تعلمنا الكنيسة أن نفعل هكذا: نضع إصبعنا على الجبهة ونقول باسم الآب، فالآب هو أبونا السماوي الذي فوق الجميع. ثم نضع إصبعنا على الصدر ونقول والابن لأنه تنازل وتجسد. ثم ننقل إصبعنا من الكتف الأيسر إلى الأيمن قائلين والروح القدس الذي بقوة عمله المبنية على فداء المسيح انتقلنا من اليسار إلى اليمين، ومن الرفض إلى القبول، ومن الظلمة إلى نوره العجيب. ثم نقول إله واحد معترفين بوحدانية الله في ثلاثة أقانيم. وهذا تقليد رسولي. وعلامة الصليب ترهب الشياطين. ولقد صار الصليب علامة تميز المسيحيين ويفتخرون بها (1كو18:1 + 1كو2:2+ غل1:3+ غل14:6).
(مراحل تطور طقس رشم الصليب )
مر رشم الصليب بعده مراحل . فكان رشمه فى البدايه يتم على الجبهة فقط سواء بابهام اليد اليمنى أو باصابع اليد ، إما مرة واحده او ثلاث مرات . وهو ما ذكره التقليد الرسولى ، والعلامه أوريجانوس المصرى ، والعلاّمه ديديموس الضرير ، والقديس يوحنا ذهبى الفم ، والقديس كيرلس الاورشليمى ، والقديس باسيليوس الكبير .
فيقول كتاب التقليد الرسولى (حوالى سنة 215 م ) : " وعندما تجرب ارشم جبهتك بمخافة دائماً بعلامه الصليب ، لانها العلامة الظاهرة والمعروفة ضد ابليس إذا صنعتها بايمان ،لا لكى تُنظر من الناس ، بل بعلمك تضعها مقابلك مثل سلاح . . هذا إذا رشمنا به جباهنا بيدنا ، فإننا ننجو من الذى يريد إهلاكنا " (فصل 4 ، 1:37 ) .
وهو نفس ما تذكرة قوانين الرسل القبطيه (القانون 1:47)
ويقول العلاّمة اوريجانوس (185-245 م ):
(إنها العلامة التى يصنعها المسيحيون على جباههم سواء قبل الصلاة أو قبل قراءة الاسفار المقدسه ).
وذكر العلامة ديديموس الضرير (313-398 م) أن رشم علامة الصليب على الجبهه هو من ضمن المراسيم التى تسبق المعموديه .
ويشير القديس كيرلس الاورشليمى (315-386 م) فى تعليمه للموعوظين لذلك الامر فيقول :
(.. لا نخز إذا أن نعترف بالمسيح مصلوباً . بل ليت إشارة الصليب تكون ختماً نصنعه بشجاعة باصابعنا على جبهتنا ، وعلى كل شئ ، وعلى الخبز وعلى كأس الشرب . وفى البيت . لا تحتقروا الختم من أجل مجانيه العطيه ،بل بالحرى كّرموا صاحب الفضل ) .
وهذا ما يؤكده القديس باسيليوس الكبير (330-379 م) قائلاً :
(تعلمنا من التقليد أن نرسم الصليب على جبهتنا وعلى سائر الامكنه ).
وهكذا يتضح امامنا ان رشم علامة الصليب كان باليد على الجبهة فقط ولكن يبدو أن رسم الصليب كما نرسمه اليوم على الجبهة ثم القلب ، ثم الكتفين هو تقليد قديم للغايه ، ذلك لأن ما يذكره القديس امبروسيوس (339 - 397 م) ربما يشير الى ذلك ، فيقول : (نرسم الصليب على جبهتنا ،ثم على قلبنا . نرسمه على جبهتنا حتى نعترف علناً بالمسيح ، وعلى قلبنا حتى نظل نحبه ، ونرسمه على ذراعنا حتى يكون عملنا له ).
واستقر رشم الصليب على الجبهة فالقلب فالكتف الشمال ثم اليمين منذ القرن السادس تقريباً .
ومن أبدع الشروحات فى رشم علامه الصليب بهذا الشكل هو ما يذكره القس سمعان بن كليل فى القرن الثانى عشر فيقول :
" كل من يضع يده على جبهته إنما يلمس اول موضع رُشم به بدهن الموعوظين ، وهو بذاته الذى رُشم عليه بدهن السماويين أى مسحه الميرون . والرأس هو الذى ينحدر من الاب ولذلك يحمل ختم البنوة والذى منه كل الابناء ..... وإذا نقل يده اليمنى الى اسفل يقول والابن معترفاً بانه نزل الى مياه المعموديه ، وصُلب مع ربنا له المجد . ثم يضع يده على كتفه الشمال معترفاً بانه جحد الشيطان وكل قواته المرذولة ، وفك العهد القديم معه بعدم السلوك فى خطايا الامم . ثم ينقل يده الى الكتف الايمن عندما يقول الروح القدس لأنه واقف منذ لحظه خروجه من جرن المعمودية عن يمين الآب ، بل هو جالس مع الرب عن يمين الآب كقول المزمور << الرب عن يمينى ولذلك لا اتقلقل >> وكقول بولس << أجلسنا معه فى المواضع السماويه >> أى البيعة المقدسة ".
وإذا جئنا الى القرن الرابع عشر نجد أن العالم الكبير ابن كبر (+1324م) يورد فصلا عن رشم الصليب باصبع واحد يقول فيه :
" اما الصليب بأصبع واحد فقد ورد فى التوراة ، ان الله تعالى امر موسى عبده وبنيه أن ينضح بأصبعه من دم الذبائح التى يُصعدها الشعب قرباناً على قبه الزمان وأوانى الخدمه وعلى الشعب تطهيراً لهم ، ولم يقل له ان ينضح باصبعيه
ثم أن سيدنا له المجد قال مخاطباً اليهود على ما شهد به انجيل لوقا :فان كنت أنا اخرج الشياطين بأصبع الله فقد اقترب منكم ملكوت الله . ولم يقل بأصبعى الله . ويشير به الى توحيد ذات البارى وتثليث الأقانيم ، والى الطبيعة الواحدة التى صارت بالاتحاد خلافاً لرأى القائلين بالطبيعتين .
وابتدانا من اليسار الى اليمين ، أى انه باعتمادنا بالثالوث المقدس الموحد ، انتقلنا من حزب اليسار الى حزب اليمين وقد ذكر مثل ذلك القديس كيرلس معلم البيعة بقوله فى قداسه : من مشارق الشمس الى مغاربها ، ومن الشمال الى اليمين ، ولم يقل من اليمين الى الشمال .
وعلى الجُمله ، فان قبط مصر اهل الخمس مدن والنوبه والحبشة .... لم يصلبوا ويرشموا الا باصبع واحدة ، ونحن على هذه العاده جارون ، وعلى هذه القاعدة مستمرون .
ونختم هذا الجزء بالتنويه الى ان "دق" إشارة الصليب التى يرسمها القبطى على معصم يده اليمنى - كعلامة لا تُمحى - هى رد فعل تمسكه بالصليب حتى الموت ازاء الاضطهاد الذى كان يلاقيه الاقباط ، والذى بدأ باضطهاد الاقباط اضطهاداً شديداً ، ولكنهم ثبتوا أمامه ثباتاً مدهشاً . ولكى يعلنوا أن الاضطهاد لا يقوى على زعزعة ايمانهم ، صاروا يرسمون إشارة الصليب المقدس على ايديهم . ومن ذلك الحين صارت هذه العادة مرعيه حتى الان .
++ بينما يلمس الأرثوذكس الروم الكتف الأيمن أولاً ثم الأيسر ؟
الأرثوذكسي يضم إبهامه إلى سبّابته وإصبعه الوسطى فيلتقون في نقطة واحدة. الأصابع الثلاثة تشير إلى الثالوث الأقدس، بينما يشير الإصبعان الآخران إلى طبيعتي السيد المسيح : الإنسانية التامة والإلهية التامة. يلمس في البداية جبينه ثم أعلى البطن راسماً بذلك الجزء العمودي من الصليب المقدس. ثم ينتقل من أعلى البطن إلى الكتف الأيمن لينهي عملية رسم الصليب بملامسة كتفه الأيسر.
رسم إشارة الصليب هي عملية طلب النعمة الإلهية، والكاهن عندما يبارك المؤمنين فإنه يباركهم بإشارة الصليب من اليسار إلى اليمين. ولهذا يقوم المؤمنون برسم الصليب على أنفسهم من اليمين إلى اليسار بعملية معاكسة.
عندما فصل الرب الخراف عن الجداء وضع الخراف على اليمين والجداء عن اليسار (متى25: 33)، لهذا تعتبر الكنيسة ان اليمين هو المقام الأفضل. لهذا نرسم إشارة الصليب باليد اليمنى، وعندما يبارك الكاهن شخصاً فهو يبارك يمينه أولاً ثم يساره. تبخير المذبح المقدس في الهيكل يبدأ من جهة اليمين كذلك اولاً، وكذلك تبخير الأيقونسطاس والمؤمنين، فكله يبدا من اليمين أولاً. ثم ان الكاهن يناول الشعب بيمينه دوماً الجسد والدم المقدسين، حتى لو كان الكاهن يعتمد على يده اليسرى (أيسراً).
إذا قام أحد الوالدين برسم إشارة الصليب لمباركة أحد الأطفال فإنه يرسمها كما الكاهن مباركاً، أي من اليسار إلى اليمين، بينما إذا رسم الصليب على نفسه فإنه يفعل ذلك منطقياً من اليمين أولاً ثم إلى اليسار.
تذكر الموسوعة الكاثوليكية أن المؤمنين في الكنيسة البابوية كانوا يرسمون الصليب بنفس الطريقة الأرثوذكسية حتى القرن الخامس عشر أو السادس عشر، ثم تغيّرت تلك العادة. ولا احد سواهم يستطيع شرح سبب هذا التغيير المتأخر للعادة التي تسلّمتها الكنيسة في رسم إشارة الصليب الكريم.