البابا يصلي من أجل السلام مع ممثلي الأديان: لنجرّد قلب الإنسان من السّلاح

paul iraqe

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
3 يناير 2014
المشاركات
15,606
مستوى التفاعل
1,314
النقاط
113
الإقامة
IRAQ-BAGHDAD
4698248433.jpg



عقدت جماعة سانت إيجيديو لقاءً للسلام، لمدة يومين، في العاصمة الإيطالية روما، حضره العديد من القادة الدينيين من جميع أنحاء العالم. وقد اختتم اللقاء الدولي الخامس والثلاثون للسلام، مساء الخميس، بصلاة من أجل السلام في الملعب الروماني القديم (الكولوسيوم)، بحضور البابا فرنسيس.
وشهد اللقاء الذي أقيم تحت عنوان: "شعوب متآخية، أرض المستقبل - ديانات وثقافات في حوار"، مشاركة قادة دينيين من المسيحيّة والإسلام واليهوديّة والبوذيّة والشينريكيو والهندوسيّة والسيخيّة. وقد اجتمع المشاركون من 40 دولة لمناقشة كيفية "البدء من جديد" من روح أسيزي، وهي روح الصداقة والأخوّة.
وقد دعا رئيس جماعة سانت إيجيديو الجميع إلى عدم إضاعة الفرصة التي أتاحتها جائحة كوفيد-19. وقال في رسالة فيديو افتتاحيّة للقاء الصلاة من أجل السلام: "أتمنى أن تصبح بداية جديدة، وليست مجرد لحظة تفسّخ تفصل بيننا وبين الآخر".
وفيما يلي النص الكامل لكلمة البابا فرنسيس خلال لقاء الصلاة:
الإخوة والأخوات الأعزّاء!
أحييكم وأشكركم جميعًا، رؤساء الكنائس والسّلطات السياسيّة وممثّلي الأديان العالميّة الكبرى. جميلٌ أن نكون هنا معًا، ونحمل في قلوبنا وفي قلب روما وجوه الأشخاص الذين نعتني بهم. ومهمّ، قبل كلّ شيء، أن نصلّي ونشارك، بطريقة واضحة وصادقة، في اهتمامات حاضر ومستقبل عالمنا. اجتمع في هذه الأيام العديد من المؤمنين، وأعلنوا أنّ الصّلاة هي القوّة المتواضعة التي تمنح السّلام وتنزع الكراهية من القلوب. وفي لقاءات مختلفة، عبّر المجتمعون عن قناعتهم بضرورة تغيير العلاقات بين الشّعوب، وعلاقات الشّعوب مع الأرض. لأنّنا نحلَم، هنا اليوم معًا، بشعوبٍ متآخية وبأرض المستقبل.
شعوب متآخية. نقول هذا ومدرج الكولوسيوم خلفنا. كان هذا المدرّج، في الماضي البعيد، مكانًا لترفيه الجماعات بطرق متوحشة: كانت معارك بين رجال ورجال، وبين رجال وحيوانات. كان مشهدًا لقتل الإخوة، ولعبة الموت مادتها حياة الكثيرين. ولكن، حتّى اليوم، نحن نشهد العنف والحرب، حيث يقتل الأخ أخاه، وكأنّها لعبة ننظر إليها من بعيد، غيرَ مبالين، ومقتنعين بأنّها لن تطالنا أبدًا. وألَمُ الآخرين لا يستعجلنا. ولا حتّى ألم الذين سقطوا، والمهجّرين، والأطفال المحاصرين في الحروب، والمحرومين من الطّفولة الهانئة وألعابها. لذا، لا يمكن أن نلعب بحياة الشّعوب والأطفال. ولا يمكننا أن نبقى غير مبالين. على العكس، من الضّروري أن نتعاطف ونعترف بالإنسانيّة المشتركة التي ننتمي إليها، بما فيها من متاعب، وصراعات، وضعف. ونفكر: "كلّ هذا يهمني، كان يمكن أن يحدث هنا أيضًا، لي أيضًا". في مجتمع مُعَولَم، يجعل الألم "مشهدًا" للفرجة، لكن لا للشفقة، نحن بحاجة اليوم إلى "بناء الرّحمة". إلى الشّعور بالآخر، وأن نجعل ألمَه ألمَنا، وأن نتعرّف على وجهه. هذه هي الشّجاعة الحقيقيّة، شجاعة الرّحمة، التي تجعلنا نتخطّى الحياة الهادئة، ونتخطّى موقف "هذا لا يعنيني ولا يخصّني"، حتّى لا تتحوّل حياة الشّعوب إلى لعبة بين الأقوياء. لا. حياة الشّعوب ليست لعبة، إنّها مسألة جديّة وتخصّ الجميع. لا يمكن أن نتركها تحت رحمة مصالح البعض أو فريسة لأهواء طائفيّة وقوميّة.
إنّها الحرب التي تسخر من حياة الإنسان. إنّه العنف وإنّها تجارة الأسلحة المأساويّة والذي يزداد إنتاجها، التي تتحرّك غالبًا في الظلّ، وتغذّيها أنهار خفية سُفلِيّة من المال. أريد أن أكرّر أنّ "الحرب هي فشل السياسة وفشل الإنسانيّة، وهي استسلامٌ مُخجل، وهزيمة أمام قوى الشرّ" (كلّنا أخوة، 261). يجب أن نتوقف عن النظر إليها غير مبالين وكأنّها أخبار فقط نسمعها، بل لنجتهد ولننظر إليها ونراها من خلال عيون الشعوب. قبل عامين، في أبو ظبي، ومع أخي العزيز الحاضر هنا، فضيلة الإمام الأكبر، إمام الأزهر، دعَونا إلى الأخوّة الإنسانيّة من أجل السّلام، وتكلّمنا "باسمِ الشُّعُوبِ التي فقَدَتِ الأَمْنَ والسَّلامَ والتَّعايُشَ، وحَلَّ بها الدَّمارُ والخَرَابُ والتَّناحُر". نحن، الممثلين للأديان، مدعوون إلى ألّا نستسلم لإغراءات السّلطات الأرضيّة، ولنكون صوتًا لمن لا صوت له، وسندًا للمتألمين، ومحامين عن المظلومين، وضحايا الكراهية، والذين يرفضهم الناس على الأرض، ولكنّهم عزيزون أمام ساكن السّموات. اليوم هم خائفون، لأنّه في أنحاء كثيرة من العالم، بدلاً من أن يسود الحوار والتعاون، تستعيد المواجهة العسكرية حِدَّتها لتكون أداة حاسمة ليفرض الإنسان نفسه على غيره.
لذلك أودّ أن أعبّر مرة أخرى عن الإرشاد الذي قدمته في أبو ظبي في الواجب الذي لا يمكن تأجيله والذي يخص الأديان "في هذه المرحلة التاريخيّة الدقيقة: أن نجرّد قلب الإنسان من السّلاح". إنّها مسؤوليتنا، أيّها الإخوة والأخوات المؤمنون، أن نساعد في استئصال الكراهية من القلوب والتنديد بجميع أشكال العنف. بكلمات واضحة لنشجع على هذا: إلقاء السّلاح، وتقليص الإنفاق العسكري لتوفير الاحتياجات الإنسانيّة، وتحويل أدوات الموت إلى أدوات حياة. يجب ألّا تكون هذه كلمات فارغة، بل طلبات ملحة نرفعها لخير إخوتنا، وضد الحرب والموت، باسم من هو السّلام والحياة. أسلحة أقل وطعام أكثر، ونفاق أقل ومزيد من الشفافيّة، ومزيد من اللقاحات الموزعة بشكل عادل، وتقليص الأسلحة المباعة بطريقة عبثية. هذا الزمن يطلب منا أن نكون صوت العديد من المؤمنين البسطاء العُزّل الذين سئموا العنف، حتى يلتزم الذين في يدهم مسؤوليّة الخير العام، ليس فقط بإدانة الحروب والإرهاب، بل بخلق الظروف المناسبة حتى لا تشتعل.
حتى تكون الشعوب إخوة، يجب أن تصعد الصّلاة باستمرار إلى السّماء، ويجب ألّا يكف صدى كلمة واحدة عن التردّد على الأرض: السّلام. كان القديس يوحنا بولس الثاني يحلم بمسيرة مشتركة للمؤمنين، تنطلق من ذلك الحدث نحو المستقبل. أيّها الأصدقاء الأعزّاء، نحن اليوم في هذه المسيرة، لكلّ منا هويته الدينيّة الخاصة، لنزرع السّلام باسم الله، وللاعتراف بأنفسنا إخوةً. أشار البابا يوحنا بولس إلينا بهذا الواجب وقال: "السّلام ينتظر أنبياءه. السّلام ينتظر صانعيه". بدا ذلك التفاؤل للبعض فارغًا. ولكن على مرّ السّنين نمت المشاركة ونضجت قصص الحوار في عالم الأديان المختلفة، وألهمت مسارات السّلام. هذا هو الطريق الصحيح. قد يُوجد من يريد الانقسام وخَلق الصّدامات، أمّا نحن فنؤمن بأهمية أن نسير معًا من أجل السّلام: بعضُنا مع بعض، وليس بعضُنا ضد بعض، أبدًا.
أيّها الإخوة والأخوات، مسيرتنا تتطلب باستمرار أن ننقي قلوبنا. فرنسيس الأسيزي، الذي كان يطلب من أتباعه أن يروا في الآخرين "إخوة، لأنّهم خُلقوا جميعًا من الخالق الواحد"، كان يوصي بهذه الوصية: "السّلام الذي تعلنوه بأفواهكم، اجعلوه وافرًا في قلوبكم". السّلام ليس قبل كلّ شيء اتفاقًا يتم التفاوض عليه، أو قيمةٌ وموضوع حديث، لكنّه بشكل رئيسي موقف في القلب. إنّه يولد من العدل، وينمو في الأخوّة، ويعيش من المجانية. ويحُثُنا على "أن نخدم الحقيقة وعلى القول، بدون خوف ولا أعذار، إنّ الشّر شر متى وقع، وأيضًا وخصوصًا عندما يقول صانع الشّر إنّه من أتباع ديانتنا". باسم السّلام، من فضلكم، لننزع في كلّ تقليد ديني، فتيل تجربة الأصوليّة، وكلّ تلميح لجعل الأخ عدوًا. بينما يقع الكثيرون في المعارضات، والتحزبات، وألاعيب المخاصمات، نحن لنردّد قول الإمام علي: "الناس اثنان: إمّا أخوك في الدين، أو نظيرك في الخلق". ولن يكون انقسام آخر.
الشعوب المتآخية يحلمون بالسّلام. لكن حِلم السّلام اليوم يقترن بحِلم آخر، وهو حِلم أرض المستقبل. إنّه الالتزام برعاية الخليقة، من أجل البيت المشترك الذي سنتركه للشباب. الأديان، التي تُنَمِّي موقفَ تأمٌّل لا موقف استملاك، مدعوةٌ إلى الإصغاء إلى أنّات الأرض الأم التي تعاني من العنف. ساعدنا الأخ العزيز، البطريرك برثلماوس، الحاضر هنا، على أن ننمِّيَ وعينا بأنّ "كلّ جريمة ضد الطبيعة هي جريمة ضد أنفسنا وهي خطيئة ضد الله".
أكرّر ما أظهرته لنا الجائحة، وهو أنّه لا يمكننا أن نبقى دائمًا معافين في عالم مريض. في الآونة الأخيرة، أصيب الكثيرون بمرض النسيان، نسيان الله والإخوة. وقد أدى ذلك إلى سباق جامح من أجل الاكتفاء الذاتي الفردي، خرج عن مساره في جشع لا يشبع، والأرض التي نسير عليها تحمل أثر جراحهم، والهواء الذي نتنفسه مليء بالمواد السامة وفقير في التضامن. وهكذا، فقد سكبنا تلوث قلوبنا على الخليقة. في هذا المناخ المترَدِّي، يعزينا أن نفكر في أنّ نفس الاهتمامات ونفس الالتزام آخذة بالنضوج لتكوِّن تراثًا مشتركًا لأديان كثيرة. الصّلاة والعمل يمكن أن يصحِّحا توجيه مسار التاريخ.

تشجعوا أيّها الإخوة والأخوات! أمام أعيننا رؤية، هي رؤية شباب وأناس كثيرين ذوي إرادة صالحة: الأرض بيت مشترك تسكنه شعوب متآخية. نعم، لنحلم، ديانات أخوات، وشعوب إخوة! والديانات الأخوات تساعد الشعوب على أن يكونوا إخوة في سلام، وحراسًا متصالحين لبيت الخليقة المشترك. شكرًا.
 
أعلى