الرد على شبهة: ظهر له ملاك من السماء يقويه

The Dragon Christian

مستعدين لمجاوبه
عضو مبارك
إنضم
26 مايو 2010
المشاركات
2,390
مستوى التفاعل
237
النقاط
63
الإقامة
egypt
ظهر له ملاك من السماء يقويه
(لوقا 22: 41-43)
41 وَانْفَصَلَ عَنْهُمْ نَحْوَ رَمْيَةِ حَجَرٍ وَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَلَّى
42 قَائِلاً: «يَا أَبَتَاهُ إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسَ. وَلَكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ».
43 وَظَهَرَ لَهُ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ يُقَوِّيهِ.
44 وَإِذْ كَانَ فِي جِهَادٍ كَانَ يُصَلِّي بِأَشَدِّ لَجَاجَةٍ وَصَارَ عَرَقُهُ كَقَطَرَاتِ دَمٍ نَازِلَةٍ عَلَى الأَرْضِ.

نص الشبهة:
إن المسيح ليس إله بدليل قول الإنجيل ظهور ملاك من السماء يقويه، وهذا معناه أن المسيح عبد ورسول لله أيده بالمعجزات ومجرد إنسان ضعيف مثلنا يحتاج إلى التقوية.
وإن كان المسيح هو الله فكيف يظهر له ملاك من السماء يقويه؟
إن قلت لى أن الملاك جاء يقوي ناسوته فأنت تدعوني للضحك
فكيف لإنسان يحمل داخله لاهوت الله يحتاج بعدها لملاك ليقويه؟
لأن نص الفقرة يقول (وَظَهَرَ لَهُ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ ليقويه) لم يقل ليقوي ناسوته بدون لاهوته
ثم لماذا لا يقوى لاهوت المسيح نفسه ناسوته؟
إنتهى نص الشبهة.

الرد:
لقد كانت صلاة يسوع تلك ليلة الخميس بعد العشاء الربانى، وقد كان يصلى وحده، ومن المؤكد أن السيد المسيح بعد قيامتة قص على التلاميذ والرسل ومنهم لوقا البشير أحداث تلك الليلة، والان بعد قرائتك لتلك السطور سوف تعرف ما معنى أن ملاك ظهر ليقوية، وما المقصود بتلك الكأس التى أراد المسيح أن تعبر عنه، ولماذا كان عرقة يتصبب كقطرات الدم، وأخيراً سوف تعرف أنه لم يكن يوجد اى سبيل آخر لخلاص وفداء البشرية سوى صلب المسيح.
وأن طلب المسيح أن تعبر عنه الكأس الذى جاء فى الإنجيل ليس ليكشف ضعف المسيح وأنه أراد التراجع عن الصلب، كما يدعى المعترض. بل ليكون شاهد على كل العالم أنه كان لا يوجد طريق آخر لخلاص العالم سوى بموت المسيح على الصليب. وهذا يؤكد أن الخلاص ما كان ليمكن ان يتم بدون سفك دم المسيح وصلبة على الصليب.
وسوف نتناول بعض التأملات من ناحية ناسوت ولاهوت السيد المسيح له المجد:

أولا: من جهة اللاهوت:
قبل الرد على تلك الشبهة للمعترض غير المؤمن، نقول للمؤمن بالرب يسوع المسيح
أنه لا يتصور أى إنسان حتى وقتنا هذا مقدار ثقل الخطية التى تحملها المسيح على كاهلة فى سبيل فداء البشر الذين ولدوا قبل موتة بل وفداء كل البشر حتى بعد موتة لكى يولدوا فيما بعد محررين من الخطية الأصلية، فالمسيح رفع خطايا جميع الناس الذين سوف يقفون أمام الله يوم القيامة للحساب. وهذا بحق يعتبر سر لا يستطيع عقل بشرى إستيعابة، ولا تستطيع الكلمات ومفردات اللغة وصفه، فالمعترض يتصور الموضوع ببساطة كإن إنسان مقبل على الموت ويخاف منه، فالأمر ليس بهذا التصور الدارج البسيط. فهناك شهداء وقديسين لاقوا عذابات مثل مار جرجس الرومانى ومار مينا لا وصف لها مقارنة بعذابات المسيح من جلد وصلب وموت تمت كلها خلال ساعات.
إن تلك الآية تعتبر من الآيات الروحية العميقة جداً، بل ومن أقوى الآيات غموضاً على فهمنا وإدراكنا البشرى المحدود لفهم تلك الساعات التى عاشها السيد المسيح بعد العشاء الربانى ليلة خميس العهد وحتى صلبة يوم الجمعة، لدرجة أنه قال لتلاميذه:
(متى 26: 38) فَقَالَ لَهُمْ: «نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدّاً حَتَّى الْمَوْتِ. امْكُثُوا هَهُنَا وَاسْهَرُوا مَعِي»
(مرقس 14: 34) فَقَالَ لَهُمْ: «نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدّاً حَتَّى الْمَوْتِ! امْكُثُوا هُنَا وَاسْهَرُوا».
نعم لقد كانت نفس السيد المسيح حزينة حتى الموت، أى إلى الساعة التى مات فيها، وما أن ذاق الموت حتى تحول هذا الحزن إلى فرح بفداء وخلاص العالم، ومن هنا كانت مسرة الله أن يسحقة بالحزن وجعلة ذبيحة لخلاص العالم:
(أشعياء 53: 10) أما الرب فَسُرَّ بأن يسحقه بالحزن إن جعل نفسه ذبيحة إثم
أما بالنسبة لنص الآيه أن ملاك ظهر له من السماء يقوية

والان دعونا نفترض مثلا أن نص الآية هو: ملاك ظهر من السماء يمجدة
والمعروف أن الملائكة تمجد الله
فهل سيقول المعترض وهل الله يحتاج إلى مجد من الملائكة
فلغة الملائكة مع الله هى لغة التسبيح والتمجيد.. لذلك وصف يوحنا الرائى مشهد الملائكة وهى تسبح وتمجد المسيح حمل الله فى سفر الرؤيا قائلين:
(رؤيا 5: 11-13) 11 وَنَظَرْتُ وَسَمِعْتُ صَوْتَ مَلاَئِكَةٍ كَثِيرِينَ حَوْلَ الْعَرْشِ وَالْحَيَوَانَاتِ وَالشُّيُوخِ، وَكَانَ عَدَدُهُمْ رَبَوَاتِ رَبَوَاتٍ وَأُلُوفَ أُلُوفٍ، 12قَائِلِينَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «مُسْتَحِقٌّ هُوَ الْحَمَلُ الْمَذْبُوحُ أَنْ يَأْخُذَ الْقُدْرَةَ وَالْغِنَى وَالْحِكْمَةَ وَالْقُوَّةَ وَالْكَرَامَةَ وَالْمَجْدَ وَالْبَرَكَةَ». 13وَكُلُّ خَلِيقَةٍ مِمَّا فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ وَتَحْتَ الأَرْضِ، وَمَا عَلَى الْبَحْرِ، كُلُّ مَا فِيهَا، سَمِعْتُهَا قَائِلَةً: «لِلْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَلِلْحَمَلِ الْبَرَكَةُ وَالْكَرَامَةُ وَالْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ».
(رؤيا 7: 12) البركة والمجد والحكمة والشكر والكرامة والقدرة والقوة لإلهنا إلى أبد الآبدين. آمين

وهنا الملائكة لا تعطى القوة ولا تعطى المجد للمسيح بل هو مستحق أن يأخذها
فلو قلنا أن ملاك ظهر ليقوية ... أى ليقدم له إستحقاق القوة
ولو قلنا أن ملاك ظهر ليمجده ... أى ليقدم له إستحقاق المجد
فالقوة والمجد والقدرة من الله هو من يملكهم وهو من يرسلهم
وقد أرسل الله قوتة مع ملاكة للسيد المسيح، لأن الملائكة فى حد ذاتها لا تملك قرار منح القوة بدون إذن الله لها هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فى هذا الموقف كان المسيح يصلى وقد ظهر له ملاك لكى يقدم له المجد والقوة وهذا نوع من عبادة الملائكة لله والإعتراف منها بقوته وعظمته:
كما علمنا السيد المسيح فى الصلاة الربانية قائلاً:
(متى 6: 13) لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ وَالْقُوَّةَ وَالْمَجْدَ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ.
كما جاء أيضا عن قوة ومجد الله:
(مزمور 63: 2) لِكَيْ أُبْصِرَ قُوَّتَكَ وَمَجْدَكَ كَمَا قَدْ رَأَيْتُكَ فِي قُدْسِكَ.
(أخبار الأيام الأول 29: 12) وَبِيَدِكَ الْقُوَّةُ وَالْجَبَرُوتُ, وَبِيَدِكَ تَعْظِيمُ وَتَشْدِيدُ الْجَمِيعِ.
(متى 26: 64) من الآن تبصرون ابن الإنسان جالسا عن يمين القوة وآتيا على سحاب السماء».
(مرقس 14: 62) سوف تبصرون ابن الإنسان جالسا عن يمين القوة وآتيا في حاب السماء».
(أعمال الرسل 10: 38) يسوع الذي من الناصرة كيف مسحه الله بالروح القدس والقوة

ثانياً: من جهة الناسوت:
قد يقول المعترض فيما يتعلق بالجزء اللاهوتى السابق، وطالما أن الله هو نفسة مصدر القوة فلماذا لم يقوى الله الآب إبنه ويمجده، بدلا من ملاك؟
نرد ونقول أن الجزء اللاهوتى السابق ليس معناه إعطاء قوة بالمعنى البسيط أى تقوية الضعيف، بل هو إعتراف من الملاك بإستحقاق المسيح بالقوة، كما نقول أن الملائكة تمجد الله، فليس هذا معناه أن الملائكة تعطى المجد بل تعترف بمجد الله.
ولكن من ناحية الناسوت ماذا يحدث عندما يريد الله أن يكلم أى إنسان؟
الإجابة ببساطة أن يخاطب الله مباشرة ذلك الإنسان أو يرسل له رسول يبلغه رسالتة سواء كان هذا الرسول ملاك أو إنسان.
وهذا ما حدث مع المسيح فالله أرسل ملاكه لكى يقوى شخص المسيح البشرى فى طبيعتة الناسوتية، وهذا وعد كتابي أن الله يرسل ملائكته لكي لا يصدم بحجر رجله.
فالملائكة منها المخصص لشد أزر وعزيمة الانسان في أحلك فترات حياته, والمسيح حمل الله الذي رفع خطية العالم كان في أشد وأحلك خطوات الفداء, ولذلك أرسل الله الملاك لكي يقويه.
فالذى تحملة المسيح لا يستطيع أى إنسان آخر من تحملة، وكان يسوع إنساناً حقاً وضعيفاً في طبيعته الإنسانية، وكان لابد أن يظهر فى عمل الفداء كمال ناسوت المسيح بكل ضعفاته
وإنه لم يأخذ جسداً خيالياً كما زعم بعض الهراطقة
لكن كلمة الله اتخذ له جسداً حقيقياً ذا نفس عاقلة ناطقة وعانى أشد ما عانى من عذابات الصليب.
وكان من الطبيعى للناسوت الحقيقى الكامل فى المسيح أمام هول آلام الإنفصال الأدبى عن الله، أن يرفض هذه الآلام التى تجعل المسيح يقف مداناً أمام الله وينسكب عليه غضب الآب.
ولهذا أرسل الله الآب ملاكاً من السماء ليعزية ويشدده ويقويه ليستطيع حمل خطية العالم.
نعم لقد حجب الآب وجهه عن إبنه ولكن لم يحجب رحمته عنه فأرسل له ملائكة
فهل الرومان أكثر شفقة على المسيح من الله الآب!!! (حاشاً)
فقد جاء فى إنجيل مرقس قبل صلب المسيح مباشرة أن الرومان الذين صلبوا المسيح أعطوة خمراً ممزوجة بالمر لكى يشربها قبل أن يتم دق المسامير فى يدية ورجلية حتى تكون بمثابة مسكن أو مخدر من عذابات وآلام الصلب، ولكنه مع ذلك رفض أن يشرب وقبل تجرع كل مرارة العذاب والألم إلى المنتهى.
(مرقس 15: 22) 22وَجَاءُوا بِهِ إِلَى مَوْضِعِ «جُلْجُثَةَ» الَّذِي تَفْسِيرُهُ مَوْضِعُ «جُمْجُمَةٍ». 23وَأَعْطَوْهُ خَمْراً مَمْزُوجَةً بِمُرٍّ لِيَشْرَبَ فَلَمْ يَقْبَلْ. 24وَلَمَّا صَلَبُوهُ اقْتَسَمُوا ثِيَابَهُ مُقْتَرِعِينَ عَلَيْهَا: مَاذَا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ؟ 25وَكَانَتِ السَّاعَةُ الثَّالِثَةُ فَصَلَبُوهُ.



مشكلة المعترض تكمن في الخلط بين الناسوت واللاهوت.
وهذا الأمر يتعلق بوجود الطبيعتين الإلهية والبشرية في شخص يسوع المسيح المُرسَل من الله.

أما قول المعترض أنه أليس كان بالأجدر أن يقوى لاهوت المسيح ناسوته بدلا من وجود ملاك يقويه:
نقول له إقرأ رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبي 2: 5-11
"فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضًا: الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً ِللهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ. 9 لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ."
هنا نرى أن السيد المسيح له كل المجد, وهو الكائن (بإستمرار) في صورة الله، أنه لم يحسب كونه معادلاً لله اختلاساً أو حقّاً مسلوباً، لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس.

وهنا نرى الرسول بولس في اتفاق تام مع ما ذكره إنجيل يوحنا.
فهذا الإله الأزلي اختار أن يصير إنساناً, وكلمة أخلى السابقة في (فيلبي 2: 7)
تعني أنه تخلّى عن استغلال امتيازات الألوهية من خلال اختياره الطوعي أن يصير إنساناً ويعيش بحسب محدوديات الطبيعة البشرية من ألم وأنين وحزن وفرح وتعب وبكاء وموت.
لذلك وهو في الطبيعة البشرية كإنسان وهو طريقه إلى الصليب، ومدركٌ تماماً شناعة ما سوف يلاقيه من ألم وعذاب سوف يقع على جانبه البشري، إحتاج إلى التقوية من الله، فأرسل الله ملاك ليقويه.
والمحقق أن السيد المسيح بظهوره فى جسد بشريتنا القابل الموت صارت له حقا صورة العبد
إذ كان المسيح فى صورتنا البشرية جاءه ملاك يقويه
وجائت فى ترجمات عربية أخرى بمعنى يشددة أو يشدد من عزيمتة بمعنى يعزيه.
(PANT) وظهر له ملاك من السماء يشدده؛ ولما بلغ منه الجهد لج في الصلاة؛
(ALAB) وظهر له ملاك من السماء يشدده.
(JAB) وتراءى له ملاك من السماء يشدد عزيمته.
ومجىء الملاك إلى المسيح ليعزية ويشدده ويقوية إنما هذا دليل تأكيد أن آلام المسيح فى جسده البشرى كانت آلاما حقيقية تعرض لها الناسوت حتى أن الملاك الذى كان يدرك سر التدبير جاء إلى الله المتجسد يقويه ويشدده.
فهل الله محتاج لملائكة لتنفيذ مشيئته وإرادته؟، هل الله لا يستطيع أن يفعل ما يفعله الملاك؟ حاشا،
ولكن الله خلق الملائكة خدام له ينفذون أوامره بطاعة وحب، وهو غير مترفع عن خليقته بل يتعامل معها بحب، ولو لم يكن ذلك كذلك لما خلق الملائكة والبشر بدافع محبته لهم
ولما بذل دمه عنا بروح أزلى ليصالحنا لنفسه بنفسه كما هو مكتوب:
" هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية.
إن علاقة الله بخليقته علاقة محبة وهذا ما يكشفه مجىء الملاك إلى سيده يعزيه فى آلامه فى أيام جسده, ولا يستدل من ذلك عن عدم قدرة ابن الله على تخليص نفسه لأنه كان عالما بكل ما هو قادم وقد سبق وتنبأ بآلامه وعصلبه وقيامته وما سيكون وتنبأ به قبل أن يكون (مزمور 22)
حتى متى حدث كل ذلك ندرك أنه هو الله أتى من أجل هذه الساعة عينها ليتم كل ما كتب عنه.

لقد اجتاز السيِّد المسيح وحده آلام المِعصرة وهو يقول: "نفسي حزينة جدًا حتى الموت".
أمّا سِرّ حزنه فهو ليس الخوف من الآلام الجسديّة، إنّما ثقل الخطيّة التي لا يقبلها السيِّد ولا يطيقها، لكنّه من أجل هذا جاء، ونيابة عنّا خضع في طاعة للآب ليحمل موت الخطيّة فيه. إنه يصرخ:
"يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عنِّي هذه الكأس، لكن ليس كما أريد أنا، بل كما تريد أنت".
وقد يقول قائل كيف للمسيح أن يقول ذلك وهو الإله الحقيقى العالم بأنه سوف يصلب ويقوم
وكل شئ مكشوف أمامه منذ الأزل وقبل تأسيس العالم
نقول أن الكأس هنا تعنى كأس الإنفصال والترك الأدبى (سوف نتحدث عنه فى أخر الموضوع)
ذلك الترك والإنفصال الأدبى بين الآب والإبن الذى سوف يتعرض للقصاص، جعل المسيح فى قمة الحزن والإكتئاب، فقد كان يعنى بتلك الكأس هى إنفصالة الأدبى عن الآب إذ بعد قليل سيصبح متهم بدون ذنب عن خطايا جميع العالم، وكان هذا هو السبب الذى جعل عرقة يتصبب كقطرات من الدم ولذلك طلب من الله الآب أن يبعد عن التفكير فى هذا الأمر غير الموصوف، لدرجة أن موت المسيح على الصليب كان سببه إنفجار القلب، وكان خروج دم وماء من جنبه بعد طعنة دليل على حدوث إنفجار فى قلب المسيح من قمة الحزن.
كانت كأس عصيبة من الآلام النفسية والمحن العصيبة جدا التى مر بها المسيح.
وليس معناها إطلاقا رغبة المسيح فى التراجع عن إقدامة على الصلب
فالآية واضحة بها كلمة كأس ولم يقل أنه لا يريد أن يصلب أو يتراجع عن قرارة ورغبتة فى الصلب
فقد كان المسيح حزينا جدا ووصل لدرجة الإكتئاب

(متى 26: 37-38) 37ثُمَّ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَابْنَيْ زَبْدِي وَابْتَدَأَ يَحْزَنُ وَيَكْتَئِبُ. 38فَقَالَ لَهُمْ: «نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدّاً حَتَّى الْمَوْتِ. امْكُثُوا هَهُنَا وَاسْهَرُوا مَعِي».
فلو كان المقصود من معنى أن ملاك ظهر ليقوية بمعنى يقوى ضعفة وخوفة
لكن من الأجدر للمسيح على أقل تعبير أن يقول لتلاميذه صلوا لأجلى وليس صلوا معى كما قال ذلك
وكما يقول أغسطينوس:
إن إرادة الآب وإرادة الابن واحدة لأن لهما روح واحد، لماذا إذن قال هذا؟
لقد جاء نيابة عنّا نحن الذين رفضنا إرادة الله فخضع للصليب بسرور من أجل الطاعة للآب، وفي نفس الوقت كان يريد ذلك. هذا ما أعلنه السيِّد نفسه بقوله: "هكذا أحبَّ الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد" (يو 3: 16). وكأن البذل هنا هو من إرادة الآب المحب. وفي نفس الوقت يقول الرسول: "أحبَّني وأسلم نفسه لأجلي" (غل 2: 20)، باذلاً نفسه المملوءة حبًا.
فمن المستحيل أن ابن الإنسان كان يقول: يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عنِّي هذه الكأس، تحت إحساس بالخوف!.. فالرب يسوع لا يستعفي من ذبيحة الموت حتى تصل نعمة الخلاص للجنس البشري كله.

وكيف يقال أن المسيح أراد التراجع عن صلبة وهو الذى قال قبل ذلك:
(يوحنا 17: 5) وَالآنَ مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ بِالْمَجْدِ الَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ الْعَالَمِ.
هل يفهم القارئ معنى كلمة مجدنى؟؟؟
(يوحنا 12: 16) وهذه الأمور لم يفهمها تلاميذه أولا ولكن لما تمجد يسوع حينئذ تذكروا أن هذه كانت مكتوبة عنه وأنهم صنعوا هذه له.
تمجد يسوع = صلب المسيح
وأيضا قيل أن الروح القدس أنه سوف يحل على التلاميذ بعد أن يمجد (يصلب) المسيح، وقد حدث هذا يوم الخمسين من صعود المسيح:
(يوحنا 7 : 39) قَالَ هَذَا عَنِ الرُّوحِ الَّذِي كَانَ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ لأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ بَعْدُ لأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ مُجِّدَ بَعْدُ.
وقد تكلم المسيح نفسة أيضاً عن هذه الساعة بصفته إبن الإنسان قائلاً:
(يوحنا 12: 27-28) 27اَلآنَ نَفْسِي قَدِ اضْطَرَبَتْ. وَمَاذَا أَقُولُ؟ أَيُّهَا الآبُ نَجِّنِي مِنْ هَذِهِ السَّاعَةِ. وَلَكِنْ لأَجْلِ هَذَا أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ السَّاعَةِ. 28أَيُّهَا الآبُ مَجِّدِ اسْمَكَ». فَجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ: «مَجَّدْتُ وَأُمَجِّدُ أَيْضاً».
وهنا المسيح يتسائل بصورة الإنسان
ماذا أقول؟
أهل أقول نجنى أيها الآب من الصلب؟؟
ولكن كيف يعقل هذا؟
إن كنت أنا قد أتيت من أجل الصلب
أيها الآب مجد إسمك (كلمتك = إبنك)
وحينئذ جاءه صوت من السماء مجدت وأمجدك أيضاً...

وبعد العشاء الربانى يوم خميس العهد وإنصراف يهوذا وذهابة لليهود لكى يسلم لهم المسيح، قال يسوع:
(يوحنا 13: 31-32): 31فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ يَسُوعُ: «الآنَ تَمَجَّدَ ابْنُ الإِنْسَانِ وَتَمَجَّدَ اللَّهُ فِيهِ. 32إِنْ كَانَ اللَّهُ قَدْ تَمَجَّدَ فِيهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَيُمَجِّدُهُ فِي ذَاتِهِ وَيُمَجِّدُهُ سَرِيعاً.
لقد وصف المسيح صلبه بالمجد

الإنفصال الآدبى بين الآب والإبن
كما نقول دائماً فى الصلاة الربانية
(متى 6: 13) لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ وَالْقُوَّةَ وَالْمَجْدَ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ.
فالمجد هنا جاء للمسيح من السماء من الله الآب مباشرة
أما القوة فقد أرسلها الله مع ملاكه لإبنه الوحيد الكلمة
وهنا السؤال من منظور الناسوت
لماذا لا تكون تلك القوة مباشرة من الآب للإبن المتجسد؟
وما لزوم ظهور ملاك كوسيط لإرسال قوة الله للمسيح؟
هذا ما سنتحدث عنه الان عن معنى الإنفصال الآدبى بين الآب والإبن فى تلك اللحظة:

لقد دخل المسيح نفسه هذه التجربة وهى الإنفصال عن الله أدبياً، وهنا إحتجب وجه الآب عنه.
لماذا؟
لأن المسيح هنا وقف موقف المدان والمذنب
ووقف المسيح أمام الله الآب حاملاً كل ذنوب العالم من شرور وتعدى وقتل وتجديف
فالموضوع ليس صورياً ولا بلاغياً بل هو واقع حقيقى مأسوى ومرير لا نستطيع إدراكة.
وقف المسيح أمام الله نائباً عن كل البشر ولبس كل ذنوب العالم
ونسب لنفسة كل شرور البشر التى أغضبت الله
وتعهد على نفسه بصك الديون التى على كل البشر
فهو قد وقع بالنيابة عنا عن ديوننا وخطيانا وأبرأ ذمتنا أمام الله
وأصبح هو الآن المديون الفعلى أمام الله
وفى هذا الموقف وقف المسيح أمام الله:
نائباً عن آدم الذى عصى أمر الله وهو لم يعصى (حاشاً)
نائباً عن كل قاتل وهو الذى لم يقتل (حاشاً)
نائباً عن كل زانى وهو الذى لما يزنى (حاشاً)
نائباً عن كل سارق وكاذب وعابد الآوثان .... إلخ
كيف للمسيح أن يقف الآن أمام الله وهو مكبل بكل تلك الذنوب بالنيابة عن جميع البشر
وبعد أن نقل المسيح لنفسه كل تلك الشرور
فقد رأى الله العادل فى تلك اللحظة فى المسيح صورة الإنسان المجرم الحقيقى الذى يستحق الموت.
وهنا أراد المسيح النظر إلى أبيه، الذي حجب وجهه عنه
ولكن كان الله الآب هنا إلهاً قاضياً عادلاً منتقماً من خطايا العالم في شخص إبنه الوحيد الحبيب.
وهكذا جثا يسوع متواضعاً أمام الله العظيم وتصارع مع أبيه لأجل حفظ وحدته معه في المحبة.
ولكن الروح القدس في الابن غلب ضعف أمنية جسده.
فيسوع المسيح سمى الله أباه في ألف كلمة ممكنة. با أبتاه، عالماً أنه يحبه دائماً، ويعتني به، ويريد الخير لا الشر. فهذه الكلمة ترينا المحبة العظيمة بين الآب والابن، الجو الدائم في الثالوث الأقدس. ولم يخضع المسيح مشيئته لأمنيته، بل وضع شوقه تحت مشيئة أبيه، لأن هذه المشيئة كانت له قدوسة، وغير قابلة للتغيير البتة. وكان مستعداً أن ينفذها مهما كلف الأمر. هذه هي الطريقة الوحيدة للصلاة المقبولة حيث لا نسقط في التجربة. ولا نريد ما نتمنى نحن بل ننسجم بإرادة الله، حتى ولو ضادت شعورنا الخاص. فمن يصلي في خضوع مستمر كالمسيح ينجو من كل تجربة.

وطلب الابن من أبيه، أن يمر عنه كأس الغضب، التي ترمز إلى كل مرارة الخطية التى ارتكبها العالم وقصاصها. فابن الله جعل في هذه الليلة خطية عوضاً عن كل خطاة العالم
فارتجف يسوع من غضب أبيه المحبوب، لأن كل ديون تاريخ العالم استعدت لتسطو على البريء لتبيده.
لا يستطيع إنسان تحمل هذا الكفاح، وكان يسوع إنساناً حقاً وضعيفاً في طبيعته الإنسانية.
لهذا أرسل أبوه ملاكاً، ليقويه ويملأ جسده بقوة زائدة ليستطيع حمل خطية العالم.
واستمر يسوع في الصلاة راكعاً وجاثياً بكلمات الروح القدس، ولكيلا تؤثر في نفسه عوامل بغضة العالم، ولا يسحقه غضب الله. فلا يستطيع أى إنسان أن يدرك تفسير هذه الصلاة الإلهية العظمى.
ولوقا أوضح شدة هذا الكفاح الغالب بوصفه الدقيق لحالة المصلي حينذاك، تصبب عرقه كقطرات دم من جبينه.
ونام التلاميذ بينما كان يسوع يكافح لفداء العالم. فقد سقطوا في التجربة، ولم يشتركوا في جهاد الخلاص، لأنهم تعبوا من اليوم الطويل، وحزنوا من النبوات الغامضة، وفزعوا من شعورهم بالمصارعة بين السماء والأرض. ولم يفهموا الحقيقة قط. فكان سهلاً للشيطان، أن يبعدهم من المعركة بتسليط رقاد النوم عليهم.

أما متى فقد نقل لنا واحدة من الكلمات السبع التي نطقها المسيح وهو على الصليب وهي:
«إلهي إلهي، لماذا تركتني؟» وهي اقتباس من مزمور 22: 1. الملقب بمزمور الصلب
وكأن المسيح يريد ان يقول لصالبية إقروا كلمات هذا المزمور فإنها تخصنى كلها فإنى أنا هو
وقد جاءت في المزامير عن آلام داود ونصره عليها، كما جاءت نبوة عن آلام المسيح وانتصاره عليها.
لاحظ هنا لم يقل المسيح «لماذا سمحت بآلامي؟»
بل «لماذا تركتني؟»
لأن شدة آلامه كانت نتيجة احتماله خطية العالم فصار متروكاً من الله باعتباره نائب الخطاة جميعاً.
فذاق المسيح الموت عن كل إنسان (عب 2: 9)
والذي لم يعرف خطية جُعل خطية لأجلنا لنصير نحن برّ الله فيه (2 كو 5: 21).

لم يصرخ المسيح من آلامه الجسدية، بل من احتجاب وجه الآب عنه.
والحق أن الآب لم يترك المسيح، لأنه في ذلك الوقت كان يقوم بالعمل الذي يُفرح قلب الله.
«أما الرب فَسُرَّ بأن يسحقه بالحزن إن جعل نفسه ذبيحة إثم» (إش 53: 10).
فكانت صرخة المسيح هذه بسبب احتجاب وجه أبيه عنه

جاء فى إنجيل متى
(متى 26: 36-38) 36حِينَئِذٍ جَاءَ مَعَهُمْ يَسُوعُ إِلَى ضَيْعَةٍ يُقَالُ لَهَا جَثْسَيْمَانِي، فَقَالَ لِلتَّلامِيذِ: ٱجْلِسُوا هٰهُنَا حَتَّى أَمْضِيَ وَأُصَلِّيَ هُنَاكَ. 37 ثُمَّ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَٱبْنَيْ زَبْدِي، وَٱبْتَدَأَ يَحْزَنُ وَيَكْتَئِبُ. 38 فَقَالَ لَهُمْ: نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدّاً حَتَّى ٱلْمَوْتِ. اُمْكُثُوا هٰهُنَا وَٱسْهَرُوا مَعِي. 39ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي قَائِلاً: يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هٰذِهِ ٱلْكَأْسُ، وَلٰكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ.
كان المسيح على علم دقيق بما ينتظره من العذاب، لأن خطية العالم كلها كانت واقعة عليه، منذ أن تقلّد وظيفة حَمَل الله. ومقتضيات الفداء جعلته، وهو الذي لم يعرف خطية، خطية لأجلنا، لنصير نحن برَّ الله فيه. وقد تجمَّع كل شر العالم على المسيح، قديمه وحديثه، ولكنه لم يضعف محبة المسيح، ولم يعطله عن القيام بعمل الفداء، فمات موتنا، وحمل دينونتنا.
وسجود المسيح لله لا يعني أنه في ساعات آلامه فقد لاهوته، وإنما متطلبات الفداء كانت تستلزم اتضاعه إلى هذه الدرجة. والعبارات التي نطق بها في صلاته توضح لنا عُمق كفاح المحبة من أجل خلاصنا.
قد استهل يسوع سجوده بهذا النداء الرائع «يا أبتاه» لأنه أراد التمسّك بأبيه. لم يشكّ في بنوته لله ومحبة الآب له.

(متى 26 : 39) «ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي قَائِلاً: يَا أبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ، وَلكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ».
هذه الآيه حيَّرت العلماء، واستلزمت هذه الصلاة المنسحقة التي لم يكن ولن يكون لها نظير. ما الذي وقف هكذا عائقاً في طاعة المسيح المطلقة للآب واستلزم هذه المراجعة الحزينة المرَّة وهذا التوسُّل الذليل الذي رماه على وجهه إلى الأرض، إذ لم يكن السجود كافياً فانطرح بوجهه ملاصقاً التراب؟ إن هذا أمر مرعب لنا جدًّا. ماذا حدث في علاقة الآب بالابن المحبوب النازل من حضنه الأبوي؟ إن هذا أمر خطير جدًّا، ولا بد أنه يمسنا بشدة حتى جعل المسيح هكذا مكشوفاً بهذا الانهيار والذِلَّة أمام تلاميذه، ماذا حدث؟ ألم يذكر المسيح الصليب والآلام والجلد والبصاق والموت مرَّات ومرَّات، وكل مرة يُضيف صنفاً من الآلام على ما سبق وذكره، وكأنه يعدّها ويحصيها؟
فهل تراجع في حساباته؟ هذا أمر مستحيل.
هل لمَّا أتت الساعة تغيَّرت الحسابات؟ أمر مستحيل!
هل ظهر أمر في الصليب كان مخفياً عنه ثم عَرَفَه؟ وهذا أيضاً أمر مستحيل!
إذن، ماذا جدَّ واستجد حتى تغيَّرت هذه العلاقات في الطاعة المذعنة والخضوع الكلِّي المطلق ويأتي بالابن هكذا منكفئاً على وجهه يطلب الاستعفاء؟ ماذا حدث؟
الأمر جَلَلٌ حقًّا، والسبب خطير جدًّا كما قلنا، والكأس الذي ظهر بهذه الصورة غير المحتملة هو الذي أوقف الابن الحبيب المحبوب هذه الوقفة المُذِلَّة! كأس البشرية الذي ليس له فيه سبب ولا مشاركة، كأس خطايا البشرية وعارها، أراد الآب - وقد أتت الساعة - أن يحمِّله على صميم طبيعة الابن تحميلاً، ليحمله في جسده على الخشبة كقول بطرس. هنا فزعت نفس المسيح فزعاً مريعاً وارتجف الجسد الطاهر ارتجافاً، أن يصبح القدوس الطاهر الذي لم يعرف خطية ولا صار في فمه غش، قاتلاً زانياً نجساً شريراً محترف الإثم، كيف؟ كيف يكون أولاً وكيف يرضى ثانياً؟ ثم إن الابن الوديع المتواضع الخاضع والمطيع يقبل أن يقف أمام أبيه كإنسان متعدٍّ على وصايا الله، متمرِّد معادٍ مبغضٍ كارهٍ هاربٍ، كيف؟ هذا أمر مفزع زلزل قلب المسيح وأربك فكره ونفسه للغاية.

أمَّا كيف، فهذه حتمية الصليب، فهو لا يمكن أن يُصلب إلاَّ من واقع تهمة اقتراف هذه الخطايا، وهو قادم لمحاكمة عسيرة معادية باغضة محترفة الإجرام، وحتماً ستنجح في أن تقدِّمه للحكم وعليه هذه الخطايا جميعاً، فماذا عساه عامل؟ هل يدافع؟ هل ينفي؟ هل يرفض؟ ولماذا جاء إذن، ولماذا تجسَّد وُولد إلاَّ ليُصلب ويموت؟! هل يمكن أن تصير المحاكمة صورية، وأن يصدر حكم الموت صورياً، ويكون الموت تأدية دور تمثيلي؟ أمر مستحيل!
لأن صاحب سلطان الموت بالمرصاد ولا يمكن أن ينزل بمقصلته على رقبة الإنسان إلاَّ وهو ضامن موته وهلاكه. إذن، أصبح الموت ولا بد أن يكون حقيقة، ولكي يكون حقيقة لابد أن تكون جميع الخطايا الملزمة للموت حقيقة. إذن، لابد للمسيح أن يتقدَّم إلى الصليب وهو صاحب هذه الخطايا حقا لا شكلاً، وأن تصير هذه الخطايا حقيقية لابد أن تقبلها نفسه وكأنَّها اقترفتها بإرادتها وحريتها وسكنت شعورها ولا شعورها، وإلاَّ استحال الموت واستحال الصليب. فالموت بالصلب أو بغيره هو نصيب الإنسان الشرير أصلاً، وهو حق على كل جسد. ولابد أن يكون وحتماً يكمَّل، حتى تُرفع الخطية ويُرفع الموت عن الإنسان. وهكذا تمَّ اختيار “ابن إنسان” ليتمِّم هذه القضية بكل أصولها وفروعها، دون أن يستعفي حتى آخر قطرة في كأس خطايا البشرية المثقَّل بأبشع صور التعدِّي.

و“ابن الإنسان” هو أصلاً ابن الله بطبيعة الله، تجسَّد وأخذ هيئة إنسان بطبيعة إنسان أصيلة ليس فيها خطية، وأنفذه أبوه إلى العالم لكي يأخذ قضية الإنسان ويرفع عنه الخطية التي لصقت بطبيعته فدمَّرت حياته ومستقبله وعلاقته بالله. وكان المسيح على أتم الاستعداد أن يأخذ على نفسه الأحكام بالموت والغضب واللعنة التي لصقت بالإنسان. ولكن هذا استلزم عند التنفيذ الأخير أن يحمل المسيح خطايا الإنسان وإلاَّ استحال أن يموت وهو بريء وطاهر. هنا واجه ابن الإنسان صعوبة بالغة أشد ما تكون الصعوبة، كيف يقف أمام الآب نفسه حاملاً خطايا الإنسان التي اقترفها ضد الله من تجديف وبغضة وكراهية وعداوة، كيف يعادي أباه ويبغضه ويجدِّف عليه، كيف؟ هذا كان يليق بالإنسان فقط ولكن لا يليق بالابن الوحيد المحبوب صاحب الإرادة والمشيئة الواحدة مع أبيه. هذه الاستحالة المُحكمة هي التي جعلته ينكفيء على وجهه حتى التراب ساجداً حزيناً متأوِّهاً صارخاً كأحد القتلة أو الزناة أو المجدِّفين يطلب رحمة، مصلِّياً أن تجوز عنه هذه الكأس، كأس الخطية لو أمكن، إذ كيف يشربها ليصبح هكذا حاله مجدِّفاً على أبيه قاتلاً زانياً فاجراً شريراً وهو لم يعرف الخطية ولا درى بالشر؟

هنا يطلب الابن من الآب أن تجوز عنه هذه الكأس إن أمكن، بمعنى أن لا يقف هكذا أمامه مجدِّفاً متعدِّياً صانعاً شرًّا. ولكن ما الحيلة وقد وُضع عليه أن يقف موقف الإنسان ككل، هو لا يحتمل أن يرى نفسه عدواً لأبيه، ولكنه طُلب منه أن يقف موقف الإنسان الذي صار عدوًّا لله، فلا مناص.
هكذا انبرت مشيئة الابن بالنهاية موافقة راضخة لمشيئة الآب، أن يقف المسيح الابن المتجسِّد موقف الإنسان - معادياً لله حاملاً خطايا البشرية في جسده، محكوماً عليه بالموت واللعنة من الله قبل أن ينالها على الصليب من أفواه حكَّامه والصالبين.

ويغوص بولس الرسول المستنير بالنعمة ليرى أن المسيح لم يحاكَم ولم يُصلب كخاطئ فقط!! ليبرِّئ الخطاة ويبرِّرهم، بل اضطلع بأن يجتث الخطية ذاتها ويرفعها من بين الله والإنسان حتى لا تكون رجعة للموت ثانية، فاحتمل لا أن يكون في ذاته خاطئاً وحسب بل ويكون هو الخطية ذاتها (2كو 21: 5).
بمعنى أن يحمل طبيعتها القاتلة فلا يعود للموت سلطان على الإنسان: » فحينئذ تصير الكلمة المكتوبة: ابتُلع الموت إلى غلبة. أين شوكتك يا موت، أين غلبتك يا هاوية، أمَّا شوكة الموت فهي الخطية، وقوة الخطية هي الناموس «(1كو 15: 54-56). فبموته ألغى الناموس، وبإلغاء الناموس أُلغيت الخطية، وبإلغاء الخطية أُلغي الموت، وبإلغاء الموت أُلغيت الهاوية! هكذا يبقى موت المسيح سر الخلاص الأبدي. أمَّا كيف حمل المسيح بموته طبيعة الخطية ذاتها، فذلك لأنه مات موت الكفَّارة مكفِّراً عن كل الخطايا! فلم يعد بعد موته خطية!!

ولكن هل مجَّاناً أن يصبح المسيح نفسه «خطية» لأجلنا؟؟ اسمع بقية الآية: «لكي نصير نحن برَّ الله فيه» (2كو 21: 5). ويا للمجد!! فإن كانت القضية الأُولى صعبة وغير مقبولة أبداً أن يصبح: «المسيح خطية لأجلنا»، فالقضية الثانية على ذات الصعوبة وغير القبول بالمرَّة أن «نصير نحن بر الله فيه» مَنْ يُصدِّق؟! ولكن ما العمل إن نفَّذ المسيح الأُولى، فالثانية صارت نافذة لا محالة! مجداً لله!

لقد كلم المسيح الله الآب مترجِّياً أن تعبر عنه الكأس
سؤال يقدِّمه من وجهة نظره الخاصة التي فيها استحال عليه أن يحتمل عار الإنسان لأنه يوقفه أمام أبيه عرياناً مفضوحاً مخالفاً ناقضاً وصاياه متعدِّياً على حبه وكرامته
كيف يمكن؟ كيف يكون؟! ولكن شفع سؤاله باستجابة منقوصة: » ولكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت « أي ومهما كانت وجهة نظري فأنا ليس لي وجهة نظر خاصة، لأنه يستحيل عليَّ أن أرضى إلاَّ بما تريده أنت. فإن كانت إرادتك هي في وقوفي عرياناً أمامك مفضوحاً مخالفاً ناقضاً وصاياك متعدِّياً على حبك وكرامتك، موقف البشرية التي أردْتَ أن تخلِّصها من عريها وفضيحتها وترفع عنها مخالفتها ونقضها لناموسك ووصاياك وتعدِّيها على حبك وكرامتك، ولم يكن ممكناً أن تعبر عني هذه الكأس إلاَّ أن أشربها، من يدك، فلتكن مشيئتك - لأني بالنهاية ما جئت إلاَّ لأصنع مشيئتك.

في الصلاة الأُولى خرج المسيح وقد سلَّم المشيئة كإنسان فمنظره العاري من القداسة والفضيلة وهو متسربل بثوب الإنسان الملطَّخ بالخطية كان كريهاً على نفسه غاية الكره. ولكن إن كانت هي إرادة الآب فماذا يفعل؟ كان هيِّناً عليه للغاية أن يُخلي ذاته من مجد الأُلوهة وهو المعادل لله في المجد، ويأخذ هيئة الإنسان بل ويأخذ شكل العبد ويطيع حتى إلى الموت موت الصليب (في 6: 2-8)
كل هذا كان موضع مسرَّة نفسه: » أن أفعل مشيئتك يا إلهي سررت «(مز 8: 40).
ولكن أن يقف موقف الإنسان في معاداته لله كعدوٍّ وندٍّ، كمجدِّفٍ وكاره، ورافضٍ ومتعدٍّ، عرياناً أمامه من كل فضيلة، مفضوحاً بخزي عريته، لباسه ملطَّخ بوسخ الخطية، وهو الابن الوحيد المحبوب عند أبيه؟ فهذا هو العار الذي كسر قلبه (مز 20: 69)
وهذا هو الحزن الذي سحق نفسه سحقاً حتى الموت: » نفسي حزينة جدًّا حتى الموت «(مت 38: 26)
فكانت قطرات العرق تتصبَّب من جبينه وهو منبطح على الأرض ينزف عرقه كقطرات دم، كقطرات نزف الصليب (لو 44: 22).

وعودة الرب ثالث مرَّة للصلاة بعينها كانت لمزيد من تطبيع المشيئة على المشيئة
فأول مرَّة كانت لتكن إرادتك أنت وليس كما أريد أنا
والثانية انتقلت خطوة أكثر، إن لم يمكن أن تعبر عني هذه الكأس إلاَّ أن أشربها، بمعنى إن لم يكن ممكناً أن تكون مشيئتي فلتكن مشيئتك.
أمَّا الثالثة فكانت حتماً فلتكن مشيئتك مسرَّتي! أو أن أفعل مشيئتك يا إلهي سررت «(مز 8: 40)
إذ يكون قد أكمل النبوَّة بحروفها!! وبها يكون قد انتهى المسيح من قبول القيود. فإلى هناك!
وبعد أن انتهى المسيح من قبول المشيئة الأبوية، أي شُرب الكأس، كأس خطايا البشرية لتسري الخطايا، كل الخطايا، في عروقه وكل خلية من جسده، لأنها مشيئة الآب! وبها تكون الصلاة قد بلغت قمة ذروتها وأتت بثمرتها وارتاحت نفسه أن يكون خاطئاً وأن يكون خطية!!
إذن لم يبق لوجود التلاميذ من سبب لا للصلاة ولا للسهر، فليقوموا أو ليناموا نومهم الطويل ولا مزعج. فقد انتهى الأمر.
ويلاحظ القارئ هنا التحام قول المسيح ناموا الآن واستريحوا وقوموا ننطلق في وقت واحد، تعبيراً عن عدم قدرتهم على السهر واليقظة في ساعة التجربة، حيث كان نومهم محل مؤاخذة. والآن فلا لوم عليهم فليناموا ما شاءوا. ولكن الذين لم يذعنوا للسهر في وقت السهر فإذعانهم للنوم في غير وقت السهر نافلة وهباء.

هوذا الساعة قد اقتربت
وهي مطابقة لقوله: » لأنه قد اقترب ملكوت السموات (مت 17: 4)
هذه هي الساعة التي جاء من أجلها ابن الإنسان: » لكن لأجل هذا أتيت إلى هذه الساعة «(يو 27: 12). وفي باطنها جنين الملكوت بانتظار المخاض لينطلق الجنين حاملاً مفديِّي الرب. فإن تألَّمنا معه ألم المخاض تمجَّدنا معه بمجد الملكوت (رو 17: 8). هذه ساعة الإنسان وهذا ملكوت الله، وتفصلهما ساعة رؤساء الكهنة وسلطان الظلمة، لأن من الظلمة سيولد النور.

والآن عزيزي القارئ ترى في بستان جثسيماني ومن خلال صلوات المسيح الثلاث الدموية المنسحقة والابن المتجسِّد منكفئ بوجهه إلى التراب وعرقه ينزف كالدم، أقوى فعلين محوريين في عملية الفداء والخلاص.
الأول: قبول شرب كأس خطايا الإنسان من يد الآب والوقوف أمامه كخاطئ وحامل الخطية
الثاني: القبول بالتسليم ليد الخطاة بعد أن سلَّم نفسه ليد الآب!
وهكذا تجهَّز المسيح بصلاة جثسيماني للمحاكمة والصلب.

فى تلك الليلة خيّم الظلام على العالم وعلى يسوع البار.
وتكاثف غضب الله على حامل خطايانا. وانقضت جيوش الشر على نفس أتباعه.
وذهب يسوع إلى بستان جثسيماني خارح المدينة. وكانت هناك معصرة زيت رمزاً لشخصيته الداخلة إلى معصرة دينونة الله، ليُعصر عوضاً عنا، وينحسق ليخرج منه زيت الروح القدس إلى آخر نقطة، كما يسحق حجر المعصرة الزيتون ليخرج منه زيتاً.
ارتجف يسوع واكتأب حتى الموت. لا يوجد إنسان يقدر أن يفسر هذا الخوف والرعب إلا من يحبه ويشعر به. فيفسر هذه المرحلة من حياة يسوع قليلاً وبحذر.
ما كان ابن الله خائفاً من الموت، ولا من الشيطان. لأنه صارع سابقاً هذه السلطات الشريرة وغلبها في جسده منتصراً عليها عدة مرات.
إنما بعد تواضعه ورفع خطية العالم في محبته، حجب أبوه العادل القدوس وجهه عنه، وجعله «كبش الخطية» نائباً عن جميع الأمم وقاصصه عوضاً عنا.
لقد ارتجف يسوع ارتجافاً عميقاً جداً، لأجل انفصاله عن أبيه أثناء دينونة العالم المنسكبة على شخصه.
فجسد المسيح ونفسه البشرية كانت معارضة ومضادة لشرب كأس غضب الله المرير المعد للناس عقاباً لخطاياهم.
وهنا صلى الابن صلاة النجدة ليخلصه أبوه من الساعة الرهبية، ومن هذا التخلى والإنفصال
وهنا سأل المسيح بصفته إبن الإنسان الله الآب
هل توجد طريقة أخرى للخلاص غير الصلب؟؟
هل هناك وسيلة أخرى لفداء العالم غير الصليب؟؟
وبارتجاف وسجود كافح المسيح لفداء الكون طالباً طريقاً آخر إن أمكن غير طريق الصليب
ولكن لم يتلقى أى إستجابة من الله الآب
وهنا قبل المسيح مشيئة الآب واستعد لشرب كأس غضب الله.
وهذا الصراع الرهيب يعلمنا أنه لا توجد طريقة أخرى لفداء العالم إلا بالصليب.
وهذا الموقف بين المسيح والله الآب جاء فى الإنجيل ليس ليكشف ضعف المسيح كما يدعى المعترض
بل ليكون شاهد على كل العالم أنه لا يوجد طريق آخر للخلاص سوى بموت المسيح على الصليب
وهذا يؤكد أن الخلاص ما كان ليمكن ان يتم بدون سفك دم المسيح وصلبة على الصليب.
وهكذا نقول: لِيَكُنِ اللهُ صَادِقاً وَكُلُّ إِنْسَانٍ كَاذِباً (رومية 3 : 4)

صلب المسيح وإنفصال الآب عن الابن (متى 15: 33-36)
33وَلَمَّا كَانَتِ ٱلسَّاعَةُ ٱلسَّادِسَةُ كَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى ٱلأَرْضِ كُلِّهَا إِلَى ٱلسَّاعَةِ ٱلتَّاسِعَةِ. 34وَفِي ٱلسَّاعَةِ ٱلتَّاسِعَةِ صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً: «إِلُوِي إِلُوِي لَمَا شَبَقْتَني؟» (اَلَّذِي تَفْسِيرُهُ: إِلٰهِي إِلٰهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟) 35فَقَالَ قَوْمٌ مِنَ ٱلْحَاضِرِينَ لَمَّا سَمِعُوا: «هُوَذَا يُنَادِي إِيلِيَّا». 36فَرَكَضَ وَاحِدٌ وَمَلَأَ إِسْفِنْجَةً خَلاً وَجَعَلَهَا عَلَى قَصَبَةٍ وَسَقَاُ قَائِلاً: «ٱتْرُكُوا. لِنَرَ هَلْ يَأْتِي إِيلِيَّا لِيُنْزِلَهُ!».
الساعة السادسة التي ذكرت في اليوم الحزين هي الساعة الثانية عشرة ظهراً.
وقد عادة الشمس تبث حرارتها من السماء الزرقاء في هذا الوقت.
أما أنذاك فقد هبت عاصفة رملية على جبال القدس، ممتصة آخر رطوبة من جسد المسيح.
ثلاث ساعات هبت تلك الريح الساخنة الناشفة ثم اختفت الشمس، والكل أصبح في ظلمة مخيفة.
بعض المفسرين يقولون إن هذه الظلمة كانت ارتكاس الأرواح الشريرة على المصلوب.
حتى انقضت جهنم بجميع قواتها على حمل الله في الغيبوبة، لتقوده في شعوره الباطني إلى خطية ما.
أما يسوع فكان ممتلئاً بكلمة الله بل هو كلمة الله المتجسد.
ولذلك حتى في غيبوبته فقد تكلم بكلمات مقدسة، إذ ناب الروح القدس عنه بأنات لا ينطق بها.

صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً: «إِلُوِي إِلُوِي لَمَا شَبَقْتَني؟» اَلَّذِي تَفْسِيرُهُ: إِلٰهِي إِلٰهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟
في الساعة التاسعة أي الساعة الثالثة بعد الظهر، صرخ يسوع بصوت عظيم وكانت كلماته على الصليب وبوضوح جلي هي التي تفسر لنا سر الصليب بالعمق. فقد شهد الروح القدس بواسطة صرخة المصلوب أن الله القدوس ترك ابنه، وحجب وجهه أمام المعلق وظهر إلهاً دياناً. إذ سقط غضب الله على الابن المتروك. قد أتت ساعة الظلمة إنما لم تجد حقاً ولا قوة في القدوس. الابن شرب كأس غضب الله إلى النهاية.
هذا هو الترك الحتمي الذي أجراه الله على المسيح حتى يمكن أن يجوز اللعنة وحده من أجل البشرية التي يحملها. فلولا هذا الترك الإلهي لما صحَّ الصليب ولما صارت اللعنة لعنة بل ضحكاً!!
هنا صار الصليب صليباً حقا وزادت مرارته ألف مرَّة.
فَتَرْك الله الآب له هو أشدُّ هَوْلاً من آلام الصليب مراراً، بل هو الموت حقا الذي ذاقه المسيح بالترك قبل أن يذوقه بالموت على الصليب.
فالمسيح صُلب مرَّتين، صُلب بترك الآب له عمداً وصُلب بيد الأشرار قهراً.
أو هو صليب ذو وجهين، وجه سماوي قاتم قتام الظلام الحالك لا نور فيه لاختفاء وجه الآب
ووجه أرضي اظلمَّت له الدنيا كرجع وصدى لظلمة السماء، فاختفى نور الشمس لاختفاء نور وجه الآب عن الابن رب الخليقة ونورها، كرد فعل للجريمة التي اقترفها الإنسان من نحو الابن!!

لم يتجاسر أحد من الرسل أن يكتب هذه الكلمات المرعبة العميقة باللغه العبرانية واليونانية فوراً.
لأن معناها مخيف فيظع. حتى سجلوها حرفياً في اللهجة الأرامية وكتبوا معناها باليوناني بعدئذ.
سابقاً كان يسوع يقول أنا والآب واحد. هو فيّ وأنا فيه. أما الآن فشهد أنّ وحدة المحبة قد انقطعت والاتحاد الأزلي انفصل. فصرخ لماذا تركتني؟ لا يمكن أن يكون هذا. أنت المحبة ولا تتركني وحيداً.
هذه الصرخة من فم المصلوب التي سجلها البشيران متى ومرقس ككلمة وحيدة من فم يسوع على الصليب، هي بالحقيقة عثرة.
محيرة لكل الأتقياء والملحدين الذين لم يعرفوا معنى صليب يسوع، فيظنون أن يسوع النجار صرح متشائماً يائساً مداناً من غضب الله.
أما المؤمن المسيحى فيرى فيها أنها دليل على ألوهية المسيح الذى نطق بكلمات المزمور 22 الذى إنطبق على المسيح بالكامل فهو مزمور الصلب
وبرهاناً على الإيمان بالله ومحبة ثابتة لنا نحن الضالين. فقد ضحى بِصِلَتِهِ ووحدته مع الآب ليخلصنا نحن البعيدين عن القدوس.

وأخيراً نختم بتلك الصلاة:
نسجد لك أيها الآب لأن قلبك انكسر عندما تركت ابنك الوحيد الذي به سُررت. أنت المحبة الأزلية.
نشكرك بواسطة ابنك لأنك غفرت آثامنا وأنك سكبت غضبك على خطايانا على ابنك القدوس عوضاً عنا.
تركته لكى لا يتركنا.
انفصلت عنه لكى لا ينفصل عنا ونثبت فيك إلى الأبد.
نسجد لك أيها الآب والابن والروح القدس
لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ وَالْقُوَّةَ وَالْمَجْدَ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ.
============

لا اعلم من كاتبها....
 

بايبل333

حن يارحمــــــن
إنضم
27 سبتمبر 2010
المشاركات
7,650
مستوى التفاعل
582
النقاط
113
الإقامة
+تكفيك نعمتي+
أنه كان لا يوجد طريق آخر لخلاص العالم سوى بموت المسيح على الصليب. وهذا يؤكد أن الخلاص ما كان ليمكن ان يتم بدون سفك دم المسيح وصلبة على الصليب.

ربنا يباركك
 

The Dragon Christian

مستعدين لمجاوبه
عضو مبارك
إنضم
26 مايو 2010
المشاركات
2,390
مستوى التفاعل
237
النقاط
63
الإقامة
egypt
شكرا بايبل للمرور والتعليق
الرب يبارك حياتك
 
أعلى