كفاحي
***
أبو المقداد الزيلعي (وهو بطن من بطون خُزَاعة) الاسم الفني لأحد أسود الحسبة , وحصنٌ من حصون الفضيلة , في بلاد الحرمين , أسر بعد عملية جهادية (نوعية) في غزوة مباركة , أطلق عليها الاسم الحركي (ما بَعْدَ بَعْدَ صقليه) وجرت في حي (الدخل المحدود) وأسفرت تلك الغزوة عن مقتل أحد المقبوض عليهم , بعد أن أوسعه (هزبر بني زيلع) ضرباً بيده حتى خلع عينه من لغاليغها , غيرةً لدين الله ولمحارم المسلمين , وقد جُرح في تلك (الطلعة) بعض رجال الحسبة , ولا زال أخانا أبا المقداد أسيراً نسأل الله أن يفرج عنه , ولبلائه البلاء الحسن في تلك الغزوة ,سميت تلك السرية باسمه (سرية أبي المقداد الزيلعي الخزاعي) .
وأبا المقداد – واسمه الحقيقي (طَلَقْ بن معيض) حكاية كفاح وأسطورة من الأساطير, مَن الله عليه بالهداية و الانعتاق من ظلمات الفسق والفجور , إلى رحاب الإيمان والصحوة والجهاد , يحكي لنا قصة عودته إلى الله , في كتابه الجديد (كفاحي) (تحت الطبع) فيقول:
" لما خرجتُ من السجن , بعد انتهاء فترة عقوبتي بترويج المخدرات , أخذت أبحث عن رفقاء السوء السابقين , فذهبت إلى وكرهم في أحد مقاهي المعسل, فإذا بهم قد تجمعوا تغشاهم المعصية , وتضللهم سحائب الفجور , والعياذ بالله , فجلسنا وما منا إلا مُشَيْشٌ أو مُعَسل , ولم نفق من سكرة المعصية , إلا على طرقات خفيفة على باب الوكر, وإذا بصوت رخيم يقرأنا السلام , فرددنا عليه بعنف وقلنا: ما لذي جاء بك الساعة ؟ فأطل برأسه من خلال الباب , فإذا بكومة من الشعر في جوفها شفتان , فقال : أتسمحون لي بهُنيئة إخوتي في الله ؟ فقلنا إليك عنا أيها الجُرذ القذر , فأخذنا نرميه بالحجارة , وهو يقول: اللهم أغفر لهم فإنهم لا يعلمون , فجلس قريبٌ منا , فتعجبنا أن حجارتنا لا تصل إليه , بل ترتد علينا , فما أن رأى الدهشة تعلو وجوهنا قال: لا عليكم إنه أحد الملائكة يقال له (منجنيق) متخصص في الدفاع عن الدعاة إلى الله , فأخذ يتكلم ويحدثنا ويخوفنا بالله , فأخذنا نغلق آذاننا ونصرف وجوهنا عنه , من دمامة في وجهه , فما هي إلا لحيظات حتى مسخ الله وجهه في أعيننا وجه هيفاء وهبي , فأشرقت أساريرنا فبدأنا نستمع إليه , حيث كان يتحدث عن (تكنيك الاستجمار) فما أن فرغ حتى قال: يا أبنائي سأحكي لكم قصة (حقيقية) لعل الله أن ينفع بها , حيث كنتُ ذات ليلة من ليالي الله المباركة , أزور ميتاً في أحد المقابر فوجدت رائحة معسل تفاحتين , تفوح من المكان فتعجبت ؛ فالمكان (مقبرة) والرائحة رائحة (الشلال) التي أعرفها حق المعرفة , فقلت في نفسي: لعله أحد العمال يلوذ في هذا المكان يؤذي الأموات بهذا الرجس , فأخذت أتتبع الرائحة , فإذا هي تنبعث من أحد القبور ثم سمعتُ صراخاَ متقطعاً يصدر من القبر , فاتصلت بأحد المشائخ , وحكيت له ما رأيت واستفتيته بأن يجيز لي نبش القبر فقال لي: إذا كان في سبيل الدعوة إلى الله ففعل ولا حرج إنشاء الله , فطفقت انبش ذلك القبر فإذا بشاب من أعماركم , وقد التف حول رقبته ( لي) معسل , طوله سبعون ذراعاً في السماء, وبجانبه كائن غريب فما أن برقت فيه فإذا هو صاحبنا الشجاع الأقرع (ما غيره) له بضع وسبعون ذيلاً وقد مُسخ على شكل (شيشة كبيرة) وله فحيح يسمع على بعد ثلاثٌ وسبعون فرسخاً , وأخذ ينهش صاحب الجثة من شفتيه , ثم نظر إلي الشجاع الأقرع وقال: هلك المشيشون .... هلك المشيشون ... هلك المشيشون , قال الشيخ: ولا أعلم هل قال المشيشون أم المعسلون ... ثم أكمل الشيخ حكايته فقال: فسألت عن ذلك الشاب فقيل لي إنه كان يدخن , وفي أحيان يعسل , وقد نوى يوماً أن يجرنك , فانتشرت تلك الحكاية , حتى سمي ذلك اليوم (يوم الشيشة العالمي) كُسر فيها ما لا نحصي من الجراك والشيش.
ثم يردف أبا المقداد: فألقينا الليات من أيدينا بعد سماعنا تلك القصة من الشيخ , وأخذنا نتحسس رقابنا ثم بكينا بكاء شديداً , وأمسكنا بصلعة الشيخ ولثمناها , ومرغنا لحيته بوجوهنا , ونحن نصرخ: استغفر لنا يا أبتاه , فمسح على صدورنا , فأخذتنا رجفة ورعدة وتصببنا عرقا , فقال: لا عليكم هذا عدو الله (خُنيس) شيطان المعسل , يخرج من أجسادكم , فما هي إلا برهة حتى بدء نور الإيمان يشع من على وجوهنا , فقال لنا: اذهبوا إلى حمام كذا وكذا فاغتسلوا من أدرانكم واستبدلوا ثيابكم ووافوني في (خِواني).
يقول أبا المقداد: فخرجت تلك الليلة أمشي وأحس بخفة في جسدي غريبة حتى ظننت أنني أكاد أطير, فتوصلت إلى نظرية فيزيائية لم يسبقني بها أحد من العالمين , جنهم وأنسهم , حيث اكتشفت أن هناك تلازماً ما بين قانون الجاذبية والمعصية , فالمعاصي هي التي تجذبك إلى الأرض , وكلما تخففت منها قل وزنك , حتى أنني بعد أن طورت هذه النظرية فيزيائياَ وشرحتها لأحد مشائخي (تخصص قراءات تخصص دقيق قراءة ورش عن نافع) قال لي: اكتمها ولا تفشها فإن الموساد يتصيدون مثل تلك النظريات ويخطفون أصحابها من علماء المسلمين , وقد يكون لك في علم الفيزياء , شأن عظيم قال أبا المقداد : وها أنا ذا.
فواصلت مسيري , وكأنني ملاك أسير على الأرض ,وحمدت الله على أن أنقذني من شؤم المعصية, وتحسرت على عمري الضائع في التيه , وتذكرت أنشودةً لأم كلثوم قالتها عند توبتها من الغناء (عمري ضايع ...ضايع يحسبوه إزاي عليّ) الشرح: تقول رحمها الله : إن عمري السابق الذي أمضيته في المعاصي والمجون والملاهي , ما هو إلا عمر ضائع فيأيتها الملائكة لا تحسبوه عليّ من عمري, فإن عمري الحقيقي هو الذي ابتدأ عند هدايتي وتحجبي , والله تعالى أعلم.
فوافينا الشيخ عند (خِوانه) ودخلنا عليه فقال: عليكم بصُفَّـةِ (إزالة الأدران) فخلعنا ملابسنا , ودخلنا تلك الصُفَّـة التي أشبه ما تكون بغرفة (نتف الخِرَق في إخراج العَرَق) تعريب (السونا) وقد عُلق فيه (ترمومتر) يقيس نسبة إشعاع المعاصي في الجسد , حيث أن النسبة المقبولة (عالمياً) حتى يكون الشخص ملتزماً (11.8) فما أن دخلت حتى اشتغلت المكائن بأمر الله , فوصلت نسبة الإشعاع (المنكري) إلى (73.88) وهي نسبة (فاسق جداً).
يقول أبالمقداد: وبعد أن امتص الجهاز ما بجسمي من سموم محرمة , ووصلت إلى النسبة المقبولة شرعاً ,جاءت المرحلة الثانية وهي مرحلة (استمطار اللحية) وهي عبارة عن بخار مشبع بمادة (النرتوجين) حيث يحفز خلايا اللحية , فتتدفق الشُعيرات في غضون سويعات , حتى يصل إلى الكثافة المطلوبة شرعاً من أجل اكتمال اللوك الشرعي , ثم تأتي المرحلة الثالثة وهي مرحلة (القنطرة) حيث أدخلت رأسي في كوة يقال لها (كوة الفورمات) تقوم بعمل (فورمات) لكل ما في الدماغ من داتا , وتعيد الجمجمة إلى حالها قبل الضلال , نقية صافية كما أنزلت (شد بلادها كما يقول أهل الصنعة).
فدخل علينا الشيخ ودعا لنا بالثبات ثم قال: سنوزعكم على الأخوة لعل الله أن ينفع بكم كي تشاركوا أخوانكم في الدعوة إلى الله , فنظر إلى صاحبي وقال له: حدثني يا بني عن صنيعك في الجاهلية , فقال صاحبي: كنت كاتباً في جريدة (عكاظ) في زاوية اسمها (الجهات الخمس) أتحدث فيها عن القضايا الاجتماعية وقد تحدثت يوماً عن المراكز الصيفية والجمعيات الخيرية فامسك الشيخ بلحيته وقال: أعوذ بالله من غضب الله , ما دمت تتحدث عن تلك الأمور فلا أخالك إلا علماني سابق , نسأل الله لك الثبات , فقال صاحبي وكان اسمه خالد: والله الظاهر يا شيخ أني كنت علماني أو لعلي كنت ليبرالياً لا أدري , إلا أنني كنت أحس بضيقة في صدري , وغمة سوداء في وجهي , وارتفاع في ضغط الدم مصحوب بشيء من الإسهال فقال الشيخ بتعجب: وهل تحس بخفقان في فؤادك عند سماعك الآذان وتورم في الحالب؟ فقال الشاب خالد: نعم يا شيخ هو ذاك , فأمسك الشيخ لحيته المتسربلة إلى سرته وقال: إنه داء العلمنة والعياذ بالله ثم قال الشيخ: لعلك تكون في لجنة الرصد والمتابعة في مكتب الدعوة تلاحق لنا أبناء جنسك السابقين وترفع لنا بما يكتبون.
ثم التفت إلىّ فرأى جسماً مفتولاً مُخرنقاً (من الخُرُنق) فسألني عن سيرتي فأخبرته بأني حديث عهد بسجن في قضية مخدرات (تخصص دقيق حبوب وحشيش) فهمهم لُحيظات ثم قال: يا بُني لقد كنيتك أبا المقداد , وقلدتك لواء الحسبة , فاذهب بكتابي هذا إلى (أبي عكرمة بن غيث) وأقرأه السلام وأخبره أن يلحقك بكتيبة (أبابيل الحسبة) وهي التي توازي (الصاعقة).
ثم التفت إلى ثالثنا , وكان شاباً وسيماً صغيراً , فعض الشيخ على شفته السفلى ثم قال: أما أنت يا بُني فقد اصطفيتك لنفسي , تقوم على خاصة أمري فاحتسب ذلك عند الله.
يتبع الأربعاء القادم ...
كتب أصله بخط يده المباركة: شيخ مشائخ صامطه وما حولها / الأمام مساعد البقمي حفظه الله وسدده.
(أثاب الله من أعان على نشرها)
__________________