[FONT="]بالنسبة للمسيحيين الأوائل (وبالطبع لنا أيضاً)، "الكتاب المقدس" هو كل ما قاله المسيح الرب بفمه في الإنجيل "الناموس والكتب والأنبياء"، أي العهد القديم كما نعرفه اليوم. ولم تنظر الكنيسة الناشئة إلى الكتاب المقدس كنص حرفي، بل شرحته على ضوء التراث العبري الشفهي الذي كان شائعاً في الفترة مابين العهدين، أي منذ القرن الثالث قبل الميلاد.(وقد حذرت الكنيسة من خطورة التفسير الحرّ للكتاب المقدس والالتزام بالحرف دون الولوج لأسرار كلمة الله العميقة[FONT="][1]) [ وبالطبع بدون انفتاح الذهن لا يستطيع أحد ان يفهم أسرار الله المعلنة في الكتاب المقدس بل سيشرحها في اتجاه علمي فكري يتوقف على زكاء الشخص الشارح ومدى علمه وقدرته على الفحص والاستقصاء بدون معرفة مقاصد الله بإعلانه الخاص بإلهام الروح في القلب ]، عموماً يُقسم هذا التراث إلى مدرستين أساسيتين (مدرسة فلسطين ومدرسة الإسكندرية):[/FONT][/FONT]
[FONT="]أ- [FONT="]المدرسة التفسيرية في فلسطين[/FONT][FONT="]: [/FONT][FONT="]وقد ركزت على شرح الكتاب انطلاقاً من النص العبري للعهد القديم ومن الترجمة الآرامية لهُ، مستنده في ذلك على علم المنطق عند اريستوطاليس الإسكندري (اريستوبولس)..[/FONT][/FONT]
[FONT="]ولكي نستطيع أن نفهم طبيعة هذه المدرسة وطريقة شرحها لا بد من أن نتعرف على رائدها (اريستوبولس):...لا نعرف على وجه الدقة تاريخ حياة اريسطوبولس الإسكندري، فبعض المصادر تُشير أنهُ عاش بالإسكندرية حوالي عام ( 150 ق.م )؛ حيث يُقدر أنه عاش في أيام حكم بطليموس السادس فيلومتر (181- 145 ق.م )، إذ يقال أنه أهدى كتابه الذي وضعه عن " التوراة " إلى بطليموس وألقى بعض فقرات منه أمامه.[/FONT]
[FONT="]ويروي عنه المؤرخ (إميل برييه) أنه كان يهودياً توجه إلى الملك (فيلو ماتر) بشرح للشريعة يقوم على نفس المبادئ التي نجدها لدى فيلون، وأقل اتساعاً منه؛ فاريستوبولس ارتبط فقط بنقاط محددة هيَّ:[/FONT]
[FONT="]([FONT="]1[/FONT][FONT="]) تجنب التجسيم أو التشبيه بواسطة التأويل المجازي[/FONT][/FONT]
[FONT="] ([FONT="]2[/FONT][FONT="]) [/FONT][FONT="]وجعــــــل موسى أستاذاً للفلاسفة اليونانيين[/FONT][/FONT]
[FONT="]انه من المعروف بالنسبة للنقطة الأولى [FONT="](1):[/FONT][FONT="] أن كل ترجمات التوراة منذ القرن الثاني قبل الميلاد سواء الترجمة اليونانية (السبعينية) أو الترجمة الأرمينية كان همها تجنب التجسيم الغليظ، أي التأويل المجازي والمبالغة في التشبيه، وكانوا يستندوا على قوة الله التي رافقتهم على مرّ التاريخ من جهة الخبرة، لأن الله هوَّ مصدر الأقوال والأفعال العجيبة التي تمت في التوراة وكتب الأنبياء والمزامير.. ولعل اريستوبولس قد اعتمد في شروحه على هذه الترجمات واستفاد منها في تجنب التجسيم والمبالغة في الشرح والتأويل.[/FONT][/FONT]
[FONT="]..وبالنسبة للنقطة الثانية [FONT="](2):[/FONT][FONT="] فإن المؤرخين وعلى رأسهم برييه وسارتون يرون أن اريستوبولس كان أول من ربط الفلسفة اليونانية بموسى على نحو مذهبي. ويؤكد سارتون أن اريستوبولس كان أول من زعم أن هوميروس الشاعر وكذلك هزيود وفيثاغورس وأفلاطون وأرسطو قد اقتبسوا الكثير من التقليد أو التراث العبري، وبالطبع فإن هذا الزعم كان فيه – كما يرى سارتون – الكثير من الإسراف والغلو لأنه يعني ضمنياً أن التوراة قد انتقلت قبل هوميروس إلى اللسان اليوناني حتى استطاع أولئك الشعراء والفلاسفة أن يقرؤها ![/FONT][/FONT]
______________________________
[FONT="]عموماً من أبرز أعمال اريستوبولس أنه حاول أن يتجاوز التفسير الحرفي للآيات، مستخدماً التشبيه دون المغالاة في التفسير والشرح للكتاب المقدس. وبذلك مهد الطريق الذي سار فيه بعد ذلك فيلون السكندري، وهو الذي صار في عصره مثالاً فذاً على النهج الإسكندري للجمع أو التوفيق بين الفكر الفلسفي اليوناني من جهة، والفكر اليهودي الشرقي من جهة أخرى، وكان بالتالي رائداً للفلسفات السكندرية التوفيقية التي حاولت أن تثبت وحدة الحقيقة رغم اختلاف مظهرها.[/FONT]
[FONT="]ب- [FONT="] مدرسة الإسكندرية: [/FONT][FONT="]وقد ركزت على الترجمة السبعينية للكتاب المقدس، متأثرة بالمنهج الرمزي، وأبرز من أكسب هذه المدرسة منهجها التفسيري الأساسي هو الفيلسوف اليهودي فيلون.[/FONT][/FONT][FONT="]
و سوف نركز هنا تركيز شديد على حياة فيلون وطبيعة فكرة لكي نستطيع أن نفهم طريقة شرح الكتاب المقدس في العصور الأولى والمنهج ألآبائي السليم والذي نفتقده في هذه الأيام !!![/FONT]
[FONT="]أولاً: حياته ومكانته ومؤلفاته[/FONT]
[FONT="] يتمتع فيلون [FONT="]Philo[/FONT][FONT="] بمكانة فكرية هامة في مدرسة الإسكندرية باعتباره رائداً في الدراسات التوفيقية بين التراث الشرقي والفلسفة اليونانية، وباعتباره أول من حاول بوضوح إثبات وحدة الحقيقة رغم اختلاف مظهرها من ناحية الدين أو من ناحية الفلسفة.[/FONT][/FONT] [FONT="]وأيضاً يتمتع بمكانة عظيمة بين أعضاء الجالية اليهودية في الإسكندرية، والدليل على ذلك ما يرويه المؤرخون القدامى والمحدثون من أنه أرسل من قبلهم كسفير لدى الإمبراطور كاليجولا [FONT="][FONT="][2][/FONT][/FONT][FONT="]Caligula[/FONT][FONT="] لكي يشرح له المظالم وسوء المعاملة التي تعاني منها الطائفة اليهودية في ظل فلاكوس [/FONT][FONT="]Flacus[/FONT][FONT="] واليها الروماني.[/FONT][/FONT]
[FONT="]أما حياته، فالأقوال متضاربة؛ حيث يرى كوبلستون أنه ولد حوالي 25 ق.م ومات حوالي 40 ق.م، بينما يرى برييه إنه عاش بين عامي 40 ق.م و 40 ب.م ؛ بينما يقول محمد يوسف موسى (في كتابه مقدمة الترجمة العربية لكتاب: برييه "الآراء الدينية والفلسفية لفيلون الإسكندري ص1) أنه ولد بالإسكندرية نحو عام 20 أو 30 ق.م وأنه مات بعد عام 54 من القرن الأول للميلاد..[/FONT]
[FONT="]عموماً ما يهمنا أنه عاش فيما بين منتصف القرن الأول قبل الميلاد، ومنتصف القرن الأول الميلادي، وأنه بلغ ازدهاره بين اليهود في عصر الإمبراطور كاليجولا. ومن الواضح أن نشاطه قد تركز في الأربعين سنة الأولى من القرن الأول الميلادي، حيث يقال أنه كتب بعد موت الإمبراطور كاليجولا عام 41م آخر مؤلفاته وهو المسمى [FONT="]L'ambassade [/FONT][FONT="]a Ca[/FONT]i[FONT="]us [/FONT][FONT="] والذي يتناول فيه رحلته إلى الإمبراطور.[/FONT][/FONT]
[FONT="]لقد كتب فيلون مؤلفات عديدة[FONT="][3]، ورغم أن الكثير منها قد فُقد، إلا أن قائمة بأسمائها احتفظ بها المؤرخون، فضلاً عن أن ما بقى من هذه المؤلفات يكفي لمعرفة جوانب فكره. ويرى المختصون في الدراسات الفيلونية خاصة كوهن [/FONT][FONT="]Cohn[/FONT][FONT="] و ماسبيو [/FONT][FONT="]Massebieau[/FONT][FONT="] أنه يُمكن تقسيم هذه المؤلفات وفقاً لترتيبها الزمني إلى ثلاثة أقسام:[/FONT][/FONT] (1) [FONT="]كتابات فلسفية.[/FONT] (2) [FONT="]كتابات في شروح التوراة ( الأسفار الخمسة ).[/FONT] (3) [FONT="]كتابات في التبشير والرد على المخالفين.[/FONT]
_________________________ [FONT="][1] لقد أوضح أوريجانوس ضرورة التعرف على الطريق السليم في تفسير الكتاب المقدس قائلاً: "يليق بنا أن نهتم بالتأكد من صحة الطريق في طريقته وفهمه – الكتاب المقدس – وقد حدثت أخطار كثيرة إذ فشل كثيرون في الاهتداء إلى الطريق الصحيح في تعاملهم مع الأسفار المقدسة". ويرى أوريجانوس أن اليهود والفلاسفة – بخاصة الغنوصيين – قد بالغا في التفسير الحرفي فتعثرا في الله وكتابه، وأيضاً البسطاء من المسيحيين الذين لا يتمتعون بمعناه العميق غير المحدود مكتفين بما هو على السطح ووقفوا عند حدود الحرف فحرموا أنفسهم من التمتع بإدراك أسرار كلمة الله العميقة.(أنظر مدرسة الإسكندرية اللاهوتية – أوريجانوس تأليف المستشار/زكي شنودة مدير معهد الدراسات القبطية ص90و91)[/FONT]
[FONT="][2] وهو كايوس كاليجولا وقد حكم من موت طيباريوس إلى24 يناير41م- أي أربعة أعوام. أنظر مشاهير الرجال للقديس جيروم إعداد الراهب حنانيا السرياني صفحة33 (للناشر كاتدرائية رئيس الملائكة رافائيل – بالمعادي الطبعة الأولى 1991)[/FONT]
[FONT="][3] يقول القديس جيروم :" ومن بعض الكتابات المعروفة والشهيرة التي لا تعد وكتبها هذا الرجل: كتب عن أسفار موسى الخمسة وكتاباً آخر يتعلق ببلبلة الألسن وكتاباً عن الخليقة وكتاباً عن الأشياء التي يتوق ويمقتها العقل الراجح وكتاباً عن التعليم وكتاباً عن ما ورثناه من مواضيع النبوات وكتاباً عن الفضائل الثلاثة وكتاباً أسمه لماذا تغيرت أسماء عديدين في الكتاب وكتابين عن العهود وكتاباً عن حياة العاقل التي تكمُل بالبرّ وكتاباً يتحدث فيه عن الجبابرة وخمس كتب عن الافتراض أن الأحلام مرسلة من الله، وخمس كتب عِبارة عن "أسئلة وأجوبة عن سفر الخروج وأربعة كتب عن " خيمة الهيكل والوصايا العشر... وعن حياة المسيحيين....وهناك أعمال أخرى رفيعة المستوى من نتاج عبقريته الفذة والتي هي تحت أيدينا (طبعاً قد أندثر معظمها ولكن يوجد منها بعض المخطوطات بمتاحف ومكتبات أوروبا).[/FONT] اليونانيين يضربون به المثل فيسمونه الأفلاطون "الفيلوني"، أو فيلو الأفلاطوني.. فان التشابه عظيم بينهم في الأفكار واللغة. أنظر مشاهير الرجال للقديس جيروم صفحة33و34)