في صلاواتنا دائما يا ست نعومة حتى بدون أن تطلبي، تأكدي من ذلك. أنتي وكل العائلة الكريمة في صلاواتنا دائما. ربنا يسندك يا أمي ويعطيكي القوة والشجاعة والصبر على كل ما تمرّين به، بالذات هذه الليلة وصباح الغد. بمعونة ربنا ورحمته وحسب مشيئته الصالحة سوف تعبر إن شاء الله هذه المحنة أيضا. نستمطر رحماته له كل المجد لأجلكم، ونسأله بدالة وشفاعة سيدتنا العنبر المختار سلوى القلوب كنز البركات وملجأ البنين، القديسة العذراء مريم كلية الطهر، أن تعبر عنك إن شاء الله هذه المحنة أيضا وكل شدة تمرون بها.
أخيرا أتمنى يا أمي الغالية ألا تسمحي بهذه "الصورة" مرة أخرى مستقبلا: صورة "الأتون المحمي" التي تستخدمينها كثيرا! نعم يا أمي، أعرف أن هذا قد يكون إحساسك، ولكنها صورة صعبة جدا تزيد بحد ذاتها من آلامك لا تخففها. هذه الصورة نفسها تشعل الألم وتؤججه، فهل تريدين زيادة المعاناة والألم؟ أدعوكي بالتالي فضلا ـ إذا أذنتِ لي ـ أن تنتبهي يا أمي قليلا لأفكارك وكلماتك. أدعوكي ألا تستخدمي هذه الصورة ولا تعبّري عن تجربتك هكذا أبدا، وإنما بالعكس: مهما كان الألم الذي تشعرين به ليكن "تفكيرك" ـ وبالتالي "كلامك" ـ في صور أخف كثيرا من ذلك، لأن هذا نفسه سوف يساعدك ويعطيكي قدرة أكبر على التحمل ومواجهة الألم.
أتذكر في هذا السياق أستاذنا الموسيقار الكبير عمار الشريعي الذي كان مثالا لذلك. كان في أحلك لحظاته وأصعبها يصف الأمر ـ إذا سأله أحد مثلا عن أحواله ـ أن الدنيا في حالة "غلاسة" معه، أو "غتاته"، أو أحيانا "ثقاله"، وقد يضحك حتى على ذلك! لم أعرف أبدا في حياتي ـ باستثناء بعض أبائنا القديسين بالطبع ـ رجلا يستهين بالمحن هكذا مثل هذا الرجل! ولكن هذا نفسه يا أمي هو ما ساعده ويساعدنا جميعا على تحمل الألم بل وقهره أيضا. نحن ببساطة نستهين بالألم، ولذلك نستخدم صورا وتعبيرات تعبر عن هذه الاستهانة، أي بالضبط عكس ما تفعلين! أرجو بالتالي أن تنتبهي يا أمي مستقبلا لهذه النفطة البسيطة جدا، والهامة جدا بنفس الوقت.
أدعوكي ـ بعد مرور هذه المحنة بمشيئة الرب ـ أن تتابعي هذا اللقاء، فقط على سبيل المثال، مع الأستاذ عمار وأن تتأملي كيف كان يتكلم عن نفسه وعجزه عن الإبصار وعن أحواله عموما. تأملي مثلا في الدقيقة 10 عندما يقول "شوف الثقالة"! كان يتكلم عن وفاة أبيه ـ واحدة من أصعب لحظات حياته ـ ومع ذلك يصف الأمر بأنه "ثقالة"! مجرد "ثقالة"، كما نصف مثلا أحد الضيوف بأنه "ضيف ثقيل"! أيضا لاحظي أن لا يقول أبدا "مات"، ولكن "راح"! فهذا يا أمي هو حقا مثال الاستهانة: استهانة بالتجربة، استهانة بالألم، استهانة في التعبير، والنتيحة أن المحنة بالتالي تهون فعلا!
ختاما كل سنة وانتي طيبة يا ست نعومة ـ الجميلة المحبوبة ـ ينعاد عليكم وأنتم جميعا بأفضل صحة وأحسن حال، ودائما في سلام الرب بكل خير وبركة وكل فرح ومسرة. عموما سنؤجل التهنئات والتبريكات حتى تمر أولا هذه الليلة وتعبر هذه المحنة الطارئة بسلام إن شاء الله، فحتى ذلك الحين قلوبنا معك وصلاواتنا لأجلك، أرجو أن نطمئن عليك في أقرب وقت، لكم جميعا أطيب المنى وحتى نلتقي. ?