الكلمة صار بشرا فسكن بيننا

لمسة يسوع

عضو نشيط
عضو نشيط
إنضم
20 أغسطس 2022
المشاركات
5,599
مستوى التفاعل
2,832
النقاط
113
فصل من بشارة القديس يوحنا الإنجيلي البشير (يوحنا ١، ١- ١٨)

في البَدءِ كانَ الكَلِمَة والكَلِمَةُ كانَ لَدى الله والكَلِمَةُ هوَ الله. كانَ في البَدءِ لَدى الله. بِه كانَ كُلُّ شَيء وبِدونِه ما كانَ شَيءٌ مِمَّا كان. فيهِ كانَتِ الحَياة والحَياةُ نورُ النَّاس والنُّورُ يَشرِقُ في الظُّلُمات ولَم تُدرِكْه الظُّلُمات. ظَهَرَ رَجُلٌ مُرسَل مِن لُدن الله، اسْمُه يوحَنَّا. جاءَ شاهِدًا لِيَشهَدَ لِلنَّور فَيُؤمِنَ عن شَهادتِه جَميعُ النَّاس. لم يَكُنْ هو النُّور بل جاءَ لِيَشهَدَ لِلنُّور. الكلمة هو النّور الحَقّ الآتي إِلى العالَم والمُنير كُلّ إنسان. كانَ في العالَم وبِه كانَ العالَم والعالَمُ لَم يَعرِفْهُ. جاءَ إِلى بَيتِه. فما قَبِلَه أَهْلُ بَيتِه.
أَمَّا الَّذينَ قَبِلوه وهُمُ الَّذينَ يُؤمِنونَ بِاسمِه فقَد مَكَّنَهم أَنْ يَصيروا أَبْناءَ الله: إِنَّهُم لم يُولَدوا مِن ذي دَمٍ، ولا مِن رَغبَةِ ذي لحم، ولا مِن رَغبَةِ رَجُل، بل مِنَ اللهِ. والكَلِمَةُ صارَ بَشَرًا فسَكَنَ بَينَنا فرأَينا مَجدَه مَجدًا مِن لَدُنِ الآبِ لابنٍ وَحيد مِلؤُه النِّعمَةُ والحَقّ. شَهِدَ له يوحَنَّا فهَتف: "هذا الَّذي قُلتُ فيه: إِنَّ الَّذي يَأتي بَعْدي قد تَقَدَّمَني لأَنَّه كانَ مِن قَبْلي". فمِن مِلْئِه نِلْنا بِأَجمَعِنا وقَد نِلْنا نِعمَةً على نِعمَة. لأَنَّ الشَّريعَةَ أُعطِيَت عن يَدِ موسى وأَمَّا النِّعمَةُ والحَقّ فقَد أَتَيا عن يَدِ يسوعَ المسيح. إِنَّ اللهَ ما رآهُ أَحدٌ قطّ الابنُ الوَحيدُ الَّذي في حِضْنِ الآب هو الَّذي أَخبَرَ عَنه.

✨"َالكَلِمَةُ صارَ بَشَرًا فَسَكَنَ بَينَنا" (يوحنا ١، ١٤)

في يوم عيد الميلاد، نقف بخشوع أمام آية تختصر سرّ الإيمان كلّه، وتفتح أمام القلب أفقًا لا يُستنفد: "والكَلِمَةُ صارَ بَشَرًا فَسَكَنَ بَينَنا".

ليس الأمر مجرّد حدثٍ تاريخي، ولا رواية جميلة تُستعاد كل عام، بل انقلاب هادئ في مسار العلاقة بين الله والإنسان. الكلمة، الذي به كان كل شيء، لم يكتفِ بأن يكلّمنا من العلاء، ولا بأن يرسل وصايا أو أنبياء فقط، بل دخل لغتنا، ولبس هشاشتنا، وحمل جسدنا، وسكن زمننا. لم يعد الله فكرة بعيدة، بل صار وجهًا يمكن النظر إليه، وصوتًا يمكن سماعه، وقلبًا ينبض في وسط العالم.

"سكن بيننا"… لم يأتِ ضيفًا عابرًا، ولا زائرًا مؤقتًا، بل اختار أن ينصب خيمته في قلب الواقع الإنساني بكل ما فيه من فقر وفرح، من دموع ورجاء. سكن بيننا في عائلة بسيطة، في بيت متواضع، في تاريخ مليء بالانتظار والجراح. وكأن الله يقول للإنسان: لن أخلّصك من بعيد، بل من الداخل.

في هذا المقطع من الإنجيل، نسمع أن النور أشرق في الظلمات، والظلمات لم تدركه. الميلاد هو هذا النور الذي لا يُلغِي الظلمة بقوة، بل يخترقها بوداعة. نور لا يفرض نفسه، بل يُعطى. نور طفل، لا سيف. وهنا تكمن المفارقة الإلهية: القدرة المطلقة تختار الضعف، والمجد يختبئ في مذود، والأزلي يدخل الزمن.

"أما الذين قبلوه فقد مكّنهم أن يصيروا أبناء الله". الميلاد ليس فقط إعلانًا عمّن هو الله، بل كشفًا عمّن نحن مدعوون أن نكون. في الطفل المولود نكتشف كرامتنا، وفي التجسّد نفهم أن الإنسان ليس مرفوضًا ولا منسيًا، بل مُختارًا ومسكونًا بحضور الله.

عيد الميلاد هو دعوة لأن نعيد النظر في حياتنا: هل نسمح للكلمة أن يسكن بيننا حقًا؟ لا في الكنائس فقط، بل في بيوتنا، في علاقاتنا، في جراحنا، وفي ضعفنا اليومي. الله لا يزال يريد أن يولد، لا في مغارة بيت لحم فحسب، بل في قلب كل إنسان يفتح له بابًا.

في هذا العيد، لنقف بصمت أمام المذود، وندرك أن أعظم عطيّة ليست ما نُقدّمه، بل ما نسمح له أن يفعله فينا. الكلمة صار بشرًا… لكي لا يبقى الإنسان وحده بعد الآن

 
أعلى