خامساً: قيامة السيد المسيح ونهاية إنجيل مرقس وإنجيل متى
"ومن أهم ما تكشف عنه هذه الآيات الغائبة عن هذا السيناوى، أن نهاية إنجيل مرقس كانت تقف عند العدد 8 من الإصحاح 16 التى تقول: "فخرجن سريعاً وهربن من القبر لأن الرعدة والحيرة أخذتاهن ولم يقلن لأحد شيئاً لأنهن كن خائفات"!! وهذا يعنى أنهن لم يبلغن عن وجود القبر خاوياً، وبالتالى فما من أحد قد علم بأن يسوع قد صحا من الموت أو أنه قد بُعث حياً كما تزعم المؤسسة الكنسية، فوفقاً لما يقوله الإنجيل فى هذه المخطوطة التى ترجع لأواخر القرن الرابع، "لم يقلن لأحد شيئاً لأنهن كن خائفات".
"ومن الواضح أن الأعداد من 9-20 التى تمثل النهاية الحالية لإنجيل مرقس قد أضيفت لاحقاً لتتمشى مع الإضافة التى تمت لإنجيل متى وما بها من فرية ان يسوع قال : "اذهبوا وكرزوا كل الأمم باسم الآب والابن والروح القدس "
الغريب أن الأستاذة الدكتورة أقحمت نفسها فى أمور هى لا تعرف عنها شئ. فالسيد المسيح بعد قيامته ظهر أكثر من مرة للنسوة اللائى ذهبن إلى القبر فهى عدة ظهورات وعدة مواقف (انظر مت 28: 1، 8، لو 24: 1-10، يو 20: 1- 18)، فإنجيل لوقا يقول عن النسوة اللاتى ذهبن إلى القبر: "ورجعن من القبر وأخبرن الأحد عشر وجميع الباقين بهذا كله" (لو24: 9) وهذه ليست إختلافات بين البشائر بل هذا حدث أو موقف وهذا آخر. كما ظهر المسيح القائم من الأموات فى نفس يوم القيامة لتلميذى عمواس (لو 24: 13-32). وفى مساء نفس اليوم ظهر لكل تلاميذه وهم مجتمعون فى العلية والأبواب مغلقة (يو 20: 19-29). علاوة على ذلك فقد ظهر السيد المسيح بعد قيامته لأكثر من خمسمائة شخص كان أغلبهم لا زالوا على قيد الحياة وقت كتابة الحدث فى العهد الجديد (انظر 1 كو 15: 6) ولو لم تكن هذه حقيقة لاعترضوا عليها.
إن قيامة السيد المسيح من الأموات هى سر وقوة المسيحية ولا يختلف عليها مسيحى، كما لا ينكرها التاريخ، ويذكرها حتى مؤرخو اليهود مثل يوسيفوس. ولأن الاعتراف بالقيامة هو من أساسيات الإيمان يقول معلمنا بولس الرسول "لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت" (رو 10: 9). ويقول أيضاً "وإن لم يكن المسيح قد قام فباطل إيمانكم أنتم بعد فى خطاياكم" (1كو 15: 17).
ومن أهمية القيامة أنه بعد خيانة يهوذا أراد التلاميذ اختيار أخر عوضاً عنه وكان الشرط هو أن يكون شاهداً بالقيامة، فقال معلمنا بطرس "فينبغى أن الرجال الذين اجتمعوا معنا كل الزمان الذى فيه دخل إلينا الرب يسوع وخرج منذ معمودية يوحنا إلى اليوم الذى ارتفع فيه عنا يصير واحد منهم شاهداً معنا بقيامته" (اع 1: 21-22). فالشهادة بالقيامة كانت هى كرازة الآباء الرسل وعليها قدموا حياتهم بل ودماءهم.
وقال معلمنا بطرس لليهود فى يوم الخمسين عن يسوع "هذا أخذتموه مسلماً بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق وبأيدى أثمة صلبتموه وقتلتموه الذى أقامه الله ناقضاً أوجاع الموت إذ لم يكن ممكناً أن يمسك منه. لأن داود يقول فيه كنت أرى الرب أمامى فى كل حين أنه عن يمينى لكى لا أتزعزع. لذلك سر قلبى وتهلل لسانى حتى جسدى أيضاً سيسكن على رجاء. لأنك لا تترك نفسى فى الهاوية ولا تدع قدوسك يرى فساداً" (اع 2: 23-27). فالقيامة من الأموات كانت موضوع كرازة الرسل كما كانت تتميماً لنبوات العهد القديم.
يقول معلمنا بطرس الرسول "يسوع هذا أقامه الله ونحن جميعاً شهود لذلك" (أع 2: 32). وقال أيضاً عن يسوع "هذا أقامه الله فى اليوم الثالث وأعطى أن يصير ظاهراً" (أع 10: 40).
ويقول معلمنا بولس الرسول: "وتعين ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات يسوع المسيح ربنا" (رو 1: 4). ويقول "وإن كان روح الذى أقام يسوع من الأموات ساكناً فيكم فالذى أقام المسيح من الأموات سيحيى أجسادكم المائتة أيضاً بروحه الساكن فيكن" (رو 8: 11).
قال القديس بولس الرسول "فلا تخجل بشهادة ربنا ولا بى أنا أسيره بل اشترك فى احتمال المشقات لأجل الإنجيل بحسب قوة الله الذى خلصنا ودعانا دعوة مقدسة لا بمقتضى أعمالنا بل بمقتضى القصد والنعمة التى أعطيت لنا فى المسيح يسوع قبل الأزمنة الأزلية وإنما أظهرت الآن بظهور مخلصنا يسوع المسيح الذى أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل" (2تى1: 8-10).
فكما أن السيد المسيح قد داس الموت بالموت، وانتصر عليه وقام من بين الأموات. فقد أرسل تلاميذه إلى العالم لكى يبشروا بالقيامة. وهذا هو سر قوة المسيحية لذلك يـقول "الذى أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل". ويقول معلمنا بولس الرسول "الذى جُعِلت أنا له كارزاً ورسولاً ومعلماً للأمم. لهذا السبب أحتمل هذه الأمور أيضاً لكننى لست أخجل لأننى عالم بمن آمنت وموقن أنه قادر أن يحفظ وديعتى إلى ذلك اليوم" (2تى1: 11-12). فهو يقول إذا وضعت فى السجن لا أخجل لأننى عالم بمن آمنت.
أما عن ذكر القيامة من الأموات فى إنجيل معلمنا مرقس بالتحديد فلم يقتصر على الإصحاح الأخير بل ذكر فى أصحاح 8 قوله "وابتدأ يعلمهم أن ابن الإنسان ينبغى أن يتألم كثيراً ويرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل وبعد ثلاثة أيام يقوم" (مر 8: 31).
علاوة على ذلك، فإنه وإن كانت هذه الآيات لم ترد فى النسخة السينائية إلا أنها وردت فى السكندرية وغيرها، كما وردت فى أقوال آباء القرون الأولى.
من أمثلة الآباء الذين وردت هذه الآيات فى كتاباتهم بل أكدوا أن كاتبها هو مار مرقس الرسول كان القديس إيرينيؤس الذى تنيح عام 202 بمعنى أن كتاباته كانت فى القرن الثانى وهو تاريخ أقدم من أى نسخة مخطوطة لإنجيل مرقس باقية. كتب القديس إيرينيئوس فى كتابه ضد الهراطقة المنشور فى مجموعة مينيى "باترولوجيا جريكا Graeca"Patrologia وترجم إلى الإنجليزية فىAnte-Nicene Fathers المجلد رقم1، صفحة 426. مقتبساً بصراحة ووضوح الآية رقم 19 من الإصحاح 16 لإنجيل مرقس كما سنورد فى السطور التالية.
واقتبس كتاب Ancient Christian Commentary on ******ure (التفاسير المسيحية القديمة عن الأسفار المقدسة – العهد الجديد - المجلد الثانى) هذا القول للقديس إيرينيئوس على صفحة 253:
[As he finishes his Gospel, Mark concludes: "So then the Lord Jesus after, he had spoken to them, was taken up into heaven, and sat on the right hand of God"
وترجمته: [بينما هو ينهى إنجيله، وضع مرقس الخاتمة: "ثمَّ إِنَّ الرَّبَّ بَعْدَمَا كَلَّمَهُمُ ارْتَفَعَ إِلَى السَّمَاءِ وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ اللَّهِ" (مر16: 19)]
وما اقتبسه القديس إيرينيئوس هنا هو مطابق حرفياً للآية السادسة عشر من الأصحاح التاسع عشر لإنجيل مرقس كما هو موجود فى نسخ الكتاب المقدس الحالية، والتى يدّعون إنها غير موجودة ضمن الجزء الذى يدعون عدم وجوده وهو من الآية 9 إلى الآية 20 من الأصحاح السادس عشر لإنجيل مرقس.
وفى الهامش أسفل الصفحة يعلق مؤلف الكتاب السابق قائلاً:
[This passage, often thought of be a later addition to Mark, was regarded by Ireneaus as the received Markan text in the late second century.]
[هذه الفقرة والتى يظنها الكثيرون إنها إضافة لإنجيل مرقس، اعتبرها إيرينيؤس من النص الذى تستلمه الكنيسة وتعترف به فى أواخر القرن الثانى الميلادى]
أى أن ناشر الكتاب يقول ما معناه أن الكثيرون كانوا يظنون أن هذا الجزء قد أضيف إلى إنجيل مرقس ولكن القديس إيرينيؤس بهذه العبارة يعتبر أن هذا هو النص المعترف به لإنجيل مرقس فى أواخر القرن الثانى الميلادى.
ولم يكتفِ القديس إيرينيؤس بذلك ولكن أكمل وقال:
[The ascension confirms what had been spoken by the prophets: “The Lord said to my Lord, Sit thou on my right hand, until I make thy does thy footstool.” Thus God who was announced by the prophets is truly one and the same as God who is celebrated in the true gospel, whom we Christians worship and love with the whole heart as the maker of heaven and earth, and of all things within it. Against Heresies 3.10.5.]
]إن صعود السيد المسيح يؤكد ما قيل بالأنبياء: "قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ" [
والقديس مرقس هو الوحيد فى الأربعة أناجيل الذى ذكر: "وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ اللَّهِ" (مر16 : 19)
[Thus God who was announced by the prophets is truly one and the same as God who is celebrated in the true gospel]
[إذاً فالله الذى أُعلن بواسطة الأنبياء هو حقيقةً الإله الواحد وهو نفسه الإله المحتفل به فى الإنجيل الحقيقى]
[whom we Christians worship and love with the whole heart as the maker of heaven and earth, and of all things within it]
[الإله الذى نحن المسيحيون نعبده ونحبه بكل قلبنا كخالق السماوات والأرض وكل ما فيها]
ونشر هذا الكلام نفسه فى كتاب باسم The Orthodox New Testament المجلد الأول صفحة 209. إننا نرد بالوثائق ولا نقول مجرد كلام عاطفى، لكى نقارع الحجة بالحجة.
هكذا يؤكد القول السابق للقديس إيرينيئوس أن الأصحاح الأخير من إنجيل مرقس كان معروفاً بأنه ضمن إنجيل مرقس فى القرن الأول والثانى. وهذا الجزء ليس فقط به ذكر حدث القيامة إنما أيضاً الصعود وهذا يدحض قول الأستاذة الدكتورة التالى من جذوره:
"كما لا تذكر المخطوطة شيئاً عن صعود المسيح إلى السماء، وبغياب هذا الدليل الذى يعد من أسس الإيمان المسيحى ندرك إلى أى مدى تم نسج هذه الأناجيل وهذه العقيدة على مر العصور".
كما أن حدث الصعود قد ذكر بمنتهى الوضوح فى سفر الأعمال الذى كتبه القديس لوقا الرسول: "الذى أراهم أيضاً نفسه حياً ببراهين كثيرة بعد ما تألم وهو يظهر لهم أربعين يوماً ويتكلم عن الأمور المختصة بملكوت الله... ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون وأخذته سحابة عن أعينهم. وفيما كانوا يشخصون إلى السماء وهو منطلق إذا رجلان قد وقفا بهم بلباس أبيض وقالا أيها الرجال الجليليون ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء إن يسوع هذا الذى ارتفع عنكم إلى السماء سيأتى هكذا كما رأيتموه منطلقاً إلى السماء" (انظر اع 1: 3، -11).
وأيضاً يذكر سفر الأعمال على لسان الشهيد اسطفانوس: "ها أنا انظر السموات مفتوحة وابن الإنسان قائماً عن يمين الله" (اع 7: 56). وسفر الأعمال، وبالتحديد هذه الفقرات، موجودة فى النسخة السينائية التى نمتلك صورة منها.
كما ورد كلام عن الصعود فى رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس وهى أيضاً موجودة بالنسخة السينائية "الذى عمله فى المسيح إذ أقامه من الأموات وأجلسه عن يمينه فى السماويات" (أف 1: 20)... فالصعود حقيقة تكررت كثيراً مثلها مثل القيامة.
أما بخصوص إنجيل متى والآية التى تقول "فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" (مت 28: 19) فقد وجدت بالنسخة الفاتيكانية والنسخة السينائية والنسخة السكندرية فمتى أضيفت هذه العبارة فى رأى الأستاذة الدكتورة وهذه النسخ كلها سابقة لمجمع القسطنطينية 381م الذى تدعى هذه الدكتورة دون أى سند أنه ألّف الثالوث وفرضه على الأتباع؟!
:download: