الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الكتاب المقدس
الكتاب المقدس
البحث في الكتاب المقدس
تفاسير الكتاب المقدس
الرد على الشبهات الوهمية
قواميس الكتاب المقدس
آيات الكتاب المقدس
ما الجديد
المشاركات الجديدة
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مكتبة الترانيم
إسأل
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
Install the app
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
المنتديات المسيحية
المنتدى المسيحي الكتابي العام
علم اللاهوت النظامي
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
[QUOTE="Molka Molkan, post: 2790953, member: 79186"] [FONT="Tahoma"][SIZE="4"][FONT=Times New Roman][COLOR=Black][SIZE=4][SIZE=4][RIGHT] [B][B][SIZE=5]الفصل السادس عشر[/SIZE][/B][/B] [B][B][SIZE=5]قضاء الله[/SIZE][/B][/B] [B][SIZE=5]1 - ما هو قضاء اللَّه؟[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]* قضاء اللَّه هو قصده الأزلي، غير المتغيِّر، حسب رأي مشيئته الذي به سبق فعيَّن لأجل مجده كل ما يحدث. فإن اللَّه منذ الأزل، حسب رأي مشيئته الكلية وحكمته وقداسته المطلقة، وعلمه السابق قد قضى بكل ما يحدث قضاء اختيارياً لا يتغيَّر. ولم يصبح اللَّه بذلك منشئ الخطية، ولم يغتصب إرادة خلائقه، ولم ينزع حرية الأسباب الثانوية ولا إمكان حدوثها، بل بالأحرى ثبَّتها. ويشمل قضاء اللَّه كل ما وقع وكل ما سيقع من الحوادث، مع أسبابها وشروطها ومتعلّقاتها ونتائجها، وهو يجعلها محققة الحدوث لأن اللَّه قصد أن تكون كذلك. وهو قضاءٌ واحدٌ أزلي، فإذا ورد ذكره بصيغة الجمع (أقضية) كان ذلك باعتبار مفاعيله ومتعلقاته (رو 8: 28 وأف 1: 11 و3: 11).[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]وهذا القضاء يختص بما هو خارج عن الطبيعة الإلهية، فاللَّه لم يقضِ مثلاً بأن يكون قدوساً، أو ثلاثة أقانيم في جوهر واحد، ولكن قضى بما عمل أو بما سيعمله، أو بما سمح أو سيسمح بحدوثه خارج نفسه. فيتعلَّق القضاء: (1) بعمل اللَّه نفسه كالخلق والعناية والفداء. و(2) بأعمال الخلائق العاقلة الحرة في دائرتهم الخاصة. وليس القضاء ما قُضي به، لأن القضاء هو القصد الأزلي، والمقضيُّ به هو إتمام المقصود به. وليس القضاء فرضاً على المخلوقات العاقلة كشريعة إلهية تجب طاعتها، لأنه ليس أمراً إلهياً موجَّهاً إلى الإرادة التي تنفِّذ. فعلاقة القضاء بالخطية ليست كعلاقة السبب بالنتيجة، وإن عمَّ قضاء اللَّه كل الحوادث من خير أو شر. فلم يقضِ اللَّه على أحدٍ من البشر أو الملائكة المسؤولين أمامه بأن يخطئ، ويوجه ذلك القضاء إليه على سبيل إعلان المشيئة الأزلية. إنما قضى بأن يسمح بحدوث الخطية باختيار الشخص المسؤول، لأن اللَّه لا ينشئ الإثم. أما القداسة فلا شك في أنه يقضي بها بقصد حث الإنسان عليها، وكذلك يقضي بالوسائط التي توصّل إلى المطلوب، لا إجباراً بل مساعدةً للإنسان، لأن الإنسان يقدر من تلقاء نفسه أن يخطئ، ولكنه لا يقدر أن يتَّقي اللَّه ويرغب في القداسة ويدركها بدون مساعدة النعمة الإلهية. ويُعرَف قضاء اللَّه بالخلاص بالانتخاب أو الاختيار أو التعيين. والقضاء عام، يشمل نصيب كل مخلوقٍ عاقلٍ.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]2 - هل يحق لنا أن ننسب للَّه مقاصد ثابتة؟[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]* نعم. بل إن ذلك ضروري لأنه من مقتضيات الحكمة الإلهية. فإن كان الإنسان الحكيم لا يشرع في عملٍ دون قصد وغاية، فبالأَوْلى أن اللَّه أحكم الحكماء لم يشرع في أعماله العظيمة التي تحتاج على الدوام إلى عنايته، مثل الخليقة والفداء بدون قصد سابق سامٍ، ووَضْع نظام لتنفيذه. وهذا الاعتقاد يريح عقولنا أكثر جداً من نسبة كل شيء إلى الصدفة أو إلى فعل القوانين الطبيعية، لأن الكون بدون سلطان اللَّه المطلق عليه وإجرائه مقاصده بالحكمة والثبات يكون في أسوأ حال.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]ومن النصوص الإلهية التي تعزّي المؤمنين «مخبِرٌ منذ البدء بالأخير، ومنذ القديم بما لم يُفعل، قائلاً: رأيي يقوم وأفعل كل مسرتي. داعٍ من المشرق الكاسر. من أرضٍ بعيدة رجل مشورتي. قد تكلمتُ فأُجريه. قضيتُ فأفعله» (إش 46: 10، 11). وقول المرنم «أما مؤامرة الرب فإلى الأبد تثبت. أفكار قلبه إلى دور فدور» (مز 33: 11). وقول الحكيم «في قلب الإنسان أفكارٌ كثيرة، لكن مشورة الرب هي تثبت» (أم 19: 21). وقول دانيال «هو يفعل كما يشاء في جند السماء وسكان الأرض، ولا يوجد من يمنع يده، أو يقول له ماذا تفعل؟» (دا 4: 35). والقول «ليفعلوا كل ما سبقَت فعيَّنَت يدك ومشورتك أن يكون» (أع 4: 28). «معلومة عند الرب منذ الأزل جميع أعماله» (أع 15: 18). «الذي فيه أيضاً نلنا نصيباً، معيَّنين سابقاً حسب قصد الذي يعمل كل شيء حسب رأي مشيئته» (أف 1: 11). «أنت مستحق أيها الرب أن تأخذ المجد والكرامة والقدرة، لأنك أنت خلقتَ كل الأشياء، وهي بإرادتك كائنة وخُلقت» (رؤ 4: 11). فهذه الآيات تشير إلى مشيئة الرب ومشورته وإرادته وقصده، وإلى ثباتها جميعها وعدم إمكان مقاومتها. ويؤيد هذا نبوات الوحي التي تحقَّقت بحذافيرها، مما يبرهن معرفة اللَّه السابقة بالحوادث المستقبلة بحسب مقاصده الثابتة.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]ويعلّمنا الكتاب المقدس أن هذا يوافق العقل السليم لأسباب كثيرة، نذكر أربعة منها:[/SIZE][/B] [B][SIZE=5][I](1) علم اللَّه السابق:[/I] فإنه عَرف منذ الأزل كل ما يحدث في العالم، لا بالصدفة، ولا بمعرفة السبب والنتيجة، ولا بتغيير إرادة البشر، فلا شيء من هذه مستقل عن الحكمة الإلهية، ولا شيء أزلي إلا اللَّه. فلا سبب للعلم السابق إلا قصد اللَّه الأزلي. فاللَّه يعلم بوقوع الحوادث المستقبلة لأنه حقَّق حدوثها بقضائه. فإن قيل إن سبب العلم السابق هو قضاء اللَّه بخلق العالم مقيَّداً بشرائع طبيعية غير متغيرة، لا قضاؤه بالحوادث عينها، قلنا: إن علة العالم هي اللَّه نفسه لأنه الأزلي الوحيد. وعلمه السابق أن خلْق العالم على تلك القوانين يحقق الحوادث الناشئة عنها، فيكون القضاء بذلك كله هو القضاء بكل ما يحدث. فالنتيجة واحدة، والبرهان حق، سواء التفتنا إلى القضاء بالحوادث أو القضاء بالخلق وبما ينشأ عنه بالضرورة، إذ القضاء بقوانين عاملة في العالم هو القضاء بما يقع بها. وهكذا يشمل قضاء اللَّه الخلق وما ينشأ عنه، وما يفعله العقلاء باختيارهم. لكن الخالق غير مسؤول عن الشرّ الذي يرتكبه الإنسان المخيَّر. على أن قضاء اللَّه يشمل أعمال المسؤولين المخيّرين إما قصداً وإما سماحاً.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5][I](2) الحكمة الإلهية:[/I] فإنها تقتضي قصداً سابقاً وتدبيراً موافقاً لتتمم هدفها في أعمال البشر. فاللَّه لا يتصرف بأحوال الناس بدون قصد سابق يتفق مع حكمته.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5][I](3) عدم تغيّره:[/I] لأن ما يعمله اللَّه يستحيل أن يكون عن غير قصد سابق، لأن علمه وقدرته وكماله لا يزيد ولا ينقص. فلا بد أنه قصد منذ الأزل أن يعمل كل ما عمله وما سيعمله. وهذا هو القضاء بعينه.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5][I](4) الصلاح الإلهي:[/I] لأنه إن لم يكن كل ما يحدث نتيجةً للقضاء الإلهي، فهو قد حدث إما بالصدفة بلا نظام، وإما بإرادة المخلوقات. ومستحيل أن يترك اللَّه سعادة الكون ونصيب العقلاء لصدفة أو للإرادة المخلوقة مستقلة عن إرادته السامية الكاملة الحكيمة الوافرة الصلاح. فمقتضيات الصلاح الإلهي توجب أن اللَّه لا يهمل مصالح العالم.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]فنفي القول بقضاء اللَّه يطعن كثيراً في صفات اللَّه، كالقدرة على كل شيء، والعلم بكل شيء، والصلاح غير المتناهي، والحكمة الفائقة، ويستلزم أن اللَّه بلا ترتيب، تحيط به المشاكل وهو خالٍ من السلطان ناقص العناية. وهذا يرفع عن البشر كثيراً من وجوب الخضوع والشكر له، وينزع من قلوبهم الإيمان والاتكال والرجاء، ويجعلهم مديونين بالفضل لغيره![/SIZE][/B] [B][SIZE=5]3 - لماذا يصعب على العقل البشري أن يبحث هذا الموضوع؟[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]* لأننا قاصرون عن إدراك العلاقة بين اللَّه غير المحدود والعالم المحدود، وبين سلطان اللَّه المطلق وحرية الخلائق العاقلة، خاصةً العلاقة بين وجود الخطية وقداسة اللَّه وحكمته وصلاحه وقدرته، ونحو ذلك من الصعوبات التي تُرى في كل أنظمة علم اللاهوت التي تعلّم وجود اللَّه وحكمه الأخلاقي وحرية الإنسان كفاعلٍ أخلاقي مخيَّر. وقد شغلت هذه المسائل عقول الفلاسفة في كل عصر. ولا ننكر ما في هذا من الصعوبة، لكننا نستند في فهمها وحلها على تعليم الكتاب وإرشاد روح اللَّه القدوس.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]4 - ما هي القضايا الرئيسية في تعليم القضاء؟[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]* (1) معرفة اللَّه السابقة بكل الحوادث، لأنه قضى بها منذ الأزل.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](2) قضاء اللَّه بكل الحوادث المستقبلة التي تصدر منه مباشرةً، أو تحدث بوسائط ثانوية طبيعية، أو التي هي من أعمال البشر والملائكة الاختيارية، شراً كانت أم خيراً.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](3) إتمام اللَّه قضاءه بطُرق مختلفة، إما بقدرته مباشرةً كما في الخلق الأصلي، أو باستخدام الأسباب الثانوية التي تعمل بموجب شرائع طبيعية، وإما بواسطة العاملين المخيَّرين الأحرار، أو على سبيل الحث والاستخدام، أو على سبيل السماح بما يشاء. ولا فرق في كل هذه الطرق من جهة تأكيد وقوع الحوادث ويقينية إتمامها.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](4) قضى اللَّه بالوسائط كما قضى بالنتائج، وقضاؤه بالسبب كما قضى بالنتيجة. وقضاؤه بأحوال إتمام الحوادث وشروطها كما قضى بالحوادث نفسها. وقضاؤه بالوسائل كما قضى بالغايات المقصودة بها.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](5) قضاء اللَّه يؤكد وقوع المقضي به، وأن يكون إتمامه ليس منه مباشرةً، بل بواسطة ما يستخدمه لذلك بعنايته في حينه.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](6) قضاء اللَّه واحد يعم كل الأمور بقصدٍ واحد أزلي.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]5 - ما هو الفرق بين قضاء اللَّه السابق وعلمه السابق؟[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]* قضاء اللَّه السابق هو تعيينه لكل ما يحدث في كل زمان، وهو يختص بمشيئته. وعلمه السابق هو معرفته منذ الأزل بكل ما يحدث في كل زمان، وهو يختص بحكمة اللَّه غير المحدودة. فالقضاء السابق يجعل الحوادث محقَّقة الوقوع، والعلم السابق يراها محقَّقة الوقوع. والعلم السابق مبني على القضاء السابق، فيعلم اللَّه الحوادث لأنه قضى بحدوثها.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]ويعلم اللَّه بسابق علمه الخلق والأسباب الطبيعية والشرائع المنظمة والحوادث الواقعة والنتائج المتوالية، لأنه قضى بها جميعاً. فهي كلها من تدبيره، وعلى ذلك يكون إنكار القضاء إنكاراً لعلم اللَّه السابق، لأن سبق العلم غير مستقل عن القضاء. فقد عرف اللَّه مثلاً بسقوط آدم لأنه قضى بسقوطه. فالعلم السابق بأمرٍ محقق الوقوع هو نتيجة القضاء به. وإلا فعلمه ليس بسابق ولا لاحق.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]6 - ماذا يتضمن تعريف قضاء اللَّه الذي قدمناه في السؤال الأول من هذا الفصل؟[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]* يتضمن: (1) غاية قضاء اللَّه هي إظهار مجده.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](2) قضاء اللَّه كلي الحكمة والقداسة.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](3) إنه يتعلق بقصدٍ واحد أزلي.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](4) إنه حر ومستقل ومطلق، وليس له علة سوى مشيئته.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](5) إنه يشمل كل حوادث الكون.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](6) إنه غير متغير.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](7) لم يَصِر اللَّه بذلك منشئ الخطية، ولا يُجبر إرادة خلائقه، ولا ينزع حرية الأسباب الثانوية ولا إمكان حدوثها، بل يثبّتها.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]7 - كيف يتضح أن القصد الأصلي في قضاء اللَّه هو إظهاره مجده؟[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]* يقول الكتاب المقدس إن الهدف من كل شيء هو إظهار مجد اللَّه. فهو غاية خلق السماوات والأرض، فإن كل الأشياء هي من اللَّه وبه ولأجله (رو 11: 36). والسماوات تذيع مجده والفلك يخبر بأعمال يديه (مز 19: 1). وقال اللَّه لموسى «فتُملأ كل الأرض من مجد الرب» (عد 14: 21). ومجد اللَّه هو غاية أعمال عناية اللَّه، سواءٌ كانت تأديباً للناس أم مكافأةً. وعلى ذلك قال اللَّه «من أجل نفسي أفعل، لأنه كيف يُدَنَّس اسمي؟ وكرامتي لا أعطيها لآخر» (إش 48: 11). «صنعتُ لأجل اسمي لكي لا يتنجس أمام عيون الأمم» (حز 20: 9). ومجد اللَّه أيضاً غاية عمل الفداء ومنح النعمة (1كو 1: 26-31 وأف 1: 6-12). وقد وضع الرب يسوع أمامه هذا الهدف فقط، ففعل كل شيء لمجد اللَّه، وطلب من تلاميذه أن يحيوا ويعملوا لأجل ذلك. وبما أن اللَّه غير محدود، وكل الخلائق كلا شيء أمامه، كان تمجيده بإعلان طبيعته وصفاته الكاملة أعظم الأهداف، والواسطة العظمى لنوال غايات أخرى مثل خير البشر وسعادتهم.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]8 - كيف نتحقق أن قضاء اللَّه كلي الحكمة والصلاح والقداسة؟[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]* من قول الرسول «حسب قصد الذي يعمل كل شيء حسب رأي مشيئته» (أف 1: 11) أي أن كل ما جرى وما سيجري ناشئ عن رأي مشيئة اللَّه، ويدل على حكمته وصلاحه وقداسته، وعلى أن تلك الصفات غير محدودة فيه (مز 33: 11 وأي 12: 13 وأم 19: 21). وعجزنا عن فهم أعمال اللَّه فهماً كاملاً لا يدل على نقص تلك الصفات فيه، كما أن عدم إدراكنا ذاته وصفاته الطاهرة لا يدل على عدم وجود تلك الصفات فيه ولا على نقصها.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]9 - ما معنى وحدة قضاء اللَّه وأزليته، وما هي الأدلة على ذلك؟[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]* المقصود بوحدة قضاء اللَّه هو أن كل الحوادث التي وقعت والتي ستقع كانت لدى اللَّه منذ الأزل، وأنه قضى في الأزل بما حدث منذ بدء الزمان إلى الآن، وبما هو حادث تحت النظام الحاضر بكل تغيراته، وبما سيحدث إلى الأبد، وأن سبب حدوث أمرٍ في وقتٍ ما سببه أن ذلك الوقت هو المعيَّن له في قضاء اللَّه. فيكون قضاء اللَّه واحداً لا أقضية كثيرة، ولا متجددة حسب مقتضيات الأحوال. والحوادث المختلفة التي لا تُحصى هي أقسام قصد واحد عام أزلي، لأن اللَّه غير محدود في طبيعته، ولا يكون ذا كمالٍ إذا كانت مقاصده متجددة، بمعنى أنه يقصد الآن ما لم يقصده سابقاً. وحاشا أن نقول ذلك! ولما كان هذا القضاء الوحيد يتضمن أموراً كثيرة، بعضها مرتبط ببعض، جرت العادة أن نتكلم فيه كأنه أقضية كثيرة متوالية. وذكر الكتاب أحكام اللَّه ومقاصده وأقضيته بصيغة الجمع تنازلاً لإفادة عقولنا. ولإيضاح وحدانية قصد اللَّه الذي يتضمن كل أمور الخليقة والعناية والفداء نقول: إذا رأينا قصراً واسعاً ذا أجنحة عديدة تتصل بعضها ببعض، عرفنا أنه واحدٌ وإن كثرت أجنحته، وأن المهندس قبل الشروع في بنائه صوَّر في ذهنه قصراً واحداً، مع أنه قصد أن يبنيه من أجنحة كثيرة متصلة ببعضها.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]والمقصود بأزلية قضاء اللَّه هو أنه منذ الأزل، لأنه لما كان اللَّه كاملاً كان غير ممكن أن يكون له مقاصد في وقتٍ لم تكن له في وقتٍ آخر، لأنه يرى النهاية منذ البدء، فأقسام الزمان لا تأثير لها في اللَّه الأزلي الأبدي. ونتعلم من الكتاب المقدس أن جميع الحوادث هي إظهار قصد اللَّه الأزلي. قال الرسول إن خلاص البشر «حسب قصد الدهور الذي صنعه في المسيح يسوع ربنا» (أف 3: 11). وقال إن المؤمنين اختيروا «في المسيح قبل تأسيس العالم» (أف 1: 4 و2تي 1: 9). وقال عن المسيح إنه كان معروفاً ذبيحةً سابقاً قبل تأسيس العالم، ولكن قد أُظهر في الأزمنة الأخيرة من أجلنا (1بط 1: 20، 21). وقال المسيح إنه في يوم الدينونة يقول للذين عن يمينه «تعالوا يا مباركي أبي، رِثوا الملكوت المعَدّ لكم منذ تأسيس العالم» (مت 25: 34). وجاء أيضاً «بل نتكلم بحكمة اللَّه في سر. الحكمة المكتومة التي سبق اللَّه فعيَّنها قبل الدهور لمجدنا» (1كو 2: 7). «معلومة عند الرب منذ الأزل جميع أعماله» (أع 15: 18). «اللَّه اختاركم من البدء للخلاص بتقديس الروح وتصديق الحق» (2تس 2: 13) «على رجاء الحياة الأبدية التي وعد بها اللَّه المنزَّه عن الكذب قبل الأزمنة الأزلية» (تي 1: 2). ولا يناقض الكتاب المقدس هذا التعليم، فقد ذكر أحياناً قصداً من مقاصد اللَّه تابعاً لقصد آخر، أو ناشئاً عن أفعال البشر. فكثيراً ما يعبّر عن الأمور حسبما تظهر لنا لا كما هي بالحقيقة، كقوله «أسس السماوات» مع أننا نعرف أن السماوات غير مرتكزة على أساس. ويوافق ذلك حكم العقل السليم الذي يرى أن اللَّه أزلي الوجود وكلي الحكمة وكامل المعرفة ومقاصده أزلية. وواضح أن الاعتقاد بعدم أزلية مقاصده يؤدي إلى أن معرفته تزيد على الدوام، وهذا لا يليق باللَّه، ولا يوافق كماله الأزلي في المعرفة والصلاح والقدرة غير المحدودة.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]10 - كيف تثبت أن قضاء اللَّه حر (أي اختياري ومستقل) ومطلق (أي ليس له سبب سوى مشيئته)؟[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]* لما كان اللَّه عاقلاً مختاراً وكلي الحكمة والقدرة كان قضاؤه اختيارياً ناشئاً عن مجرد مشيئته، دون أن يضطره إليه سبب خارجي. مثال ذلك أنه لما اختار اللَّه أن يخلق العالم كان يمكنه لو شاء أن يختار أن لا يخلقه، أو أن يخلقه بنظام آخر. وهكذا قصد كل ما قصده باختياره لا بالاضطرار. قال الرسول إن اللَّه يعمل كل شيء حسب رأي مشيئته (أف 1: 11). أي الرأي الناشئ من مشيئته لا من مشيئة غيره.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]وقولنا إن قضاء اللَّه مستقل يعني أنه يقضي دون احتياج إلى شريك أو مشير في قضائه. أما نحن فقد تكون مقاصدنا مستقلة، وقد تكون بمشورة غيرنا ومشاركتهم. ولكن اللَّه متعالٍ جداً فوق ذلك «لأن مَنْ عرف فكر الرب، أو مَنْ صار له مشيراً؟» (رو 11: 34) «هوذا اللَّه يتعالى بقدرته. مَنْ مثله معلماً؟ مَنْ فرض عليه طريقه، أو مَنْ يقول له قد فعلت شراً؟» (أي 36: 22، 23). «مَنْ قاس روح الرب ومَنْ مشيره يعلّمه؟ مَنْ استشاره فأفهمه وعلَّمه في طريق الحق، وعلّمه معرفةً وعرَّفه سبيل الفهم؟» (إش 40: 13، 14).[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]وقصدنا بأن قضاء اللَّه مطلق هو أنه غير مقيَّد، ولا يتوقف على أمرٍ آخر، لأنه إن كان اللَّه لا يعتمد على نفسه اعتماداً مطلقاً في أموره، بل ينتظر حدوث شيء غير مقضيٍّ به أو عدم حدوثه، ما أمكن أن يكون قضاؤه أزلياً! ويقول الكتاب إنه «يفعل كما يشاء في جند السماء وسكان الأرض» (دا 4: 35 ومز 135: 6) وإن «منه وبه له كل الأشياء» (رو 11: 36). ونتعلم من الكتاب أن جميع مقاصد اللَّه حتى ما كان منها في شأن خلاص البشر ناشئة عن رأي مشيئته، فإنه يرحم مَنْ يشاء، ويخلّصنا ليس بأعمالنا بل بنعمته، وقد اختارنا للخلاص حسب مشيئته المطلقة (مت 11: 26 ورو 8: 29، 30 و9: 15-18 وأف 1: 5).[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]11 - ما معنى أن قضاء اللَّه فعَّال ومحتوم به، وما هي الأدلة على ذلك؟[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]* قضاء اللَّه يجعل حدوث الأمر المقضي به مؤكداً، فما قضى به لا بد أن يحدث، سواء قضى أن يفعله هو أم قضى أن يسمح بحدوثه، لأنه قد قضى أن يفعل بعض الأمور وأن يسمح بحدوث غيرها. فالخير يفعله هو والشر يسمح بحدوثه. فقد قضى منذ الأزل أن الشيطان يجرب أبوينا الأوَّلين، وأنهما يسقطان، وأن اللَّه يرسل ابنه ليموت لأجل الخطاة. ومن الأدلة على هذا:[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](1) كمال اللَّه الذي يمنع أن تكون له مقاصد يصعب تنفيذها، فالإنسان ينفذ ما يقصده ما لم يكن ناقص الحكمة أو القدرة على إجرائه، أو إن كان متقلب الآراء. ولكن اللَّه منزَّه عن هذه النقائص، وهو الحكيم القدير على كل شيء، الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران (يع 1: 17). [/SIZE][/B] [B][SIZE=5](2) وحدة قضاء اللَّه، فلما كان قضاء اللَّه يعم كل الأمور كانت جميع مقاصده مرتبطةً ببعضها. فإذا أمكن أن واحداً منها لا يقع أمكن أن الكل لا يقع، فيبقى النظام ثابتاً.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](3) شهادة التاريخ، الذي يرينا أن الأمور متوقفة على بعضها، وأن الحوادث العظيمة تنشأ أحياناً عن أسباب جزئية، وهذا يبرهن أن كل الأمور، صغيرة وكبيرة، هي مرتبة ومعيَّنة في قضاء اللَّه.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](4) حُكم اللَّه السياسي والأخلاقي يستلزم ذلك، فلو لم يكن قضاؤه نافذاً لزال اليقين في حكمه، ووقع الشك في إتمام كل النبوات والمواعيد والتهديدات الإلهية، وتقوّض كل أساس الثقة باللَّه، وصارت الأمور موكولةً للصدفة.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](5) حكم العقل السليم الذي يدرك أن عدم إتمام أحد مقاصد اللَّه لا بد أن يكون إما لأنه قد تركه عمداً، أو لأن مانعاً قد حال دون ذلك. وكلاهما لا يليق باللَّه، لأن الأول يدل على نقص الحكمة والثاني على نقص القدرة.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](6) شهادة الكتاب المقدس : (أ) الآيات التي تشير إلى أن قضاء اللَّه مطلق لا يتغير (عد 23: 19 وحز 24: 14 وإش 46: 10 ومز 33: 11 وأي 23: 13 وأم 19: 21 ولو 22:22 وأع 4: 28). (ب) الآيات التي تقول إنه وضع حدود مساكننا، وإن أيامنا وشعور رؤوسنا محصاةٌ عنده (مت 10: 29، 30 ولو 21: 18 وأم 16: 33 وأع 27: 34). (ج) الآيات التي تدل على أن لا شيء يقدر أن يقاوم مقاصده، ومن ذلك قول النبي «رب الجنود قد قضى، فمَنْ يبطل؟ ويده هي الممدودة، فمَنْ يردُّها؟» (إش 14: 27). «من اليوم أنا هو ولا منقذ من يدي. أفعل ومَنْ يردُّ» (إش 43: 13). (د) التعاليم التي تستلزم نفوذ مقاصد اللَّه، فكل عمل الفداء مبني على هذا الأساس، فمن المحال أن اللَّه يدبّر فداءً عظيماً ولا يؤكد إجراءه، وأن يرسل ابنه إلى العالم ويترك نتائج إرساله غير محقَّقة. فللَّه قصد في إبداع الكون، وإتمام ذلك القصد لا شك فيه، وكل ما في قضاء اللَّه سيحدث لا محالة.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]12 - ما هو الفرق بين ما قصد اللَّه أن يتممه وما قصد أن يسمح بحدوثه؟[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]* الأول هو ما قصد اللَّه إتمامه إما بنفسه أو بأسباب ثانوية، والثاني هو ما قصد أن يسمح لعاملين مخيّرين أحرار من البشر أو الملائكة أن يعملوه حسب رغبة قلوبهم. ومن أمثلة الأول حركات الأجرام السماوية، فإنه قضى أن الأرض تدور حول الشمس في نحو 365 يوماً، وهو يتمم هذا بما سنَّه لها من القوانين الطبيعية. وينسب الكتاب المقدس هذه الأسباب الثانوية لقدرة اللَّه وفعله في الكون. ومن هذا عمل روح اللَّه في أرواحنا بواسطة الحث والتعليم والإرشاد، خاصةً في تجديد قلوبنا. وكل ذلك بدون تعطيل حرية إرادتنا الأخلاقية التي هي من شرائع الحياة الروحية.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]ومن أمثلة الثاني سماح اللَّه بحدوث الخطية. فإنه لا يعمل في إنسان ولا في ملاك أن يريد وأن يعمل الشر، غير أنه يسمح له به. وقضاؤه بالسماح به يجعله مؤكد الحدوث. والقضاء بالسماح يدل أولاً على أن اللَّه قصد أن لا يمنع الشر. وثانياً أنه قصد أن يجعل له حداً ويتسلط عليه، بدليل ما نراه كثيراً من تحويله إياه واسطةً للخير. ولا شك في أنه أخيراً يحوّل كل الشر إلى خيرٍ يؤول لمجده حسب قول المرنم «لأن غضب الإنسان يحمدك» (مز 76: 10).[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]13 - بماذا يتفق تعليم الكتاب المقدس في تأكيد قضاء اللَّه وتعليم القَدَر، وما هي أوجه الاختلاف بينهما؟[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]* يتفقان في القول بتأكيد حدوث الأمور، ويختلفان في كل ما عدا ذلك. فتعليم القَدَر هو أن كل الأمور مؤكدة الحدوث لأن الشرائع لا تتغيَّر، بل تجري مجراها بدون تمييز عقلي وبقوةٍ لا تُقاوم، وبدون نظر إلى النتائج.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]ولكن الكتاب المقدس يعلّمنا أن تأكيد حدوث ما قضى اللَّه به مبني على وجود أب إلهي قادر قدوس محب، قضى بحكمته وسلطانه وحسب رأي مشيئته ولأجل غايات حسنة كل ما يحدث في الكون الذي خلقه، وأنه في إتمام ذلك يطلب الخير الأعظم والمجد الأسمى، ويستعمل أفضل الوسائط، ويراعي حرية خلائقه العاقلة، ولا يجبر أحداً. ويستعمل أسباباً ثانوية بدون أن يخالف طبيعتها أو ينقص من شأنها. فالفرق بين هذا وذاك كالفرق بين الإنسان وآلة ميكانيكية، أو كالفرق بين أعمال الإرادة الحرة في المخلوق العاقل وأعمال الطبيعة التي تجري حسب قوانين المادة.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]14 - ما هو الفرق بين القضاء المطلق والقضاء المقيَّد، ومن أي نوع منهما قضاء اللَّه؟[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]* القضاء المطلق هو ما لا يتوقف على شرطٍ، والقضاء المقيد هو ما يتوقف على شرط وقوع حادثةٍ غير مقضيٍّ بها ولا مؤكدة الحدوث. فقضاء اللَّه من النوع المطلق، لأنه لا يتوقف على أعمال البشر، ولا على أسباب طبيعية، ولكنه يشملها بمعنى أنها داخلة فيه، لأنها وسائط وآلات لإتمامه. ولا يليق أن ننسب إلى اللَّه القضاء المقيد لما يأتي:[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](1) قضى اللَّه بكل الشروط والوسائط والعلاقات التي تنفذ قضاءه. مثال ذلك أنه قضى بخلاص الإنسان، وقضى أيضاً بكل ما يتعلق به من إنارة قلبه وتجديده وتعليمه الحق ومساعدته على الإيمان والاتكال على المخلّص، كقول الرسول «الذين سبق فعيَّنهم فهؤلاء دعاهم أيضاً» وقِس على ذلك كل ما قضى به (2تس 2: 13 و1بط 1:1، 2 وفي 2: 13 وأف 1: 4 و2: 8 و2تي 2: 25 وخصوصاً أع 27: 22، 31).[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](2) قضاء اللَّه أزلي وغير متغير، والقضاء المقيَّد قابل للتغيير وغير مؤكد الحدوث (إش 14: 24، 27 و46: 10 ومز 33: 11 وأم 19: 21 ورو 9: 11 وأف 3: 11 وأع 2: 23 و3: 18).[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](3) القضاء المقيد يحط من سلطان اللَّه ويجعله في إجراء حكمه في الكون مقيداً بأعمال خلائقه التي هي خارجة عن قضائه (عند القائلين بالقضاء المقيد). وكل ذلك يخالف تعليم الكتاب أن اللَّه ذو سلطان مطلق، وليس من يقاوم إرادته (مز 115: 3 و135: 6 ودا 4: 35 ورو 9: 15-18).[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](4) يعلِّم الكتاب المقدس أن قضاء اللَّه ناشئ من مجرد مسرته ورأي مشيئته، وأنه يعم أعمال البشر الحرة، ويؤكد حدوثها ونتائجها (إش 30: 13، 14 وأف 1: 5، 11 ورو 9: 11 ومت 11: 25، 26 وأف 2: 8 وأع 4: 27، 28). واعترض البعض بأنه لما كانت بعض المواعيد والتهديدات تحت شروط كان قضاء اللَّه كذلك، وينتج منه أنه غير مؤكد. فنجيب أن القضاء ليس كتلك المواعيد والتهديدات، لأنه يحيط بالسبب والنتيجة، أي بالأمر المقضي به وبشروطه معاً. وينتج من ذلك أنه لا يتوقف على شرط، بل الشرط داخل فيه.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]15 - كيف تثبت أن قضاء اللَّه يشمل كل حوادث الكون بدون استثناء؟[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]* تقع بعض الحوادث لأسباب طبيعية، ويقع بعضها بفعل فاعل حرّ الاختيار، ومنها ما هو صالح وما هو شرير. ونتعلم من الكتاب المقدس أن اللَّه سبق فعيَّن كل ما يحدث، سواءٌ كان حدوثه اضطرارياً أو اختيارياً، وسواء كان صالحاً أم شريراً. أي أن كل الحوادث داخلة في قصد اللَّه، ولا بد من وقوعها (أي 14: 5 وأم 16: 33 وإش 46: 10، 11 ودا 4: 34، 35 ومت 10: 29، 30 وأع 2: 23 و4: 27، 28 و15: 18 و17: 26 وأف 1: 10، 11 و3: 10، 11 ورؤ 17:17). وأنه قضى بالوسائط كما قضى بالغاية المقصودة (2تس 2: 13 و1بط 1: 2 وأف 1: 4 وأع 27: 23، 24، 31). وقضى بكل ما يظهر لنا أنه حدث بالصدفة أو بدون تعيين منه (أم 16: 33 وتك 45: 8 و50: 20 وخر 12: 36 وعد 9: 12 ويو 19: 36 ومز 34: 20). وقضى بأعمال الناس الصالحة (أف 2: 10). وبأعمالهم الشريرة بمعنى أنه سمح بها (مز 76: 10 وأم 16: 4 وأع 2: 23 و4: 27، 28 ورو 9: 17 و1بط 2: 8). وقضى بموت كل إنسان (أي 14: 5 ومز 39: 4 ومت 10: 30 ويو 7: 30). ولا يناقض ذلك أن اللَّه أطال حياة حزقيا 15 سنة بعد ما أخبره أنه سيموت (إش 38: 1-5) لأن قول الرب لحزقيا «إنك تموت ولا تعيش» لا يدل بالضرورة على أن اللَّه قد قضى بموته في ذلك الوقت، لأن القرينة تُرينا أن ذلك المرض لو تُرك لذاته يُميت حزقيا. أما قضاء اللَّه فهو أنه ينقذه من ذلك المرض استجابةً لصلواته، ويطيل حياته 15 سنة.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]ويتبيَّن مما يأتي أن قضاء اللَّه يشمل كل حوادث الكون بدون استثناء:[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](1) من وحدة المقاصد الإلهية: فإن قضاء اللَّه الواحد الثابت الأزلي أُظهر فعلاً في أزمنة متوالية، وهو يحوي كل ما يتعلق بالخليقة والعناية والفداء. ولا يقبل العقل أن جزءاً من هذا النظام يُترك بدون قضاء اللَّه، خاصةً إذا كان له تأثير عظيم في الكل.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](2) إننا نهين كمال اللَّه إذا اعتقدنا أن اللَّه لا يضع نظاماً يشمل كل الحوادث، أو أنه لا يقدر أن يُجري قصده بدون أن ينزع الاختيار الذي وهبه لخلائقه.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](3) من عموم حكم اللَّه: فإن الكتاب يعلّمنا أن اللَّه يتسلط على كل الأمور حتى أصغرها، وهذا يستلزم أن قضاء اللَّه عام، وأن كل ما يفعله أو يسمح بحدوثه قد قضى به سابقاً، وأنه لا يمكن أن يحدث شيء لم يعلمه قبلاً. وإذا كان قد علمه فإنه كان قد قضى به أيضاً.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](4) من تأكيد إجراء حكم اللَّه: فإن كل الحوادث مرتبطة معاً، واللَّه يفعل بوسائط. فإن كانت الوسائط غير مقضي بها أيضاً ضاعت كل ثقة بوقوع الحوادث. مثال ذلك: لما قضى اللَّه بفداء الإنسان قضى أيضاً بإرسال المسيح وتجسده وآلامه وموته وقيامته، وعطية الروح القدس، وتجديد شعبه وتوبتهم وإيمانهم. والإنباء بحوادث مستقبلة، وبما يتعلق بها من الأمور التي تظهر لنا أنها عرضية أو جزئية يؤكد لنا أن قضاء اللَّه يشمل كل الأشياء كبيرة كانت أم صغيرة، فجاء في الكتاب المقدس أن اللَّه يعمل كل شيء حسب رأي مشيئته. وقوله «كل شيء» غير مقيَّد، بل هو شامل. ونتعلم أيضاً أن ما يظهر لنا أنه يحدث عرضاً، مثل وقوع القرعة وإصابة السهم وسقوط العصفور وإحصاء شعور رؤوسنا هو قضاء اللَّه الأزلي.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](5) من إتمام النبوات: فإن إتمام نبوة أنبأ بها اللَّه سابقاً دليل على سبق علمه الذي يتوقف على سَبْق قضائه. وإنباؤه بأمور مستقبلة الحدوث يتوقف على أعمال البشر الحرة. وإتمام تلك الأمور دليل على أن قضاءه يشمل كل الأسباب الثانوية، لأنه لما كانت كل الحوادث تتعلق بعضها ببعض، كان القضاء بواحدة منها يوجب بالضرورة القضاء بسلسلة الحوادث التي تسبقها، مع جميع أسبابها ومتعلقاتها وشروطها. وهكذا كل ما أنبأ به من النبوات الكثيرة المشهورة الواسعة المعنى والممتدة إلى كل الدهور.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](6) من نصوص الكتاب المقدس الصريحة: مثل القول «هذا أخذتموه مسلَّماً بمشورة اللَّه المحتومة وعلمه السابق، وبأيدي أثمة صلبتموه وقتلتموه» (أع 2: 23). «لأنه بالحقيقة اجتمع على فتاك القدوس يسوع، الذي مسحتَه، هيرودس وبيلاطس البنطي مع أمم وشعوب إسرائيل، ليفعلوا كل ما سبَقَت فعيَّنَت يدك ومشورتك أن يكون» (أع 4: 27، 28). «أليس عصفوران يُباعان بفلسٍ، وواحدٌ منهما لا يسقط على الأرض بدون أبيكم؟ وأما أنتم فحتى شعور رؤوسكم جميعها محصاة» (مت 10: 29، 30). «وصنع من دم واحد كل أمةٍ من الناس يسكنون على كل وجه الأرض، وحَتَم بالأوقات المعينة وبحدود مسكنهم» (أع 17: 26). «أنتم قصدتم لي شراً، أما اللَّه فقصد به خيراً، لكي يفعل كما اليوم، ليحيي شعباً كثيراً» (تك 50: 20). «وهو يفعل كما يشاء في جند السماء وسكان الأرض، ولا يوجد من يمنع يده، أو يقول له: ماذا تفعل؟» (دا 4: 35). «الذي فيه أيضاً نلنا نصيباً، معيَّنين سابقاً حسب قصد الذي يعمل كل شيء حسب رأي مشيئته» (أف 1: 11).[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]ويُجري اللَّه قضاءه بثلاث طرق، وهي: (أ) العمل، كما في الخليقة، و(ب) السماح، كما في السقوط والخطية، و(ج) التسلط ليحوّل الشر إلى الخير، أو يقيّده ليضبط نتائجه، كما في موت المسيح الذي حوّله إلى ينبوع خير لا يوصف للبشر، ووضّح فيه محبته، وسيتمجد به أيضاً.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]16 - ما هو الدليل على أن اللَّه قضى بأعمال الناس الاختيارية منذ الأزل؟[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]* تعليم الكتاب المقدس، الذي يقول إن اللَّه وعد بإعطاء إيمان وقلوب جديدة، وإنه يكتب شريعته على قلوب شعبه، وإنه يعمل فيهم أن يريدوا وأن يعملوا من أجل المسرة، وإنه يُرجع الأمم إليه، ويملأ العالم من الساجدين الحقيقيين للمسيح. وذلك يستلزم أنه قضى بكل تلك الأمور، وهي جميعها تتم بأعمال الناس الاختيارية. ومن هذا القبيل أيضاً تعليم الكتاب أن أعمال الناس الشريرة داخلة في قضائه كالمقدسة، بدليل قوله «هذا أخذتموه مسلَّماً بمشورة اللَّه المحتومة وعلمه السابق، وبأيدي أثمة صلبتموه وقتلتموه» (أع 2: 23). «لأنه بالحقيقة اجتمع على فتاك القدوس يسوع الذي مسحته هيرودس وبيلاطس البنطي مع أمم وشعوب إسرائيل ليفعلوا كل ما سبقَت فعيَّنَت يدك ومشورتك أن يكون» (أع 4: 27، 28). «وابن الإنسان ماضٍ كما هو محتوم، ولكن ويلٌ لذلك الإنسان الذي يسلّمه» (لو 22:22). فمع أنه قضى سابقاً أن يسوع يُسلَّم صرَّح اللَّه بالويل للذي أكمل ذلك القضاء. فنتعلم من هذا أن قضاء اللَّه السابق ومسؤولية الإنسان يجتمعان في أمر واحد بدون تناقض. قيل في سفر الرؤيا «لأن اللَّه وضع في قلوبهم أن يصنعوا رأيه، وأن يصنعوا رأياً واحداً، ويعطوا الوحش ملكهم حتى تكمل أقوال اللَّه» (رؤ 17:17 انظر أيضاً رو 9: 17 و1بط 2: 8).[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]ولا شك أن صلب المسيح هو أعظم الخطايا، ولكن اللَّه قضى به منذ الأزل. فتواريخ العالم هي مظاهر قضاء اللَّه، ولكن أكثرها أخبارٌ بخطايا الناس، فلا يقدر أحدٌ أن يقرأ قصة يوسف في سفر التكوين بدون أن يتحقق أن كل ما حدث له قد حدث بالقصد الأزلي. وأما حسد إخوته وبيعهم إياه وحبسه ظلماً في مصر، فكانت جزءاً من قضاء اللَّه. قال يوسف لإخوته «أرسلني اللَّه قدامكم ليجعل لكم بقية في الأرض، وليستبقي لكم نجاةً عظيمة. فالآن ليس أنتم أرسلتموني إلى هنا بل اللَّه. وهو قد جعلني أباً لفرعون وسيداً لكل بيته ومتسلطاً على كل أرض مصر» (تك 45: 7، 8). وما يصدق على تاريخ يوسف يصدق على كل التواريخ، فكلها تُظهر القصد الأزلي. وذلك واضح في الأمة اليهودية واضطهادات الأشرار للكنيسة في قرونها الأولى التي جعلها اللَّه حسب قصده الأزلي وسيلةً لانتشار الإنجيل بأكثر سعة وسرعة. ولو ظن المؤمنون أن اللَّه لم يقضِ منذ الأزل بكل ما يحدث لزالت ثقتهم به، ولكنهم لم يزالوا ولن يزالوا في الطمأنينة في ظله وإرشاده، لأنه يملك ويعمل حسب مسرته في السماء وعلى الأرض» (دا 4: 35). [/SIZE][/B] [B][SIZE=5]ويدرك عقل الإنسان هذه النتيجة متى تأمل هذا الموضوع، لأنه يرى أن كل الحوادث هي سلسلة، كل حلقة منها مرتبطة بما قبلها وبما بعدها، وأن للإرادة البشرية الحرة فعلاً عظيماً في مجرى الأمور. فلو لم يكن للَّه سلطان مطلق على تلك الأعمال الاختيارية لعجز عن ضبط ما يرتبط بها، وما كان حكمه إلا سلسلة وسائط جديدة وتغييرات عديدة ليتغلّب على ما يعترض إتمام مقاصده من أعمال الناس الحرة الخارجة عن دائرة قضائه، وكانت أيضاً معرفته تتجدد وتزداد كلما أحدث فاعلٌ مختار عملاً لم يكن ضمن قضائه الأزلي، فتتغير مقاصده وغاياته على الدوام. وكذلك كانت النبوة بالمستقبل مستحيلة. ولكن تحقيق النبوات الكثيرة تحقيقاً دقيقاً، في أعمال الأشرار والصالحين تؤكد قضاء اللَّه الأزلي، كما حدث مع الفراعنة ونبوخذنصر وكورش وغيرهم (انظر تك 45: 5 ويش 11: 20 و1صم 2: 25 و2صم 16: 10 و1مل 12: 15، 24 و2مل 24: 2، 3، 20 ومز 76: 10 وإش 10: 5، 15 و45: 7 ودا 4: 34، 35 وعا 3: 6 وأع 2: 23 و4: 27، 28 و15: 18 و17: 26 ورو 9: 15، 18 و11: 33 وأف 1: 10، 11 وعب 4: 13).[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]17 - ما هو اعتراض الأرمينيين والسوسينيين على دخول أعمال الناس الحرة في قضاء اللَّه، وما هو الرد عليه؟[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]* قالوا إن اللَّه لم يقضِ بأعمال الخلائق المختارين الأحرار. غير أن الأرمينيين سلّموا بسبق علم اللَّه لتلك الأعمال، ولكنهم أنكروا أنه قضى بها. وأما السوسينيون فأنكروا القضاء بها ومعرفته إياها سابقاً أيضاً. والقولان مناقضان لأقوال الكتاب المقدس، فإننا نتعلم من الكتاب أن معرفة اللَّه السابقة لكل الحوادث مؤسسة على قضائه إياها، لأن العلم السابق يتوقف على اختيار اللَّه أعماله حسب قصده، لأن بين علمه بكل ما هو ممكن الحدوث، وعلمه بكل ما يقصد إحداثه فرقاً. وهذان النوعان يشملان كل علم اللَّه. فلا صحة لما قاله مولينا اليسوعي الأسباني (مات سنة 1601م) إن هناك نوعاً ثالثاً بينهما، وهو علم اللَّه بما سيحدث وهو لم يقضِ به، وسماه العلم المتوسط، فيكون أصل هذا العلم المخلوقات لا الخالق، ويلزم عنه أن اللَّه جهل ذلك إلى أن عرفه من أعمال الخليقة، وذلك مستحيل (انظر فصل 12 س 34).[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]وهذا ما يقوله الكتاب المقدس في هذا الشأن:[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](1) شرور البشر موضع اعتبار القضاء الإلهي، ومن أمثلة ذلك أعمال أولاد عالي (1صم 2: 25) وعمل شمعي (2صم 16: 10، 11) وأخيتوفل (2صم 17: 14) والكلدانيين (2مل 24: 2، 3، 20) ويربعام (1مل 12: 15، 24) وأمصيا (2أي 25: 20) ونبوخذنصر (إر 25: 9 و51: 20) وبيلاطس وهيرودس (أع 4: 27، 28).[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](2) حين يفعل البشر باختيارهم مقاصدهم الذاتية يتممون قضاء اللَّه. ومن أمثلة ذلك هدد الأدومي ورزون بن أليداع (1مل 11: 14، 23) وداود حين أحصى بني إسرائيل (2صم 24: 1) وفول وتغلث فلاسر (1أي 5: 26) والماديون حين هاجموا بابل (إش 13: 17) والمصريون (مز 105: 25) والعشرة القرون حين أعطوا المُلك للوحش (رؤ 17:17).[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](3) وقوع الناس في الخطأ لا يخالف قضاء اللَّه بل يوافقه، رغم عدم موافقة اللَّه على الخطأ (أي 12: 16-25 وحز 14: 9 و2تس 2: 11، 12).[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](4) ينسب الكتاب أحياناً قساوة قلوب الأشرار إلى اللَّه، وإن كانت هذه القساوة نتيجة أفعالهم الاختيارية. ولكن المعنى لا يدل على أن هذه القساوة من عمل اللَّه مباشرةً، بل تدل على سماحه بها بوسائط ثانوية، ولذلك تُنسب النتيجة إليه ويُقال إنه قضى بها (إش 6: 9، 10 و29: 10 ورو 11: 7، 8 وخر 4: 21 و7: 3، 13، 14، 22 ورو 9: 18). وكل هذا لا يدل على أن اللَّه منشئ الخطية، بل على أن أعمال الناس سواء كانت صالحة أم شريرة غير خارجة عن قصده، وهو يحوّل كل شيء ليتمم غايته المقدسة.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]18 - كيف يتضح أن قضاء اللَّه غير متغيِّر؟[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]* لما كان تغيُّر المقاصد ينشأ إما عن نقص الحكمة أو عن نقص القوة، ولما كان اللَّه غير محدود في هاتين الصفتين (وفي غيرهما) كان من المحال أن يحدث شيء غير منتظر عنده، يجعله يغيّر مقاصده الأصلية، أو يمنع إجراءها، لأن كمال معرفته وحكمته يجعل كل تغيير غير ضروري، كما أن كمال قدرته يجعله دائماً قادراً أن يتمم ما قصده، كما أن صدقه يجعله يتمم ما عيَّنه ووعد به (أي 23: 13 وإش 46: 10 و1صم 15: 29 و2تي 2: 13 وعب 6: 17، 18). ويقول الكتاب «ليس عنده تغيير ولا ظل دوران» (يع 1: 17). «أما مؤامرة الرب فإلى الأبد تثبت. أفكار قلبه إلى دور فدور» (مز 33: 11). «قد حلف رب الجنود قائلاً: إنه كما قصدت يصير وكما نويت يثبت» (إش 14: 24). «اذكروا الأوليات منذ القديم، لأني أنا اللَّه وليس آخر، الإله وليس مثلي. مخبرٌ منذ البدء بالأخير ومنذ القديم بما لم يُفعل، قائلاً: رأيي يقوم وأفعل كل مسرتي» (إش 46: 9، 10). فالشرائع الطبيعية إعلان دائم لعدم تغير مقاصد اللَّه، وكذلك ثبوت الشرائع الأخلاقية التي تدرب عقول الناس وضمائرهم. فحكم اللَّه الطبيعي والأخلاقي ثابت كله، لأنه مؤسس على عدم تغيُّر مقاصده.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]19 - هل عدم تغيُّر قضاء اللَّه ينافي حرية إرادة الإنسان ومسؤوليته؟[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]* لا. فقد قضى بكل ما يحدث قضاءً اختيارياً لا يتغير. إلا أنه لم يصبح اللَّه بذلك منشئ الخطية، ولم تُغتصب إرادة خلائقه، ولم تُنزع حرية الأسباب الثانوية ولا إمكان حدوثها، بل بالأحرى تتثبَّت. وقال المسيح عن يهود عصره إنهم عملوا بإيليا كل ما أرادوا، وإن ابن الإنسان أيضاً سوف يتألم منهم (مت 17: 22). على أنهم بإتمامهم تلك النبوة قد صلبوا ابن الإنسان بإرادتهم الحرة دون إجبار. وجاء في الكتاب المقدس ذكر القضاء الإلهي والعمل الحر معاً (أع 2: 23 مع مت 26: 4).[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]وتغيُّر قضاء اللَّه يناقض العقل السليم، فلا يمكن أن يقضي اللَّه بالويل على أحد لأجل شرٍ أُجبر عليه، لأن ذلك لا يليق بعدل اللَّه. ولا نجد في الكتاب محاولة توفيقٍ بين قضاء اللَّه ومسؤولية الإنسان، مما يدل على أن أهل الوحي لم يروا في الأمر مشكلة. والحقيقة أن القضاء بالأمر هو غير إتمامه، لأن المقضي به ربما تم بفعل اللَّه، وربما تم بفعل المخلوق المختار. فمجرد القضاء بالأمر لا يجبر الفاعل عليه. فالقضاء كالعلم السابق وتأكيد حدوث الحادث، لا يسلب الحرية. فاللَّه حر في عمل الخير، والإنسان حر في عمل الشر. والقضاء يشمل العملين. والقضاء لا يعيّن أصل الأمر، إنما يؤكد حدوثه، فهو لا يمس حرية الإنسان بمعنى أنه يسلبها، لكنه يحيط بها وبأعمالها. ولكن يجب تمييز الفرق بين تأكيد حدوث المقضي به والإجبار عليه. فقضاء اللَّه ليس سبب المقضي به، لأن سببه قد يكون إما إرادة اللَّه وإما إرادة البشر الحرة. فالقضاء وإتمامه لا يمس حرية الإرادة، ولا يجبر الفاعل، سواء تم بإرادة اللَّه أم بإرادة البشر.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]وواضح أن بين معرفة اللَّه الأمور المستقبلَة ومعرفة البشر فرقٌ عظيم، فكل الأمور عند اللَّه مؤكدة، وأما عند البشر فهي غير معروفة وغير مؤكدة، وليس في طاقة العقل البشري أن يعرف المستقبل معرفةً مؤكدة لأن المستقبل خارج عن دائرة قدرته، ولكنه ضمن قدرة اللَّه. فالذي خلق قضى، وقضاؤه في إتمام كل أمر يوافق طبيعة ذلك الأمر. فما قضى به في دائرة الطبيعة المادية قضى بحدوثه بواسطة القوانين الطبيعية، وهذا اضطراري. وما قضى به في دائرة الشخصية الإنسانية العاقلة الحرة قضى بحدوثه بواسطة شرائع عقلية ووفقاً للعقل والإرادة الحرة، أي بإرادة البشر الحرة، لا باضطرار الشرائع المقيّدة. ولما كان اللَّه قد قضى أن تكون أعمال البشر اختيارية ناشئة عن إرادتهم الحرة، كان قضاؤه يثبّت حرية الإرادة. وهذا كله من أسرار حكم اللَّه. وعجزنا عن فهمه ليس دليلاً على بطلانه. ومما يثبت صدق ما قررناه:[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](1) نحن نعمل بعض الأمور باختيارنا. فالوالد يعلم أنه يجب أن يساعد ولده في وقت الضيق، ولكن ذلك لا يجبر الوالد، لأنه لا يزال حراً في اختيار مساعدة ابنه أو عدم مساعدته.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](2) بعض أعمال الناس الاختيارية أُنبئ بها سابقاً، فحدوثها لا بد منه. ومن أمثلة ذلك ما أُنبئ به عن سام وحام ويافث وإسماعيل ونسلهم. والبشر أفراداً وإجمالاً يتممون النبوات باختيارهم وتمام حريتهم.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](3) قبل مجيء المسيح كان من المؤكد أن أعماله ستكون مقدسة وطاهرة، ومع ذلك كان مخيَّراً في عملها.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](4) من المؤكد أن الذين يدعوهم اللَّه بالدعوة الفعالة يتوبون ويؤمنون ثم يثبتون في القداسة إلى الأبد في السماء، ومع ذلك لا يزالون ذوي إرادة حرة في أفعالهم. إذاً لا منافاة بين قضاء اللَّه واختيار الإنسان. ومع أن قضاء اللَّه يشمل كل الأمور، وهو غير متغير، إلا أنه لا يجبر خلائقه ولا ينزع اختيارهم.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](5) يمكن أن يؤثر إنسان في إنسان آخر بواسطة الحث والإرشاد بدون تعرُّض لحرية الإرادة، فكم بالحري يقدر اللَّه على ذلك.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](6) يتضح ذلك من الكتاب المقدس كما يظهر من قصة كورش الذي تمم باختياره ما أُنبئ به في شأنه قبل ولادته بسنين كثيرة، وكذلك ملك أشور (إش 10: 5-15) والذين صلبوا المسيح.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]20 - كيف تُثبِت أن عدم تغيُّر قضاء اللَّه لا يناقض حرية البشر؟[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]* اعترض البعض على القضاء المطلق غير المتغيِّر بأنه «يلاشي حرية الإرادة». وبنوا اعتراضهم على تعريفٍ خاطئ للحرية وشروطها، فقالوا إنه إذا قُضي بأعمال الإنسان الحر في المستقبل امتنع أن يكون حر الإرادة. والتناقض في هذه المسألة هو بين الحرية والاضطرار، لا بين الحرية والتأكيد. فالحرية هي القدرة على الاختيار بمقتضى الدوافع والميول التي لها أعظم تأثير في نفس الإنسان، فمتى كان لفاعلٍ أخلاقيّ قدرة على أن يختار بين دوافع تحركه إلى الاختيار، وقدرة على العمل بموجب اختياره فهو حر. والدوافع التي تفعل في الإنسان ليست علّة إجبارية تجبره على العمل، بل هي تأثيرات. ولكن الإنسان نفسه هو العلة الفاعلة بموجب إرادته، إجابةً للدوافع التي لها أعظم تأثير في إرادته، فهو حر في ذلك. والذي يعرف مسبّقاً الدوافع الغالبة لإرادته، يعرف مسبّقاً كيف يعمل حين تؤثر تلك فيه. فالقضاء يقوم مع حرية الإرادة لأنه ليس علة أعمال الإرادة، ولا يجبر الإنسان على أمرٍ ما.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]وعلينا أن نقدم تعريفاً لحرية الإرادة. ونحن نستعمل كلمة «الحرية» لمعانٍ مختلفة منها:[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](1) الحرية الجسدية لعدم وجود مانع خارجي لحركات الجسد.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](2) الحرية الوهمية، بمعنى أن الإنسان مستقل تمام الاستقلال عن كل ميل أخلاقي، كأنه بلا طبيعة أخلاقية تحكمه، فلا يميل إلى خير ولا إلى شر.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](3) الحرية الأخلاقية، وهي القدرة على الاختيار بمقتضى ميولنا وبحسب الدوافع التي لها أعظم تأثير فينا.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](4) الحرية الحقيقية التامة القائمة مع القداسة الكاملة والقدرة التامة على إتمام مطالب اللَّه، كحرية اللَّه وحرية الملائكة الأبرار والقديسين المكملين في السماء.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]ولا دخل للمعنى الأول في هذا البحث، لأن القضاء لا يمس حرية أجسادنا. وأما المعنى الثاني فباطل، لأن لكل إنسان طبيعة أخلاقية راسخة فيه تميل إلى جهة دون أخرى. وأما الثالث، وهو حرية البشر الأخلاقية على هذه الأرض، وهم ساقطون في الشر، فلا تناقض بينها وبين قضاء اللَّه كما رأينا. وأما المعنى الرابع فهو الحرية المختصة بالملائكة وبالقديسين في السماء، وهي موهبة خاصة من اللَّه تقدّرهم على القيام بما أوجبه عليهم. وهي ليست ضرورية لتجعل الإنسان فاعلاً مخيَّراً. فالاعتراض على أن القضاء ينافي الحرية ينصبّ على المعنى الثاني للحرية، وهو باطل. (انظر فصل 28 س11 - 18 حيث أوضحنا الفرق بين القولين المهمين في هذه المسألة).[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]21 - ما هو الرد على القول إن قضاء اللَّه بكل شيء، حتى أعمال البشر الشريرة، يهين قداسته؟[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]* لو صحَّ هذا الاعتراض على قضاء اللَّه لصح أيضاً على بعض أعماله، فالقول إن الإله القدوس المحب للجميع لا يسمح بدخول الخطية والشقاوة إلى العالم هو قول باطل. ومثله القول إنه لا يمكن أن اللَّه الذي لا يحابي أحداً يميّز مخلوقاً عن آخر في المواهب والسعادة ووسائط النعمة، لأن هذا التمييز قائم أمام عيوننا دائماً. ومثله القول إن الإله القدوس لا يمكن أن يقضي سابقاً بأفعال الناس الشريرة، لأنه قد قضى بصلب المسيح الذي هو أفظع الخطايا. فوجود الخطية في العالم أمرٌ لا نقدر أن ننكره. وكل ما حدث لا يمكن أن يكون بدون قصدٍ، فلا بد أن سماح اللَّه بدخول الخطية في العالم جزءٌ من قصده الأزلي. واللَّه غيورٌ على قداسته، فإن كان لا يرى هذا منافياً لها، فمن هو الإنسان حتى يحكم بذلك؟![/SIZE][/B] [B][SIZE=5]ثم إن القول إن اللَّه القدوس لا يقدر أن يقضي بحدوث الخطية مبنيٌّ على مبدأين خاطئين: (أ) القضاء الإلهي إجبار للإنسان. (ب) الفاعل هو بالضرورة مسؤول عن كل نتائج فعله. وخطؤهما واضح من أن القضاء لا يجبر ولا يمس حرية الفاعل الأخلاقي، ومن أن الحاكم العادل يعلم أن المذنب سيكرهه ويحاول أن ينتقم منه لو أنه حكم عليه بقصاصٍ، مع أن الحاكم بريء في حكمه. والوالد الذي يطرد ولده العاصي الشرير من بيته يعرف أن ذلك ربما يزيد شر ولده، مع أن عمله هذا مستقيم. وهكذا لا نحمّل اللَّه أية مسؤولية إذا ترك الأبالسة والبشر الخطاة يمارسون حرية إرادتهم. والقول إن كل فاعلٍ مسؤول عن كل نتائج عمله هو قول عارٍ عن الصحّة. فإن كان اللَّه في حكمته الأزلية قضى أن يسمح بدخول الخطية، دون أن يُسبِّبها أو يجرّب الناس حتى يرتكبوها، فلا يكون هو أصل الخطية. وإذ رأى أن دخولها يُنتج نتائج أفضل مما لو منعها، قضى بدخولها لتَحدُث باختيار فاعليها. وهم مسؤولون عن أعمالهم.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]نعم إنه لا يوافق قداسة اللَّه، ولا يليق بنا أن نقول إن اللَّه قضى أن يسمح بالشر، لأنه يُسر به. ولكن نقول إنه يسمح بوجود الشر في الكون لأنه رأى أنه يقدر أن يحوّله إلى خير عظيم، وهو ما قصده بذلك السماح. ونظراً إلى عجزنا عن إدراك هذه المسألة يجب أن نتركها إلى أن يعلن اللَّه أسرار مقاصده السامية أمام جميع خلائقه العاقلة.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]22 - ما هو الرد على اعتراض الذين يقولون إن تعليم القضاء ينافي اجتهاد المسؤولين؟[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]* قال أصحاب هذا الاعتراض إن قضاء اللَّه بكل شيء ينفي لزوم استعمال الوسائط التي يتوصّل بها الإنسان إلى ما قضى اللَّه به، لأن ذلك واقع، فلا حاجة إلى الاهتمام بأمره. ونجيب على ذلك بثلاثة أمور:[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](1) قضاء اللَّه لا يرفع عن الإنسان المسؤولية، ولا يسوقه إلى التغافل عنها، لأن البشر لا يعرفون المقضي به إلا بعد وقوعه. وليس هو قانوناً وُضع لإرشاد الناس دون أن يحثّهم ويأمرهم. فهذا الاعتراض غير صحيح، وما هو إلا اعتذار عن الكسل والإهمال.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](2) يحسب هذا الاعتراض القضاء قَدَراً جهلياً، مع أن القضاء هو عمل اللَّه الكامل الحكمة، ولا يجبر به إنساناً، ولا يرفع به المسؤولية عن الإنسان. أما القدَر فهو إجراء أمورٍ طبيعية لا يتحكم فيها العقل، فيلاشي الحرية وينفي سلطان العقل الإلهي، ويبطل كل غاية أخلاقية من الكون. فالقَدَر يمنع من بذل الجهد في استعمال الوسائط، بخلاف القضاء الذي يوجب لزوم استعمالها.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](3) هذا الاعتراض مبنيٌّ على زعم أن اللَّه قضى بالأمر دون الوسائط المؤدية إليه، وهذا خطأ، لأن اللَّه قصد النتيجة مع الوسائط. فإذا انتفت الوسائط انتفت النتيجة أيضاً. مثال ذلك: قضى اللَّه أن الناس يعيشون بواسطة الطعام، فإذا رفض أحدٌ أن يأكل مات. وقضى اللَّه أن الناس يخلصون بواسطة الإيمان، فإن رفض أحدٌ أن يؤمن هلك. وقضى اللَّه أن الإنسان يعيش، وقضى أيضاً أن يحفظه من حماقة الامتناع عن الأكل.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]ومما قادهم إلى هذا المذهب أيضاً اعتقادهم أن تأكيد حدوث أمر مرغوب فيه يجعل الإنسان فاتراً أو مهملاً في طلبه. وفاتهم أن تأكيد خلاصنا غير معلوم عندنا، بل هو معلوم عند اللَّه وحده، وأن الاختبار يعلّمنا أن الرغبة في طلب أمر تزداد بزيادة أمل نواله، وتنقص بنقص أمل الحصول عليه. ولا اجتهاد حيث لا رجاء! فإن عرف إنسان أنه إذا فتح متجراً يربح مبلغاً كبيراً، فإنه يسرع إلى فتحه بكل اهتمام واجتهاد. وإذا عرف مشرفٌ على الغرق وسائط تنقذه، بذل كل جهده لاستخدامها، لأنه يؤمن بفائدتها.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]23 - ما هو الفرق بين تعليم القضاء في الكتاب المقدس وتعليم القَدَر عند الأمم؟[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]* قال قوم إنه لا فرق بينهما. والحق هو أنهما يتفقان فقط في تأكيد حدوث الأمر، ويختلفان كل الاختلاف في سبب ذلك التأكيد، أو توقُّفه على استعمال الوسائط، وفي تأثير ذلك التعليم في عقول المتمسكين به وضمائرهم. فبين التعليمين من الاختلاف ما بين الآلة والإنسان، وما بين قوة الجاذبية وأفعال الحكمة، وما بين القوة والمحبة غير المحدودة. فقضاء اللَّه يعلّمنا أن اللَّه قضى بكل شيء في غاية الحكمة ليسبّب خيراً عظيماً، وأن كل الأمور جزء من نظام واحد يتمم غاية مجيدة. أما تعليم القدَر الجهلي فينسب كل الأمور إلى الاضطرار الأعمى الذي حُكم به بغضّ النظر عن فائدته. وهو ينتج التسليم الإجباري للقوة التي لا تُقاوَم. وأما القضاء فينتج خضوعاً عن رضى، وثقةً بمشيئة حاكم حكيم ومحب.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]24 - كيف تدفع اعتراض القائلين إن القضاء يستلزم أن اللَّه منشئ الخطية؟[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]* هذا اعتراض مَنْ لا يسألون عن شأن الخالق، ويعتبرون أن العقل القاصر هو المرشد الأعظم في هذه المسألة بدلاً من نور الوحي. وهو مرفوض لسببين:[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](1) لا يستلزم القضاء أن اللَّه منشئ الإثم، بل أنه منشئ المخلوقات العاقلة الحرة. فهم أنشأوا الخطية. فإذا قضى اللَّه بالحرية فهي تشمل القدرة على ارتكاب الخطية، فاللَّه لا يقضي قضاءً فعالاً بأن ينشئ الشر في الإنسان أو يسوق إرادته إلى اختيار الشر، فليس للخطية علاقة بالقضاء إلا بأن اللَّه قضى بخلق الذين في طاقتهم أن يخطئوا، وبأن يسمح لهم بذلك.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](2) تنقسم مقاصد اللَّه إلى ما يعمله هو، وإلى ما يسمح بأن مخلوقاته الحرة تعمله. والقضاء بالخطية من القسم الثاني. وليس في القضاء بالخطية صعوبة أعظم من الصعوبة في وجودها فعلاً في عالم يعتني به القادر على كل شيء. وإذا وافق قداسة اللَّه أن يسمح بحدوث الخطية وافق أيضاً أن يقضي بالسماح بها. فإن قلت إن القضاء بها يجعل اللَّه منشئها، قلنا: فالسماح بحدوثها يجعلها كذلك، وحاشا للَّه أن يفعل ذلك! فالإشكال العظيم في هذه المسألة لا يقوم بنسبة الخطية إلى قضاء اللَّه، بل بوجودها في الكون، وهو ما يعجز العقل البشري عن تعليله. ولا شك أن اللَّه عرف مسبّقاً أنها تدخل بين خلائقه العاقلة، وأنه سمح بذلك، وإلا فهو ناقص المعرفة والحكمة والقدرة. ويعلّمنا الكتاب المقدس أن اللَّه قضى بحدوث الخطية بعمل الإرادة الحرة، غير أن ذلك لا يعني أنه مُبدئها، ولا أنه اشترك مع تلك الإرادة في عملها، ولا أنه جرَّبها. فالمخلوق الحر هو أصل الخطية لا الخالق. ويتضح مما يلي أن اللَّه ليس مبدئ الخطية:[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](1) الخطية هي عدم طاعة الشريعة وعدم طاعة المشترع، فلو أبدأ اللَّه الخطية لكان قد أخطأ إلى نفسه.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](2) القداسة هي طبيعة اللَّه ومن صفاته، فهو يكره الخطية ويمنع كل خلائقه عنها.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](3) الإنسان فاعل مخيّر حر، وهو مصدر ما يعمله. ولولا ذلك ما كان مسؤولاً ومذنباً.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](4) ينسب الكتاب المقدس الأعمال الصالحة إلى النعمة الإلهية وينسب الأعمال الشريرة إلى القلب الشرير، ويتضمن أقوالاً صريحة بأن اللَّه ليس منشئ الخطية (مز 92: 15 وجا 7: 29 ويع 1: 5، 13 و1يو 1: 5).[/SIZE][/B] [B][SIZE=5]25 - ما هي الألفاظ المستعملة في الكتاب المقدس في الكلام على قضاء اللَّه، وما معانيها؟[/SIZE][/B] [B][SIZE=5] * هي «عيَّن» ويعين والتعيين والمعينون، مقترنة بكلمة «سبق» أو سابقاً. وهي تدل على أزلية التعيين (أف 1: 5، 11). وفي اصطلاح الكتاب المقدس تشير إلى أن اللَّه قضى بالمصير الأبدي لخلائقه العاقلة، سواء كانوا ملائكة أم بشراً. غير أن أكثر استعمالها يدل على نصيب البشر في أمر الخلاص أو الهلاك.[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](2) كلمة «عرف» مقترنة مع «سبق». كقول الرسول «الذين سبق فعرفهم» (رو 8: 29 و11: 2). والقول «عِلم اللَّه السابق» (أع 2: 23 و1بط 1: 2) وهذه كلها بحسب اصطلاح الكتاب المقدس تشير إلى مسرة اللَّه ومشورته الأزلية، وهي ترادف قول الرسول «حسب مسرَّة مشيئته» (أف 1: 5) وقوله «بمقتضى القصد والنعمة» (2تي 1: 9). أي أن الذين سبق فعرفهم عرفهم بمسرَّة مشيئته، وبمقتضى القصد والنعمة، لا لأجل أعمالهم التي سيعملونها. ويدل قوله «الذين سبق فعرفهم سبق فعيَّنهم» (رو 8: 29) على أن اللَّه نظر إلى كل من عيَّنه وعرفه وقصد تعيينه للدعوة والتبرير والتمجيد، أي للخلاص الأبدي. وحلقات سلسلة هذا النظام خمس: (أ) المعرفة السابقة للشخص. (ب) تعيينه. (ج) دعوته. (د) تبريره. (هـ) تمجيده. قال بولس «الذي خلّصنا ودعانا دعوةً مقدسة، لا بمقتضى أعمالنا، بل بمقتضى القصد والنعمة التي أُعطيت لنا في المسيح يسوع قبل الأزمنة الأزلية» (2تي 1: 9 انظر أيضاً رو 8: 29، 30 و1بط 1: 2). فالدعوة تسبق الأعمال. ومعرفة الشخص السابقة هي النظر إليه كشخص مختار ومعيَّن للخلاص بغضّ النظر عن أعماله، لأن اختياره هو من مسرة اللَّه (أف 1: 5 ورو 9: 11).[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](3) «اختار» واختيار، ومختارون. وتُستعمل في العهد الجديد لتدل على اختيار اللَّه الأزلي للبشر للحياة الأبدية (يو 15: 16 وأف 1: 4 و2تس 2: 13 ورو 8: 28-33 و9: 10، 11 و2بط 1: 10). وقد جاءت فيه أيضاً لغير هذا المعنى (انظر 1كو 1: 27، 28 ولو 6: 13).[/SIZE][/B] [B][SIZE=5](4) «سبق فأعدَّ» (رو 9: 23 وأف 2: 10) وهي تدل على إعداد اللَّه السابق خلائقه العاقلة أو تعيينهم للخلاص.[/SIZE][/B] [/RIGHT] [/SIZE][/SIZE][/COLOR][/FONT][/SIZE][/FONT] [/QUOTE]
التحقق
رد
الرئيسية
المنتديات
المنتديات المسيحية
المنتدى المسيحي الكتابي العام
علم اللاهوت النظامي
أعلى