سيرة القديس العظيم الشهيد الأنبا بيجول الجندي كاملة

karas karas

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
13 مارس 2022
المشاركات
476
مستوى التفاعل
397
النقاط
63
سيرة القديس العظيم الشهيد الأنبا بيجول الجندي كاملة


عيد استشهاده 13 بشنس الموافق يوم 21 مايو

لم يذكر الكثير في مصادر سيرته عن مهده وكل ما نعرفه أنه ولد في غضون القرن الثالث من أبوين مسيحيين تقيين خائفين الله وبارين يصنعون مرضاته كل حين .
اسم أبوه " بامون " واسم أمه " مرثا " وكان له أخت تدعي " ثيؤدورا " وقد تربي تربية مسيحية حقه , مبنية علي تعاليم الكتاب المقدس وكانت أسرته من جنس الشرفاء في الإمبراطورية الرومانية .
اهتم والده " بامون " بكل ذوى الحاجة في مدينته فكان بيته ملجأ لكل أحد وكان يصنع ضيافات كثيرة مثل إبراهيم أب الآباء . ولم يعرف الشر طريقاً إلى قلبه , فبارك الله له في نسله .

شب القديس علي حياة الطهارة والبتولية , وكان قلبه مستقيماً أمام الله بلا غش أو زيغان . وأخذ عن أبويه محبه الفضائل الإنجيلية , فكان يتفقد جيرانه الأرامل والأيتام وذوى الحاجة من الغرباء , ولم يكن يعرف لنفسه مالاً , أو قوتاً بل كان ينفق كل طاقة يده إخوة الرب بكل حب وفرح وحنان . تعلم عن والديه الصوم . فتدرب أن يقضي يومه صائماً ملتفتاً للصلاة والتسبيح لله من باكر النهار حتي منتصف الليل عاكفاً علي قراءة الكتاب المقدس , الذي اعتبره غذاءً روحياً قوياً . ثم تدرب أن يأكل مرةً واحدةً طوال الأسبوع مقدماً ملئ قوة جسده للحياة مع الله ... وكان يبكر كل يوم لزيارة المرضي , والذين في السجون ويعزى قلوبهم بمحبة المسيح . وهكذا استحق أن يري ملاكه الحارس , وكان يأتي إليه كل يوم ويتحدث معه مثل الرفاق .

وكان في زمان الإمبراطور الطاغية دقلديانوس ( 284 – 305 ) , بعد أن أضل الشيطان قلبه فمال عن عبادة الله وسجد لصنعة الأيدي وتعبد لها . أمر بإغلاق الكنائس في كل مكان داخل الإمبراطورية وأقام معابد للأوثان وأمر بعبادتها والسجود لها .
ثم أخذ في اضطهاد المسيحيين في كل أنحاء البلاد حتي يسجدوا للأصنام ويقدموا القرابين لها والبخور تكريماً لها . ومن لا ينفذ أوامره يعذب وتضرب رقبته بحد السيف ... ولفظاعة هذا الاضطهاد , اتخذت الكنيسة القبطية بداية حكم هذا الطاغية ( وهي سنه 284م ) بداية لتقويمها المعروف بأسم تاريخ الشهداء , بينما المُثبت تاريخياً أن دقلديانوس لم يبدأ اضطهاده للمسيحيين إلا سنه 303 م وكان القديس بيجول في ذلك الوقت قد وصل إلي رتبة جندي من كبار القواد في الجيش الروماني .. وكانت له مكانةً عاليةً , ومركز مرموق بين زملائه . مشهوداً له بشجاعته وبسالته وحسن سلوكه , وإقدامه في الحق .
فساءت في مسامع القديس تلك الأخبار , وما وصلت إليه حالة المؤمنين في أنحاء البلاد . فصلي صلاةً عميقةً , وقرر أن يترك خدمة ملك الأرض مفضلاً ملك السماء .

مضي القديس إلي البرية , وحفر لنفسه مغارة في الجبل غرب مدينته شبيهه بالجحور .. وكان يصلي فيها , ويقضي كل وقته منعزلاً عن كل أحد . وكان قد رتب أن يذهب كل سبت إلي بيعةٍ صغيرةٍ قريبةٍ من الجبل للتقرب من الأسرار المقدسةٍ , والعودة إلي موضعه ثانيةٍ . وكان كاهن هذه البيعة . رجلاً فاضلاً وقوراً , اتصف بالبر والقداسة , وكان اسمه الأب بيجول . فكان يقيم السرائر مع جماعه المؤمنين ليلاً في الخفية , خشية الهجوم الوحشي لجنود الملك واضطهاداتهم المريرة ... وكان من المعروفين في الجماعة القديسين " ارنا وكارينا " من مدينة طحا . والقديس بيفامون الجندي وأخته سارة وذلك كان صديقاً للقديس بيجول الجندي وكانا معاً منذ صغرهما في الجندية. وقد أقام القديس علي هذا الحال مده ثلاث سنوات لا يبرح مكانه . وكان لا يهدأ عن أن يصلي ليلا ونهاراً , مواظباً علي نسكه . فكان قد تدرب أن يأكل مرة واحدة كل أسبوع بعد التناول من الأسرار المقدسة , فلما رأي عدو الخير حُسن جهاده , واستقامة قلبه أمام الله تقدم إليه ليجربه عسي أن يظفر ويثنيه عن جهاده .

نظر القديس بيجول الجندي من مغارته وإذا بإنسان عابر يتقدم نحوه قائلاً :
" السلام لك يا أبا بيجول القديس المجاهد , إن صلواتك وطلباتك قد صعدت بخوراً أمام الله . والآن اسمع ما يأمرك به : ينبغي أن تتخذ لك زوجة وتعود إلي حياة الجندية , فهي لا تزال باقيةً لك ولم يأت أحد بديلاً عنك . وأيضاً يجب أن تحيا في بلدك أفضل من الإقامة هاهنا في هذا القفر الموحش العالم الزائل " .
فكلمه إبليس قائلاً : " أما تعلم ما حدث اليوم , أن الملك نهب أرض أدريبه , وأخذ كل مالهم ووزعها علي كل جنوده وقواده , ولم يعطي لك نصيب البتة "
فأجابه القديس : " لست أبتغي نصيب في هذا العالم , بل أن نصيبي هو الرب كما قال النبي " . ( مراثي 3 : 24 ) .
فألح عليه الشيطان قائلاً : " امض إلي خدمتك واترك عنك هذا التعب العظيم , لأن الله لا يطلب منك شيئاً من هذا كله " ,
فأجابه القديس وهو لا يعلم أنه يتكلم مع الشيطان : " يا إنسان مالي أراك , ليس فى قلبك مخافة الله بل ليس في فمك كلام يرضي الله ويمجده , ابعد عني , ودعني في عزلتي , فلما أحس الشيطان بالهزيمة وعدم قدرته علي أن يضل القديس تغير إلي شبه حيوان مخيف فلما تطلع القديس نحوه , وإذا هو علي هذا الشكل أخذته الدهشة وتعجب جداً مما يبصره .
فقال له إبليس : " أما عرفت من أنا ؟ أنا إبليس رئيس جند الظلام . لقد تعبت منك . وها أنا لم أستطع أن أضللك لأنك محاط بقوة الله الحالة معك , ولأجل نور قلبك الساطع منك لذا فهاأنذا أناصبك العداء وسأحاربك حتي تؤخذ رأسك بحد السيف .
فرشم عليه القديس بقوة علامة الصــلـيـب المقدس الذي لمخلصنا الصالح . فذاب للوقت كالدخان وذهب عنه فوقف القديس لوقته يمجد القديس يمجد الله ويشكره علي عظيم عنايته ورحمته له .

حدث مرةً وفيما هو يصلي ليلاً , جاء إليه رئيس الملائكة وأعطاه السلام قائلاً :
" السلام لك , تقوى أيها الرجل الذي للرب يسوع حتي تغلب وتنتصر علي جميع حيل المضاد هوذا الجهاد معد لك , فاصبر يا حبيبي بيجول حتي تأخذ الإكليل الذي لا يضمحل لأنك تركت عنك كل اهتمامات العالم الحاضر وكل ملذات الجسد رزلتها لكي تُجند في ملكوت السموات . وهكذا قد كتب الرب اسمك في عداد الشهداء القديسين .... فتقوى وأصبر علي كل شئ "
ثم صعد عنه إلي السماء .... أما القديس فقد تهللت روحه بتلك الرؤيا الروحانية وأخذ يسبح الله كثيراً وقال : " أشكرك يا إلهي يـسـوع الـمـسـيـح . وأسألك ألا تتركني وحدي بل اشملني برحمتك ومعونتك , ليتمجد اسمك القدوس . يا يـسـوع الـمـسـيـح ملكي , وحيد الآب ومحيي كل النفوس , يا عون من لا عون له قويني بنعمتك "

تطلع القديس مرة بعد أن أنهي صلاته من المغارة ونظر خارجا وإذا بالسيد المسيح قد أتي ومعه رئيسا الملائكة ميخائيل وغبريال وهم الثلاثة في شبه أُناس عابرين في الجبل .
فتقدم إليه الرب يسوع وقال : " السلام لك يا بيجول الرجل الذي أرضي الرب بأعماله المستقيمة , وهكذا يتعب علي اسمه القدوس . ويصنع نسكاً فائق الرائحة وحدك في هذا المكان من البرية القاحلة ,
فأجابه القديس بيجول وهو لا يعلم أنه السيد : " يا سيدي لست أنا وحدي في هذه البرية , لكن ربي وإلهي يـسـوع الـمـسـيـح كائن معي في كل حين وهو يرسل لي ملاكه ليعزيني .
فقال له الرب : " إذا ما قامت عليك وحوش في هذه البرية أما يخيفونك ؟ . "
فأجابه القديس : " أما تعلم يا أخي أن الوحوش والهوام يخافون الاسم الحلو الذي لربنا يـسـوع الـمـسـيـح , وها أنا الآن لا أخاف شيئاً أبداً لأن سيدي ومخلصي يـسـوع الـمـسـيـح كائن معي "

فأظهر الرب ذاته وقال له : " أما عرفتني أيها الرجل الذي لا غش فيه , أنا هو مخلص العالم .. كلمه الله الأزلي وهؤلاء هم ميخائيل وغبريال رئيسا الملائكة .. يا حبيبي بيجول أصبر في جهادك فأني لست بعيداً عنك يا محب أبي قد حسبت لك أتعابك ووحدتك في هذا القفر العظيم مع الوحوش .. عظيم هو الإكليل الذي أعددته لك في ملكوت السموات وأقول لك أنا إنك سوف تتحمل عذابات كثيرة من أجل اسمي ومعك رفيقك القس بيجول هو أيضا سينال إكليل الشهادة قبلك علي يد أرمانيوس والي الإسكندرية " .
أما أنت يا حبيبي بيجول فسوف تُساق أمام ولاة كثيرين , وأخيراً يرسلك أريانوس والي أنصنا إلي دقلديانوس الإمبراطور بإنطاكية حيث يكمل جهادك هناك .. لا تخف أيها القوي لأنك قد غلبت الشيطان .. وأقول لك أن كل من يصدق ويؤمن بأتعابك التي تقبلها من أجلي وكمال شهادتك حقاً أني لا أنساه من رحمتي وقت خروجه من هذا العالم . وكل من يذكر اسمك وهو في ضيق فإني أُفرج عنه سريعا . والمكان الذي يكون فيه جسدك أو تذكارك تكون فيه بركة إلي الأبد . ثم باركه وأخذته سحابةً بمجدٍ عظيم , واختفي عنه رئيسا الملائكة . وما أن فاق القديس بيجول من هذه الزيارة السيدية المقدسة , حتي ضاعف من أتعابه أكثر وأكثر . متهللاً بالروح مندهشاً لاستحقاقه لهذه الزيارة الإلهية المقدسة , متفكراً في قلبه فيما يفعله أكثر لكي يرضي به الله , ويمجده كل حين بل كل طرفة عين .
وفيما هو سابحاً في الهذيذ بالإلهيات , جاءه فكراً في نفسه : ما لك راقداً متهاون بلا جهاد ... ها الجهاد موضوع أمامك , قم وأذهب وأعترف بإلهك ومخلصك يـسـوع الـمـسـيـح ... فرشم ذاته بعلامة الصـلـيـب المقدسة وشكر الله وقام لوقته بعد أن فرغ من الصلاة ممتلئاً بالروح والعزيمة المقدسة , قاصداً الإسكندرية .


وحالما وطئت قدماه مدينة الإسكندرية راح يبحث عن الوالي ليعلن إيمانه فوجده في ساحة الحكم عند البحر , وهو في حالة هياج شديد , وسخط علي الشعب المسيحي . فأقترب القديس من الوالي وصرخ أمامه قائلاً :
" أنا مسيحي أعبد ربي يـسـوع الـمـسـيـح الإله الواحد أما أنت أيها الوالي فقد حِدت عن طريق إلهك الخالق لتعبد الأحجار المنحوتة صنعة الأيادي المخلوقة .. أهملت حبك لله , وأحببت الذهب والفضة بكل قوتك .. أبعدت الرحمة من قلبك وسفكت دماء المسيحيين الأبرياء ظلماً .. فليكن معلوماً لديك أن الله سوف يجازيك عن كل شرورك "
فلما سمع الوالي ذلك دب في قلبه الاضطراب وسرعان ما سأله : " عرفني أيها الإنسان من أين أنت ؟ ما هو اسمك ؟ " .
فأجابه الشجاع : " أنا من تله من أعمال طحا , اسمي بيجول بن بامون ... أما في ابتداء حالي فكنت جندياً لملك الأرض أما الآن فإني جندياً لربي يـسـوع الـمـسـيـح .. قد سمعت بأخبارك وكرهك للمسيحيين فجئت لأنال شهادتي علي اسم الرب يـسـوع الـمـسـيـح لأعيد هناك معه ملكوته الأبدي , المدينة التي لا تحتاج إلي نور لأنه هو ضيائها , ليس فيها ليل , ليس فيها حزن ولا هموم ليس فيها الآم وتجارب بل فرح وسعادة وراحة أبدية في إلهنا يـسـوع الـمـسـيـح " .
فغضب الوالي منه , وأمر جنوده أن يمسكوه علي الفور ويضربوه ضرباً موجعاً علي يديه حتي لم تعد له قدرة أن يبسطها , ثم أودعوه السجن .

فصلي القديس بيجول الجندي الشجاع بتأوه وألم فجاءه مـلاك الـرب وقال له :
" السلام لك يا حبيبي بيجول الجندي الشجاع .. تقوى .. تشدد وتشجع ولا تخف لأن الرب أرسلني لك , فأكون معك في كل مكان تمضي إليه حتي تفضح أعمالهم الرذيلة وتفضح زيف آلهتهم الصماء " . فتعزى القديس برؤية رئـيـس جـنـد الـــرب مـيـخـائـيـل وحلت عليه النعمة الإلهية وزالت عنه الآلام وعاد صحيحاً معافى .


وإذا إنسان كان في السجن وهذا الإنسان كان به روحاً نجساً فقدموه إلي القديس فصلي من أجله قائلاً : " ربي يـسـوع المـسـيـح الإله الرحوم المتحنن .. تحنن يارب علي خليقتك التي صنعتها علي صورتك ومثالك , أرسل ملاكك من السماء ليخلص هذا المسكين من أسر الشيطان اللعين " .. فللوقت رأي رئـيـس المـلائـكـة أمامه وأمره أن يضع يده علي رأسه قائلاً : " ضع يدك علي رأسه والـمـسـيـح سيخلصه من أوجاعه لكي يتمجد الرب بسببك فلوقته فعل كما أمره المـلاك ووضع يده علي رأس الرجل ورشمه بعلامة الصـلـيـب المجيد قائلاً : " باسم الأب والابـن والـروح الـقـدس .. قم معافى " .. وللوقت شفي الإنسان من مرضه , وصرخ الذين في السجن معه قائلين :
" واحد هو إلـه القديس بيجول الجندي الشجاع وليس أحد غيره لا في السماء ولا علي الأرض ... " .

فشاع خبره في مدينة الإسكندرية .. فجاء له رجل من أراخنة المدينة وكان له ابناً معذباً بروح نجس مسجوناً في بيته مكبلاً بالحديد حتي لا يصب الناس بأذى
وسأل القديس قائلاً : " السلام لك أيها الإنسان الكامل بنعمة الله , قد سمعت عنك أن الله أعطاك سلطاناً أن تصنع الأشفية والعجائب للمرضي والمعذبين , فأسمح لأجل ربنا يـسـوع الـمـسـيـح بن الله أن تشفي ولدي وتعيده لي صحيحاً معافى , فهو معذب بروح نجس وليس بمقدوري إحضاره إلي هنا " .

فأجابه القديس بيجول الجندي : " دع ابنك في مكانه وسوف أحضر عنده الليلة في بيتك وأشفيه بقوة يـسـوع الـمـسـيـح ملك الملوك ورب الأرباب وإله الآلهة , فوافقه الرجل ومضي ينتظره في بيته .
ولما حل الليل قام القديس وأخذ يسبح ويصلي لله الحي , وما أن فرغ من صلاته حتي ظهر أمامه رئيس الملائكة الجليل ميخائيل وقال له : " انهض " .
فأنحل رباط الحديد من يديه ورجليه .. فأصعده الملاك من الحبس ولم يدري أحد من المسجونين بما حدث .. وأوصله إلي ذلك الرجل وإذ الرجل وكل أهل بيته في انتظاره , وفي تلك الساعة صرخ الروح النجس وقال : أنا ماضٍ يا سيدي الأرخن لأجل خوفي من القديس بيجول ورئيس الملائكة ميخائيل الذي معه .. وللوقت سقط الغلام علي الأرض كالميت وخرج منه كشبه لهب نار قويه .
فمسك القديس بيد الصبي وأقامه وإذا هو سالماً صحيحاً عاقلاً , فصاح جميع من في البيت قائلين : " نؤمن بإله القديس بيجول يـسـوع الـمـسـيـح بن الله رب السماء والأرض . وفيما هم يصيحون هكذا خطفه الملاك من وسطهم , وعاد به إلي سجنه كما كان , وفي صباح اليوم التالي أمر الوالي كلوسيانوس أن يأتوا بالقديس إلي ساحة الحكم .
فلما أحضروه الجنود تعجب الوالي جداً من نعمة الله الحالة عليه وقال له : " اقبل مني وأسجد لآلهة الملك لئلا تموت موتاً رديئاً " .
فأجابه القديس بيجول : " اعلم أيها الوالي المسكين أن الموت الذي تظنه موتاً سوء هو لي حياةً أبديه . قال معلمنا بولس الرسول : " لي الحياة هي المسيح والموت هو ربح "
( في 1 : 21 ) , وأنا لا أقدم السجود والعبادة إلا لربي يـسـوع الـمـسـيـح " .
فقال له الوالي : " أطلب مني ما تشاء وأنا أعطيك إياه حتي ولو كان ما أملك وأسجد يا عزيزي للآلهة , لأني أشفق علي شبابك وطلعتك البهية .
فأجابه المغبوط قائلاً : " ليس لي شيئاً أبتغيه في هذا العالم حتي أطلب إليك أن تمنحه لي إنما بكل قلبي وبكل قدرتي ابغي ملكوت مخلصنا الصالح يـسـوع الـمـسـيـح ,
قال معلمنا بولس الرسول : " خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح وأوجد فيه ... " ( في 3 : 8 ) .
تنهد الوالي غاضباً وقال : " يا بُني أشفق علي نفسك من العذاب ودع عنك عنادك وكل فلسفتك هذه لست أفهم ما تقوله لي , عد إلي مجدك وفخر جنديتك وأعدك بأنني أتكلم بشأنك لدي الإمبراطور دقلديانوس فينعم عليك بأعلى الرتب , ويجعلك رئيساً عظيماً , وتكون لك المشورة في الأمور الحربية لدي الإمبراطور ...
أجاب القديس في الحال : " لو أعطيتني مئات بل ربوات من الجنود وسخرتهم لخدمتي مائة سنه , لن ينطق فمي سوى أني عبد لربي وإلهي يـسـوع الـمـسـيـح .
قال معلمنا يوحنا الرسول : " العالم يمضي وشهواته . وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلي الأبد " ( 1 يو 2 : 10 ) .
هكذا أيها الوالي كل ممالك العالم ستزول . وأما ملكوت إلهنا فهو ملكوت أبدي ( أي ليس له نهاية ) .
ولما رأي الوالي عزيمة القديس وثباته اغتاظ جداً وأمر في هياج أن يرفعوه علي المعصرة ويعصروه , فأخذه الجند ومضوا ليصنعوا به كأوامر الوالي إلي أن ظهرت عظامه وتفكك جسده من وطأة التعذيب .

فرفع القديس عينه وصلي : " ربي وإلهي يـسـوع الـمـسـيـح أنت حياتي وعوني , أنت رجائي ومخلصي أسالك أيها الفادي الحبيب أن تشملني بمعونتك , وتخفف عني هذا العذاب و لا تبعد عني رحمتك بل أظهر فيّ قوتك , ليتمجد اسمك القدوس , وليعلم هؤلاء القوم أنه لا يوجد سوى إله واحد في السموات والأرض ينبغي أن نسجد له , ونقدم له القرابين . ولكي يخزى كل من يريد أن يفتخر قائلاً قد قهرت إله المسيحيين .
فسمع الله طلبته , وأرسل إليه رئيس الملائكة ميخائيل كشبه حمامة بيضاء ووقف عن يمين القديس وهو معذب وقال له :
" السلام لك يا قديس الله .. قد سمعت طلبتك لدي الله العلي , وأرسلني الرب لأشفيك من هذه العذابات , ولوقته لمس جسده بجناحه فعُوفي القديس من جميع أوجاعه بقوة الله ثم أختفي عنه الملاك ... فتهلل القديس وامتلأ قلبه بالفرح الروحاني وصار وجهه مضيئاً حتي أن الذين نظروه من جموع الحاضرين سجدوا للـرب يـسـوع الـمـسـيـح مؤمنين .
فاغتاظ الوالي وأمر أن ينزلوه من علي المعصرة ويرفعوه علي سرير من الحديد ويوقدوا تحته النار فصرخ القديس " اذكرني يارب بمعونتك " وللوقت ظهر رئيس جند الرب ومد قضيب من النور بيده علي القديس بيجول فصا لهيب النار مثل ندي بارد واختفي .
فصرخ القديس بأعلى صوته وهو في وسط النيران وقال للوالي :
" أنظر أيها الوالي وتأمل , حتي متي تنكر قوة الله وتعتد بآلهتك المنحوتة ؟ "
فصرفه إلي السجن مع بقية المعذبين .
وبعد ذلك أتي رسولاً من قبل الملك دقلديانوس , ودف كتاباً إلي الوالي كلوسيانوس فلما قرأه تعظم قلبه جداً إذ تولي حكم ولاية البهنسا . فأمر أن يجتمع كبار قواده , وتلا عليهم كتاب الملك , ودعا أيضاً أرمانيوس وعرفّه أنه سيخلفه في ولاية الإسكندرية .
وأوصاه قائلاً : " يا صديقي العزيز اطلب هؤلاء المسيحيين , واظهر فيهم سلطانك وفنون ذكائك , بصنوف من العذابات , وبذلك تُرضي قلب الملك , ومضي إلي ولايته الجديدة وترك أرمانيوس والياً علي الإسكندرية .
+ لأنه قد وهب لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط بل أيضاً أن تتألموا لأجله + ( في 1 : 29 )

فرغ الوالي أرمانيوس تماماً لتعذيب المسيحيين وذلك علي أثر وصية كلوسيانوس له قبل تسليم الولاية فكان يجلس كل صباح في ساحة الحكم ويأمر جنوده بإحضار المؤمنين من السجن للتنكيل بهم ثم تفرغ أكثر لتعذيب القديس بيجول الجندي وزاد في تعذيبه جداً حتي تعب منه فأمر أن يُجلد مائتي جلده جلدتين جلدتين علي فترات ليطول عذابه , ثم أمر جنوده أن يضعوا القديس في قدر نحاسي ويوقدوا تحته حتي يذوب جسده وينحل , فرشم القديس بعلامة الصـلـيـب وقال " يا إلهي لا تقف عني بعيداً , بل كُن لي معيناً " .
فكان ملاك الرب يأتي إليه ويقويه علي الاحتمال ويشفي كل جراحاته فلما رأي ذلك الوالي إيمان القديس وثباته ازداد غضبه بالأكثر وقال في ثورته إني سوف أجازيك علي أعمال السحر التي تفعلها وأقسم بآلهته أبلون أنه لن يقتله في تلك المدينة ولا يبلغه أمله وقال : " أُرسلك إلي الصعيد لتعذب هناك وأمر الكاتب بالحضور وكتب رسالة إلي أريانوس والي أنصنا وقال فيها : " أني أرسلت إليك ساحراً عظيماً قد تعبت منه يسمي بيجول من أعمال تله وكان جندياً ثم رفض الجندية ورفض أيضا الخضوع لأوامر الإمبراطور دقلديانوس ورفض السجود الآلهة المكرمة التي نعبدها , فأوصيك به لأنه لم يسمع لقولي ولم يرجع عن رأيه , وسلم الرسالة لثلاثة من الجنود فقيدوه بالسلاسل وسافروا به .
وركب الجنود ومعهم القديس الجندي الشجاع بيجول مركب كانت مقلعة إلي الأشمونين وكانت فيها امرأة مؤمنه تحمل معها أجساد شهداء قديسين , وكانت تريد المضي بها إلي بلدها فلما اقتربت السفينة من بلد القديس بيجول الجندي طلب من الجنود أن يرسوا قليلاً لكي يودع أقاربه ويكلمهم بما فيه ربح نفوسهم وتثبيت إيمانهم فأبي الجنود خوفاً أن يخطفه أهله شفقة منهم عليه , ولكن القديس طمأنهم بقوله بحق الآباء والأمانة المستقيمة التي أنا معذب بسببها سوف لا أنحل من الرباطات والقيود حتي أصل إلي مجلس أريانوس الوالي لأني بإرادتي جئت لأسفك دمي علي اسم الـمـسـيـح .

+ أرمانيوس : معناه الرب يؤسس

فرست المركب علي شاطئ بالقرب من بلدة القديس وذهبت تلك المرأة المباركة التي كانت الأجساد المقدسة معها وأعلمت أخت القديس ثيؤدورا بوجوده فجاءت مسرعة ورأت الحالة التي هو عليها فقالت له : " كيف مضيت يا أخي وحدك لما لم تأخذني معك لما تتركني وحدي " , فقال لها : " اطمئني يا ثيؤدورا الحبيبة فلست أنت وحدك بل أن قوه الله معك فأخذت تترجاه أن يأخذها معه لتشهد باسم الـمـسـيـح " , فقال لها : " يا أختي خوفي عليك أن آخذك إلي مواضع التعذيب ولا تقدري أن تتحملي كل هذه الوحشية لكن أقول لك صلي يا ثيؤدورا , صلي بلا فتور , بل كل حين ارفعي قلبك أمام عرش النعمة إرفعي عني القرابين وعنك , أعطي كل طاقة يدك للمساكين والأيتام لكي يتحنن الرب عليّ في الموضع الذي صائر إليه وأعدك أمام إلهي الحبيب يـسـوع أنك إن صنعت ذلك يكون لك لدي الله مثل الشهادة , ثم ودعها قائلاً : " سلام الله الذي يفوق كل عقل يكون معك يا أختي الحبيبة , الرب يحفظك بلا لوم إلي اليوم الذي نجتمع فيه عنده .
وكانت ثيؤدورا قد أحضرت معها خبز وطعام يسير لقوت الجسد , وطلبت إلي الجنود أن يشفقوا عليه حتي يأكل لأن جسده قد انحل من الصوم , ولما طلبت منه أن يأخذ الطعام رفض , وقال لها : " يا أختي حي هو الرب يـسـوع الـمـسـيـح أني لا آكل ولا أشرب حتي أقف أمام الوالي أريانوس " , وبعد ذلك أقلعت المركب إلي أنصنا ولما وصلوا إلي أنصنا , قضي قديسنا ليلته في السجن حتي يحين الصباح .

وعندما جلس الوالي أريانوس في موضع الحكم أحضروا القديس بيجول أمامه فسأله
قائلاً : " أأنت الساحر المدعو بيجول الذي أتعبت والي الإسكندرية فأرسلك إلينا ؟ "
فأجابه القديس : " أنا بيجول عبد يـسـوع الـمـسـيـح , ولكني لست ساحراً "
فقال له الوالي ساخراً : " اسجد للآلهة " ,
فأجابه القديس : " لا يكون ذلك أبداً كما هو مكتوب لا يكن فيك إله غريب ولا تسجد لإله أجنبي أنا هو الرب إلهك ... ( مز 81 : 9 ) وها أنا أرفع جسدي الآن ذبيحة حب لإلهي . فغضب أريانوس الوالي وأمر أن يُرفع علي الهنبازين , فخطف القديس عقله إلي سماء السموات استغاث بإلهه الـرب يـسـوع أن يعطيه قوة الاحتمال فظهر له الملاك ميخائيل وشجعه وقال له : " تقوى يا حبيب الله وتشجع , تقوى أيها الجندي الأمين , وتشجع قد شملتك قوه الـرب , وقد أرسلني إليك حتي لا أفارقك ... سلام الله لك يا حبيبي بيجول تشدد وتشجع
فتهلل القديس , وأضاء وجهه بالنعمة وتجدد جسمه بقوة الله , وكان أريانوس قد ظن أنه مات من وطأة التعذيب , فتطلع وإذ بالقديس أمامه معافى فتعجب !! ,
وقال لأعوانه " حقا إنه لساحر عظيم " .
لقد سمعته يتمتم بفمه اسم ذلك المصلوب ( يـسـوع الـمـسـيـح ) وقد صرح بأنه غالب لجميع السحره والشياطين
فأجابه القديس : " إن قولك حق أيها الوالي إن يـسـوع الـمـسـيـح هو غالب لجميع قوي السحر والشياطين بل أن اسمه يعلو علي كل من السموات والأرض فصرخ الوالي مندداً غضوباً قائلاً : " من يقدر أن ينقذك من يدي ؟ "
وفي الحال تقدم الجنود وأوثقوه وقلعوا أظافر يديه ورجليه فصرخ القديس وهو يتعذب وقال للوالي : " حقا لقد صنعت بيّ اليوم خيراً عظيماً لأنك قلعت مني أصل الخطية فلما سمع منه الوالي ازداد غيظاً وأمر بضربه بمرزاب حديد علي رأسه حتي سال دمه من فمه وأنفه فاستغاث بالاسم الحلو الذي لرب المجد يـسـوع الـمـسـيـح فأرسل إليه رئيس جند السموات ميخائيل وفرش أجنحته عليه كمثل حمامه فأحس القديس بارتياح عظيم إلي أن تعب العسكر إذ بطلت قوة أيديهم .. حينئذ اختفي الملاك ميخائيل .

فقال لهم أريانوس الوالي : " لماذا استوقفتم وأبطلتم العذاب عن هذا الساحر الماكر
فأجابوه لقد تعبنا نحن أما هو فلا يحس بالعذاب , إننا نضرب رأسه بالمرازب الحديد مثل الحداد الذي يضرب علي السندال بالمطرقة وهو لا يتألم البتة !!!
فقال له أريانوس : " اسمع مني واسجد لآلهة الملك ,
فأجابه القديس : " أني وضعت الأساس وهى الأمانة بسيدي وملكي يـسـوع الـمـسـيـح وها أنا أسعي جاهداً لأنال كمالها لقد بدأت والآن أكمل " .
فأمر الوالي أن يأتوا إليه بمعصرة ذات أسنان حادة كالمنشار ووضعوه فيها . فرشم القديس علامة الـصـلـيـب فلم يستطيع الجنود أن يديروا ترس الآلة .
فصرخ فيهم الوالي : إلي متي أنتم متهاونين هكذا حتي تريحوه من العذاب والآلام !
فأجابوه قائلين : لقد عدمنا الحيلة يا سيدنا الوالي في إدارة الآلة وعدمنا قوة أيدينا ...
فقال أريانوس : إلي متي تضحك عليّ بسحرك يا بيجول وأنا متمهل عليك هوذا أنا أرسل عليك غضب الآلهة لأجازيك عن قبح أفعالك الساحرة , سأرجعك عن رأيك .
فأجابه القديس : " بالحقيقة أنني لم أعرف السحر أبداً , بل قوة سيدي ومخلصي يـسـوع الـمـسـيـح التي معي ,
أنه مكتوب " إن كان الله معنا فمن علينا " . ( رو 8 : 31 ) .
فأمر أريانوس أن يُعلق علي ساري طويل وهو منكس الرأس ثم يُقطع الحبل المعلق به حتي يسقط علي رأسه فيموت , وإذ بملاك الرب الحال حول خائفيه ينجيه ويمسك بيده فلم يدعه يسقط علي رأسه بل أقامه علي رجليه سالماً .
فصاح القديس بصوت التهليل وسبح تسبحة موسى وشعب إسرائيل عند عبورهم البحر الأحمر . ( خر 15 : 1 - 19 ) ثم راح يلعن الأحجار المعبودة كآلهة منحوتة وكل من يتكل عليها .. فقال له الوالي : " أتسب آلهة الملك العظيم " !! . وأمر بجلده , فلما تعب القديس من كثرة التعذيب . استغاث برئيس الملائكة ميخائيل فظهر له للوقت , وظلله بجناحيه فعوفي من كل أوجاعه .
فلما نظرت الجموع الواقفة كل هذه الأمور صاحوا قائلين : " واحد هو الله إله القديس بيجول , منجي كل المتكلين عليه العارفين اسمه " .


فلما حار الوالي من تعذيبه أمر أن يمضوا به إلي السجن .
فتبعته جموع غفيرة من شعب مدينة أنصنا المُحبة للـمـسـيـح لكثرة ما شاهدوه من قوات وعجائب يجريها الله مع مختاره القديس بيجول الجندي ...

وفيما هم سائرون إلي السجن إذ برجل به روح نجس ,
فصرخ قائلاً : " ما لنا ولك يا بيجول ! , أسالك يا قديس الله ألا تعذبني , أنا أخرج منه حالاً لأني أنظر رئيس الملائكة ميخائيل يمشي معك ,
فقال له القديس بيجول باسم ربي وإلهي يـسـوع الـمـسـيـح بن الله الذي ولدته مريم العذراء تخرج منه ولا تؤذيه بشر ,
فأجابه الروح الشرير قائلاً : " إن لي ثماني عشرة سنة ساكن فيه , أصنع إرادتي فيه وأنت تخرجني ,
قال له القديس : " أيها الروح النجس ما الذي ترجونه بحلولكم في الناس , حتي تعذبوا صورة الله ولا تتركوهم يعبدون الله ,
فأجابه : " نحن الملائكة الأولون , لما غضب الرب علينا وأسقطنا من السماء صرنا طائرين في الجو نلقي الأفكار الرديئة في الناس ونضلهم , ولما جاء بن الله إلي العالم وخلص جنس البشر قال لنا رئيسنا انظروا كيف أن الله يحب خليقته ويرحمها .
تعالوا نبذل كل جهدنا في صورته ومثاله ونضلهم عن عبادته , فمثلاً أفكار نجسة للأنقياء القلوب لنضلهم , فانتهره القديس وللوقت طُرح الإنسان علي الأرض وخرج منه , فأمسك القديس بيجول بيده وهو شبه الأموات وأقامه قائلاً : " انهض فقد شملتك نعمه الـمـسـيـح إلهنا , فقام وهو مضطرب ما عسي أن يكون ذلك ؟ فهّدأ القديس من روعه , وطمأنه فازداد عدد الذين آمنوا بالمسيح من الحوار الذي دار بين القديس والشيطان , وتبعوا القديس إلي الحبس .

وكان ذلك الإنسان أيضا منهم واسمه سقراط فسأل القديس : " أهو مرضٍ أمام الله أن أسفك دمي علي اسمه القدوس ؟ لأنني أريد أن اشهد لـيـسـوع الـمـسـيـح وأعترف به أمام جميع الناس " .
فأجابه القديس بيجول : " كأمانتك يكون لك يا سقراط ... وليجعلك الله في عداد قديسيه لأنه مكتوب : " لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح " . ( غل 3: 27 )
حينئذ تقدم سقراط إلي الوالي أريانوس في موضع الحكم وأعلن إيمانه بيسوع المسيح فأمر الوالي أحد جنوده الواقفين أن يضرب رأس سقراط بسيفه فنال إكليل الشهادة أمام الجميع .
+ بركة صلواته فلتكن معنا . آمين +

ثم حدث بعد ذلك أن جلس الوالي أريانوس في موضع الحكم , وأمر أن يأتوا إليه بالقديس بيجول مرةً أخري فلما مَثَلَ أمامه قال القديس بصوت عال : " يا أبلون النجس الغريب هذا موضع حكمك وأما أنا فقد أتيت إليك بقوه اسم الله العلي سيدي وملكي ومخلصي يـسـوع الـمـسيـح ... فلما سمع ذلك أريانوس غضب جداً وقال : " إني لن أكل ولن أشرب حتي أنظر هل يقدر ذلك المصلوب أن يخلصك من يدي ثم أمر الجند أن يأخذوه ويطرحوه في مستوقد حمام ليحترق وهو حي , فصنعوا به كذلك ... أما القديس بيجول فبسط يده وراح يردد تسبحة الثلاثة فتية القديسين في آتون النار ( دا 3 : 51 – 90 ) ثم صلي قائلاً : " ياربى يـسـوع الـمـسـيـح بن الله الحي الأزلي أنت يارب هو الجالس علي كرسي مجدك , وحولك ألوف وربوات الملائكة يسبحونك , وأنت الذي تسبحك الشاروبيم , وتصرخ نحوك السيرافيم ينطقون بمجد لاهوتك غير المنظور , نجني يا الله من شدتي يامن كان مع بولس الرسول في كل شدائده لأردد معه ليعظم انتصارنا بالذي أحبنا ( رو 8: 37 ) كن معي ياإلهي حتي يتمجد اسمك القدوس ويعترف بك كل لسان أنه ليس إلا أنت وأبيك الصالح والروح القدس الثالوث المساوي الواحد في الجوهر لك المجد إلي الأبد آمين .

فلما فرغ من صلاته جاءه الملاك ميخائيل ووقف به قائلاً : " لا تخف يا حبيبي بيجول , افرح الآن ولن يقدر أحد أن ينزع فرحك , افرح يا شهيد يـسـوع الـمـسـيـح بما قد أُعد لك في السماء .. السلام لك يا من يتعب حسناً علي اسم المخلص الصالح .. ثم خطفه الملك وأتي به إلي حيث كان الوالي مع أعوانه , فوجد أريانوس في مجلس مرح مع ندمائه ويتفوه بافتخار أنه أهلك ذلك السحر بيجول الجندي ولم يقدر إلهه أن يخلصه من يده .. وصاح بافتخار ليس آلهة سوى آلهتنا أبلون المكرمة , حينئذ صاح فيه الشجاع القديس بيجول وأنتهره قائلاً : " كيف تعظم الأوثان وتجدف علي إله السماء والأرض فنظر إليه أريانوس وكان وجه القديس يضئ مثل الملائكة
فخاف وقال : " كيف جسرت ودخلت إلي هنا من غير أن أدعوك
فقال له القديس : " أنا بيجول عبد يـسـوع الـمـسـيـح الذي طرحتني في مستوقد الحمام أرسل إلهي ملاكه وخلصني من النار المتقدة لأنه إله قوى جداً ناصر جميع المتكلين عليه .. فلما سمعوا ذلك بهتوا جداً كل المجتمعين مع الوالي وصاروا في فزع وحيره مما يروه !! .

حينئذ تقدم إلي القديس أحد الجنود المتقدمين وأسمه قلته ( وكان يتابع كل المرات التي تمجد بها الله في قديسه بيجول الجندي ) وأمسك بقدمي القديس وصرخ معلناً أمام الوالي إيمانه بيسوع المسيح إله القديس بيجول , وترجي القديس أن يصلي من لأجله لكي يقبل الله روحه في ملكوته ثم تحول وصرخ في الوالي مجدفاً علي آلهة الملك دقلديانوس , فهَم الوالي بالانصراف من ذلك الموضع في دهشة وحيرة فأعاقه ذلك الجندي قائلاً : " لن تمشي من هاهنا حتي تأمر بقضيتي , فأنا لن أعود للوراء أبداً . فأمر الوالي بأن تؤخذ رأسه بالسيف وتضرب رقبته خارج المدينة حينئذ تقدم الجندي ( قِلته ) المبارك بفرح وعانق القديس بيجول وودعه قائلاً : " أشكرك يا قديس الله لأنك عتقتني من النار الأبدية وأنرت لي طريق الحياة الأبدية " .

ثم سأله في قلق " كيف يقبلني الله وأنا لم أعتمد كما سمعت من قبل من المؤمنين أنه ينبغي أن يعتمد المؤمن في الماء ثلاث مرات علي اسم يـسـوع الـمـسـيـح ؟ " ...
فأجابه القديس أن شهادتك علي اسمه القدوس هي معمودية بالدم ثم قبّله وقال : " إله السماء الحقيقي يـسـوع الـمـسـيـح يقبل روحك في صفوف شهداءه ويمتعك في أحضان قديسيه في فردوس النعيم , أسالك يا حبيبي ( قلته ) أن تذكرني أمام الرب يسوع المسيح عند مثولك أمام عرش نعمته . ثم أخذ الجنود المغبوط ( قلته ) خارج المدينة وصنعوا به كأمر الوالي ونال إكليل الشهادة وأنتصر مع القديسين الغالبين وذلك في يوم 26 برمهات .
+ صلاته فلتكن معنا كل حين . آمين +

ثم أن الوالي أصابه شئ من الهيجان والشك ولم يعد يصدق نفسه , وراح يسأل كل من حوله في طريقه هستيرية ألم أطرح بيجول في مستوقد الحمام ؟ كيف إذن خرج منه حياً سالماً بل ودخل مجلسي دون علم أحد كأي إنسان معافى وطار النوم منه تلك الليلة وراح يدور في ردهات قصره يفكر كيف يتصرف مع هذا الإنسان .
وفي باكر اليوم التالي ذهب إلي مجلس الحكم ودعا يستحضر القديس بيجول من حبسه وخاطبه بلطف قائلاً : " يا عزيزي بيجول لقد كنت بارعاً بتلك القوة الخارقة التي لم أري ولم أسمع بمثلها من قبل لذا أدعوك إلي التعقل وأنا أشفق عليك . أعدك بأن أصف للإمبراطور عظم قواك الخارقة وكل دهاءك وذكاءك لكي يمن عليك بمناصب عليا في المملكة والجيش .
فأجاب القديس بيجول بثقة : " أنا عاقل في كل وقت يا عزيزي الوالي وإن كنت قد أشفقت عليّ أمس فما قبل , فدعك من تلك الشفقة الكاذبة وافعل بي كل ما تريد اليوم .
فقال له الوالي : " أسالك أن تجيبني بصدق لماذا تحب الموت والمخاطرة بالنفس هكذا أكثر من الحياة علي أي شاكلة ؟ " .

فأجاب القديس : " أنه مكتوب من سيفصلنا عن محبة المسيح أشده أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عري أم خطر أم سيف كما هو مكتوب أننا من أجلك نُمات كل النهار قد حسبنا مثل غنم للذبح . ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا .
فأني متيقن أنه لا موت ولا حياه ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة ولا علو ولا عمق ولا خليقة أخري تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا " ( رو 8 : 35 – 39 ) , وكيف تظن أن الموت ردياً أنه انتقال لحياة أفضل وباقيه للأبد لذا نحن نخاطر كل لحظة من أجل أن ننال تلك الحظوه والمتعة الأبدية .
فتحول عنه الوالي , وسأل مشيريه ماذا يفعل أمام عناده ؟ فأشاروا عليه أن يرسله إلي الملك دقلديانوس . لأن ذلك جندياً من أكابر المملكة وعائلته شريفة , فمال أريانوس إلي تلك المشورة , وأمر بأن يودع في السجن لليوم التالي علي أن يرسله إلي الإمبراطور دقلديانوس بإنطاكية .
ثم كتب رسالة للإمبراطور أوضح فيها الاتهام الموجه للقديس بيجول وسلسلة العذابات التي مر بها من الإسكندرية إلي أنصنا , ثم أوضح له أيضاً شرف جنسه ورتبته , وقد استحال عليه استماله قلبه للعبادة الملكية وطاعة الأوامر العالية .
وختم الرسالة بخاتمه وائتمن عليها أحد الحراس بالسجن فأمسكه الحراس ومضوا به إلي السجن كأوامر أريانوس الوالي وأوثقوه بالحديد حتي الصباح " .

وفي الصباح وضعوه في خزنه المركب , وضيقوا عليه بالجوع والعطش .. أما القديس فرفع قلبه إلي السماء وهو داخل الحبس وصلي قائلاً : " أيها الرب الإله الجالس علي الشاروبيم الذي بإرادته طأطأ سما السموات ونزل وقبل الآلام حتي يخلصنا من عبودية الشيطان أنت يارب معين الملتجئين إليه .. كن عوناً لي في طريق جهادي حتي أكمل سعيي إلي النهاية ليتمجد اسمك القدوس . لأن لك المجد إلي الأبد آمين " .
وما أنهي القديس صلاته , حتي أبرق حوله نور , وأشرق عليه ضوءاً عظيماً . وأشتم رائحةً ذكيةً . ونظر في شدة الضوء إذا المسيح مصلوباً والصليب ممتلئاً من النور العجيب ... وصار له صوت يقول .. بيجول بيجول ... فقال القديس : هاأنذا يارب .
فقال له الصوت : " انهض الآن وتشجع يا صفي فإني قد اخترتك لميراثي أنا يسوع معطي الحياة لكل من يؤمن بي ... قد أتيت لأعرفك بما يكون لأنك قد قبلت أتعاباً كثيرة , فسوف تكمل شهادتك في اليوم الثالث عشر من شهر بشنس . تقوي وافرح يا حبيبي بيجول .... " ثم غاب عنه الرب , فتهلل القديس بالروح القدس ولم يكف عن التسبيح إلي أن وطأت قدميه المباركتين مدينة إنطاكية حيث مجلس الملك .
وكان ذلك عشية اليوم الثالث عشر من برمودة ... فاصعدوه الجند أمام جمع غفير مربوط اليدين خلف ظهره وطوق من الحديد في عنقه .. وسلموا كتاب الوالي أريانوس لمشير الملك الذي أمر بإيداعه السجن حتي الصباح .
وحدث لما جلس الملك دقلديانوس في ساحة الحكم في الأول من بشنس أمر فقدموا إليه القديس بيجول ... فقال له : " قد سمعت عنك , وعن عظيم سحرك وقدراتك الخارقة .
تلك التي قاومت بها ثلاثة من حكامي كلوسيانوس الذي كان والياً للإسكندرية ثم تولي بعد ذلك إقليم البهنسا . و أرمانيوس والي الإسكندرية الحالي و أريانوس والي أنصنا .. ذلك الوحش الكاسر .

والآن لا تخف يا عزيزي , قد صفحت عنك في كل ما صنعت وكل ما تكلمت به عن آلهتنا العظيمة لما عرفته من شرف جنسك , وأري أن تسمع لي , وتسجد لآلهتي المكرمة . وكأن شئ لم يكن . ... فأجابه القديس بقوة وشجاعة : " أعلم أيها الملك أني لست ساحراً عظيماً ولكن عبد لربي ومخلصي يـسـوع الـمـسـيـح الذي تمجد أمام قسوة قلوب حكامك , أما السجود فلا يكون لأصنام ذهب وفضة , بل لآله السماء والأرض ... فيا لجهل قوم يعبدون ما يصنعون وما يشكلون . فأن كانت تلك الآلهة بالحقيقة كيف يحملونها كهنة الأصنام ... وإن كان أبلون إلهاً ... دعنى ألقيه في البحر , واعطني بقية آلهتك حتي ألقيهم في النار . وسوف تنظر بنفسك كيف يفنون وتعلم أنهم ليسوا آلهة , لأنهم لا يقدروا أن يبطلوا عن أنفسهم شئ .
فصاح الملك في هياج : " الآن علمت أنك مضل كيف تقدر أن تصنع بآلهتي هكذا " .
فأجابه القديس ببسالة : " بل كيف تتجرأ وتدعو عبيد يسوع المسيح مُضلين ... إن الله قد تخلي عنك هكذا حتي أضلك الشيطان " .
فقال رومانس الوزير للقديس : " احفظ لسانك أيها الجندي المخالف ولا تجاوب سيدي الملك هكذا ..أما تستحي منه " .
فأجاب القديس : " كيف أستحي منهم وهو لا يمجد الله .. قال داود النبي " كنت أتكلم بشهاداتك أمام الملوك ولا أخزي , أما وصياك فقد أحببتها جداً " ( مز 119 : 46 ) وقال أيضاً " الذين يبغضون الرب أنا أبغضهم , صاروا لي أعداء ... " ( مز 139 : 22 ) .
فقال له الملك : " الويل لأرض مصر التي جئت منها " ..
فأجابه القديس : " لا تسب أرض مصر , لأنه مكتوب : " مبارك شعبي مصر " ( أش 19 : 25 ) تلك البلد التي نشأت أنت فيها حين كنت راعياً لغنم عائلة أنبا أبصادي .... وقد أعطاك الله كرامه فلم تمجده بل سجدت للأصنام .. ؟ هل آلهتك أبلون وأرطاميس التي أنت متكل عليها تقدر أن تخلصك من الموت الأبدي في يوم الحكم العادل ؟
لست أدري أيها الملك كيف تجاسرت علي الله الإله الحقيقي الكائن منذ الأزل صانع كل المخلوقات والموجودات هو أوجدها . وتقدم السجود والإكرام لتلك الحجارة المنحوتة . واتبعت طرق الشيطان وتضل شعب الله " .

فغضب الملك جداً , وأخذته ثورة عارمةً , وتغير وجهه ونهض من علي كرسيه . وأمر القيام حوله أن يضربوا القديس ويخرجوه عنه خارجاً , ثم عاد فأمر بإحضاره أمامه ثانيه .
وقال له : " أسجد لآلهتي لئلا تموت معذباً بصنوف التعذيب "
فأجابه القديس : " لقد تركت بيتي وأهلي وبلدي , وجئت إلي هنا لأني لا أسجد لآلهتك " .. فقاطعه الوزير رومانس قائلاً : "أيها الغير المستحى احفظ كلامك .. لا يكون جواب الملك هكذا " ..
فأمر دقلديانوس أن يضعوه علي سرير حديد ويشعلوا النار تحته . فاحتمل القديس هذا العذاب وهو متهلل يسبح الله أمام الجميع فصرخ جموع الشعب الواقفين في الساحة : " واحد هو الله إله القديسين منجي المؤمنين به .... " ولما نظر دقلديانوس أنه لا ينفع شيئاً مع هذا الشاب أمر أن يمضوا به إلي السجن .

كان هناك عبد صغير اسمه سرجيوس . هذا كان عبداً للقديس وكان ملازماً له في كل ترحاله وعذاباته وكان يقدم له الخدمة ويسجل كل ما حدث مع القديس . هذا لما نظر قسوة الملك وبسالة القديس .. استأذن سيده القديس بيجول الجندي أن يتقدم للملك ويعلن إيمانه بيـسـوع الـمـسـيـح .... ففرح القديس وشجعه وقوي إيمانه وأذن له بذلك قائلاً : " ليكن لك كل شهوة قلبك ... والله الممجد في قديسيه يضمك إلي صفوف شهداءه وقديسيه .
ثم تقدم العبد سرجيوس إلي الملك ولعن الآلهة أمامه وأعطاه الويل قائلاً : " الويل لك أيها الملك دقلديانوس يا من تعذب عبيد يـسـوع الـمـسـيـح , أؤمن بإلهي يـسـوع الـمـسـيـح , أما آلهتك ليست سوي حجارة منحوتة " .
فأمر الملك السياف قائلاً : " خذ رأس ذلك العبد حتي يكف عن الهذيان . واربطوا حجراً كبيراً علي جسده وألقوه في البحر حتي لا يعرف له أحد مكان ... فكّمل ذلك العبد الشهيد شهادته أمام سيده القديس بيجول الجندي في اليوم الثالث من بشنس .
+ بركة صلاته فلتكن معنا . آمين +

زاد سخط الملك دقلديانوس علي القديس بيجول لما سمعه من العجائب والآيات والأشفيه التي صنعها القديس بيجول وهو في السجن علي اسم يـسـوع الـمـسـيـح . مما تسبب في شياع خبره بكل المدينة وطلب كل أحد أن يري وجه القديس المنير .
ولما سمع الأمير بقطر بن رومانس بسيرة ذلك الشجاع . مضي إلي السجن طلباً في مقابلته , والتبرك منه وسط زحام شديد حول حبسه , فسلم علي القديس وقال له : " لقد شملت هذه المدينة نعمة عظيمة بقدومك إليها أيها القوى الشجاع بيجول عرفني خبرك كله لأجعله في بيتي بركة لنا " .
فجلس معه القديس بيجول وعرفه بجميع ما صنعه الرب معه وكيف تمجد الله وأنقذه من كل هذه العذابات , ففرح القديس بقطر به وعكف علي افتقاده كل يوم إلي وقت شهادته ولما ضاق دقلديانوس بما يسمعه عن قديس الله بيجول وما يشاع عنه في كل المدينة وكل وجهائها أمر أن يأتوا به إليه , وقال له : " دع عنك كل هذا السحر واسجد للآلهة " .
فأجابه القديس : " دع عنك هذا الكلام كله أيها الملك فقد قرب الوقت الذي سأمضي فيه إلي البيت الأبدي " .
حينئذ أمر أن يوضع في مخزن مظلم بعد أن يربطوه ويرقدوه علي الأرض . ويضعون حجراً ثقيلاً علي بطنه , فصنعوا به كذلك ثم أغلقوا باب المخزن وختموه .
فصرخ القديس في الحال إلي الله : " إلهي الحبيب يـسـوع الـمـسـيـح ... لتدركني رحمتك يا سيدي ولتشملني معونتك , ولا تدعني أموت هذه الليلة حتي يخزى ذلك الملك المنافق . وكما وعدتني أنه بالغد الثالث عشر من بشنس يسفك دمي علي اسمك القدوس " .
فظهر له رئيس الملائكة الجليل ميخائيل , وأبعد عنه الحجر وحل وثقه وقال له : " تقو يا قديس الله الشجاع ... فقد قرب وقت كمال شهادتك لتلبس الإكليل الذي لا يفسد مع إخوتك الشهداء . وتفرح بالفرح الروحاني عوض أتعابك في هذا العالم .. لا تخف أيها الجندي الأمين فها أنا معك " , وبقي معه الملاك ميخائيل تلك الليلة يقويه ويعزيه حتي أشرق النهار .
ولما كان الصباح هو الثالث عشر من بشنس جلس الملك دقلديانوس في ساحة الحكم . ثم أراد أن يتحقق من موت القديس بيجول فأمر جنوده أن يمضوا به إلي الموضع المظلم الذي فيه القديس ويفتحوا الختم وينظروا حال القديس , فمضوا وفتحوا الأختام ودخلوا فوجدوه قائماً يصلي ويديه مبسوطتين كمثال الصـلـيـب فأتوا به إلي الملك فدُهش الملك جداً وقفز من كرسيه مصفقاً بيديه لوزرائه قائلاً : " ما رأيت قط مثل هذا المعاند "
فأجابه رومانس الوزير : " ليعش الملك , إعلم يا سيدي أن هذا إذا تركته حياً فإنه سيبلبل أفكار الناس وقد التفت المدينة حوله واستعطف أهلها جداً لكن لتصدر اليوم حكماً بموته فتستريح منه وليهدأ بال الملك .
فقال الملك : " تعبت وأنا أشفق عليك , اختر لنفسك إما السجود للآلهة أو الموت " .
فأجابه القديس بقوة : " لقد أُعطيت السيف والنار اقتلني بما تريده منهما لتفني حياتي جميعها وأنا أعبد الـمـسـيـح إلهي عن أن أعيش لحظة أسجد فيها لغيره "

فكتب قضيته هكذا :" أنا دقلديانوس الملك آمر أن تؤخذ رأس هذا المُضل المدعو بيجول الجندي الذي من تله من أعمال الطحاوية لأنه لم يسجد لآلهتنا المكرمة التي تعطينا النصرة في الحروب بل تِعَبد لإله الجليليين المصلوب . لقد عذبته بكل صنوف التعذيب . وقد اختار لنفسه الموت أكثر من الحياة " .
فلما سمع القديس بيجول منطوق قضيته فرح جداً وتهلل وصلي قائلاً : " أشكرك يا سيدي الـمـسـيـح وأمجد اسمك القدوس . لأنك جعلتني مستحقاً لنوال هذه الكرامة " .
وما أن أنهي صلاته حتي أتاه صوت من السماء قائلاً : " افرح وتقوى يا حبيبي بيجول لتعيد اليوم مع شهدائي وتكون صديقاً لملائكتي افرح ... افرح .. "وسمع الجميع الصوت مثل رعداً قوياًَ .. فازداد القديس تهليلاً وحمداً لله .


وكان الأمير بقطر بن رومانس الوزير حاضراً في تلك الساعة راكباً هو وغلمانه فلما سمع ما حدث اهتزت مشاعره . ولما نظر بيجول واقفاً فرحاً مسروراً , استحي منه وترجل نازلاً من علي جواده وتقدم نحوه وضمه إلي صدره وقبلّه باكياً وقال له : " اُذكرني يا أخي الطاهر في المواضع المقدسة التي أنت ماضٍ إليها ... فقال له القديس بيجول : " أسالك يا أخي أن تهتم بجسدي لأن هذا هو الوقت الذي أنا محتاج فيه إليك .. فأهتم بجسدي والرب يهتم بك ... وأقول لك أيها الأمير أنه سوف يكون ذكر اسمك في جميع أنحاء المسكونة ويحلو اسمك في فم كل أحد " .
ثم تقدم القديس وأحني رأسه للسياف , ونال إكليل الشهادة في اليوم الثالث عشر من بشنس , فتقدم الأمير بقطر وكان قد أحضر معه حُله من الحرير فبسطها عليه وضمه فيها وأمر عبيده أن يحملوا الجسد إلي بيته .
ثم في بيته لفه بأكفان حسنه وطيبه بأغلى الأطياب ولم يجسر أحد أن يمانعه بكلمةً واحدةً لأنه كان بن وزير , وظهرت عجائب كثيرة من جسده الطاهر في الموضع الذي أستشهد فيه حتي كانوا يأخذون من تراب هذا المكان ويضعونه علي المرضي فيبرؤون .

وقد نال الأمير بقطر أتعاب كثيرة من أجل اهتمامه بجسد القديس بيجول . منها أنه تقدم أحد القواد ويدعي سبستيانوس إلي الملك قائلاً : " ليعش الملك دقلديانوس لقد أمرت عظمتك بألا يأخذ أحد جسداً من أجساد النصارى ليكفنه , و هوذا الأمير بقطر بن رومانس الوزير لا يُطيع أوامرك بل يخالف ذلك ! فقد أخذ جسد المدعو بيجول وغالي في تكفينه بأغلى الأطياب , بل واحتفظ به في بيته " . فلما سمع الملك هذا الكلام غضب جداً وأرسل يستدعي والد الأمير الوزير رومانس ليستفسر عن صحة هذا الكلام فلما حضر الوزير قال له الملك : " لقد أعطيتك تدبير شئون مملكتي , وتعمل إرادتي , وتدعو الناس للسجود لآلهتي لكني سمعت أن أبنك بقطر يميل للمسيحيين , ويهتم بأجساد موتاهم " . فأنكر الوزير ذلك , وأمر بإحضار الأمير بقطر إلي حضرة الملك .

+ بقطر : بقطر ، فيكتور اسم معناه نصر

فلما وقف الأمير بقطر في مجلس الملك , قال له دقلديانوس : " كيف تجاسرت وأخذت جسد ذلك المخالف " .
فلما سمع ذلك الأمير بقطر , حل عنه منطقة الذهب من وسطه , ورماها في وجه الملك وأجاب الجميع قائلاً :" بل أنا أيضاً أستحق الموت " .
وهكذا دخل القديس الأمير بقطر في سلسلة عذابات وترحلات إلي أن أكمل جهاده في صعيد مصر وكان قد أوصي أحد عبيده بجسد القديس بيجول . فكان في بيت ذلك العبد إلي وقت تملك الإمبراطور قسطنطين البار ويُرجح أن يكون هذا العبد هو كاتب خبر هذا القديس .
إذ يذكر قائلاً : " فقامت الطوباوية مرثا أم القديس الأمير بقطر وأخذت معها جسد القديس بيجول الجندي وجاءت به إلي مصر تطلب جسد ابنها الشهيد بقطر بن رومانس وكان ذلك العبد معها فيقول ثم أتينا إلي بلدة تله ثم أرسلنا إلي أهله وأعطيناه لهم وهكذا لم أخفي شيئاً لم أذكره في هذه السيرة العطرة كما رواها القديس بيجول بنفسه لسيدي الأمير الشهيد بقطر في السجن وقد إئتمنني سيدي الأمير بقطر علي جسد القديس بيجول الجندي وأمرني أن أذهب به إلي بلاده وأسلمه إلي أهله وما أعظم العجائب والقوات التي ظهرت من جسد سيدي القديس الأنبا بيجول الجندي .

+ بركة صلاته تكون معنا آمين +
 

لمسة يسوع

عضو نشيط
عضو نشيط
إنضم
20 أغسطس 2022
المشاركات
3,479
مستوى التفاعل
1,724
النقاط
113
بركة صلواته تكون معنا
ربنا يبارك خدمتك
 
أعلى