في الترتيب الذي يقودنا الى الصيام، أحد مرفع اللحم الذي يليه مرفع الجبن الذي ينتهي فيه الزفر، ولكن الإشارة الى الأكل وعدم الأكل تشير اليه الرسالة وليس القراءة الإنجيليّة اذ لا يرى الإنجيل الا محبة القريب التي هي المدخل الى الصيام في عمقه، وغايـة هذه التلاوة لقاء المسيح عن طريق لقائنا القريب.
كلمة قصيرة عن اداء السيد للدينونة. يجلس على عرشه “وتُجمع اليه كل الأمم” المسيحيين منهم وغير المسيحيين فيميّز، في جلوسه الملوكي هذا، الإنسان عن الإنسان الآخر، ويفرّق الخراف اي خرافه عن الجداء التي لا يتعرّف عنها انها خرافه لأنها لم تعمل حسب قوله في الإنجيل او لم تعمل حسب ضميرها.
ويسمّي السيد الخراف مبارَكي أبيه، ويسمّي الجداء ملاعين. ربما أتت التسميات من كون الخراف بيضاء والجداء سوداء. ويقول المسيح للأبرار “رثوا المُلْك المعَدّ لكم منذ إنشاء العالم”. اي انكم بمحبتكم تكونون قد دخلتم الملكوت الذي أعددتُه لكم ودخلتموه لمّا جئت أدعوكم اليه في البشارة.
للأبرار يقول: “اني جعتُ فأطعمتموني وعطشتُ فسقيتموني ومريضًا ومحبوسًا فجئتم اليّ”.
وبعد ان استوضحه هؤلاء متى رأيناك جائعًا فأطعمناك وبقية الأوضاع (عطشان، مريضًا، محبوسًا) يجيبهم: “بما انكم فعلتم هذا بأحد إخوتي هؤلاء الصغار فبي فعلتموه”.
انت لا ترى المسيح بعد صعوده عيانًا، والصلة بينك وبينه شخصيًا هي إيمانك به ومحبتك له. ولكن المسيح ترك مسحاء على الأرض. هؤلاء الذين أحبهم بصورة خاصة اذ ليس لهم الا المسيح.
وبهذا دمج يسوع نفسه بالجائع والمريض والمحبوس وما الى ذلك. او، كما نقول اليوم، انه تماهى بهم اي جعل ماهيته ماهيتهم وجعل جوعهم جوعه ومرضهم مرضه، فهو معك ليس في الصلاة او الذبيحة الإلهية حصرا، وهو ليس معك فقط ان أقبلت الى مائدة القرابين ولكن، كما يقول الذهبي الفم، بعد أن تكون قدّمت ذبيحتك على المذبح اذهبْ الى مذبح أفضل، مذبح الأخ الفقير.
لا يخفّف السيد إطلاقا أهميّة العلاقة به المباشرة بالصلاة، ولكنه يريد ان نجعل محبتنا له مجسّدة بمحبّتنا للفقير والمقهور والمعزول والذي تركه أصدقاؤه او رذله أنسباؤه او العائلة التي تفرّقت او الذين تباغضوا ولم نجمعهم ان كنّا قادرين. هنا، على الأرض نُظهر محبّتنا حسب قوله المبارك: “أَحبوا بعضكم بعضا كما انا أحببتكم” اذ لا حدود للمحبة فهي لا تكتمل بصورة عابرة او موقتة ولا تنتهي الا عند موتك.
المسيح هو في الناس، وإن لم تره في المحرومين لن تلتقيه في الصلاة. محبة الرب ومحبة القريب متلازمتان. لا تخلص نفسك الا بهذا الحب المتين للذين لا يلازمهم احد.