الافخارستيا ( القربان ) سر الحب
في نفس الليلة التي أسلم الرب فيها نفسه للصليب حُبا في خلاص البشرية سلَّم تلاميذه سر موته الرهيب وقيامته المجيدة تحت شكلي الخبز والخمر هما شركة جسده ودمه الذين بذلهما طوعا عن حياة العالم .
في ذبيحة القداس تتجلى قمة الحب .
فالخبز المُقدم هو ناتج حبات القمح الكثيرة التي تم طحنها ليتشكل الخبز الواحد فنتناول منه جميعا إكليروسا وشعبا .
وفي الكأس المقدسة خمر ناتجة عن عصير حبات العنب الكثيرة وتتخمر لتتحد داخل تلك الكأس فيتناول منها الجميع فيشترك الجميع في هذا السر .
في القداس لا نُكرر ذبيحة الصليب فذبيحة الصليب ولو حدثت مرة واحدة إلا أن مفعولها مستمر حتى مجيء الرب الثاني ليدين الأحياء والأموات وهذا شائع في الكتاب المقدس فالرب جبل آدم وصنع من ضلعه حواء مرة واحدة والجيل البشري كله هو ناتج هذا الزواج الأول الذي باركه الرب بينهما .
عندما نتناول الخبز المقدس الذي يستحيل بشكل حقيقي جوهري غير منظور إلى جسد الرب نتأمل الجسد الذي ثقبته المسامير على الصليب وجرحه إكليل الشوك نتأمل اليدين التين مدهما الرب على الصليب فجذب إليه الجميع ناقلا الكل من الظلمة إلى النور ومن الضلال إلى الحق ومن الموت إلى الحياة بل نتأمل المسيح المصلوب الذي كان الكاهن الذي قرَّب ذبيحة نفسه موفيا العدل الإلهي حقه الكامل عن خطايا كل البشرية لكل من يؤمن ويدخل دائرة الخلاص بالصليب ونوال المغفرة بأيسر مرام .
وعندما نتأمل في الدم داخل الكأس المقدسة نتذكر الجنب المطعون الذي انسكب منه الدم والماء فالماء أفاض المعمودية والدم أفاض الغفران لمن يغسل ثياب نفسه ويبيضها بهذا الدم الزكي الطاهر .
فما نتناوله على مذبح الرب جسد ودم حقيقي تحت شكل الخبز والخمر بهما نتحد بالرب ويسكن فينا وهو لمن يتناوله باستحقاق وانسحاق قلب وتوبة حقيقية نار تحرق أشواك خطاياه ويثبت في الرب ويثبت الرب فيه فهو القائل من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه .
أما من يتناوله عن غير استحقاق فهو مجرم إلى جسد الرب ودمه كما صرح بذلك بولس الرسول عندما وبخ أهل كورنثوس في رسالته الأولى إليهم الفصل11 بل ويأكل ويشرب نارا تحرقه نفسا وجسدا .
فهل نستطيع تخيل عُمق هذا الحب الذي أحبنا إياه الرب ؟ هل نقابل هذا الحب بحب أم بالجحود .
هو قمة الحب الذي يتجلى أمام المؤمنين على المذبح المقدس عندما يستدعي الكاهن الروح القدس على تقادم المؤمنين من الخبز والخمر فتتحول إلى جسد ودم الرب هو نفسه الجسد المكسور على الصليب وهو عينه الدم المُراق على الصليب وهو نفسه الجسد الذي قام من بين الأموات نتحد به ونؤلف معه وحدة حُب حقيقي جارف لا يعرف له حدودا ولا بقاعا جغرافية هو حب لا متناهي أحبنا به حتى النهاية .
فلنتقدم من مذبح الرب بثقة وإيمان وخشوع ليزداد عمق هذا الحب في كل مرة نتناول فيها من هذا الخبز ونشرب من هذه الكأس ولا نكون كيهوذا الخائن الذي خان الوديعة وأسلم الرب بقبلة غاشة فاستحق الموت الشنيع على بيعه موهبة المسيح العظيمة بثمن بخس .
لنتقدم بثقة وخوف الرب من مائدة الحب الإلهي مترجين الغفران الكامل والتأهل للملكوت السماوي فوعد الرب صادق من يأكل جسدي ويشرب دمي فله الحياة الأبدية وأنا أُقيمه في اليوم الأخير .
مهما كانت خطاياك تقدم بثقة بعد التوبة والاعتراف وليكن إناء نفسك مليئا بروح الرب القدوس وقدس نفسك وروحك وجسدك بهذه العطية العظيمة عطية الحب وعطية الغفران والحياة الأبدية .
احذر من المُتشدقين بأن الخبز والخمر على المذبح هو رمز للجسد والدم ففي العهد الجديد بَطُل الرمز وبانت الحقيقة الكاملة وتيقن مما تتناوله أنه استمرار لمفعول الصليب وذبيحته الغافرة