. ويقول سفر اللاويين إن سبب النهي عن استعمال الدم في الطعام هو أنه أُفرز للتكفير عن الخطية (لا 17: 10، 11). (ب) هناك أربعة شروط ليكون تقديمها مقبولاً: الأول، أن تكون الحيوانات الطاهرة المعينة لتلك الخدمة بدون عيب، وذلك رمز إلى عدم خطأ المسيح الذي صار بديلاً عن الخطاة. والثاني: أن المذنب نفسه يقدم الحيوان إلى المذبح إظهاراً لاعترافه بأنه يستحق العقاب لأجل خطيته. والثالث: أن يضع يديه على رأس الحيوان إظهاراً لمعنى الإبدال وتحويل الخطية، أي وضع خطيته على رأس الحيوان. والرابع: أن الكاهن الذي يذبح الحيوان يأخذ دمه بناءً على أنه خادم اللَّه ويرشّه على المذبح، أو يحمله رئيس الكهنة في يوم الكفارة العظيم إلى قدس الأقداس حيث كان رمز المحضر الإلهي، ويرشّه على غطاء تابوت العهد دلالة على أن الخدمة قد انتهت إلى اللَّه، وعلى أنه قُصد بها ردّ غضبه أي إيفاءُ عدله، وفتح السبيل إلى غفران الخطية المجاني. وكان وضع يدي المذنب على رأس الحيوان ضرورياً لهذه الخدمة. والمعنى العام لوضع الأيدي هو تسليم الشيء، لذلك جرت ممارسة هذا العمل في أحوال مختلفة، منها التعيين للوظيفة، للدلالة على تسليم السلطان إلى الذي وُضعت عليه الأيدي. وكذلك في منح موهبة أو بركة روحية، وفي إقامة واحد مكان آخر للدلالة على تحويل المسؤولية منه إليه، وهو المقصود بوضع اليدين على رأس الحيوان الذي يقوم مقام من يقدمه، ليتحول إليه ذنبه على نوعٍ رمزي. وبناء على ذلك قيل إن الحيوان المذبوح يحمل خطايا الشعب، أو إن خطاياهم ُوُضعت عليه. وكان مدلول هذا العمل واضحاً على نوع خاص في خدمة يوم الكفارة العظيم، فإن اللَّه أمر بأخذ تيسين من المعز ليكون أحدهما ذبيحة خطية، وليُطلق الآخر في البرية. وكان الاثنان ذبيحة واحدة، فكان هارون يضع يديه على رأس التيس الذي يُطلق ويعترف عليه بكل ذنوب بني إسرائيل ويجعلها على رأس التيس، ويرسله بيد من يلاقيه إلى البرية ليحمل التيس عليه كل ذنوبهم إلى أرض مقفرة (لا 16: 21، 22). فيتضح من ذلك أن القصد بوضع اليدين هو الدلالة على تحويل الذنب من المذنب إلى الحيوان، كما ورد في إشعياء 53 أن عبد الرب جعل نفسه ذبيحة إثم. وفسر النبي ذلك بقوله إنه حمل خطية كثيرين، وإن تأديب سلامنا عليه، وإن الرب وضع عليه إثم جميعنا. فهذه العبارات وأمثالها في الكتاب تدل على أن الخطية لا تُرفع بالإصلاح، ولا بالتجديد الروحي، بل بحمل ذنبها وعقابها. والآيات التي تدل على أن المسيح ذبيحة لأجل الخطية كثيرة جداً، لا يسعنا أن نذكرها بالتفصيل. وخلاصة الأمر أن أسفار العهد الجديد (ولاسيما الرسالة إلى العبرانيين) تعلّم صريحاً أن كهنوت العهد القديم هو رمز لكهنوت المسيح، وأن ذبائح ذلك النظام رموز إلى ذبيحته، وأنه كما أن دم الثيران والتيوس كان يقدس تقديساً طقسياً كذلك دم المسيح يطهر النفس من الذنب. وكما كانت في مجالها الخاص كفارة تقوم بالقصاص البدلي، كذلك ذبيحة المسيح في المجال الأعلى غير المحدود الذي يتعلق به عمله. وبناءً على هذه العلاقة بين العهد القديم والجديد تكون الذبائح في الفرائض الموسوية عند المسيحيين تعليم صريح وبرهان قاطع على أن عمل المسيح هو كفارة عن خطايا العالم وإيفاء للعدل الإلهي. (2) شهادة العهد القديم ولا سيّما إشعياء 53. فلم ينحصر هذا التعليم العظيم في نظام العهد القديم الرمزي، بل نص عليه في إش 53 حيث يقول إن المسيح يكون رجل أوجاع ويحتمل أعظم الإهانات ويُقتل ويحتمل تلك الآلام لأجل خير الآخرين، ثم قال إن ذلك نيابي بدليّ، فقد احتمل عوضاً عنا العقاب الذي استوجبناه ليخلصنا. (3) يتضح من أقوال العهد الجديد أن عمل المسيح هو ذبيحة عن الخطية (قارن إجابة سؤال 10). وقد اخترنا منها ما يأتي: (أ) قول بولس «الذي قدمه اللَّه كفارة بالإيمان بدمه» (رو 3: 25). وفي عب 9: 14 يقارن الرسول ذبائح الناموس بذبيحة المسيح، ثم قال ما معناه إنه إذا كان دم البهائم (قوام الحياة الحيوانية) أفاد في التطهير الخارجي أو الطقسي، فكم بالحري يفيد دم المسيح الذي له روح أزلي (أي طبيعة إلهية) وقدم نفسه بلا عيب في تطهير الضمير، أي في إقامة كفارة حقيقية عن الخطية. والمقصود بالتطهير في الأمرين هو التطهير من الذنب لا التجديد الروحي، لأنه كما أن ذبائح العهد القديم كانت للكفارة لا لإصلاح السيرة، كذلك ذبيحة المسيح. والنتيجة أو الغاية في الحالين هي مصالحة اللَّه والاتحاد به. غير أن الشرط الأول الجوهري في تلك المصالحة هو التكفير عن الذنب. وعند نهاية عب 9 قال الرسول إنه لم يُطلب من المسيح أن يقدم نفسه مراراً كثيرة.. فإذ ذاك كان يجب أن يتألم مراراً كثيرة منذ تأسيس العالم، ولكنه الآن قد أُظهر مرة واحدة عند انقضاء الدهور ليبطل الخطية بذبيحة نفسه، وهدفها ونتيجتها الإيفاء عن الخطية كعمل ذبائح الكفارة في العهد القديم. ومما يؤيد ذلك قوله: إن المسيح جاء المرة الأولى ليحمل خطايا كثيرين، وسيأتي المرة الثانية بلا خطية، أي بدون ذلك الحَمْل الذي أخذه بإرادته على نفسه في مجيئه الأول ليحمل ذنب خطايانا، ليوفي عنها للعدل الإلهي. فإذا جاء المرة الثانية لا يكون ذلك على سبيل الذبيحة للإثم، بل لإكمال خلاص شعبه. ومثل هذه الآية قوله «جعل الذي لم يعرف خطية خطيةً» (2كو 5: 21) ليوضح كيفية مصالحة اللَّه العالم، إذْ لم يحسب لهم خطاياهم. وعلى ذلك يحقّ له أن يغفر للخطاة ويعاملهم معاملة الأبرار وهم خالون من البرّ، لأن الذي كان بلا خطية عومل معاملة الخاطئ لأجلنا وبالنيابة عنا. (ب) قول بولس إننا «مقدَّسون بتقديم جسد يسوع المسيح مرة واحدة» (عب 10:10). والمقصود بالتقديس حسب الأصل اليوناني هو التطهير، فإن الخطية تُعتبر دائماً في الكتاب المقدس نجاسة لسبب جُرمها وفسادها الأخلاقي. أما جُرمها فيُطهَّر بالدم بواسطة التكفير بالذبيحة، وأما فسادها فيُطهر بتجديد الروح القدس. ويتميز المقصود بالتطهير (في المعنيين) من سياق الكلام. فإذا قيل إنه يتم بالذبيحة، أي بموت المسيح أو دمه، كان المقصود به نزع الجُرم، حتى يكون كل ما قيل في شأن خلاصنا أو مصالحتنا مع اللَّه أو تطهيرنا أو تقديسنا بدم المسيح أو بموته هو نص صريح على أنه ذبيحة كفارة عن الخطية. (ج) قول يوحنا إن المسيح «كفارة لخطايانا. ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا كل العالم أيضاً» (1يو 2:2). والكلمة اليونانية المترجمة «كفارة» مشتقة من فعل معناه مشهور في الكتاب المقدس، وهو إيفاء العدل حقه واستعطاف اللَّه بذبيحة عن الخطية. وقال أيضاً «هذه هي المحبة: ليس أننا نحن أحببنا اللَّه، بل أنه هو أحبنا، وأرسل ابنه كفارةً لخطايانا» (1يو 4: 10). وما أوردناه من الآيات ليس إلا بعض ما جاء في العهد الجديد على أن المسيح قربان للإثم، بالمعنى الخاص بهذه الكلمة في الكتاب المقدس. على أن فيه عبارات كثيرة تتضمن هذا المعنى وتدل على أن موته من نوع الذبيحة، أو تدل على كهنوته في عمل الإيفاء عن الخطية. ومنها قول بولس إن المسيح قُدِّم «مرة لكي يحمل خطايا كثيرين» (عب 9: 28) وقول بطرس «الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة» (1بط 2: 24) وهذا التعليم واضح في وظيفة رئيس الكهنة التي هي التكفير عن الخطية، وإرجاع الشعب إلى رضى اللَّه ونوالهم بركات عهده معهم. وكل ذلك رمز للمسيح وعمله، لأنه جاء ليخلِّص البشر من خطاياهم ويردَّ لهم التمتع ببركات العهد الجديد الأفضل، الذي هو وسيطه. ولذلك اتخذ طبيعتهم لا طبيعة الملائكة ليموت ويصالحهم بموته مع اللَّه. فصار شبيهاً بإخوته «في كل شيء ليكون رحيماً ورئيس كهنة أميناً في ما للَّه حتى يكفر عن خطايا الشعب» (عب 2: 17). واضح إذاً أن العهد الجديد يعلّم أن المسيح خلَّص شعبه بممارسة وظيفة كاهن لأجلهم، وكانت فيه كل الأهلية اللازمة لتلك الوظيفة، فعُيّن لها ومارس جميع لوازمها، وأنه كان ذبيحة كفارة عن خطايا الناس، فقيل مراراً كثيرة إنه قربان عن الخطية (بالمعنى المشهور لهذه العبارة في العهد القديم) وإنه حمل خطايانا وكفّر عن خطايا الشعب، وبموته وصليبه وذبيحة نفسه صالح الذين استوجبوا الغضب الإلهي مع اللَّه. وهذه الأقوال في الكتاب كثيرة موضحة بشواهد وأمثلة عديدة. وهي الجزء الجوهري في تعليم الكتاب المقدس في كيفية الخلاص. 19 - كيف تبرهن من الكتاب أن المسيح يخلِّصنا لأنه فادينا؟ * الفداء هو الإنقاذ من الشر والبلية بتأدية الفدية. والأفعال التي تعبّر عن هذا المعنى في الأصل اليوناني معناها الأول «اشترى» ثم «اشترى بدفع الثمن فديةً» (أع 20: 28 وأف 1: 7 و1بط 1: 18، 19). فجاء في الكتاب أن الثمن أو الفدية المؤدّاة عنا هي المسيح نفسه أو دمه أو موته. ولما كانت الشرور أو البلايا الناشئة عن ارتدادنا عن اللَّه متنوعة ذُكر فيها فداء المسيح على أنواعٍ مختلفة أيضاً وهي: (1) الفداء من عقاب الناموس: فإن أهم نتائج معصية آدم الوقوع تحت عقاب الناموس وهو أول تأثيراتها، لأن أجرة الخطية هي الموت، وكل خطية لا بدّ تعرّض الخاطئ لغضب اللَّه ولعنته. فكان الأمر الأول في خلاص الخطاة هو فداءهم من هذه اللعنة التي بها يبقون مبتعدين عن اللَّه. وابتعادهم هذا يوجب بالضرورة الشقاء والخضوع لسلطان الخطية، لأن الإنسان ما دام تحت اللعنة يكون منقطعاً عن المصدر الوحيد للقداسة والحياة. فهذا هو تعليم الكتاب، وهو واضح ولا سيما قول الرسول إن المسيح فدى شعبه من لعنة الناموس، لا بمجرد إجراء سلطان مطلق، ولا بترجيعهم إلى حال البر بواسطة عمل أخلاقي يعملونه، بل بصيرورته لعنة لأجلهم (رومية 6 و7). وقال إشعياء إن الرب «سُرَّ أن يسحقه» وإنه «مضروب من اللَّه ومذلول» وإن هذه الآلام بسبب الخطية، لا خطيته هو بل خطيتنا نحن التي حملها، وإن تأديب سلامنا عليه. فالقصد بهذه الآلام التكفير أو إيفاء العدل حقه، وفيها كل الصفات الجوهرية للقصاص، حتى أن المسيح صار لعنةً لأجلنا (غل 3: 13). (2) الفداء من الناموس: لأن الكتاب يقول إن المسيح أنقذنا من الناموس وفدانا من عبودية الشريعة. وهذا لا ينحصر في الإنقاذ من عقابه، بل يعم أيضاً خلاصنا من الالتزام بإتمام ما يطلبه. وهذا هو المعنى الجوهري في تعليم بولس في التبرير. وتفصيل ذلك أن الناموس يطلب الطاعة التامة فيقول «اعمل هذا فتحيا» وأيضاً «ملعون كل من لا يثبت في جميع ما هو مكتوب في كتاب الناموس ليعمل به». ومنذ سقوط آدم إلى الآن لم يستطع أحدٌ أن يقوم بهذا الطلب. على أنه لابد من ذلك، أو الهلاك! ويقول الكتاب إنه لا طريق للخلاص إلا بالطاعة التامة، وهو ما عمله المسيح عن البشر. قال الرسول إن المسيح وُلد تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس (غل 4:4، 5) وقال للمؤمنين «لستم تحت الناموس بل تحت النعمة». وقال إن هذا الإنقاذ من الناموس حصل بجسد المسيح، وإننا لذلك نتبرر لا بطاعتنا بل بطاعته (رو 6: 14 و7: 4 و5: 18، 19). والفداء المقصود ليس مجرد الإنقاذ، بل هو فداء حقيقي قائم بإتمام كل ما علينا للناموس. (3) الفداء من سلطان الخطية: قلنا إن المسيح فدانا من عقاب الناموس ولعنته، وإن ذلك يعيد لنا رضى اللَّه. ومن نتائج عمله أيضاً تجديد قلب المؤمن بالروح القدس، وذلك يوجب أن يفدينا أيضاً من سلطان الخطية. قال المسيح «من يعمل الخطية هو عبد للخطية». ولا يستطيع أحد أن يحرر نفسه من هذه العبودية. لذلك جاء المسيح وبذل نفسه ليطهر لنفسه شعباً خاصاً غيوراً على الأعمال الصالحة، ومات البار بدل الأثمة، ليأتي بنا إلى اللَّه. وأحب الكنيسة وبذل نفسه لأجلها ليحضرها لنفسه كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن أو شيء من ذلك. وهذا الإنقاذ من الخطية فداءٌ حقيقي، لأن تأدية الفدية أو إيفاء العدل شرط ضروري لرد رضى اللَّه إلى الخاطئ، وهذا شرط ضروري للقداسة. وعلى ذلك قال الكتاب إن المسيح «بذل نفسه لأجل خطايانا لينقذنا من العالم الحاضر الشرير» (غل 1: 4). وقال «الذي بذل نفسه لأجلنا لكي يفدينا من كل إثم» (تي 2: 14). وقال «إنكم افتُديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء، بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس، دم المسيح» (1بط 1: 18، 19). ولأن الخلاص بالذبيحة خلاص بالفدية اجتمعت العبارتان في هذه الآية وغيرها. ومن أمثلة ذلك قول المسيح «جاء ابن الإنسان.. ليبذل نفسه فدية عن كثيرين» (مت 20: 28 ومر 10: 45). فلا يمكن التعبير عن معنى الإبدال بكلام أصرح من هذه الأقوال التي ذكرت أن خلاصنا قائمٌ بالفدية. وقوله إن دمه يُسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا (مت 26: 28). فذُكر موته هنا على سبيل الذبيحة. والعبارتان المتعلقتان بنوعي الإنقاذ واحدة، لأن الفدية إيفاءٌ لحقوق العدل، والذبيحة كذلك. (4) الفداء من سلطان إبليس: قال الكتاب إن المسيح فدانا من سلطان إبليس، وإن إبليس هو رئيس هذا العالم وإلهه، وملكوته ملكوت الظلمة، وإن جميع الناس منذ آدم يولدون ويبقون فيه إلى أن يُنقلوا إلى ملكوت ابن اللَّه، وإنهم رعية إبليس وقد اقتنصهم لإرادته (2تي 2: 26). وفيه أيضاً أن الوعد الأول هو أن نسل المرأة يسحق رأس الحية، وأن المسيح جاء ليبطل أعمال الشيطان أي ليطرحه من مُلكه المغتصَب ويحرر الخاضعين له (2كو 4:4 وكو 2: 15 وعب 2: 14، 15). فالمسيح ابن اللَّه إلهٌ تعبدهُ الملائكة، وهو خالق السموات والأرض، وهو أزلي غير متغيّر (عب 1) وقد صار إنساناً ليبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس، ويعتق الذين خوفاً من الموت كانوا جميعاً كل حياتهم تحت العبودية (عب 2). ففي هذا الكلام ثلاثة أمور: (أ) الناس مستعبَدون، خائفون من غضب اللَّه على الخطية. (ب) إنهم في هذا الحال خاضعون لإبليس الذي له سلطان الموت عليهم لأنهم خطاة. (ج) يتم إنقاذهم من العبودية المذكورة والخضوع لسلطان إبليس بموت المسيح الذي يعتقهم من عقاب الناموس، لأنه أوفى عدل اللَّه حقه. والعتق من لعنة الناموس يعني التحرير من سلطان إبليس الذي يُجري العقاب. وقيل إن قوة الخطية هي الناموس (1كو 15: 56). فكل ما يوفي الناموس ينزع من الخطية قوتها، فيكون الفداء من الناموس هو الفداء من اللعنة، وهو الفداء من سلطان إبليس. 20 - كيف تبرهن أن المسيح يخلصنا بالإيفاء الكفاري كشرط لنوال الخلاص به، وما هي فوائد ذلك؟ * وضع اللَّه شرطاً لنوال الفداء، فلا يكفي أن نقبل تعاليم المسيح، ولا أن نجتهد في السلوك حسب وصاياه الأخلاقية، ولا أن نثق بحمايته أو نخضع لسلطانه، ولا أن نفتح قلوبنا لجميع التأثيرات الصالحة الناشئة من شخصه أو عمله، بل يجب أيضاً أن نتكل عليه، أي أن نقبل ذبيحته ونرفض بر أنفسنا ونثق ببره لننال القبول لدى اللَّه. ونحن نعجز عن إيفاء ما يطلبه عدل اللَّه وناموسه بما نعمله أو نحتمله أو نشعر به، فنتكل اتكالاً تاماً على ما عمله المسيح واحتمله هو باعتباره نائبنا وبدلنا وضامننا. فهذا ما يطلبه الإنجيل وما يعمله كل مسيحي بالحق مهما كانت آراؤه اللاهوتية. وكل ما ذُكر من وجوب رفض البر الذاتي، ووجوب الإيمان بالمسيح على أنه علة الغفران والقبول عند اللَّه مبنيٌ على أنه البدل الذي قام مقامنا في إيفاء كل ما يطلبه منا الناموس والعدل. أما الفوائد التي نقبلها منه فأولها التبرير، إذ نتبرر بواسطته، فهو برنا، ونحن نصير بر اللَّه فيه. ومن المعلوم أن التبرير هو نقيض الدينونة وإعلان إيفاء حقوق العدل حسب معنى كلمة التبرير الشائع دائماً في العهدين القديم والجديد، فإن اللَّه أعلن في تبرير الخطاة أن ما يطلبه العدل منهم قد أُوفي. ولكن لم يوفه الخاطئ نفسه، بل المسيح. 21 - من اختبار المؤمنين، ما هو البرهان على موت المسيح كفارةً؟ * يتبيّن صدق ما سبق من التعاليم في موت المسيح الكفاري من شهادة المؤمنين في كل القرون، لأنهم جميعاً يتكلون على المسيح في أمر خلاصهم، ويحسبونه بديلهم في الطاعة والتألُّم، حاملاً عنهم خطاياهم ولعنة الناموس، ويعتبرونه ذبيحة كفارة تمحو ذنبهم وتوفي عدل اللَّه عنهم، ويشكرونه لأنه بذل نفسه عنهم ليفديهم من عقاب الناموس ومن سلطان الشيطان وقوة الخطية وجميع نتائجها. وهذه حقائق إلهية أعلنها الروح في كلمة اللَّه، وعلّمها كل الذين يخضعون لإرشاده. فهي الاقتناعات والإحساسات الباطنة التي شعر بها شعب اللَّه من زمن الرسل إلى الآن، كما يتضح من قوانين إيمانهم وصلواتهم وترنيماتهم الروحية وكل ما كتبوه في شأن حياتهم الدينية الباطنة، مع اختلافهم في العرَضيات. فهو الرأس ونحن الأعضاء، وهو الكرمة ونحن الأغصان. ولسنا نحن الأحياء بل هو الحي فينا وهو الذي صار لنا حكمة وبراً وقداسة وفداءً، الذي دمه يطهرنا من كل خطية، والذي فدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا، وحمل خطايانا في جسده على الخشبة، وهو رئيس كهنتنا العظيم الحي إلى الأبد ليشفع فينا. وما أسهل أن نذكر الأدلة من تاريخ حياة الكنيسة الروحية على أن اعتقاد المؤمنين في المسيح في كل عصرٍ هو كما سبق. 22 - ما هي الاعتراضات على تعليم الكتاب في إيفاء المسيح، وما هو الرد عليها؟ * (انظر إجابتنا على سؤال 8 من هذا الفصل) ونضيف إليها: (1) قولهم إن المسيح البريء لا يجب أن يُعاقب، لأن القاضي يعاقب المذنب فقط، والمسيح بريء من الخطأ ولكنه حمل جُرم الخطية، وعومل معاملة الخاطئ. وهذا ظلم فظيع إن لم يكن مُحالاً، إذ بموجبه يحسب اللَّه الشيء على غير ما هو عليه، فيعتبر البريء مذنباً.. وللرد نقول: يكون هذا الاعتراض في محله لو أُجبر البريء على الاحتمال عن المذنب، ولكن المسيح احتمل القصاص عنا باختياره ورضاه التام. والعقل البشري في كل عصر لم يستغرب وضع البريء بدل المذنب، ولا الذبائح عوضاً عن الخاطئ، ولا بَذْل واحد لأجل كثيرين، للتكفير بالعقاب البدلي. وقد قبل كثيرون صحّة قول الكتاب، وبأنه الطريقة الوحيدة التي تصالح الخطاة مع الإله العادل القدوس. فلا يصح القول إن هذا التعليم يناقض بديهيات العقل أو الضمير، بل هو يوافقهما. وزعم كثيرون أن معنى الجُرم هو استحقاق اللوم، وأن الحكم بالقصاص يكون على من يستحقه. فيكون التعليم بالإيفاء والقصاص البدلي أمراً مستحيلاً، لأن الصفات الأخلاقية لا تتحول من واحد إلى آخر. وقد أصاب الذين قالوا إن الإنسان لا يكون صالحاً بصلاح آخر، كما أنه لا يصبح أبيض ببياض آخر. وإن صحّ أن القصاص لا يقع إلا على من يستحقونه بسبب اللوم الشخصي، فالقول بجواز قصاص البريء يناقض الحق. ولكن إذا أُريد بالجُرم في هذا المقام العلاقة بين الخطية والعدل والتزام الخاطئ بإيفاء ما يطلبه العدل بغضّ النظر عن استحقاق اللوم، فليس في طبيعة الإنسان الأخلاقية ولا في طبيعة اللَّه المعلَنة في عنايته وكلمته ما يمنع القول إن هذا الالتزام قد يتحول لأسباب كافية من واحد إلى آخر، أو قد يقوم به واحد مقام آخرين. (2) قولهم إن العدل العقابي ليس من صفات اللَّه، فهو لا يطالب بتقديم إيفاءٍ للعدل.. فنجيب: إنه إذا صح هذا الزعم كان الاعتراض قاطعاً لا يُرد. ولكن إذا كان وجوب قصاص الخطية من البديهيات، فمن المحقق أن اللَّه بمقتضى طبيعته لا بد أن يعمل ما يجب عمله. وجميع الناس يعلمون أن حكم اللَّه على الخطاة باستحقاق الموت حكم عادل، وأن الصفح عن الخطية غير ممكن إلا بإيفاء العدل حقه، وأنه وإن لم تكن ذبيحة عن الخطية فلا بد من الدينونة (قارن إجابة سؤال 7 في هذا الفصل). وذلك كله راسخ في القلب البشري، ولا بد من ظهوره في زمنٍ ما بقوةٍ عاملة في الذهن والضمير. (3) قولهم إنه لا يمكن وجود الشيء وضده في اللَّه، فلا يمكن اجتماع ما يحمل اللَّه على القصاص (كالعدل) وما يحمله على عدم القصاص (كالمحبة والرحمة) بل كل أعمال اللَّه ناشئة عن مبدأ واحد وهو المحبة. ولأنه إله المحبة يطلب رجوع خلائقه إلى القداسة والسعادة بدون التفات إلى مطلوب العدل.. فنجيب: لا شك أن اللَّه محبة، غير أن المحبة فيه ليست ضعفاً يسوقه إلى عمل ما لا يجوز عمله. فإن كان قصاص الخطية واجباً (كما يقول الضمير وكلمة اللَّه) فليس فيه ما يحمله على تركه، لأن جميع صفاته متوافقة، وتوافقها من نوع الفضل الأخلاقي الذي يؤدي حتماً إلى أن ديان كل الأرض يصنع عدلاً، فيعاقب أو يغفر كما يطلب الفضل الأخلاقي. ثم أن محبة اللَّه لم تمنع هلاك الملائكة الساقطين، ولم تقبل خلاص البشر الساقطين بدون كفارة كافية. وقد ظهرت محبته غير المحدودة في بذل ابنه ليحمل خطايانا وعقابها ويفدينا من لعنة الناموس بشخصه. «في هذا هي المحبة: ليس أننا نحن أحببنا اللَّه، بل أنه هو أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا» (1يو 4: 10). فقوله «كفارة» قول صريح لا يحتمل التغيير. (4) قولهم إن تحويل الذنب أو البر من واحد إلى آخر حسب تعليم الكنيسة في الإيفاء غير ممكن.. فنجيب: هذا القول يصح إذا أُريد به تحويل الصفات الأخلاقية من واحد إلى آخر. وأما تحويل الجُرم بمعنى المسؤولية للعدل، وتحويل البر بمعنى ما يوفي العدل حقه فأمر ممكن، كإمكان إيفاء إنسان دين إنسان آخر. والكتاب يعلّمنا أن المسيح ناب عنا في إيفاء ديننا لعدل اللَّه إيفاءً كاملاً، وأن اللَّه أبطل الصك الذي علينا بتسميره إياه بالصليب، فحررنا بذلك تحريراً كاملاً كتحرير المديون إذا أبطل الشرع الصك المكتوب عليه. (5) قولهم إن التكفير قول وثني، وزعموا أن اعتقاد التكفير أي احتمال البار بدل المذنب لإرضاء اللَّه من أقوال الوثنيين التي ينفر منها العقل السليم.. فنجيب: إنه لا يصح للإنسان أن يجعل ذوقه أو إحساساته قياساً للحق، لأنه قد يكون التعليم غير موافق لذوقه دون أن يكون ذلك برهاناً على خطأ التعليم، كما يتضح من تسليمنا نحن الخطاة بحقائق كثيرة لا نرضى عنها. والقول بالتكفير ليس أمراً منكراً عند أكثر العقول، لأنه تعليم اليهودية والمسيحية، وهو تعليم عزيز يتوقف عليه الرجاء الوحيد للمذنب. فآلام البار بدل الأثمة من أعظم براهين المحبة «والجود بالنفس أقصى غاية الجود». لذلك تسجد السماوات والأرض أمام الصليب الذي تعلق عليه ابن اللَّه الطاهر، حامل خطايا الناس. وحاشا أن يعتبر الخطاة المفديون الصليب عثرة، فهو الوسيلة التي توفّق بين عدل اللَّه وإظهار محبته للخطاة إلى درجة غير محدودة. (6) قولهم إنه لا حاجة إلى إيفاء العدل حقه، فزعموا أن كل ما هو لازم لمصالحة البشر مع اللَّه يتم بقوة المحبة، وأن ما ينبغي عمله هو إقناع العقل بشرّ الخطية وإصلاح الخطاة، وهذان الأمران يتمّان بدون كفارةٍ أو عقابٍ للإثم. وقالوا إن عمل المسيح لم يكن إيفاءً للعدل، ولا كفارة عن الخطية.. وفي الرد على ذلك نقول: (أ) يعلّم الكتاب المقدس أن خلاص البشر يقتضي أكثر من العوامل والتأثيرات الأخلاقية أو إعلان الحق وإثباته. وإن ما يقتضيه هو نفس ما جرى من اتخاذ ابن اللَّه طبيعتنا وقيامه مقام الخطاة وحمله عنهم لعنة الناموس، حتى أمكن بذلك أن يكون اللَّه عادلاً ويبرر الخاطئ. ولأن هذا هو تعليم الكتاب فلا محل لقبول غيره. (ب) هذه الأقوال لا تخالف الكتاب فقط، بل خالية من الفائدة، لأنها لا تسدد احتياجات الإنسان ولا تزيل الشعور بالذنب، مع أن الشعور به أمر عام لا يُستأصل من الإنسان. وكلما زادت النفس استنارة اشتد فيها الشعور بالذنب والألم منه. 23- ما هو المذهب الصحيح في غاية الكفارة وحقيقتها؟ * للكفارة غايتان عظيمتان، هما: (أ) إزالة اللعنة التي استولت على البشر بسبب الخطية لينالوا المصالحة مع اللَّه بالكفارة، و(ب) جعلهم شركاء الحياة الروحية بالروح القدس المحيي. وكلتاهما ضروريتان للخلاص، لأن علينا ذنباً ينبغي أن يُزال، ولنا أنفس ميتة بالخطية ينبغي أن تحيا حياة جديدة روحية. وقد قام عمل الفداء حسب تعليم الكتاب وإيمان الكنيسة بهاتين الغايتين. وبمقتضى عمل المسيح يتمّ إيفاء حقيقي غير محدود الاستحقاق في ذاته للعدل الإلهي، كافٍ وافٍ لخلاص شعبه، لأنه عمل لأجلهم وعوضاً عنهم ما لم يستطيعوا عمله لأجل أنفسهم، إذ أوفى عنهم ما يطلبه الناموس، وحمل عنهم العقاب الذي أوجبه عليهم. وبهذا يتصالحون مع اللَّه، ويقبلون الروح القدس، ويصيرون شركاء في حياة المسيح فينالون التجديد والتبرير والتقديس في الزمان الحاضر، ثم الخلاص الأبدي. ونتأمل هنا الغايتين المذكورتين آنفاً، لأن لعنة الناموس تُرفع عنا بصيرورة المسيح لعنةً لأجلنا، وبناءً على مصالحتنا مع اللَّه نصير بواسطة الروح شركاء حياة المسيح، فإنه صار لنا براً وقداسة أيضاً، فنتطهر بدمه من الذنب، ونتجدد بروحه حسب صورة اللَّه. وإذا متنا فيه للخطية نحيا فيه للبر، لأن الشركة في موته تُنتج الشركة في حياته. ونذكر الآن بالاختصار أهم المذاهب الفاسدة في حقيقة الكفارة، وهما «المذهب الأخلاقي»، و«المذهب السياسي»، تمييزاً لهما عن «المذهب الإيفائي» الذي سبق الكلام عنه. 24 - ما هو المذهب الأخلاقي في الكفارة؟ * هذا المذهب ينفي كل معنى التكفير، أي إيفاء العدل بالقصاص البدلي، وينسب كل فاعلية عمل المسيح إلى ما يحدث من التأثير الأخلاقي في قلوب الناس بواسطة صفات المسيح وتعاليمه وأعماله. ولذلك سُمي غالباً مذهب «الكفارة الأخلاقي». وهو مبني على الزعم أنه ليس في اللَّه صفة العدل العقابي، التي تقتضي بالضرورة أنه يعاقب الخطية. ولذلك لا حاجة إلى التكفير لننال، الغفران. ويزعمون أن كل ما يلزم لإعادة الخطاة إلى رضى اللَّه هو انقطاعهم عن الخطية. ولهذا المذهب عدة وجوه: (1) ينحصر عمل المسيح في خلاص البشر في تعليمه، فقد أتى بصورة جديدة رفيعة من الديانة، خلَّص بها الناس من ظلام الديانة الوثنية وآثارها الفاسدة. (2) فضلاً عن الخير الناشئ عن تعليم المسيح، فإن معظم الخلاص الذي عمله يعود إلى موته، لأنه لا يصحّ أن نصرف النظر عن تعليم الكتاب المقدس أننا نخلص بدم المسيح وصليبه وآلامه. ولذلك قالوا إن المسيح يخلصنا ليس لأنه ذبيحة بل لأنه شهيد. وزعموا أن القصد بموته ختم تعاليمه بدمه، فاستحق لقب «مخلص العالم» لأنه أثبت صدق الحقائق التي علّمها، ولا سيما ما يتعلّق منها بالحياة الآتية ومحبة اللَّه وإرادته أن يغفر الخطية. (3) تعتمد قوة المسيح في خلاص الناس على ما أظهره من المحبة وإنكار الذات، لا بتعليمه، ولا بختم تعاليمه بموته. وقال أصحاب هذا الرأي إن هذا هو أعظم الأسباب العاملة في قلوب الناس، وهو أقوى تأثير يليّن قساوة القلب ويجذب الناس إلى اللَّه. فلو لم يخلص الأشرار وينجذبوا بالمحبة التي لا تقتصر على كلام اللطف وأعمال المعروف، بل تمتد إلى كمال إنكار الذات واحتمال جميع آلام هذه الحياة وآلام الموت، لكانوا بدون رجاء، لأنه ليس لهم وسيلة أخرى تؤثر فيهم. ولما كانت محبة المسيح محبة لم يسبقها ولن يعقبها محبة مثلها، كانت تسميته ب«المخلص» هي المناسبة. 24 - ما هي الاعتراضات على «المذهب الأخلاقي» في الكفارة؟ * (1) إنه يصرف النظر تماماً عن جوهر تعليم الكتاب المقدس في الكفارة الحقيقية، وإن كان فيه بعض الحق. فهو يسلّم بأن هدف عمل المسيح هو ترجيع الإنسان إلى اللَّه، والقداسة. وأن عمل المسيح أظهر أعظم ما يمكن من المحبة الإلهية، وأن إظهارها هو أعظم العوامل الروحية الفاعلة في قلوب الناس. غير أن الكتاب لا يقتصر على ذلك، بل يعلّم أن المسيح كاهنٌ قدّم نفسه ذبيحة للتكفير عن خطايانا، فحملها في جسده على الخشبة، وصار لعنة لأجلنا، وبذل نفسه فديةً لخلاصنا. ويعلّم أيضاً أن هذا التكفير عن الذنب ضروري قبل المصالحة مع اللَّه وتجديد النفس وتبريرها وتقديسها بالنعمة الإلهية، لأن الخطاة بدونه أموات روحياً، واقعون تحت عقاب الناموس. وما داموا في هذا الموت فهُم تحت اللعنة، فإن كل العوامل الأخلاقية لا تفيدهم شيئاً، كما أن ضوء الشمس في رابعة النهار لا يفيد الأعمى، ووسائط الصحة لا تقيم أحداً من الموت. فرفض هذا المذهب لتعليم الكفارة (أي إيفاء العدل الإلهي) هو رفضٌ لجوهر تعليم الكتاب في خلاص الإنسان. (2) إنه لا يطابق ما نحتاج إليه في حال السقوط. فإننا خطاة ومذنبون ومدنَّسون، ولا نقدر أن ننكر شعورنا بالمسؤولية للعدل الإلهي وضرورة إيفائه، كما يستحيل أن ننكر شعورنا بفساد الخطية. فالتكفير عن الخطية ضروري كما أن تقديس النفس ضروري أيضاً، لأن الإنسان في أشد حاجة إلى بر أفضل من بر نفسه، وإلى من يقوم مقامه أمام اللَّه في التكفير عن الخطية وتحصيل الغفران الكامل لجميع ذنوبه وعطية الروح القدس. ولذلك كانت الديانة التي تنفي معنى التكفير، وتنادي بطريقٍ آخر لإزالة الذنب ليست وفق ما نحتاج إليه، وكان المذهب الأخلاقي في الكفارة باطلاً، لأنه يخلو من كل عمل كفاري يُسند إليه الخاطئ رجاءه. (3) كل الأدلة السابقة على صدق تعليم الكفارة هي أدلة على فساد المذهب الأخلاقي الذي يغيّر كل طريق الخلاص، لأنه يغيّر علاقتنا بالمسيح من حيث أنه رأسنا ونائبنا. ويغيّر طريق قبولنا لدى اللَّه، فإذا اعتقدنا أن المسيح مُصلِحٌ أو مثال أو معلّم أو شهيد فإننا ننقل حقيقة الديانة المسيحية نقلاً جوهرياً من حال إلى آخر. 26 - من هو صاحب «المذهب السياسي» في الكفارة، وما هو تعليمه؟ * صاحبه هو كروشيوس، في القرن 17 وتعليمه: (1) لم يأخذ اللَّه في مغفرة الخطية موقف من أخطأنا ضده، بل أخذ موقف الحاكم الأخلاقي. ولا بد أن يكون عمله موافقاً لخير رعيته. وعلى هذا فإنه يطلب خير شعبه، لا عقابهم. (2) غاية القصاص هي ردع الناس عن الجرائم وحفظ النظام الأخلاقي، وتقديم أفضل مصالح للجمهور. (3) كما أن الحاكم العادل لابد أن يعاقب على الذنوب المرتكبة، هكذا اللَّه لا يغفر خطايا الناس إلا مع إظهار كافٍ لغضبه وعزمه على عقابها. وهذا هو المقصود بآلام المسيح وموته، فإن اللَّه عاقب الخطية فيه ليظهر شرّ الخطية. وكان هذا عظيم التأثير لسبب عظمة مقام المسيح، فإنه بناءً على موته صفح اللَّه للمذنبين التائبين، ورفع العقاب الذي أوجبه الناموس عليهم، مع الموافقة التامة لما تقتضيه أفضل مصالح حكمه. (4) العقاب ألم يُجرَى بسبب الخطية، فلا يلزم إجراؤه بسبب استحقاق المذنب الشخصي، ولا بقصد إيفاء العدل، بل يكفي أن يكون بسبب الخطية. ولما كانت آلام المسيح ناشئة عن خطايانا، وقُصد بها جعل الصفح موافقاً لمصلحة حكم اللَّه الأخلاقي، كانت داخلة في معنى العقاب حسب هذا التعريف. ولذلك أمكنه أن يقول إن المسيح احتمل قصاص خطايانا، لأن آلامه كانت مثالاً لما تستحقه الخطية. (5) جوهر الكفارة هو إظهار غضب اللَّه على الخطية بواسطة آلام المسيح وموته، فقد قصد بها تعليمنا أن الخطية عند اللَّه تستحق العقاب، ولذلك لا ينجو المصرّون على خطاياهم من القصاص الذي يستحقونه. فحسب هذا المذهب يكون عمل المسيح تعليمياً فقط بالمثال أن اللَّه يكره الخطية. وما الصليب إلا إشارة إلى ذلك. 27 - ما هي الاعتراضات على «المذهب السياسي» في الكفارة؟ * (1) إنه مبني على سوء فهم حقيقة القصاص، لأنه يزعم أن القصد الخاص بالقصاص هو خير المجتمع، فإذا أمكن الحصول على أفضل فائدة للجمهور بدونه فلا داعي له! ولكننا نقول إن الألم لخير الآخرين أو لخير المتألم ليس قصاصاً. فإن بتر العضو المهشم ليس من باب القصاص، وكذلك آلام الشهداء (ولو كان فيها خير الكنيسة والعالم). فلم تكن آلام بولس الكثيرة الدائمة قصاصاً، وإن كانت عظيمة الفائدة. وهكذا آلام المسيح إذا لم تكن على سبيل الحكم القضائي حسب مقتضى العدل لا يكون فيها ما يظهر كره اللَّه للخطية. والحكم على المجُرم لا يكون من باب القصاص إلا إذا أُجري ليوفي العدل حقه. قيل إن قاضياً قال مرة لمذنب: «حُكم عليك بالنفي لا لأنك سرقت المال، بل لأجل ردع الناس عن السرقة». ولا يخفى ما في هذا الحكم من ضررٍ لأخلاق الجمهور، لأن كل التأثير الأخلاقي الناشئ عن القصاص يعود إلى عدالته. ومن تألم لأجل خير الآخرين فهو شهيد، لا أثيم تحت حكم العدل. وقد بني كل المذهب السياسي في الكفارة على هذا المبدأ الفاسد، لأنه لا يجوز القصاص إلا لخير الآخرين. فإذا أمكن الحصول على هذا الخير بدون القصاص لم يبق داعٍ إليه ولا مانع عن الصفح. ومن الواضح أنه إذا كان المبدأ الأول الأساسي في المذهب فاسداً، كان كل المذهب فاسداً تبعاً لذلك. (2) هذا المذهب يناقض أحكام الناس الأخلاقية البديهية، لأن ضمير كل إنسان يشهد عليه بأنه خاطئ يستحق القصاص، لا لأجل خير الآخرين بل جزاءً لسوء عمله. فإذا لم يكن مذنباً لم يحق عليه القصاص. وإذا كان مذنباً فليس من حقه أن نسامحه، بل أن نوفي العدل حقه. كما أن هذه هي شهادة ضمير كل إنسان بالنظر إلى خطاياه، وبالنظر إلى خطايا غيره. فإذا حدث ذنب عظيم حكم الناس في الحال بوجوب عقاب الذين ارتكبوه، فإن خير الجمهور يقتضي قصاص المذنب. لكن ذلك من الفوائد العرَضية لا الغاية الخاصة المقصودة بالقصاص الذي يعود كل تأثيره الأخلاقي إلى أنه يحكم به بناءً على سوء العمل، لا على خير المجتمع. لأنه لو كان خير المجتمع هو المقصد الأصلي لخرج القصاص عن حقيقته، وفقد بالضرورة التأثير الأخلاقي الخاص به. وعلى هذا يكون المذهب الذي يغفل البديهيات العقلية غير موافق لحالنا، ولا يستطيع أبداً أن يقنع ضمائرنا. فإن القصاص هو من ضروريات حكم اللَّه العادل لأننا نعلم أننا نستحقه. وإذا لم يحمله المسيح بدلنا وجب أن نحمله نحن. وإذا لم يكفر عن الخطية لا بد من الدينونة المخيفة. (3) كل ما ذكرناه من أدلة على وجود صفة العدل العقابي في اللَّه، وأن عدله لا يناقض صلاحه، هي أيضاً أدلة قاطعة على فساد المذهب السياسي في الكفارة. فالقول إن السعادة هي الخير الأعظم، والفضيلة هي الرغبة في تسبيب كل ما يمكن من السعادة ضعفت منزلته في مدارس الفلسفة، ووجب نفيه من مدارس اللاهوت، لأن الفضيلة تقوم بطلب القداسة لا السعادة، والقول بعدم وجود فرق أصلي جوهري بين الحلال والحرام يخالف طبيعتنا الأخلاقية. ولا يسلم أحد بأن الحلال هو ما يوافق رغبات صاحبه، وأن الحرام هو ما لا يوافقه، بغضّ النظر عن الضمير (انظر فصل 12 س 58 و64 و65). (4) هذا المذهب يخالف أقوال الكتاب، لأنه ورد فيه مراراً أن المسيح كاهن وذبيحة وكفارة وبَدَل ونائب عن الخطاة، أي أنه قام مقامهم في حمل لعنة الناموس أو عقابه عنهم. وأما القائلون بهذا المذهب فأنكروا تلك الأقوال أو فسروها تفسيراً فاسداً. (5) هذا المذهب كالمذهب الأخلاقي في الكفارة، فاسد لأنه ناقص. فقد قُصد بعمل المسيح حث الخطاة على الرجوع إلى اللَّه، والتأثير في عقول كل الخلائق الناطقة لإقناعهم بشرّ الخطية وردّهم عن ارتكابها. غير أن القصد الأصلي منه هو غير ذلك، فإن هذا التأثير الأخلاقي في الخاطئ وفي جميع الخلائق العاقلة ناشئ عن أن عمل المسيح إيفاءٌ لعدل اللَّه، وأنه من أعظم الأدلة على أن الخطية لا تُغفر بلا كفارة كافية. 28 - لأجل مَن مات المسيح كفارة؟ * بحثنا هذه المسألة في فصل 29 وأثبتنا أن كفارة المسيح عامة، على أن المختارين فقط ينالون الخلاص بها. ولكن هذه النتيجة ليست من حصر الكفارة في عدد محدد من الناس، بل من تخصيص فوائدها للمؤمنين الذين يقبلونها (تي 2: 6 و4: 10 وعب 2: 9 ويو 1: 29 و3: 17 و12: 47 و2كو 5: 14، 15 و1يو 2:2). والقول بعموم كفارة المسيح يوافق كل ما يعلمنا الكتاب المقدس من صفات اللَّه، ولا سيما رحمته ونعمته، وغاية موت المسيح. وكذلك يؤثر في قلوب الناس تأثيراً حسناً حتى يجذبهم إلى اللَّه، ويجعلهم بلا عذر إذا رفضوا وسائط الخلاص لأنها معدَّة من أجلهم. 29 - ما هي أخص نتائج الكفارة في علاقتها باللَّه وبالبشر؟ * للكفارة نتائج عظيمة في إظهار صفات اللاهوت، ولا سيما كمال المحبة والقداسة والعدل في الثالوث الأقدس، وفي إثبات حكم اللَّه الأخلاقي وبيان أركانه، وفي فتح باب المصالحة بين اللَّه القدوس والإنسان الخاطئ، وفي إنقاذ الإنسان من عبودية الخطية وإعداده للحياة الأبدية في حضرة خالقه. ولذلك كان للكفارة أعظم أهمية وأرفع شأن في الديانة المسيحية، وهي موضوع الشكر والحمد وأساس الرجاء والسلام، والواسطة الوحيدة الفعالة للخلاص عند جميع المؤمنين الحقيقيين. 30 - ما هي الأدلة على أن المسيح شفيعنا؟ * (1) مشابهة عمل رئيس الكهنة في النظام القديم لعمل المسيح، فإن رئيس الكهنة في ذلك النظام كان يأخذ في يوم الكفارة (بعد ما يقدم الذبائح عن الخطية في الدار الخارجية) دم الحيوانات ومجمرة فيها بخور موقَد، ويدخل إلى ما وراء الحجاب ويرش الدم على الغطاء ويقدمه للَّه. كذلك المسيح بعدما قدم نفسه على الصليب ذبيحةً عن خطايانا، اجتاز السماوات ليظهر هناك أمام اللَّه لأجلنا. ولهذا السبب سُمي «خادم المسكن الحقيقي» الذي نصبه الرب لا الإنسان، فهو يمارس الآن وظيفة كاهن في السماء، حيث هو حيٌ إلى الأبد يشفع فينا. (2) نصوص الكتاب الدالة على شفاعة المسيح: (أ) يظهر المسيح أمام وجه اللَّه لأجلنا (عب 9: 24) ويقدم نفسه أمام اللَّه بالنيابة عنا، بمعنى أنه وسيط تمم عمله لأجلنا يدافع عنا أمام عرش اللَّه، ولذلك كان ظهوره أمام اللَّه شفاعة دائمة فعالة في شعبه، تأتيهم بجميع بركات الفداء الذي صنعه. (ب) يشفع فينا (رو 8: 34 وعب 7: 25) ويسأل اللَّه من أجلنا (يو 17: 9). (ج) تسميته بالباراكليت، بمعنى الشفيع (ايو 2: 1) والمعزي (يو 14: 16) أي المستغاث. وعلى ذلك فمعناها العام: المغيث، بغضّ النظر عن نوع الإغاثة. ولما كان المجرمون الجهلاء المخذولون المدعوون للمحاكمة يحتاجون فوق كل شيء إلى من يحامي عنهم، ويعمل ما يمكنه ليطلقهم، كان هذا هو المعنى الخاص المقصود بتسمية المسيح بالشفيع. فهو الوكيل المدافع عنا، الذي يقف في محكمة اللَّه ليدافع عنا ويقدم عمل طاعته وآلامه لتبريرنا، ويجري وساطته المبنية على أنه ابن اللَّه الذي يُسر به الآب ويستجيب له دائماً، وعلى إكماله جميع شروط عهد الفداء، فيحصل لشعبه على كل الخير الذي يحتاجون إليه. ولذلك تظهر شفاعة المسيح على الخصوص في الآيات التي موضوعها التبرير والمحاكمة (انظر رو 8: 34 و1يو 2: 1). 31 - ما هي حقيقة شفاعة المسيح؟ * قال بعض اللاهوتيين إن المقصود في الكتاب المقدس بشفاعة المسيح هو دوام وساطته وعمله في خلاص شعبه. وقال غيرهم إن شفاعته فينا تجري في السماء بالكلام الشفاهي حقيقة. والصواب أنها تتضمن جملة أمور: (1) إنه يظهر أمام اللَّه لأجلنا بناءً على أنه ذبيحةٌ عن خطايانا، ورئيس كهنتنا، وأننا ننال مغفرة خطايانا وعطية الروح القدس وكل خير نحتاج إليه بناءً على عمله. (2) إنه يحمينا من حكم الناموس وشكايات إبليس. (3) إنه قدم نفسه ضامناً لنا ليوفي ما يطلبه الناموس. (4) إنه يقدم إلى اللَّه أشخاص المفديين بتقديس صلواتهم وكل خدمتهم، ويجعلها مقبولة عند اللَّه بواسطة استحقاقاته. 32 - مَن هم الذين يشفع المسيح فيهم؟ * قال المسيح «لست أسأل من أجل العالم.. بل من أجل الذين أعطيتني» (يو 17: 9، 20) فيظهر من ذلك أن شفاعته باعتبارها قسماً من كهنوته محصورة في الذين يقبلونه كاهناً لهم، وهو ينوب عنهم في عهد الفداء. وهذا الأمر ظاهر من حقيقة الكهنوت، ومن كلامه الصريح، ومن أن شفاعته فعالة بلا ريب لأن الآب يسمعه دائماً. فلو شفع في الجميع لخلصوا لا محالة، وهو خلاف الواقع. 33 - ما هي الأدلة على خطأ تعليم شفاعة القديسين؟ * قارن ما قلناه عن وساطة المسيح في فصل 32. ثم نقول إن الوسيط بين اللَّه والناس واحد فقط وهو المسيح، وإن الكاهن العظيم الذي لا نقدر أن نقترب إلى اللَّه إلا به هو واحد (المسيح) وإن الشفاعة هي وظيفة الكاهن. فيلزم أن المسيح شفيعنا الوحيد، وأن كل المؤمنين ملوك وكهنة للَّه على معنى يوافق أن المسيح وحده ملكنا وكاهننا، فيصحّ القول بشفاعة القديسين بعضهم لأجل بعض، بمعنى لا يناقض أن المسيح شفيعنا الوحيد، فيصلي المؤمنون بعضهم لأجل بعض ولأجل جميع الناس. فيكون المقصود بشفاعة القديسين هو الصلاة، وأما شفاعة المسيح فهي عمل قانوني لا يستطيع من يقوم به إلا من استطاع القيام بوظيفته. لأنه كما كان في العهد القديم يقدر كل إسرائيلي أن يصلي لأجل إخوته، ولكن لم يستطع أحد أن يدخل إلى ما وراء الحجاب ويتوسط قانونياً عن الشعب إلا رئيس الكهنة، هكذا في العهد الجديد يجب أن يُصلي بعضنا لأجل بعض، ولكن لا يستطيع أحد أن يظهر أمام اللَّه عنا بناءً على أنه شفيع كهنوتي لنا، ويقدم استحقاقاته لاستجابة صلواته لأجل شعبه، إلا المسيح وحده. أما الأدلة على خطأ شفاعة القديسين فكثيرة، نكتفي بذكر خمسة منها: (1) بناؤه على توهُّم رتبة من البشر لا وجود لها في الحقيقة، هم الذين يُقال إنهم الآن في السماء لسبب استحقاقاتهم، وفي الملائكة. وليس للكنيسة سلطان في مثل هذا الحكم، ولا يحق لها أن تكتب في سفر الأرواح الممجدة من تشاء. (2) تأديته إلى عبادة الأصنام بالفعل، لأن عبادة الأصنام هي نسبة الصفات الإلهية إلى مخلوق، وتقديم شيء من العبادة والكرامة الخاصة باللَّه إلى مخلوقٍ. ويخطئ الذين يعتقدون أن القديسين حاضرون في كل زمان ومكان، وقادرون على استماع الصلوات المقدمة لهم واستجابتها. (3) إنه يحط من شأن المسيح الوسيط الوحيد والشفيع الفريد الكافي بين اللَّه والناس، والمستعد دائماً لأن يسمع ويستجيب صلوات شعبه. فاتّخاذنا وسطاء أو شفعاء آخرين يقتربون إلى اللَّه عنا دليل على اعتقادنا شيئاً من النقص في المسيح، ومساواةً لعمل الشفعاء مع عمل المسيح! (4) مناقضته لتعليم الكتاب المقدس لأنه يُبنى على أن للقديسين قدرة عند اللَّه بسبب استحقاقاتهم الشخصية. والكتاب المقدس يقول أن ليس لأحدٍ من البشر أمام اللَّه حق أو استحقاق في خلاص نفسه، وبالتالي لا يكون له حق أو استحقاق في خلاص غيره. (5) إنه من باب الخرافات التي تحط من شأن الإنسان. فالخرافة عبارة عن التصديق بلا برهان. واستشفاع القديسين مبني على التسليم به بلا برهان من الكتاب المقدس، فهو دعاءٌ يتوهّمه المصلي نافعاً وهو ليس كذلك. وهو يحط من شأن الإنسان لأنه يحوّل نظره من الخالق إلى المخلوق، ويسوقه إلى الاتكال على ذراع بشرية عوضاً عن قوة المسيح، فيحوّل قلوب الشعب وثقتهم عن المسيح إلى الذين لا يستطيعون أن يسمعوا ولا أن يخلِّصوا. [/SIZE][/B][/COLOR] [B][COLOR=Black][B][SIZE=5]الفصل السادس والثلاثون[/SIZE][/B][/COLOR][/B] [B][COLOR=Black][B][SIZE=5]وظيفة المسيح الملكية[/SIZE][/B][/COLOR][/B] [COLOR=Black][B][SIZE=5]1 - هل أقام اللَّه ملكوتاً في العالم، وما قولك فيه؟[/SIZE][/B][/COLOR] [COLOR=Black][B][SIZE=5]* اللَّه هو الحاكم المطلق على جميع الخلائق، لأنه خالق الكون وحافظه، وغير محدود في ذاته وكماله، وهو يمارس سلطانه على العالم المادي بواسطة القوانين الطبيعية التي وضعها، وعلى المخلوقات التي تأتمر بشرائعه الأخلاقية. ولما عصى البشر سلطان اللَّه العادل صاروا قسماً من ملكوت الظلمة تحت رياسة إبليس، وذلك منذ سقوط آدم إلى الآن. فقصد اللَّه بنعمته ورحمته أن يخلِّصهم من عواقب السقوط، فأعلن لهم مجيء فادٍ يبيد قوة إبليس، وأقام في الحال ملكوتاً مضاداً لملكوت الشر، مؤلَّفاً من الذين اختارهم من العالم وردَّهم إلى طاعته بواسطة تجديد الروح القدس. وكان ذلك الملكوت في أول الأمر هو بيوت شعب اللَّه، كل بيتٍ تقيٍ كنيسةً رأسه كاهنها، وبقي كذلك إلى زمن إبراهيم.[/SIZE][/B][/COLOR] [COLOR=Black][B][SIZE=5]وأقام اللَّه عهداً مع إبراهيم أب المؤمنين ومع نسله، ليمنع انتشار عبادة الأصنام، ويصون معرفة الحق، ويجمع مختاريه، ويجهز الطريق لمجيء الفادي الموعود به، فجعلهم ملكوته المنظور، وائتمنهم على إعلاناته. وفي هذا العهد وعد كل الذين يؤمنون بمواعيده ويطيعونه بالحياة الأبدية.[/SIZE][/B][/COLOR] [COLOR=Black][B][SIZE=5]ولما أخرج موسى بني إسرائيل من مصر صاروا جماعة تحت رياسة اللَّه الخاصة، وانتظمت شريعتهم وعبادتهم وخدمتهم الدينية، ليُبقوا معرفة مقاصد اللَّه في الخلاص ويبيّنوا كيفية إتمامها، ويعلنوا مجيء المسيح، نسل إبراهيم الموعود به، بركةً لشعوب الأرض، ويعلنوا صفاته ووظائفه وعمله.[/SIZE][/B][/COLOR] [COLOR=Black][B][SIZE=5]كان ملكوت اللَّه إذاً في العالم منذ سقوط آدم إلى الآن، وهو مؤلَّفٌ من الذين يعترفون أن اللَّه هو الإله الواحد الحي الحقيقي، ويعبدونه ويحبونه ويطيعونه. فالملكوت دائماً نور العالم وحياته، والملح الذي يصلحه، والخميرة التي يختمر بها. وغاية اللَّه في كل معاملاته مع البشر، وتجسد ابنه الأزلي هي جمع شعبه في هذا الملكوت وإكماله إلى النهاية، فقد وُلد المسيح ليكون ملكاً، وعاش ومات وقام من الموت ليكون رباً للذين أعطاه إياهم الآب.[/SIZE][/B][/COLOR] [COLOR=Black][B][SIZE=5]2 - بماذا يمتاز سلطان المسيح باعتباره وسيطاً عن سلطانه باعتباره إلهاً؟[/SIZE][/B][/COLOR] [COLOR=Black][B][SIZE=5]* سلطان المسيح باعتبار لاهوته من مقتضيات طبيعته الإلهية، فلم يأخذه من أحد. وهو مطلق أبدي غير متغير. أما سلطانه باعتباره وسيطاً فأخذه من الآب جزاء طاعته وآلامه إتماماً لعمل الفداء، وهو سلطان خاص بوساطته لخلاص شعبه، وبهذا السلطان أجرى مقتضيات الفداء، وتمّم عهد النعمة. وهو سلطان خاص به باعتباره إلهاً وإنساناً معاً، ووسيطاً بين اللَّه والبشر، لا باعتبار لاهوته فقط.[/SIZE][/B][/COLOR] [COLOR=Black][B][SIZE=5]3 - ما معنى أن المسيح ملك؟[/SIZE][/B][/COLOR] [COLOR=Black][B][SIZE=5]* قلنا إن ملكوت اللَّه كان منذ خلق الإنسان. ولما كان كل ما يتعلق به قبل مجيء المسيح استعداداً فقط، قيل في العهد القديم إن المسيح ملك سيقيم مملكة تنتهي فيها أخيراً سائر الممالك. ولذلك كان من ألقابه «الرب» ومعناه المالك والمتسلط. فإذا استعمل هذا اللقب للَّه أو للمسيح كان المعنى المالك أو المتسلط المطلق. فالمسيح هو ربنا لأنه الإله المتجسد، علاوة على حقوقه وسلطانه علينا باعتباره إلهاً ونحن له لأنه اشترانا بدمه، وقد أقامه اللَّه ملكاً على صهيون جبل قدسه.[/SIZE][/B][/COLOR] [COLOR=Black][B][SIZE=5]4 - ما هي أدلة العهد القديم على أن المسيح ملك؟[/SIZE][/B][/COLOR] [COLOR=Black][B][SIZE=5]* أدلته: إنه «شيلون» الذي له يكون خضوع الشعوب (تك 49: 10) وإنه هو الذي قيل فيه «يبرز كوكب من يعقوب ويقوم قضيب (صولجان) من إسرائيل» (عد 24: 17). وأقام اللَّه عهداً مع داود بقوله «ويأمن بيتك ومملكتك إلى الأبد أمامك. كرسيك يكون ثابتاً إلى الأبد» (2صم 7: 16). وإنجازاً لهذا الوعد تنبأ إشعياء بأن العذراء تلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل (إش 7: 14) «تكون الرياسة على كتفه، ويُدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً، أباً أبدياً رئيس السلام. لنمو رياسته، وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر من الآن إلى الأبد. غيرة رب الجنود تصنع هذا» (إش 9: 6، 7). وقال اللَّه في مز 2: 6، 8، 9 مشيراً للمسيح «مسحتُ ملكي على صهيون جبل قدسي.. اسألني فأعطيك الأمم ميراثاً لك وأقاصي الأرض ملكاً لك. تحطمهم بقضيبٍ من حديد مثل إناء خزافٌ تكسرهم». وكل ما جاء في مز 45 و72 و110 هو في شأن مُلك المسيح. وقيل في دانيال «مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقرّبوه قدامه، فأُعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً، لتتعبّد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول، وملكوته ما لا ينقرض» (دا 7: 13، 14). وقال ميخا «أما أنت يا بيت لحم أفراتة وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا، فمنكِ يخرج لي الذي يكون متسلطاً على إسرائيل، ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل» (مي 5: 2). وقال زكريا معزياً الشعب بعد السبي «ابتهجي جداً يا ابنة صهيون. اهتفي يا بنت أورشليم. هوذا ملكك يأتي إليك. هو عادل ومنصور وديع، وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان» (زك 9:9). وكما كان كهنوت النظام القديم وذبائحه وأنبياؤه رموزاً إلى وظيفتَي المسيح النبوية والكهنوتية، هكذا كان ملوك إسرائيل رموزاً إلى وظيفته الملكية وكان النظام الإلهي تحت رياسة اللَّه في العهد الموسوي رمزاً إلى النظام الروحي تحت رياسة المسيح في العهد المسيحي.[/SIZE][/B][/COLOR] [COLOR=Black][B][SIZE=5]5 - ما هي أدلة العهد الجديد على أن المسيح ملك؟[/SIZE][/B][/COLOR] [COLOR=Black][B][SIZE=5]* ذُكر مُلك المسيح في العهد الجديد تتميماً لما سبق من النبوات بمجيئه. قال الملاك جبرائيل لمريم العذراء لما أعلن لها قرب ميلاده «ستحبلين وتلدين ابناً وتسمّينه يسوع. هذا يكون عظيماً وابن العلي يُدعى، ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لمُلكه نهاية» (لو 1: 31-33) وأعدَّ يوحنا المعمدان الشعب لمجيء المسيح بقوله «توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات» (مت 3: 2). وبشر المسيح نفسهُ عند شروعه في خدمته الشخصية في كل مكان ببشارة ملكوت اللَّه (مر 1: 14) وكان كثير من تعليمه لإظهار حقيقة الملكوت الذي جاء ليقيمه (لو 32: 2 ويو 1: 49 وأع 2: 33، 36 و10: 36 وعب 1: 3 و7: 2 و12: 2 ورؤ 15: 3 و17: 14 و19: 16 وأف 1: 20-22 و1بط 3: 22 وفي 2: 9، 10). فلا شك أن المسيح حسب الكتاب ملك ويجب اعتباره كذلك.[/SIZE][/B][/COLOR] [COLOR=Black][B][SIZE=5]6 - في أي وقت تولى المسيح المُلك قانونياً؟[/SIZE][/B][/COLOR] [COLOR=Black][B][SIZE=5]* نؤمن أن المسيح وإن كان وسيطاً منذ سقوط الإنسان، إلا أنه لم يتولَّ المُلك علناً ويملك قانونياً إلا منذ صعوده بعد القيامة ليجلس عن يمين الآب. ومما يبرهن صحة هذا الرأي نبوات العهد القديم بأن ملكوته آتٍ (مز 2: 6 وإر 23: 5 وإش 9: 6 ودا 2: 44) وإعلان العهد الجديد أنه أتى في مجيئه الأول وأسّس ملكوته، وصعد ليأخذ المُلك، كما يتبيّن من قول المعمدان إن ملكوت السماء قد اقترب، ومن قول المسيح نفسه إن ملكوت اللَّه قد حضر. وزعم قوم من القائلين بمجيء المسيح ليملك شخصياً على الأرض مدة ألف سنة أنه لم يأخذ ملكه بعد، ولن يأخذه إلى أن يأتي منظوراً ليجلس ملكاً على كرسي المُلك في أورشليم (انظر فصل 40).[/SIZE][/B][/COLOR] [COLOR=Black][B][SIZE=5]7 - ما هي المعاني المختلفة لكلمة «ملكوت» في الكتاب المقدس؟[/SIZE][/B][/COLOR] [COLOR=Black][B][SIZE=5]* للكلمة اليونانية المترجمة «ملكوت» أو «مملكة» أو «مُلك» في الكتاب المقدس ثلاثة معانٍ: (1) السلطان أو السلطة الخاصة بالملوك. (2) الخاضعون لهذا السلطان. فإن المملكة عند البشر هي الجماعة أو البلاد التي يتولى الملك أمرها. ويسمّي العهد الجديد الذين يعترفون بمُلك المسيح عليهم «مملكته». (3) ما ينشأ عن إجراء السلطان الملكي من خضوع اختياري لهذا السلطان، وهذا المعنى مجازي. فالمعنى الأول هو المقصود بالقول إن المسيح أُعطي ملكوتاً أو سلطاناً، وبقوله «ليأتِ ملكوتك» وقول الملاك «لا يكون لملكه نهاية». والمعنى الثاني هو المقصود بالقول إن الناس يدخلون ملكوت المسيح أو يخرجون منه. والمعنى الثالث هو المقصود بالقول إن الناس يرثون ملكوت اللَّه أو يتمتعون به أو يطلبونه أو يفضّلونه على الكنز المخفى، ولذلك قيل إنه قائم بالبر والسلام والفرح في الروح القدس (رو 14: 17). فهذه جميعها من نتائج ملك المسيح. وجاءت كلمة ملكوت في العهد الجديد بهذا المعنى نحو 137 مرة، منها عشرٌ في الأناجيل وعشرون في الرسائل. ولم يوصف هذا الملكوت بأنه كنيسة إلا مرة واحدة في الأناجيل و88 مرة في الرسائل وسفر الرؤيا. فيتضح من ذلك أن الملكوت الذي كان المسيح مزمعاً أن يؤسسه كان الموضوع العظيم في الأناجيل، وأنه بعد تأسيسه وتنظيمه (أي جعله كنيسة) كان الموضوع العظيم في الرسائل بعد صعود المسيح وحلول الروح القدس في يوم الخمسين.[/SIZE][/B][/COLOR] [COLOR=Black][B][SIZE=5]8 - ما هي أسماء الملكوت في الكتاب المقدس؟[/SIZE][/B][/COLOR] [COLOR=Black][B][SIZE=5]* هي «ملكوت المسيح» و«ملكوت ابن اللَّه» لأن المسيح تولى تدبيره، وفُوِّض السلطان الملكي عليه. و«ملكوت اللَّه» لأن المسيح هو اللَّه، ولأنه الملكوت الذي أقامه اللَّه على الأرض تمييزاً له عن ممالك البشر. و«ملكوت السموات» لأن ملكه ساكن في السماء، ولأنه روحي سماوي، ولأنه سيكمل في السماء. وقد سُمي أيضاً بأسماء مختلفة بالنظر إلى ممارسة المسيح سلطانه الملكي فيه، كملكوت السلطة وملكوت النعمة وملكوت الرئاسة الكنسيّة وملكوت المجد السماوي. وهذه سنذكرها الآن بالتفصيل.[/SIZE][/B][/COLOR] [COLOR=Black][B][SIZE=5]9 - ما معنى ملكوت السلطة؟[/SIZE][/B][/COLOR] [COLOR=Black][B][SIZE=5]* للمسيح ما يسميه اللاهوتيون «ملكوت السلطة أو القوة» إشارة إلى سلطانه على الكون، ويريدون بذلك أنه باعتباره إلهاً وإنساناً معاً ووسيطاً بين اللَّه والناس قد دُفع إليه كل سلطان في السماء وعلى الأرض (مت 28: 18). قال المرنم إن اللَّه قصد أن يكون كل شيء تحت قدمي الإنسان (مز 8: 6) وقال الرسول إن اللَّه أكمل هذا القصد في ارتفاع المسيح، إذ «أقامه من الأموات وأجلسه عن يمينه في السماويات فوق كل رياسة وسلطان وقوة وسيادة وكل اسم يُسمَّى ليس في هذا الدهر فقط بل في المستقبل أيضاً، وأخضع كل شيء تحت قدميه، وإياه جعل رأساً فوق كل شيء للكنيسة» (أف 1: 20-22). وجاء هذا الأمر في قول الرسول إنه لما وُضع كل شيء تحت قدمي المسيح لم يستثنِ من هذا الخضوع إلا الذي أَخضع له الكل (1كو 15: 27). وإنه إذ أخضع الكل (أي الكون) له لم يترك شيئاً غير خاضعٍ له (عب 2: 8). وهذا السلطان العام يتضمنه جلوس المسيح عن يمين اللَّه. فالمسيح المعادل للَّه وقد أخذ صورة العبد رفعه اللَّه وأعطاه اسماً فوق كل اسمٍ، لتجثو باسم المسيح كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض (في 2: 9، 10) وهذا القول شامل، لأن «كل من في السماء وعلى الأرض وتحت الأرض» يعم كل الخلائق الناطقة. والذي تجثو له كل ركبةٍ هو يسوع، لا باعتباره الكلمة الأزلي، بل باعتباره الإله المتأنِّس (يو 1: 14) وهم يعترفون أنه الرب، أي ربهم وملكهم. وبهذا المعنى نفسه قال الرسول إن اللَّه جعل الابن وارثاً لكل شيء (عب 1: 2). وباعتبار هذا السلطان على الكون سُمّي المسيح «رب الأرباب وملك الملوك» أي الذي له كل سلطان على قوات السماء والأرض.[/SIZE][/B][/COLOR] [COLOR=Black][B][SIZE=5]10 - كيف يُجري المسيح هذا السلطان العام؟[/SIZE][/B][/COLOR] [COLOR=Black][B][SIZE=5]* يُجريه بالعناية بكنيسته، فيرسل الملائكة لخدمة ورثة الخلاص، ويضبط ويقيِّد الرؤساء والسلاطين وولاة العالم وأجناد الشر الروحية (أف 6: 12) ويدبِّر جميع أمور الشعوب والأفراد، ويرتب كل الحوادث المتعلّقة بشعبه أفراداً وبكنيسته إجمالاً لأجل هذه الغاية. ويقول الرسول بولس إن عناية المسيح الضابطة تدبّره في جميع سبله.[/SIZE][/B][/COLOR] [COLOR=Black][B][SIZE=5]فالمسيح الآن هو إله العناية، وهو الذي يضبط الكون. وهذا السلطان أو هذا الملكوت يدوم إلى أن تتم غايته، ويُخضِع جميع أعداء المسيح وكل أنواع الشر والموت، ثم يسلم هذا المُلك للَّه الآب. وينتهي سلطان المسيح على العالم باعتباره الوسيط بين اللَّه والناس (1كو 15: 24). ونستنتج من أف 1: 10 وكو 1: 20 عموم رئاسة المسيح على الأرضيات والسماويات معاً.[/SIZE][/B][/COLOR] [COLOR=Black][B][SIZE=5]11 - ما معنى ملكوت النعمة؟[/SIZE][/B][/COLOR] [COLOR=Black][B][SIZE=5]* هو ملكوت المسيح الروحي، وهو غير ملكوت السلطة. وله جانبان: (1) علاقة المسيح بشعبه الحقيقي أفراداً وإجمالاً، أي الكنيسة غير المنظورة. و(2) علاقته بالكنيسة المنظورة أي جماعة الذين يعترفون بأنهم شعبه. وبناءً على ذلك هو ملك كل نفس مؤمنة لأنه ينقلها من ملكوت الظلمة ويُخضعها لنفسه ويتسلط فيها ويملك عليها روحياً. ويعترف كل مؤمن أن المسيح هو ملكه وذو السلطان المطلَق عليه وربّ حياته الظاهرة والباطنة، ويسلم إليه عقله وضميره وقلبه تسليماً كاملاً، ويعبده ويحبه ويطيعه ويحتمي به من جميع الأعداء المنظورة وغير المنظورة، ويتكل عليه طالباً العون في زمن الحاجة راجياً منه النصرة الأخيرة. والخلاصة أن المسيحي أمين للمسيح ضابط حياته، فيتصرّف كجندي صالح للمسيح، وينفِق ويُنفَق في خدمته وفي توسيع ملكوته.[/SIZE][/B][/COLOR] [COLOR=Black][B][SIZE=5]12 - ما هي شروط الدخول في هذا الملكوت الروحي؟[/SIZE][/B][/COLOR] [COLOR=Black][B][SIZE=5]* هي التوبة والإيمان والتجديد الداخلي، كما يتضح من قول المسيح «إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت اللَّه» (يو 3: 5) وقوله «إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السموات» (مت 18: 3). ومن شروطه أيضاً طهارة الحياة. قال الرسول إن الظالمين لا يرثون ملكوت اللَّه (1كو 6: 9، 10). وأيضاً إن الذين يرتكبون الزنا والعهارة والنجاسة والدعارة وعبادة الأوثان والسحر والعداوة والخصام والغيرة والسخط والتحزب والشقاق والبدعة والحسد والقتل والسُّكر والبَطر وأمثال هذه لا يرثون ملكوت اللَّه (غل 5: 19-21).[/SIZE][/B][/COLOR] [COLOR=Black][B][SIZE=5]ويعلّمنا الكتاب أيضاً أن مجرد الاعتراف الشفاهي غير كافٍ للدخول في هذا الملكوت. قال المسيح «ليس كل من يقول لي: يا رب، يا رب، يدخل ملكوت السموات» (مت 7: 21). ولا الصرامة في ممارسة الفرائض والطقوس، فقد قال المسيح «إن لم يزد بركم على الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السموات» (مت 5: 20) وقول الرسول «لأن اليهودي في الظاهر ليس يهودياً، ولا الختان الذي في اللحم ختاناً» (رو 2: 28). «لأنه في المسيح يسوع لا الختان ينفع شيئاً ولا الغرلة» (غل 5: 6). «الذي مثاله يخلِّصنا نحن الآن أي المعمودية، لا إزالة وسخ الجسد، بل سؤال ضمير صالح عن اللَّه» (1بط 3: 21). ولا عضوية الكنيسة المنظورة حسب قول المعمدان «لا تفتكروا أن تقولوا في أنفسكم إن لنا إبراهيم أباً» (مت 3: 9). وقول الرسول «ليس جميع الذين من إسرائيل هم إسرائيليون» (رو 9: 6). وعلى هذا فإن ملكوت المسيح هو جماعة روحية مؤلَّفة من الذين هم في الباطن شعبه بالحقيقة.[/SIZE][/B][/COLOR] [COLOR=Black][B][SIZE=5] [/SIZE][/B][/COLOR][/SIZE][/FONT][/SIZE][/FONT] [/QUOTE]
التحقق
رد
الرئيسية
المنتديات
المنتديات المسيحية
المنتدى المسيحي الكتابي العام
علم اللاهوت النظامي
أعلى