- إنضم
- 13 مارس 2022
- المشاركات
- 596
- مستوى التفاعل
- 520
- النقاط
- 93

نص المخطوط المترجم منقول عن كتاب ( قصة استشهاد النبيلين القديسين أبادير القائد وأخته إيرائي ترجمة أحد الرهبان بوادي النطرون وتقديم نيافة الأنبا متاؤس أسقف ورئيس دير السريان ) علما بأن نسخة البي دي اف المتوافر للكتاب على شبكة الانترنت بها اعطاب وكلمات غير واضحة ففي هذا الموضوع صححنا هذه الأخطاء وهي غير موجودة فيه والكلمات كلها واضحة , ملحوظة : الكلمات بين الأقواس للتوضيح وليست من نص المخطوط .
النص :
كتاب شهادة النبيل المجاهد شهيد ربنا يسوع المسيح , القديس أبادير وإيرائي اخته ولدي باسيليدس ( أو واسيليدس ) ( اسم يوناني معناه ابن الملك ) قائد مملكة الروم اللذين أكملا جهادهما الإستشهادي في الثامن والعشرين من شهر توت بسلام الله أمين
حدث أثناء تملك دقلديانوس الملك العاصي المرتد أنه صنع أصناما عمل أيدي الناس , وترك الله الذي خلقه , وأعطى أسماء آلهة ذكور لخمسة وثلاثين صنما , وأسماء آلهة إناث لخمسة وثلاثين صنما آخر , وفي جهله أمر أن يسجد لها جميع الناس , الحكام والقواد , والمحامون والجنود , والأساقفة والقسوس والشمامسة , والرجال والنساء وبالإجمال " على كل أحد بكل مكان أن يضحي لآلهتي (هكذا قال) .
وكان حينذاك بأنطاكية أسقف قديس رومي الأصل , هذا صنع أمام دقلديانوس الملك قوات عظيمة , وأسم ذلك الأسقف ثيئوبمبتوس ( اسم يوناني معناه مرسل من الله) وكان الأول في التقدم الى معركة الإستشهاد , وبسبب قوته وشجاعته وإيمانه الحقيقي بربنا يسوع المسيح , عندما شاهد الجمع الآيات التي كان يصنعها , كثيرون كانوا يصبرون على العذابات ونالوا إكليل الشهادة غير الفاسد .
وكان للملك أربعة قواد مكرمون جدا عنده , هؤلاء الاخرون أيضا تركوا كل ما كان لهم وصاروا شهداء , لقد تركوا كل غناهم وكل جاههم , واعترفوا الإعتراف الحسن , هم وجميع عبيدهم .
وكان (بأنطاكية أيضا) ابن لباسيليدس أسمه أبادير , الذي تفسيره حبيب الله والناس , وكان أبوه باسيليدس غنياً جداً حسب هذا العالم , وكان (أبادير) هو الإبن الوحيد لأبيه وأمه اللذين كان لهما أيضا ابنتان اسم الأولى إيرائي والصغرى كالونيا , وكان باسيليدس والد أبادير يحبه جدا لأنه ليس له ابن آخر سواه , وقد سأل الملك ليجعله قائداً في البلاط , وكان أبادير ابن اثنين وعشرين عاما لما عينه الملك قائدا بالقصر , وصنع باسيليدس أبوه بتلك المناسبة وليمة عظيمة للملك وعظمائه.
بعد ذلك ؛ عاش باسيليدس أبوه عشر سنوات آخرى قبلما جاء الإضطهاد , وصار هو وكل من كانوا معه شهداء لأجل اسم ربنا يسوع المسيح .
(وذات يوم) ؛ كان أبادير يتشاور مع صديق له يدعى سقراط , فقال سقراط لأبادير : " هوذا يا أخي ليس لنا الأن أب لأن أباك باسيليدس قد صار مثل أبي شهيدا تاركا كل غناه . لنقم الآن ولنصر نحن أيضا شهيدين لأجل أسم ربنا يسوع المسيح , فها أنا لم أتزوج وكذلك أنت , فقد كانت أمي تريد أن تزوجني بابنة أخيها التي صارت شهيدة هي أيضا مع أبيها , حقا إن الرب لا يريد ان اتخذ زوجة , فإذا سمعت مني هلم نذهب لنموت لأجل المسيح ؛ لأنه جيد لنا ان نقبل الآلام في هذا العالم لأجل اسم المسيح لكي نأخذ الإكليل غير الفاني في السماوات .
ففرح أبادير وقال له : " إني أخبرك يا أخي سقراط إني رأيت حلما منذ ان مات أبي باسيليدس لأجل المسيح . كان يبدو لي أني لم انم قط ؛ وهوذا كان أبي يرتدي ثوبا ملكيا لقد كان بصري مبهورا بسبب نور وجهه وبهاء ملابسه التي كان متسربلا بها , إنني لم أرى في القصر كله ملابس تشبه تلك التي كانت لأبي باسيليدس لقد قال بوجه يشع فرحا .. أبادير ؛ أبادير لا تتطلع لمجد هذا العالم الوقتي بل تعال عندي لتعاين النور الذي لا يخبو قط , فلتسأل الله أن يريك مجده , لقد أتيت إليك بهذه الملابس المتواضعة لكي تقدر أن تحتمل رؤيتها , لأني لو كنت قد ظهرت لك بالمجد العظيم الذي لربي يسوع المسيح , لما كنت تقدر ان تحتمل ان تراه , طوبى لكل من يستحق أن يموت لأجل اسم ربي يسوع المسيح.
هأنذا يا أخي قد أعلمتك بالرؤيا لكي نعطي قلوبنا لله في هذا الزمان اليسير لكي نربح في السماوات ذلك الزمان الذي لا ينتهي قط" فقال له سقراط : " دعني أفكر يا أخي". ثم ذهب وأخبر أم أبادير سرا بما قاله له القديس أبادير , فلما سمعت أم القديس أبادير هذا الكلام أمسكت بثيابها ومزقتها وكذلك أمسكت اختاه بثيابهما ومزقتاها لأنه الإبن الوحيد.
وحدث لما جاء أبادير من القصر أن أمه دخلت إليه , وخرت أمامه على الأرض وسجدت له وهي تبكي , فقال لها أبادير : " ما بالك تبكين يا أماه ؟" فقالت له : "إنني ابكي بسببك يا أبني ونور عيني" فأدرك أبادير أن سقراط قد كشف لأمه الأمر الذي أبرمه معه سراً , فحزن لذلك حزنا شديدا , ومع ذلك أراد أن يعزي قلب أمه فقال لها : " لقد تكلمت على سبيل المزاح , هل كل ما يقوله المرء يفعله؟ " فلما جلست أمه قالت له : "أحلف لي" فقال لها أبادير : " لقد شربت حالا كأسا صغيرا من النبيذ , دعيني أستريح قليلا وعندما أجئ غداً أحلف لك " فتركته . أما أبادير فسقط على وجهه على الأرض وصلى قدام الله قائلا : " يا ربي يسوع المسيح الذي عينه ناظرة وأذنه سامعة لكل الصارخين نحوه ؛ اسمعني أنا أيضا عبدك أبادير , فلتدركني معونتك وخلصني . أسألك يا سيدي أن تجعلني مستحقا أن تحسبني في عداد قديسيك الذين ماتوا لأجل اسمك القدوس , لأنك تعلم يا ربي رغبتي إليك إذ أنك فاحص القلوب والكلى"
ولما قال هذا إضطجع , وهوذا المخلص قد أتى إليه في هيئة قائد للملك , وقال له بوجه ممتلئ فرحاً : " سلام (حرفياً إفرح) لك يا أبادير ؛ بتولي المبارك , اسمعني لأخبرك بما سوف يحدث لك , وسآمر ملائكتي لأجلك لكي يحفظوك فلا تقدر أية قوة من قوات الظلمة أن تقترب منك , إنني أعرف أنك ستموت على إسمي , ولن تدعى لتموت على إسمي في هذه المدينة , بل قم اذهب إلى إقليم مصر , الموضع الذي تغربت فيه أنا أيضا لأجل خلاصكم في زمان طفولتي , لكي تموت في ذلك المكان على اسمي . ملائكتي الذين يدبرونك منذ صباك سوف يحرسونك" ولما قال له المخلص هذا ؛ غاب عنه , فلما استيقظ أبادير من الرؤيا فرح وآمن أن الله معه .
قالت له أمه : " يا أبادير إبني ؛ احلف لي لكي يستريح قلبي لأنني مغمومة بسببك" , فحلف لها قائلاً : " إنني لن أقول امام دقلديانوس إني مسيحي " فلما حلف لها إطمأن قلبها , لكن إبليس وسوس إليها بهذا الفكر " إنه يخدعك " ؛ وقد كان لها أربعة عبيد أقوياء جداً في أجسادهم , فألزمتهم أن يكونوا دائماً معه في كل مكان يذهب إليه , وأمرتهم قائلة : " إذا سمعتموه يناقش دقلديانوس لأجل الإستشهاد , أمسكوه وأحضروه إلي سريعاً ".
أما أبادير فكان يتفكر في الكلمات التي قالها له المخلص , وكان يقول لنفسه : "كيف يمكنني أن أهرب؟".
وعندما ذهب الى القصر قابل سقراط فقال له متهكماً : " ماذا أقول لك يا سقراط ؛ إن القول الذي قاله مخلصنا في الاناجيل المقدسة قد كمل علينا " هذا الشعب يكرمني بشفتيه أما قلبه فبعيد عني " وأيضاً لأجل المرائين " انهم يقولون ولا يفعلون" والأن إنك غريب عني وانا كذلك عنك".
فحزن سقراط لذلك وقال له : " إني لست أريد أن تموت يا أخي بل أن نبقى معا أحباء". فقال أبادير : " إن الله يعلم الذين اختارهم , ولو كنت تعلم ما هي كرامة أولئك ؛ ما كنت تقول عن موتهم أنه موت , بل حياة أبدية لهم".
وحدث بعد خمسة وعشرين يوما , منذ أن ظهر المخلص للقديس أبادير , أنه لم بكن يشبع من خبز أو لحم , بل كان يذوق قليلاً من الطعام لأجل الذين كان يأكل معهم , لأنه كان يمارس أصواماَ طويلة وسجدات بلا عدد , كذلك كان يعمل صدقات كثيرة دون أن تعلم أمه , كما اعتاد أن يغير شكله ليلاً ويذهب ليستقي ماء إلى الطريق التي كان يجتاز فيها الغرباء .
وقد حدث ذات ليلة بينما كان يستقي الماء أنه تعب كثيراً , فقال لنفسه : " لقد تعبت اليوم" . فصار إليه صوت من السماء قائلاً :" يا أبادير الرجل المحبوب ؛ لا تقنط قط , إنني معك في جميع أتعابك , وهأنذا أحصي كل خطواتك. أجل , إنك تستقي الماء لكي تسقيني أنا " عندئذ تهلل القديس أبادير مبتهجاً بالرب في كل ما كان يحتمل من أتعاب.
وحدث في أحدى الليالي , أن ابليس حسد مثابرته على التعب , فوثب عليه وألقى الجرة على الأرض ( حرفياً : الى اسفل ) فصارت نصفين , وإذا بصوت الى القديس يقول : " لا تحزن يا حبيبي أبادير ؛ بل مد يدك لتأخذ نصفي الجرة المكسورة وضمهما معا فتصير كما كانت ( حرفياً : على حالها) " فأخذ أبادير كسور الجرة ورشمها (حرفياً : ختمها ) بعلامة الصليب المقدس , وللوقت صارت إلى حالتها كما كانت قبلاً . ولما جاء إلى بيته قال للبواب : " إن الموضع الذي تضع فيه الجرة كل يوم ( غير مناسب ) , بل ضعها في موضع مقدس " فأطاعه البواب بمخافة .
وحدث بعد ثمانية شهور منذ أن ظهر المخلص للقديس أبادير ؛ بينما هو نائم في غرفته , أن جاءت أخته إليه في نصف الليل وقرعت بابه , فلما فتح لها خرت على الأرض أمامه قائلة : " اسمع مني يا سيدي الأخ لكي أخبرك بهذا الحلم الذي رأيته " وكانت مرتعدة .
فقال لها أبادير : " ماذا رأيت يا أختي إيرائي ؟ " فقالت له : " حدث لي إذ كنت نائمة هذه الليلة , أني رفعت عيني إلى فوق فرأيت أبي باسيليدس , وأنت كنت تمشي عن يمينه , وكانت تمشي معكما فتاة مشتملة بمجد عظيم . فقال لي أبي :" يا بنيتي إيرائي " . وكان كأنه لم يمت البتة . أما أنا فجريت نحوه راغبة أن أعانقه , فقال لي : " لست مستحقة الآن أن تقبليني , لكنك إذا كنت ستطيعينني مع أخيك ليس فقط ستقبلينني , بل ستقبلين سيد الكل ربي يسوع المسيح " . فقلت له : " إني لن أعصى أخي أبداً " . فأمسك بيدي وسلمها لك قائلاً : " هائنذا أسلم ابنتي في يدك , فلا تتركها لأنها وديعتك وميراثك ". فقلت له : " من هذه الإبنة الصغيرة الحسنة جداً التي تسير معك ؟!" فقالت لي : " أنا إيرائي ( الشهيدة مهرائيل) من طموة " . ثم استيقظت من الحلم ولم أعلم به أمي ولا أختي حتى أخبرك أولاً , لأنك أنت الذي سُلمتُ إليك في الرؤيا ".
فقال لها أبادير : " حسناً يا أختاه ؛ بل في كل ما يحدث لنا ينبغي أن نمجد الله أبا ربنا يسوع المسيح " ثم أن القديس أبادير بارك الله قائلاً : " يسوع مخلصي .. يسوع هو مجدي .. يسوع هو ردائي .. يسوع هو إكليلي .. يسوع هو قيامتي .. يسوع قوتي .. يسوع محب النفوس التي تلتصق به , بصلاحك إجذبنا إلى فوق معك . والآن يا أختي لا تعلمي أحداً بالرؤيا ؛ لا أختك ولا أمك ولا أحد من العبيد اطلاقاً . إن ذكرانا هي عند الله الذي يريد أن يجذبنا إلى ملكوته الأبدي , أجل يا أختي ؛ بما أنك قد سُلمت إلي في الرؤيا فعليك أن تسمعي لي كما أُمرت".
حينئذ بكت إيرائي وقالت له : " يا سيدي الأخ ؛ هل خالفتك مرة ؟ " فقال لها أبادير : " إن طاعة هذا العالم شئ أما طاعة سيدي يسوع المسيح فهي شيء أفضل جداً , فإن كنت ستطيعينني عندما أجوز في العذاب الشديد , فسوف تتبعينني إذا أدركتني الراحة المعدة لأكون فيها معك " . أجابت إيرائي قائلة : " إني لن أعصاك يا أخي وسيدي ولو إلى سفك دمي " . لما قال لها هذا ؛ قصد أن يختبرها إن كانت ستقبل أن تصير في الجهاد أم لا . وقال لها أيضاً : " إذهبي ؛ لا تخبري أحداً , بل صلي كل حين قائلة : " يا ربي يسوع المسيح أذكرني في محبتك ولا تتخل عني "
وفي ليلة الأحد ( حرفيا : ليلة يوم الرب) المقدس , هوذا قد جاءه مخلصنا يسوع , فامتلأت الغرفة كلها نوراً فنهض أبادير . ولما أبصر النور قال : " يا ربي يسوع المسيح إني أعرف مجد لاهوتك , لقد أتيت يا سيدي إلي ". وإذا بصوت صار إليه من النور قائلاً : " السلام ( حرفياً : إفرح) يا أبادير الرجل المحبوب , ها إن وقت إلقاء البذار قد مضى , هوذا الآن وقت الحصاد . والآن قم أخرج إلى البحر , أنت وأختك , وستجدان سفينة مقلعة إلى الإسكندرية فارحلا معها . تقو وتشجع يا أبادير لأن أبي سبق وكتب إسميكما في سفر الحياة ". ولما قال المخلص هذا إختفى عنه .
فلما أشرق النور ؛ نهض أبادير وأيقظ إيرائي أخته , وخرجا إلى الميناء حيث وجدا السفينة ترفع السقالة (آي في أخر لحظة قبل الإقلاع) , وتكلما مع الربان وارتقيا السفينة والرب يدبرهما . بعد سبعة أيام .. وصلا الإسكندرية ونزلا في فندق بالمدينة .
وحدث بينما كان يمشي في الطرقات أن قابله جندي وعرفه وقال له : " إنك السيد أبادير , القائد العظيم للملك المقام على البلاط الملكي ! " ؛ فابتسم ابادير وقال للجندي : " هكذا كثيرون قالوا أيضاً لي إنك تشبه أبادير " . فقال له الجندي : " أنا أيضاً قلت إن ذاك لا يأتي قط إلى هذه المدينة هكذا بهذا الزي المتواضع , ولا يترك الملك ليأتي إلى هنا . وإذا أتى ذاك إلى هذه المدينة لارتجت كلها لأجل رفعة منزلته ( حرفياً : لأجل استحقاقه ) ". فقال له أبادير : " أين أجد أنا كرامة ذلك الإنسان , ما أنا إلا رجل مسكين " . فقال له الرجل : " حقاً لولا ملبسك المتواضع , لكنت أُقسم أنك سيدي أبادير " .
فترك أبادير ذلك الشارع , ومضى إلى شارع آخر من شوارع المدينة.
وحدث وأنه لما خرج أبادير من العاصمة ( حرفياً : مدينة الملك ) , أن الملك دقلديانوس بحث عنه ولم يجده . أما أمه , فمزقت ثيابها وبكت عليه قائلة : " يا أبادير ابني ونور عيني ؛ كيف لم أدعك تستشهد في بيتك , فكنت آنذاك أجد جسدك وأستودعه بيتي لأتعزى " ولم تكف عن البكاء نهاراً وليلاً . لكن زوجها باسيليدس أتاها في رؤية ذات ليلة وعزاها . وبعد أيام قليلة منذ ترك القديس أبادير بيته , حدث أن محامياً شاباً باسلاً يدعى قسطنطين , وكان الملك يحبه جداً , أسرع إلى الملك وسأله لأجل أخت أبادير لكي يزوجها له , لكن أمها لم توافق على ذلك قائلة : " إن ابني أبادير غير موجود , كذلك أخته إيرائي قد هاجرت معه , أما اخته الأخرى كالونيا , فلن أعطيها قط لرجل لكنني سأحتفظ بها في بيتي لتكون لي تعزية إلى يوم موتي " . فلما سمع قسطنطين هذا الكلام , حزن جدا ؛ وكذلك الملك . فدعا الملك القائد رومانوس , أبا القديس بقطر , وقال له : " أنا أعلم أنك تحبني أكثر من زوجة أو ابن أو اخ , لقد طلب قسطنطين كالونيا أخت أبادير زوجة له , أما أمها فلم توافق , لذلك أنا أرى أن أختك لن تخالفك قط ".
أما رومانوس الفاجر ؛ فكان أعرج ولا يقدر أن يمشي على رجليه , فجعلهم يرفعونه ويحملونه على محفة إلى بيت أم أبادير _ لأن هذا الأمر كان من الله _ وأمسك بيد كالونيا أخت القديس أبادير وسلمها لقسطنطين زوجة , وصارت كالونيا لقسطنطين زوجة إلى اليوم الذي فيه ضرب الرب دقلديانوس لكي يملك قسطنطين عوضاً عنه.
حدث بعد هذا ؛ بينما كان أبادير في الإسكندرية مع أخته , أن قال له : " يا سيدي الأخ ماذا نعمل في هذا المكان أو ماذا نطلب ؟ " فقال لها أبادير : " نحن نطلب الحياة الأبدية ! " . فقالت له أيضاً : " ما هي الحياة الأبدية ؟ " . فقال لها : " ‘إن ذهبنا إلى موضع المرأة التي شاهدتٍها في الرؤيا , فهي ستعلمنا طريق الحياة الأبدية ".
فقام أبادير وخرج من الإسكندرية متفكراً .. أين موضع الأم إيرائي من ذلك المكان , وكان يقول : " ألعل الله سينسانا في موضع غربتنا ؟ ! لقد قال لي ربي يسوع المسيح إني سأعلمك بما سيحدث لك في مدينة الإسكندرية ". وبينما كان الطوباوي أبادير يصلي ولم تكن في جسده قوة لأجل النسكيات التي كان يعملها , إذا بالموضع الذي كان يقف فيه قد أضاء كله , ورأى يداً من وسط النور تشير إليه , فتبعها وخرج ليوقظ أخته , لكن المخلص لم يدعه يفعل ذلك بل قال له : " لا تقلقها الآن " . فخرج وهو مرتعد لأجل الصوت الذي كان يتبعه . وقال له المخلص : " أصغ إلي ؛ قم لكي تمضي أنت وأختك إلى جنوبي مصر , لأن ذلك الموضع قد سبق أن باركه أبي . سر على شاطئ النهر , وبعد خمسة أيام سوف تبلغ ترنوط (الآن تسمى الطرانه بمحافظة البحيرة) حيث تعبر النهر , ثم اذهب إلى الجنوب من ذلك المكان لتبلغ حصن بابلون حيث تسأل عن أباكراجون (البتانوني) الراهب الذي من بنوان وهو سيعلمك الجهاد الحسن .
بعد ذلك ستذهب جنوباً إلى قرية تدعى بشنيله _ قرية من مدينة الأشمونين الموضع الذي صرت ضيفاً عليه أنا أيضاً مع مريم أمي ويوسف , لا تحزن ؛ لأني تغربت أيضاً أنا ربكم _ حيث ستقابل رجلاً اسمه صموئيل , عندما تصل إلى قريته سوف يحبك , وهو الذي سيقودك إلى مكان أريانوس الوالي . إن ذلك الرجل هو الذي سيستر جسديكما لأنه رحوم , إنه يذهب إلى أنصنا ويكسو العرايا من القديسين , إنني سأهب تلك القرية جسدك , الذي سأجعل جمعاً من الملائكة يخدمونه , لأنك تركت كل شيء لأجل اسمي , إمضي بسلام , سلامي يكون معكما .
إن القرية التي سيوضع جسداكما فيها لن يأتي عليها ضيق أو خطر , والذين سيكتبون كتاب إستشهادكما والآلام التي ستقبلانها لأجل اسمي سأكتب اسماءهم في كتاب الحياة , ولن يدركهم وجع في هذا العالم , ولن يكون في بيتهم أبرص ولا أعمى إلى الأبد . وإن كان هناك خطاة جداً يهتمون في يوم تذكاركما في هذا العالم بتقديم كتاب لقراءة الصلوات أو قربان أو نبيذ أو بخور أو إناء أو زيت لموضعكما المقدس , فسأمحو خطاياهم وأهبهم لكم مجاناً . وإذا أعطى أحد الماء مجاناً للعطاش في يوم تذكاركما ؛ فسأترك له خطاياه وأهبه لكما مجاناً " .
فلما قال المخلص هذه الأقوال للقديس أبادير ؛ نسى آلامه وغربته , ثم قام هو واخته سحراً , ووصل إلى ترنوط في نهاية اليوم الخامس . ولما عبرا (النهر) , سارا جنوبا إلى حصن بابلون , ووجدا القديس أبوكراجون البنواني . (وهذا) لما رأى القديس أبادير , سجد له قائلاً : " حسناً أتيت يا سيدي يا عمود أنطاكية قائد (أي قائد جيش) المسيح , طوباك أكثر من كل إنسان لأن ربي يسوع المسيح قال لي إنك ستأتي إلي اليوم , ففرحت جداً . تشجع يا سيدي الأخ , ولا تفكر قط قائلاً .. لقد تركت ممتلكاتي ومملكتي , إن مملكة هذا العالم تبقى ساعة واحدة , أما ملكوت السموات فإلى الأبد , لا تذعن إلى الوالي عندما يريد أن يخوفك ولا تلتفت إلى منبر المحكمة لأن المسيح معك . أية آلام أتت علي , لكن ربي يسوع قواني , وبالنهاية أنا أعلم إني سأكمل إستشهادي قبلك , اذهب بسلام والرب معك "
فلما سمع القديس أبادير هذه الكلمات قال : " لتكن مشيئة الرب " فلما عانقا احدهما الأخر ؛ بدأ أبادير مسيرته مع اخته الصغيرة , ثم أتيا إلى طموه بمنف . وأتيا موضع أما (الأم) إيرائي وسجدا على جسدها , فلما رآهما بواب الموضع , اضطرب ظاناً أنهما سينهبان الموضع . وأراد أن يضربهما ليطردهما , وفي الحال تصلبت يده كحجر , ولم يعلم ماذا يفعل . فصرخ وهو يبكي قائلاً : " إغفرا لي يا سيدي , لأنني أخطأت إليكما بعدم معرفة ". وتقدم لكي يسجد لهما , لكنه لم يستطع قط أن يركع . أما القديس أبادير فسأل أما إيرائي قائلاً : " سامحيه " فأجابت أما إيرائي الشهيدة القديسة قائلة : " اتركني لكي أؤدبه يا قائد المسيح , لأنه يعامل بشراسة جميع الذين يأتون لتكريم جسدي , فإذا أعطاه أحد شيئاً , يرحب به وإلا فأنه يطرده " .
وقد قص القديس أبادير كل هذا على أبا آمون المدبر (مدبر الموضع) , الذي شهد بأن البواب كان يفعل هكذا فعلاً .
ثم شفى (القديس البواب) الذي سجد لهما قائلاً : " يا سيدي من أي موضع أنتما ؟ " فقالا له : " نحن غرباء , لما سمعنا عن أما إيرائي أتينا لنأخذ بركتها ونسجد لجسدها " . وأخذهما أبا آمون المدبر إلى بيته مدة يومين , وقدم لهما محبة , ثم شيعهما شاكراً الله .
(أما) إيرائي ؛ فقالت لأبادير أخيها : " لقد رأيت يا أخي الحبيب هذه العجائب العظيمة , التي يجريها الله مع قديسيه .فإذا سمعت مني ؛ دعنا نقيم في هذا المكان عند جسد شهيدة المسيح هذه " . فقال لها أخوها : " ليس الأمر (حرفياً : الكلام) هكذا , لكن لنذهب نحن أيضاً ونموت على اسم ربنا يسوع المسيح " . فقالت : " أنت صاحب السلطان يا سيدي الأخ " . فقال لها أبادير : " هذه أما إيرائي التي رأيتها في أنطاكية ". وكان أبادير يثقف أخته بكلام الحياة , الذي قاله له المخلص بالإسكندرية .
وحدث بعد ثمانية أيام , وهما يسيران نحو الجنوب , أنهما بلغا القرية التي أعلمه الرب بها , وقابلا رجلاً كان أتياً من أنصنا . فقال له القديس أبادير : " ما هذه القرية أيها الأخ الطيب ؟ " . فقال له الرجل : " هذه هي بشنيله ". فقال له أبادير ثانية : " هل نقدر أن نصل أنصنا في هذا الوقت؟" فأجابه الرجل : " لا يا أخي , لكن تعال إلى القرية لتستريح إلى الصباح " . فقال له أبادير : " ألعلك أنت صموئيل ؟ " فقال : " نعم , إنني هو , من أين عرفتني ؟ ! " فقال له أبادير : " لقد سبق الرب أن عرفني اسمك في الإسكندرية " . فقال الرجل : " أنا من أنا حنى يخرج اسمي من فم المخلص ! "
لقد ابتهج صموئيل جداً , وقادهما إلى بيته , وكان يخدمهما . وتوسل إلى أبادير قائلاً : " فل لي جميع ما حدث لك " . فقال له . فسجد صموئيل للقديس أبادير قائلاً : " أنا من أنا حتى يدخل بيتي قائد المسيح وأخته".
وحدث بعد أيام من إقامتهما ببيت صموئيل ؛ أنه قام ومشى أمامهما حتى دخلا أنصنا معه , وسارا إلى المنزل الذي اتخذه (لإقامتهما) .
وفي الغد , لما أشرق النور , ذهبوا فرحين إلى المحكمة , ووجدوا الوالي يستمع لراهب متوحد , هو أبا بفنوتي (بفنوتيوس) الدندراوي , فقالت إيرائي لأخيها : " إذا صعدنا يا أخي على المنبر , فماذا سأقول ؟ إنني لا أعرف أن أتكلم لأني صغيرة في العمر " . فقال لها أبادير : " لا تخافي يا أختاه , لكن إن صعدنا على المنبر , فلنصرخ قائلين إننا مسيحيان نؤمن بالرب يسوع المسيح علانية , وهو الذي سيعطينا القوة في جميع الشدائد , لأننا على اسمه القدوس أتكلنا , لأنه يقول في أناجيله المقدسة لستم أنتم المتكلمين , بل الروح القدس سيتكلم فيكم " .
وكان صموئيل يتبعهما , يشجعهما . وعندما وصلا إلى المنصة صرخا : " إننا مسيحيان علانية " فأمسكوهما وقدموهما للوالي .
فقال الوالي لأبادير باللغة المصرية : " قدم الذبيحة للآلهة , ولا تمت موتاً ردياً " . فأجابه أبادير بلسان العلماء (أي اللغة اليونانية) قائلاً : " أسرع بإصدار الحكم علينا , ودعنا نذهب إلى عملنا " , فتعجب الوالي لأن (الشاب) كان كاملاً من كل حكمة . وقال له : " من أين أنت , وما هو اسمك ؟ " . فقال له أبادير : " لماذا تسأل عن اسمي ؟ إن الذي أتينا من أجله هو ما نطلبه منك " .
إن أبادير لم يكن يرغب أن يعلمه باسمه ؛ لئلا يعرف أنه رجل البلاط الملكي , فلا يصدر حكماً عليه .
فقال له الوالي مرة أخرى : " ضج ولا تمت ردياً " . فقال له أبادير : " إنني لن أضحي , إنني مسيحي . فأمر الوالي أ، يعلق على المعصار (أي الهنبازين) ليعذب , فقال أبادير : " يا سيدي يسوع المسيح أعني و( أنظر إلى ) ضعف غربتي " .
فلما أبصرته أخته يعذب , إرتعد قلبها و( كأن ) روحها أرادت أن تخرج منها في الحال . فظن الوالي أن فكرها تغير , فضربها على ظهرها قائلاً : " انظري يا ابنتي أخاك ماذا فعلوا به , فأنتِ الأن ضحي لكي أطلقك " . فقالت له المطوبة : " إنني لن أضحي , إفعل بي ما تشاء , فجسدي بين يديك , أما نفسي ففي يدي ربي يسوع المسيح " .
في ذلك الوقت كان واقفاً هناك جندي للوالي اسمه يوحنا , هذا رأى إيرائي جميلة الصورة فاشتهى أن يذلها , فقال للوالي : " أعطني هذه الصبية لكي آخذها إلى بيتي , وأنا سوف أقنعها لتضحي , لا تتلف جسدها بالتعذيب " . تكلم مع الوالي هكذا باللغة المصرية , فأعطاها له .
فأمسك الجندي بيدها وقادها إلى بيت للدعارة , مريداً أن يذلها ويحل بتوليتها , فاضطجعت بجانبه (ربما صحتها : بجانبها) امرأتان فاسقتان , اسم احدهما ستفانيه , والأخرى تافسيرا , وجعلتا تخادعان البتول بكلامهما الفاحش البطال . فلما ادركت الفتاة الطاهرة أنهم يقصدون إذلالها , صرخت للوقت : " يا سيدي يسوع المسيح أعني في هذه الساعة الشديدة " .
وبينما كانت تقول هذا ؛ إذ بالرب يضرب يوحنا الجندي في كلتا عينيه , أما الفاجرتان فصارتا مثل الحجارة لا تقدران لا تقدران أن تتحركا إلى هذه الجهة أو تلك . أما البتول الطاهرة فلما نجت من أيديهم خرجت وذهبت إلى دار الولاية طالبة أخاها , فوجدت الوالي قد أنصرف بعدما ألقى أخاها في السجن . وحدث لما دخلت السجن , أن اخبرت أخاها بكل ما حصل لها وكيف أنقذها الرب . ففرح ( أبادير ) جداً وقال لها : " إنني أؤمن يا أختي أن الرب لا يتخلى عنا قط في جميع شدائدنا " .
وقام القديسون الذين في السجن الذين هم .. أبا قلته الطبيب القسيس الأنصناوي ؛ وأبا إسحق الدفراوي , وأبا بفنوتي الدندراوي ؛ وأبا شامول من طرفية , وأبا سمعان الرملي , وسيسينيوس الطنطاوي , وتادرس الشطبي , ومويسيس السمنودي , وفيلوثيئوس البهنساوي , ومكاريوس الفيومي , ومكسيموس الأوسيمي , وماكروني من تونة , وشنودة من بسطة , وسمعان من قاو , وبطولومي ابن الحاكم , وتوما من طنبذا , وجميع القديسين ( الأخرين ) المسجونين قاموا جميعاً وشكروا الرب .
وكان القديس أبادير ينشد لهم الجملة قائلاً : " باركوا الرب يا جميع قديسي الرب أمين " . والقديسين يردون عليه في كل جملة قائلين : " آمين الليلويا " . ( ويقول أيضاً ) : " باركي الرب أيتها السماوات آمين , باركوا الرب يا جميع الملائكة آمين , باركي الرب يا جميع قوات الرب آمين , بارك الرب يا إسرائيل الحقيقي آمين , باركوا الرب يا كهنة الرب آمين , باركوا الرب يا عبيد الرب , باركي الرب يا أرواح وأنفس الأبرار آمين , باركوا الرب يا جميع شهداء الرب آمين , شوع معيننا آمين , يسوع رجاؤنا آمين , يسوع ساترنا آمين , أيها الرب يسوع اطلع على عبيدك حتى يكملوا جهادهم آمين " .
وحدث لما أشرق النور أن الجنود جاءوا في طلب القديس أبادير , فلما رأوا أخته تعجبوا جداً وقالوا لها : " من الذي أطلقك حتى أتيتِ إلى هنا ؟ " فقالت لهم : " إن الذي قادني منذ تركت وطني , هو الذي نجاني من يوحنا الجندي " .
بعد ذلك قُدموا إلى المحكمة , وكان صموئيل يتبعهم ويكتب كل ما يحدث لهم . فقال الوالي له ( لأبادير ) : " هل أقرك قلبُك على تقديم الذبيحة للآلهة ؟ " فقال له القديس أبادير : " هذا لن يحدث مني أبداً , أن أقدم ذبيحة للأوثان " . فقال له الوالي : " إذهب لتتفحص أمرك جيداً " . فقال له القديس أبادير : " سبق أن تفحصت ذاتي قبل أن آتي إليك هنا " . فقال له الوالي : " هل تتكلم عن نفسك وحدك أم عن نفسك وعن أختك ؟ " فقال له الطوباوي : " أنا وأختي نحن واحد " .
وسأل الوالي عن يوحنا الجندي فقالوا له : " إنه في بيته يعاني العمى بكلتا عينيه " . فقال الوالي : " امسكوه واحضروه إلى هنا " . فلما اقتادوه واحضروه , صرخ قائلاً : " واحد ( لا سواه ) هو الله إله القديس أبادير وإيرائي أخته ؛ لقد قيل لا تفعل ردياً لئلا يصيبك ردي , لقد قصدت أن أفعل الشر فالشر أتاني , إنني أؤمن بإله القديس أبادير الذي لم يحسب علي خطاياي ليهلكني , لكني قصدت أن أفعل الشر بعبدته إيرائي فأدركني الصلاح من قبل تأديب الخلاص الذي أدبني به أنا الخاطئ " .
وبينما هو يقول هذا , هوذا الإمرأتان البغيان قد جاءتا تصرخان : " نحن مسيحيتان علانية " ثم دخلتا وسجدتا لإيرائي وصرختا قائلتين : " مباركة أنتِ أيتها القديسة , ومباركة هي الساعة التي أتيتِ فيها إلى هذه الأرض " . فقال لهما الوالي : " ماذا حدث لكما ؟ " فقالتا له : " إن الذي حدث لنا لا يعنيك " فأمر الوالي أن يطرحوا في السجن إلى الغد .
وفي الغد أمر أن يحضروا له أبادير , فقال له الوالي : " دعنا نبقى ( حرفياً : نجلس أو نقعد والمعنى المقصود لا تدعنا نصرف هنا وقتاً طويلاً في محاكمتك ) في هذا المكان بسببك " . فقال له القديس : " لقد قلت لك قبلاً إنني لن أقدم ذبيحة " . فأمر الوالي أن يحضروا إثنين وستين مسماراً طويلاً وأن يغرسوها في عُقل من الغاب (البوص نبات يشبه الخرزانات) , لكي يحموها بالنار . وجعلهم يحضرون حبل قارب , لكي يوثقوا ( يربطوا ) القديس أبادير ويعلقوه عالياً , ويتركوه يسقط على المسامير الملتهبة بالنار . فلما سحبوه مرتين خرجت أحشاؤه من بطنه وأسلم الروح . فأمر الوالي أن يحملوا جسده إلى البرية للوحوش . أما المطوبة إيرائي , فقد جعلها تلقى في السجن .
وبعدما طرح الجند جسد القديس أبادير على الجبل ورحلوا , إذا بالرب يسوع قد جاء للوقت من السماء , وأقامه وقبله وأعطاه سلامه , ثم صعد إلى السماوات . فقام القديس أبادير وجرى خلف الجنود وهو يصرخ قائلاً : " انتظروني حتى ألحق بكم ! ! . " ولما دخل المدينة , رآه الجموع , فصرخوا قائلين : " إننا مسيحيون علانية , محسوبون لإله القديس أبادير " . فأصدر الوالي حكمه بالقضاء عليهم , فأخذت رؤوسهم ونالوا أكاليل المجد . وكانوا أربعمائة وخمسة وأربعين نفساً , في اليوم التاسع من شهر أبيب بسلام أمين .
وعاد الوالي وقال للقديس أبادير : " إنك ترى النفوس التي ماتت بسببك , يبقى الأن أن تقدم الذبيحة ولا تمت موتاً ردياً " . فقال له القديس أبادير : " أيها الفاجر ؛ إن كلمة واحدة تكفيك " . فغضب الوالي جداً , فجعلهم يحضرون ثوراً من نحاس ووضعوا القديس أبادير داخله وأوقدوا تحت ثلاثة أيام . وبعد ذلك قال : " إرفعوا رماد ذلك البائس والقوه في النهر " .
وبينما يتفوه الوالي بهذا الكلام , إنشق الثور من وسطه , وقذف ماء دافقاً بلغ حتى وسط الجنود والناس الذين كانوا في المشهد . وكل موضع سقط عليه الماء أصابه البرص , فصرخوا جميعاً : " يا شهيد المسيح أعنا , ولا تهلك أجسادنا بهذا الماء الرديء , لقد سمعنا أن إلهك غفور " . فقال لهم القديس : " هل تؤمنون بكل قلوبكم بربنا يسوع المسيح ؟ " فصرخوا جميعهم بصوت واحد : " إننا نؤمن بربنا يسوع المسيح ابن الله الحي إله القديس أبادير " . فقال القديس للثور النحاس : " كفاك إلى هذا الحد , إفتح فاك واشرب ماءك " . ثم أخذ بعضاً من الماء ورشمه باسم الآب والإبن والروح القدس , ونضحه على الجمع فطهروا للوقت من البرص . ورفع الجمع حجارة وألقوها على الوالي , فاستل الجنود سيوفهم وأعملوها في الجمع منذ وقت الساعة السادسة حتى الساعة التاسعة , فأكملوا جهادهم في اليوم العاشر من مسري .
حينئذٍ أمر الوالي أن يعلقوا أبادير وأخته على المعصار لكي يُعذبا , أما المطوبة البتول إيرائي فتألمت كثيراً وقالت للقديس أبادير : " يا سيدي الأخ لقد خرت (حرفياً : كففت) وتألمت للغاية " . فقال لها القديس : " تشجعي يا أختاه لكي تنالي الإكليل الباقي في السماء , كوني مصلية للرب وهو سيعينك " .
أما القديس أبادير فكان يصلي بلجاجة من أجل أخته . وهوذا ميخائيل رئيس الملائكة قد نزل من السماء , وحملها إلى أورشليم السمائية وأراها منزلها وإكليلها وعرشها وعرش أخيها . وكف الجنود عن تمزيق جسدها وقالوا للوالي : " لقد كففنا عن تعذيبها مثل واحد يعذب خشبة لا تحس بشيء " . فجعلهم الوالي يضعون جسدها على الأرض ظانين أنها ماتت .
وبكاها أخوها من فوق المعصار قائلاً : " أودعك يا أختي إلى أن أراك في ملكوت السماوات . ثم قال الوالي لأبادير : " إني أسألك ألا تهلك جسدك بالتعاذيب , إذ أني أشفق عليك لأجل جكمتك وعلمك . حقاً ؛ إذا أطعتني أجعلك مشيراً لإقليم مصر وأرسلك إلى سمنود لأجعلك والياً عليها " . فقال له القديس : " فلتكفك كلمة واحدة إني لن أقدم ذبيحة للأصنام " .
وحدث بينما هما يتحادثان , هوذا أبا بفنوتي راهب دندره , قد جاء يقود بعضاً من الغلمان الصغار ( جاء بسيرة القديس بفنوتيوس الدندراوي أن عدد هؤلاء الغلمان إثنا عشر ) إلى الإستشهاد , فلما رآه الوالي تنهد بصوت من أنفه قائلاً : " بحق هرقل (اله وثني) ؛ لقد تعذبت من جنس المسيحيين , وبالأكثر من هذا الراهب القصير بفنوتي , لكنني سأنفيه إلى أنطاكية حيث الملك " . وجعلهم يقودونه إلى السجن إلى أن يكتب ما قاله أو فعله أمام المحكمة .
بعد هذه الأمور , بينما كانوا يعدون لذهاب أبا بفنوتي لكي يقودوه إلى دقلديانوس , ذهب ( أبا بفنوتي ) ليفتقد القديسين الذين كانوا في السجون ولكي يعانقهم . وحدث بينما كان يعانق القديس أبادير ويقبله ؛ قال له : " أودعك يا أخي لأنني سأُرسل إلى أنطاكية العاصمة " . فقال القديس أبادير لأبا بفنوتي : " إنتظرني يا أخي حتى أكتب لك هذه الرسالة القصيرة , عندما تُلقى في السجن سلمها لفيلوباتير ( وهو غير القديس فيبوباتير مرقوريوس ابو سيفين ) بواب السجن , لكي يكون محباً لك , لأنه أحد ولدان بيتي منذ صغره " . فقال له أبا بفنوتي : " إني أسألك يا أخي أن تكتب له لكي يعمل معي محبة , بأن يستر جسدي إلى أن يرسله إلى مصر " . فكتب القديس أبادير رسالة إلى فيلوباتير قائلاً : " باسم ربي يسوع المسيح ؛ أحيي باشتياق قلبي العضو المكرم , شريكي في الرب , الذي لم أفترق عنه أبداً منذ طفولتي , الذي أُعدت له ثلاثة أكاليل في السماوات بدون سفك دم , ليكن سيدي يسوع المسيح معك جميع أيامك ويمنحك القوة والتعزية إلى يوم انتقالك . وبعد .. أخبرك بشأن هذا الكوكب العظيم أبا بفنوتي الدندراوي ؛ إذا قابلك بهذه الرسالة مني , كن ملازماً له , واكتب الآلام التي سيقبلها , وإذا حدث أن أصدر الملك الحكم عليه , كن أنت ساتراً جسده المقدس إلى أن ترسله إلى مصر بمشيئة ربنا يسوع المسيح , وإله الكل ليعضدك وينقذك من الحكم الشرير ؛ خلاصاً بقوة الرب " . ثم أقفل الخطاب وسلمه للقديس أبا بفنوتي , ولما عانق أحدهما الآخر , خرج الجنود وهم يجرون أبا بفنوتي لكي يقدموه أمام الملك .
وبينما كان القديس أبادير يصلي ؛ إذا بمخلصنا الرب يسوع قد ظهر له وقال : " إفرح يا مختاري أبادير البتول القديس , تشجع في جميع ألامك إذ يبقى بعد ستة أيام إلى أن تكمل شهادتك " . فقال له أبادير : " يا ربي وإلهي ؛ هناك سؤال أسأله منك " . فقال له المخلص : " يا مختاري أبادير ؛ إني أُقسم بذاتي أن ما سوف تسأله مني أعطيك إياه " .فقال له أبادير : " أسألك ألا يُحكم علي في يوم رقاد أحد الشهداء " . فقال له المخلص : " ليكن هكذا " .
وحدث أنه لما أصدر الوالي الحكم على أبا قلته قسيس أنصنا , أنه أرسل إلى السجن طالباً المطوب أبادير لكي يصدر الحكم عليه . فبينما هو يصلي ؛ رأى في الهواء جموعاً من الشهداء , من الذين كملوا ونالوا الأكاليل , ينادون عليه في الهواء قائلين : " أيها الحبيب يا قائد المسيح ؛ تشجع لأن ( ختام ) جهادك قد اقترب " . فلما رآهم القديس صلى للرب قائلاً : " فلتعبر بي هذه الساعة (أي فلتنته حياتي بإنتهاء هذه الساعة ) " . أما الجنود فكانوا مرتعدين عند سماعهم الشهداء يتكلمون فيما بينهم .
ثم استدعى الوالي أبادير وقال له : " أستحلفك بيسوع المسيح أن تخبرني باسمك , ماذا تدعى ؟ ومن أين أنت ؟ " فقال له القديس : " احلف لي إني إذا أخبرتك عن اسمي سوف تنطق بالحكم علي " . فحلف له الوالي , فقال المغبوط : " إنني أبادير قائد الملك , الذي كُتب اسمه إليك بمصر أنت وزميلك الدوق " . فلما سمع الوالي ذلك إرتعد جداً وقال للقديس أبادير : " الويل لي يا سيدي , لِتَحيَ نفسي أمامك , إنني لا أحيا بعد منذ الأن بل سأموت " . فقال له القديس : " يا أريانا لا تخف , ولا تحنث في القسم , بل بالحري انطق بالحكم علينا , لأني هأنذا أرى ملاكين واقفين بجانبك , أحدهما ملاك النور , والآخر ملاك الظلمة . لكن ملاك النور لم يقترب منك بعد , لكن بعدما أكمل شهادتي سوف يُرسل الملك في طلبي , وحال رجوعك إلى الرب , سوف يطلبك الملك بغضبٍ شديد , وسوف تصير أنت شهيداً لأنه سبق فأُعد لك إكليل في السماوات . هوذا القديس فليمون في السجن , هو سيعلمك عن الجهاد " .
فلما سمع أريانوس الوالي منه هذا الكلام , أصدر الحكم عليه . عند ذلك قفزت أخته النبيلة إيرائي فجأة وقالت للوالي : " يا شهيد المسيح ؛ أصدر الحكم علينا لأننا أخوتك في الإستشهاد ( حرفياً : أخوتك الشهداء ) , هوذا الجهاد قد اقترب إليك مثلنا " . وعندما مسع هذا , للوقت أصدر الحكم عليهما , فطلب صموئيل من الوالي أن تُعطى له أجساد الشهداء .
حينئذ ذهبوا بالقديسين لكي تؤخذ رؤوسهم بالسيف , وكان جمهور عظيم يسير معهم , وقُدمت ثياب كثيرة ثمينة ( حرفياً : حسنة ) لكي تفرش تحتهم . كما أُحضر خبز وطعام , وكانوا يسألونهم أن يأكلوا . فقالت لهم القديسة إيرائي : " حسناً يا إخوتي ؛ ليت سيدي يسوع يعطيكم أجركم في أورشليم المسائية , طوبى لكل من يموت على إسم ربنا يسوع , إسمعوا لي لأحبركم عن الخيرات السمائية . طوباهم الذين يتكلون على الرب , لأن الخيرات التي أعدها للذين يحبونه كثيرة " . عندئذ كل الجمع قبل رأسها , وقالوا بعضهم لبعض : " انظروا حكمة هذه الإبنة الصغيرة , لقد ذهبت إلى أورشليم السمائية وقضت خمسة عشرة يوماً ثم عادت أيضاً إلى العالم في الجسد " .
ثم بسط القديسين أيديهم وصلوا قائلين : " أيها الرب الإله القدير أجب لنا سؤالنا , بأن تجعلنا نرى بالجسد آباءنا قبل أن نخرج من هذا العالم ". وفيما هم يصلون ؛ إذا زلزلة ( حرفياً : زلازل ) قد حدثت مع ظلمة , حتى أن الجمع الذي كان يمشي معهم صار كأموات . وهوذا باسيليدس أبوه قد جاء والقديس يسطس وثيؤكليا إمرأته وأبولي بن يسطس أخي باسيليدس , والقديس أبا بقطر بن رومانوس أخيهما . هؤلاء ظهروا لأبادير وعانقوه وأخته , وقال أبا بقطر لأبادير : " يا أخي الحبيب لأي سبب أنت حزين ؟ ! ألأنك فارقت آباءك ؟ ! أأنت أفضل مني ؟ لكن كن مُبَاركاً ربي يسوع المسيح . تعال لتسكن في أورشليم السمائية عندنا نحن الجنس المقدس , طوبى لنا لأننا تركنا عنا ممالك هذا العالم الزائل لأجل مجد ربنا يسوع المسيح , وقد أعطانا ربنا يسوع المسيح ملكوت السماوات إلى الأبد " .
وبينما كانوا يتحدثون سوياً ؛ إذا بربنا يسوع المسيح مخلصنا الصالح قد ظهر لهم وعانقهم , ثم قال لأبادير : " تعال من الموت إلى الحياة الأبدية " . بعد ذلك أقام المخلص الجمهور الذي مات بسبب الإرتعاد , فعندما أبصروا مجد المسيح وشهداءه , صرخوا جميعاً بفم واحد : " إننا مسيحيون علانية " . فأخبروا الوالي عنهم فجعل أن تؤخذ رؤوسهم في السابع والعشرين من شهر توت
بعد ذلك ؛ تقدم القديس يسطس عم أبادير وعانقه , وقال له : " حسناً يا حبيب نفسي , لأنك اتبعت مثال جهادي , حسناً يا حبيب يسوع المسيح " .
ثم التفت القديس أبادير إلى صموئيل وقال له : " اذكر يا صموئيل الوديعة التي ائتمنتك عليها " . فقال له صموئيل : " إن الله شاهد بيني وبينك " . فقال القديس أبادير لصموئيل : " لقد اقتربت الساعة " .
ثم قام وسجد للرب قائلاً : " ربي ؛ أنت تعلم إني تغربت عن بيتي وعشيرتي لأجل هذه الساعة , أسألك يا سيدي ؛ إقبل إليك نفسي في ساعة مقبولة " . فقال له المخلص : " طوبى لكل إنسان يسجد على جسدك المقدس , إن أي أحد سيكون في شدة , إما في البحر وإما في الأنهار . ويصلي قائلاً يا إله القديس أبادير وإيرائي أخته أعني , سأستجيب له سريعاً لأجلك , وأي أحد يقدم لموضعك تقدمة , سأعطيه في أورشليم السمائية " .
فلما سمع القديس أبادير هذه الأقوال , قال للجنود : " خذوا رأس أختي قبلي " . فصاح كل الجمع قائلين : " أذكرنا يا أبانا القديس " ثم ذهبوا وأحضروا نبيذاً نقياً , واستعطفوا الجندي لكي يجعلوا القديسة تشربه , وأعطوه ثلاثة دراهم قائلين : " إن قدحاً واحداً يكفيها " . فمدت القديسة إيرائي رقبتها ونزعوا رأسها . أما القديس أبادير ؛ فسلم جسدها ليد صموئيل قائلاً له : " اذكر الوديعة التي ائتمنتك عليها " . بعد ذلك رفع عينيه إلى فوق نحو السماء وبارك الله ورشم ذاته ( بعلامة الصليب ) ومد عنقه , فنزعت رأسه المقدسة في الثامن وعشرين من شهر توت .
فأخذ صموئيل أجساد القديسين ونقلها إلى قريته بشنيله , وكل مكان كانت توضع فيه أجساد القديسين ؛ كانت تنبعث منه رائحة بخور , وكان عدد الذين استشهدوا مع القديس أبادير ثلاثة آلاف وستمائة وخمسة وثمانين نفساً .
أنا صموئيل من اهالي بشنيله أشهد لهذا الإستشهاد .
أنا اسحق رئيس الشمامسة أشهد لهذا الإستشهاد .
هذا الذي من قبله يليق المجد ....
التعديل الأخير: