الدرس التاسع والسبعون في أساسيات الإيمان المسيحي: جهنم

My Rock

خدام الكل
مدير المنتدى
إنضم
16 مارس 2005
المشاركات
27,311
مستوى التفاعل
3,159
النقاط
113
الإقامة
منقوش على كفيه
الدرس التاسع والسبعون: جهنم

Hell-bible.jpg


كثيراً ما يصف البشر إختباراتهم البشعة وتجاربهم القاسية بأنها جهنم كتعبير لوصف ما مروا به من الآم واوجاع. والحقيقة انه لا يوجد مفهوم كتابي اكثر كأبة او يدعي للفزع أكثر من فكرة جهنم.

السيد المسيح بنفسه تحدث وعلم عن جهنم. الكتاب المقدس بشكل عام يصف جهنم كمكان للظلمة الخارجية وبحيرة النار وموضع البكاء وصرير الأسنان ومكان الانفصال الأبدي عن بركات الله وأنها سجن ومكان العذاب الأبدي. هذه الصور والتعبيرات دفعت الكثيرين للتفكير إن كانت هذه الأوصاف حرفية ام مجرد رموز.

مهما كان تحليلنا لمفهوم جهنم ستبقى مكان للعقوبة القاسية والإنفصال عن الله بشكل ابدي. ابدية هذه العقوبة وهذا الأنفصال هو احد اكثر النواحي المخيفة لان البشر بطبيعتهم قادرون على التحمل إن كان للأمر نهاية زمنية.

فهمنا لهول عقاب جهنم هو شئ مهم لاننا فيه نفهم مدى تضيحة المسيح وعندها سنقدر عمل المسيح الذي أعطانا خلاص من هذه العقوبة الأليمة.

الخلاصة
الآم جهنم افوق أي بؤس والم موجود في هذا العالم. السيد المسيح والكتاب المقدس وصفوا جهنم بأنها مكان للعقاب والأنفصال الأبدي عن الله. جهنم هي حضور الله في دينونته. معرفتنا بجهنم وهول العقاب المتعلق بها يجعلنا نعي مقدار التضحية التي قدمها لنا المسيح

شواهد كتابية للتأمل

  • متى 8: 11-12
  • مرقس 9: 42-48
  • لوقا 16: 19-31
  • يهوذا 1: 3-13
  • رؤيا 20: 11-15
ملاحظة: باقي من سلسلة الدروس في اساسيات الإيمان المسيحي درس واحد فقط.
 
إنضم
21 مارس 2008
المشاركات
7,800
مستوى التفاعل
770
النقاط
113
الإقامة
عائدٌ من القبر
بحيرة النار والكبريت في الفكر الآبائي

قبل الشروع في الدراسة أحب أوضح ان فكرة الجحيم في المسيحية الأرثوذوكسية تختلف تماماً عن الجحيم في صورته الفلكلورية المتعارفة، فمثلا حاول بعض الرسامين المسيحيين في العصور الوسطي تصوير الجحيم في الاعمال النحتية والتصويرية فأخرجوها في صورة مساحة كبيرة من النار يتعذب فيها البشر، بل وبالغ البعض منهم بأن صور الله يلقي فيها البشر بواسطة ملائكته كنوع من العقوبة ! في صورة تشوه صورة الله وتحوله الي اله "منتقم جبار" هدفه الاقتصاص ممن خالفوه وعصوه فتتمثل عقوبته العادلة في وضع هؤلاء البشر في عقاب "عادل" وهو تعذيب "هيولي" دائم في نار لا تطفئ !!ـ

سنقوم سويا بتحليل هذا المعتقد الخاطئ من خلال كتابات آبائنا القديسين ومن خلال المنطق لتتضح الصورة الصحيحة للجحيم من المنطق الآبائي:ـ

نبدأ أولا بالصورة الحقيقية للجحيم ثم ننطلق للرد علي الصورة الخاطئة:ـ

قبل أن نبدأ في تحليل الصورة الصحيحة للجحيم لنتذكر قول القديس صفرونيوس
”كل من يحاول أن يغرس أي فكرة ما ضد محبة الله ... فهو متحالف مع الشيطان“ كتاب "الخوف" للقديس صفرونيوس

ولنتذكر كلمات القديس امبروسيوس
الرب يسوع عنده محبة لنا، بها يجذبنا الي نفسه، ولا يرعبنا لئلا نبتعد عنه
"Concerning Repentance", by St. Ambrose, NPNF II-X, Books I, Chapter I

ودائما تذكر هذه القاعدة في محاولة فهمك لتدبير الله كما وضحها القديس يوحنا ذهبي الفم
ينبغي الا ينسب أحد القسوة الي الله
تفسير الاصحاح الثاني لرسالة بولس الرسول لاهل افسس، العظة الرابعة عن النص اليوناني

ويجب أيضا ان ترفض اي فكرة تفترض وجود الله منفصلاً عن الحب، فيشرح هذا القديس يعقوب السروجي فيقول:ـ
"الله لا يسكن حيث لا يوجد الحب"
من قصائد القديس عن العذراء مريم

لنبدأ من المنطق، لنتخيل هذا السيناريو الصغير، أم لديها طفلة وحيدة وبمشاعر أمومتها المعتادة فهي تعشق طفلتها، ولكن طفلتها الصغيرة لا تكف عن التهام الشيكولاتة ! ولعلم الأم بأن هذه الشيكولاتة مضرة للطفلة فهي دائما ما تحثها علي ترك هذا النهم لانه مضر لها (تسويس في الاسنان، سمنة وما يتبعها من أمراض ... الخ)، تخيل معي عزيزي ان هذه الأم هي الله، وطفلتها هي انا وانت، ان الله بمحبته يسعي دائما ليخلصنا مما يهلكنا، ما يهلكنا هنا يمثله قطعة الشيكولاتة (الخطية) التي بنهمنا لا نكف عن تناولها رغم خطرها المميت ! تخيل معي ان الأم أعطت للطفلة فترة عشر سنوات حتي تنهي هذه العادة ، وعند انقضاء هذه المدة ان لم تكف واستمرت في تناولها ستقوم بوضعها في "زيت مغلي للأبد" !!! انتظر معي ... انها لن تضع قطعة الشيكولاتة في الزيت المغلي للأبد بل ابنتها !!!!!!!!! ما رأيك في هذا السيناريو ! هل تجده منطقيا !؟؟ لا أظن ! فهي ليست أم سوية ان نفذت هذا بحجة العدل !! فأي عدل يقول ان ابنتها تستحق العقوبة البشعة ويجب ان تُعاقَب بهذا العقاب البشع لانها أصرت علي خطأها !! ... امهل نفسك دقائق ولا تكمل القراءة من فضلك وتخيل هذه الصورة بتفاصيل أحداثها (بأدق التفاصيل وعندما تنتهي عاود القراءة) .... هل تصدق انك تقول علي الله نفس الشئ وتصفه بنفس الصفات !! انه يعذب من يخالفه من أبنائه لانه "مبيسمعش الكلام" بأبشع عذاب ممكن أن تتخيله ! والعجيب ان الانسان يجبر عقله علي تقبل هذه الصورة الفلكلورية بحجة ان الله "عادل" ولابد أن يكون "عادلا" ولكننا سوف نناقش العدالة الالهية في نهاية المقالة ليتضح لك فساد هذا المنطق بتناقضه مع ذاته.ـ

يقول القديس امبروسيوس
روح الله يميل الي الرحمة، وليس الي القسوة
"Concerning Repentance", by St. Ambrose, NPNF II-X, Books I, Chapter II


بعد أن حللنا الصورة الخاطئة لننتقل للفكر الآبائي:ـ
قد تتعجب او تصدم حين تعرف ان الجحيم في الفكر الآبائي ما هو الا "حب الله" ! يشرح القديس اسحق السرياني فيقول:ـ
”انه من الخطأ ان نظن ان الخطاة في الجحيم مبعدين عن حب الله ! الحب هو ابن معرفة الحق، وانه لا جدال مُعطَي للجميع، ولكن قوة الحب تعمل في طريقين: تعذب الخطاة وفي نفس الوقت تسر من عاشوا وفق الحب“
العظة 84 من ميامر مار اسحق السرياني


كيف تعمل نفس العطية المحبية في اثنين بطرق مختلفة فتصير للواحد فرحاً ونعيماً وللآخر ألما وعذاباً ؟ لنتخيل هذا التصور الاسخاتولوجي الفائق الوصف نحتاج لاستخدام امثلة مبسطة تصويرية كما اعتاد السيد المسيح ان يشرح علاقته مع أحبائه من خلال أمثال، فلنتخيل وجود آيس كريم (جيلاتي) ولدينا شخصين، كل شخص سنقوم باعطاءه الآيس كريم، أحد هؤلاء الشخصين كان يهتم بأسنانه، ينظفها باستمرار فصارت قوية، بينما الآخر لا يهتم بها، فتسوس بعضها، ان اعطينا الشخصين كليهما آيس كريم، فأحدهما سيستمتع بأكلها والآخر سيتعذب بأكلها وستؤلم اسنانه لانخفاض درجة حراتها او لكمية السكريات التي تؤلم أسنانه، انها نفس العطية ولكن لان طبيعة المستقبلين رغم كونها نفس الطبيعة البشرية آلت لحالة مختلفة صار تأثير العطاء المختلف للواحد استمتاع وللآخر عذاب ! انه نفس الحال، الآيس كريم يمثل محبة الله المعطاة للاثنين، هي عطية محبة للاثنين ليست تعذيبية او عقابية انتقامية لتحقيق عدالة، الانسان ذو الاسنان المسوسة الضعيفة هو الذي افسد طبيعته الخاصة ، والانسان ذو الاسنان القوية هو من يهتم بالقيام بعد السقوط لاستمرار اتحاده بالطبيعة الالهية غير المرئية المعطية له الحياة، صارت العطية للاثنين مختلفة رغم انها نفس العطية ومستقبلها له نفس الطبيعة، ولكن ما آلت اليه الطبيعة هي حالة مختلفة صيرت التأثير مختلف، كذلك المحبة الالهية تصير فرحا في المطوبين وعذابا في الهالكين

يؤكد القديس اغسطينوس نفس الرأي بمثال آبائي كلاسيكي مشهور فيقول:ـ
"كيف تريد أنت أن تري طلوع الشمس بعينين مريضتين ؟! اعمل علي أن تكون عينيك سليمتين فتفرح بالنور. أما إذا كانتا مريضتين فالنور عذاب لهما"
خواطر فيلسوف في الحياة الروحية - الكتاب الخامس - الفصل العاشر ص 291

حب يعذب ؟؟؟! نعم، هكذا علمنا آبائنا، ان الجحيم ليس انتقام أو تعذيب أو تشفي، بل حب مقدم من الله، يقع علي البعض سعادة وفرح وعلي الآخرين ألم وعذاب وحزن، مع انه ذات الحب بدون أي اختلاف ! فان الله لا يقدم سوي حب، فان طبيعته لا تستطيع ان تقدم غير هذا ! لأنه "محبة" ! كما يوضح الآباء في الرسالة الي ديوجينيتوس
الله كان دائماً محباً وسيبقي كذلك علي الدوام، وهو خال من أي ميل للانتقام
الرسالة الي ديوجينيتوس الفصل الثامن

ونفس المعني أكده اللاهوتي الأرثوذوكسي كوستي باندلي
”الحب يعمل بطريقتين مختلفتين فانه يصبح عذابا في الهالكين وفرحا في المطوبين“
الله والشر والمصير لكوستي بندلي ص 178

وهو نفس ما ذكره القديس اسحق السرياني حين يقول أن الحب يعاقب الانسان بعذاب لا مثيل له بسبب تشوهه بالخطية :ـ
في جهنم يتعذبون بعذاب الحب، فما هو الأكثر مرارة والأشد من عقاب الحب ؟ أعني هؤلاء الذين أصبحوا مدركين انهم اخطأوا تجاه الحب، فانهم يعانون بهذا عذاب أكثر من عذاب أي خوف من العقاب ! لأن الألم الناتج في القلب من الخطية ضد الحب أكثر حدة من اي عذاب.
Ascetical Homilies 28, Page 141

كما يجدر ان نلاحظ ان الحب شعور متبادل، فيكون العذاب فيه ان كان من طرف واحد !! حاول الله أن يزرع فينا هذه الصورة بعلاقات الحب البشرية، اعطانا صورة مصغرة لنتخيل هذا، هل جربت أن تحب شخص لا يحبك ولا يهتم بمشاعرك ؟ هل تألمت بهذا ؟ انه شعور ابوك السماوي الذي تقابل حبه بلا مبالاة، هل جربت ان تتلقي حبا من شخص حب عظيم وتكون في حالة لا مبالاة ويتعبك انه يقدم لك هذا الحب وانت عاجز عن مبادلته اياه لانك لا تطيقه ولكنك تقدر حبه واعمال حبه تجاهك ؟ تعجز عن رفضه لانه يعشقك وفي نفس الوقت لا تحتمل وجوده، تعذبك نظرات حبه لك وفي ذات الوقت رفضك له يمنعك من مجاراته رغم تقديرك لحبه ! هذا هو شعورك انت تجاه الحب الالهي في صورة مصغرة وضعها الله (في حياتك الدنيوية) لتتخيله فيها بقدراتك المحدودة، عن هذا يقول القديس سلوان الآثوسي
عرف آدم، أب كل البشرية، لطف وعذوبة حب الله في الفردوس، وهكذا توجّع، بمرارة، عندما طُرد من جنة عدن بسبب خطيئته وخسر حب الله. فأنتحب بزفرات عظيمة، وملأ عويله كل الصحراء لأن روحه كانت معذّبة بالفكر التالي: "إني أغضبت الله الذي أحبه ويحبني". لم يندم آدم كثيراً على فقدان الجنة وجمالها، لكنه ندم لأنه خسر حب الله الذي في كل لحظة يشد الروح إليه بدون توقف. كذلك كل نفس عرفت الله بالروح القدس، ثم فقدت النعمة، تمر بالعذابات التي مر بها آدم. الروح مريضة وتجرّب بندم مؤلم لأنها جرحت حب سيدها
St. Silouan the Athonite, by Archimandrite Sophronii, St. Vladimir Press.

ان الله في كل مكان، حتي في الجحيم، وحيث يوجد الله يوجد بحبه لان طبيعته لا تتغير، يؤكد القديس اغسطينوس وجود الله حتي في الجحيم بقوله:ـ
"أنا لم أصل الي الجحيم، اما انت فموجود فيها، ولو كان مصيري ان اهبط الي الجحيم لوجدتك هناك"
اعترافات القديس اغسطينوس - الفصل الاول

ويقول القديس يوحنا ذهبي الفم عن عذاب الحرمان من تذوق حب معيته ومن الملكوت فيه:ـ
ستشعر بالعذاب أكثر من أي عقاب، وتحزن وتبكي، بل وتعتبر ذلك موتاً متكرراً ... فان فكرة وجود ملكوت الله كافية لفنائك وهلاكك اذا ما وُجِدَ وكنت محروماً منه
تفسير الاصحاح الثاني لرسالة بولس الرسول لاهل افسس العظة الرابعة عن النص اليوناني

فان عجزت عن تقديم الحب واستقباله فقد فقدت انسانيتك، فقدت أعظم ما يمكن أن يُقدم ويُستقبل، ان تقديم الحب ممتع بمثل ما هو استقباله ! لهذا فان الجحيم هو ان تصير عاجز عن تقديمه، يتناول القديس زوسيما هذا الموضوع فيقول
ما هو الجحيم ؟ انه المعاناة لعدم امكانية أن تُحِب مرة أخري
The Mystery of Faith’ by Metropolitan Hilarion Alfeyev

ويقول القديس يوحنا الدمشقي
ما هو الجحيم الا الحرمان مما هو مرغوب فيه بشدة
Against the Manicheans, PG 94:1573ΑΒ


صرت عاجزا عن تقديمه وصرت عاجزا حتي عن استقباله استقبالاً سليماً، رغم انه موجود فلا موضع يخلو من حب الله ! ولكن طبيعتك تعجز عن تلقيه تلقي سليماً ! هذا هو الجحيم بعينه، تكون عطشان للحب وتجد نفسك عاجز عن الوصول اليه ! وهذا ما يعلمه القديس اسحق السرياني
لا يوجد انسان مُبعد عن حب الله، ولا يوجد مكان يخلو من حب الله، ولكن كل من بتعمده يختار الشر بدل الخير يحرم نفسه من رحمة الله ... انه ذات الحب الالهي الذي يكون مصدر النعيم والعزاء للصالحين في الفردوس يصير هو نفسه مصدر العذاب للخطاة، لأنهم لا يستطيعوا المشاركة فيه ويكونون خارجه
The Mystery of Faith’ by Metropolitan Hilarion Alfeyev

لا تظن أبدا ان الله يسعي لعقابك ! أو انه خلق لك الجحيم عقابا عادلا ! ان الله لم يخلق لك جحيما بل أنت خلقته لذاتك ووضعت ذاتك فيه ! ان الجحيم وُجد كوجود سلبي، ليس لك بل لمن تستطيع طبيعتهم تقبل هذه الحالة، لتفنيد هذه النقطة نحتاج للحديث عن ثلاث نقاط أولها معني الوجود السلبي وثانيها اثبات انه خٌلِقَ لغيرك وثالثها اثبات انك من خلقت الجحيم وليس الله

النقطة الاولي هي الوجود السلبي، والوجود السلبي هو ما يتخذ وجوده من انعدام وجود نقيضه، اشهر مثال علي الوجود السلبي هو وجود الشر فيقول القديس اثناسيوس
الشر ليس موجود بذاته، بل هو انعدام الخير والحالة المضادة للخير
تجسد الكلمة 1: 4

ان لم تستطع تخيل الصورة، فاسألك هل للظلام وجود ؟؟؟ ان قلت نعم فأنت مخطئ، لان الظلام ما هو الا انعدام النور، اذن فهل للجحيم وجود ! لا فانه انعدام الشعور بالتلذذ والمتعة بالحب الالهي !! هل الله لم يحب ! حاشا بل احب ولم تستطع ان تعيش انت هذا الحب ! انه كوجود النور للاعمي، النور موجود ولكن لعماه يعجز عن استقباله فيصير له النور ظلاما ! الحب موجود ولكن لفسادك تعجز عن استقباله فيصير لك الحب الما !ـ

اما النقطة الثانية فهي في غاية الأهمية: ان الجحيم لم يوجد لك انت، بل لمن تناسب طبيعتهم وجوده، انه رحمة وحب لهم رغم خطيتهم !!! تذكر الله لا يقدم سوي الحب هل اتجاوز وأقول حتي للشيطان، نعم، حتي للشيطان حيث هيأ له المكان الذي يناسب طبيعته، يشرح هذا القديس غريغوريوس بالاماس متكلما بلسان الله:
”لم تكن تلك ارادتي المسبقة، لم أخلقك لهذا الغرض، لم أخلق بحيرة النار والكبريت من اجلك ! بل كانت بحيرة النار الغير مائتة قد اُشعِلَت للشياطين ومن يتحملون معيشة الشر. “
Homily 4 on the Second Coming

قبل ان تعترض علي هذا الكلام، أرجوك تذكر ان طبيعة الله لا تقدم الا الصلاح حتي للاشرار وأشدهم شرا، وهو ما وضحه القديس انطونيوس الكبير
"كيف يمكننا الحديث عن الله بقولنا انه يفرح بالابرار ويظهر رحمته لمن يكرمونه، ويحجب وجهه عن الاشرار ويغضب علي الخطاة ؟ ...الله صالح وهو فقط يمنح كل عطية صالحة ولا يمكنه ان يقدم الضرر والاذي لانه لا يمكنه ان يتغير"
The philokalia translated from greek by G. Palmer, P. Sherrard, Kallistos Ware

الله لا يعطي سو الصالحات للجميع، حتي مع اشد الكائنات سقوطا وفسادا كالشيطان يبقي الله معطاءا !! فان الله طبيعته معطاءة للخير والحب وهو لا يناقض طبيعته كما يقول القديس يوحنا الدمشقي
الله يعطي الصالحات حتي للشيطان ! ولكنه لا يقبل ان يستقبلها، في الابدية الله يعطي الصالحات للجميع، لانه مصدر الصالحات ويتدفق خيره علي الجميع
Against the Manicheans, PG 94:1569Β

اما أهم النقاط انك انت من خلقت الجحيم لذاتك وليس الله
ويشرح هذا القديس يوحنا سابا (الشيخ الروحاني) قائلا:ـ
”ويل للنفس التي من التطويبات منعت ذاتها بهواها الشرير ... وأعمت ذاتها لكي لا تبصر بهاء طبعها، هذه التي الجحيم داخلها ... من اغلق في وجهك الباب لكي لا تبصري وجه ربك ؟! ان مفاتيح ملكوته بيديك جعلهم واعطاك سلطان الفتح والغلق“
المخطوطة 163 بدير السريان الميمر الثاني عشر علي عظمة أقنوم الروحانيين

وهو ذاته ما يؤكده القديس يوحنا الدمشقي حين يعلم قائلا
ليس لان الله صنع الجحيم، بل نحن من اوجدنا الجحيم لذواتنا، كما انه بالتأكيد ليس الله هو من صنع الموت، بل نحن من سببناه لانفسنا.ـ
Against the Manicheans, PG 94:1569Β

فان في الانسان تكمن جرثومة موته، كما يقول القديس اغسطينوس
"ان الانسان ينطوي علي جرثومة موته"
اعترافات القديس اغسطينوس - الفصل الاول

ويؤكد هذا المعني القديس باسيليوس أيضا:ـ
"ليس الله مسببا لعذابات الجحيم بل نحن انفسنا، لان اصل الخطية وجذرها كائن في حريتنا وارادتنا"
الرؤية الارثوذوكسية للانسان ص 137

ونفس المعني نجده في تعاليم القديس اثناسيوس حين يعلم
البشر حين يرفضون الأمور الأبدية وبمشورة الشيطان يتحولون الي الأمور الفاسدة يكونون لأنفسهم سببا في فساد الموت !ـ
St. Athanasius the Great On the Incarnation 5, Migne, PG 25. 104-105


انت وانا من جمعنا لذواتنا النيران واشعلناها وجعلناها موضع نسكن فيه، لم يرد الله هذا، بل وسعي لنقيضه، ولكن نحن من انشأنا عازل المحبة بيننا وبيننا، شيدنا جحيمنا بايدينا ! شيدناه بوجوده السلبي !! كان التدبير أن يوجد الملكوت داخلك ان تُغلب من المحبة، ان يصير لك الحب الالهي موطن حياة أبدي، فقمت أنت بوضع نفسك بمثابه العاجز عن تلقي الحب وعن تقديمه صيرت ذاتك لذاتك جحيما للأبد، فيقول العلامة أوريجانوس
”عندما تجمع النفس في داخلها اعمالا شريرة كثيرة وخطايا عديدة يأتي وقت تغلي فيه هذه الشرور ... عندما تجد النفس انها خرجت بارادتها من الترتيب والتدبير الكامل الانسجام مع ذاتها سوف تتحمل النفس الام العقوبة التي جلبتها علي ذاتها بخروجها الحر وسوف تشعر بعقوبة تغربها وتشتتها خارج هذا التديبر. “
The faith of the early fathers vol I, p196

اياك ان تتخيل ان الله لغضبه قرر معاقبتك بالجحيم كعقوبة عادلة ، ان الجحيم ليس غضب وحكم عادل من الله عليك !!! وقد أكد آبائنا القديسين هذا المعني، وعلي رأسهم عظيم وأب الآباء القديس انطونيوس الكبير
الله صالح وغير متغير. الذي يعتقد أنه من المنطق والحق أن نؤكد أن الله لا يتغير سوف يسأل في هذه الحالة: "كيف يمكن الحديث عن الله كفَرِح بالصالحين ويظهر رحمته لممجديه، وكمتحول بعيدا عن الأشرار وغاضب علي الخطاة ؟!"، وعن هذا يجب أن تكون الاجابة: ان الله لا يفرح ولا يغضب لأن الفرح والاهانة مشاعر (آلام)، وان الله لا يكتسب عطية من ممجديه ! فلا معني لكونه متأثر بالمتع ! ولا يصح ان اللاهوت يشعر برضا او عدم رضا من حالة الانسان ! أن الله صالح، وفقط يمنح بركاته، ولا يؤذي أبدا، فهو يبقي دائما كما هو، ولكننا نحن البشر علي الجانب الآخر، ان ظللنا صالحين من خلال التشبه بالله نظل متحدين به، ولكن ان بقينا اشرار بعدم التشبه بالله ننفصل عنه، بالحياة في القداسة نلتصق بالله، وبالشر نجعله عدونا، ليس لأنه غضب مننا في صورة حُكم، ولكن لأن خطايانا منعت الله ان يلمع فينا وتعرضنا للشياطين ليعذبوننا. “
St. Anthony in the Philokalia, ch. 150, first volume

ان الله هو هو غير متغير مقدم للمحبة وداعِ للشركة فيه ولا يقدم سوي الخيرات، وما الجحيم سوي عدم امكانية تقبل تلك العطايا والنعم الالهية للشركة فيه، يقول القديس يوحنا الدمشقي موضحا ان العذاب ليس عقاب العي، بل عدم امكانية الشركة في الله والتمتع والتلذذ به:ـ
الله لا يعاقب أحد في المستقبل، لكن الجميع يجعلوا أنفسهم مستقبلين للشركة في الله. فالشركة في الله فرح، بينما عدم الشركة فيه هو الجحيم !ـ
Against the Manicheans, PG 94:1545D-1548A


بعد ان شرحنا الصورة الصحيحة للجحيم لنأتي للرد علي الصورة الخاطئة ومعللاتها:ـ

اقوي النصوص التي يتشدق بها اتباع الصورة الفلكلورية للجحيم هو وصف السيد المسيح لها بانها بحيرة نار وكبريت وصرير اسنان ودود ونيران لا تطفأ .... الخ، لكن هؤلاء يتجاهلون ان المسيح علم بأمثال وصور غير مطابقة للحقيقة بنسبة مئة بالمئة ! ان تعاليم المسيح تعاليم رمزية لا فلسفية، تخيل معي ان المسيح يشرح ما شرحناه لفلاح بسيط او لراعي غنم ! ان الفلسفة عدوة البسطاء ! لم يكونوا ليفهموه لذا كثيرا ما علمهم بما يناسب تخيلهم فيقول خرج الزارع ... الخ او كان لانسان ابنان ... الخ أو عن راعي للخراف ... الخ، انه يحدثهم بمفهومهم هم (الصور التمثيلية) لا بالحقيقة المطلقة (عمق الفلسفة المسيحية)، يوصل لهم المعاني من خلال مسلماتهم البسيطة، ولأن الانسان البسيط في عصر المسيح كان يخشي قوي الطبيعة المجهولة وأشدها النيران والأمراض، فقد صور له المسيح حالة الجحيم بأنها كبحيرة ممتلئة بالنار وبها دود (الذي يظهر مع المرض) وهذا ما أكده آبائنا ووضحه القديس امبروسيوس
”صرير الأسنان ليس صرير أسنان جسدية ! وليس الدود أيضا جسديا ! لم تكتب هذه الأمور الا لأن الدود يظهر مع الحمي الشديدة، وكذلك من لا يتوب ويطهر من خطاياه سوف يحترق في ناره ويتآكله دوده. لهذا كتب اشعيا سيروا في نيرانكم والشرار الذي أوقدتموه (اش 50: 11) انها نيران كآبة الخطية ونتيجتها، انها كالدود لأن خطايا النفس تطعن العقل والقلب وتأكل أحشاء الضمير. “
The Faith of the Early Fathers Vol 2 p 163

ويقول الاسقف كاليستوس وير استاذ الدراسات الارثوذوكسية بجامعة اكسفورد عن لغة المجاز في العهد القديم عن غضب الله وعقابه
"ان اللغة التعليمية التي تستخدم المجاز (والذي لا يجب ان تتحول الي عقيدة بل يبقي كمجاز تعليمي) هي لغة موجهة في العهد القديم الي شعب غليظ الرقبة وعنيد، لغة تشرح نتائج الشر باسلوب وصور يمكن ان يتفهمها الانسان الساقط ... ولكن الله ليس بمنتقم كالبشر !ـ"
Elements of faith p. 84

وعن المجاز في لغة الكتاب يتحدث العلامة اريجانوس فيقول:ـ
عندما نكلم طفل عمره سنتان، نستخدم لغة "طفولية" من أجل الطفل، لأنه ان التزمنا باللغة الناضجة وتحدثنا الي الطفل دون أن ننزل الي طريقة كلامه لن يفهمنا. تخيل ان ما يحدث هو ذات الأمر في حالة الله، حين يتعامل مع البشر وبخاصة الذين ما زالوا أطفال ... ستجد العديد من الأمثلة [في الكتب المقدسة] حيث يسلك الله طرق شبيهة بالبشر ! فإن سمعت عن "غضب" الله و "نقمته"، لا تفكر في النقمة والغضب كمشاعر يجتازها الله ! ... الله في الحقيقة ليس بناقم ولا غاضب
Homilies on Jeremiah 18

وهو ذاته ما أكد عليه القديس القديس مار اسحق السرياني
" ان كنا نتخيل ان الغضب او الغيرة او ما يشابه له اي صلة بالطبيعة الالهية فهذا شئ كريه بالمرة لنا، لا يوجد عاقل عنده فهم بالمرة ويمكنه ان يتصور بهذا الجنون شيئا مثل هذا عن الله، ولا نستطيع ايضا ان نقول انه من قبيل العقوبة يتصرف، حتي ولو كان الكتاب المقدس من الظاهر يعلن ذلك، فمجرد التفكير هكذا عن الله وتوقع ان عقوبة الشر موجودة عنده شئ كريه ... لانه تجديف ان نظن ان الله يكره او انه يرفض الخليقة"
Mystic treatises of Isaac of nineve, translation by A.J. Wensinck

ثاني أهم النقط التي يتشدق بها اتباع الصورة الفلكلورية هي "عدالة الله" وللأسف هنا البشر يقيسون عدالة الله بعدالة البشر ! وهذا قمة التشويه لعدالة الله ولصورة الله عامة، لعلك لم تلاحظ ولم تدقق في ان عدالة البشر عدالة عاجزة ! ان قتل أحدهم الآخر تقول العدالة البشرية ان يُقتَل القاتل (كان لدينا ميت فصار لدينا ميتين !)، لان العدالة البشرية ببساطة لا تستطيع رد الحياة المسلوبة من المقتول، بينما عدالة الله هي ان ترد حياة المقتول اليه وان القاتل يُقَوَّم و "يُعَدَّل"، انها عدالة للمعوج ، أي تعديله (معني عدل (ويترجم احيانا بر) العبري يتفق مع عدل العربي في انه يشمل معنيين العدل اي ارداد الحق والعدل أي تقويم المعوج "عدله")، فكما رأينا عدالة الله غير عدالة البشر، عدالة البشر هدفها معاقبة الانسان، من كسر يد رجل تكسر يده ! (كان لدينا معاق واحد بالعدالة البشرية صار لدينا اثنان) ! انما عدل الله فـيُقَوَّم (يُعَدَّل) صاحب اليد المكسورة بحيث تُرَد اليه اليد صحيحة ويُقَوَّم (يُعَدَّل) الطرف المتعدي بان ترجع طبيعته للاستقامة (العدل والتقويم) بعدما آلت اليه من فساد واعوجاج وهلاك !ـ
من أروع من انتبه لهذا وعلمه هو القديس يوحنا ذهبي الفم حين قال:ـ
"ان الكنيسة مستشفي وليست محكمة"
العدالة الالهية حياة لا موت مغفرة لا عقوبة للد. هاني مينا ميخائيل

لا تظن ان الله يتحول من اله محب الي اله منتقم لينفذ عدله فيعادي هؤلاء من رفضوه وعصوه ويصير مصدر عذابات متعددة له، ان الله لا يعادينا بل نحن من نفعل، اما هو فيبقي مثلما هو لا يتغير بل يظل محباُ كما يوضح القديس يوحنا ذهبي الفم
ان الله ليس هو من يعادينا، ولكن نحن من نفعل ! الله لا يعادي قط !ـ
PG 61. 478

ان الله يامرنا بالمغفرة لمن يخطئ الينا حتي وان كان غير مستحق المغفرة افلا يغفر هو لمن اخطأ اليه حتي وان كان غير مستحق المغفرة ؟ بل وعجبا يراه البعض يصر علي العقوبة لتحقيق العدل حتي وان كان الهدف التقويم ويطالب باستحقاقات للمغفرة ؟ ان ما شوه تلك الصورة هو محاولة تطبيق العدالة البشرية علي عدالة الله ولهذا يقول اللاهوتي الارثوذوكسي رومانيدس
"لكي نفهم الكتاب المقدس علينا التخلي الكامل عن اي نظام للعدالة مما نعرفه بحسب الحياة البشرية بعيدا عن الله والتي تطالب بالعقوبة والثواب تبعا للقوانين الوضعية"
مقالة الخطية الاصلية في تعليم بولس الرسول

فلا تظن ان الله يعاملك بمنطق العدل البشري لانه معك يعاملك كأبن، يتغاضي كثيرا عن أخطائك ليقومك (هدفه العلاج لا العقوبة) راجع مفردات وكلمات القديس اثناسيوس التي تركز علي العلاج وتنفي العقوبة حيث يقول القديس اثناسيوس
"نظرت الي سوء افعالي ولم تعالجني بالعقوبة ولم تهتك ستري عند وقعتي"
الصلوات السبع لايام الاسبوع مكتبة دير السريان العامر

واكد القديس مار اسحق السرياني نفس المعني
"لا تدع الله عادلا، لان عدالته لا تعلن في الامور المتعلقة بك، اين اذن عدالة الله ؟! هو صالح حسب كلمات المسيح مع الاشرار وايضا مع غير الاتقياء !!"
Christos Yannaras - Elements of Faith - T & T Clark, p83

وعن نقطة العدالة استفاض القديس اسحق السرياني شرحاً ليؤكد ضرورة سوء فهم الله بصورة المنتقم حين نحاول ان نتخيل عدله بصورة بشرية، ويؤكد علي كونه حب وهذا الفكر يخالف منطق الحب فيقول
الحب لا يهدف أبدا للتعذيب ... اما من يعتقد ان الله منتقم باعتبار ان هذا يؤكد عدالته فانه ذاته يتهم الله بأنه خال من أي صلاح ! ان الانتقام لا يوجد أبدا في ينبوع الحب والمحيط المملوء من الصلاح
Ascetical Homilies 48, Page 230

:ويقول القديس اغناطيوس
الله لا يغضب علينا، بل غضبه علي الشر، لأنه بالتأكيد الألوهية لا تتعرض لآلام (غضب) وترغب في الانتقام.ـ
Philokalia, Vol. II, p. 370

وتوضيحاً للفكرة يركز القديس باسيليوس الكبير علي رفض تخيل الله في صورة مسبب للشرور أو الهلاك او العذاب الأبدي، لاننا بهذا نشوه صورته التي أقرها علي نفسه ان هو ذاته الحب:ـ
أحمق حقا وفاقد للفهم وللعقل من يقول انه لا يوجد اله، وأيضا معه لا يقل عنه جنوناً من يقول أن الله مسبب للشرور، أعتبر خطاياهم متماثلة لان كل واحد ينكر مثل غيره الصلاح، الأول ينكر وجوده كلياً والآخر يعرِّفه كغير صالح لأنه مسبب الشرور فيكون بوضوح غير صالح، فمن الجانبين هناك انكار لله.ـ
EPE, op. cit., 7, 90

وفي صورة الجحيم (الفلكلورية) تشوه صورة الله (بحجة عدله) فنفقد اهم طبائعه "الرحمة" وهي الصفة الناتجة عن كونه الحب الأمثل، ولهذا ركز القديس اسحق السرياني علي رفض اي صورة تشوه رحمة الله وتصوره كمن يلقي مخالفيه ورافضيه في عذاب أبدي، لأنه وحده غير متغير فيقول:ـ
ظلم أن نفكر أن الله ممكن أن يكون غير رحيم ! لأن خواص (صفات) الألوهية لا تتغير مثلما تتغير في المائتين، الله لا يكتسب شيئاً لم يكن له، والله لا يفقد شيئاً له
St. Isaac the Syrian, Homily 60


نقطة أخري أخيرة يتمسك بها أتباع الصورة الفلكلورية عن بحيرة النار والكبريت كعقاب الهي، بأن هذا العقاب يؤدي لخوف الانسان مما ينتج عنه اجباره او علي أقل تقدر دفعه علي فعل الصلاح، ولكن أدعوك عزيزي القارئ أن تفكر معي: هل هذا فعل مطوب للصلاح ؟ هل الصلاح الجبري الملزم صلاح ؟! هل فعل الخير نتيجة لخوف العقاب يستحق التطويب ؟! يجيب علي هذا القديس اغسطينوس في عظته عن الخوف موضحاً ان هذا ليس من فكر أبناء الله، بل فكر يماثل اللصوص والأشرار العبيد ويؤكد علي كونه فكر يبعد عن حب الله، فيقول:ـ
أين العظمة في أن يخشي الانسان عقاباً الهياً ؟!! من يفعل هذا يكون مثل العبد الخاطئ أو اللص الشرير !!! لا عظمة في أن يخشي الانسان عقاباً، انما العظمة في أن يحب الله، وكل من يحب الله [البر] لا يخشي عقاباً، بل يخشي فقدان الله [البر] ... الفرق بين خوفك وخوف اللص، هو أن اللص يخشي قوانين البشر فيسرق طامعاً في أن يخدعها، وأنت بخوفك من عقوبة مثله، تخشي شرائع وتخشي بالأكثر عدم استطاعتك خداع الله، لكن فكر: "ان استطعت ان تغش الله، ألن تغشه ؟!!" ... إن الانسان الصالح يخشي أن يُحْزِن معشوقه ... فإن استمريت في فعل الخير خوفاً من الهلاك فلست من أبناء الله ! حتي متي تخشي عقاباً ؟! الخوف عبودية والحب حرية !ـ
خواطر فيلسوف في الحياة الروحية - الكتاب الأول - الفصل الثالث، عظة عن الخوف
ملحوظة: لفظ البر هو لفظ للدلالة علي الله في كتابات الآباء ويماثله الفاظ كالصلاح والخير ... الخ


وأخيراً لكي تكتمل الصورة ، أدعوك للتأمل في معني قيمتك بشركتك مع الله من هنا (أرضيا) والي الأبد (سماويا)، لتكن قيمتك في الله لا في ذاتك وليكن الملكوت داخلك به وفيه ومعه بدلا من ان يكون الجحيم داخلك، تأمل في هذه المقولة الرائعة للاهوتي الارثوذوكسي الكسندر شيمان وأعد قراءتها عدة مرات فان الجحيم هو "انعدام قيمتك" و"عدمك" والملكوت هو وحدتك مع الله وشركتك فيه و"كيانك" !ـ
”عندما نري العالم ذاته كنهاية، يكون كل شئ فيه ذو قيمة، فيفقد كل شئ قيمته ! لأنه فقط في الله يكون لكل شئ قيمة، والعالم يصير ذو قيمة فقط عندما يكون سرائرياً في وجود الله، فان ما يُعامل كشئ في ذاته يُدمر ذاته، لأنه فقط في الله يكون له حياة “
Hell And God's Love, An Orthodox View

يلخص هذه التعاليم المُطَوّب ألراهب فليمون المقاري فيقول:ـ
نحن لن نُكافأ على أعمال صالحة، ولن نُعاقب على أعمال شريرة ... الملكوت ليس مكافأة تُعطى للإنسان، بل ميراث حياة، أعني ليس شيئًا سوف يُضاف إلينا مثل الأموال والعقارات، بل هو الحياة الأبدية التي وُهِبت لنا في يسوع المسيح ابن الآب الوحيد، وهى هبة في كياننا لأننا أصلاً خُلِقنا على صورة الله. طيب هذا سهل، وماذا عن العقاب؟ يا أخ يا محبوب، العقاب ليس عقوبة خارجية مثل الضرب والسلاسل، بل هو فقدان نعمة الله، والحرمان منها هو العذاب الحقيقي، ونحن الذين سوف نعاقب أنفسنا وسوف نُلقي بأنفسنا في النار، نار الحرمان ويا ويل مَن يقع في هذه النار.
رسائل أبونا فليمون المقاري، الرسالة 27


انهي المقالة الطويلة نسبيا باقتباس من د. هاني مينا ميخائيل الكاتب الارثوذوكسي الآبائي:ـ
"الموت الأبدي هو انعدام الحياة الأبدية، وليس الموت الأبدي خليقة من خلائق الله ! الموت وجهنم ليسا مكانا أو أتونا محمي بالنار خلقه الله ليلقي فيه بمن يكرهونه ... الله لا يرد الشر بالشر ... حاشا !والا كيف يكون الله أبا ويخلق ويدبر بارادته هلاك خليقته بيديه!؟؟!"ـ

العدالة الالهية حياة لا موت مغفرة لا عقوبة للد.هاني مينا ميخائيل



نقاط الخلاصة:ـ

  1. صورة الجحيم الفلكلوية بالعذابات والألم من الاله العادل بالملائكة في النيران هي صورة غير ارثوذوكسية
  2. الله المحب لا يعذب بنيه فالله لا يعاقب مخالفيه بعذاب أبدي وحشي
  3. الجحيم لم يوجد لك، بل ليس له وجود في ذاته انما هو وجود سلبي من انشاءك
  4. انت من خلقت الجحيم لذاتك وانت من تخلق الملكوت لذاتك
  5. الجحيم هو حالة تقبلك لحب الله مع عجزك عن ادراكه ورده
  6. عدالة الله ليس معناها العقوبة التعذيبية بل عدل المعوج ورد المسلوب
  7. الفاظ الكتاب المقدس رمزية تقريبية ولا يجوز اقرار التشبيهات عقائد
  8. من يطالبك بمنح المغفرة لغير المستحق (بغير عدل بشري) لابد وان يكون هو أولا قدوتك
  9. أي فكر يخالف توثيق معني "حب الله" هو فكر مرفوض ارثوذوكسيا !ـ
  10. الكنيسة مستشفي وليست محكمة (القديس يوحنا ذهبي الفم)ـ


أتمني تكونوا استمتعتوا بالبحث ده :)
صلواتكم
 
إنضم
21 مارس 2008
المشاركات
7,800
مستوى التفاعل
770
النقاط
113
الإقامة
عائدٌ من القبر
بحيرة النار والكبريت ـ أبونا متي المسكين

402823_10151104098228778_13356252_a.jpg
وإن كانت حياة المسيح الشخصية كفيلة بأن تكون دينونة بحد ذاتها، لذلك فمجرد ظهوره لن يُطاق بالنسبة للذين جدفوا عليه وأهانوه. كذلك فإن قداسته الفائقة ستصبح وبالاً ورعباً على كل الذين لم يطيعوا الحق بل أخضعوا أجسادهم وأرواحهم للنجاسة.ـ

وكما طلبت الشياطين أن يؤذن لها في البعد عنه ولو بدخولها الخنازير (لو 8: 26-39)، لأن في ذلك كان راحة لها أفضل من مواجهة قداسته، كذلك ستكون طلبة الذين جحدوه ونجسوا ذواتهم، بالإلحاح المتواصل للخروج من حضرته، لأناه سيكون لهم في البعد عن القداسة والحق والنور والحياة، راحة أفضل !ـ

وهكذا سيدين المسيح الأشرار والفجار والشياطين بمجرد ظهوره واستعلانه في مجده وقداسته، لا بالقسوة أو الغضب، وإنما باستعلان لاهوته المتضمن منتهى وده وإحسانه ورحمته وحبه وكلامه اللين اللطيف الذي احتقره المحتقرون وداسوه وازدروا بقوله وصليبه !ـ

أما ابن الحب والرحمة والسلام، فسيحل عليه في يوم القضاء فيض الحب والرحمة والسلام، وأما الذين لم يكن لهم حب ولا رحمة ولا سلام، فسوف يرتد عنهم الحب والرحمة والسلام، بل ولا يعودون يطيقون هذه الأمور، ويحل
عوضاً عن ذلك حتماً وبالضرورة "سخط وغضب، شدة وضايق" (رو2: 8و9) هو من صنع قلوبهم ونسيج ضمائرهم

وإذ يكون المسيح الديان لا يزال مبتسماً يقولون له: "لماذا جئت لتعذبنا!!" وبينما هم في حضرة الحياة يطلبون الموت !! والنور البهيج الذي يشع منه يرعبهم ويزعجهم، ويسعون وراء الظلمة ويطلبون لو أن الجبال تسقط عليهم أو أن الآكام تغطيهم لتريحهم من وجه الجالس على العرش.ـ

وبينما تكون الدينونة يوم فرح واستعلان لأمجاد الله ومراحمه الدهرية، يصير هذا بعينه يوم غضب للأشرار لا يستطيعون الصمود فيه أو الوقوف !ـ

حينما يقوم الأشرار للدينونة، يستيقظ فيهم وعي الحياة السالفة بلا نسيان مع استعلان الحق الإلهي بآن واحد. حينئذٍ يصيحون في رعب عظيم من الحق الذي يبدأ يبكت رياءهم وكذبهم، ومن النور الذي يفضح أعمالهم ويوبخ نجاساتهم ويعيّرهم بانغماسهم في شهواتهم الفاسدة، أما الروح الذي كان يعمل فيهم للإنذار والتبكيت، فيبدأ يشهد عليهم علنا أنهم بنو ظلمة وأولاد لعنة، مدعوون للهلاك !ـ

ومع أن الجالس على العرش لا يزال هو الخروف الوديع القائم كأنه مذبوح من أجل الخطاة، والحبيب الذي لا تزال تنبعث من عينيه الرحمة والمسرة والحنان من أجل كل بني الإنسان، إلا أن رحمته لا يعود الأشرار يرون فيها إلا نوعا من الفرص الضائعة التي انبرت عدوًّا للتبكيت، يحمل لهم استعلان غضب عظيم. أليسوا هم الذين أهانوا الرحمة في زمن الرحمة؟ لذلك فهم لا يكفون عن الصراخ طلباً للخروج من حضرته، لأن نجاساتهم تمنعهم من احتمال البقاء في حضرة قدسه، ويطلبون بإلحاح أن يؤذن لهم بالخروج، حيث الظلمة الخارجية تكون حالة أكثر احتمالا من نور حضرته. أما هو، فمن أجل الرحمة يأذن لهم بالذهاب عنه، حيث الظلمة الخارجية وصرير الأسنان

وإن كان شعب إسرائيل المختار لم يطقْ أن ينظر وجه موسى حينما خرج من لدن الله وقاد انعكس نوره الإلهي على وجهه، فكم تكون حالة أبناء الظلمة حينما يوجدون قسراً في مجال نور وجه الديان ؟!ـ

وإن كانت الشياطين قد صرخت من هول استعلان الله في هيكل جسده الضعيف، فكم تكون حالة أولاد إبليس حينما يظهرون أمام الله في مجده كديان؟َ!

وإذا كان إسرائيل الذي تقدس واستعد لملاقاة الله لم يستطع سماع صوت الله واستعفى من الكلام الذي أرعبه جداً، فكم تكون حالة الخطاة وهم بعد في نجاساتهم، حينما يؤخذون بغتة، ويسمعون صوت الجالس على العرش؟

من أجل هذا سيكون استعلان المسيح، حتى وهو في حالة مجده، مرعبا جداً بالنسبة للذين لم يتوبوا وأخذهم الموت بغتة.ـ

أما الذين أحبوا الظلمة أكثر من النور، وأبغضوا الحق، ومالأوا الإثم والكذب، فحينما يشخصون في وجه السيد القدوس ويسطع نوره وحقه على قلوبهم تنكشف أستارها وتفتضح أفكارها ويغشاهم الخزي المريع، فيرتدون بعيداً عن النور ويستعفون من رؤيا وجه الحبيب، والوجود في حضرته، ويكون لهم ما يريدون، كما كان للأرواج النجسة قديماً، حينما طلبوا أن يهربوا من وجهه ويدخلوا قطيع الخنازير بعيداً، فأذِنَ لهم، رحمةً منه. وسيظل المسايح هكذا رحيما وإلى أبد الآبدين، حتى وعلى أشد العصاة المتمردين، ولمكها رحمة تحمل في طياتها اختيار البقاء في الحرمان بعيداً عنه، عقاباً أبدياً للذين رفضوا قبول الحق والتآلف مع النور والحياة معه.ـ

وهكذا كما طلبت الشياطين أن يؤذن لها بالدخول في قطيع الخنازير، إذ في ذلك كان راحة لها، كذلك ستكون راحة الخطاة في بكائهم، ولا يتعزون إلا بصرير أسنانهم، ولا يرتاحون إلا في الظلمة بعيداً عن الحق والنور وحضرة الله القدير، لذلك سيطلبونها، ويلحون في طلبها، لأنها ستكون أكثر راحة من عذاب الحق المستعلن لهم في حضرة الله

والنار والدود هي إحساسات نفسية وذهنية تنكمس آلامها على الجسد غير المائت فيصيبه منها ما هو أكثر من النار المادية والدود الأرضي. فلا النار تفارق الإحساس و التصور، ولا الدود يكف عن نهش أجسادهم غير المائتة. ولو كانت النار والدود موضوعات مادية لهان الأمر، ولكنها حقائق نفسية داخلية، كما يحدث في هذا الزمان حينما يصااب الإنسان بالجنون، فإنه يحس بنار أو حيات أو عقارب أو ميكروبات تنهش في جسده، فيصرخ منها بفزع أليم، ويحس بأوجاع نفسية وجسدية معا، ويهرب ولا مطارد وعندما يحاول أقرباؤه أن يقنعوه أنا لا يوجد شيء أمامه مثل هذا، فإنهم يكونون كمجانين مازحين عنده، لأنه يحس بها إحساسا قويا مؤلما، ويراها بعينيه، ويشير إليها بأصبعه، ولكن هيهات أن يهرب منها ! فهي تتعقبه أينما سار ولن يعتقه من صراعه الأليم إلا الموت ... ولكن ليس موت في الدهر الآتي ولا أمل.ـ
_______
عن كتاب "كيف سيدين المسيح المسكونة بالعدل" - للأب متي المسكين
 

+KiMO+

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
17 يوليو 2013
المشاركات
9,056
مستوى التفاعل
784
النقاط
113
الإقامة
Philippines
:014375~1100:

اشكرك مايروك للدرس المفيد

:big35:

اشكرك استاذ اورجيانوس للأضافة
 
إنضم
21 مارس 2008
المشاركات
7,800
مستوى التفاعل
770
النقاط
113
الإقامة
عائدٌ من القبر
الاعتقاد السليم عن السماء والجحيم حسب المفهوم الكتابي الأصيل



  • سلام لكم يا أجمل إخوة أحباء، قد سبق وتم كتابة هذا الموضوع من فترة طويلة للغاية، ولكني أحببت أن أضعه مرة أخرى لكثرة الأسئلة فيه وعدم وصول كثيرين لمكانه، لأنه غالباً وضعته هنا رداً على سؤال:
أولاً لنا أن نعرف أنه حينما نسمع عن السماء أو الفردوس أو الجحيم في الكتاب المقدس أو في تعاليم الآباء والكنيسة عموماً، ينبغي أن لا يأتي في أذهاننا المعنى الحرفي والمادي للكلمات، لأن هذه الكلمات إنما هي صورة لتقريب المفاهيم لأذهاننا !!!
فإيماننا الصحيح ليس هو إيمان العامة من الناس الذين حينما يسمعون كلمات الوحي المقدس عن السماء من فوق والأرض من تحت والهاوية تحت الأرض، يظنون أن أرواح الناس تصعد للسماء كمكان مادي نتصوره بخيالنا الخاص ونعتبره فوق السماء التي نراها أو فوق النجوم والكواكب الأخرى، وأيضاً اعتقاد العامة عن أن الأرواح والنفوس التي أخطأت وبعيدة عن الله وجدفت عليه أو عاشوا في الشر والفساد، تنزل إلى حفرة مظلمة عميقة تحت الأرض يتعذبوا ويحرقوا بالنار وتلتف حولهم الحشرات والثعابين ويُحبسوا فيها، لأنه لا يوجد شيء أسمه جحيم خلقه الله في سفر التكوين، بل وكلمة القبر التي تُعبَّر عن الجحيم أحياناً ما هي إلا تعبير عن النفي بعيداً عن الله وهذا هو الهاوية، والهاوية هي الجحيم، أي هو معنى تصويري لتقريب الصورة أو المعنى لأذهاننا، لأن القبر كقبر يُدفن فيه الناس فعلياً في الأرض ليس هو هاوية ولا جحيم ولا مكان عذاب حرفي، إنما المعنى في الكتاب المقدس حينما يتحدث هكذا ما هو إلا معنى تعبيري أو تصوري عن حالة الإنسان الخاطئ أو الشرير !!! ومستحيل أن يُأخذ المعنى الحرفي للكلام !!!

  • وبالطبع ليس معنى كلامي أنه لا يوجد مكان ما بشكل ما سيكون مكان للأشرار، إنما أنا أقصد أنه لا نقدر أن نحدد الأمكنة أو نتصور شكلها في كمال حقيقتها !!!
وحينما نقول أن السماء من فوق في التعبير المسيحي الصحيح، أي نقصد مكان السمو والرفعة، مكان الراحة والعزاء والسلام، لأن السماء التي نقصدها ليست من فوق ولا في أي بعد من أبعاد الزمن أو الحياة المادية المنظورة، بل كلمة ( فوق ) تعني ما يعلو على إدراك الحواس الجسدانية الإنسانية.

عموماً كل تشبيهات الكتاب المقدس هي تشبيهات لكي تقرب الصورة للإنسان، لأن كل ما في الكتاب المقدس هو حقائق تعلو على كل حواس البشر وإدراكاتهم وإمكانياتهم العقلية من المستحيل أن تُكتب في كمال حقيقتها، بل يُكتب كتشبيهات وتصورات لتقريب الصورة للناس، والروح القدس يعلن في القلب برؤية داخلية الحقائق الإلهية ويقبلها الإنسان بسهولة وبساطة الإيمان ولا يقدر – بل من المستحيل – أن يُعبَّر عنها بشكل كلمات مادية في كمال حقيقتها المطلقة، بل يصورها بصور مادية لتقريب المعنى فقط ..
___________________


  • الجحيم: Hell – hades - ᾅδης
لا ترد هذه الكلمة في الترجمة العربية للكتاب المقدس (ترجمة فانديك) إلا مرة واحدة في العهد الجديد في قول الرب لبطرس على إعلانه الصريح بأنه هو "المسيح ابن الله الحي"، أنه سيبني على صخرة هذا الإيمان كنيسته، [ وأبواب الجحيم πύλαι ᾅδου لن تقوى عليها ] (متى 16: 15 – 18). وأبواب الجحيم هنا المقصود بها كل قوات الشر مجتمعة معاً بكل قوتها وجبروتها، وهي تصور الجحيم كمدينة حصينة قوية ذات أبواب ضخمة مرعبة، وهي تُظهر أمام ذهننا صورة القوى الشيطانية وحصنها المنيع، وهذه المملكة أو مدينة الجحيم تقاوم الكنيسة التي أسسها المسيح الرب بكل قواتها الشريرة لتُسقطها من رتبتها، ولكنه - الرب بنفسه - يحفظها في سرّ الإيمان الحي، ولأنه هو صخرتها الحقيقية المؤسسة عليه لذلك فمهما ما كانت قوات الجحيم لن تقوى عليها أو تستطيع ان تمسها طالما كل من فيها متمسك بإيمانها الحي، كما هو مكتوب: [ لأن كل من وُلِدَ من الله يغلب العالم، وهذه هي الغلبة التي تغلب العالم إيماننا ] (1يو 5: 4).

  • وكلمة "جحيم" هي ترجمة للكلمة اليونانية ᾅδης، وتُنطق [ هادز – hades ] ويتكرر ذكرها في العهد الجديد باليونانية 11 مرة. وتُترجم في سائر هذه المواضع بكلمة "الهاوية". والكلمة عموماً تعني [ أرض غير مرئية – مملكة الظلام ] وكانت تُعتبر – كما سنرى في باقي الشرح – أن جميع أرواح الموتى، قبل إتمام الفداء، تنزل إليه دون الإشارة إلى خصائصهم الأخلاقية.
وقد جاءت الترجمة الكاثوليكية في جميع مواضعها بكلمة "الجحيم"، ويُقابلها في العبرية كلمة [ شيئول שְׁאוֹל ] التي تُذكر 65 مرة في العهد القديم، وهي عادة تُربط بكلمات عبرية أخرى تدل على الموت والقبر والمكان المظلم الذي يسكنه الأموات ولا يُذكر فيه الله، وهو يعتبر مكان غامض مُظلم وخَربْ عبارة عن هوة عظيمة لا قرار لهُ، يُطرح فيه الموتى مقطوعين خارج فاعليات التاريخ في عزلة تامة عن الله مطروحين منه ومفصولين عنه، وتُترجم هذه الكلمة (شاؤول) ومشتقاتها في العربية إلى "الهاوية". وعادة لا تُشير الكلمة فقط للموت الجسدي والإنطراح في الموت في معزل عن الله، بل تُشير ايضاً لانتهاء العلاقة الحياتية للإنسان مع يهوه الرب الذي هو حياة النفس.
ونجد أن الكلمة تتخذ معاني مختلفة كثيره وتمتد، من مجرد مكان انتظار خلاص يهوه للأبرار الذين يدخلون الجحيم منتظرين الخلاص متوقعينه، ليمتد المعنى ليشمل أنه يضم الأشرار والصالحين، والبعض شرح المكان على أساس الاعتقاد أنه مكان لعقاب الأشرار، أما في مثل الغني ولعازر [ فرفع عينيه في الهاوية وهو في العذاب ورأى إبراهيم من بعيد ولعازر في حضنه ] (لو16: 23)، وفي الليتورجية القبطية وفي قداس القديس باسيليوس الكبير: [ نزل (المسيح الرب) إلى الجحيم من قِبَل الصليب ]، أي بواسطة الصليب بموته عليه، ليُخرج الرب منه كل الذين رقدوا على رجاء مجيء المسيا المُخلِّص، منذ آدم إلى يوم الصليب. وكان الجحيم في العهد القديم هو مكان انتظار نفوس الموتى، أما الآن فهو مكان انتظار نفوس الأشرار فقط، كما أن فردوس النعيم هو مكان انتظار نفوس الأبرار.

  • جهنم جحيم geennaγέενναהנם Hinnom
يقول الأب صفرونيوس من آباء القرن السادس:
[ ولأنه لا يوجد نص واضح في الأسفار المقدسة يُصرح بأن الله خلق الجحيم، استطعنا أن نُدرك من تعليم الكنيسة الجامعة أن الرب نزل إلى الجحيم عندما صُلب لكي يبدد ما جَّمعه الإنسان لنفسه، ولكي يرد هؤلاء الذين كانوا أسرى لعنة الموت إلى الحياة ويُدخلهم إلى الفردوس .

وحتى عندما نسمع عن الفردوس، فإن الفردوس ليس مكاناً خلقه الله؛ لأنه لا يوجد في النظام الكوني في الأيام الستة الأولى، مكان اسمه الفردوس، ولا يجب أن يختلط هذا بما دونه سفر الخليقة الأولى عن " جنة عدن "؛ لأنها مكان خلق آدم الأول، أمَّا الفردوس فقد سمعنا به لأول مرة من فم الرب يسوع عندما بشَّر اللص اليمين، وقال له: " اليوم تكون معي في الفردوس " مؤكداً أن لعنة الموت سوف تباد بقوته، وانه سوف يحمل معه اللص، أي نفسه الإنسانية إلى راحة وعزاء وسلام في الكون؛ لأنه سيرد له الحياة، وسوف يكون في انتظاره عندما يموت؛ لأن الرب يسوع مات قبل اللص، ولأنه ( أي اللص اليمين ) مثل الملائكة والقوات السمائية سوف يجد نفسه مع ابن الله في تسبيح وتمجيد مع القوات السماوية، وهو ما يُسمى ( عند العامة ) " السماء "، أي السماء من فوق. وهي ليست من فوق ولا في أي بُعد من أبعاد الحياة المادية المنظورة، بل " فوق " تعني ما يعلو على إدراك الحواس الجسدانية؛ لأننا عندما نسمع الرب يقول: " المولود من فوق ... " ( يو 3: 3 )، فهو لا يقصد مكاناً يعلو على الأرض، بل كما ذكر نفس الإنجيل " من الله ".

ومع أننا نحتاج إلى أن نُذكَّر عامة الناس بهذه الحقائق، إلا أنه يجب أن نترك السُّذج حسب تصوراتهم حتى لا يفقدوا سلامهم المبني على تصورات عقلية ليس لها وجود في التعليم المستقيم. ولذلك يجب نقل هؤلاء تدريجياً من تصوُّر الأبعاد المنظورة إلى تصوُّر بلا أبعاد، وهذا يُمكن بواسطة التعليم الذي ينقل فكر الإنسان إلى ما هو فوق، أي ما يعلو على الحواس.

أكرر ما سبق وذكرته، إننا لا نؤمن بأن الله خلق مكاناً لتعذيب البشر؛ لأنه لا يوجد نص واحد في كل الأسفار يدعونا إلى هذا الاعتقاد الذي لا يتفق مع صلاح الله، ولا مع ما يتصوَّره العامة من الناس عن عدل الله الذي خلق مكاناً لراحة المؤمنين، وسجناً لعذاب الأشرار؛ لأن هذا تصوُّر مادي مبني على ما تعرفه المدن والحضارة التي لا تضع في اعتبارها أن القصر والسجن لا يعبَّران بالمرة عن عدل الله، وأن القاضي والقانون والسجان لا ينطبق على السماء، إنما هو تصوُّر أرضي لا يخدم بشارة الإنجيل .

وحتى عندما نسمع في سفر الرؤيا عن بحيرة النار والكبريت ( رؤ 19: 20 )، وغيرها من صور مادية، فلأننا نعرف أن الشيطان ذو طبيعة روحانية مظلمة لا تؤثر فيها النار المادية، أي تلك التي تشتعل في الأشياء وتحرق ما هو منظور، فلذلك السبب – أي للقوات الشريرة طبيعة غير مادية – فرض علينا الإيمان بطبيعة الشيطان أن نقول إنها استعارة وتشبية يُقرَّب لنا حقيقة حالة القوات الشريرة والأشرار عندما يبتعدون عن الله.

وعندما تذكر الأناجيل " جهنم "، فإنها تؤكد لنا أن ذلك هو تصوُّر قلب الإنسان الفاسد بشهوات وغرور الخطية؛ لأنه بسبب التعدي، وبسبب الابتعاد عن الشركة، أظلَّم فيه الإدراك الروحي وصار يتصور الله كما يتصور القساة والعتاة من البشر، ولكن الله غير ذلك؛ لأن الإنسان الذي يُفسد حياته يضع نفسه بعيداً عن صلاح الله ولا يرى إلاَّ الظلمة والشرّ الذي فيه، أمَّا نحن الذين استنارت قلوبنا بنور الإنجيل ، فإننا " سنراه كما هو " ( 1يو 3: 2 ) . وعندما نراه، سوف نرى مجده، ونتغير إلى ذات صورة الابن المجيدة.

من هذا نعرف أن رؤية الأبرار بنور المحبة، ليست مثل رؤية الأشرار بظلمة الخطية. أمَّا كيف يبقى الأشرار مثل " النفاية " بعيداً عن السماء الجديدة والأرض الجديدة، فهذا ما لا نعرفه (على وجه الدقة)؛ لأنه لم يحدث بعد، ولأنه محفوظ لنا في يسوع المسيح ربنا .

لكننا يجب أن نُدرك أنه يوجد يوم للدينونة، وأن الأبرار لهم ميراث الملكوت، والأشرار لهم " الظلمة الخارجية " كما قال الرب. ولكن يجب أن نفهم هذه الأمور على قدر ما تؤكده الأسفار المقدسة، وليس حسب إدراكنا البشري فقط .

أمَّا ما هو ضروري لنا في هذه الأيام، فهو أن نحفظ الإيمان ونسلك حسب القداسة حاملين صليب ربنا يسوع المسيح، وأن نسأل الروح القدس لكي ينير بصائرنا ونكشف ما في قلوبنا للآباء الذين لهم خبرة وعرفوا أسرار الإنجيل ]

عن رسالة الأب صفرونيوس إلى تلميذه ثيؤدوروس ( تادرس )

المئوية الثانية في التوبة – عن كتاب التوبة وعمل الروح القدس في القلب

الجزء الثاني ، مترجم عن المخطوطة القبطية ؛ صفحة 29 – 31 فقرة 27 إلى 29

_______________________________

  • المراجع:
1 – التفسير التطبيقي للكتاب المقدس
2 – معجم المصطلحات الكنسية – الجزء الأول (أ – ج) – الطبعة الأولى سبتمبر 2001
3 – معجم ألفاظ الكتاب المقدس – إعداد المستشار: نجيب وهبه
4 – معجم أسماء الأعلام في الكتاب المقدس – الطبعة الأولى ديسمبر 2006 – سعيد مرقص
5 – القاموس الموسوعي للعهد الجديد (يوناني عربي) - الطبعة الأولى 2007 – فيرلين د. فيربروج
6 – القاموس الموسوعي للعهد القديم (عبري عربي) – المجلد 1 – الطبعة الأولى 2009
7 – التوبة وعمل الروح القدس في القلب – المئوية الثانية في التوبة للأب صفرونيوس – مترجم عن المخطوطة القبطية
 

حبيب يسوع

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
15 مايو 2007
المشاركات
15,458
مستوى التفاعل
1,956
النقاط
0
شكرا للاستاذ / ماى روك
وشكرا للاستاذ / اوريجانيوس
الرب يبارككما
 

حبو اعدائكم

حبو...
عضو مبارك
إنضم
9 أكتوبر 2011
المشاركات
14,191
مستوى التفاعل
4,782
النقاط
113
الإقامة
مصر
اشكرك على الموضوع الجميل
و اشكرك اورجيانوس على الاضافه الرائعه
 

kerosamo

New member
إنضم
7 مايو 2009
المشاركات
3
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
اشكرك جدا على هذا البحث انا دلؤتى فهمت بجد المعنى

:yaka: الحقيقى للجحيم والملكوت بجد انا فرحان جدا وانت سببت ليا بركه عظيمه وشيلت القشور اللى كانت مغطيه عنيا بالبحث ده وربنا يحفظك ويجعلك سبب بركه لكثيرين
 

sherihan81

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
20 مارس 2008
المشاركات
817
مستوى التفاعل
445
النقاط
0

عزيزي My Rock كالعادة موضوع من اهم المواضيع وباسلوب راقي دقيق
تتحدث عن حقيقة لا مفر منها وكارثة حقيقية في انتظار البشرية باكملها، لن يوقفها تجاهلنا
او عدم تصديقنا لوجودنا … لان السيد ”المسيح” بنفسه كلمنا عنها.
حقيقة يحاول الكثير من ”خدام المسيح” اليوم … استباعدها…تفنيدها الخ

نعم اخي العزيز … الانفصال عن الله هو الجحيم نفسه
جحيم ارضي … وجحيم ابدي
بداية الالام … ”ونهاية” الالام لا تنتهي

وماذا يحدث عندما تفصل مصدر الحياة عن ”النفس”؟ تموت بلا ادنى شك
وكيف يكون حال ”نفس ميتة” بلا رجاء، باستطاعتنا ان نعرف الان ان حاولنا ان نسمع اعماقنا..

حينها فقط سنفهم ما معنى "موت النفس" …لاننا سنراها مربوطة بسلسة …
محصورة في دائرة … لها بوابة تُنزل للهاوية.

الى مكان الالام واحزان
فيه صراخ ونحيب وبكاء
كلنا عرفناه وزرناه واكتوينا بالقليل من نيرانه ”هنا

عندما كنا نعيش بعيداً عن خالقنا

وانتم اذ كنتم امواتا بالذنوب والخطايا
التي سلكتم فيها قبلا حسب دهر هذا العالم
حسب رئيس سلطان الهواء الروح الذي يعمل الان في ابناء المعصية

اف 1:2

هل حقاً يبدأ الجحيم من هنا؟

لقد بدأ بالفعل عندما تسلل سم ابليس في الانسان
ولعنت الارض بسبب ادم …
وبدأ الدمار والخراب، الخوف والاضطراب باجتياح ارضنا
وصار الكره والحقد وسفك الدم … يسطو على حياتنا

والموت … آخر عدو … في كل لحظة يطاردنا
ومهما هربنا او تجاهلنا ”والى اعلى القمم بانجازاتنا وصلنا
هناك يوم محدد ستنتهي فيه رحلتنا
ونسقط جثة هامدة على الارض التي أُخذنا منها
ويغطينا التراب معلناً نهاية ”قصتنا

اما ”النفس” ستهبط ”مع خطاياها” الى الهاوية

انفصلنا عن الله …
لكن .... ليست هذه نهاية قصتنا

لان الله ارسل ابنه الوحيد لنا … ليصلح ما انهدم بيننا
ولدنا” من جديد … واعاد الُملك منا
وبالايمان نسلك لا بالعيان … فطوبى لكل من آمن

الجحيم ليس مكان اعده الله لنا .. بل لعدونا
هناك مكان لم تره عين ولم تسمع به اذن
ولم يخطر على بال انسان في انتظارنا … يُعده السيد لنا

ان آمنا .. وبه التصقنا وعن الخطية وعالم الظلمة انفصلنا
سنعيش ملكوت الله … من هنا

المسيح عاش الالام … واختبر الاحزان … واطلق المستعبدين
ونزل الى عالم الظلام واخرج المأسورين احرار

فلماذا لازلنا نعيش حياة التمرد والانفصال
لماذا نخسر ابديتنا بسبب الجهل والامبالاة والازدراء

ماذا نختار؟ الان علينا اخذ القرار مادمنا على قيد الحياة.

الموت ام الحياة
الجحيم ام السما

المسيح هو فقط فلك النجاة
اذن علينا ان نقرر …. من هنا

قد جعلت قدامك الحياة والموت.البركة واللعنة.فاختر الحياة لكي تحيا انت ونسلك.
تث 19:30

قال لها يسوع انا هو القيامة والحياة.من آمن بي ولو مات فسيحيا.
يو 25:11

الرب يباركك ويحميك
 

rafaatbarsoum

عضو نشيط
عضو نشيط
إنضم
3 أبريل 2010
المشاركات
861
مستوى التفاعل
58
النقاط
0
الإقامة
Birmingham Uk
Well don My Rock, Origanos Brother it was my blessed to red Olmsted all what you transmit it......! I find it very spiritually useful.....!god Bless
 

SECRET ANGEL

moky
عضو مبارك
إنضم
21 يوليو 2007
المشاركات
3,600
مستوى التفاعل
1,234
النقاط
0
قرأت الموضوع على اكثر من مرة
بصراحة راااااااائع
خدمة متميزة
ربنا يبارك تعب محبتكم
وتعبكم من اجل الخدمة
 
أعلى