سيرة القديسة العظيمة الشهيدة اغاثي (اغاثا)

karas karas

Well-known member
إنضم
13 مارس 2022
المشاركات
409
مستوى التفاعل
310
النقاط
63
سيرة القديسة العظيمة الشهيدة اغاثي (اغاثا)


سيرة القديسة العظيمة الشهيدة اغاثي (اغاثا)


رفات الشهيدة اغاثا (اليد والقدم)

5 فبراير ـ 28 طوبة:استشهاد الشهيدة أغاثى

عن كتاب: القديسة الشهيدة أغاثى إصدار دير أبى سيفين للراهبات بمصر القديمة

ولدت القديسة أغاثى بوعد من الله، فى وسط أسرة مسيحية تقية من أشراف المدينة[2]، فى القرن الثالث الميلادى واهتم والدها بتربيتها، فنمت فى حياة الفضيلة، وكانت أغاثى بارعة الجمال وازدادت بهاء وإشراقا بوداعتها وحشمتها وتقواها، وذاع صيت فضائلها فى كل أنحاء المدينة.

وصل صيت الفتاة أغاثى وجمالها الفائق وغناها وشرف أسرتها إلى القنصل الرومانى كنتيانوس، حاكم جزيرة صقلية، الذى كان عابدا للأوثان وأسيرا للشيطان، لا يطيق ذكر اسم السيد المسيح أمامه. كان انسانا شريرا شهوانيا. التهب قلبه بالفتاة أغاثى وصار يتحين كل فرصة للزواج منها حتى يقتنى صيتا وشرفا بهذا الزواج ويشبع عينيه بجمالها، وأيضا بمحبته للمال باستيلائه على ثروتها وممتلكاتها الهائلة.

وعندما أصدر الإمبراطور ديسيوس منشور الاضطهاد الذى كان يقضى على المسيحيين وتعريضهم الى أشنع العذابات اذا لم يخضعوا لأوامر المنشور الملكى. اعتقد القنصل الرومانى كنتيانوس أن المنشور الذى أصدره ديسيوس ضد المسيحيين سيحقق له غايته ونيل مآربه، فإذا لم تخضع أغاثى وتوافق على الزواج منه، فسيرغمها على جحد إيمانها وترك ديانتها. وفى الحال أصدر أمرا باحضارها اليه..

وعندما وصل جند الحاكم الى المدينة وأخبرت أغاثى بأمر كنتيانوس، دخلت مخدعها وصلت الى الله قائلة: "ربى والهى يسوع المسيح، فاحص القلوب، أنت تعلم باشتياقات قلبى، فكن أنت المالك الوحيد له، واحفظنى من شر هذا الطاغى وأهلني بنعمتك لأنتصر على عدو الخير وأن أموت على اسمك القدوس." ثم ذهبت مع الرجال الى كاتانيا حيث يوجد كنتيانوس.

وعندما مثلت أمامه ورأى جمالها الفائق، أخذ يلاطفها وأعلمها برغبته فى الزواج منها وحاول بكل الوسائل أن يوقعها فريسة طائعة خاضعة له ولكنه لم يتمكن من ذلك إذ كانت العفيفة أغاثى أصلب من الفولاذ، مستعدة أن تقاوم حتى الدم من أجل من سبق وأحبها ومات من أجلها. ولم تكف عن الصلاة الى عريسها السماوى حتى ينقذها من فخ هذا الشرير وينجيها من حيله.

ولما تحقق كنتيانوس من فشل محاولاته فى إغراء الفتاه أغاثى بالزواج منه، تارة بالوعد وأخرى بالوعيد. لجأ بدهاء إلى حيلة ماكرة لإسقاط العفيفة أغاثى فى الخطية والدنس، فسلمها إلى امرأة عاهرة، فتحت منزلها لحياة الشر ومعها تسع فتيات ساقطات مثلها وتركها معهن لمدة ثلاثين يوما حتى يتمكن من اغوائها وافساد عفتها.

حاولت هذه المرأة الشريرة وبناتها التسع، بكل الأساليب الشيطانية، استمالة الفتاة أغاثى وجذبها إلى حياة الشر ولكنها فشلت تماما. كما حاولت كل من بناتها التسع جذب الفتاة إلى طريق الشر ونزع طهارة هذه النفس النقية ولكن كل محاولاتهن باءت بالفشل رغم كل الإغراءات والوعود بالمتع الثمنية أو محاولات الوعيد والتهديد المرعب. كانت البتول أغاثى تقول لهن: "إن روحى متأصلة وثابتة فى المسيح ربى والهى، وان كلامكن ما هو إلا رياح عابرة، ووعودكن ما هى إلا مطر عاصف، وما تسمعوننى من تهديد ما هو إلا نهر معرض لجفاف مائه، فمهما هبت هذه الرياح أو تساقطت الأمطار العاصفة أو تلاطمت الأمواج فلا يمكنها أن تزعزع أساسات بيتى المبنى على الصخر الثابت."

ومع تكرار محاولاتهن اليومية معها، كانت تردد نفس الكلمات وكانت تصلى الى الله ساكبة دموعا غزيرة مشتاقة أن تذوق كل أنواع التعذيب من أجل المسيح وأن تنال إكليل الشهادة كاشتياق إنسان متعطش لأن يرتوى من ينابيع مياه غزيرة عندما يلتهب من لهيب الشمس.

بعد صلاة عميقة استمدت فيها أغاثى القوة والمعونة من الله قالت للمرأة الشريرة: "ان كان العالم يتغاضى ويتغافل عن أفعالك الآثمة فاعلمى أن الله عادل وسوف تلاقين عذابا وهلاكا أبديا أنت وأولئك الفتيات اللواتى تعلمن منك سوء السلوك والسيرة القبيحة. واعلمى أنك بسيرتك الرديئة هذه تجلبين ضررا على هذه المدينة أعظم مما لو أشعلت النيران فى جوانبها الأربعة، وأكثر من إلقائك السموم فى ينابيع المياه التى يشرب منها العالم كله. وإن كان كنتيانوس يتواطىء معك، فاعلمى أن السماء ستعاقبك. أما ما تطلبيه منى، فارجعى عنه ان لم يكن خوفا من الله، فعلى الأقل خوفا من ضياع تعبك باطلا. واعلمى أن محبتى لربى والهى يسوع المسيح قد تأصلت فى قلبى، حتى اننى أرجو بمعونة ربى أن تفقد الشمس نورها والنار حرارتها والثلج بياضه ولا يخور عزمى أو يتزعزع ثباتى أو ارادتى، فليصقل كنتيانوس سيوفه وليهيج الأسود وليضاعف النار ويسلح جلاديه وليفتح أبواب الجحيم ان استطاع ويطلق كل الشياطين ضدى فلن أموت إلا عذراء مسيحية ولا أرهب قهر كنتيانوس. لأن الهى الذى سلمت له روحى وجسدى سيحمينى ويدافع عنى، فلن أتركه أبدا وهو سيقوينى الى النفس الأخير. فانى بقوة ربى يسوع المسيح سأظل أمينة له وأموت على اسمه القدوس. اعلمى يا أفروديس انك تقدمت فى السن ولونك الشاحب ينبىء بأنك على وشك الموت، ففكرى قليلا فى نفسك وارجعى الى خالقك واخجلى من أفعالك الآثمة التى صرت بها مثلا سيئا لبناتك ولكل المدينة وابكى على نفسك وعلى حياتك الماضية الشريرة وقدمى توبة لله واعترفى به واعبديه خوفا من العقاب الذى سيلحق بك."

ولما رأت "أفرودتس" المرأة الشريرة، ثبات أغاثى وعدم إمكانية زعزعتها عن معتقداتها، توجهت الى الحاكم كنتيانوس وأخبرته قائلة: "انه من الأيسر أن يلين الصخر والفولاذ. أما هذه الفتاه أغاثى فلن يتمكن أحد من أن ينزع منها الروح المسيحية. لقد بذلنا، أنا وبناتى التسع، كل بدوره، كل جهدنا ليلا ونهارا فى سبيل استمالتها ولكننا لم ننجح وذهبت كل محاولاتنا هباء دون جدوى، فقد ازدادت الفتاه ثباتا. لقد قدمت لها هدايا عديدة من المجوهرات والملابس الثمينة. ووعدتها بمنازل وأراض واسعة فى المدينة. كما طرحت أمامها كل المغريات من أثاثات فخمة، وأقمت على خدمتها العديد من الخدم من كلا الجنسين ومختلف الأعمار ولكنها لم تعبأ بكل هذا، ووطأته بالأقدام. فمن المستحيل أن تنكر هذه الفتاه مسيحيتها أو تفقد بتوليتها. ولا يشغل فكرها نهارا وليلا شىء سوى أن تموت على اسم يسوع المسيح."

حنيئذ استشاط كنتيانوس غضبا واستدعى الفتاه أغاثى للمثول أمامه، ودار بينهما الحورا التالى: "ما هى مرتبتك؟ عبدة أنت أم حرة؟"

أجابت الطوباوية: "انى إنسانة حرة من أصل شريف وتدين أسرتى بالديانة المسيحية."

"ولماذا تنزلين إلى مرتبة العبيد فى سلوكك وتقبلين ديانة الفقراء المزدرى بهم وأنت شريفة الأصل؟!"

+ "بكونى خادمة لربى يسوع المسيح، لذا فأنا عبدة له"

- "ولماذا تقبلين حياة وضيعة وتصيرين عبدة وأنت من أسرة نبيلة، عريقة الأصل؟"

+ "إن عظمة النبلاء وشرفهم الحقيقى إنما يكمن فى عبادتهم للسيد المسيح وخدمتهم له من كل القلب لأنه هو إلهنا الواحد الوحيد الذى حررنا وعتقنا من أسر ابليس وأعوانه."

- "ماذا تقصدين بذلك؟ ألسنا نحن عظماء؟ أم نحن بعيدون عن الشرف. نحن الذين نعبد الآلهة ونزدرى بخدمة المصلوب، يسوع المسيح؟!"

+ "نعم، إن عظمتكم قد تحولت إلى عبودية بحق للخشب والحجر الأصم، وقد أصبحت بذلك عبدا للشيطان وأسيرا له"

- "إن كل التجاديف التى تنطقين بها ستعرضك الى عقاب مرير لما تستوجبه وقاحتك. ولكن اخبرينى أولا قبل أن نبدأ فى تعذيبك، لماذا تحتقرين عبادة الآلهة؟"

+ "لا تدعوها آلهة بل بالأحرى هى شياطين، نعم حقا إن تلك التماثيل التى تصنعوها من النحاس والرخام وتطلون وجوهها بالذهب ثم تسجدون لها ما هى الا شياطين."

- "اختارى إذاً أحد أمرين: إما أن تعدى مع المجرمين وفعلة الإثم وتذوقين العديد من العذابات اذا استمريت فى عنادك، أما إذا كنت عاقلة وشريفة الأصل فعلا، فضحى للآلهة الخالدة."

+ "فلتهتم أيها الحاكم إذاً بأن تصير امرأتك شبيهة بالآلهة فينوس أنت كالهك جوبيتر."

وعند سماع الحاكم كنتيانوس لأقوالها هذه، أمر فى الحال بصفعها على وجهها وقال لها:

- "لا تتجرئى وتدعى لسانك ينطق بإهانة حاكمك."

+ "انك قلت أن ألوهيتهم تستحق التكريم. لذا فلتكن امرأتك شبيهة بفينوس وأنت كجوبيتر حتى تكونان فى تعداد آلهتكم."

- "يبدو انه سيكون من نصيبك كل ألوان التعذيب ما دمت توجهين ضدى إهانات جديدة."

+ "عجبا كيف تدعو هذه التماثيل آلهة وتكرمها بينما ترفض أن تكون أنت وامرأتك على مثالها. وإذا لم تكن آلهة، فأنت غارق فى الضلالة مثلها."

- "ما حاجتى الى كل هذه الثرثرة؟ ضحى للآلهة وإلا ستذوقين الموت عن طريق العذابات المريرة." فى ثبات وهدوء عظيم أجابت:

+ "فلتعلم أيها الحاكم جيدا أنه: إذا طرحتنى للوحوش، فإنها ستخضع لاسم ربى وإلهى يسوع المسيح. وإذا ألقيتنى فى النار، فان ملائكة الله سيصيرونها لى كالندى الرطب. واذا هددتنى بالضرب بالسياط والجلد، فان روح الله الساكن فىَّ سيقوينى ويعيننى على كل هذه العذابات. فلا أرهبها."

حنيئذ هز كنتيانوس رأسة غاضبا اذ رأى مدى استهانة أغاثى بكل الوان التعذيب، فأصدر فى الحال أمرا بحبس الفتاة أغاثى فى سجن مظلم قائلا لها:

- "فكرى جيدا وارجعى الى صوابك ان أردت النجاة من العذابات المميتة."

ساق الجند الفتاة أغاثى الى السجن. أما هى فكانت فرحة متهللة كأنها دعيت إلى صالة احتفالات، حاسبة أن ما تحتمله من أجل إلهها هو شرف ومجد عظيم لها. ولم تكف عن الصلاة إلى الله لكى يسندها فى معركتها مع عدو الخير وأن ينصرها على الحاكم ويمنحها إكليل الاستشهاد.

فى اليوم التالى، أعدها كنتيانوس الى ساحة القضاء وأخذ يلاطفها من جديد بوعود وإغراءات براقة، فلم تذعن له فبدأ يهددها لكى تتركك ايمانها بالمسيح بقوله:

- "ان تركت المسيح ونفذت مشورتى ستنعمين بالحياة والسعادة والراحة." فأجابت:

+ "انى لا أرغب البتة فى الحياة أو الراحة، ان ربى يسوع المسيح هو مطلبى الوحيد فلا تفكر بأنك ستخيفنى بتهديدك."

- "إلى متى تستمرين فى عنادك، أيتها الشقية؟ اجحدى مسيحك واسجدى للآلهة وانقذى شبابك ولا تدع حياتك تنتهى بأشر ميتة."

+ "لعله بالأحرى، يجب عليك أن ترجع أنت عن عبادة آلهتك التى ليست سوى خشب وحجر أصم إذ يجب عليك أن تعبد خالقك الإله الحقيقى لأنك إن ازدريت به، فانك تعرض نفسك لآلام قاسية ونار أبدية."

حينئذ استشاط كنتيانوس غضبا وأمر بربط أغاثى على مركبة من أسياخ حديدية لتعذب عليها وأثناء ذلك قال لها:

- "اتركى عنادك لتنجو حياتك."

+ "انى أسر وأتلذذ بهذه العذابات كمن تزف إليه أخبار سارة أو كمن يتقابل مع شخص عزيز عليه مشتاق لرؤيته منذ فترة طويلة وكمن اكتشف كنزا ثمينا. وكما أن القمح لا يجمع إلى المخازن إن لم تضرب سنابله بشدة ويفصل عنه التبن. هكذا هو الحال مع روحى، لا يمكنها أن تحظى بالدخول الى فردوس الله ومعها غصن الاستشهاد إن لم يتعرض جسدى أولا لضربات السياط القاسية. فان أمرت بجلدى، فها هى أكتافى، وان أمرت بإلقائى فى النار، فها هو جسدى وان أردت إلقائى للوحوش، فها أنا ذا. فلتقتل هذا الجسد وكلما كنت قاسيا كلما صنعت بى خيرا. لماذا تتباطأ وتتأخر كثيرا."

استشاط كنتبانوس غضبا واحتد جدا عند سماعه لأقوالها هذه، وأمر بتمزيق ثديي القديسة وقطعهما. فأسرع الجند بتنفيذ الأمر بوحشية بالغة. فسالت دماء غزيرة حتى فقدت القديسة وعيها وسقطت على الأرض. حينئذ أمر كنتيانوس بإعادة أغاثى إلى السجن كما أصدر أمرا بالحراسة المشددة عليها وعدم السماح بدخول أى طبيب لتخفيف آلامها وعدم تقديم أى طعام أو شراب لها. وبالفعل تركت القديسة أغاثى طريحة على الأرض فى السجن المظلم، وهى تنزف دماء غزيرة من ثدييها.

نحو منتصف الليل، بينما كانت أغاثى تعانى من آلام مبرحة، مثل أمامها شيخ وقور فى هيئة طبيب يحمل فى يده العديد من الأدوية وكان يتقدمه طفل صغير يحمل مشعلا ثم اقترب منها هذا الشيخ وخاطبها قائلا: "أرى انك تعانين آلاما شديدة بسبب هذا الحاكم الطاغى، ولكنك جعلتيه يذوق مر الآلام بكلامك الحكيم وصبرك العجيب، فقد قام بتعذيبك وقطع ثدييك ولكن سعادته ستتحول الى مرارة وروحه ستهلك هلاكا أبديا. انى أعلمك أنى كنت حاضرا طوال وقت تعذيبك ورأيت أن جراحاتك قابلة للشفاء."

أجابت أغاثى باتضاع: "يا سيدى، انى لم أعطى قط لجسدى دواء منذ حداثتى. ومن المخزى ألا أثق الآن فى قوة ربى وإلهى يسوع المسيح الذى آمنت به منذ طفولتى."

+ "أرجوك، لا تخش شيئا من جهتى، فأنا مسيحى مثلك وقد أرسلت لأشفيك."

+ "أشكرك يا سيدى على اهتمامك بى، فأنت شيخ متقدم فى السن وأنا فتاة صغيرة وقد تمزق كل جسدى وامتلأ بالجراح ولم يعد به ما يثير فىَّ أى شعور بالخجل ولكن اعلم يا سيدى انى لن أقبل يد انسان أبدا تمتد لمعالجة جسدى."

+ "ولماذا ترفضين الشفاء؟"

+ "أن ربى وإلهى يسوع المسيح قادر بكلمة واحدة منه أن يهبنى الشفاء من كل جراحاتى ويعود كل جسدى سليما معافا". أجاب الشيخ مبتسما:

+ "إن ربنا يسوع المسيح هو نفسه الذى أرسلنى اليك وانى تلميذ له. انه باسمه ستنالين الشفاء من كل ما أصابك." وما أن انتهى الشيخ من حديثه حتى اختفى.

حينئذ ركعت أغاثى وصلت الى الله قائلة: "أشكرك ياربى يسوع المسيح لأنك لم تنسانى وأرسلت لى تلميذك ليقوينى ويشجعنى." وعندما انتهت أغاثى من صلاتها، شعرت أنها نالت الشفاء التام ورأت أن كل أعضاء جسدها عادت سليمة تماما. ليس بها أى أثر للجروح كما استعادت ثدييها كأنه لم يصيبها أى أذى، وظل السجن طوال الليل مضاء بنور ساطع جدا مما أرهب الحراس، ففروا هاربين فزعا، تاركين أبوابه مفتوحة. وقد نصح المسجونين الطوباوية أغاثى بالهرب لتنجو بحياتها ولكنها أجابتهم قائلة: "حاشا لى أن أفعل هذا الأمر وأخسر إكليلى وأكون سببا لإيذاء الحراس. فانى بمعونة إلهى يسوع المسيح الذى منحنى الشفاء وقوانى سأثابر فى الاعتراف باسمه الى النهاية."

بعد مرور أربعة أيام استدعى كنتيانوس الطوباوية أغاثى للمثول أمامه وقال لها:

- "إلى متى ستستمرين فى عنادك ضد مراسيم أمرائنا؟ ضحى إذاً للآلهة وإلا ستعرضين نفسك لعذابات أقسى وأشد من كل ما سبق." أجابت أغاثى:

+ "عجبى لقلة إدراكك وفطنتك، ألا تزال تدعو هذه الأخشاب والحجارة آلهة وتعرض عن عبادة الاله الحقيقيى الذى منحنى الشفاء وأعاد جسدى كما كان."

- "ومن ذا الذى شفاك؟"

+ "انه ربى يسوع المسيح ابن الله."

- "أما زلت تجرئين على نطق هذا الاسم؟"

+ "إن شفتاى تعترفان به وقلبى لن يفتر عن ترديد اسمه القدوس."

- "سأرى حالا اذا كان مسيحك سيأتى ويشفيك."

وفى الحال أمر كنتيانوس بأن تفرش أرض السجن بكسر من الخزف المكسر ويوضع عليها فحم متقد. ثم أمر أن تعرى البتول أغاثى من ملابسها وتدحرج على تلك القطع المسننه فوق الفحم المتقد. وما كاد الحراس السجن ينفذون أمر كنتايانوس الوحشى، حتى تزعزع المكان وسقط جانب من الحائط على رجلين القائمين بالتعذيب، أحدهما يدعى سلوان والآخر يدعى فلكونيوس. فماتا فى الحال. كما حدث زلزال أرضى عنيف، واهتزت مدينة كاتانيا بشدة. وارتعب مواطنوها وأسرعوا نحو دار الولاية وهم يصيحون قائلين:

- "حقا ان كل ما يصيبنا الآن من خطر يهدد حياتنا إنما هو بسبب هذه الفتاة التى تعذب ظلما والسماء تنتقم لها." أما كنتيانوس فقد فر هاربا بعيدا عن ساحة القضاء خاشيا الزلزال من جهة وثورة الشعب من جهة أخرى وأصدر أمرا باعادة أغاثى الى السجن.

دخلت أغاثى السجن وبسط يديها للصلاة قائلة:"ربى يسوع المسيح الذى خلقنى وحفظنى منذ طفولتى. والذى وهبنى منذ نعومة أظافرى أن أعيش فى حياة الفضيلة. يا من منحتنى قوة تقوق طبيعة جنسى لأزدرى بكل ملذات العالم. يا من شددتنى وقويتنى حتى لا أرهب النار والحديد المحمى ولا قوة القيود ولا سياط الجلادين. يا من منحتنى الشجاعة والصبر وسط كل هذه العذابات. أتضرع إليك ياربى يسوع المسيح أن تقبل روحى بين يديك لأتمتع بمراحمك التى هى أفضل من كل كنوز هذا العالم." وما كادت تنتهى الطوباوية أغاثى من صلاتها حتى صرخت بصوت عال وأسلمت روحها الطاهرة بين يدى ربها يسوع المسيح. وكان ذلك فى اليوم الخامس من شهر فبراير عام 250م الموافق الثامن والعشرين من شهر طوبة.

وعند سماع خبر انتقالها، أسرع المؤمنين وأخذوا جسد القديسة أغاثى ووضعوه فى تابوت جديد فى مقبرة بمحجر[3] فى كاتانيا.

وبينما كان المؤمنون يطيبون جسد الشهيدة بالأطياب الكريمة ليضعوه فى المقبرة، ظهر بينهم شاب جميل جدا ذو ملابس حريرية ـ لم يسبق لأحد رؤيته من قبل ولم يره أحد قط ـ وكان يتبع هذا الشاب موكب يتألف من أكثر من مائة طفل ذوى جمال باهر ويرتدون ملابس بهية وفخمة جدا. تقدم هذا الشاب ووضع بجوار رأس الشهيدة أغاثى لوحة من الرخام مكتوب عليها:"روح مقدسة مكرسة لله، مكرمة عنده، حامية للوطن."[4]

وظل هذا الشاب موجودا حتى أغلقت المقبرة بكل عناية ثم اختفى. ولم يره أحد بعد ذلك فى المدينة ولمم يسمع عنه شيئا فى كل صقلية. وهنا أدرك أهل المدينة أنه ملاك الشهيدة. وكل من شاهد هذه اللوحة وما بها من كلمات لتكريم الشهيدة أغاثى كان يخبر بما رآه فى كل المدينة، مما كان له أثر كبير على مواطنى صقلية، فكان اليهود والأمم يشتركون مع المسيحيين فى تكريم الشهيدة أغاثى وطلب بركتها.

أما كنتيانوس الشقى، عندما سمع بخبر موت أغاثى، أسرع وركب حصانه مع مرافقيه للذهاب الى موطن أغاثى ليستولى على أملاكها ويسجن أفراد أسرتها. ولكن تدخل العناية الالهية لم يمكنه من تحقيق تحقيق مآربه، فقد استقل زورقا ليعبر النهر، فهاج حصان كنتيانوس ضد حصان رفيقه وأخذ يجفل ويضرب، فأصاب كنتيانوس ثم أصابه الحصان الآخر بأحد حوافره، فسقط فى ماء النهر ولم يعثر على جثته.

وكان لموت كنتيانوس أثر كبير على النفوس مما زاد تكريم المواطنين للشهيدة أغاثى. ومنذ ذلك الوقت لم يستطيع أحد أن يتعرض لأسرتها بأى سوء.

يسجل لنا التاريخ أعجوبة عظيمة حدثت فى السنة التالية لاستشهاد القديسة أغاثى قرب تذكار استشهادها وبتحقق كلام الله بأنها "حامية الوطن". لقد هاج فى جبل إتنا المجاور لمدينة كاتانيا بركان هائل وتعالت النيران منه بشدة وزحفت بسرعة كتيار جارف نحو المدينة، مدمرة كل ما يقابلها ليصبح رمادا. وهرب حشد كبير من الوثنين لينجوا بأنفسهم من هذا الخطر الداهم وهم ينوحون ويستغيثون. بينما أسرع المؤمنون إلى قبر الشهيدة أغاثى، وأخذوا الستر الذى كان يغطى مقبرتها ووضعوه تجاه سيل النار الجارف. فإذ بالنار تتوقف فى الحال وتنطفىء وتنجو المدينة من الدمار وينجو الشعب من موت محقق وحريق مدمر.هكذا أراد الله أن يظهر كرامة هذه الشهيدة البتول أغاثى.إنه أمر يستحق الإعجاب ودليل على قدرة الله العظيمة والفائقة عندما نرى من أعلى الجبل المواجه لمدينة كاتانيا سيلا جارفا وكثيفا من النيران يلتهم كل ما يقابله. ومن الجهة الأخرى نجد الكهنة وكل شعب المدينة يخرجون ليطفئوا هذه النيران المتأججة لا بأسلحة ولا بمضخات مياه ولا بأى شىء من هذا القبيل وانما باسم حامية المدينة الشهيدة أغاثى وبواسطة الستر الذى يغطى مقبرتها فكانت فيه القوة العجيبة لايقاف سيل النيران.

صلوات الشهيدة أغاثى تكون معنا. ولربنا المجد الدائم الى الأبد آمين.



[2] باليرم وكاتانيا مدينتان مشهورتان فى جزيرة صقلية بإيطاليا تتنازع كل منهما على أن تكون مسقط راس القديسة أغاثى لتحظى بشرف ميلادهابها.

[3] يدعى هذا المحجر HYBLA MAJOR يوجد بهذا المحجر مقابر عديدة لشهداء القرون الأولى.

[4] فيما بعد انتشرت هذه العبارة: روح مقدسة مكرسة لله ، مكرمة عنده، حامية للوطن، فى روما. وكانت تنحت على أجراس الكنائس فى العصور الوسطى كما نجدها منحوتة على جرس كنيسة القديس بطرس فى روما.​
 
أعلى