كان القديس إيفاجريوس (مار أوجريس) يعلّم تلاميذه من الرهبان وذات يوم قال لهم عبارة بليغة خالّدة: إن "الراهب الكامل" هو الراهب الذي «بعد الله، يحسب الناس جميعا على أنهم الله نفسه»! (أو بترجمة أخرى: «بعد الله، يحسب أن الناس جميعا هم الله نفسه»)! المعنى، كما شرح البعض لاحقا، هو أن الراهب الذي يختار الزهد والنسك والطاعة ويتخلى حقا عن إرادته وعن ذاته وأناه ـ وبالتالي عن حدوده البشرية الضيقة ـ يستطيع عندئذ أن يرى "الحقيقة" في الآخرين، وهي أنهم "صورة الله"، فإذا رأي حقيقة الآخرين رأى أخيرا حقيقته هو أيضا وأدرك ـ اختبارا لا كلاما ـ كيف أنه أيضا هو نفسه صورة الله!
علاوة على ذلك فإننا في طريقنا الروحي ـ الذي غايته الأسمى هي "معرفة الله" ـ (أو "الرؤية"، "ثيؤريا"، بمعنى الرؤية الإلهية) ـ نمر قبل هذه الرؤية الإلهية بمرحلة يسميها الآباء "الرؤية الطبيعية": أي أننا قبل أن نرى الله مباشرة فإننا نراه في "الطبيعة" أولا، نراه أولا في "الخليقة" نفسها، ونراه بوجه خاص في الإنسان.
(هذه الرؤية ـ رؤية الله في خليقته ـ ليست طبعا بالمعنى الشاعري أو المجازي كما يردده كثيرون. بالأحرى يرى القديس الذي وصل إلى هذه المرحلة "المبادئ الإلهية" وراء الأشياء، يرى أسرار الخليقة وكيف تشملها عناية الله وحفظه، ومن هنا قد يصل البعض في هذه المرحلة للقدرات الفائقة أو الإعجازية، كالشفاء وطيّ الأرض وقراةة القلوب وغيرها).
خلاصة القول: محبتنا يا أمي للناس هي نفسها فرع من محبتنا لله! إذا كنا نحب الله حقا فمن الحتمي أن نحب الناس أيضا! وإذا كنا نريد أن نعرف الله ونطمح حقا لرؤيته فلابد أن نعرف الإنسان ونعرف حتى الخليقة كلها أولا!
وعليه ختاما أراني لا أستحق حقا أي تقدير يا أمي! أعتقد أنني بالعكس شخص أنانيّ جدا، كل ما كنت أطلبه هو فقط الله، حتى فوجئت بالمصادفة أن الطريق إلى سيدي يمر عبر قلبك هذا الصغير! مَن كان يصدق؟! يمر عبر قلب نعومة وقلب لمسة وقلب كلدانية وقلب أمة وقلب روك وقلب عبود وقلب......
***
أشكرك من جديد يا بركتنا الغالية، كذلك على كل الزهور والكروت والتصميمات الجميلة، عاطر التحية والتقدير وحتى نلتقي. ♥