لا صالح إلا الله وحده

بيترالخواجة

<<<< Jesus >>>>
عضو مبارك
إنضم
20 نوفمبر 2006
المشاركات
872
مستوى التفاعل
12
النقاط
0
المتروبوليت بولس صليبا مطران استراليا ونيوزيلاندة



يتقدم إلى يسوع شاب غني ويسأله " أيها المعلم الصالح ماذا يجب أن أفعل لأرث الحياة الأبدية "؟ كان ذاك الشاب صالحا لا بل مثاليا . كان حافظا الناموس ، لا بل يريد أن يتمم ما هو أكثر ان استطاع . الكثيرون من شباب اليوم يتمنى أن يكون على صورته ، لأنه كان قد أتم الدين و ربح الدنيا . حفظ الناموس و كان غنيا جدا . هذه الصورة لأغلبية الناس هي الصورة الأصلح للحياة. أن يكون الإنسان مثالا في الخلق و الأدب و الدين من ناحية ، وغنيا في الدنيا من ناحية ثانية .

لكن المفاجأة التي خيّبت آمالنا ، هي أن هذا الشاب المثالي والصالح خرج من حوار مع يسوع حزينا. فإذا كان شابا كهذا ، قد حفظ الوصايا منذ صباه و حقق في الدنيا أكثر ما يمكن تحقيقه من نجاحات وصار غنيا جدا ، لم يستطع أن يرضي يسوع ، فمن هو الصالح إذن؟ وما هو المثل الذي يجب أن نضعه هدفا ويرضاه الرب ؟

الصلاح ليس مسألة مهمة وحسب، لكنها الأهم في حياة الإنسان . وهي مسالة نسبية وشخصية تتعلق برأي كل فرد وذهنيته و بحرية اختياره لمثله و أهدافه. يحاول الإنسان دائما أن يختار ما هو اصلح ، " وصالح " له ، وذلك بحسب معرفته و معتقداته لذلك ، رغم أن اكثر المواضيع التي تحتاج لتحديد ثابت هي " الصلاح " فقد جاء هذا الموضوع أكثر تنوعا . وللناس تعاريف و تحديدات متعددة في الصلاح . وجواب يسوع هنا " لا صالح إلا الله وحده " يؤكد على امرين : الأول هو رفض التعددية في تحديد الصلاح ، و الثاني هو التأكيد على أن الله هو الصلاح الحقيقي المطلق . فالصلاح للبعض يتحدد بالمتعة مثلا ، أو بالمصلحة و اقتناء الخيرات الدنيوية الكثيرة وتجميع الأموال والغنى، أو في السلطة والمجد والمراكز ... و ذلك دون ربطه أحيانا حتى بأية قيمة أخلاقية أو شروط أدبية .

ولآخرين الصلاح هو في الأشخاص أو الأشياء أو الأمور التي سبب لنا إحساسات ممتعة: منها الطعام والأولاد و الممتلكات والخيرات أو الأدبيات وكل ما يترك لنا شعورا نفسيا مريحا ، أو كل ما يسبب السعادة أو يسهل الحياة ، على الصعيد الجسدي و النفسي، بعد ربطه ببعض الشرائع أو المبادئ الأدبية . فتتغربل هنا بهذا الشرط نوعيات الصلاح ويسقط منها الكثير مما كان في الخيار الأسبق صالحا .

يتحدد الصلاح في الأديان والنظم الاجتماعية بحفظ الوصايا، وفي ممارسة الفضائل . وهذه كلها من نظم التفكير الديني . فالصلاح هنا يحدده الدين ، أي الإنسان في طبيعة علاقته مع الله . من حيث أن الأديان هي صيغ بشرية لتنسيق العلاقة بين الإنسان و الإلهية . والانضباط في هذا الدين بنظر الأديان هو " الصلاح " .

ففي العهد القديم مثلا كان تحديد " الصلاح " في حفظ الوصايا الإلهية والمحافظة على العهد ، أي في تطبيق الشريعة . وهذا الصلاح كان يحيط به عالم بشري من الخيرات. فمن علامات الرضى الإلهي ، نتيجة ممارسة الفضائل اليهودية وتطبيق وصايا الشريعة، كان الغنى والأولاد والممتلكات . وعكس ذلك كان الفقر والمرض و سواهما ... لم يكن صلاحا ، و أيضا لم يكن علامة بركة إلهية بمقدار ما كان لعنة . لهذا نرى اليهود يربطون بين العمى والخطيئة ، كما في قصة الأعمى منذ مولده . وقصة أيوب في سفره بأكمله ما هي إلا محاولة إلهية لتطهير " الصلاح " من ارتباطه بالخيرات الأرضية.

الصلاح في العهد الجديد أخذ منحى مختلفا . ففي حواره مع الشاب الصالح و المثالي والغني والمتدين، يوضح هذه النقطة في تحديد الصلاح بين العهدين. فالصلاح الحقيقي لا يقاس بالنسبة إلى خير مجرد ماديا كان أو خلقيا أو أدبيا أو اجتماعيا... بل بالنسبة إلى الله الذي وحده يعطي الأشياء إمكانية حسنها وصلاحها .

فالغنى كما الفقر ، والخيرات والعوز و الصحة والمرض ، و الحياة أو الموت ، وكل شيء في الوجود هو مجرد أمر حيادي ، في طبيعته لا صالح ولا شيء . ما يحدد صلاحه هو أسلوب استخدامه . من هذه النظرة ، الصلاح ليس في ممارسة الفضائل ولا الشر في غيابها. و إن كان هذا الكلام معثرا ، فهو للتأكيد على جوهر الصلاح . فأين صلاح فضائل الفريسيين ؟ وما هو الضرر في فقدان البصر عند الأعمى منذ مولده ... ؟ كان أيوب صالها في غناه وفي عوزه. الفضائل هي نتائج الصلاح وليست تحديده . ففي مناسبات عديدة لم يكن الدين صالحا . حفظ السبت وهو أهم الوصايا لم يكن هو الصلاح. لذلك لا صالح إلا الله وحده . كل شيء بدونه ولا يعود إليه ليس صالحا . وكل شيء لأجله يصير صالحا .

لذلك لم يكن الصلاح عند هذا الشاب بالنسبة للرب لا غناه ولا حفظ الوصايا. بل ما كان ينقصه عندما قال له السيد واحدة تنقصك : بع كل " الصالحات " وهي ليست الصلاح ، وتعال" اتبعني " . هذا هو ما يعطي لكل أمر صلاحه .

ان بيع كل شيء يعني أن لا نقبل بتعددية التعاريف في الصلاح " وتعال اتبعني " ، يشير بوضوح إلى مصدر الصلاح و تحديده . بع كل شيء لا يعني رفضه . علق القديس الذهبي الفم على قول بطرس : " يا سيد ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك ، فماذا يكون لنا ؟ " بما يلي : ماذا ترك بطرس ؟ لم يترك شيئا لأنه لم يكن يملك أكثر من مركب صغير و بعض الشباك . لكن بطرس ترك كل التعاريف بالصلاح ومضى يلتمس " الصلاح " الحقيقي . البيع لكل شيء هو بالحقيقة وضع كل شيء في استخدام يليق بخدمة الواحد ـ الرب .

الغنى في خدمة الرب صلاح ، و بدون هذه الخدمة شر يمنع عن دخول الملكوت . والفقر كذلك، السلطة في خدمة الإنسان وبالتالي الرب ، هي صلاح ، و في غياب ذلك شر لا يطاق . و الدين يخضع أيضا لهذا المقياس . لا بل علينا أن نفحصه دائما بهذا المنظار حيث الخسارة فيه تكون مضاعفة . " لا شيء صالح إلا الله وحده " . يعني أن كل شيء بدون الله غير صالح و أن " كل شيء بالله وحده صالح " . آميـــــــن
 
أعلى