رئيس الملائكة ميخائيل
بقلم:المتنيح الأنبا غريغوريورس
ورد ذكر رئيس الملائكة ميخائيل في الكتاب المقدس أحيانا بالإشارة وأحيانا بالتصريح,فقد ورد عنه في سفر الرؤيا أنه الرئيس الذي حارب سطانائيل وهو الشيطان.لأن كلمة سطانائيل بالعبراني هي الشيطان باللغة العربية بعد أن حذفت منها كلمة إيل.لأن كلمة إيل بمعني الله,وذلك بعد أن سقط من السماء وصار عدو الله.
غير أن ميخائيل هو رئيس الرؤساء السبعة.وقد ورد ذكره بالاسم في الكتاب المقدس بعهديه في بضع مواضع:
1-جاء في سفر الرؤيا قوله,وحدث قتال في السماء:ميخائيل وملائكته كانوا يقاتلون التنين,وكان التنين وملائكته يقاتلون.فلم يقووا ولا جد لهم موضع بعد في السماء,فطرح التنين العظيم الحية القديمة المسمي إبليس أو الشيطان,واذلي يضل المسكونة كلها.طرح إلي الأرض وطرحت ملائكته معه(الرؤيا12:7-9).
هذا النص يدل علي الحرب التي نشبت في السماء بين ميخائيل وملائكته الصالحين,والشيطان وملائكته الأشرار الذين تبعوه في تمرده علي الله,وقد انتهت هذه الحرب بطرد الشيطان وملائكته من السماء وإسقاطهم إلي الأرض,ولعله إلي هذه الحرب يشير مخلصنا في قولهإني رأيت الشيطان ساقطا من السماء كالبرق(لوقا10:18),ولعله أيضا إلي هذا ترمز الصورة التقليدية السائدة في الكنيسة المقدسة,والتي يصور فيها رئيس الملائكة ميخائيل ممسكا بميزان في يده اليسري وبالسيف في يده اليمني,والشيطان ساقطا عند قدميه.وأما الميزان فيرمز إلي ميزان عدالة الله,وقد ظهر الشيطان ناقصا أمامه فسقط إلي الأرض مغلوبا في قتاله مع رئيس الملائكة ميخائيل.
وبعبارة أخري أن الكتاب المقدس في سفر الرؤيا يظهر لنا ميخائيل رئيس الملائكة غريما وخصما وعدوا ومطاردا لسطانائيل رئيس الشياطين,وهو الذي شن عليه هذه الحرب نيابة عن الله الذي أعطاه السلطة أن يطرد سطانائيل من حضرته,ومن السماء ويسقطه إلي الأرض.
2-وهناك إشارة أخري إلي رئيس الملائكة ميخائيل في سفر يشوع,حينما رآه يشوع ابن نون واقفا قبالته وسيف الله مسلولا في يده,فلما رآه في صورة رئيس جند وقائد عظيم ورأي منظره غير عاديفأقبل إليه يشوع وقال له ألنا أنت أم لأعدائنا؟فقال كلا بل أنا رئيس جند الرب,الآن جئت إليك.فسقط يشوع علي وجهه إلي الأرض وسجد,وقال بماذا تأمر عبدك ياسيدي:فقال رئيس جند الرب ليشوع:اخلع نعليك من رجليك فإن الموضع الذي أنت قائم فيه مقدس,فصنع يشوع ذلك(يش5:13-15).وقال الآباء:إن رئيس جند الرب الذي ظهر ليشوع هو بعينه ميخائيل(يري نيافته أن الذي ظهر ليشوع هو الرب نفسه,ولكن في هيئة رئيس جند الرب وهي واحدة من ظهورات الرب في العهد القديم).
3-والإشارة الثالثة إلي ميخائيل رئيس الملائكة هي في رسالة القديس يهوذا الرسول,وهو المعروف يهوذا ليس الإسخريوطي أو هو لباوس الملقب تداوس.ويروي لنا يهوذا الرسول في رسالته,أن هناك حربا نشبت بين ميخائيل وبين الشيطان بخصوص جسد موسي النبي,الشيطان كان يريد أن يظهر جسد موسي,وكان بنو إسرائيل قريبين إلي عبادة الأوثان.قصد بذلك أن يسقط بني إسرائيل في عباوة الأوثان,وأراد الله أن يخفي جسد موسي حتي لا يعبده الإسرائيليون,فكانت هناك حرب بين رئيس الملائكة لما خاصم إبليس وجادله من جهة جثة موسي,لم يجسر أن يحكم عليه حكم لعنة بل قال له:ليزجرك الرب(يهوذا:9).
4-وهناك إشارة أخري إلي رئيس الملائكة ميخائيل وهي سفر دانيال النبي,حيث يقول الكتاب إن دانيال صام ثلاثة أسابيع أيام يعني21يوما متذللا لم يأكل لحما ولم يشرب خمرا,وظل مسبخا علي وجهه متذللا فظهر له جبرائيل أو غبريال,وهو دائما الملاك المبشر,وقال له لا تخف يا دانيال فإنك من أول يوم وجهت فيه قلبك للفهم ولإذلال نفسك أمام إلهك,استجيب كلامك وأتيت أنا لأجل كلامك,وقد قاومني رئيس مملكة فارس واحدا وعشرين يوما,فأتي لنصرتي ميخائيل أحد الرؤساء الأولين...وليس أحد يساعدني علي هؤلاء إلا ميخائيل رئيسكم(دا10:13-21)فمن هو رئيس مملكة فارس؟إنه الشيطان المعين من قبل سطانائيل لحماية مملكة فارس,لأنه كما في السماء كذلك علي الأرض.فالنظام الذي رآه سطانائيل في السماء اتبعه لما هبط إلي الأرض,ونظم مملكته علي الأرض بنفس الطريقة,فصار كما قال السيد المسيحرئيس هذا العالمقال مخلصنا رئيس هذا العالم يأتي وليس له في شئفالشيطان رئيس هذا العالم صار له قواد كبار تحته وتحت القواد الكبار قواد صغار وأصغر وهكذا,وكما يعين لكل طفل يولد ملاك حارس لحراسته,يعين له رئيس الشياطين شيطانا صغيرا يعاكسه ويرشده إلي الشر,فإذا كبر الطفل ولم ينجح شيطانه في إسقاطه,فإن رئيس الشياطين يقيل هذا الشيطان من مهمته ويعين شيطانا أخر أقوي من الأول,لعله ينجح في المهمة التي فشل فيها الشيطان الأول.
وهكذا كلما نما الإنسان في الفضيلة والحكمة,صار له شيطان أكبر لإضلاله وإسقاطه.لهذا يتردد بين المسيحيين أحيانا قولهم إن شيطان هذا الشخص كشيطان الأنبا بولا,وهم يقصدون بذلك أنه شيطان كبير.أما مخلصنا له المجد فالشيطان الذي حاربه أو جربه في البرية فقد كان رئيس الشياطين نفسه.وقد قال الرب يسوعرئيس هذا العالم يأتي,وليس له في شئوعلي ذلك فالشيطان الكبير أو رئيس الشياطين أو هو بعلزبوب أو بعلزبول أو إبليس يعين لكل مملكة شيطانا عظيما من قبله,لاحتلالها واستغلالها في الشر والخطيئة فرئيس مملكة فارس هو الشيطان المعين من قبل رئيس الشياطين لمملكة فارس لإضلالها وإفسادها.
فجبرائيل يقول لدانيال لا تخف فإنك من أول يوم وجهت فيه قلبك للفهم ولإذلال نفسك أمام إلهك,استجب كلامك وأتيت أنا لأجل كلامك,وقد قاومني رئيس مملكة فارس واحدا وعشرين يوما,هذا هو سر تعطيلي هذه المدة,إلي أن جاء ميخائيل الرئيس فخلصني من رئيس مملكة فارس,الذي قاومني,وهذا معناه أن ميخائيل ناصر جبرائيل فتغلبا علي الشيطان القوي المعين لمملكة فارس,وهذا كله يرينا أهمية الصلاة وأهمية الإلحاح في الصلاة,فإذا صلي الواحد منا ووجد أن صلاته لم تستجيب بعد,فلابد أن يلح في الصلاة,لماذا؟لأنه يجوز أن تكون هناك معاكسات من قوي شريرة تعطل استجابة الصلاة,حتي يمل الإنسان من الصلاة ويكف عن الصلاة.فإذا واظب الإنسان علي الصلاة بإلحاح وبلجاجة,تهتز السماء وتنزل الملائكة الكبار,لكي يكونوا في عون الإنسان ولتحطيم القوات المعادية الشريرة,التي تكون واقفة في مقابل الإنسان تعاكسه,وطبعا كل هذا تحت إشراف ضابط الكل,ضابط الكون الأعظم,وهو رب السماء والأرض الذي الملائكة في خدمته ولتحقيق إرادته.
5-والإشارة الخامسة إلي ميخائيل رئيس الملائكة هي في سفر دانيال أيضا,حيث يقول الملاك جبرائيل لدانيال النبيوفي ذلك الزمان يقوم ميخائيل الرئيس العظيم القائم لبني شعبك(دا12:1).وهنا يصف الوحي ميخائيل بأنه الرئيس العظيم.كما ينسب إليه عمل الشفاعة والوساطة,وهي هنا الشفاعة التوسلية عن الشعب.
6-وفي كتب الكنيسة يوصف رئيس الملائكة ميخائيل بأنه ملاك القيامة,وأنه هو الذي دحرج الحجر عن فم القبر بعد أن قام المسيح له المجد من بين الأموات,ليعلن أن القبر فارغ وأن المسيح قام,يقول الإنجيل المقدسوإذا زلزلة عظيمة قد حدثت لأن ملاك الرب نزل من السماء,وجاء ودحرج الحجر عن الباب وجلس فوقه,وكان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج ومن خوفه ارتعد الحراس وصاروا كالأمواتمت28:2-4.
وجاء في القداس,في قسمة عيد القيامة والخمسين:ميخائيل رئيس الملائكة نزل من السماء ودحرج الحجر عن فم القبر,وبشر النسوة حاملات الطيب قائلا:المسيح قام من بين الأموات(أنظر كتاب الخولاجي المقدس المطبوع بمعرفة القمص مرقس بسادة وإقلاديوس بك لبيب في سنة1624 للشهداء).
7-وفي التقليد اليهودي والمسيحي أن رئيس الملائكة ميخائيل هو ملاك القيامة العامة أيضا الذي يبوق بالبوق ليدعو أجساد الراقدين إلي القيامة.لأن الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس ملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء...1تس4:16
عمل الملائكة وخدماتهم للبشر
الملائكة يخدمون الله ويعبدونه,وهم واقفون أمامه لتلبية ندائه وأمره,ولكنهم أيضاأرواح خادمة ترسل للخدمة من أجل الذين سيرثون الخلاص(عبرانيين1:14).
ومن بين خدماتهم للبشر
1-حراسة المؤمنين وحمايتهم:
يقول صاحب المزاميريحل ملاك الرب حول متقيه وينجيهم(مزمور23(34):8)
ويقول أيضا لا يصيبك شر ولا تدنو ضربة من خبائك,لأنه يوصي ملائكته بك ليحفظوك في جميع طرقك.علي أيديهم يحملونك لئلا تصدم بحجر رجلك(مزمور90(91):10, 11)
2-تخليص المؤمنين من الشدائد:
يقول يعقوب أبو الآباء وهو يبارك ابني يوسف:الملاك الذي خلصني من كل سوء يبارك الغلامين(التكوين48:16).
فللملائكة القدرة علي أن يخلصوا البشر من الشرور ومن الشدائد.وفي كل التاريخ كان الملائكة في نصرة رجال الله,كما يتضح هذا من قصة أليشع النبي وغيره,مما رواه الكتاب المقدس,وسجله تاريخ الكنيسة,ولابد أنكم سمعتم ما يقوله السنكسار عن رئيس الملائكة ميخائيل,والخدمات الكثيرة التي كان ولايزال يؤديها للبشر.
ويقول سفر دانيال علي لسان الملاك جبرائيلوليس أحد يساعدني علي هؤلاء(الأعداء)إلا ميخائيل رئيسكم(دانيال16:21).
3-يحملون أرواح المؤمنين إلي دار الخلود:
عندما تنتهي حياة المؤمنين علي الأرض,وتخرج أرواحهم من أجسادهم,وتحمل الملائكة أرواحهم لتذهب بها إلي العالم الآخر حيث تنتظر إلي يوم الدينونة والحساب.يقول مخلصنا عن لعازر المسكين,ثم مات المسكين فنقلته الملائكة إلي حضن إبراهيم,ومات الغني أيضا فدفن(لوقا16:22)فكأن الملائكة تحمل أرواح الصالحين وحدهم.
4- يفرزون الأبرار من بين الأشرار في اليوم الأخير:
يقول فادينا له المجدهكذا يكون في منتهي الدهر,يخرج الملائكة ويميزون الأشرار من بين الأخيار(متي13:49) ويقول أيضاويرسل ملائكته ببوق وصوت عظيم فيجمعون مختاريه من الرياح الأربع,من أقاصي السماوات إلي أقاصيها(متي24:31).
5-يرفعون صلوات المؤمنين:
يقول رافائيل أحد رؤساء الملائكة السبعة لطوبياإنك حين كنت تصلي بدموع وتدفن الموتي,وتترك طعامك وتخبئ الموتي في بيتك نهارا وتدفنهم ليلا,كنت أنا أرفع صوتك إلي الرب(طوبيا12:12)وفي سفر الرؤيا بينات كثيرة علي أن الملائكة يرفعون صلوات القديسين.
ولذلك فإن الكاهن في كنيستنا الأرثوذكسية بعد أن يفرغ نهائيا من طقوس سر الأفخارستيا أو التناول,يصب ماء علي يديه وينفخ فيه,ثم يقذف به إلي أعلي فوق المائدة نحو السماء وهو يقول:يا ملاك هذه الصعيدة الطائر إلي العلو بهذه التسبحة اذكرنا قدام الرب ليغفر لنا خطايانا.
6-يشفعون في المؤمنين:
والملائكة أيضا شفعاء بمعني أنهم يصلون من أجل المؤمنين ويطلبون عن سلامتهم.
جاء في نبوءة النبي زكريافأجاب ملاك الرب وقال:يارب الجنود إلي متي لا ترحم أورشليم ومدن يهوذا التي غضبت عليها هذه السبعين سنة(زكريا1:12)واستجاب الرب لشفاعة الملاكفأجاب الرب الملاك المتكلم معي بكلام خير كلام تعزية.فقال لي الملاك المتكلم معي:ناد قائلا:هكذا قال رب الجنود إني قد غرت علي أورشليم..غيرة عظيمة...لذلك هكذا قال الرب إني رجعت إلي أورشليم بالمراحم(زكريا 1:13-16).
فالملائكة إذن يشفعون فينا بصلواتهم,لذلك فمن الحكمة أن نستغل محبتهم لنا ودالتهم أمام الله,في أن نطلب منهم أن يشفعوا فينا.وأنه من الحماقة أن نغفل عن هذه الفرصة,ولا نستغلها لمنفعتنا.إن الملائكة مقامون علي خدمتنا فيمكنهم مساعدتنا روحيا وأيضا ماديا لأنهم جنود الرب.والرب نفسه ينسب ذاته إليهم فيقول الكتاب عن الرب إنه رب الجنودولولا أن للملائكة دالة أمام الله لما كان ينسب نفسه إليهم كالوالد الذي له ابن بار فإنه يسر بنسبته إليه وإذا ناداه أحد باسمه من دون ذكر اسم ولده يحزن ويعتب عليه ذلك,لأنه يسر بنسبته إلي ولده وعلي العكس من ذلك من له ولد شرير فإنه لا يشاء أن يناديه أحد,لهذا كثيرا ما تردد الكنيسة في صلواتهايا إله ميخائيل أعنا أجمعين.
ومن من الناس يزعم أنه في غير حاجة إلي معونة الملائكة ومساندتهم إلا إذا كان متكبرا متغطرسا.
إن الملائكة محيطون بنا,وهم يصعدون وينزلون بين السماء والأرض.ويحملون إلينا معونة السماء ومعونتهم ويصلون من أجلنا وينقلون أخبارنا إلي السماء ويفرحون بالتائبين ويحزنون من أجل الخطاة.
فلنسأل شفاعتهم ولنطلب من رئيس الملائكة ميخائيل أن يسأل الرب ليغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم ,ويعد لنا نصيبا وميراثا مع القديسين .آمين