- إنضم
- 3 فبراير 2007
- المشاركات
- 7,458
- مستوى التفاعل
- 23
- النقاط
- 0
التجسد عند اوريجانيوس
-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-
التجسد وألوهية السيد المسيح
يقرر أوريجينوس بإصرار الحقيقة أن السيد المسيح وقد صار بشرا، إلا أنه قد بقى إلها. فبشريته لم تضع حدا لطبيعته الإلهية.
+ "فيسوع المسيح الذي جاء إلى الأرض كان في حضن الآب قبل كل الخليقة. وبعد أن صار وكيلا للآب في خلق كل الأشياء - “كل شيء به كان” (يو3:1) - أخلى ذاته وصار بشرا رغم كونه إلها. أي أنه مع صيرورته إنسانا استمر على ما كان عليه، أي استمر إلها. أخذ جسدا مثل أجسادنا، مختلفا فقط في أنه قد ولد من عذراء ومن الروح القدس. يسوع المسيح هذا ولد وتألم حقا وليس مظهريا. ومات بالحقيقة كموتنا. وقام أيضا بالحقيقة من الموت، وأُصْعِدَ بعد قيامته إلى السماء ".
+ هنا يقول بولس: “ أنتم فلاحة الله. بناء الله” (اكو9:3). فما هو إذا ذلك المَقْدِس الذي لم يصنع بيد بشرية، بل أَعدَّتهُ يد الله؟ فلنصغي إلى ما يقوله سليمان: الحكمة بَنَتْ بيتها (أمثال 1:9). أعتقد أنه من الممكن فهم ذلك بأكثر دقة في التجسد الإلهي، الذي لم يحدث بزرع بشر. أي أن المعبد اللحمي لم يبنى من العذراء بواسطة بشرية. بل كما تنبأ دانيال: قُطِعَ حجر بغير يدين (وانفصل) وصار جبلا كبيرا (دانيال 34:2،35). هذا هو المقدسُ اللحمي الذي (قُطِعَ) من جبل الطبيعة البشرية ومن المادة اللحمية (بغير يدين)، أي بدون تدخل بشري . "
يعالج Joseph C. McLelland في عمل له بعنوان “الله: غير متغير ولكنه مُفْعَم بالحياة” رأي أوريجينوس عن تجسد اللوغوس أي الكلمة فيقول: بالنسبة لأوريجينوس فهذه القضية تعالج بمفهوم المذهب الإفلاطوني للنموذج والمثال، بالإضافة إلى وضع الكلمة المتجسد في هذا النوع من الكون.
فهو يواجه صعوبة عويصة في كل ذلك. حيث يعارض أولئك (Epicarus” Stoics وحتى أرسطو) الذين ملئوا الدنيا بعقيدة فيها إلغاء للقدر أو تحديد له. أو يتقدمون بمبدأ أولي مادي وقابل للإفساد. في حين اُعْتُبِرَت عقيدة اليهود والمسيحيين الحافظة للطبيعة الإلهية غير القابلة للتغيير أو التبديل غير جديرة بالاحترام لتعارضها مع أولئك المعتنقين لآراء عاقة عن الله... "
يُسْهِمُ الكلمة المتجسد في الطبيعة النسبية والمؤقتة للعالم الذي يأتي إليه. فالحقيقة الإنجيلية - بغير شك - تتجسم في إدراك واقع إنساني ذو صفة إلهية كريمة. ولكن ذلك يتبعه اعتراف بمجرد طبيعة رمزية للعنصر الإنساني وتصعيد إلى واقع الهي يعلوها...
موضوع النزول الإلهي بالتجسد هو إذاً حاسم بالنسبة لأوريجينوس فقد جاء Celsus بالاعتراض التالي: (إن كنا نؤكد أن الله ذاته سينزل إلى البشر فهذا يتضمن - في رأيه - تركه لعرشه . على هذا الاعتراض يجيب أوريجينوس: إن Celsus لا يدرك قوة الله، الذي يملأ كل الأشياء في حين يحتفظ كل شيء بذاتيته. فإذا قيل عن الله أنه نزل، أو جاء إلينا، فلا يعني ذلك أنه قد تحرك من مكان إلى آخر، أو أنه قد ترك عرشه. فالأمر لا يتضمن تغيير أوترك ". وحتى بفرض قولنا أنه ترك مكانا ما وملأ آخر، فنحن لا نقول ذلك بمفهوم حيِّزي أي مكاني. فبأي مفهوم نعنيه إذا؟ بمفهوم وجودي. إذ أن "التغيير" لابد أن يُفْهَم على أنه يحدث بداخلنا. فأي شخص قد استقبل مجيء كلمة الله في روحه شخصيا يتغير من سيئ إلى حسن، ومن عدم الالتزام إلى ضبط النفس، ومن اللاعقلانية إلى التقوى.
وكما يستنتج أحد الدارسين عن أوريجينوس: “كانت الحياة الأرضية للمسيح روائية رمزية عظمى، رواية غموض إلهية هدفت إلى تنوير للبشرية ".
ويعود بنا أوريجينوس إلى إجابته السابقة، ثم يضيف: في الوقت الذي يبقى فيه غير متغير في الجوهر ينزل في تدبيره الإلهي واهتمامه بجنس البشر.
ويميز هذا المذهب عن ذلك الذي اعتنقه Epicures وStoics ، اللذان فاتهما المفهوم الحق لطبيعة الله في كونها غير قابلة للفساد كما تتصف بالبساطة، وغير قابلة للانقسام. فالسيد المسيح كان أيضا في صورة الله، ولكنه أخلى ذاته حتى يصير في مقدور البشر أن يقبلوه. ولكنه لم يمارس أي تغيير من الحسن إلى السيء. فعندما أخذ الكلمة الجسد الإنساني والنفس الإنسانية، ظل الكلمة في الجوهر بدون معاناة لما يصحب الجسد أو النفس. فنزوله كان للمستوى الأدنى من أجل أولئك غير القادرين على تقبل التدبير الإلهي. لقد صار جسدا ووُصِفَ طبقا لذلك حتى يتسامى - بواسطة الكلمة - من يتقبله في هذا الشكل تدريجيا، إلى أن يعلو- إذا جاز التعبير - عن وضعه المطلق ".
يختلف الوضع طبقا لاختلاف أنواع المتقبلين - إن كان مبتدئا، أو حقق تقدما، أو أحرز تفوقا ملموسا، أو كاد يتوصل إلى الفضيلة، أو توصل إليها فعلاً ". وتصلح واقعة التجلي كمثل في هذا الشأن . فالناس على المستوى الأدنى - لم يكونوا بقادرين على مواجهة الصورة الأكثر صدقا التي أظهر بها يسوع نفسه لأولئك القِلَّة على الجبل. فالأولون لم يروا سوى الطبيعة القابلة للموت. (ويستشهد أوريجينوس بإشعياء 53: “ لا صورة له ولا جمال”)، بينما أدرك التلاميذ صورة الكلمة الخالدة. ولكن لم يشأ أوريجينوس الإيحاء بأن الهيئة الإنسانية لم تكن سوى مظهرا - هولا يخدع أو يكذب ". فرغم عدم قوله أن الشكل المتجسد يشارك في صفة مطلقة، إلا أنه في نفس الوقت لا يَدَّعي العكس، بطريقة غنوسية، تهبط بالجسد إلى مظهر ذو قيمة نسبية - أي نوع من التجلي. فمقصده أن يُظْهِر الحقيقة كتمهيد أكثر منها معيارية. مرة أخرى فالبيدوجوجية هي التي تعمل: فالكلمة الإلهية تتخذ الصورة البشرية بالنسبة لوضعنا الهابط الفعلي، فبذلك يصير في مقدورنا مبدئيا أن نقبله ".
صار يسوع المسيح إنسانًا حقيقيًا
لا ينكر أوريجينوس حقيقة جسد السيد المسيح، وأن له احتياج حقيقي للإعالة . فلم تكن حياته وآلامه وهمية بأي شكل. بل أن أوريجينوس يؤمن بأن جسد يسوع كان حقيقيا إلى درجة لا نتقبل معها - بالمفهوم الحرفي - قصة حمله إلى جبل عال بمعرفة الشيطان المُجَرِّب .
+ فجسد الشيطان بطبيعته من مادة رقيقة كالهواء، لذلك يعتبره أغلب الناس ويتكلمون عنه كغير جسدي. أما بالنسبة للمخلص فقد كان له جسدا ملموسا قابلاً للتعامل معه...
يواجه أوريجينوس السر العميق "للطبيعة المركبة للمسيح . فمع اعترافه بأن اللوغوس قد اتخذ عمداً جسداً لا يختلف عن الجسد البشري، افترض بالتبعية ما يصاحب هذا الجسد من آلام وأحزان . إلا أنه يعلم أن آلام المسيح و موته يقعان في موضع الصدارة من الحب الإلهي والخلاص في موضع القلب - هنا يتكلم عن "فاعلية" موت المسيح ، و يبرهن مبتدئاً من حقيقة آلامه إلى حقيقة قيامته .
يعتبر أوريجينوس الذي أَثْرَى علم المسيحينيات Christology اليوناني باصطلاحات physis وhypostasis وousia وhomousios وtheonthropos- أول من استخدم لقب: الإله المتأنس (theonthropos) God- man ، حتى يجزم إنسانية يسوع في مواجهة الغنوسيين. كما أكد أيضا وحدة طبيعة السيد المسيح في قوله أن السيد المسيح بالرغم من تلقيبه باسم يتضمن معنى ألوهيته، إلا أن الصفات البشرية يمكن أن تنبئ عنه . والعكس صحيح، فيقول:
+" ُسِّمىَ بابن الله الذي به قد خلقت كل الأشياء، بيسوع المسيح، كما سُمِّي بابن الإنسان. فابن الله أيضا قد قيل أنه مات - فيما يتعلق بتلك الطبيعة التي تسمح بالموت. كما سُمِّي بابن الإنسان الذي أُعْلِنَ أنه مزمع أن يأتي مع الملائكة المقدسين في مجد الله الآب. و لذلك لم يأتي ذكر الطبيعة الإلهية خلال الكتاب المقدس كله بلغة بشرية فحسب - بل كُرِّمَت الطبيعة البشرية بتسميات خاصة بالكرامة الإلهية ."
+" بعد التجسد صار يسوع روحا وجسدا واحدا مع كلمة الله . "
صورة جسده
يؤمن أوريجينوس بأن الرب يسوع المسيح كان له جسد حقيقي يشابه في هيئته جميع الناس، ويراه كل المحيطين به.
+" لم تكن له هيئتين فحسب، واحدة يراها الجميع وأخرى تجلى بها أمام حواريه فوق الجبل - بل ظهر لكل إنسان في الهيئة التي تتناسب مع استحقاقاته ".
فالكلمة تظهر في هيئات مختلفة حسب قدرة كل إنسان. فللبعض كان “بلا صورة ولا جمال”، وللآخرين كان مزدهرا بالجمال. فلؤلئك الذين مازالوا في مرحلة الصعود خلال أعمال مجيدة تقودهم إلى جبل الحكمة العالي، كان مرآه في هيئة أكثر بساطة، ويُعْرَف بمفاهيم جسدية. أما بالنسبة للكاملين فقد كان يُدْرَكُ في لاهوته. فمعرفتهم تؤهلهم لرؤياه في شكل الله .
"وجميع الذين في المجمع كانت عيونهم شاخصة إليه” (لو20:4) فكم أرجو أن يكون مثل ذلك في مجمعنا ... أن تتركز عيون الروح وليس الجسد للذين هم تحت التعليم والمؤمنين رجالا ونساء وأطفالا على يسوع. فبالنظر إليه ينعكس نوره على وجوهكم فتزداد لمعانا .
للمسيح نفس بشرية
يقرر Charles Bigg:
كان أول من تحدث باستفاضة عن النفس البشرية ليسوع. فمثل غيرها من الأنفس هي أبدية ومتحدة أبديا مع الكلمة. فمنذ البدء استقبلته بالكامل والتصقت به بغير انفصام. شابهت الأنفس البشرية في كل شيء. فقد كانت مثلها حرة. ولكن كمال الحب وفردية القَدْر جعلها أكثر ارتباطا مع الربوبية إلى درجة تسمح بمقارنة اتحاد الاثنين بكتلة من حديد تتوهج إلى الأبد بلهيب أبيض. فمن يلمس الحديد لا يحس به بل أن ما سوف يحسه هو النار. لذلك نجد في الكتاب المقدس المسمَّيات المناسبة للطبيعة البشرية للرب التي تتحول إلى ألوهيته ، وبالعكس. هذه هي Communicatis Idiomatum . فجسد يسوع كان طاهرا من كل شوائب المولد، ومن كل نجاسة من أي نوع. كان جسدا حقيقيا .
وفي كتابه De Principiis يؤكد أوريجينوس أن السيد المسيح كان له نفسا بشرية.
+" لذلك، فعندما أراد ابن الله أن يظهر للناس ويعيش بينهم، من أجل خلاص جنس البشر، لم يتخذ لنفسه جسداً بشرياً فحسب - كما يفترض البعض - بل أخذ أيضاً نفساً بشرية تشابه أنفسنا في طبيعتها ولكنها تشبهه في القصد والقدرة، بحيث تستطيع أن ُتشبع بدون أن تتخلى عن رغبات وتدابير الكلمة والحكمة."
يؤمن أوريجينوس بسبق كينونة نفس السيد المسيح، كما هو الحال بالنسبة لجميع المخلوقات العاقلة، وفي ذلك يقول Crouzel:
لذلك فالسيد المسيح المتأنس كائن منذ الأزل ، بعيداً قبل التجسد . وله - قبل ذلك الحدث - تاريخ أي تاريخ. فهو العريس للكنيسة (الأزلية) المكونة من جميع المخلوقات العاقلة .