الواقع الميداني في سوريا بين الحسم العسكري وتحسين المواقع
حدثان جديدان برزا على مستوى الازمة السورية، وواحد متصل بها وبتداعياتها طرأ من لبنان. وقد تمثل الحدث الأول، الأمني بامتياز، بتصعيد الجيش السوري في الساعات الاخيرة الماضية لحملته العسكرية من خلال قيامه بعمليات وصفها القادمون من مدينة حمص بالأعنف منذ سقوط بابا عمرو، وعنوانها استعادة النظام للسيطرة الكاملة على أحياء وشوارع حمص بما فيها أحياء الخالدية وباب السباع ومتفرعاتهما، وقد ترافق ذلك مع عمليات موضوعية في الرستن ومحيطها. وبحسب هؤلاء، فإنّ العمليات العسكرية التي ينفذها الجيش السوري امتدت في الساعات الاخيرة الماضية على طول الاحياء والمدن التابعة لمحافظة حمص وريفها التي يسطر عليها المسلحون او يتواجدون فيها.
ويذهب هؤلاء إلى حد الاعتبار ان حمص التي شكلت طيلة فترة الاحداث عاصمة للانتفاضة وللمسلحين باتت قريبة من مرحلة السقوط بيد القوات النظامية واعلانها منطقة آمنة خالية من المسلحين، خصوصا ان قوات حفظ النظام تعمل على تطهير الاحياء والمدن بشكل كامل وغير مسبوق، وذلك في محاولة لاستعادة زمام المبادرة بعد أن كادت أن تفقدها منذ دخول المراقبين إلى سوريا.
وفي حين لم يقتصر التطور الامني على حمص وحدها بل امتد إلى اللاذقية والحفة التي اعلن الجيش السوري الحر انسحابه منها، برز الموقف الروسي عشية زيارة وزير الخارجية سيرغي لافروف إلى إيران، حيث سيتم البحث تحديدا وحصرا في الازمة السورية والسبل الايلة إلى توحيد الجهود لاخراج سوريا من ازمتها، وذلك عشية انعقاد جولة جديدة من المباحثات بين طهران ومجموعة الدول الكبرى في موسكو، في إشارة واضحة إلى أنّ روسيا وايران تسعيان إلى صفقة مربحة من المقدر لها في حال نجاحها ان تكون على حساب بعض الدول المعنية ليس فقط بالملف النووي، بل بالازمة السورية ومتفرعاتها.
وفي هذا السياق، تكشف مصادر دبلوماسية شرقية ان زيارة لافروف إلى طهران تأتي تتويجا لجهود سابقة من جهة ولاتفاقات ضمنية بين دبلوماسيتي البلدين من جهة ثانية. كما تؤكد بان واشنطن ليست بعيدة ابدا عن سياق الاتصالات مع موسكو التي ما كانت لتعلن عن مبادرة سياسية جديدة لولا تفاهمها مع المجموعة الدولية.
وتلفت هذه المصادر إلى أنّ الامور وصلت إلى مرحلة الانتهاء من تفاهمات مبدئية بين العواصم الكبرى على كيفية المعالجة السياسية للازمة السورية. ولا تستبعد في هذا السياق اللجوء إلى تنازلات روسية محدودة على مستوى التعاطي مع نظام الرئيس السوري بشار الاسد على غرار التسويق لانتخابات تشريعية مبكرة ينتج عنها حكومة وحدة وطنية تؤسس لانتخابات رئاسية مفتوحة على المرشحين من دون استثناءات ولا عقبات. وهذا ما يبرر الحملة العسكرية التي يخوضها النظام لتحسين مواقعه من جهة، ولاعطاء مزيد من الاوراق التفاوضية والضاغطة لموسكو من جهة ثانية، علماً أنّ المصادر تشير إلى أنّ النظام ما كان ليلجأ إلى مثل هذا التصعيد الهادف إلى حسم الامور لمصلحته لولا موافقة موسكو وطهران.
اما الحدث المرتبط فجاء من لبنان عبر الموقف الرسمي القاضي بدعم الجيش اللبناني للعمل على وقف التهريب من جهة ومنع اقامة مناطق عازلة في الشمال او البقاع، وهذا موقف نوعي باعتباره الاول الذي يترجمه رئيس الحكومة بزيارة لوزارة الدفاع واعطاء الغطاء الحكومي الكامل لقائد الجيش لمعالجة الاشكاليات على الحدود اللبنانية السورية، وهذا ما كان ليحصل لولا الضوء الاخضر الدولي والاقليمي الذي يبشر بحصر النيران داخل سوريا وعدم توسيعها، وذلك تسهيلا لاطفائها في الوقت المناسب.